الأربعاء، 2 سبتمبر 2020

17 - الهوامش والشروح 440 - 690 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

17 - الهوامش والشروح 440 - 690 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

الهوامش والشروح 440 - 690 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

شرح قصة ذلك الصياد الذي كان قد لف نفسه في العشب  
( 440 - 450 ) : إن نور الحق دائماً ما يجلى ما يدور في بواطننا من أفكار للوهلة الأولى ولكن ثمة أموراً أخرى من ذواتنا ومن ظروفنا تدفعنا إلى تجرع الخديعة والانصراف عن الإلهام الأول الذي يكون حقيقياً في الغالب ، ومن أهم الظروف التي تدفعنا إلى ذلك الحاجة والحرص والفقر بدرجاته ، ويروى مولانا الحديث النبوي
[ كاد الفقر أن يكون كفراً ]
( أحاديث مثنوى / 45 - كنوز الحقائق 2 / 93 ) والقصة هنا في مغزاها تشبه إلى حد كبير قصة الثعلب الذي جر الحمار إلى الأسد الواردة في الكتاب الخامس ( ابتداء من البيت 2328 ويقطعها مولانا كعادته ثم يعود إليها خلال الكتاب الخامس فلا تنتهى إلا في البيت 2880 ) .
 
والقصة التي بين أيدينا قصة الصياد الذي يتظاهر بالزهد ويصيد الفريسة بشبكة الدين من القصص التقليدى في الآداب الشرقية عموماً ورد في أصلها في أكثر من مصدر في العقد الفريد وفي ربيع الأبرار وإرشاد الأديب وكتاب الأذكياء ولم يلتفت فروزانفر إلى أن سنائى نظم حكاية تشبهها في بعض أجزائها وفي هدفها ( انظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة لكاتب هذه السطور الأبيات 11660 - 11669 وشروحها ) ( مآخذ / 197 ) والطائر الذكي في الحكاية كناية عن الإنسان الذي يمتلك خبرة ناقصة وعلماً ناقصاً ومع ذلك يغتر به فيورده موارد الهلاك ، وربط الذقن أو الفك كناية عن فعل ذلك عند أول موت المرء .
 
( 451 - 456 ) : يخرج مولانا عن سياق القصة ويتحدث عن هذه الحياة التي تمر بها الروح في سيرها التطورى بضعة أيام ، فهل تركن إلى العناصر التي هي أصل الجسد وتنسى أنها من طريقة أخرى في النفوس والعقول ؟ إن هذا هو عدم وفاء منها أن تنسى أصلها وألا تحن إليه دائماً ، فالحنين والشوق هو مطيتها إلى العودة إلى الروح المطلق .
 
« 441 »
 
( 457 - 462 ) : إن اغترار الروح برفاق الدنيا ، ونسيانها لأصلها من هذا الغرور يجعلها تشبه طفلًا يترك داره ، ويجذبه الرفاق فيستغرق معهم في اللعب ، ويأتي اللص فيسرق ثيابه وهو منهمك في اللعب فإن حل الليل ، وآن أوان العودة إلى المنزل ولم يعد للعب طعم ، التفت فلم يجد ملابسه ، فلا هو يستطيع أن يداوم اللعب ولا هو يستطيع أن يعود إلى المنزل ، أتستهين بهذا المثل ، أقرأ إذن في القرآنإِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ( محمد 36 ) .
 
( 464 - 471 ) : الكلام على لسان الصياد ، إن الخلق يسرقون ثيابك ، " الستر ، الحفظ ، الشخصية ، الوقت " فاحتفظ بها ، إياك أن تفقدها ، وقبل أن يحل عليك ليل الأجل عد عن هذا اللعب واقلع عنه ، وإن كنت قد فقدتها لا تجزع ، فهناك مركب يجعلك تلحق بهذا اللص الذي سرق ثيابك ( نفسك ) ، إنه مركب التوبة ، ولا تظن أن الوقت قد ضاع ، فإن مركب التوبة يوصلك إلى الأعالي ، المهم أن تظل مستعداً دائماً بمركب التوبة ، وحذار أن يختم على قلبك فتفقد مركب التوبة أيضاً ، ويغلق أمامك باب التوبة الذي يظل مفتوحاً حتى تطلع الشمس من مغربها ( انظر الكتاب الرابع الأبيات 2503 - 2508 وشروحها ) .
 
( 472 - 482 ) : القصة الواردة هنا لها شبيه في جوامع الحكايات لمحمد عوفي ، وتكاد تطابق أيضاً نادرة في النوادر التي تنسب لجحا ، وهي أقرب إلى التراث الشعبي والدعوة هنا إلى الحزم عند المصيبة ، وعدم الطمع وإلا زادت الخسائر وتوالت ولم تقتصر على الخسارة الأولى .
 
( 483 - 488 ) : عودة إلى حكاية الطائر والصياد . فها هو الطائر ينصح الصياد بعدم الخلوة ، فلا رهبانية في الإسلام ورهبانية أمتي الجهاد ( حديثان نبويان ) والإسلام دين الجماعة والجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة عبداً مملوكاً أو امرأة أو صبياً أو مريضاً ( انقروى 6 - 1 / 119 ) كما أن " خير الناس أنفعهم للناس " والمرء بشر في
 
« 442 »
 
النهاية ينبغي أن يعيش بين البشر وليس حجراً ليعيش بين المدر ، فعش بين الأمة التي قال عنها إمامها ونبيها [ أمتي هذه أمة مرحومة ] للحديث روايتان ( أمتي هذه أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة أما عذابها في الدنيا الفتنة والزلازل والقتل والبلاء ) رواه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي موسى و [ أمتي أمة مرحومة مغفور لها متاب عليها ] رواه الحاكم في الكنى عن أنس ( انقروى 6 - 1 / 120 ) .
 
( 489 - 494 ) : يجيب الصياد الذي يتظاهر بأنه زاهد بأن هذا الكلام ليس مطلقاً ، فليس كل عقل يتصف بالرسوخ والثبات ، وهذه العقول التي لا تتصف بالرسوخ والثبات هي بمثابة الحجر والمدر ، وأغلب الناس عقولهم من هذا القبيل ، وهم جميعاً كالحمر أقصى أمانيهم قوتهم وهمهم بطونهم ، وكل باحث عن الميتة يكون ميتاً ، والرهبانية هي مصاحبة أمثال هؤلاء الناس ، بل إن مصاحبة الحجر والمدر ( أي الخلوة في الجبل ) أفضل ، لأنه لم يسمع أحد أن الحجر والمدر قد قاموا بإيذاء أحد ، وحدث ولا تسل عن إيذاء الناس للناس .
 
( 495 - 499 ) : ويقول الطائر : وكيف يبدي المرء شجاعة إن لم يتصد للشر ؟ تقول أن الناس أصبح ديدنهم الأذى ، فلماذا لا تقوم بمقاومة هذا الأذى ، أليس جهاد الظلمة فرض ؟
أليس رسول الأمة هو نبي السيف وهو القائل [ بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله تعالى وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت رمحى وجعل الذل والصغار على من خالف أمرى ] ( 315 / 125 ) وقال كعب :إن الرسول لسيف يستضاء به * مهند من سيوف الله مسلول.
 
« 443 »
 
( 500 - 513 ) : يقول الصياد : إن الجهاد واجب إن وجدت عليه قدرة وقوة . فإن لم توجد فقد شرع الرسول الفرار ( ! ! ) مصداقا للحديث النبوي [ الفرار مما لا يطاق من سنن الأنبياء ] ( أحاديث مثنوى / 189 )
ويرد الطائر : إن الذي يعشق الوحدة هو ذلك الذي لا يعامل الخلان بصدق ، إنما يجعلهم ينفضون من حوله ، فإن عاملهم بصدق التفوا حوله وكانوا له قوة ومكنة ، ولا تترك جوار يعقوب ، أي لا تترك أولياء الله والشيطان بالنسبة للمؤمن بمثابة الذئب بالنسبة للقطيع
 وروى عن الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم أنه قال [ الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاة القاصية والشاذة ] ( أحاديث مثنوى / 191 ) ،
وأن ذلك الذي يحيد عن سنة الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم وينبت عن الجماعة إنما تسفك دمه ذئاب الأهواء وذئاب المذاهب وغيلان الصحراء الذين يتظاهرون بأنهم مرشدون وناصحون ، فالسنة هي الطريق والجماعة هي الرفيق وما سوى هذا بعدٌ عن الجادة وضياع في مهامه الأهواء ، ولكن إياك اعتبار الغافلين قادة ومرشدين والمهتدين بالصورة مشايخ وأدلاء وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً، إنه صديق مزور مزيف يصادقك ويصاحبك وكل همه أن يسلب ما لديك ، فهو يتحين الفرص من أجل ذلك ، يجدك في شدة ، وبدلًا من أن يعينك ، يأخذ ما لديك ، وربما تكون عينه عليه من البداية ،
فهو يعرفك من أجل أن ينتفع منك ، ثم إياك ومصادقة الجبان ، فإنه عندما يحتاج الأمر إليه ، يخوفك ، ويلقى بالدروس والمواعظ من أجل العودة عن الطريق ، والطريق هو امتحانه الأكبر ،
ففي كل دغل آفة ، وفي كل منحنى كمين ، وطريق الدين لا يزال الشيطان يقف لك فيه بالمرصاد ، يخوفك ويأمرك بالفحشاء ، ويلقى إليك كل لحظة بفتنة ،
ولذلك فطريق الدين في حاجة إلى رجال ، وليس في حاجة إلى مخنثين ، ومعلوم أن الرجل هو ذلك الذي يثبت في الطريق ويصمد ، إنه كالغربال أي الطريق يميز الدقيق من النخالة .
 
« 444 »
 
( 515 - 528 ) : الطريق بين ولائح ، سار فيه الكثيرون ووصفوه فهو ملىء بآثار الأقدام ، إن هؤلاء الواصلين بمثابة السلم الذي تترقى عن طريقه إلى الدرجات العلا ( وصف سنائى الطريق في الحديقة بأنه سلم : حديقة الحقيقة الترجمة العربية لكاتب هذه السطور الأبيات 218 - 225 وشروحها ) ، إنك حتى إن عشت بعيداً عن الجماعة ولم يمزقك الذئب فلن تذوق طعم السرور ، إن السرور مع الجماعة ، حتى الحيوان ، حتى الحمار إن سار في جماعة كان سيره أفضل وتعرضه للضرب أقل ، فما بالك بالبشر ، حتى الأنبياء ومع مالهم من تمكن وتأييد إلهي ، يبحثون عن الصحاب ومن أجل ذلك يبدون المعجزات ، والطبيعة في الجماعة وليست في الانفراد ، كتجمع الجدران فتصير منازل ومخازن ، يتجمع القلم والمحبرة فيصير كتاب ، يجتمع رجل وامرأة فتصير جماعة وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ( الذاريات 49 ) .
 
( 529 - 538 ) لقد طال الجدل بين الصياد والطائر ، والجدل غالباً ما يطول ( كما طال في الكتب السابقة بين المتجادلين حول الكسب والتوكل في الكتاب الخامس وحول الجبر والاختيار في الكتاب الخامس أيضاً وحول لزوم الأنبياء في الكتاب الثالث وحول لزوم الدين والأنبياء في الكتاب الرابع وفي هذه المجادلات يبسط مولانا حجج المتجادلين حتى وإن لم يكن في صف بعضهم ، لكنه يترك النقاش فجأة لأنه يبعده عن خدمته الحقيقية وهي العشق والفقر ، ولأنه يطيل في المثنوى وهو يريده خفيفاً هينا . إن الطائر الجائع الضعيف هش الروح ( مثل الحمار في الكتاب الخامس )
يكون اقتناعه بآرائه هشاً ويمضى خلف الإغراء ،
 فالطائر بعد أن جادل رأى الحب " فنسى جدله وانصرف إليه ، ورغم أن الصياد حاول أن يصرفه عنه ( في الظاهر مثل كثير من رعاة العصر الذين يصدون المريدين بشتى الذرائع ليزيدوهم إصراراً )
فيزداد الطائر إصراراً ، ويأكل الحب لأنه مضطر ، ولا اثم على المضطرفَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ( البقرة
 
« 445 »
 
173 ) لقد صاد الصياد الطائر وهو يعظه ويصده ، لقد وضع الحب من أجل أن يأكله الطائر ، ومع ذلك كان يصد الطائر عن أكله ، لأنه يعلم أن " الإنسان حريص على ما منع " .
 
( 539 - 546 ) يوجه مولانا الحديث إلى كل من يندم بعد العصيان أن الدعاء لازم قبل السقوط ، لكن ما فائدة الاستغاثة بعده ؟ وماذا يفيد الندم بعد خراب البصرة ؟ وماذا يفيد ترياق الحياة بعد موت سهراب ؟ كان ذلك واجباً قبل المصيبة لا بعدها . ما فائدة نواحك بعد موتى ؟ :لا أحسبنك بعد الموت تندبني * وفي حياتك ما زودتنى زادي( انظر الكتاب الخامس الأبيات 478 - 485 وشروحها ) توسل بالقرآن وبسوره يس عند وسوسة الشيطان ، ودق العصى ببعضها قبل أن يتمكن اللصوص من القافلة لا بعد أن يكون اللصوص قد أتوا عليها .
 
( 547 - 561 ) : الحكاية هنا ليست حكاية بالمعنى المفهوم لكن مولانا يلبس البيت الأخير أسلوب الحكاية ، ومن هنا تجاهل الشراح البحث عن أصل لها على أساس أنها من مبتكرات مولانا ، إنه يقدم صوره للحارس الذي يصرخ بعد ضياع كل شئ ، يصرخ حين لا يجب الصراخ ، يقوم بعمله في غير موضعه وبعد فوات وقته ، يكون سخرية للساخرين وهكذا ، عندما يعيش المرء عمره كله تحت سيطرة شيطان الفضيحة ، فماذا عسى المعوذتان والفاتحة والقرآن كله تنفعها بعد ضياع عمره ؟
بدلًا من الندم ، اتجه إلى الله سبحانه وتعالى ، وتب فهو القائل ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ( الحديد 230 ) ،
فسواء قمنا بما ينبغي علينا في أوانه أو في غير أوانه فمن قال أن مغفرتك ورحمتك - جل شأنك - تحتاج إلى أوان ؟
 
« 446 »
 
( 562 - 564 ) : كالعادة ، يحاول الطائر ( الإنسان المخدوع ) أن يضع ذنب سقوطه على الصياد ( الشيطان ) وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ ، سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ،إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ *( إبراهيم 22 )


بل قال الصياد الذي صمم على أن يلعب دوره للنهاية ، بل أنت المخطىء أنت الذي أكلت أموال اليتامى ، وليس أنا ، وهذا جزاء من يأكل أموال اليتامى ظلماإِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً( النساء 10 )
وهكذا المفتون المضلون في كل زمان ومكان يزينون السوء ، ثم يطيلون ألسنتهم بالوعظ والنصح والفتوى على المسيئين .
 
( 565 - 574 ) : من هنا لا يدور الحديث على لسان الطير الذي سقط في الفخ بالطبع بل على لسان كل مذنب يود أن يعود إلى الحضرة الإلهية ، ما يجرى داخل الإنسان من متناقضات تحتاج حياته كلها وتضيع هذه الحياة كلها باللامنطقية وبالعبث ، تناقضات القلب وتأرجحه بين تسام إلى ما لا يبلغه الملائكة ، وانحدار إلى ما لا يصل إليه الشياطين ، تكون قاصمة للظهر ،
فيقال أيها الحبيب انظر إلى نظرة عطف واربت بيدك على رأسي ، فإن نهاية كل هذا التردد والتناقض تكون منك أنت ، وتكون عند اللقاء بك ، وأنا مشوق إلى هذا اللقاء ، يجافي النوم عيني ، ومن ذا الذي يقول أن اللاشيىء لا ينبغي عليه أن يطمح إلى اللانهائى ؟
حتى ولو لم نكن جديرين ، فأنت الماحي لأحزاننا ، وأنت الذي تبدل سيئاتنا إلى حسنات ، وأنت الذي أتيت بنا من العدم إلى الوجود ،
فأي استحقاق للوجود كان عندنا ونحن المخلوقون من تراب حقير حتى تمنحنا الوجود ، تهبنا جواهر عشرة ، هي الحواس الخمسة الظاهرة والخمسة الباطنة ( عن الحواس الباطنة انظر البيتين 3718 ، 3719 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، وكله منك ، والتوبة أيضاً عطاء منك يا ربنا .
 
« 447 »
 
( انظر الكتاب الأول البيت 2216 ) عن التوبة والكتاب الثاني الأبيات 1655 - 1657 عن أن قبح الأعمال يغلق طريق التوبة ) واقتلاع شوارب التوبة كناية عن السخرية من توبة الهازل غير الصادق في توبته .
 
( 575 - 580 ) : لقد تهدم حانوت جسدي ومنزل عقلي من هذه المتناقضات التي أسقط فيها ، ومن حقي أن أصرخ عندما يعتصر قلبي ، فهو كل ما تبقى لي ، ولا يعتصر قلبي سوى الشوق لك والحنين إلى لقائك ، فهل تراني أهرب منك ، وأنت سبب خيارى وأصل وجودي ، وما الروح وأنت أهل الروح ، وماذا يكون العبد إن لم تكن ألوهيتك ، لقد مللت روحي لأننى أحيا بدونك ، فاقبض هذه الروح وخلصني من الوحدة التي أحيا فيها ، فأي فضل وأي علم وأي ذكاء لا يوصل إليك ! !
الجنون والانجذاب هما الطريق إليك ، إذن فلأكن مجنوناً مجذوباً ، وكفاني اختفاءً وحياءً ، لأقفز من تحت هذا الغطاء الذي أغطى به كل ما أحس به ، ذلك الغطاء المتمثل في ما تعارف عليه الناس من تصبر وتظاهر بالوقار ورعاية لما يتطلبه المركز الاجتماعي والجاه الدنيوي ، لأقفز دفعة واحدة ، فكلما فكرت أحجمت ، الأمر في حاجة إلى تصرف .
 
( 581 - 597 ) : وها هو الحبيب يسد أمامنا الطريق ، أي طريق ؟ بل أن كل الطرق تنتهى به ، ومن نكون نحن حتى تحاول أن تتجاوز الطريق الذي يسده علينا ، وبأي شئ ؟
بعرجنا ؟ بعقولنا التي تعرج أو أو هامنا الكسيحة ؟
ما أشبهنا عندما نفكر في أن تتصدى له بغزلان تتصدى لأسد ، فماذا أمامنا سوى التسليم والرضا ، نحن أسارى الأكل والنوم لكنلا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ( البقرة 255 ) ، وهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ ( الأنعام 14 ) إنه ينادينا ، يصيح بنا ، تخلقوا بأخلاقى ، ولا بد أنه يتجلى لنا وإلا أترانا نكون مفتونين هكذا بحبيب لا نراه ؟
بل نراه ويتجلى لنا " في كل معنى رقيق رائق بهج " بل أن هذا التجلي هو الذي يجعلك وأنت مجرد قبضة من تراب طموحاً إلى درجة الطمع في الخلود ، إلى
 
« 448 »
 
معرفة سر الأحياء ، وإذا لم يكن يهبك القوت ( قوت العلم والذوق والعشق والفيض والفكر والفن والإبداع والاختراع ) من حيث لا تدرى ، إنك تتوجه إليه لأنك تعرف أن كل ما يهبط عليك من خير إنما يهبط عليك منه ، لست أقل من قط انظر ، هذا قط يقف على جحر ، لقد صاد منه فأراً ، وقط ثان يطوف بالسطوح ، لقد صاد منها مرة طيراً ، والناس أهواء ومذاهب وأعمال وحرف ، وهناك من يأخذ قوته من أبواب أصحاب القلوب ( انظر الكتاب الثالث الترجمة العربية الأبيات 307 - 312 وشروحها ) ،
وفوق كل هؤلاء ذلك الذي عكف على باب الله ، ذلك لأنه يعلم أنه كل ما يجده إنما يجده من الله فانصرف عن الأسباب إلى المسبب وعن الوسائط إلى معطيها ، وهذا هو عمل الرجال الحقيقيين وغيرهم مجرد أطفال يلعبون في تراب هذه الدنيا بضعة أيام حتى يحين أوان الرحيل ( انظر شروح الأبيات 4348 - 4367 من الترجمة العربية للكتاب الثالث ) ،
إن ذلك الذي يستيقظ من نوم غفلة الدنيا إن لم يتجه إلى هذا الباب فلا سبيل له إلا الشيطان ، إنه يستيقظ قليلًا ، ثم يوسوس له الشيطان فيظل نائماً ، لكن العاشق المشتاق ، يناديه صوت الماء ، فيرى المحبوب فيمضى إليه ، كما يمضى الظمآن إلى الماء مستهدياً بخريره
 ( انظر التفصيلات ومعاني أخرى مشتقة من هذه الفكرة الترجمة العربية الكتاب الثالث الأبيات 4403 - 4405 وشروحها والترجمة العربية للكتاب الرابع الأبيات 745 - 753 وشروحها ) .
 
( 598 - 609 ) : الحكاية المذكورة في هذه الأبيات ، ترمز إلى أحوال الغافلين عن الحق وهو حاضر بين أيديهم ، أو من يبحث عن المحبوب ، فإذا جاء الوصال لم يكن له نصيب فيه ونام ، والمهم كما يقول مولانا أن يكون الوصال نصيبك ، وألا تكون من المقطوعين المبعدين مهما كان جهدك ، فالتوفيق هو الأساس لا الجهد
( انظر في هذا المعنى الكتاب الثالث الأبيات 839 - 841 وشروحها ) وقد ورد أصل القصة في أسرار التوحيد في
 
« 449 »
 
مقامات أبي سعيد لمحمد بن المنور ( ص 67 - 68 من الأصل الفارسي وانظر الترجمة العربية للدكتورة إسعاد قنديل ص 79 - 80 ، الدار المصرية للتأليف والترجمة ب . ت . ) كما وردت في منطق الطير للعطار وفي معارف بهاء والد ( والد مولانا جلال الدين ) ،
وللكاتب المصري المعاصر نجيب محفوظ قصة رمزية تحت عنوان زعبلاوى عن إنسان يبحث عمن يسمى زعبلاوى ، ويسكر وعندما يفيق من السكر يخبروه أن زعبلاوى كان طوال فترة سكره يتحدث معه .
وطبخ اللوبياء المذكورة في البيت كناية عن التمتع بصحبة المعشوق ، ومولانا متفائل دائماً بالنسبة للمعشوق الذي يجد في الطلب ، فقد يوافيه الحبيب وقد يجد هو الحبيب على حين غفلة ( انظر حكاية عاشق طويل الهجران آخر الكتاب الثالث وأول الكتاب الرابع ) ، ولعب النرد كناية عن الاستغراق في لعب الدنيا ولهوها ، وفي البيت رقم 610 ما أصابنا فهو منا ، من بيت شعر لناصر خسرو أصبح مثلًا سائراً . ( انظر ديوان ناصر خسرو ص 499 ، طبعة طهران ، وداستانهاى أمثال الأمير قلى أميني ص 34 ، أصفهان 1351 ) .
 
( 610 - 617 ) : يترك مولانا الحكاية ليتحدث عن العشاق الحقيقيين أولئك الذين لا يروحون في نوم الدنيا ، بل يتميزون بقلوب مستيقظة متنبهة مراقبة لا تغيب ( عنه ) طرفة عين ، لم يعد هناك جوز ( أقل متعة من متع الدنيا ) يلهيهم ، ويا أيها العاذل الذي تدعونا دائماً إلى متع هذا العالم وتريد أن نحيد عن هذا الطريق ، طريق العشق ، فمن ذا الذي ينصح من راحوا في صحارى جنونه وافتتنوا بجماله ، أتأمرنا بالهجران ؟ !
أترانا بعد أن ذقنا قطرة من هذا المحيط نستطيع أن نحيد عنه ، ألم يكفك الهجران الذي عشنا فيه ، والفراق الذي أمضنا ، تدعوننا بالمجانين ؟ إن الجنون الحقيقي هو الغربة عن هذا الطريق ، وهذا هو الحق ، إنهم يرمون المجنون بالحجارة لأنه يقول الحق بلا رياء ( غزليات شمس تبريزى ، ص 9 - 10 ، 1335 ه . ش ) هات قيودك كلها ، فسوف أحطمها ، فلا قيد
 
« 450 »
 
هناك يستطيع أن يمنعني إلا قيد الهوية الإلهية المقيد به الأنبياء والأولياء ، إن سلسلة هؤلاء القوم هي جديلة الحبيب الفواحة بالمسك العاري عن الأسماء والصفات " ( مولوى 6 / 93 ) ( انظر أيضاً الكتاب الثالث 3852 ) فإن العشق ومراعاة ما درج عليه الناس لا يجتمعان .
 
( 618 - 631 ) : العرى هنا هو تعرية الروح من رداء البدن ، والملابس في لغة مولانا كناية عن الحجب وكناية أيضاً عن الجسد الذي يحجب الروح ، وأن هذا الأمر لا يستطيع أن يتحدث به إلا ذلك الذي خلع كل ما تعارف عليه الناس من حياء وخجل ومراعاة لما تعارف عليه الناس ، ولم يعد يهتم بما سوى الله ، فالعاشق هو الذي لا يبالي بحياء أو فكر ، ثم يخاطب المعشوق : لقد حرمت الروح النوم من سحرك الحلال ، أنت مستغن عنا في هذا العالم ،
 فهيا جرب صبرنا ، وهب أن للصبر حلقا داوم الضغط عليه ، فبهذا يسعد قلب العاشق ،
 أليس العاشق يسعد بابتلاء معشوقه له وكلما زاد هذا الابتلاء كان دليلًا على أن المعشوق يفكر في العاشق للحظة ،
ولحاظ المعشوق رحمة مهما كان التعبير عنها ، الموت منه حياة والسم شهد والشوك ورد ،
 ومن لم يحترق في نار الحبيب لم يذق جنته ، إن القلب داره ومنزله فماذا يحدث إن أحرقه ، إن إحراقه للدار يجعلها أكثر عمراناً وألقاً ، إنه يعوضها بألف دار ، لا بل يعوضها بالجنان الخالدة ، إن الشمع لا يتألق إلا إذا احترق وهذا الأسد الهصور ( مولانا في حالة سكر )
لا يفعل شيئاً جزافاً والعمران في الخراب ، ويواصل مولانا يخاطب المعشوق الحق " بالأب " ربما ليبرر لنفسه أن يطلب عدم النوم من الذي لا ينام وذلك كي يرى أحوال الساهرين في عشقه والذين جنوا وجداً به ، وأصبح العشق مبتلعا إياهم وكأنه أفعى ضخمة تبتلع كل شئ ، إنهم كالفراش والعشق كالنار ، وصل ثم احتراق ويرى بعض المفسرين أن مضمون البيتين 630 و 631 يشير إلى توبة العطار الشاعر المعروف وإراقته لجعبه في النهر ، وقد ناقش استعلامى هذا الأمر ( 6 / 254 )
في حين أن الحكاية التي تروى عن توبة العطار الشاعر تختلف عن هذه الحكاية المذكورة
 
« 451 »
 
تماماً ، والعطار هنا لا يخرج عن أي كاسب في هذه الدنيا ، وإراقة الجعب في النهر كناية عن نبذ الأسباب والخروج عن كل ما في الدنيا في سبيل العشق الأزلي الأبدي الحقيقي .
والرمي بها في النهر أي الإلقاء بها في تيار العشق الذي يتجه إلى وجهة واحدة عليا ولا يعود كل ما ألقى فيه .
 
( 632 - 635 ) : المزور المخاطب هنا هو ذلك الذي يدعى العشق وليس عنده من العشق شئ ، أو ذلك الذي يتجه بعشقه إلى غير المعشوق الخالد ، ولا يدرك العشق الحقيقي ، وينظر إلى العشاق الحقيقتين بعين الشك والارتياب ، إنه يقيس الأمور بعلمه يقول اعلم كذا ولا اعلم كذا ، إنه احتيال سار كالوباء بين الناس ، أخرج منه إلى عالم الحي الذي لا يموت والقيوم على كل سعى تقوم به ، حينذاك تكون جديرا بان تمنح الرؤية والمعرفة ، ولا تقل أنك في سكر ، إنك سكران من المخيض ولست سكرانا من العشق الإلهى ، وهناك أنواع من اليقظة تزرى بأنواع من سكر السكارى ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 685 - 720 وشروحها )
دعك من هذا السكر الذي تدعيه حتى تكون أنت نفسك موصلا السكر للمريدين واهبا إياهم هذا السكر ، ودعك من هموم الدنيا المتفرعة العديدة وكن مهتما بالعالم الذي لا تقلب فيه ولا تغير بل استواءٌ واستقامة ، وكفاك فخراً بهذا السكر الذي يشاركك فيه الكثيرون ولست منغمسا وحدك فيه .
 
( 637 - 647 ) : الحديث عن السكارى الحقيقيين سكارى خمر الحب الأزلية ، سكارى الحبيب ، إنهم حقا كثيرون لكنهم كنفس واحدة فهم جميعا وجود واحد ذائب في وجود الحبيب و " المؤمنون كنفس واحدة " ، وكل كثير رخيص إلا هذه الكثرة ، فهل الشمس المنتشرة ذليلة رخيصة ؟ !
إن العلو الحقيقي والسمو الحقيقي والكبرياء الحقيقي موجود مع هذه الجماعة ، فكن معها حينذاك تكون في أرض الله الواسعة أي القلب ( انظر الكتاب الرابع ، الأبيات 1760 - 1764 وشروحها ) إن هذا السكر نادر ندرة وجود البازي
 
« 452 »
 
الأشهب ( عن البزاة البيض في مقابل الغربان ، انظر الكتاب الرابع ، البيت 1700 وشروحه ) في هذه الأرض المقدسة أرض القلب هناك ما هو أسمى من هذا البازي الأشهب ، سئل السيد برهان الدين هل للطريق إلى الله نهاية ، فقال الطريق له نهاية ، والمنزل لا نهاية له ( مولوى 6 / 96 )
إن إسرافيل هو المختص بنفخ صور الأحياء ، وبصوره يتبدل موتى الجسد إلى أحياء الروح ، ومن ثم فهو متميز ، فكن أنت أيضاً مثله آخذاً بأيدي الموتى إلى الحياة الخالدة ، يوم ترى الناس سكارى وما هم بسكارى فإن أولئك الذين يقولون لا أعلم كذا ولا أعلم كذا إنما يمزحون في الحقيقة ، إنه يكررها ونفى النفي إثبات ، فدعك مما لا يعلم ومن النفي ، وادخل فيما تعلم أي الإثبات ، كن معبراً عن الواقع ، تراني شققت عليك بهذا الحديث ؟ ! دعني أفسره لك بهذه اللطيفة
عن ذلك الأمير التركي الثمل ، فما بالك تستفيض في النفي ، وأصل هذا الوجود .
 
( 648 ) : الحديث المذكور في العنوان " إن لله شرابا أعده لأوليائه إذا شربوا سكروا وإذا سكروا طابوا وإذا طابوا طاشوا وإذا طاشوا طاروا وإذا طاروا بلغوا وإذا بلغوا وصلوا وإذا وصلوا اتصلوا وإذا اتصلوا انفصلوا وإذا انفصلوا فنوا وإذا فنوا بقوا وإذا بقوا صاروا ملوكا في مقعد صدق عند مليك مقتدر " وفي رواية " إذا طابوا طربوا " ( مولوى 6 / 97 )
أما الأبيات المذكورة في العنوان ، أما البيت الأول فهو شطرة من رباعية ليست لمولانا أو للعطار أو سنائى ولم أتوصل إلى قائلها ، أما البيت الثاني فهو لفريد الدين العطار ( ديوان فريد الدين عطار نيشابورى ، البيت رقم 9824 ، ص 518 من الديوان ، ط 3 ، طهران 1339 ه . ش )
والبيت الذي يليه لسنائى ( حديقة الحقيقة ، الترجمة العربية ، لكاتب هذه السطور ، البيت 661 ) ويبدو أن أصل القصة من الروايات الشعبية التي كانت سائدة في الأناضول في عهد مولانا إبان حكم السلاجقة الترك للأناضول .
 
« 453 »
 
( 649 - 653 ) : يترك مولانا قصة الأمير التركي الذي انتبه من سكره فلا يعود إليها إلا في البيت 708 ، والمطرب المذكور في البيت التالي كناية عن المرشد الذي يأخذ بيد المريد في حالة سكره فلا يشذ ولا يضل ولا يشطح ، وهو الذي ييسر له عالم الصفاء الروحاني والصفاء الرباني وشأنه شأن مطرب الجسد يمحو عنه غبار الأحزان المتراكمة ( مولوى 6 / 98 )
 
فهذا المطرب الروحاني هو الذي يجر مريديه نحو السكر الإلهى بخمره الإلهية وفتوحاته الربانية ، ومن " نفس " هذا المطرب تحدث القوة من بعد الضعف والصحو من بعد السكر ، ولمطرب الجسد خمره ولمطرب الروح خمره ، والشطرة الثانية تقرأ عند بعض المفسرين مُطرب بفتح الميم وهم المضيق ، والدنيا عند بعض العارفين بمثابة المضيق لا بد للمريد فيها من الشيخ يأخذ بيده ويعبر به ، وكلاهما مطرب ، أي مطرب الجسد ومطرب الروح ، وشتان ما بينهما وإن تشابها في الحروف ، والفرق بينهما كالفرق بين أبى الحسن الوزير الجواد وأبى الحسن الآخر الوزير سلاخ الفقراء
( انظر الكتاب الرابع ، الترجمة العربية لكاتب هذه السطور ، الأبيات 1170 - 1240 وشروحها ) وبالرغم من أن كلمتي آسمان ( السماء ) وريسمان ( الحبل ) متشابهتان في الفارسية ، ولكن شتان بينهما فيما يتعلق بالمعنى ، ويضرب المثل في الفارسية على التشابه في المظهر بين شيئين بينهما في المعنى بون شاسع .
 
( 654 - 661 ) : ينطلق مولانا إلى الحديث عن المظاهر أو الألفاظ وكيف توقع في الظن والخطأ ، واللفظ بمثابة الجسد ، فأي فرق تراه بين المجوسي والمسلم فيما يتصل بالجسد ، ألم يقل الكفار للرسلإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا( إبراهيم / 94 ) . وما هذا الجسد بالنسبة للروح إلا كإطار ، كوعاء تماما ، كجرة ، وقيمة الجرة بما فيها ، فجسد العارف ملىء بالعلم والفيض ، وجرة الفاسق والكافر ملئية بالسم الزعاف ، فانظر دائما إلى ما تحتويه القدور لتكون ملكا ، وإلا إذا وقفت على النظر إلى
 
« 454 »
 
الظاهر تضل ، وهكذا الألفاظ والمعاني فالألفاظ بمثابة الأجساد وبمثابة القدور والمعاني بمثابة الأرواح وبمثابة المحتوى ، وليس كل إنسان بقادر على التمييز ، فهناك عين للجسد لا تستطيع النظر إلا إلى الأجساد مهما كانت ذات فنون وقدرات على رؤية الظاهر ، ولكن أين فنون الجسد من فنون الروح ، وأين قدرات الجسد من قدرات الروح ؟ !
وهكذا أيضاً هذا الكتاب الذي بين يديك قد يكون مشتملا على هزل وقد ترد فيه حكايات خارجة ، هي هكذا لمن ينظر إلى ظاهرها وصورتها ، لكنها بالنسبة لمن يدرك المعاني هادية للسبل ، وألم يقل الله سبحانه وتعالى في شأن القرآن العظيم يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً( البقرة / 26 ) فالكفار والجهال من الحيرة في إدراك حقائق الأمثال يقولونما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًافبجهلهم زاد إنكارهم على الإنكار فتاهوا في أودية الضلال بقدم الجهالة ، فيضل به كثيرا ممن أخطأهم رشاش النور في بدء الخليفة ، فمن أصابه النور فقد اهتدى ومن أخطأه فقد ضل ، فمن أخطأه ذلك النور في عالم الأرواح فقد أخطأه نور الإيمان هنا ،
ومن أخطأ نور الإيمان فقد . أخطأ نور القرآن ، فكان القرآن لقوم شفاء ورحمة ولقوم شقاء ونقمة ( عن تفسير نجم الدين كبرى ، نقلا عن يوسف بن أحمد المولوي 6 / 100 ) .
 
( 662 - 668 ) : وهكذا فعند ما ينطق العارف كلمة الخمر ، متى يقصد الخمر المعلومة لديك وكل شئ في نظره فإن ، فلا ينظر إلا إلى معاني الأشياء ، إنما تفهم أنت ما يستطيع فهمك أن يصل إليه ، إن ما يصل إليه فهمك هو ظاهر الألفاظ هو هذه الخمر الدنيوية خمر الشيطان وأم الخبائث ، وهكذا تظن خمر العارف وهي من كل هذا براء ، ولكل شراب مطربه الذي يستدعيه ، فإن وجد المطرب لا بد وأن يوجد الشراب وإن وجد الشراب لا بد وأن يوجد المطرب .
وشراب الدنيا في حاجة إلى مطرب الدنيا ، أما شراب الروح ففي حاجة إلى المرشد والشيخ وهو مطرب الروح ، حلقات متصلة شرب يؤدى إلى خمار وخمار يؤدى إلى شرب وإلى ذهاب إلى الحان ( في الجسد والمعنى ) هما معا كميدان له بداية ونهاية ،
 
« 455 »
 
البداية تؤدى دائما إلى النهاية ، والقلب ( موضع العشق ) كأنه الكرة في صولجان ( المشيئة ) ، وكما أن الأذن توجد حيث يوجد الرأس ( انظر الكتاب الثالث ، البيت 2774 وشرحه )
وإن كان في هذه الرأس هيام ما فإن الأذن تتبعه لأنها مجرد تابع ، ثم يندمجان معا التابع والمتبوع والمطرب والمخمور . وفي تفسير آخر للشطرة الثانية من البيت السابق ، عندما يكون باطن الإنسان فارغاً من نور الإيمان ويكون قلقا من الصفراء التي تجتاحه ، فإن هذه الصفراء تجره إلى السوداء والماليخوليا وخيال الباطل فتبعد المرء عن الحقيقة .
 
( 669 - 674 ) : يحاول مولانا العودة إلى حكاية الأمير التركي والمطرب لكن المعاني تجرفه مرة ثانية ، وتصالح السرور والألم أي وصول العاشق إلى مرتبة يكون فيها ألم الفراق عليه وسرور الوصال سيين لديه ، فيكون فانيا في المحبوب ممحوا فيه ، لا يرى لنفسه رغبة أو إرادة . وهكذا أيقظ أميرنا إياه المطربين ، أي طلب من يقوده من عالم السكر إلى عالم الصحو ، والبيتان الأخيران من الأبيات العربية مشروحان في قصة من قصص الكتاب الأول .
 
وفي تعليق للأنقروى ( 6 - 1 / 159 ) أن الأبيات توحى بقول المجنونفلاحت فلا والله ما ثم مانع * سوى أن طرفي كان عن حسنها أعمى
 
توهمت قدما أن ليلى تبرقعت * وإن لنا ما بيننا ما يمنع اللثما( انظر الترجمة العربية للكتاب الأول 3063 وما بعده وشروحها ، والبيت الأخير ، انظر الكتاب الثالث الترجمة العربية لكاتب هذه السطور ، الأبيات 1345 - 1354 وشروحها ) .
ولابن الفارض :وقد رفعت تاء التخاطب بيننا * وفي رفعها عن فرقة الفرق رفعتى( انقروى 6 - 1 / 160 ) كما يذكر السبزواري ( ص 421 ) البيتين :
 
« 456 »
 
ولا تسمح بوصلك لي فإني * أغار عليك منك فكيفى منىويذكر للحلاج :بيني وبينك إني ينازعني * فارفع بلطفك إنيى من البينولابن الفارض :فلم تهونى ما لم تكن في فانيا * ولم تفن ما لم تجتلى فيك صورتي
 
( 675 - 680 ) : مصدر الحكاية التي تبدأ هنا يقول فروزانفر ( مآخذ ، ص 201 ) عن نبهان مولى أم سلمة رضي الله عنها ، أنه حدث أن أم سلمة حدثته أنها كانت عند رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم وميمونة قالت : بينما نحن عنده إذا أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه وذلك بعد أن أمر بالحجاب ، فقال رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم احتجبا منه ، فقلنا يا رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم أليس هو الأعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا ، فقال رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم أفعميا وان أنتما ؟ ! ! ألستما تبصرانه ؟ ! !
ورواية مولانا أقرب إلى رواية أخرى لهذا الحديث وردت في تفسير أبى الفتوح الرازي ( مآخذ / 202 ) .
والغيرة المذكورة فيما بعد إشارة إلى حديث نبوي [ إن سعدا لغيور وأنا أغير منه والله أغير منا ومن غيرته حرم الفواحش ما ظهر منها وما باطن ] ( انظر الترجمة العربية للكتاب الأول ، البيتان 1723 - 1724 وشروحهما )
والبيت رقم 680 مختلف التفسير عند استعلامى فهو يرى أن المعنى أن العجائز يحقرن أزواجهن ، وهو تفسير بعيد بل أولى التفاسير ما جاء في ظاهر البيت : إذا كانت الغيرة تصدر عن الجمال لأن الجميل هو الذي يغار من أن ينظر إلى غيره لأنه طعن في جماله ، وهو أعز ما يتدلل به وتجاهل له وهو المعتاد على لفت الأنظار ( وعن قيمة الحجاب بالنسبة للمرأة ولعفافها وإن لم يرها رجل ، انظر الكتاب الثالث ، الترجمة العربية ، الأبيات 3705 - 3709 وشروحها ) .
 
( 681 - 690 ) : الحديث عن الجمال المحمدي ، جمال باطني ومعنوي لا مثيل له في الكونين أي الدارين ، وذلك لأنه يستمد جماله من الجمال المطلق ، ومن الغيرة التي
 .
* * * 
* * *

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: