الأربعاء، 2 سبتمبر 2020

18 - الهوامش والشروح 693 - 1115 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

18 - الهوامش والشروح 693 - 1115 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

الهوامش والشروح 693 - 1115 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

شرح حكاية قول بلال رضي اللّه عنه أحد أحد 
( 897 - 914 ) : كان أبو بكر الصديق يجد رائحة مألوفة لديه أي يجد في صيحة بلال أحد أحد طعم الإيمان الحقيقي ، ولم أجد في السيرة وصية من أبى بكر رضي اللّه عنه لبلال رضي اللّه عنه بأن يكتم إيمانه عن سيده ( انظر ابن هشام القسم الأول ص 317 من طبعة 1955 بتحقيق مصطفى السقا وآخرين )
 
لكن مولانا يصور بلال في عشقه للأحد ، ذلك العشق الذي يجعله يعود عن نيته في كتم إيمانه حتى يجعل الله له فرجا ، والمقصود بمحمد عدو التوبات ذلك العشق لمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم الذي يجعل المؤمنين بدينه يضعونه في موضع بحيث يكون أحب إليهم من أنفسهم ، ويكون البلاء أهون من كتمه وإنكاره ،
 
 فكيف يمكن إنكار عشق فيه حياة الخلود والنجاة من الموت ؟ كيف يمكن التوبة عن عشق يملأ العروق والأوردة بحيث لا يترك مكاناً لأي شعور آخر ؟ وفي البيت رقم 909 إشارة إلى حكاية العبد المؤمن هلال التي سترد فيما بعد
 
( بداية من البيت 1116 ) ومن الممكن أن تكون أيضاً إشارة إلى ضعف بلال ونحول جسده كالهلال ، وبلال يتحدث عن نفسه وكأنه قمر يستمد نوره من الشمس ، وحينا يكون في اكتمال وحيناً في نقصان بقدر ذلك النور الذي يأخذه من الشمس ( شمس الحقيقة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم ) إنه يتبعها كما يتبع الظل الشمس ، وهذا هو قضاء العشق ،
 العشق يجعل من المرء كقشة في مهب الريح تتحرك حيثما تحركها الريح ، قيامة تجعل كل مرضعة تذهل عما أرضعت وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ، فهل من عزم على أي عمل أو إرادة له والقيامة قائمة ، ويقدم مولانا صورة من الواقع المعاش ، إن العاشق كذلك القط الذي يحمل في
 
« 472 »
  
جوال لينقل إلى مكان آخر ، وهو عادة لا يحمل بل يجر ، يكون حيناً في منخفض وحيناً في مرتفع ، لا يملك من أمر نفسه شيئاً ، ولا يملك قراراً ولا راحة .
 
( 915 - 930 ) : ينطلق مولانا في الحديث المحبب إلى نفسه : العشق ، وإذا حل العشق فانصتوا ، اصمتوا وانصتوا ، ولا حظوا ما تفعله مشيئة الحق ( قضاء العشق ) ، إن العشاق كأنهم حجر الطاحون يدورون ليل نهار وينوحون ، إن هذا الدوران شاهدٌ على وجود النهر الطامى الموجود ، وأصلهم المندفع نحو البحر الكلى ونحو أصل الوجود ، وإذا كنت لا ترى هذا الجدول الكلى ، فانظر إلى ساقية الفلك ، تدور ، فإن لم يكن ثم نهر كلى كيف يدور ؟ !
وإذا كنت تدور ولا يقر لها قرار فكيف تطمع في أن يقر لقلبك قرار ؟ !
( المعنى من ناصر خسرو :
أي استقرار تنشده تحت الفلك * ما دام الفلك نفسه لا يقر له قرار
( ديوان ، ص 9 ) إن العشق لك بالمرصاد ، فلا تنشد فيه الاستقرار ، فهو الذي يحطم كل ما تشبثت به ، وهو يمحو كل ما تتلتفت إليه سواه ، إن هذه العناصر في ترتيبها وفي جيشانها وفي فورانها تدلك على حركة هذا البحر الكلى ، إن كنت لا تدرى عنه شيئاً كل العناصر منجذبة إلى بعضها بالنسق في حركة دائبة
( انظر لتفصيل الفكرة الكتاب الثالث ، الأبيات 4402 - 4423 وشروحها ) أن هذه القذى والغثاء
 
( العناصر الأربعة ) تتحرك بهذا البحر الشريف بحر العشق وتشبيه الشمس والقمر بثورى الطاحون على أساس أنهما يحفظان دوران الفلك من ناحية ومن ناحية أخرى يمثلان دليلا واضحا على دوران لا تخطئه العين على إسراع الكواكب من منزل لمنزل وتغير تأثيرها من السعد إلى النحس ومن النحس إلى السعد ، وهذا العالم كله في تغير وتبدل .
 
وعن أن العالم في تغير وتبدل وأن قانونه الأزلي هو الحركة دقت الفلسفات والكتب المقدسة منذ أقدم العصور ففي الريح ويدا كتاب الهنود أن القانون الخالد هو قانون الحركة ومنه ظهرت السماوات والأرضيين كما طرح أرسطو مبدأ الحركة
 
« 473 » 
 
وهيراكليطوس هو القائل نحن لا ننزل نفس النهر مرتين ففي المرة الثانية نتغير سواء نحن أو النهر ، وقد انتقل المبدأ إلى الفلسفة الإسلامية اعتماداً على بعض نصوص القرآنيَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ( الرحمن / 29 ) .وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ( النمل / 88 ) ( جعفري 13 / 352 - 354 ) .
 
ويقول السبزواري ( ص 423 / 424 ) : لأن العالم بحسب السلسلة العرضية الزمانية آنا فآنا في حركة وتبدل وبحسب السلسلة الطولية مرتبة فمرتبة في تغير واستكمال ، ففي كل لحظة نزع صورة ناقصة من حيث النقصان وخلع صورة ولبس صورة . وانظر في ذاتك أيها الإنسان إلى الشروق والغروب وإلى النوم واليقظة وانظر في زمانك إلى ربيع وخريف وصيف وشتاء ، وانظر إلى أحوالك هناء وسرور وحزن وشجن وضحك وبكاء ، وكلها بيد المشيئة يقوم بتصريفها كيف تشاء .
 
( 931 - 943 ) : إذا كانت الكليات ( العناصر ) خاضعة أمام مشيئته بهذا الشكل منجذبة إليه عاشقة له في يد مشيئته كالكرة في الصولجان يوجهها حيث يشاء ، فكيف تكون يا قلب العاشق وأنت بالنسبة لها كذرة في محيط الكون تظل ساكنا أمام هذه المشيئة ؟ !
الست تخشى عقابه وهذه الكواكب تتعرض لعقابه إذا حادت عن الطريق مثقال ذرة ، ألا تعاقب الشمس بالكسوف بواسطة الذنب وتسود فتكون كقاع القدر ؟ !
ألا يعاقب السحاب بالبرق يسوطه بسوط من نار ؟ !
ألا يسبير السحاب ويزجيه كيف يشاء فيمطر على واد ويجدب على آخر بمشيئته هو جل شأنه وبإرادته ؟ ! وهكذا العقل ينبغي أن يكون تحت حكم المشيئة ، فإذا اعوج كان كسوفه ، وإنك لتؤخذ بقدر جرمك فإن الله لا يظلم مثقال ذرةوَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ( الأنعام / 3 ) .
 
( 944 - 958 ) : دعك من هذا ، وتحدث عن هداية الحق ورعايته لعبيده وألطافه معهم وتجاوزه عن ذنوبهم ، فهذا هو العيد ، والناس تطيب أفواههم بذكر الحق فكأنهم يتجرعون الشهد ، هذه الرعاية هي الإقبال الحقيقي ، وأي توبة عن العشق تنفع إذا حلت هذه الرعاية ،
 
« 474 » 
 
في هذه اللحظة لا عقل يراعى أو يهادن أو يكتم خوفا من الكفار ، فقد ثمل العاشق بالفيض الإلهى وغلبه السكر ، وهو مستعد لرهن جسده والتخلي عنه ، فقد صار جسده مفعما بخمر الإله الياقوتية ولم يعد يحس بشئ غيره ، فطاب مجلسه وامتلأ بالوجد والسماع ، فهيا أحرق العود دفعا للحسد ، فالعشاق في البلاء يحسدون ، وعربدتهم تقع منى موقعا حسنا ، والعشاق كلهم صاروا رفاقا ، بلال مع هلال ، وجراح بلال كأنها الورد وزهر الرمان والجسد المحطم روضة إقبال ، ألا فليأت هذا اليهودي الكافر وليحطمه فإن كان الجسد في عذاب فالروح في هناء ، وأشم عبير الحبيب
( الشطرة الثانية من 955 من بيت شهير للرودكى ) لقد امتلأ بلال بالمصطفى والمصطفى ببلال حتى أنه سمع دبيب قدمه ليلة المعراج "
روى أنه صلى اللَّه عليه وسلّم قال : يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دق نعليك بين يدي في الجنة ، ( مولوى 6 / 141 ) .
وعند جعفري ( 13 / 348 ) عن ابن عباس قال : ليلة أسرى نبي الله صلى اللَّه عليه وسلّم ودخل الجنة فسمع من جانبها وجسا قال : يا جبريل :
ما هذا ؟ !
قال هذا بلال المؤذن ، فقال نبي الله صلى اللَّه عليه وسلم لما جاء إلى الناس قد أفلح بلال رأيت كذا وكذا . وهكذا فإن هذه الأقوال جعلت الصديق رضي اللّه عنه متأكدا من أن بلال أن يسمع نصيحته ويكتم إيمانه .
 
( 959 - 974 ) : يصور أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم بأمر بلال رضي اللّه عنه ولكن بأسلوب مولانا جلال الدين الذي يصور بلالا نسيج وحده متعرضا لتعذيب الكفار ، ويصر مولانا على تسميتهم باليهود ، لا لشئ إلا لاختلاف جنسه عن جنسهم فهو طائر ميمون الجناح والقوادم يطير في فضاء الحقيقة ، وهو بازى السلطان وقع في خرابة البوم ( انظر قصة البازي والبوم بداية من البيت 1135
من الترجمة العربية للكتاب الثاني من المثنوى ) ويضرب المثل بغضب اليهود في اللغة الفارسية للحقد المستقر في القلب والذي لا يمضى
 
« 475 » 
 
ولا يهدأ ، ولا ذنب له إلا كونه بازيا مثلما لم يكن ليوسف عليه السّلام ذنب عند اخوته إلا حسنه ، وهكذا مثلما يفعل البوم بالبازى ، يقوم الكفار بتعذيب بلال ، ولا ذنب لبلال رضي اللّه عنه إلا أنه عاشق حلت به القيامة ولا إمكان في توبته ، وهذا أمر محال جداً .
 
( 975 - 983 ) : ظاهر الحديث انه حديث أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه لكنه في الحقيقة من إفاضات مولانا جلال الدين عن العشق ، فالعشق من أوصاف الله سبحانه وتعالى ومتوجه إليه ومن ثم فهو خالد وباق ، والتوبة وصف الخلق وهي حادثة وفانية ، فالتوبة بمثابة الدودة والعشق بمثابة أفعى ،
ولهذا قال الجنيد : " إذا فسرت المحدث بالقديم لم يبق له أثر " ( مولوى 6 / 143 ) والعشق إذن من صفات الله الغنى ولهذا فكل عشق غير عشق الله هو عشق مجازى ، والله تعالى هو الذي يخلق عشقه في قلب عبده ،يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ( المائدة / 54 ) ( انظر 2178 الكتاب الخامس ) ،
 
وذلك أن الجمال الحقيقي هو جمال الله ، وأي جمال آخر إنما يكون شعاع من انعكاس هذا الجمال ، فإذا ذهب افتضح العشق المجازى ، عاد النور إلى أصل النور وبقي الجسد خاليا منه ، مجرد جدار ذهب عنه ضوء القمر ( انظر الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 552 - 559 وشروحها ) .
 
( 984 - 993 ) : المبصرون أي العارفون بأسرار الغيب يكون للوجود المطلق ( منجم الذهب ) ذلك أنه أصل الجمال وأصل الغنى الذي لا ريب فيه ولا شك ، وكل من ساوى الزيف ( الدنيا ) بهذا الذهب النضار الحقيقي ، انصرف عنه الذهب الحقيقي ، وانصرف عنه الزيف إلى العدم ، وفنى العاشق للزيف والمعشوق أي الزيف ( ضعف الطالب والمطلوب ) لكن العشق الرباني هو شمس الكمال والروح نوره والأجساد ظله ( مولوى 6 / 145 )
والناس إن حرمت منها ماتت كأسماك حرمت من النبع ، والأمر هو عالم الغيب ، وأمر نوره أي أصل نوره ( سبزوارى / 427 ) ، ونحن وكل المخلوقات ظلال له ( استعلامى 6 / 272 ) ولأن المتحدث وجد مستمعا في مستوى المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم في الوصل إلى عوالم الغيب فقد
 
« 476 » 
 
أفاض بحيث صارت كل شعرة من جسده لساناً ، وهكذا يستفيض المتحدث إن وجد مستمعا من جنسه ، فإن لم يجد نامت قريحته ، وأسير الله في الأرض أي عاشق الحق الذي يعيش بجسده في سجن هذه الدنيا .
 
( 994 - 1012 ) : يواصل مولانا قصة شراء أبى بكر لبلال رضي اللّه عنه وعرض الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم أن يكون شريكا في الثمن أو شريكا في هذا الإقبال ، وانطلق أبو بكر متفائلا ، فما أيسر هذه الصفقة فاليهودي لا يعرف قيمة بلال مثلما لا يعرف الأطفال قيمة الجوهر ، أليس الشيطان المضل يشترى عقول البشر بمتاع الغرور ؟ ! ألا يأتي الساحر ويبيع للناس ضوء القمر على أنه قماش ؟ ! ( أنظر الكتاب الثالث ، البيت 1164 ) ، ( قصة شراء أبى بكر لبلال رضي اللّه عنه يقصها مولانا طبقا لما ورد في طبقات ابن سعد " 3 / 165 " ) .
 
 لكن الأنبياء يعلمون الناس التجارة الحقيقية ، التجارة مع الله ، ومع ذلك فإن الشيطان قبح في أعينهم هذه التجارة ، وهكذا ديدن الشيطان يفرق بسحره بين المرء وزوجه ، وهذا الجوهر - أي بلال - بيع بثمن بخس لأن الشيطان خاط عين بائعه فلم يشعر بقيمة البضاعة الموجودة في يده ، إنه حيوان فكره منصرف إلى الجسد ، وإلى المرعى فمتى يفكر في جواهر الروح ، التي صار بها الإنسان جديرا بأن يوصف بأنه خلق في أحسن تقويم ( التين / 4 ) ( وانظر 963 من الكتاب الخامس )
 
ولا يمكن أن يعبر عن معنى هذه الآية الكريمة ومفادها ، فإنك تفسر أحسن التقويم بأن الإنسان خلق في تناسب عضوى وليس الأمر كذلك بل المقصود تلك الروح التي هي النفخة الإلهية وهي عالمٌ من العجائب العظيمة ، ولو أفضت في بيان قيمة هذه الروح وعوالمها لما تحملت أنا ، ولما تحمل المستمع ، فالصمت أولى .
 
( 1017 - 1019 ) : الصادق في دينه يحترم الصادق في دينه ولو تسلط عليه ، فلو كان هذا اليهودي صادقا في دينه ، لما اضطهد بلالا وعذبه ، لصدقه في دينه ، لكنه لأنه غير صادق في دينه فهو يظن أن باقي الخلق وأهون في دينهم يمكن لهم النكوص عنه ، وهناك
 
« 477 »
  
مثل فارسي يقول : " الكافر يظن الناس جميعا على دينه " .
 
( 1020 - 1029 ) : إن كلام أبى بكر رضي اللّه عنه لم يكن صادرا عنه ، فلإخلاصه في عبادته جرت ينابيع الحكمة من فمه " فمن أخلص لله أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه " . وإن الله يقول الحق على لسان عبده ( انقروى 6 - 1 / 236 ) . وعند السبزواري ( ص 424 ) : إن روح المؤمن لأشد اتصالا بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها . ومن ثم فإن هذه الحكمة التي جرت على لسان أبى بكر لم تكن من قبيل كلام هذا العالم بل من عالم لا جهات فيه ولا زمان ولامكان ، من عالم الغيب ( انظر 351 من الكتاب الخامس )
 
ولماذا تستغرب أن تفيض الحكمة عن لسان أبى بكر والله سبحانه وتعالى بضربة عصا موسى عليه السّلام فجر الماء من الصخر ولم يستطع أحد أن يقول من أين انفجر هذا الماء ، وإن الأمر هو قدرة الله وما الحجر إلا ذريئة ؟ ! ونور العين هل تراه من شحمة العين ؟ !
 
وسمع الأذن هل تراه من عظمة الأذن ؟ ! إنها كلها عوامل ظاهرة لتخفى القدرة الإلهية التي هي أساس كل شئ ومنبع كل شئ ومصدره ، والأذنان من الرأس جزء من حديث نبوي [ المضمضة والاستنشاق سنة والأذنان من الرأس ] أي الفروع تابعة للأصل . وعند السبزواري
 
( 428 ) وفي رواية الأنفان والأنفان هما الأذنان لأنه في تطبيق العالمين الكبير والصغير الأذنان بمنزلة المشرق والمغرب ، وكلها مراتب نازلة للروح أو كما يقول العطار :
الجسد ليس من الروح بل عضو ينفصل عنها والروح ليست من الكل بل جزء منفصل عنه
 
( 1035 - 1038 ) : لقد تحير اليهودي وتوله عند رؤيته للغلام الأبيض البشرة الأسود القلب لأنه كان من جنسه ، وهكذا عباد الصورة لأنهم صور بلا أرواح يميلون إلى الصورة ولو كانت نتنة الباطن ، لكن الأصل اليهودي في المماحكة والمفاصلة يغلب فعاد إلى العناد حتى زاده أبو بكر رضي اللّه عنه نصابا من الفضة .
 
« 478 »
  
( 1046 - 1063 ) : إن بلال من قبيل الذهب النضار سود ظاهره ليخفى عن غير أهله مثلما يسود وجه الذهب ليحفظ من اللصوص ( انظر 2172 من الكتاب الرابع ) وهكذا بصيرة الجسد لا ترى سوى ألوان الجسد لكنها لا تستطيع أن تدرك جمال الروح ، وهكذا فلأنك لم تنظر إلى ما في الصندوق ( الجسد ) من در ( الروح ) فرطت فيه سريعا ، فما أسعدك بجهلك سعادة الزنجي بسواد وجهه لأنه لا يراه ، لقد بعت إقبالك فربما كان وجود هذا الأسود في بيتك سببا في نجاتك من الكفر ، فقد وصلك الإقبال في صورة عبد ( انظر 3510 من الكتاب الثالث )
 
فهيا اهنأ بعبدك الجديد حلو الظاهر سىء الباطن ، فلكم دينكم ولى دين ، وأي دين عند الكافر ، هو الظاهر حتى ولو كان الباطن شديد السوء ، فما أشبه بجواد خشبى عليه سرج من الأطلس ، وكقبور الكفار ظاهرها الزينة والفخامة ، لكن باطنها جهنم ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 130 - 137 وشروحها ) وكأموال الظلمة والسحابة الخالية ذات الرعد ، والوعد الكاذب كأي ظاهر مؤمل ، ولكنه لا يسفر عن باطن ذي قيمة .
 
( 1071 - 1079 ) : إن عناية الحق تجرى على لسان الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم ومن ثم فمن العسير التعبير عن هذه العناية الإلهية بالألفاظ الأرضية ، لكن من المناسب أن نذكر بعض الأمثلة الصغيرة لهذه العناية التي لا تحدها حدود ، أرأيت عناية الشمس في إنبات النبات ؟ !
( العارف الكامل في تربية المريدين ) وهل شاهدت فعل الماء الزلال في الرياض ( الفيض الرباني في نفوس العارفين ! )
فهكذا فعل الله في كل أجزاء الأرض دون أسباب وعوامل ظاهرة ، وكلها من الأمور غير المعهودة لكنها من تأثير القدرة ، وكيف يمكن لك أن تقيس القدرة بالعقل ، لقد اتفق الجميع على أن العقل مقلد في الأصول الشرعية أي أن عليه أن يؤمن بها دون مناقشة ، وهو أيضاً مقلد في الحروف وإذا سألك العقل ، ما الهدف من سير أهل الذوق وأرباب القلوب ما عليك إلا أن تجيب عليه قائلًا : بطريقة لا تعرفها ، والسلام ! !
 
« 479 » 
 
( 1080 - 1099 ) : يعاتب المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم أبا بكر رضي اللّه عنه على أنه لم يجعله شريكا في صفقة شراء بلال ويخاطب أبو بكر رضي اللّه عنه الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم قائلًا : هو حر لوجهك فإن كنت اشتريته فأنت السبب في عتقه ، وكلانا عبيد لحيك ( الإسلام ) فاتخذنى عبداً لك ، واتخذني رفيقاً لك ، لا ينفصل عنك
( صديق غار إشارة إلى ثاني اثنين إذا هما في الغار ، وتضرب في الفارسية للصداقة الحميمة ) فالعبودية لك هي حرية بالنسبة لي ، لقد أحييت العالم ، وجعلت جمعا من العوام من خاصة خاصة الله ،
لقد وجدت بلقائى بك كل أحلامى القديمة التي كنت أظنها ضربا من المحال ونوعا من الاختلال ، وبك صار المحال حالا ، كنت أحلم أن الشمس تسلم على ، وتسحبنى إلى عنان السماء ، وعندما لقيتك صار الأمر واقعا ، بل صارت تلك الشمس التي كنت أراها في النوم حقيرة في ناظرى ، الجنة التي فتحتها أمامى جعلت الرياض حقيرة في ناظرى والنور الذي رايته في وجهك أزرى بالنور الذي كنت أبحث عنه ، وكنت أنشد الجنة ، فوجدتها بقربك ،
ووجدتك تحتوى على الجنان ، وفي الأنقروى نقلا عن شرح الحكم ( 6 - 1 / 248 )
 قال بعض العارفين : إن في الدنيا لجنة عاجلة من دخلها لا يشتاق إلى الجنة الآجلة ، قيل ما هي ؟ قال : معرفة الله . ما هذا ؟
أتراني بهذا الكلام أمدحك ، إن أي مدح بالنسبة لك هو قدح وهجاء ، وما أشبهنى بذلك الراعي ، الذي كان يثنى على الله بكلام استهجنه موسى عليه السّلام ( انظر الكتاب الثاني الترجمة العربية ، البيت 1724 وما بعده )
 
ومع ذلك فقد قبله الله سبحانه وتعالى :
فإن فضل رسول الله ليس له حد فيعرب عنه ناطق بفم انقروى 6 - 1 / 250 ( 1100 - 1115 ) : تنتهى قصة بلال وعذابه في سبيل الدين بلقائه بمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم ، النعمة المهداة للبشر ، ويجدها مولانا ، فرصة للحديث عن هذه الهداية الجديدة ، وهذا الإقبال الذي وصل إلى البشر من العالم القديم الأزلي الباقي الذي من ديدنه أن يوصل إلى هذا العالم
  
« 480 »
  
أنطافه وعناياته أولًا بأول ، وهذه العناية المتمثلة في محمد صلى اللَّه عليه وسلّم هي العلاج لكل مساكين العالم ولكل فاقدى الحيلة " أحيني مسكينا وأمتنى مسكينا واحشرنى في زمرة المساكين " ، إنه السبيل والطريق إلى العالم الحي الباقي ، فها هو الفرج ، وقد زال الجرح ، ورفعت الأغلال والإصر ، وإن لم تكن تبحث عن المساكين فكيف تذهب شمس بهذه العظمة إلى كوخ هلال
 
( القصة التالية ) أو من صنف بلال ، وكيف تنادى أرحنا يا بلال بآذانك للصلاة لتفرغ من مشاغل هذا العالم ؟ !
هيا يا بلال وأعلنها فلقد صرت معي ونجوت من العدو ، هيا فها هي الصلاة بشرى لكل محزون تنفث في روحه قائلة له : هيا أيها المدبر قم ، فها هو طريق الإقبال قد فتح أمامك ، قم من هذا السجن وهذا العفن وهذا القمل ، هيا اتخذ هذا الطريق ، فلقد نجوت ، أخف سرك هذا واصمت ، ولا تتحدث به إلى من ليس أهلا له ، لكن هيهات ، فالعاشق لا بد أن يتحدث ، كيف يخفى السر وهو يظل قائلا ها أنا ذا ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 4735 - 4739 وشروحها )
 
إنها طبول عديدة يدقها هذا العشق ليعلن عن نفسه ، لكن من حرم ومن ليس بأهلها لا يسمع فلا تأبه به ، ولا تهتم ، فإنه حتى إذا حمل إلى الجنان فلن يحس بالريحان والندى ، وإن أخذت الحور بيده لتحمله إلى الجنان لن يحس إلا بأنها تعتصر يده ولن يحس إلا بالألم ، وسوف يتساءل ويندهش ، ما هذا الشد والجذب ؟ !
 
دعني في نوم الغفلة ( الدنيا ) دعني في أحلامى ، أحلامك ؟ ! إن هذا هو ما تطلبه في أحلامك ، فافتح عينيك لترى هذا القمر الذي تحلم به ، أترى إلى أي مدى أنت تتألم ، وهكذا يتألم الأعزاء ، فهذا الخفاء يكون من دلال المعشوق على العاشقين ، فمهما كنت تطلب فأنت طالبه ، إذ ليس ثمة حق سواه ، وليس ثمة مطلوب سواه ،
 
والأعزاء يفهمون ويصبرون ويسعدون ، فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل ، لكن من محيت عن عينه رؤية الحقيقة ، يظل ضائقا بالبلاء ، ومع ذلك فهو يبتليهم لعل وعسى ، ولعله يسمع صراخهم ودعاءهم ، ومن هذا القبيل أيضاً زيارة الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم لهلال نزيل منزل أحد عميان القلوب .

.
* * * 
* * *

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: