الثلاثاء، 1 سبتمبر 2020

23 - الهوامش والشروح 3781 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

23 - الهوامش والشروح 3781 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

الهوامش والشروح 3781 - 4242 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

شرح حكاية العياضي رحمه الله ، وكان قد شهد سبعين غزوة عارى الصدر على أمل الشهادة
( 3780 ) : يقول استعلامى ( 5 / 389 ) أن المقصود بالحكاية هنا هو العباضى لا العياضي ، وهو في معظم نسخ المثنوى العياضي بالياء وقال ولى محمد أكبر آبادي في شرحه أنه أبو بكر محمد بن أحمد العياضي من فقهاء سمرقند لكنه العياضي دون تشديد الياء ووزن الشعر يستدعى تشديدها ( الشارح : ليست مشكلة فالشاعر الفارسي يتصرف في التشديد عند الوزن ) ،

ويضيف استعلامى : إنه من الصعب تحديد من هو المقصود ، والعياضي الوحيد المذكور قبل مولانا موجود في الباب الثاني من كتاب أسرار التوحيد باسم أبى الفتوح العياضي كشاهد لإحدى كرامات أبي سعيد دون أن يقول لنا من هو أبو الفتوح هذا ، ويواصل استعلامى إنه قرأ ما يشبه هذه الرواية في تذكرة الأولياء عن الشيخ أحمد بن خضروية ( البلخي ) من أنه ظل فترة يضيق على " نفسه "

التي بين جنبيه وذات يوم كان جماعة ذاهبين إلى الغزو ، وألحت على النفس أن اذهب معهم كنت أعلم أن النفس لا تهدى إلى طريق الحق وأن في إلحاحها هذا مكراً ، فكبحت جماحها وضيقت عليها الخناق فاعترفت في النهاية قائلة كنت أريد أن تقتل وتغتر بشهرة الشهاد وبأنك صرت محبوباً للخلق ، وأنجو أنا أيضاً من هذا التعب وهذه الرياضة " الصوفية " لكنه ما لم يذكره استعلامى ، وما لم يذكره فروزانفر وتجاهله تماماً أن الأبيات الأولى تذكر بقوله خالد بن الوليد رضي الله عنه الشهيرة " لقد شهدت ألف غزوة أو زهاءها فما بقي في جسدي ضربة سيف أو طعنة رمح ، وهكذا أموت على فراشي كما يموت العير فلا نامت أعين الجبناء " ،
هذا التجاهل شبيه بتجاهل الشراح الفرس لرواية عمر بن الخطاب وسارية رضي الله عنهما الواردة في الكتاب الثالث
( انظر مناقشات الرواية تعليقات الأبيات : 508 - 516 من الترجمة العربية للكتاب الثالث )
ومن الممكن بل المرجح أن اسم العياضي من لدن مولانا أو اسم للصوفى لم يعرف بعد ، وأن مولانا وفق بين ما ورد عن


“ 603 “ 

خالد رضي الله عنه حين موته وبين الرواية المروية عند أحمد بن خضروية في تذكرة الأولياء ونسج منها حكاية .

( 3797 - 3798 ) : من هنا إضافة من مولانا والمضمون هنا قريب من الحديث النبوي [ إنكم تموتون كما تعيشون وتحشرون كما تموتون ] .
( 3803 ) : إشارة إلى ما سوف يرد في حكاية تالية من حكايات الكتاب الخامس ( انظر البيت 3950 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .

( 3805 - 3814 ) : يقارن مولانا بين اثنين من الصوفية : ذلك الصوفي المزيف الذي مر ذكره ، والذي استطاع الأسير المغلول أن ينتصر عليه لأنه كان قد خرج إلى الحرب رياءً وسمعة وليس عنده من فنون القتال النذر اليسير ، وهذا الصادق الذي خاض الحروب والمعارك لكنه لم يسمح " للنفس " أن تقوده مرة إلى الحرب رياءً وسمعة وفضل الجهاد الأكبر داخل الخلوة ، وكثير من هم الذين لا يخوضون جهاداً أصغر مدعين أنهم يخوضون الجهاد الأكبر متناسين أن بداية الجهاد الأكبر تستلزم عودة من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأصغر في البداية ويدق مولانا على قيمة الصدق ، إن الله تعالى خلق هؤلاء الصوفية المزيفين لكي يكونوا دلالة على وجود الصوفية الصادقين ، إنهم أشبه بعصى السحرة لا تلبث عصا موسى أن تظهر فتلقفهم جميعاً ، أين هؤلاء الصوفية من هذا الصوفي يقول شارحو المثنوى أنه العياضي لكن مولانا يقول آخر ويذكر أنه جرح في الحرب فربط جرحه وقاتل حتى استشهد ومن الواضح أنه ليس العياضي المذكور في الحكاية .

( 3815 ) : إن الأمر يحتاج منك إلى استمرارية ، لا تغفل عن هذه النفس الأمارة لحظة واحدة بل داوم على إذلالها ومخالفتها ، وأشد ما تحرص عليه هذه النفس هو المال فقاوم رغبتها هذه بإنفاقه حتى ولو لم تجد وجها للإنفاق إلا أن تلقيه في اليم " ؟ ! !
" والمصدر هنا ما ورد في كشف المحجوب " الترجمة العربية ص 272 لكاتب هذه السطور وآخرين " يروى أن الشبلي رمى أربعة آلاف دينار في نهر دجلة ، فلما سئل ماذا يصنع قال الحجارة أولى بالماء فسئل لماذا لا تعطيها الفقراء ؟

فقال : سبحان الله ماذا أقول إذا سألني : لماذا رفعت الحجاب عن قلبي ووضعته في قلوب إخواني المسلمين كما ذكر ابن الجوزي في تلبيس إبليس ص 357 حمل أبو الحسن النوري ثلاثمائة دينار ثمن عقار بيع له وجلس على قنطرة وجعل يرى واحداً واحداً منها إلى الماء ويقول جتنى تريد أن تخدعنى منك بمثل هذا .


“ 604 “

( 3821 - 3825 ) : عودة إلى حكاية الصوفي المقاتل الكرار غير الفرار : لقد انكسر رمحه عشرين مرة وجرح مرة ثانية ثم سقط ليكون مع المتقين في مقعد الصدق ،إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ( القمر 54 - 55 ) ، إنه لا صدق دون بذل للروح فاقرأمِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ( الأحزاب 23 ) .

( 3826 - 3835 ) : إياك أن تسمى هذا موتاً ، إنه موت الصورة لكنه ليس موت الروح ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 3537 - 3547 وشروحها ) ويضيف مولانا إن الشهادة ليست بالجسد ، فالجسد مجرد مطية ، فانظر من يركبه ، لترى ماذا قدمت إلى الله سبحانه وتعالى هل قدمت له نفساً لم تجد مركبها فاتجهت إلى العالم الآخر ، إذن خسرت الدنيا والآخرة ، وما أشد سذاجتك ، فليس كل قتيل شهيداً ، فالكفار أيضاً يقتلون ، وإلا صار كل قتيل في مقام أبي سعيد ( فسره مولوى بأنه أبو السعادة ) 5 / 552 وهكذا فسره الأنقروى 5 / 802 )

وقال استعلامى أن المقصود هو أبو سعيد بن أبي الخير الصوفي والشاعر الفارسي في القرن الخامس وأبو سعيد بن أبي الخير لم يمت شهيداً . أليس من المحتمل ان يكون اسم الصوفي المذكور في الحكاية السابقة هو أبا سعيد ؟ إن الشهيد الحقيقي هو من قتل هذه النفس ونجا منها قبل أن يقتل البدن ، يصبح جسده سيفاً في يده وليس سيفاً مسلطاً عليه بشهواته ، لقد تبدل الرجل لم يعد هو هو عندما كانت نفسه بين جنبيه مسلطة عليه لكن السيف بقي وبقي في يد الحق ، ومثل هذا الرجل لا يهتم بالألم ولا يأبه به لا مثل أولئك الرجال " الجوف " الفارغين كأنهم الغبار .

( 3836 ) : في سياق الحديث عن رجال الحق يقدم مولانا هذه الحكاية التي وردت قبله في أكثر من مصدر ورواية صاحبه المستطرف هي أقرب الروايات إلى جزئيات الحكاية عند مولانا جلال الدين ( استعلامى 5 / 391 )
وأبطال الحكاية سواء في رواية المستطرف أو في رواية نشوار المحاضرة لم يكونوا من الملوك فلا ذكر لملك الموصل أو خليفة مصر وربما حول مولانا الأبطال إلى ملوك لكي ينقد ملوك عصره وأمرائه . والحديث هنا عن الشهوة ونحن أمام رجلين كلاهما خضع لشهوته ، وإن كان أحدهما قد انصرف عنها في نهاية الحكاية ، وفي الحكاية قدر لا بأس به من المواقف الجنسية وقد تناولنا دلالتها فيما سبق

( انظر على سبيل المثال لا الحصر تعليقات البيت 1333 من الكتاب الذي بين أيدينا ) لكن الجديد هنا أن مولانا يجعل الشهوة سبباً لاندلاع الحروب ، ولم لا وكثير من الحروب قديماً وحديثاً ربما


“ 605 “

كان السبب في إذكاء أوارها شهوة امرأة لرجل أو رجل لامرأة ، والعصور القديمة حافلة بما يضيق المجال عن حصره ، والذي يثير السخرية هنا أن القائد مسلم والبلد التي هاجمها مسلمة والخليفة الذي انفذه وطلب منه أن يستخدم كل قوته في سبيل الظفر بالمحظية الجميلة مسلم والضحايا مسلمون وعلى كل حال لم يكن هذا من المستبعد في عصر مولانا حيث كانت الدولة الإسلامية تعاني من التفكك ، فمن شرقها احتل المغول جزءاً كبيراً منها ، والأناضول نفسها قسمت إلى عدة إمارات كانت الحرب تدور بينها لأتفه الأسباب بالرغم من أن كل أمرائها ينتسبون إلى البيت السلجوقى .


( 3858 - 3864 ) : يترك مولانا القصة ليتحدث عن العشق الذي هو سر الكون وسر الخليقة وهو كالبحر والأفلاك والسماوات من فوق مجرد زبد ، وما دوران الأفلاك وتجدد الكون إلا بالعشق ومن نزوع كل أجزائه بعضه إلى بعض ، وبدون هذا يتجمد الكون كله ( انظر 4405 - 4424 وشروحها ) وما تحول الجماد إلى نبات والنبات إلى حيوان والحيوان إلى إنسان إلا بسر العشق ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 3903 - 3909 والكتاب الرابع الأبيات 3637 - 3643 وشروحها ) 
ومتى كانت الروح تنمحى فداءً لعودتها إلى تلك النفخة الإلهية التي هي أساسها والتي هي تجذب أرواح الواصلين إلى الحق ( انظر 2890 من الكتاب الذي بين أيدينا ) إن هذا العشق هو السبب في التسامى والعلو ، فكل جزء نزاع إلى الكمال وإلى العلو ، وبتسبيح الله سبحانه وتعالى يتطهر الجسد من علائق هذه الدنيا حتى تستطيع الروح أن تطير إلى الأعالي ( انظر الأبيات 4395 - 4423 من الكتاب الثالث والأبيات 2011 - 2014 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .

( 3865 - 3879 ) : الكلام عن الشهوة التي تخدع الإنسان حتى في النوم " السراب " ، والحديث قد يكون عن البطل الذي اصطحب الجارية أو عن أي إنسان يظن نفسه قوياً وهو يبدو مسلوب الحيلة مفتضحاً أمام الشهوة ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 1695 - 1700 وشروحها ) إنه بطل في الحروب لكنه أمام شهوة جسده مكتوف اليدين لا يستطيع أن يتقدم خطوة إلى الأمام أو خطوة إلى الخلف ، وكأنه ممن تنطبق عليهم الآية الكريمةوَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ( يس 9 ) لقد استطاع ثعلب ( في الأصل أرنب ) أن يلقى بأسد في البئر ( انظر الكتاب الأول من البيت 904 ) فكيف لم يستطع مقاومة شهوته ولم يثنه الخوف من الخليفة عن فعلته ؟

وكيف تأتمن رجلًا يخلو بامرأة اللهم إلا إذا كان

“ 606 “

هذا الرجل معصوماً كيوسف عليه السّلام محفوظاً برعاية الله معتصماً بمعرفته ، فاستطاع أن يقاوم هذه الشهوة وهو غلام يراهق البلوغ .

( 3896 - 3906 ) : إن الاتصال ليس مجرد اتصال جسدين إن الأرواح أيضاً ذات نصيب منه ، وهو ليس مجرد لقاء وقتي ينتهى بانتهائه ، لكن انظر إلى نتائجه ومن لقاء الأرواح أيضاً تتولد روح ثالثة واتصال الأرواح تستطيع أن تنظر إليه بعين الباطن ، ثم إنه أي تلك التي تتولد عن اقتران الأرواح تطهر صورها في الغيب ، ومن ثم فما لم تظهر لك تلك الصور عياناً لا تكن سعيداً هكذا من كل قرين ، بل أجل سعادتك هذه إلى ذلك الموت الذي تنتظر فيه إلى هذه النتائج ، وحتى تعلم أن إلحاق الذاريات الوارد في الآية الكريمةوَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ( الطور 21 ) مبدأ صادق ، إن هذه الأعمال التي تقوم بها في الدنيا ذات صور وآثار تنطق بقيمة هذه الأعمال ( انظر لتفصيل هذه الفكرة الأبيات 3460 - 3485 من الكتاب الثالث وشروحها ) هذه النتائج تنتظرك كأنها ربات الحجال والحور المقصورات في الخيام تناديك يا غافلًا تعال ، فمن سبقوك إلى عالم الغيب في انتظارك ، فما تلكؤك هنا ؟ هيا أسرع وفي البيت 3906 عودة إلى ذلك البطل الذي خان الأمانة من جراء الشهوة .

( 3910 - 3924 ) : يترك مولانا سياق القصة ويتحدث عن الخبر وعن العيان ، ومتى كان الخبر كالعيان ؟ إن الوصف مجرد تصوير من أجل أن تتخيل عين الوعي الشئ الموصوف ، ومتى كان من وظائف الأذن أن تشاهد الصورة ، وفي البيتين التاليين ترجمة رواية حدثت بين الإمام على والإمام الحسن رضي الله عنهما ( مآخذ 192 - 193 ) ،

قال الأصمعي : سأل علي بن أبي طالب الحسن ابنه رضوان الله عليهم كم بين الإيمان واليقين؟   قال أربعة أصابع .
قال وكيف ذلك ؟ 
قال الإيمان كل ما سمعته أذناك وصدقه قلبك ، 
واليقين ما رأته عيناك فأيقنه قلبك وليس بين العين والأذنين إلا أربعة أصابع ( العقد الفريد ص 276 ، ج 4 )
لكن الأذن تنفع في بعض الأحيان ، وهي التي تثير الخيال وإذا كان الخفاش قد احتجب عن الشمس ، فإن خيالًا من الشمس وتصورا لها هو الذي يخيفه منها ويسوقه نحو الظلام ، في حين أن خيالًا أمام من يدرك قيمة هذا الخيال قد يدفعه وقد يسوقه إلى الحقيقة .
وكيف تقلل من قيمة الخيال ، وكل تصرفاتك قائمة على هذا الخيال ؟ 
وهناك فرق كبير بين الخيال والحقيقة ، ولا يستطيع أي إنسان مقيم على الخيال أن يدرك حقائق من هم أمثال موسى حتى


“ 607 “ 

ولو استطاعوا أن يتخيلوه ، فليس كل شئ يمكن أن يتخيل ، هذا أمر بالذوق وبالتجربة . فهل هناك شجاعة قبل ممارسة الحرب بالفعل ؟ 
( لا شجاعة يا فتى قبل الحروب انظر 4007 من الكتاب الثالث ) إن المخنث يقيم الحروب كلها في خياله وهو من خياله هذا يهجم على صور البطل رستم المرسومة في الحمام ، ويظن أن هذا قتال ، ويتوهم أن هذا انتصار ، وهذا الخيال الحاصل عن السمع سرعان ما تفضحه الرؤية والواقع ، وماذا يكون المخنث آنذاك يصبح كأنه المرأة العجوز في عجزها ولا يستطيع أن يفعل شيئا .

( 3925 - 3934 ) : لقد تحدث مولانا في الأبيات السابقة عن الإدراك عن طريق السمع والرؤية الباطنية أو بعبارة أخرى الإدراك النقلي والإدراك العيني والإدراك العقلي ، ويعبر مولانا عن النقل بالعلم التقليدى أو علم أهل الحس ، والإدراك العقلي والباطني أو العلم التحقيقى هو علم أهل القول ( استعلامى 5 / 394 - 395 )

وهذا الإدراك النقلي والعيني يمكن أن يصل إلى مرحلة الإدراك الباطني بشرط عناية الحق سبحانه وتعالى وإرشاد الشيخ وجهد السالك ومن هنا يقول مولانا : 
اسع لكي تصل من مرحلة الباطل ( العلم النقلي ) إلى مرحلة الحق وعندما تصل إلى مرحلة الحق تستطيع حتى الإذن إدراك هذا الحق فلا تسمع سوى هذا الحق ، وتصبح لهذه الأذن قيمة فما تسمعه يكون كأنه المشاهدة ليس هذا فحسب بل يتحول الجسد كله إلى عين تشاهد ( تتحول كل شعرة في أجساد العارفين إلى عين ) ،

إن هذا الإدراك يحول الصدر كله إلى مرآة ينعكس فيها هذا الجمال الإلهي ، جاهد إذن ليكون خيال ( الحقيقة ) زائداً فهو الدليل لهذا الباحث عن الحقيقة إلى الحقيقة والمجاز هو قنطرة الحقيقة ، فيها أيها الملك يا ملك الدنيا تحامق مع هذه الجارية والمحظية والزوجة لألف زوج - بتعبير حافظ - فترة من الوقت هذه هي ؟ ؟

وكل إنسان أخذها فترة من الوقت ، ويا من أنت في دنيا كحلم النائم ، اعتبرها حلماً ، وتعامل معها كحلم ، إن المأمن هنا في البحث عن رضا الله سبحانه وتعالى ، فاتخذه مأمناً ، قبل أن يأخذ جلاد الموت بحلقك .

( 3935 - 3946 ) : منكر البعث في البيت 3935 هو نفس المنافق المذكور في البيت السابق إنه لا يعرف سوى ما يراه بعينيه ولا يعترف إلا به ، فقل له ما أشبهك بطفل يقول أنا لم أر العقل فهل يعنى هذا أن يتخلى العاقل عن عقله ؟ وإذا جاء أحد العقلاء وأنكر العشق على أساس أنه لم ير هذا العشق الذي يتحدثون عنه هل معنى ذلك أن يختفى هذا العشق عن الوجود لأن إنساناً لم يذقه لم يعترف به ؟ أنظر إلى الفرق بين نظرة إخوة يوسف إليه ونظرة


“ 608 “ 

يعقوب ( انظر الأبيات 3301 - 3303 من الكتاب الذي بين أيدينا ) وموسى عليه السّلام لم يكن يعرف أن عصاه ( وهي في يده ) سوف تنقلب إلى حية ، وهناك فرق أيها السيد بين هذه العين التي تنظر بها وعين الغيب ، فعين الغيب هي التي رأت العصا حية ولم يرها صاحب العصا مع أنه نبي ، كما أنه لم ير اليد البيضاء ، وهي يده وفي جيبه ، كان الله تعالى فحسب هو الذي يعلم ، وأنت على كل حال مقيم على ما أنت عليه ، لأنك محروم ترى كل ما أحدثك عنه خيالًا ووهماً وكل همك مصروف على شهوة البطن وشهوة الفرج ، ولا أملك إلا أن أقول لكلَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ( الكافرون 6 )
فلا فائدة من الحديث إليك ، ولا فائدة من عرض الإيمان على من شاخ على الكفر :والشيخ لا يترك ما به * حتى يوارى في ثرى رمسه


( 3957 - 3958 ) : البيتان ناظران هنا إلى الآية الكريمة" وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ( الحجر 21 ) .

( 3961 - 3969 ) : يتحدث الخليفة إلى المحظية وكأنه سلطان من سلاطين الطريق ، ويتحدث عن النور الذي في قلبه ويهديه إلى الحقيقة ، والقمر المخفى بالغمام ، والمصباح الذي يكون تحت الطست هو قلب العارف عندما تشغله أمور الدنيا ، وكأن السلطان هنا يدعى أنه من العارفين وعباد الله المؤمنين الذين وهبوا " الفراسة " وإجلاء القلوب ، وينظر بنور الله وإن كانت الدنيا تشغله بين الحين والآخر ، ووضع المصاحف على بعضها عادة إيرانية قديمة ، والمصاحف السبعة تعبر عن القراءات السبعة ( مولوى 5 / 570 ) .

( 3974 - 3984 ) : يترك مولانا سياق الحكاية وينصرف إلى بيان فكرة تحدث عنها قبل ذلك بالتفصيل في الكتاب الثالث الأبيات 3445 - 3485 وشروحها ) 

إن كل شيىء تظنه مخفياً سوف يظهر لك عياناً يوم الحشر ، إنك إن زرعت بذور السوء هنا فلا تظن أنك سوف تجنى خيراً في الحشر ، وما أشبه هذا الحشر بالربيع الذي يظهر ما دفن تحت الأرض في فصل الشتاء ، وتبدى لك الأرض أسرارها ، وتأتيك بالأنباء عما تخفيه في باطنها ، وما أشبهك بشارب للخمر في ليل هذه الدنيا وظلمتها ، فإن أسفرت القيامة عن صباحها أخبرك الخمار عن تلك الخمر التي شربتها ، فالخمر هي البذرة المخفية ، والخمار هو برعمها الذي ظهر على وجه الأرض ، وبالرغم من أن البرعمة لا تشبه البذرة فإنها نتيجتها ، ومهما لم يتشابه الهيولى والأثر فهذا نتيجة ذاك وذاك هو السبب في هذا .

“ 609 “ 

( 3985 - 3999 ) : وانظر إلى كل الأشياء فمتى شابهت أسبابها ، هل تشبه النطفة الطعام ، وهل يشبه الجنى النار ، وهل يشبه السحاب البخار ؟ وهل يشبه عيسى جبريل ؟ وهل يشبه الإنسان التراب ؟ وهل يشبه اللص المشنقة ؟ وهل تشبه الجنة الطاعة ؟ ، فاعلم أن أي ألم حاق بك أنه هو نتيجة زلة ، حتى وإن لم يشبه هذه الزلة التي ارتكبها والشهوة التي قادتك إلى هذه الزلة ( من الممكن أن يكون الحديث هنا من خليفة مصر إلى نفسه ) وإن شعرت بالحزن فاستغفر ، فإن لكل حزن ذنباً ، حتى وإن لم تكن تعرف هذا الذنب أسجد لله الحكم العدل الذي لا يصيب إنساناً بألم أو حزن أو غم دون ذنب جناه ، والله سبحانه وتعالى سوف يستر عليك ويغفر لك ، بدلًا من أن تتغلب غصة الأحزان وهي مختفية في القلب إلى فضيحة " وينقلب قبض القلب إلى قبض العسس " ( انظر لتفصيلات في هذا المعنى الكتاب الثالث الأبيات 348 - 361 وشروحها ) .
- في العنوان السابق على البيت رقم  4000مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ( الجاثية 15 ) وإِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ( الفجر 14 ) .

( 4003 ) : إن من يعتدى على الأعراض يدعو الناس للاعتداء على عرضه فكأنه قواد لأصله [ من زنا زنى به ولو بحيطان داره ] ( جامع 2 / 171 ) .

( 4013 ) :عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا( الاسراء 8 ) .

( 4015 ) :قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ( الأعراف 23 ) .

( 4030 ) : في العنوان السابق على البيت :نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ( الزخرف 32 )

والبيتان المذكوران في العنوان : ذكر مولوى ( 5 / 577 ) وأنقروى ( 5 / 839 ) ( واستعلامى 5 / 398 ) أنهما لنظامى ولم يحددوا في أي منظوماته والأرجح أن البيت من مخزن الأسرار كما ذكر جعفري ( 12 / 584 ) أما البيت التالي فقد ذكر المولوي والانقروى أنه لسنائى الغزنوي من منظومته " اسرار نامه " وليس لسنائى الغزنوي منظومة بهذا الاسم وقال استعلامى أنه لم يستطع التوصل إلى قائله والبيت من حديقة الحقيقة وهو رقم 10518 ( أنظر الترجمة العربية ) .

“ 610 “ 

( 4035 ) : [ حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ] حديث نبوي ( انظر الأبيات 423 - 445 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحها ) .

( 4036 - 4039 ) : يعود مولانا إلى إياز وحكايته : فالسلطان يخاطب إياز على أنه مثال من أمثلة الرجولة الحقة لأنه يتغلب على نفسه التي بين جنبيه ، إنه ناجح موفق في كل امتحان يمتحنه السلطان فيه ، ويمهد مولانا الحديث عن الحكاية التالية :

( 4040 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت قبل المثنوى في مصيبت نامه للعطار وفي مقالات شمس تبريز والاحتمال الأكبر أن يكون مولانا جلال الدين قد نقلها من مقالات شمس تبريز ( استعلامى 5 / 398 ) ولب الحكاية أن أمر السلطان أثمن من الجوهرة مهما كانت قيمتها .

( 4056 ) : حملهم من الطريق إلى البئر أي ضللهم ولم يخبرهم عن هدفه الحقيقي .

( 4059 ) : العنوان السابق على البيت ( عن التقليد والتحقيق انظر الكتاب الذي بين أيدينا الأبيات 2446 - 2454 وشروحها وعن الامتحان انظر الكتاب الثالث الأبيات 743 - 746 وشروحها ) .

( 4063 ) : إشارة إلى ما ورد في سورة يوسففَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ( آية 15 ) وانظر الكتاب الثالث 2340 - 2344 وشروحها ) والفتح والظفر هنا كناية عن العناية الإلهية .

( 4070 - 4075 ) : الزاهد هو الذي يعبد خوفاً من النار أو طمعاً في الجنة والعارف هو الفارغ من الخوف والرجاء والعابد عشقاً ، إنه يعلم من البداية أن روح الانسان في الأزل كانت متصلة بالحق وأنها تعود في النهاية إلى الحق ، إن الله سبحانه وتعالى قد خلصه من كل ادعاءاته ، ومحا الخوف عنه فأصبح كله رجاء في وصال الحق .

( 4082 - 4087 ) : الجوهرة هنا هي مغريات الدنيا ، وأمر الملك هو كناية عن العلاقة بين العبد وربه والحجر الملون كناية عن الوثن والصنم وكناية عن الجوهرة التي حطمها إياز ، وكناية أيضاً عن كل ما يقف بين العبد وربه ، ومماراة الملك التعلق بسواه من أجل خداع الألوان ، تلك الزخارف التي تصرف العبد عن التفكير في خالقها ، وما هي إلا جرار تحتوى على قليل من ماء البحر أو ماء الجدول ، فكل جميل في هذا العالم إنما يملك فتات الجمال والذي يشغله عن معدن الجمال وجوهره ، وقاطعو الطريق في الدين كناية عن أولئك الذين

“ 611 “

يقعدون للسالكين كل مرصد ويصرفونهم عن الطريق القويم من المشايخ المزيفين المزورين ، وهؤلاء ديدنهم الرسوم والألوان والروائح ، وهم كالنساء ( الفكرة من سنائى انظر ص 451 من الديوان ) .

( 4094 - 4106 ) : قد يكون مولانا يصور مناجاة من العبد أمام الله فمن يكون السلطان محمود الغزنوي لكي يتوارى السخاء كله أمام سخائه وتصغر الأحلام أمام حلمه ؟ وتكون الطيور المباركة التي إن أظلت أحداً كما تقول الأساطير جعلته ملكاً تأخذ بركتها منه ، وأي غفران يكون للملك وأي عفو يكون له بحيث تتجرأ الثعالب على الأسود ، وعندما يتحدث مولانا عن الغفلة التي تنتج من الرعية من كثرة حلم الملك لا يمكن أن يكون المقصود هو الملك أو السلطان محمود ، بل لابد وأن يكون المقصود أنه لولا عفو الله لما تجرأ العبد على ارتكاب ذنب واحد وهذه الغفلة إنما تكون نتيجة عن الوقاحة ، فالعين الرمداء هي التي لا تشعر بالهيبة ومن ثم لا تقوم بالتعظيم ، فكيف يشعر صاحب العين الرمداء بالهيبة وهو لا يبصر شيئاً ، ثم يأتي التعظيم فيحرق هذه الغفلة ويحرق هذه الوقاحة ، والخائف لا ينام ، فهل رأيت نائماً أثناء غارة أو أثناء معركة ، وهكذا ، فإن من يحس بتعظيم الله تعالى ، تنطلق الغفلة وتنطلق الوقاحة خارج قلبه فينطلق مخاطباً رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا ( البقرة 286 ) .

( 4107 - 4111 ) : ومن هنا يحتسب النسيان كذنب على شكل ما ، فالنسيان لا بد وأن يكون لسبب من الأسباب ، وأهم سبب من هذه الأسباب هو التهاون في تعظيم ذات الله ، وقد يقول قائل : إن النسيان أمر يطرأ على الإنسان دون رغبة منه ، لكن النسيان مع ذلك قد يكون اختياراً ، فليس للسكير أن يحتج بالنسيان لأنه بسكره قد جلب هذا النسيان إلى نفسه .

( 4113 - 4114 ) : وفرق بين سكر وسكر ، بين سكر بالخمر الأرضية تجلبه لنفسك ويكون وبالًا عليك ويحاسبك عليه ربك ، وبين سكر بالخمر الإلهية وبجمال الاله يعذرك فيه الإله " ساقي الروح " ويحفظ عليك فيه عهدك ، بل إنه يعتذر عنك ، ويساعدك ، ويغفر لك زلة السكر فزلة العاشق الثمل بالخمر الإلهية أفضل من طاعة غيره ( انظر الكتاب الأول البيت 1589 وانظر الكتاب الثالث عن سكر هاروت وماروت بخمر القرب الإلهي ) وكم من أمور تبدر من العارف الثمل بالخمر الإلهية ينكرها عليه أهل الظاهر ومن لم يتذوقوا قطرة واحدة من هذه الخمر .


“ 612 “ 

( 4115 - 4117 : لا يزال إياز " العبد السالك والولي الكامل " يخاطب السلطان " أو السلطان الأزلي الأبدي " فيحدثه عن عفوه الذي تعد أنواع العطف الموجودة في كل العالم ذرة واحدة منه

[ أن الله سبحانه وتعالى خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأمسك عنده تسعاً وتسعين وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة ، ولو يعلم المؤمن بالذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار ] البخاري ومسلم عن أبي هريرة ، وفي حديث آخر
[ إن الله تعالى خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة كل رحمة طباق ما بين السماوات والأرض ، فجعل منها في الأرض رحمة فيها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض وأخر تسعاً وتسعين فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة ] أحمد في مسنده
( للحديثين الجامع الصغير 1 / 70 ) فهل يمكن أن يقاس عفو الناس بعفوه أو رحمتهم برحمته ، اتقوا أيها الناس القيام بهذه المقارنة الظالمة .


( 4118 - 4124 ) : الحديث أيضاً موجه في الظاهر إلى السلطان محمود لكن أي فراق عن أمثال السلطان محمود يسبب هذا الهلع وهذا الوجد عند مولانا ؟ 
إن أمثال هذه التعبيرات عن الفراق لا توحى إلا بأن الفراق المقصود هنا هو الفراق عن نبع الحياة ومصدر العشق ( انظر عن الفراق الكتاب الثالث الأبيات 405 - 411 وشروحها والأبيات 3690 - 3698 وشروحها ) إنه وجهك الجميل يا الله ثواب أعمالنا فأي تحمل لفراقه ، إن نظرة منك حتى على الكافر تجعله يتحمل سقر وعذابها ، إن هذه النظرة هي الدية لأرواح كل من ضحوا بأرواحهم في سبيل الله وفي دعاء لعلى رضي اللّه عنه " فلئن صيرتني في العقوبات مع أعدائك وجمعت بيني وبين أهل بلائك ، وفرقت بيني وبين أحبائك وأوليائك ، فهبني سيدي ومولاي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك " ( عن سبزوارى 4011 ) .


( 4125 - 4134 ) : الإشارة هنا إلى ما ورد في الآية الكريمةقالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ، لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ، قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ ( الشعراء 49 - 50 )
وانظر أيضاً الكتاب الثالث الأبيات 1246 - 1251 حيث وقفت رواية مولانا عند هذا الجزء الذي يبدأ في آخر الكتاب الذي بين أيدينا إن ما يعتبره فرعون قتلًا وموتاً يعتبره السحرة الذين آمنوا حياة أبدية خالدة ، ومن هنا قالوا لا ضير
( انظر عن الموت كبداية لحياة أفضل الكتاب الثالث 3529 - 3536 وشروحها ) ، فهيا اقترب يا فرعون حتى تسمع الألحان الإلهية تقوليا لَيْتَ

“ 613 “

قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ( يس 26 - 27 ) ، إن ما يعتبره فرعون فناءً هو في الحقيقة بقاء وما يعتبره حرماناً هو غنى فأي نيل وأي مصر ، إن النيل إلى جوار بحر المعرفة الإلهية مجرد جدول ، وهو إلى جوار عالم الروح الرحب المتسع لا يساوى شيئاً ، وأي فخر لفرعون بالنيل وبمصر ، وما النيل وما مصر ليقولأَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي( الزخرف 51 ) وفي عالم الروح آلاف الأمصار والأقطار ؟ ! كيف تقول يا فرعون " أنا ربكم الأعلى " وتهلع من عبد من عببيدك كل هذا الهلع ؟
( انظر الكتاب الذي بين أيدينا الأبيات 2442 - 2445 وشروحها ) .

( 4135 - 4142 ) : عندما ادعى فرعون الألوهية وقال أنا ربكم الأعلى أثبت أنه لا يعرف ربه ولا يعرف نفسه أيضاً ، وعندما اعتبر أن قتل السحرة هو إفناء لأنياتهم كان واهماً ، فإنهم أدرى بأنياتهم وهم يدركون الآن أن تلك " الأنا " التي تخصهم قد نجت من أنيتها وإحساسها بذاتها وشهواتها وهمومها ، إن ذات فرعون كانت شؤماً عليه هو نفسه ، لكنها كانت سعداً واقبالًا على هؤلاء السحرة الذين آمنوا برب موسى ، وما هذه الجذوع التي يصلبهم عليها فرعون إلا المركب الذي به ينطلقون إلى ما لا يستطيع وهم أي فرعون أن يصل إليه ، إلى الملك الحقيقي ، وإلى دار الملك الحقيقي ، لا ملك الغفلة التي يظنه فرعون اللعين ملكاً ، وما هو إلا دار الغرور ( انظر الكتاب الرابع 3083 ) وهكذا فان فرعون يظنه عدماً وهو وجود وحياة ويظنه فناء وهو بقاء سرمدي ( انظر عن البقاء والفناء مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث ) .

( 4143 - 4148 ) : هناك نوعان من " الأنا " أنت حائر بينهما هذه الأنا الموجودة وجوداً جسدياً ، ثم وجودك الأزلي الأبدي أو ما يعبر عن مولانا بأنية الأزل التي يحار القلب في عوالمها وفي قدراتها وفي عظمتها ، والتي تعد " انا " الجسد عاراً عليها ، والأنا التي بلا أنا هي تلك الذات التي تخلصت من أنيتها واتصلت بالبقاء السرمدي ، هي تلك الأنا التي بها تسعد الروح ، إنها حين تخلصت من أنية الجسد صارت جديرة بأن تطلق على نفسها لفظ " أنا " ولن تستطيع أن تحس بهذه الأنا إلا إذا توصلت إلى فناء تلك الأنية الجسدية ، حينئذ تكون حياة سرمدية ، تطلبك هذه الأنا ولا تطلبها أنت .
 

( 4149 - 4152 ) : تراك تظن أن فهم هذه الأمور يتأتى بالعقل ، إذن لكان فخر الدين الرازي عالماً ( المفكر في القرن السابع وخصم بهاء ولد والد جلال الدين والذي يقال إن


“ 614 “

دسائسه لدى خوارزم شاه كانت السبب في غضب خوارزم شاه عليه ومن ثم هجرته مع أسرته من موطنه وقد ناقش عبد الحسين زرين كوب هذه القضية وجزم بعدم صحتها - انظر سر نى 1 / 74 - 77 ) والعقل هنا هو عقل الفقه وعقل المدرسة وعقل الجمع والعقل الدنيوي ، والأمور كلها بالذوق " ومن ذاق عرف ومن حرم اختلف " ومن ثم فإن هذه الأنا الجسدية لا تدرى من أمور الكشف شيئاً ، ولأن الأمور بالذوق فإن العقول الجزئية تتشدق بالحلول ( أي حلول الله جل شأنه في جسد العين ) وبالاتحاد والأمور كلها روحية ولا علاقة لها بالأجساد ، ولا علاقة لها بهذه الأنا إنه اتحاد النور ( انظر 2038 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .


( 4135 - 4157 ) : إن هذا العبد " إياز " الفاني في الله من قربه منه ، المستمد منه النور لفرط عشقه كالكواكب المقتربه من الشمس تستمد منها نورها ، وهكذا فناء العبد في النور إنه مثل تخلق النطفة وتحولها إلى جسد ، لقد صارت هذه النطفة جسداً كامل الخلقة فكيف تنكر تحول الجسد إلى نور ، وأي سقوط لك إذن في الاتحاد والحلول ، أي عفو يطلب من العبد ، إنك أنت يا الله خزانة العفو ، والعفو موجود في سابق لطفك ، والعفو للسلاطين ، فأي عفو يرجى من العبيد وأية جرأة لهذه " الأنا " حتى تتشبث برداء " الأنا " المطلقة .


( 4158 - 4169 ) : لا يزال مولانا يتابع قصة إياز ومحمود " العبد الصالح والإله الخالق " وها هو إياز يعتذر عن أنه تشفع من أجل العفو عن الأمراء المجرمين والحديث الوارد في العنوان " أنا أعلمكم بالله وأخشاكم لله " لم أجد له أصلًا وأقرب ما توصلت إليه منه [ إني لا أرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما يتقى ] ( شرح التعرف 2 / 76 ) .


والآية الكريمة فاطر 28 . ويعتذر إياز هنا عن التشفع بأنه أنا كان يفتح طريقاً من أجل معاينة حلم السلطان والرواية هنا اعتذار من الشفيع وفي الكتاب الرابع غضب من المشفوع في حقه ( انظر الأبيات 2975 - 2984 وشروحها ) ، ما هذا التبجح ، وما هذه الجرأة بحيث يقوم " عبد " بإخبار " السلطان " عن شروط الكرم ، وكل ما أنا إنما يكون من نورك يا مالك الملك ، وما جرأتي هكذا إلا لإكرامك لي وتفضيلك إياي ، لا بل أنت الذي أوحيت لي بهذا الدعاء وهذه الشفاعة ( انظر دعاء الدقوقى وشفاعته في الكتاب الثالث البيت 2283 ) وعن أن الدعاء والاستجابة له ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 189 - 199 وشروحها )

إن هذا الدعاء وهذه الشفاعة إكرام من الحق لبعض عبده لكي يكون فخرهم حتى يصبح هذا الذي كان ألماً بأجمعه بلسماً للخلق وطبيباً لهم وشافياً لآلامهم ( انظر الكتاب الثالث 270 ) .

“ 615 “ 

( 4171 - 4179 ) : لقد جعلت أنت يا الله من هذا المخلوق الشهوانى الجدير بجهنم كأنه ماء الكوثر يطفئ نيران الجحيم ، بل يعيد من احترقت جلودهم في نار جهنم الدنيا وشهواتها ويجعلهم لائقين بالجنة مستعدين لها ، هؤلاء البشر هم ربيع هذا العالم يأخذون بأيدي من جردتهم رياح الخريف من الأوراق والثمار ويبثون فيهم الحياة ، كل منهم كأنه إسرافيل ينفخ في صور المعنى فيحيا موتى الروح وكونك يا إلهي قد اصطفيت من عبادك من خصصتهم بهذا الكرم هو مصداق لحديثك [ خلقت الخلق ليربحوا على ولم أخلقهم لأربح عليهم " ] ( وردت أيضاً للإمام على رضي الله عنه : يقول الله تعالى يا ابن آدم لم أخلقك لكي أربح عليك إنما خلقتك لتربح علىّ فاتخذنى بدلًا من كل شئ " ( فروزانفر أحاديث مثنوى ، ص 58 ) .

( 4182 - 4186 ) : إن عالم الغيب هو مصدر كل أحاسيسنا وعواطفنا وهو أيضاً مورده ، إن عفو الخلق مجرد صدى من عفوك أنت ، كلها سيول وجداول تفيض من بحرك وتعود إليك إنها كل صباح تطير صوبنا كأنها طيور وفي المساء تكون رجعتها إليك أنت ، إنها الأرواح ، تجعلها محبوسة في الأبدان طيلة النهار فإن جن عليها الليل تحلق إليك بأجنحتها عاشقة لهذا الأيوان صائحةإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ( البقرة 156 ) .


( 4187 - 4199 ) : الحديث عن الرجعة الأخيرة ، لا رجعة طيور الأرواح عند نوم الأجساد ( من هنا قيل النوم هو أخ الموت واليقظة هي الحشر الأصغر ) وعندما يناديها الخالق : تعالوا وتكون الرجعة الأخيرة ، فلا يبقى حرص ولا غم ولا يحزنهم الفزع الأكبر ، عندئذ تنتهى الغربة ، غربة الأرواح في الدنيا ، وبعدها عن منبتها الذي لا تزال تحن إليه منذ أن اغتربت عنه ، عندئذ تسترخى بعد الكدح ، كدح الدنيا وعنائها ، ويزوجون بالحور العين اللائي كن في انتظار هؤلاء الصوفية السالكين يعودون من سفر الدنيا ، ومن رحلة الامتحان ، ومن مزبلة البشر ، ومن متربة الدنيا ، فلا أثر منها وقد صفاهم ربهم من الكدر ، لكن هناك قوما آخرين اثقلتهم الذنوب ، ورسبوا في الامتحان ، لكنهم أيضاً أيها الإله طامعون في عفوك ، راجون مغفرتك ، آملون في لطفك ، فاغسلهم أيها الإله العظيم بالثلج والماء والبرد ، وصفهم في عين المغتسل البارد ( ص / 42 ) ،

لكي يصطفوا في صفوف الملائكة مصلين لك مسبحين بحمدك ، معترفين بفضلك ولطفك ، تراني أستطيع أن أخط وصف هذه الحال في بيان ، وهل يستطيع القلم أن يصف هذا الرضوان ! !

“ 616 “ 

( 2400 - 4208 ) : لا يفتأ مولانا جلال الدين يتحدث عن البيان الذي لا يستطيع أن يستوعب المعاني الراقية السامية التي تدور في ذهنه ، إن المعاني كالبحر والبيان كإناء فخار ، والمعاني كالأسد الهصور والبيان كالحمل الوديع ، ومن هو في حجاب لا يستطيع أن يعبر عما هو وراء الحجاب ، فأخرج من احتجابك بالمادة حتى ترى عالم المعنى ، والسكارى بك أيها الاله يحطمون كؤوسهم دائما عند وجدههم ، وجد السكر لا يتم الا بعد أن يفيق الثمل ، وهؤلاء لا يفيقون أبدا ، فمن سكر بهواك لا يفيق .


( 4211 - 4216 ) : لا يزال فضلك يقول لهذا الثمل بك ، اذهب وامض ، استرح ، إنك قد سقطت في المخيض ، إنك مخدوع ( انظر 2716 من الكتاب الثالث ) ، إنك تظن نفسك ثملا ، لا ، إنك أنت الخمر نفسها ، فبك ثمل الناس ، إنك ضعيف لكن الأقوياء يثملون بك عندما تسوق مركبك نحو بحر معرفة الحق واللذائذ الروحانية ، إنك أنت أيها الثمل بالعشق الإلهى برغم ضعفك محور الوجود وقطب المخلوقات ( انظر 2339 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ،

ومن خمرك يا ثملا بالعشق الإلهى تصبح الجبال نفسها ثملة بالعشق ( أيها العاشق ذاق الطور عشقا * رقض الجبل وموسى خر صعقا ، البيت 26 من الكتاب الأول ) ، وكل الجواهر إلى جوار مرتبة العاشق رخيصة الثمن لا تساوى شيئا ، وماذا أقول ؟ ! إن البيان قاصر عن وصف هذا الذي لا يوصف ، وأي فم يستطيع أن يتحدث وخمسمائة فم عاجزة وقاصرة ولا تستطيع أن تصفه ، وكلما أردت أن أصف روح العالم ، العشق الساري في الأكوان ، والعاشق أو الإنسان الكامل ، أصبت بالخجل ! !


( 4217 - 4219 ) : إنني أشعر أمامك بالانكسار يا مليك العالم ويا عالما بالسر لأن بيانى قاصر ولغتى عاجزة ، لكن هل أكون أكثر انكسارا من العدم الذي قد تخلق بالله عوالما تصل إلى الوجود عالما بعد عالم ؟ ! بلطفك ومنك وكرمك تأتى بالموجودات كلها في عالم العدم إلى عالم الوجود ، وغير هذه العوالم التي خلقت هناك آلاف العوالم التي تنتظر الخلق ، وهناك سير مستمر ، حركة مستمرة تحرك العدم إلى الوجود في مراتب وأطوار ، فمن الموت في عوالم الهيولى يجذبه إلى عالم الجماد وبالموت في عالم الجماد يجذبه إلى حيز النبات ثم إلى حيز الحيوان ثم يدخل في أطوار الإنسانية ، تجدد مستمر بين الموت والحياة ، ثم مرة ثانية بمقتضى إنا إليه راجعون عودة إلى العالم الأصلي ، عالم العدم مصنع الإبداع ومنشئه ، وفي هذا التغير المستمر ، هناك ما لا يتغير ولا يتبدل ، وقدم الصانع وحداثة المصنوع هو الذي


“ 617 “

يفصل كل مراتب الوجود عن اللاهوت ، ومرتبة يعبر عنها العرفاء ب " هاهوت " ، فجوة لا يمكن عبورها تجعل العارف السالك واقفا على نقص وجوده واحتياجه وفقره ، بحيث يئن دائما وينوح من أجل أن يقوم بعبوره ( سر نى 1 / 557 ) ( انظر أيضاً مثنوى مولانا جلال الدين 2 / 690 و 762 و 3 / 3901 - 3906 و 1 / 1889 ) .


( 4220 - 4227 ) : كل هذا يصيب رأسي بالدوار في طلبك ، أحس بأن كل ذرة من الحياة مصدرها أنت ، وأنا مجرد ميت أمامك ، والرغبة نفسها ، تلك الرغبة في أن تتكشف أمامى هذه الحجب ، أنت الذي خلقتها في وصورتها في نفسي ، وأنت محركها ، وأنفاسك السارية في هذه الألوان ، ونفختك الإلهية التي هي أصل الخلق هي التي تحرك عالم التراب ، فهل يتحرك تراب دون ريح ؟ ! وهل تسير سفينة دون ماء ، إن ماء الحياة الذي يهب الموتى الحياة الخالدة وينقذهم من الموت إلى جوار ما تمنحه أنت من كدر ، فإن الموت منك أيها الإله هو بمثابة ماء الحياة ( انظر لماء الماء البيت 1274 من الكتاب الثالث ) .


( 4228 - 4231 ) : وما الموت وما الحياة ، إن في كل لحظة موتا ونشرا وحشرا ( انظر سنائى الحديقة : الصوفية يقيمون في كل لحظة عيدين ) ، والعمر كالجدول يتجدد ماؤه أولا بأول ( انظر الكتاب الأول 1153 والكتاب الذي بين أيدينا ، الأبيات 795 - 798 ) وهذا من جذباتك ومن كرمك ، وليس للماء وجود بدونك فأنت ماء الماء أي أصل الوجود وروحه السارية فيه ، وكيف يمكن لإنسان أن يجرؤ على استقبال الموت دون أن يكون عاشقا لك ، والا فإن الموت بمقياس العقل الدنيوي كريه ، ولا يجعله حلوا إلا العشق .

( 4232 - 4243 ) : ها أنا قد قدمت إليك الكتاب الخامس من المثنوى المعنوي ، كوكبا درياً ينشر النور في الأرواح ، وإنما يفهمه من هو أهله ، أما من ليس بأهل فإنه غافل عن طوالع السعد فيه واقتران هذه الطوالع ، إن هذا المثنوى كالشهاب الثاقب ، محرق للشياطين التي تسترق السمع إليه ، كأنه الرامي بالنفط ، نفس هذه النجوم التي تقوم بدور العقارب التي تلدغ الشياطين ، أو ذلك الكتاب الذي يجد فيه شيطانى النفس مثل لدغ العقرب ، يكون وليا باعثا للسعادة كنجم المشترى لمن هم يعتقدون " فيه " ويستمر مولانا فيدق على النجوم والبروج فهو " قوس " ، بالنسبة للشيطان و " دلو " ، بالنسبة للولي عند الزرع والثمر ، وهو كالشمس يمزق العدو كما يمزقه الأسد ، لكنه يربى الياقوت في منجمه ، وهكذا ، كل أثر فكرى ، إنه قد يكون سماً في فم أحدهم ، لكنه يكون شهدا بالنسبة للآخر ، فإنك إن كنت حبيباً تنال منه


“ 618 “ 

الشهد ، وإن كنت عدوا فليس لك منه إلا السم ، وألم يشرب الفاروق عمر رضي اللّه عنهم ذلك السم الذي وجد في غنائم المدائن ( والرواية أيضاً وردت عن خالد بن الوليد )
( أو أرسل هدية من قيصر الروم ) ، ولم يمت !!
( لم يقترب منها أي مفسر إيرانى !!!) وهكذا رجل الحق فإنه لا يصاب بأدنى ضرر حتى من أي شئ يكون ضرره محتوماً . 
*
تم بحمد الله تعالى رب العالمين
عبدالله المسافر بالله
.
* * *
* * *

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: