الأربعاء، 2 سبتمبر 2020

07 - حكاية الصوفي والقاضي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

07 - حكاية الصوفي والقاضي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

حكاية الصوفي والقاضي .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

[ حكاية الصوفي والقاضي ]
العودة مرة أخرى إلى قصة الصوفي والقاضي
- قال الصوفي : إن قصاص صفعة في القفا، لا يجوز أن يكون التضحية بالرأس بعمى !!
 
1490 - وإن خرقة التسليم حول عنقي ، سهلت علىّ التعرض لصفعة!!
- لقد رأى الصوفي خصمه شديد النحول ، وقال : لو أنني لكمته كما ينبغي للخصم .
- فإنه ينهار من لكمتى الوحيدة كالرصاص ، وسوف يأمر الملك بالعقاب والقصاص .
 
« 149 »
 
- إن الخيمة خربة محطمة الأوتاد ، وهي تتعلل لكي تسقط !!
- وخسارة شديدة أن يقع على القصاص تحت حد السيف من أجل هذا الميت !!
 
1495 - ولما لم يكن قادرا على صفع خصمه ، عزم على حمله إلى القاضي .
- فهو ميزان الحق ومكياله، وهو المخلص من مكر الشيطان وحيلته .
- وهو مقراض الأحقاد والخصومات، وهو قاتل للشجار بين الخصمين والقيل والقال.
- وإن رقيته تدخل الشيطان الزجاجة ، وقانونه يجعل الفتنة ساكنة.
- وعندما يرى الخصم شديد الطمع الميزان، يترك العناد ويتبع «الحق».
 
1500 - وإن لم يكن ميزان، مهما تزد له من القسمة ، لا يرضى عقله .
- إن القاضي رحمة ودفع للخصومة ، وهو قطرة من بحر عدل القيامة .
- والقطرة بالرغم من أنها صغيرة واهية الخطى ، فإن لطف ماء البحر يبدو منها .
- وأنت إن نظفت رأسك من الغبار ، فإنك ترى دجلة من قطرة واحدة ! !
- إن الأجزاء شاهدة على أحوال الكليات ، حتى إن الشفق ينبئ عن الشمس .
 
1505 - وذلك القسم قصد به الحق جسم أحمد ، عندما قال تعالى : ( كلا والشفق ) .
- فلماذا تكون النملة مرتعدة « حرصا » على الحبة ، إذا كانت من تلك الحبة عالمة بالبيدر .
- فتعال إلى أصل الموضوع ، فإن الصوفي المسلوب القلب متعجل إلى جزاء « ما حاق به » من قسوة .
- فيا من قمت بكثير من الظلم ، كيف تكون سعيد القلب ؟ ! وكيف تكون غافلا عن طلب المجازى ؟ !
  
« 150 »
  
- أو تراك نسيت أفعالك ، أو أن الغفلة أسدلت حجبها عليك ! !
 
1510 - وإن لم يكن الخصوم يجدون في طلبك ، لحسدك جرمُ الفلك على صفاتك .
- لكنك محبوس من تلك الحقوق ، فاطلب العذر قليلا قليلًا عن هذا العقوق .
- حتى لا يأخذك المحتسب دفعة واحدة ، فصف ماء " جدولك " الآن مع المحب .
- وقد ذهب الصوفي نحو صافعه هذا وأمسك بخناقه كما يفعل المدعى .
- وأتى به إلى القاضي جارا إياه ، قائلا للقاضي : طف بحمار الإدبار هذا على الحمار " مشهرا " به .
 
1515 - أو جازه بضرب الدرة ، أو افعل ما يراه رأيك من جزاء .
- فكل من يموت تحت عقابك ذهب هدرا ، ولا دية عليك ، فقد ذهب جُبارا .
- « 1 » فكل من مات في حد القاضي أو تعزيره ، لا ضمان على القاضي فهو ليس بالصغير .
- إنه نائب الحق وظل لعدل الحق ، إنه مرآة لكل صاحب حق ، ولكل من عليه الحق .
- فهو يقوم بالتأديب من أجل المظلوم، لا من أجل عرضه أو "شفاء" لغضبه ، أو لدخل "يأتيه"!
 
 1520 - لما كان من أجل الحق ومن أجل الآخرة ، فإنه إن أخطأ ، تكون الدية على العاقلة .
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 537 :
- وكل من يرى أن موته هو من طعنة منك ، فقد برئ من النار وتقدم إلى الخلد .
  
« 151 »
  
- إن من يضرب من أجل نفسه يكون هو الضامن ، لكن من يضرب من أجل الحق يكون آمنا .
- فلو أن أبا ضرب ابنه ومات ، ينبغي أن تحسب الفدية على ذلك الأب .
- ذلك لأنه ضربه من أجل عمل له ، وخدمته واجبة على الولد .
- وعندما يضرب المعلم صبيا ويهلك الصبى ، فلا شئ على المعلم ، ولا خوف ! !
 
1525 - فإن ذلك المعلم نائب " للحق " وأمين ، وكل أمين حكمه هكذا .
- وليست خدمة الأستاذ واجبة عليه ، ومن ثم لا يكون ضرب الأستاذ إياه من أجل عمل له .
- لكن الأب إذا ضربه فقد ضربه من أجل نفسه ، فلا جَرَم أنه لم ينج من دفع الفدية .
- إذن فاقطع رأس " الذاتية " يا ذا الفقار ، وصر متجردا عن الذات فانيا كالدرويش .
- وما دمت قد صرت متجرداً عن الذات فكل ما تفعله تكون آمنا من " جرائه " مصداقا ل "ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ" ! !
 
1530 - وذلك الضمان يكون على الحق لا على الأمين ، وتفصيل هذا الأمر بين في " كتب " الفقه .
- ولكل حانوت تجارة والمثنوى هو حانوت الفقر يا بنى ! !
- وفي دكان الحذّآء جلد جيد ، وقالب للحذاء وإن تراه من خشب .
- وعند البزازين يوجد الخز والأدكن ، وإن وجد حديد فمن أجل القياس .
- وكتابنا المثنوى هو حانوت الوحدة ، وكل ما تراه غير الواحد فهو صنم .
 
« 152 » 
 
1535 - « 1 » ومدح الصنم إنما يكون شراكا للعامة ، واعلم أن الأمر هو أشبه بما روى في قصة " الغرانيق العلى " ! !
 
- لقد قرأها سريعا في سورة النجم ، لكن الأمر كان فتنة ، ولم تكن السورة هي السبب .
- لقد سجد كل الكفار في ذلك الوقت ، وقد ظنوا أنفسهم شركاء في السر ، أولئك الذين دقوا الأبواب برؤوسهم ! !
- وبعد هذا هناك كلام شديد الغموض بعيد الغور ، فكن مع سليمان ، ولا تهيج الشياطين .
- وهيا ، هات حديث الصوفي والقاضي ، وذلك الظالم الضعيف شديد النحول .
 
1540 - قال القاضي : ثبت العرش ، أي بنى ، حتى أقوم بالنقش عليه ، خيرا كان أو شراً!!
- أين الضارب ؟! وأين موضع الانتقام ؟! أهذا هو الذي صار خيالا من المرض والسقم ؟!
- إن الشرع من أجل الأحياء والأغنياء ، فمن أين يكون الشرع من أجل أهل القبور ؟!
- وتلك الفئة التي هي من الفقر بلا رؤوس ، هي أكثر فناء من موتى " الجسد " من جهات عديدة .
- إن الميت أصبح فانيا في حرض من جهة واحدة ، لكن الصوفية فانون من مائة جهة .
..............................................................
( 1 ) ج : 13 : 538 :
- وكل ما تراه فيه غير الواحد ، اعلم أنه كله من قبيل الصنم .
 
« 153 »
  
1545 - إن الموت قتلٌ واحد ، وهذا " موته " ثلاثمائة ألف ، ولكل واحد منها دية لا تعد ولا تحصى ! !
- فإذا كان الحق قد قتل هؤلاء القوم عدة مرات ، فقد صب عليهم الخزائن دية لهم .
- كل منهم مثل جرجيس في باطنه ، قتل ثم صار حيا ، ثم قتل ستين مرة .
- إنه قتيل من لذة سنان العادل ، وهو يحترق قائلا : أطعن طعنة أخرى ! !
- فوالله ، إنه من عشق الوجود العابد للحبيب ، يكون القتيل أكثر عشقاً للقتل الثاني ! !
 
1550 - قال القاضي: إنني صاحب القضاء بين الأحياء، ومتى أكون حكما بين أصحاب القبور؟!
- وهذا " المتهم " بالرغم من أنه صوريا ليس في حفرة القبر ، إلا أن أهله جاءوا من أجله إلى المقبرة ! !
- لقد رأيت كثيرا أمواتا في قبور ، فانظر الآن إلى قبر في ميت أيها الأعمى .
- فإن سقطت لبنة من قبر عليك ، متى يطلب العقلاء القصاص من مقبرة ؟!
- فلا تغضب على ميت ولا تحقد عليه ، انتبه واحذر من قتال صورة في حمام !!
 
1555 - واشكر الله أن حيا لم يضربك ، فمن يرده الحي ، فقد رده الحق !!
- إن غضب الأحياء هو غضب الحق وطعنه ، فهو حي بالحق ذلك الطاهر الجلد .
- لقد قتل الحق " أحدهم " ونفخ في ساقه ، ثم سلخ جلده سريعا كالقصابين .
- وبقي فيه النفخ حتى المآب ، ونفخة الحق لا تكون كنفخة ذلك القصاب .
  
« 154 » 
 
- وهناك فرق كبير بين النفختين، فكل هذه النفخة زين وتلك "أي نفخة القصاب" كلها شين.
 
1560 - إن هذه النفخة أي نفخة القصاب قد جعلت الحياة تنتفى عنه وصار مضرورا ، لكن الحياة قد استمرت واستقرت من نفخة الحق .
- إن هذه النفخة ليست تلك النفخة التي تتأتى في شرح ، فيها اصعد من قاع الجب إلى أعلى الصرح .
- فلا اجتهاد هناك من أجل التشهير "بهذا المريض" على حمار، فهل يضع أحد صورة حطب على حمار ؟!
- إنه ليس جديرا بالوضع على ظهر حمار ، وأولى به أن يوضع على ظهر تابوت .
- فما هو الظلم ؟ إنه وضع الشئ في غير موضعه ، فانتبه ولا تضيع " الأمر " بوضعه في غير موضعه .
 
1565 - قال الصوفي : إذن فأنت تجوز له أن يقوم بصفعى دون تعزير ودون " أن يدفع " شروى نقير ؟ !
- فهل يجوز إذن أن يصفع فدم ضخم « 1 » محتال الصوفية بالمجان ؟ !
- « 2 » قال القاضي ماذا لديك من مال قل أو كثر ؟ ! قال " المريض " أملك من حطام الدنيا ستة دراهم ! !
..............................................................
( 1 ) حرفيا : دب ضخم .
( 2 ) ج : 13 / 543 : - قال الصوفي وما جدوى الصفع ، وكفاك جدلا مع مثل هذا المريض .
 
« 155 » 
 
- قال القاضي : انفق على نفسك إذن ثلاثة دراهم ، وأعطه الثلاثة الأخرى دون أن نتبس ! !
- إنه نحيل وفقير وضعيف ، وتلزمه ثلاثة دراهم من أجل رغيف وبعض الفجل .
 
1570 - « 1 » فوقع نظر " المريض " على قفا القاضي ، فبدى له أعرض من قفا الصوفي ! ! 
- فأخذ يمد يده من أجل صفعه ، قائلا " في نفسه " ، لقد صار قصاص صفعى رخيصا .
- وتقدم من أذن القاضي وكأنه " يريد " أن يفضى إليه بسر ، وصفعة صفعة قوية .
- وقال : خذا الدراهم الستة كلها أيها الخصمين ، وبهذا أصبح أنا حرا من هذا الجدل العقيم ومن العقوبة ! !
 
غضب القاضي من صفع الدرويش
ولوم الصوفي للقاضي
 
- وغضب القاضي فقال الصوفي : انتبه ، فحكمك عدل ، وليس من الهوى بلا شك .
 
1575 - وما لا تقبله لنفسك يا شيخ الدين ، كيف تقبله على أخيك أيها الأمين ؟ !
- ألا تعلم أنك تحفر من أجلى بئراً ، ثم تلقى بنفسك فيه في النهاية ؟ !
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 543 : - واشتبك القاضي والصوفي معا في قيل وقال ، لكن ذلك المريض كان ضعيفاً في حال شديدة !
 
« 156 » 
 
- ألم تقرأ في الخبر " من حفر بئرا " ؟ ! اعمل إذن بما قرأت يا روح أبيك ! !
- فإن كان هذا هو حكمك في القضاء ، الذي أتى لك بصفعة على قفاك .
- فويلاه من أحكامك الأخرى ، ترى ماذا تجلب لرأسك ولقدميك ؟ !
 
1580 - وهل تشفق على ظالم كرما منك ، وتقول له : احتفظ بثلاثة دراهم لنفقتك .
- ابتر يد الظالم ، فأي موضع هذا الذي تسلم إليه الحكم والزمام ؟ !
- وما أشبهك بتلك الماعز يا مجهول العدل ، التي أرضعت من لبنها جرو ذئب ! !
 
جواب القاضي على الصوفي
 
- قال القاضي : ينبغي علينا الرضا بكل صفعة على القفا وكل جفاء يأتي به القضاء .
- إنني راض في باطني بحكم الكتاب ، بالرغم من عبوس وجهي ، فالحق مر .
 
1585 - إن قلبي هذا كالبستان وعيني كالسحاب ، فالسحاب يبكى ، والبستان يضحك سعيدا نضرا .
- والسنة القحط من الشمس الضاحكة خبط عشواء ، تكون البساتين في موت وفي نزع .
- ولقد قرأت في كلام الله " فابكوا كثيرا"، فلماذا بقيت هكذا ضاحكا كأنك رأس "حمل" مشوى ؟!
- وتكون ضياء للدار كأنك الشمع ، وذلك إذا ذرفت الدمع كالشمع .
- وذلك العبوس من الأم أو الأب ، صار حافظا للابن من كل ضرر .
 
1590 - لقد رأيت لذة الضحك يا ضاحكا كيف ما اتفق ، فانظر إلى لذة البكاء فهو
  
« 157 » 
 
منجم سكر .
- وما دام ذكر جهنم يجلب البكاء ، فإن جهنم إذن تجمل عن الجنان .
- إن الضحكات مختفية في البكاء ، وابحث عن الكنوز في الخرابات أيها الساذج .
- لقد فقدوا الخطى إلى اللذة " الكامنة " في الأحزان ، وأخفوا ماء الحياة في الظلمات .
- إن النعال مقلوبة في الطريق حتى الرباط ، فافتح عينيك عن آخرهما على سبيل الاحتياط .
 
1595 - وافتح عينيك عن آخرهما اعتبارا ، واجعل عيني صديق عونا لعينيك .
- وأقرأ في الكتابأَمْرُهُمْ شُورى، فكن للصديق ، ولا تتدلل عليه ولا تتأفف منه .
- فالصديق للطريق يكون ظهيرا وملجأ ، وعندما تتظر جيدا فالصديق هو الطريق .
- وعندما تصل إلى الأصدقاء اجلس صامتا . ولا تجعل نفسك فصا في تلك الحلقة .
- وأمعن النظر في صلاة الجمعة بذكاء ، فالجميع مجتمعون وذوو فكر واحد ، وصامتون .
 
1600 - وجر أمتعتك نحو الصمت ، وإن كنت تبحث عن هدف ، فلا تجعل نفسك هدفا .
- إذ قال الرسول صلى الله عليه وسلم : في بحر الهموم ، اعلم أن الصحابة في الدلالة كأنهم النجوم .
 
« 158 »
 
- فضع عينيك على النجوم وابحث عن الطريق ، فالنطق يكون باعثا على اضطراب النظر ، فلا تنطق .
- فإذا تحدثت بكلمتى صدق يا فلان ، فإنما يتبعهما انهمار الكلام الغث ! !
 - ألم تقرأ يا مستهام أن الكلام ذو شجون ، وأنه يجر بعضه بعضا ! !
 
1605 - فانتبه ، ولا تبدأ بهذا الكلام الرشيد ، فإن الكلام يجر بعضه بعضا .
- فليس الفم طوع أمرك عندما تفتح فمك من أجل أن تقول كلاما صافيا ، فسرعان ما يصير الزلال كدراً .
- وذلك المعصوم عن طريق الوحي الإلهى ، يجوز له أن يتحدث ، لأن كل " قوله " صاف .
- ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى، فمتى يتولد الهوى ممن عصمه الله .
- فاجعل نفسك بليغا عن طريق الحال ، حتى لا تصبح مثلي مسخرا للمقال ! !
 
سؤال الصوفي للقاضي
 
1610 - قال الصوفي : إذا كان الذهب من منجم واحد ، فلماذا يكون هذا نفعا وذلك ضررا .
- وإذا كان الناس جميعا قد خلقوا من يد "صنع" واحدة ، فلماذا يكون هذا يقظا وذاك ثملا ؟!
- وإذا كانت كل هذه الجداول جارية من بحر واحد ، لماذا هذا " الجدول " كالعسل والآخر سم في الأفواه ؟!
- وإذا كانت كل الأنوار من شمس البقاء ، فمن أين ظهر الصبح الصادق والصبح الكاذب ؟!
 
« 159 »


- وإذا كان الناظر مكتحلا من كحل واحد ، فمن أي شئ تتأتى الرؤية الصحيحة والحول ؟ !
 
1615 - وإذا كان سلطان دار السكة هو الله ، فلماذا يكون بعض النقد صحيحا والآخر زائفا ؟
- وإذا كان الله عد أمر بأن الطريق طريقه ، فمن أي شئ يكون هذا خفيرا " في الطريق " وذاك قاطعا للطريق ؟ !
- وكيف يولد من بطن واحدة العاقل والسفيه ، ما دام قد تيقن أن الولد سر أبيه ؟
- فمن الذي رأى وحدة واحدة مع عدة آلاف " من الصور " ، ومئات الآلاف من أنواع الحركة من مستقر واحد ؟ !
 
جواب ذلك القاضي على الصوفي
 
- قال القاضي : أيها الصوفي ، لا تتحير ، واستمع إلى مثال في هذا الأمر .
 
1620 - « 1 » كما أن اضطراب العشاق ، قد حدث من اطمئنان المعشوق وثباته ؛
- فهو - أي المعشوق - ثابت في الدلال كالجبل ، والعشاق كأنهم الأوراق مرتعدون .
- وضحكه قد أثار " فيهم " البكاء ، وعزه وكرامته اراقت ماء الوجوه .
- وكل هذه التساؤلات عن سبب هذا الأمر وكيفيته كالزبد ، تتموج على سطح البحر الذي لا كيفية له .
- فلا ضد ولا ندله في الذات والعلم ، ومن هنا تكسى الموجودات بالحلل .
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 561 : - انظر إلى هذا واعلم حال ذاك جيدا ، وإن لم تر الحال ، فاقرأ جيدا
 
« 160 »
 
1625 - ومتى يعطى الضد ضده الوجود والقوام، بل إنه يهرب منه ويقفز نافرا!!
- وماذا يكون الند ؟! إنه مثل، مثل في الخير أو الشر، ومتى يجعل المثل مثيلا له؟!
- فإذا كأنه مثيلين أيها المتقى ، فكيف يكون هذا أولى من ذاك بالخلق ! !
- وهناك أضداد وأنداد بعدد أوراق البستان ، كلها كالزبد على سطح البحر الذي لا ضد له ولا ند .
- فانظر إلى مد البحر وجزره على أساس انه بلا كيفية ، وكيف تستوعب الكيفية في ذات البحر ؟!
 
1630 - وأن أقل لعبة من لعبه هي روحك، ومتى صحت كيفية الروح وأحوالها ؟!
- إذن ، فمثل ذلك البحر الذي في كل قطرة منه ، يصير العقل والروح أكثر بدانية من البدن .
- متى يستوعب في مضيق الكم والكيف ، والعقل الكل فيه ممن " لا يعلمون " ؟!
- ويقول العقل للجسد ، أيها الجماد ، ألم تشم رائحة قط من بحر المعاد ذلك ؟!
 - فيرد الجسم ، إنني يقينا ظل لك ، ومن الذي يبحث عن العون من ظل يا روح عمك ! !
 
 1635 - فيقول العقل : ليس لهذه الحيرة نهاية ، فإن المستحق يكون أكثر جرأة من غير المستحق .
- فالشمس الأكثر بهاء هنا ، تقوم بخدمة الذرة وكأنها التابع !!
- والأسد هنا يطأطئ رأسه أمام الغزال، والبازي هنا يخفض الجناح أمام طائر
 
« 161 »
 
السلوى !!
- أتراك لا تصدق إذن أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يطلب من المساكين الدعاء .
- فإن قلت : إنه من أجل التعليم ، فعلى أي وجه يكون عين التجهيل تفهيما ؟ !
 
1640 - بل إنه كان يعلم أن الكنز الملكي ، يضعه في الخرابات ذلك المليك .
- إن سوء الظن " في الأولياء " ناتج من فعله المعكوس هذا ، وإلا فإن كل جزء منه منبىء عنه .
- بل إن الحقيقة غارقة في الحقيقة ، ومن هنا صار " الناس " سبعين فرقة بل مائة فرقة .
- وسوف أقول لك وأحدثك عما تشاء ، فانتبه أيها الصوفي وافتح أذن الروح عن آخرها .
- ألست من كل بلاء ينزل عليك من السماء ، تنتظر خلعة تأتيك من بعده ؟ !
 
1645 - لقد ذقت صفعة القفا فانظر بعدها إلى الصفاء ، "إن القصاب" يبيع ما حول الفخذ مع ما حول الرقبة 
- فهو ليس ذلك المليك الذي يصفعك ثم لا يهبك التاج والعرش الذي تركن إليه !! 
- ولدنيا كاملة ثمن هو جناح بعوضة ، ولصفعة عطاء لا ينتهى .
- فاسحب عنقك بمهارة من هذا الطوق الذهبي للدنيا ، وتلق الصفعات من الحق !!
- تلك الصفعات التي تلقاها الأنبياء ، ومن ذلك البلاء رفعوا الرؤوس .
 
1650 - لكن، كن حاضرا في ذاتك أيها الفتى، حتى نجدك حاضرا في المنزل!!
 
« 162 »
 
- وإلا حمل الخلعة واستردها قائلا : لم أجد أحدا في الدار .سؤال الصوفي ذلك القاضي ثانية
- قال الصوفي : ماذا كان يحدث لو أن "وجه" هذه الدنيا تهلل بالرحمة على الدوام ؟!
- ولو لم تقدم فتنة في كل لحظة، ولو لم تجلب الوخز من تلوينها .
- ولو لم يسرق الليل مصباح النهار، ولو لم يسلب الشتاء "رونق" البستان الذي يغرى باللهو.
 
1655 - ولو لم يحطم حجر الحمى كأس الصحة، ولو لم يجلب الخوف الكرب للأمن ؟!
- ما الذي كان ينقص من جوده ورحمته، إن لم يكن هناك غصة خلال نعمته ؟!«1»
 
جواب القاضي على سؤال الصوفي وضربه المثل
بقصة التركي والخياط
 
- قال القاضي : يالك من صفيق وجه أيها الصوفي، وخال من الفطنة كالكاف في الخط الكوفي.
- ألم تسمع أن ذلك الملئ الشفة بالشهد، كان يتحدث عن غدر الخياطين بليل.
- وكان يروى للخلق الحكايات السالفة عن غدر تلك الطائفة.
 
1660 - كان يروى الحكايات مع هذا وذاك، عن سرقة قطع القماش عند تفصيلها.
..............................................................
( 1 ) ج : 31 ظ 536 : - لكان الحال طيبا وسعيدا على الجميع ، ولقل كدر أرواح الأنس والجن.
- ولكان حضور اللذة الحلوة دائما ، ولكان الشوق الدائم في الروح حلوا .
 
« 163 »
 
- وعندما وجد المستمع من بين أولئك الناس، صار كل عضو منه "قاصا" للحكاية.
 
قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يلقن الحكمة
على لسان الواعظين بقدر همم المستمعين
 
- إنه جذت الاستماع، إن كانت للمرء طلاوة في الشفة ، وإن حماس المعلم وجده من التلميذ .
- وعازف الصنج الذي يعزف "المقامات" العشرين والأربع، عندما لا يجد مستمعاً ، يكون الصنج حملًا عليه !!
 
1665 - فلا ألحان يذكرها ولا غزل ، ولا تتحرك أصابعه العشرة عند العمل !!
- وإن لم تكن هناك آذان متلقية للغيب ، لما جاء الوحي من الفلك ببشرى واحدة .
- وإن لم تكن هناك أبصار ناظرة إلى الصنع ، لما دار الفلك ولما ضحكت الأرض .
- إن هذا النفس القائل " لولاك " يعنى أن العلم من أجل العين الحادة ومن أجل النظارة " إليه " .
- والعامي من عشقه للضجيعة والطعام ، متى يكون مهتما بعشق صنع الحق .
 
1670 - وإنك لا تصب ماء النخالة في الطبق ، إن لم يكن هناك عدد من الكلاب آكلة له ! !
– فامض ، وكن كلب كهفه الإلهى ، حتى يخلصك اصطفاؤه من هذا الطبق .
- وعندما تحدث عن هده السرقات القاسية ، التي يقوم بها هؤلاء الخياطون في الخفاء .
 
« 164 »
 
- كان في هذا الجمع تركى من الخطا ، غضب أشد الغضب لاكتشافه هذه الأمور
- لقد كان " ذلك الراوي " يقوم ليلا بكشف هذه الأسرار وكأنها نهار القيامة من أجل أولى النهى ! !
 
1675 - وحيثما تقترب من معركة ما ، وترى عدوين ، كلاهما يجاهد في كشف أسرار الآخر .
- فاعلم أن تلك اللحظة هي المحشر المذكور ، واعلم أن ذلك الحلق الناطق بالأسرار هو الصور .
- ومن كثرة ما تحدث " الراوي " عن خيانة الخياطين ، أحس التركي بالغبن وتألم وغضب .
- فقال : يا أيها الراوي ، من أمهر الناس في مدينتكم في هذا المكر والاحتيال ؟ !
 
ادعاء التركي ومراهنته على أن الترزى
لا يستطيع أن يسرق منه شئياً
 
1680 - قال : إنه خياط يدعى بورشش ، إنه في خفة اليد هذه عند السرقة قاتلٌ للخلق .
- قال " التركي " : إنني متأكد إنه مهما فعل من ضوضاء ، لن يستطيع أن يسرق منى خيطا واحداً .
- فقالوا له : إن من هو أكثر مهارة منك قد هزم منه ، فلا تبالغ في الادعاء .
- فامض ولا تغتر بعقلك هذا ، فإنك سوف تحار في حيله .
 
« 165 »
 
- فازداد التركي حماسا وراهن على أنه لن يستطيع أن يسرق منه قديما أو جديداً .
 
1685 - فزاد المطمعون في حماسه سريعا ، فقدم المراهنة وفتح الرهان قائلًا :
- إن الرهان هو جوادى العربي هذا، سوف أعطيه لكن إن سرق منى قماشا باحتياله.
- وإن لم يستطع السرقة ، آخذ منكم جوادا في مقابل رهانى الذي بدأت به .
- ولم يزر النوم التركي تلك الليلة من قلقه ، وذلك أنه كان يتقاتل مع خيال اللص .
- وفي الصباح الباكر وضع تحت إبطه قماشا من الأطلس ، ومضى إلى السوق ، قاصدا حانوت ذلك المحتال .
 
1690 - وألقى عليه السلام بحرارة ، وهب " الأستاذ " من مكانه مرحبا به .
- وسأله بحرارة مما يزيد على عادة الترك ، حتى ألقى في قلبه بمحبته .
- وعندما سمع منه " التركي " هذا التغريد البلبلى ، ألقى أمامه بالأطلس الاستنابولى .
- قائلًا له : فصل لي هذا القماش قباءً ليوم القتال ، واسعا تحت سرتى ضيقا من أعلى .
- ضيق من أعلى ليكون زينة للعين ، وواسع من أسفل حتى لا يعوق القدم .
 
1695 - فقال : سمعا وطاعة يا ذو الوداد ، ووضع يده على عينه علامة القبول .
- ثم قاسه ، ونظر إلى ظاهر الأمر ، وانطلق بعدها في " النخع " .
 
« 166 »
 
- عن حكايات الأمراء الآخرين ، وعن جود أولئك النفر وعطائهم .
- وعن البخلاء وطفيليتهم ، وقدم العلامات والامارات وذلك لكي يثير الضحك .
- وكالنار أخرج مقصا وأخذ يقص ، وشفته مليئة بالحكايات والملح .
 
قول الخياط للفكاهات وإغماض التركي لعينيه من شدة الضحك
واهتبال الخياط للفرصة
 
1700 - أخذ التركي في الضحك من الحكايات ، وأغمضت عيناه الضيقتان في تلك اللحظة .
- فسرق قطعة من القماش وأخفاها تحت فخذه خفية عن كل الأحياء ولم يره إلا الله .
- كان الحق يرى ذلك ، لكنه الستار ، وهو أيضا الفضاح إذ زاد الأمر عن حده 
- ومن لذة الحكايات وحلاوتها ، ذهبت عن قلب التركي كل ادعاءاته السابقة .
- فما الأطلس ؟ ! وما الادعاء ؟ ! وما الرهان ؟ ! إن التركي ثمل الرأس من هذا الأخ الكبير .
 
1705 - وتضرع إليه التركي قائلا : بالله ، دوام على هذرك وفكاهاتك فإنها صارت غذاء لي .
- فقال طرفة مضحكة ذلك المحتال ، بحيث استلقى التركي على قفاه من القهقهة
- فوضع قطعة من الأطلس سريعا تحت تكة السروال ، والتركي الغافل لا يزال يستمرئ الحكايات اللطيفة .
- وهكذا وللمرة الثالثة قال التركي الخطائى ، قل فكاهة بالله .
- فقال فكاهة أكثر إضحاكا من الأولين ، صاد بها ذلك التركي بكليته .
 
« 167 »
 
1710 - وثمل التركي المدعى من القهقهة ، وصار مغلق العين طائر اللب مولها
- ثم سرق من القباء قطعة ثالثة ، فمن قهقهة وجد الميدان متسعاً .
- وعندما طلب ذلك التركي الخطائى فكاهة رابعة من ذلك " الأسطى " .
- أشفق عليه ذلك الأستاذ ، ومن أن يقوم فيما تبقى بالاحتيال والظلم .
- وقال " في نفسه " ، لقد صار خذا المفتون مولعا بهذا الأمر ، وهو غافل عن غبنه وخسارته في هذا الأمر !
 
1715 - فقبل التركي الأسطى قائلا : ارو لي ملحة أخرى بالله .
- فيامن صرت أحدوثة وممحوا من الوجود ، حتام تريد تجربة الخرافة والهباء ؟
- وليست هناك خرافة أكثر إضحاكا منك ، فقف على حافة لحدك الخرب !
- ويا من سقطت في الجهل والشك ، حتام تبحث عن قصص الفلك وفكاهاته ؟
- وحتام تتجرع إغراء هذه الدنيا ، فلا عقلك بقي على نسقه ولا روحك .
 
1720 - إن هزل هذا الفك النديم التافه ، أراق ماء وجه الآلاف من أمثالك ! !
- إنه يفصل ويخيط هذا الخياط العام ، ثياب الأطفال السذج الذين يبلغون من العمر مائة عام .
- وبالرغم من أن مزاحه أعطى العطايا للبساتين ، إلا أنه عندما حل الشتاء ذرى عطاياه أدراج الرياح .
- وقد جلس الشيوخ الأطفال أمامه متكدين ، حتى يمزحون " متحدثين " عن سعده ونحسه !!
 
« 168 »
 
قول الخياط للتركى : انتبه واصمت فلو قلت فكاهة أخرى لضاق قباؤك
 
- قال الخياط : أيها الخصي دعك من هذا ، فالويل لك لو قلت لك فكاهة أخرى !
 
1725 - إذن لضاق قباؤك تماما ، ولا يفعل بنفسه هذا أحد قط ! !
- أي ضحك هذا ؟ ! إنك لو عرفت السر ، لبكيت بدلا من الضحك دماً « 1 » .
 
بيان أن العاطلين وطالبى المزاح مثل ذلك التركي ، والدنيا الغرورة الغادرة مثل ذلك الخياط والشهوات والنساء هي مزاح هذه الدنيا ، والعمر مثل ذلك الأطلس أمام ذلك الخياط من أجل صنع قباء البكاء ولباس التقوى
 
- إن خياط الدهور قد مزق أطلس عمرك قطعة قطعة بمقراض الشهور ! !
- وأنت لا زلت تتمنى أن يمازحك الفلك على الدوام ، ويكون سعدا عليك إلى الأبد .
- وتهلع كثيرا من تربيعاته ، ومن دلاله وبغضه وآفاته .
 
1730 - وتتألم كثيرا من صمته ومن نحوسه وقبضه وسعيه في الانتقام .
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 581 :
- فاترك الضحك أيها التركي الثمل ، ذلك أن عمرك قد نفد وسوف تنقلب .
- وعندما ترك الخياط القباء من يده ، كان ذلك التركي الثمل قد أضاع الجواد .
- واستمع إلى خلاصتها : إنك ذلك التركي المخدوع ، والدنيا الغادرة هي الغول .
- والأطلس الذي كان ينبغي أن تخيطه للتقوى والصلاح أنفقته على المزاح .
- والعمر هو اطلسك والمزاح هو الشهرة ، والنهار والليل هما القراض والضحك هو الغفلة .
- والجواد هو الإيمان ، والشيطان كامن لك ، فانتبه واقلع عن هذا المزاح .


« 169 »
 
- قائلا : لماذا لا تكون زُهرة الطرب مستمرة في الرقص، لا تتوقف أنت على سعودها ورقص سعدها .
- فيقول لك الفلك : إنني لو زدت في مزاحك لجعلتك شديد الغبن .
- فلا تنظر إلى زيف تلك الكواكب، وانظر إلى عشقك مبذولا للزيف أيها المهان !!
 
مثل
 
- كان أحدهم يمضى في الطريق صوب حانوته، فرأى الطريق أمامه غاصا بالنساء.
 
1735 - كانت قدمه تحترق من عجلته، والطريق مسدود بجماعات من النسوة كأنهن الأقمار.
- فاتجه إلى امرأة وقال : أيتها الضعيفة ، كم أنتن كثيرات أيتها الصبايا .
- فالتفتت إليه تلك المرأة وقالت : أيها الأمين لا تنظر إلى كثرتنا بإنكار .
- وانظر أنه على كثرتنا على وجه الأديم ، فإن مجال التمتع قد ضاق بكم .
- فتسقطون في اللواط من قلة النسوة ، والفاعل والمفعول هما فضيحة الزمن ! !
 
1740 - فلا تنظر إلى حوادث الدهر ، إذ أنها تتحول من الفلك هنا إلى نوائب .
- ولا تنظر إلى ضيق الرزق والمعاش ، ولا تنظر إلى هذا القحط والخوف والارتعاد .
- بل انظر أنه مع كل مراراته ، إنكم موتى عشقا فيه وفي عدم اهتمامه بكم.
- فاعلم أن الامتحان المر من قبيل الرحمة ، واعلم أن مُلك بلخ ومرو نقمة.
- فلم يهرب إبراهيم ذاك من التلف وصمد فيه، وهرب إبراهيم هذا من العز وانطلق.

« 170 »

1745 - وذلك لا يحترق وهذا يحترق ويا للعجب، إن الأمور معكوسة في طريق الطلب!!

[ حكاية الصوفي والقاضي ]
تكرار الصوفي للسؤال
- قال الصوفي : إن ذلك المستعان قادر على أن يجعل تجارتنا بلا خسارة .
- وذلك الذي يجعل النار ورد وشجرا ، قادر أيضاً على أن يجعل هذه " النار " بلا ضرر .
- وذلك الذي يخرج الورد من نفس الشوك ، يستطيع أن يجعل الشتاء ربيعاً .
- وذلك الذي يجعل كل شجرة سر وممشوقة القوام ، قادر على تحويل الحزن إلى سرور .
 
1750 - وذلك الذي صار كل عدم موجودا منه ، ماذا ينقص " من ملكه " إذا تركه باقيا ؟ !
- وذلك الذي يعطى الجسد روحا من أجله أن يحيا، إن لم يمته ما الذي يحيق به من ضرر ؟!
- وما ذا يكون لو يهب ذلك الجواد العبد مقصوده دون أي اجتهاد .
- ويبعد عن الضعفاء مكر النفس وفتنة الشيطان اللعين التي تترصدهم « 1 »
 
جواب القاضي على الصوفي
 
- قال القاضي : إن لم يوجد الأمر المر ، وإن لم يكن الجميل والقبيح والحجر والدر ! !
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 586 :
- ويجعل وقت الطالب قليل التفرقة ، ويجعل مرآة القلب مثل كأس جمشيد
 
« 171 »
 
1755 - وإن لم توجد النفس والشيطان والهوى، وإن لم يحدث الطغيان والخصومة والوغى.
- فبأي اسم إذن كان المليك يلقب عبيده أيها المتهتك ؟ !
- وكيف كان يقول أيها الصبور وأيها الحليم ، وكيف كان يقول أيها الشجاع وأيها الحكيم ! !
- وكيف كان الصابرون والصادقون والمنفقون يوجدون دون وجود لقاطع طريق وشيطان لعين .
- ولا تسوى من " في شجاعة " رستم وحمزة والمخنث ، ولبطل العلم " واختفت " الحكمة وهدما ! !
 
1760 - فالعلم والحكمة " من أجل التفرقة " بين الطريق واللاطريق ، وعندما يكون " الوجود كله " طريقا ، فتلك الحكمة لا جدوى منها
- ومن أجل حانوت الطبع هذا الذي يشبه الماء المالح هل تجيز أن يكون العالمان خرابا ؟ !
- إنني أعلم أنك طاهر ولست بالساذج ، وسؤالك هذا من أجل العوام .
- إن جور الزمان وكل أمل يكون ، أسهل من الغفلة والبعد عن الحق .
- ذلك أنها أمور تمر ، لكن هذا الأمر لا يمر ، وإنما يكون مقبلا ذا دولة من يكون ذا روح واعية .
 
حكاية في بيان أن الصبر على الشدة أيسر من الصبر
على فراق المحبوب
 
1765 - قالت امرأة لزوجها ، انتبه يا من طويت طريق المروءة دفعة واحدة .
 
« 172 »
 
- إنك لا تقوم برعايتى أبداً فلماذا ؟ ! وحتام أبقى على هذه المذلة ؟
- قال الزوج : إنني احتال على النفقة ، وبالرغم من أنني خالى الوفاض ، إلا أنني أسعى بيدي وقدمي .
- إن النفقة والكسوة واجبتان على أيتها الحسناء ، وهما لك منى بلا زيادة أو نقصان .
- فأبدت المرأة كم ثوبها ، وكان الثوب شديد الخشونة مليئا بالقذارة .
 
1770 - وقالت : إنه يخز جسدي من خشونته ، فهل يكسو أحدٌ أحداً على هذا النمط ؟ !
- فقال : أيتها المرأة لأسألك سؤالا ، إنني رجل فقير ، وهذا هو قصارى جهدي 
- إنه - حقيقة - خشن وغليظ وغير مقبول ، لكن فكرى أيتها المرأة الذكية .
- أهو أكثر خشونة وقبحا أو الطلاق ؟ ! هل تكرهينه أكثر أو تكرهين الفراق ؟
- وكذلك أيها السيد الذي تقوم بالتشنيع على البلاء والفقر والآلام والمحن .
 
1775 - ولا شك أن ترك الهوى يصيب بالمرارة ، لكنه أفضل من مرارة البعد عن الحق .
- وإذا كان الجهاد والصيام صعبين قاسيين ، لكنهما أفضل من أن يمتحن المرء بالبعد .
- ومتى يبقى الألم في تلك اللحظة التي يقول لك فيها ذو المنن كيف أنت يا مريضى ؟
- وإن لم يتحدث إليك ، لأنك لا تملك ذلك الفهم والقدرة ، لكن لذتك - حين المرض - هي هذا السؤال .
- وأولئك الحسان ، أي أطباء القلوب ، يميلون على المرضى سائلين إياهم .
 
« 173 »
 
1780 - وإذا توخوا الحذر توقيا للشهرة ، فإنهم يحتالون ويرسلون الرسائل ؛
- وإلا فإن في قلوبهم ذلك الذي يفكرون فيه ، فلا معشوق قط غافل عن عاشقه !
- فيا باحثاً عن نوادر الحكايات ، اقرأ أيضاً أسطورة المقامرين بالعشق .
- ولطالما غليت في هذا العهد المديد، ولم تصبح حتى مغليا على طريقة الترك ، أيها القديد !!
- ولقد شاهدت عمرا العدل والحكم ، ولا زلت أكثر فجاجة ممن لم يشاهده .
 
1785 - إن كل من اتخذته تلميذا قد صار أستاذا، وأنت قد سرت القهقرى أيها الأعمى العنيد.
- وإن لم يكن لديك من والديك اختبار ، ألم يكن لك اعتبار من الليل والنهار . ؟
 
مثل
 
- سأل أحد العارفين ذلك القسيس الشيخ ، أأنت اسن أيها السيد أو لحيتك ؟ !
- قال : لا لقد ولدت قبلها ، وعشت كثيرا دون لحية ،
- قال : لقد ابيضت لحيتك وتغير حالها ، لكن طويتك القبيحة لم تطب .
 
1790 - لقد ولدت بعدك لكنها سبقتك ، وأنت جاف هكذا من شهوة الثريد .
- وأنت على نفس اللون الذي ولدت به ، ولم تتقدم بعده خطوة واحدة .
- وأنت كالدوغ حامض من أصله ، ولم تقم باستخلاص الزيت منه .
- وأنت خمير خمرت طينته ، بالرغم من أنك قضيت عمرا في موعد نار .
- وكعشبة جذورها في طين على تل، بالرغم من أنها ميالة الرأس من رياح الهوس.
 
1795 - ومثل قوم موسى في حر التيه ، بقيت في مكانك أربعين سنة .
- إنك تمشى مهر ولا كل يوم حتى الليل ، لكنك ترى نفسك في أول مرحلة .


« 174 »
 
- ولن تعبر بُعدك هذا الذي استمر ثلاثمائة سنة ، ما دمت عاشقا لذلك العجل .
- فمادام خيال العجل لم يغادر قلوبهم ، كان التيه عليهم كالدوامة الفظيعة .
- ولرأيت غير ذلك العجل الذي وجدته منه ، لطفا ونعمة لا نهاية لهما ! !
 
1800 - فيا بقرى الطبع ، إن هذه النعم الجزيلة ، قد ذهبت عن قلبك في عشق هذا العجل .
- فاسأل مرة كل عضو من أعضائك ، فإن هذه الأعضاء الخرساء ذات مائة لسان .
- واذكر نعم رزاق الدنيا ، التي اختفت بين طيات اللسان .
- إنك جلدٌ ليل نهار في طلب الخرافات ، وأعضاؤك عضوا عضوا متحدثة عن كونك خرافة .
- وحتى نبتت أعضاؤك عضوا عضوا من العدم ، شاهدت كثيرا من ألوان السرور وكثيرا من الأحزان .
 
1805 - ذلك أنه بلا لذة لا ينمو عضو قط ، بل إن كل عضو يصير نحيلا من أي ضغط أو التواء .
- لقد بقي العضو ، وذهبت تلك اللذة من الذاكرة ، لا ، إنها لم تمض بل اختفت عن " الحواس " الخمسة و " الأفلاك " السبعة !!
- مثل الصيف الذي " نتج " فيه محصول القطن ، وبقي القطن ، وذهب الصيف من الذاكرة .
- أو كالثلج الذي ينتج في الشتاء ، واختفى الشتاء ، بينما بقي ذلك الثلج أمامنا .
 
« 175 »
 
- فالثلج تذكار عن قسوته تلك ، وتذكار الصيف عندما يحل الشتاء « 1 » هو تلك الثمار .
 
1810 - وهكذا كل أعضائك عضوا عضوا أيها الفتى ، منبئة عن نعمة ما في جسدك .
- كامرأة لها عشرون ابنا ، كل واحد منهم حاك عن حال لذة .
- فالحمل لا يكون دون نشوة ومداعبة ، ومتى تكون الحديقة منتجة دون ربيع ؟ !
- فالحوامل وأولاء الذين يحملن أطفالهن ، صرن دليلا على ممارسة الحب في الربيع .
- وكل شجرة في رضاع للأطفال ، كمريم حامل من ملك في السر .
 
1815 - وبالرغم من أن ناراً قد اختفت في الماء ، فإن مئات الآلاف من الحباب متموجة عليه .
- وبالرغم من أن النار تقوم بعملها في السر ، فإن الزبد يشير إليها بوضوح تام ! ! « 2 »
- مثل ذلك أعضاء المنتشين بالوصال ، حامل لصور الحال والمقال .
- وفي جمال الحال عجزت الأفواه ، وذهلت الأبصار عن صور الدنيا .
- وتلك المواليد ليست من رحم هذه " العناصر " الأربعة ، فلا جرم أن هذه الأبصار لا تشاهدها .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : في شهر دَىْ .
( 2 ) حر : بإصابعه العشرة .


« 176 »
 
1820 - لقد ولدت هذه المواليد من التجلي ، فلا جرم أنها مستورة بحجاب لطيف .
- لقد قلت " مولودا " والحقيقة أنه لا ولادة هناك ، وليست هذه العبارة إلا من أجل الإرشاد .
- هيا ، واصمت ، حتى يتحدث مليك المقال ، ولا تعرض طباع البلبل على هذا الصنف من الورود .
- إن هذا الورد ناطق ممتلئ وجذا وهياما ، فهيا أيها البلبل اترك اللسان ، وتحول إلى أذن ! !
- وكلا هذين الصنفين تمثال طاهر المثال ، وهما شاهدا عدل على سر الوصال .
 
1825 - وكلا هذين الصنفين من الحسن اللطيف المرتضى ، شاهدان على أنواع الحمل والحشر فيما مضى ! !
- مثل الثلج الموجود في تموز الذي حل ، يتحدث في كل لحظة عن أسطورة الشتاء .
- ويذكر تلك الرياح الباردة والزمهرير ، في تلك الأزمان والأيام العسيرة .
- ومثل تلك الفاكهة في وقت الشتاء ، تتحدث عن حكاية اللطف الإلهى .
- وعن قصة أو أن بسمات الشمس، وملامستها ومجامعتها لتلك العرائس في الرياض.
 
1830 - لقد ذهب الحال وبقي العضو منك تذكارا، فقم بسؤاله أو تذكر أنت بنفسك.
- وعندما يهدأ حزنك إن كنت ماهراً ، فإنك تنجو من تلك اللحظة المؤيسة .
- ولقلت له : أيها الحزن الذي تنكر الآن رواتب الانعام من ذاك الكمال .
 
« 177 »
 
- فإن لم يكن لك في كل لحظة ربيع ونضرة ، فمخزن ماذا جسدك ؟! وكأنه الورد المتراكم .
- إن الجسد ورد متراكم وفكرك هو ماء الورد ، فهل ينكر ماءُ الورد الوردَ ، إن هذا لشئ عجاب .
 
1835 - إن من فيهم طبع قردة الكفران حرام عليهم التبن ، وعلى من لهم وجوه كالأنبياء نثار الشمس والسحاب .
- وعناد الكفر هذا هو قانون القردة ، وذلك الحمد والشكر هو منهاج النبي .
- فماذا فعل التهتك مع من فيهم طباع القردة ؟! وما ذا فعل التنسك مع من لهم وجوه الأنبياء ؟!
- ففي العمران توجد الكلاب العقور ، وفي الخرابات كنوز العز والنور !!
- وإن لم يكن هذا البزوغ " مطويا " في الخسوف ، لما ضل العديد من الفلاسفة طريقهم !!
 
1840 - والأذكياء العقلاء وجدوا من الضلال ، وسم البله على الخرطوم .
 
[ حكاية الفقير طالب الرزق دون واسطة الكسب ]
بقية قصة الفقير طالب الرزق دون واسطة الكسب
 
- كان أحدهم مسكينا ومفلسا ، تجرع من الإملاق آلاف السموم .
- ومن ألمه دأب على الضراعة في الصلاة وفي الدعاء ، قائلًا : يا الله ، يا حارسا للرعاء !!
- لقد خلقتني معدوم الجهد فارزقني بلا احتيال منى في هذه الدار .
- لقد أعطيتني جواهر خمسة في درج الرأس ، وخمسة حواس أخرى مستترة .
 
1845 - وهذا العطاء لا يعد ولا يحصى منك ، وأنا كليل في بيانه خجل الوجه .
  
« 178 »
 
- ولما كنت فردا في خلقي ، فاجعل أنت أمر رزقي مستويا .
- وكثر منه هذا الدعاء لسنوات عديدة ، وفي النهاية فعلت ضراعته فعلها .
- مثل ذلك الشخص الذي طفق يطلب من الله رزقا حلالا دون كسب أو جهد .
- فأتى له ثورٌ بالسعادة آخر الأمر ، وذلك في عهد داود الذي كان عدله من لدن " حكيم خبير " .
 
1850 - وهذا المتيم أبدى أيضاً ضراعاته ، واختطف هو بدوره كرة الاستجابة من الميدان .
- أحيانا كان يسئ الظن في الدعاء ، وذلك من أجل تأخر المكافأة وتأخر الجزاء .
- ثم كان إرجاء الإله الكريم ، يصير بشيرا في قلبه وزعيما .
- وعندما كان يقنط في الجهد من الكلال ، كان يسمع من جناب الحق نداء :
تعال !! 
- فإن هذا الخالق خافض ورافع ، وبلا هذين لا يتأتى أي عمل .
 
1855 - فانظر إلى خفض الأرض وإلى رفع السماء ، فلا دوران " للكون " بلا هذين يا فلان .
- وخفض هذه الأرض ورفعها من نوع آخر ، فهي نصف العام بور ونصفه الآخر خضراء نضرة !!
- وخفض الأيام ذات الكرب ورفعها من نوع آخر ، إذ أن نصفها نهار ونصفها ليل .
- وخفض هذا المزاج الممتزج ورفعه ، حينا بالصحة وحينا بالمرض الذي يسبب الاستغاثة .
 
« 179 »
 
- وهكذا فاعلم كل أحوال الدنيا ، قحط وخصوبة وحرب وسلم من أجل الابتلاء .
 
1860 - وهذه الدنيا " محلقة " في الأثير بهذين الجناحين ، والأرواح منهما مواطن للخوف والرجاء .
- حتى تصبح الدنيا مرتعدة كأنها ورقة شجرة ، في " رياح " الشمال وفي سموم البعث والموت .
- وحتى يصبح الدن ذو اللون العبسانا ، يروى بقيمه الدنان التي تحتوى مائة لون .
- فإن تلك الدنيا كأنها أرض ملح ، كل من ذهب إليها ، نجا من التلوين .
- فانظر إلى التراب ، إنه يجعل الخلق ذوى الألوان المتعددة على لون واحد في القبور .
 
1865 - وهذه هي أرض ملح الجسوم ، أما أرض ملح المعاني فهي مختلفة .
- وأرض ملح المعاني معنوية ، وهي في تجدد من الأزل إلى الأبد .
- وهذه الجده هنا ضدها القدم ، أما تلك الجدة فهي بلا ضد ولا ند ولا عدد !!
- كما أنه من جلاء نور المصطفى ، تحولت مئات الآلاف من الظلم إلى ضياء .
- فاليهودي والمشرك والمسيحي والمجوسي ، صاروا جميعا في لون واحد ، من " تأثير " ذلك العظيم .
 
1870 - ومئات الآلاف من الظلال القصيرة والممتدة ، صارت واحدة في نور شمس السر تلك ! !
- فلا طول بقي ، ولا قصر ، ولا عرض ، فإن تنوع الظلال رهن بالشمس .
- لكن اتحاد اللون الذي يوجد في الحشر ، مكشوف وظاهر للصالح والطالح .
 
« 180 »
 
- فإن المعاني ، تتحول في ذلك العالم إلى صور ، وكل صورنا تصير جديرة بخصله من الخصال .
- ويصبح الفكر آنذاك صورا على الكتب ، وتصير هذه البطانة على ظاهر الثوب .
 
1875 - والبواطن في هذا الزمان كأنها الثور الأبلق ، ومغزل النطق عند الأمم غازل بمائة لون .
- فالدور هو دور مائة لون ومائة قلب ، فمتى يتجلى عالم اللون الواحد ! !
- والدور دور الزنجي، واختفى الرومي، هذا هو الليل والشمس رهن "موضع آخر".
- الدور دور الذئب ويوسف في البئر ، نوبة آل فرعون ، وفرعون هو المليك .
- حتى تكون لهذه الكلاب بضعة أيام من الرزق الذي لا يتقطع ويضحك مستهزئاً ! !
 
1880 - والأسد مترصد داخل الغابة ، وذلك حتى يصدر الأمر ب " تعالوا " ! !
- ثم تخرج تلك الأسود من المروج ، ويبدي الحق بلا حجاب السر والعلن .
- ويستولى جوهر الإنسان على البر والبحر ، وتذبح الثيران البلقاء يوم النحر .
- ويوم النحر هو يوم البعث المهول ، هو عيد للمؤمنين وهلاك للثيران .
- وكل الطيور المائية في يوم النحر ذاك ، طافية كأنها السفن على سطح البحر .
 
1885 - حتى يهلك من هلك عن بينة ، وحتى ينجو من نجا واستيقنه « 1 » .
- وحتى تذهب البزاة نحو السلطان ، وتمضى الغربان نحو القبور .
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن .
 
« 181 »
 
- فالعظام وأجزاء البعر ، كأنها الخبز ، قوت شهى للغربان في الدنيا .
- فأين سكر الحكمة من الغراب ، وأين دودة البعر من البستان .
- فلا يليق غزو النفس والرجل الغرير ، ولا يتفق العود والمسك ومؤخرة الحمار .
 
1890 - وإذا كان لم يعط النساء آية قدرة على الغزو ، فمتى يعطيهن ذلك " الجهاد " وهو الجهاد الأكبر ؟ !
- ولا يحدث إلا نادراً أن يكون " بطل " كرستم ، مخفيا داخل جسد امرأة ، مثلما حدث لمريم .
- مثلما تكون هناك نساء مختفيات بين جوانح بعض الرجال ، فهم إناث من ضعف الجنان .
- وفي ذلك العالم تتصور تلك الأنوثة ، في كل من لم " ير في نفسه " استعدادا للرجولة .
- إنه يوم العدل ، والعدل إعطاء المستحق ، فالنعل للقدم ، والقلنسوة للرأس .
 
1895 - وحتى يصل كل طالب إلى مطلوبه ، وحتى يمضى كل غارب إلى غربه .
- فلا مطلوب هناك يمنع عن طالبه ، فالشمس قرينة للحرارة والسحاب قرين للمطر .
- والدنيا هي موضع قهر الله ، فذق القهر ما دمت قد اخترت القهر .
- وانظر إلى عظام المقهورين وشعورهم ، وقد عمل سيف القهر في البر والبحر .
- وانظر إلى جناح الطائر وقدمه حول الفخ ، شارحة لقهر الله دون كلام .
 
1900 - لقد مضى عن الدنيا ، وعلامتة لحد محدوب الظهر ، وذلك الذي مات من زمن لم يبق له حتى هذا اللحد .
 
« 182 »
 
- لقد أعطى عدل الحق لكل امرئ قرينه ، فالفيل مع الفيل ، والبق من جنس البق .
- وأنس أحمد في مجلسه كان مع الصحابة الأربعة ، ومؤنس أبى جهل كان عتبه ، وذو الخمار .
- والسدرة هي كعبة جبريل والأرواح ، أما المائدة فهي قبلة عبد بطنه .
- وقبلة العارف هي نور الوصال ، وقبلة عقل المتفلسف ، وهو الخيال .
 
1905 - وقبلة الزاهد هو البر الرحيم ، وقبلة الطامع كيس الذهب .
- « 1 » وقبلة أهل المعنى الصبر والاحتمال ، وقبلة عباد الصورة الصورة المنقوشة على الحجارة .
- وقبلة المنصرفين إلى بواطنهم ذو المنن ، وقبلة عباد الظاهر وجوه النساء .
- « 2 » وهكذا فعدد من قديم وجديد ، وإن كنت قد مللت فانصرف إلى عملك .
- لقد صار العقار رزقا لنا في الكأس الذهبية ، وتلك الكلاب بها ماء النخالة في طبق الفخار .
 
1910 - لقد أرسلنا الرزق مناسبا لما جُبل عليه من طبع وجديرا به .
- « 3 » ولقد جعلنا طبع ذلك مجبولا على عشق الخبز ، وجعلنا طبع هذا ثملا بعشق الأحبة ! !
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 604 :
- وقبلة رجال الحق الأعمال الطيبة ، وقبل غير المستحق الجهل الحقير .
( 2 ) ج : 13 / 604 :
- وقبلة العاشق هو الحق يا بنى ، وقبلة الباطل هو إبليس أيها الأب .
- وقبلة فرعون الدنيا برمتها ، وقبلة الحمار ماذا تكون ؟ ! مؤخرة الحمار ! !
( 3 ) ج : 13 / 605 :
- لقد جعلنا ذلك السيد عاشقاً للخبز ، وجعلنا هذا شبعاً للروح . . لم ؟ !

« 183 »
 
- وما دمت سعيدا وراضيا بطبعك لماذا تنفر إذن مما هو جدير بطبعك ؟ !
- فإذا كانت الأنوثة قد أعجبتك؟! خذ الطراحة، وإذا كانت البطولة قد أعجبتك.. احمل الخنجر .
- « 1 » إن هذا الكلام لا نهاية له، وذلك الفقير، صار صارخا من طعن الفقر.
.
* * *
شرح حكاية الصوفي والقاضي 
ففي الحديث القدسي [ عبدي أطعني كما أمرتك ولا تعلمني ما يصلحك ] 
وأيضاً قبل من قبل في الأزل بلا علة ورد من رد في الأزل بلا علة " ( أنقروى 6 - 1 / 344 ) ، وحين تأتيك جذبة الحق وكأنها الطائر يطير من عشه عند وصول معرفة الغيب وصبح المعرفة ، فدعك من عباداتك وفكرك وذكرك ، فهي بمثابة الشمع أمام نور الشمس وإذا طلع الصباح بطل المصباح ، وحينذاك تتفتح منك عين البصيرة فلا تبصر إلا الله ، تراه في كل شئ في اللباب وفي القشور ، تتجلى لك الذرة والهباء عن شمس البقاء ، وتدرك أن القطرة هي دليلك إلى البحر .
 
( 1501 - 1506 ) : الحديث عن القضاة العدول وتفسير مولانا أن عدل الأرض جزءٌ من عدل السماء ، فإن رأيت قاضياً عادلًا ففكر في عدالة السماء فهي تدل عليها مثلما تدل القطرة على البحر ، ذلك أن الجزء يحمل كل سمات الكل ، ويتحدث مولانا عن الشفق كموضع لقسم الله في القرآن في حين يرى أن الله لم يقسم بالشفق ، بل قال فلا أقسم بالشفق ( 6 / 295 ) ( الانشقاق 16 ) في حين يرى بعض المفسرين أن لا هنا زائدة وأن الله سبحانه وتعالى أقسم بالشفق ( مولوى 6 / 216 )
وهو الأصوب ، وهو في رأى مولانا قسم بالتجلي البشرى لشخصية المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم ( انظر الكتاب الثاني والضحى نور ضمير المطفى الأبيات 296 - 298 ) مثال النملة التي تحجبها حبة عن البيدر مر قبل ذلك ( انظر الكتاب الذي بين أيدينا الأبيات 811 - 815 وشروحها ) والنملة هي مثال لذلك الذي يظن أن الوجود هو نفس هذه الحياة المادية ويغفل عن بيدر الوجود المطلق .
 
( 1507 - 1513 ) : في البيت 1507 يذكرنا مولانا فحسب بأصل الحكاية ثم يعود إلى إفاضاته فيخاطب الظالم الذي يمد له الله في طغيانه ويغفل عن الجزاء ، وهذه غفلة أو نسيان أو حجب أسدلت على عين الباطن فلم تعد تدرى شيئاً ، أو هو في الحقيقة استمراء للظلم وتلذذ به تلذذاً وحشياً لأن المظلوم ساكت صامت مستسلم ولا يرد على الظلم الذي حاق به ، لكن الظالم مع ذلك غير مستريح ، ومن المستحيل أن يتمتع بذلك الصفاء الذي ينشده ( لتفصيلات
 
« 501 »
 
الفكرة أنظر الترجمة العربية للكتاب الثالث الأبيات 355 - 359 وشروحها والأبيات 4564 - 4574 وشروحها ) إنك لا تدرى شيئاً عن حقوق المظلوم عليك لأن هذه الحقوق خافية عليك وأنت محبوس بها وأن هذا من عقوقك للحق فلو لا عقوقك للحق ما عقت الناس ، وأن الظالم ليمد في ظلمه حتى يأخذه العقاب الإلهى ( المحتسب ) أخذ عزيز مقتدر ، فصف جدول قلبك وكيانك ووجودك من كدره هذا ، ولا يقوى على هذا إلا المجنون .
 
( 1516 ) : الجبار : هو الهالك في الشرع أو الهالك أثناء تنفيذ حكم شرعي وجباراً أي هدراً ولا دية له - عن الأنقروى 6 - 1 / 354 ( قال صاحب السقاية رجل ضرب امرأته في أدب فماتت فعليه الدية والكفارة وكذا الأب والوصي في الولد الصغير عن أبي حنيفة ) وإذا ضرب الأب ابنه على تعليم القرآن أو الأدب فمات قال أبو حنيفة عليه الدية ولا يرثه وقال أبو يوسف ومحمد رحمه الله عليهما يرثه ولا شئ عليه .
 
( 1520 - 1530 ) : الدية على العاقلة : أي أن الدية على غير البالغ أو السفيه تدفعها عصبته ( انظر البيت 2472 من الترجمة العربية لكتاب الثالث وشروحه ) ، والآمن هو غير المسؤول إن وقع أذى على من يوقع عليه الحد الشرعي ، وهو غير الأب ، فالأب إن ضرب ابنه وهلك فإنما يضربه لأن خدمته واجبة عليه شرعاً ويضربه لأمر يخصه ، أما القاضي فلا دية عليه ولا مسؤولية لأنه يضرب من أجل الشرع ، وحكم المعلم كحكم القاضي ،
إن المعلم إذا ضرب الصبى فإنما يضربه لتأديبه وتعليمه فإن هلك فلا دية عليه لأنه لم يضربه لشئ في نفسه أو لغرض في داخله ، وينتقل مولانا إلى الحديث عن قطع رأس الذات أو النفس بسيف ذي الفقار وذو الفقار اسم لسيف الأمام على رضي اللّه عنه ، وهو هنا كناية عن سيف الحق وسيف الشرع وسيف الدين
( انظر 3671 من الترجمة العربية للكتاب الثالث ) فإذا فنيت بهذا السيف فأنت آمن من العقوبة خال من المسؤولية إذ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى ( الأنفال 17 ) وفي هذه الحالة فإن المسؤول ( الضامن ) هو الله تعالى .
 
« 502 »
 
( 1531 - 1538 ) : يمنع مولانا جلال الدين نفسه عن الاسترسال في هذه القضايا الفقهية لأنها خارج إطار هذا الكتاب وخارج بضاعة هذا الدكان ، وقبل ذلك اعتذر مولانا عن الاسترسال في مناقشة قضية كلامية خشية مضى لذة نقاط العشق منه ، وخشية أن يصير دورة دوراً مختلفا ( الترجمة العربية للكتاب الثالث البيتان 1375 ، 1376 وشروحها )
ويضرب مولانا الأمثال فلكل حانوت بضاعته التي يلتمس منها ، ومن ثم فإن هذا الكتاب أي المثنوى هو حانوت التوحيد ، وكل ما تراه غير التوحيد صنم فحطمه ، وما هذه الألفاظ التي صبت فيها المعاني ، وما هذه الحكايات التي تراها إلا من قبيل ذكر الأصنام في سورة النجم ونطق الشيطان أو أحد الكفار بتلك الكلمات التي تلت الآيتينأَ فَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى( النجم 19 - 20 )
ثم صمت الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم فإذا بصوت يصيح " تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهم لترتجى " ( جعفري 13 / 539 )
وقد قال بعض المفسرين إن الكفار كانوا يقاطعون الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم عند قراءته لهذه الآيات فذكر آية الغرانيق كي يسكت الكفار ومن ثم سكتوا وسجدوا ( استعلامى 6 / 297 ) ،
 
وهذه هي الفتنة التي ما تزال لها ذيول حتى الآن ( آيات شيطانية مثلًا للمرتد سلمان رشدى ) والحكاية كلها مختلفة من الرواة وإن كان ابن سعد قد أورده في طبقاته وابن جرير الطبري في تاريخه وبعض المفسرين عند تفسيرهم قوله تعالى وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌوهي روايات قال فيها ابن كثير " ولكنها من طرق كلها مرسلة ولم أرها مسندة على وجه صحيح " والأمر كما توصل إليه سيد قطب أن الكفار سجدوا عند تلاوة الآيات ( دون ذكر للغرانيق ) من شدة تأثير القرآن الكريم إن سبب السجود " كامن في ذلك السلطان العجيب للقرآن ، ولهذه الإيقاعات المزلزلة في سياق هذه السورة " ( سيد قطب : في ظلال القرآن ، مجلد 6 ، 3419 - 3422 من ط 12 دار الشروق ، 1406 ه / 1986 م ) ولم لا ؟ ولم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي تأثر بها الكفار
 
« 503 »
 
بالإسلام والروايات عن تأثر عمر رضي اللّه عنه قبل إسلامه بآيات من سورة طه ، وشهادة الوليد بن المغيرة للقرآن وغيرهما وغيرهما متواترة ، المهم في هذا المجال أن الرواية على علاتها كانت تذكر قديماً دون حساسيات أو حرج ، وها هو مولانا يقارن إدخاله بعض الهزل في المثنوى عن عمد ( حتى يجذب العوام ) وهو نفس التعليل الذي قدمه سنائى لإدخال الهزل في الحديقة وهو أن أكثر الناس من العوام ( انظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة لكاتب هذه السطور الأبيات 11261 - 11263 وشروحها )
وينصرف مولانا عن هذا الموضوع الشائك بعيد الغور شديد الغموض ، فالآية ليست من السورة والأمر كله فتنة وخير لك من أن تعطى أذنك لسليمان الطريقة ( الشيخ الكامل ) ولا تهيج الشياطين ( الضالين والشكاكين ومشعلى الفتنة ) .
 
( 1539 - 1549 ) : عودة إلى حكاية القاضي والصوفي ، وثبت العرش ثم انقش مثال معناه :
فصل في دعواك حتى أحكم فيها ، وينظر إلى المدعى عليه فيستبعد أن يحكم على مثل هذا الميت فالشرع للأحياء والقادرين والأغنياء وليس للموتى ( موتى الجسد وموتى العلم وموتى التقافة وأولئك الذين فرغوا من الداخل وماتت هويتهم ) ، ثم ينتقل مولانا إلى فئة فنيت ذواتهم وماتوا قبل أن يموتوا ولا صورة لهم ولا جسد ، ومن ثم فإن الديات قد انهالت عليهم من ذات الحق . وفي الحديث القدسي : من أحبني قتلته ومن قتلته فأنا ديته . انقروى 6 - 1 / 362 ) وقال الإمام القشيري " التوبة بقتل النفوس غير منسوخة في هذه الآية إلا أن بني إسرائيل كان لهم قتل أنفسهم جهراً وهذه الأمة توبتهم بقتل أنفسهم معنى "
( نفس المصدر ) ( انظر عن البقاء في الفناء مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث وهناك مضمون مشابه في الأبيات 2960 - 2966 من الكتاب الرابع )
وجرجيس آخر الأنبياء روى أنه قتل وعاد حياً أكثر من مرة ( انظر ) البيت 893 من الكتاب الذي بين أيدينا ) فالسالكون إلى طريق الحق يفنون في كل خطوة وفي كل فناء خطوة جديدة إلى وجود جديد ( انظر الأبيات من 1145 - 1150 من الكتاب الأول )
 
« 504 »
 
( 1555 - 1574 ) الحي هنا هو رجل الحق بأنفاس الله ، ومن ثم فالموتى هم أهل الدنيا مصداقاً للحديث النبوي الشريف ، وذلك لأن من رده رجل الخلق فقد رده الحق " ألسنة الخلق أقلام الحق " ، ومن رده أهل الدنيا وآذوه ، يكون أذاهم مثل أذى القصاب للذبيحة ، لكن القصاب ينفخ في الذبيحة فتفنى ، والله ينفخ النفخة الإلهية في العبد فيظل حياً بها إلى الأبد ( عن هذه الصورة انظر أيضاً البيت 4684 من الكتاب الخامس )
أنظر إلى الفرق بين فناء الصوفي وفناء أهل الجسد ؟ فناء الصوفي زينة له وفناء أهل الجسد شين لهم ، على كل حال ، كيف أحدثك عن هذه النفخة الإلهية وهي التي لا تتأتى في كلمات ، ولا تعبر عنها ألفاظ هيا أخرج من قاع الدنيا إلى أعلى صرح الوجود ، تحس بما أقوله من كلمات .
 
( 1575 ) : قال صلى اللَّه عليه وسلّم [ لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ] ( أحاديث المثنوى / 200 ) . ومن وصايا الإمام على رضي اللّه عنه " يا بنى اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك فاحبب لغيرك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم وأحسن كما تحب أن يحسن إليك واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك وارضه لهم بما ترضاه لهم من نفسك " ( عن جعفري 13 / 549 )
 
( 1576 ) : إشارة إلى المثل السائر " من حفر بئراً لأخيه وقع فيه " وليس حديثاً كما ذكر مولانا .
 
( 1583 - 1586 ) : يتحدث القاضي عن الرضا ( انظر البيت 1573 من الكتاب الأول وعن القضاء انظر أيضاً الكتاب الأول 1236 - 1242 الترجمة العربية ، وانظر أيضاً الترجمة العربية للكتاب الثالث البيت 1363 ) وعلى الإنسان أن يرى جزاء عمله حتى ينفتح بستان قلبه ( انظر الأبيات 135 - 140 من الكتاب الرابع وشروحها ) .
 
( 1587 - 1609 ) : المتحدث الحقيقي هنا ليس القاضي لكنه مولانا : والحديث هنا عن قيمة
 
« 505 »
 
البكاء والإشارة إلى الآية فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ( التوبة 82 ) وبرغم أن الخطاب هنا للكفار فمن الممكن أن يعتبر به المؤمنون على أساس أن كثرة الضحك تميت القلب ( مولوى 6 / 337 ) والدمع هنا من خشية الله ومن الشوق إليه وليس كل عبوس مضرا ، بل من عبوس الوالدين يكون النفع للولد ، ومقدمة الجنة هو البكاء وألا يبكى المؤمن عند ذكر النار ، إذن فباب الجنة مفتوح أمام الباك الذي يتحرز من النار ويعمل عمل أهل الجنة ، فالفرح الحقيقي من الممكن أن يوجد في هذا البكاء
( انظر الأبيات 2481 - 2485 من الكتاب الأول ) وإن مع العسر يسرا أي كما قال نجم الدين كبرى " مع عسر المجاهدات يسر المعرفة " ( مولوى 6 / 338 )
والنعال المعكوسة أي العلامات المعكوسة والتي يدل ظاهرها على غير باطنها والتي تضلل السالك ( انظر الكتاب الأول البيت 2488 والكتاب الخامس البيت 416 والبيت 2753 من ترجمة كاتب هذه السطور )
وقد فسر الدكتور كفافى النعال المعكوسة بأنهما نعلان يشير أثرهما إلى اتجاه مضاد لا تجاه الهدف وقد كان بعض المحاربين يعكس اتجاه نعال فرسه ليضل من يقتفون أثره ( ص 308 من الكتاب الأول ترجمة كفافي )
ومن ثم لزم المشير ولزم رفيق الطريق ولزم القائد والمرشد والدليل ، فالأمور تبدو معكوسة ولا ينبؤك مثل خبير واقرا في الكتاب أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ ( الشورى / 38 ) والزم الصمت ، واسمع وتعلم وخذ العبرة من صلاة الجمعة ، فالرحمة تنزل على الصافين الساكتين المنصتين للإمام ، فكن صامتا لأن من صمت نجا ، ولا تشهر نفسك لكيلا تكون هدفا للسهام ، والرسول صلى اللَّه عليه وسلّم بالرغم من أنه أتم الدين وأكمل النعمة إلا أنه أوصى بالاقتداء بالنجوم أي الصحابة  فقال صلى اللَّه عليه وسلّم : [ أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم أهديتم ] ومن ثم فالأمر قائم إلى يوم الدين ، فإن كان الصحابة قد مضوا فأنت مطالب باتباع الأولياء والمرشدين ، فالحديث ذو شجون والكلام يجر بعضه بعضاً ، ولا تكون لك سيطرة على الأمر ، فسرعان ما يجرك الهوى ، ويحيد بك عن الطريق ، فالمسموح له بالحديث هو الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم الذي
 
« 506 »
 
قيل فيه وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى ( النجم / 3 - 4 ) ،
فالبلاغة هي الصمت ، وذرة الصدق أفضل من مائة مقال ، وأن تعيش " الحال " أفضل من أن تكون بليغاً ( عن المقال والحال انظر الترجمة العربية للكتاب الثالث ، البيت 4730 وشروحه ) .
 
( 1610 - 1618 ) : برغم سياق الحكاية ينقلب القاضي إلى مرشد والصوفي إلى مريد سائل يسأل القاضي عما يؤرقه من تناقضات في مظاهر الكون وفي قضاء الحق وتجليه في مظاهر مختلفة ، ما لهذا يحصل على الذهب وذاك يحصل على الزيف مع أن المنجم واحد ؟ ! ولماذا يكون هذا يقظا والآخر ثملًا ، وإذا كانت الجداول ( البشر ) تجرى بماء واحد ، فلماذا يكون ماء المؤمن صافياً عذباً زلالا ويكون هناك كافر ماؤه ملح أجاج ؟ ولماذا التفاوت والاختلاف بين الصبح الصادق والصبح الكاذب ؟ مع أن المصدر هو شمس البقاء الأزلية ، ولماذا يكون عقل أحدهم مضيئاً منيراً وعقل الآخر مظلما كدراً ؟ ،
وطريق الله طريق واحد فكيف يحتوى هذا الطريق على هادي الطريق ودليله ومرشده ويحتوى على غيلان الطريق المضلين ؟ ، ولماذا تلد البطن الواحدة العاقل والسفيه والصالح والطالح ، ما دام الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم قد قال أن الولد سر أبيه ؟ !
( انظر الترجمة العربية للكتاب الرابع ، البيت 3117 وشروحه ) . لماذا هذا التعدد وهذه الكثرة كتجليات للوحدة ؟ ! لماذا تظهر هذه الاختلافات مع أن الله ( المصدر ) إليه واحد ؟ !
 
( 1619 - 1630 ) : يجيب القاضي ( المرشد ) إن الأمر لا تناقض فيه ، فكيف يقاس المعشوق بالعشاق ؟ ! ألا ترى أنه بالرغم من أنه لا عاشق بلا معشوق ولا معشوق بلا عاشق هناك كثير من الاختلافات في أحوالهم ؟ ! فكلما ازداد المعشوق جمالا ازداد العاشق نحولًا . . .
وكلما زاد المعشوق دلالا وعزة وكرمة ازداد العاشق وجداً وهياما وذلا واضطرابا ، إن هذه الخليقة التي تراها متناقضة إلى هذا الحد كلها زبد على سطح البحر فاضت منه ولكنها ليست هو ، والبحر يحتوى على الدر يحتوى على السبه ( حجر رخيص )
فهل يقال أن هذه المظاهر والآثار هي عين البحر الذي بلا كيفية ، ولا يحيط به أحدٌ علما ؟ ! والخالق المطلق ليس نداً لمخلوقاته
 
« 507 »
 
وليس ضدا لها ، قال الإمام على رضي اللّه عنه : بتشعيره المشاعر عُرف أن لا مشعر له ومضادته بين الأمور عرف أن لا ضد له وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له ، ( عن جعفري 13 / 563 ) فلا خالق هناك يستطيع أن يخلق ضده ، فالاضداد كثيرة والأنداد كثيرة ، والمثل لا يخلق مثله ، وأسرار الخليفة ( مد البحر وجزره ) لا كيفية لها وغير قابلة للوصف ، وانظر :
إن أقل ظاهرة من ظواهره هي روحك ، ومع ذلك فإنك لا تستطيع أن تدرك كنهها ولا يستطيع أحد أن يفسر أبعادهاوَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ، قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا( الإسراء / 85 ) .
 
( 1631 - 1642 ) : يواصل القاضي ( المرشد ) : تراك تريد أن تدرك كنه هذا البحر ، وعقلك بكل ما أوتى من قوة لا يستطيع أن يدرك كنه قطرة واحدة منه ، وتساؤلاتك كلها تبقى محدودة بنطاق الألفاظ وضيقها ، وأين ألفاظك وأين معرفتك المحدودة من العقل الكلى أو ما خلق الله ومنه فاضت الخليقة وهو أيضاً عاجز عن إدراك منهجه ، يستنجد بالجسد ويسأله :
أتراك حصلت على النذر اليسير من المعرفة عن بحر المعاد ؟ !
ويرد الجسد : كيف وأنا دائما مجرد ظل لك كيف أدرك ما لم تستطع إدراكه ؟ !
ويرد العقل : إنها الحيرة هي التي تقلب كل الموازين : تكون الشمس في خدمة الهباء ويفر الأسد أمام الغزال والبازي أمام السلوى ، يطلب القوى العون من الضعيف ( انظر عن الحيرة البيت 2486 من الترجمة العربية للكتاب الأول و 1377 من الترجمة العربية للكتاب الثالث و 969 من الترجمة العربية للكتاب الرابع ) ولم لا ؟ ،
ألم يكن الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم مع عظمته وقربه يطلب الدعاء من المساكين ؟ ! وفي رواية الجامع الصغير " كان يستفتح ويستنصر بصعاليك المسلمين ( انظر أحاديث مثنوى ، ص 200 ) وكيف تصدق أقوال المفسرين أن هذا كان من أجل التعليم . !
أيكون التعليم في إيداء الأمور على غير حقيقتها ؟ ! لا . . . بل كان صلى اللَّه عليه وسلّم يعلم أن كنوز المعرفة في قلوب الفقراء مصداقا لقوله تعالى في الحديث القدسي
[ أنا عند المنكسرة قلوبهم ] وهذه الأمور المعكوسة
 
« 508 »
 
( انظر البيت 1594 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحه ) تحير حتى الأولياء ، وإلا فإن كل جزء في الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم منبىء عن الحقيقة الإلهية ، ومن هذا الفعل المعكوس تعددت الفرق والمذاهب وليس ثم إلا حقيقة واحدة ، وكلها اختلافات في النظر ( عن اختلافات النظر ، انظر حكاية رسامى الصين والروم من الكتاب الأول وحكاية الفيل في الحجرة المظلمة ، ابتداء من البيت 1260 من الكتاب الثالث وانظر أيضاً حكاية سؤال موسى عليه السّلام لله تعالى : لم خلقت خلقا فأهلكته ، من الترجمة العربية للكتاب الرابع ، الأبيات 3001 وما بعده وشروحها ) .
 
( 1643 - 1651 ) : يواصل القاضي حديثه إلى الصوفي : إن هذا الكلام ليس بالبسيط وليس بالهين ، ولا تستطيع أذن الجسد أن تستوعبه بل لا بد له من اذن الروح ، فكل ما يتأتى للعبد إنما يتأتى له من الله من العطاء والمنع والنعم والبلاء ، وهكذا ديدنه مع كل خلقه بلاءٌ يعقبه نعمة ونعمة يعقبها بلاء ، ( انظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة ، حكاية الذي أراد أن يهب بردة لبهلول ، الأبيات 5339 - 5344 وشروحها ) .
 
وما حول الفخذة هو أحسن قطع الذبيحة ما حول الرقبة أسوأها ، والدنيا بأجمعها لا تساوى عند الله جناح بعوضة ولو كانت لما سقى الكافر منها شربة ماء بل هي للصالح والطالح على السواء ، لكن رحمته جل شأنه تكون للصالحين من خلقه فحسب الذين يصبرون على الضراء ولا ترتفع عقيراتهم بالصياح أو الشكوى ، والحضور هو حضور القلب والمنزل هو قلب المؤمن : ليكن الله سبحانه وتعالى حاضرا في قلبك ، لكي تصلك خلعه .
 
( 1652 - 1656 ) : يذكر سؤال الصوفي هنا بما ورد في الكتاب الخامس قصة ذلك الذي قال : ما كان أحلى الدنيا لو لم يكن موت ، وما كان أحلى ملك الدنيا لو لم يكن له زوال ، وعلى هذه الوتيرة من الترهات ( الأبيات 1762 - 1773 من الترجمة العربية للكتاب الخامس وشروحها ) . فالحقيقة غارقة في الحقيقة لأن المجاز لا ينتفى عند أهل الحقيقة لأن مراتب
 
« 509 »
 
الوجود تسمى حقيقة بعد حقيقة ( سبزوارى / 441 ) .
( 1657 ) : يضرب القاضي المثل هنا بقصة التركي والخياط التي وردت في كتاب الأذكياء لابن الجوزي ( مآخذ / 207 ) .
 
( 1663 - 1671 ) : يترك مولانا رواية الحكاية كعادته ليتحدث عن أهمية المتلقى بالنسبة للمتحدث فبقدر همة المستمع تكون قوة المتحدث ، مصداقا للحديث النبوي المذكور في العنوان ( انظر أيضاً البيت 1247 من الكتاب الذي بين أيدينا ، وانظر أيضاً الترجمة العربية للكتاب الثالث الأبيات 3604 - 3614 وشروحها )
 
والفكرة العامة أن كل شئ بقدر حاجة الخلق إليه ، يبكى الطفل فيفور ثدي الأم باللبن ، تهتز الأرض فينزل عليها المطر ، يريد الله سبحانه وتعالى أن ينزل معجزة الأنبياء والخلق أجمعين ، فيخلق الخليقة كلها من أجله لكي يتم الظهور عليها فلا ظهور له إلا بها فهو أول الأنبياء خلقا آخرهم بعثا ، وكان نبيا وآدم بين الماء والطين ،
وقال الله تعالى له : " لو لاك ما خلقت الأفلاك " ، والأولياء أيضاً ، يأتي بالبشائر من عالم الغيب لأن الآذان تهفوا إلى هذه البشائر ، وما دامت عاكفا على الدنيا فأنت والكلب سواء فالدنيا جيفة وطلابها كلاب ، والكلب نفسه ينجو من طبيعته الكلبية عندما يصاحب أهل الكهف ( الأولياء ) لكن ما العمل والعوام كلهم همهم النساء والطعام .
 
( 1675 - 1677 ) : إن هذه الخلافات بين الخلق صورة مصغرة للقيامة وحين يقع شجار بين اثنين يجاهد كل منهما في فضح أسرار الآخر، وهذا أشبه بالقيامة عند نفخ الصور حيث ينشر كل ما أسره المرء على الملأ.
 
( 1716 - 1723 ) : يترك مولانا الحكاية ( التي هي أيضاً داخل حكاية الصوفي والقاضي ) ويخاطب المريد : حتام أنت مولع بالحكايات والأساطير وأنت نفسك مجرد حكاية من
 
« 510 »
 
الحكايات تعجز عن الوصول إلى الحقيقة وتبتعد عن إدراك الواقع ( انظر البيت 1147 من الكتاب الثالث حيث تقدم فلسفة الحكاية والبيت 1662 من الكتاب الذي بين أيدينا ) وأنت العجب العجاب في ضحكك هذا ، أتراك تضحك والموت في انتظارك وأنت دائما في ضحك ( انظر حديقة سنائى ، الأبيات 6135 - 6137 ) ،
إنك تهزل والفلك يسخر منك ، ولا تنظر فقط إلى عطاياه بل وانظر أيضاً إلى أخذه ، وفكر في العواقب ( انظر لتفسير الفساد في الكون الترجمة العربية للكتاب الرابع ، الأبيات 1544 - 1614 وشروحها )
وهذا هو الفلك خياط عام يصنع الكساوي لأولئك الذين شاخوا في أعمارهم لكنهم لم يبلغوا عقول الأطفال ، ذلك أنهم يخضعون كل شئ على عاتق الفلك ، ويتحدثون عن سعده ونحسه ، ويتكدون منه ، بينما لا يملك من أمر نفسه شيئاً .
 
( 1734 - 1745 ) : الحكاية هنا ذات أصل عربى ورد في ربيع الأبرار للزمخشري " زحمت مريأة رجلا فقال : المستعان بالله ما أكثر كن ، قالت : يا هذا نحن على هذه الكثرة وأنت تبتغون ما وراء ذلك فليت شعري لو كان فينا قله ما كنتم تعملون . ( عن فروزانفر مآخذ 207 ) .
 
ومعناها أن أهل الدنيا لا يشبعون من لذائذها هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى لم يفطن إليها الشراح القدامى أن انغماس المرء في الشهوات حتى ولو كان طبيعيا فإن يجره إذا وصل إلى مرحلة التشبع إلى البحث عن الشذوذ واللجوء إليه ،
ثم يواصل مولانا الحديث :
وهكذا الإنسان مع الدهر : إن الإنسان يسب في الدهر ويشكو الزمن وأكثر الناس شكوى من الدهر هم أشدهم كلفا به وحرصا عليه ، وتعلقا بشهواته ، فما أن يخسر أدنى خسارة فيه حتى يجأر بالشكوى وتضيق الحياة في وجهه ، وإذا كسب فيه فإن يتجبر ويطغى ويركب على رقاب الخلق ، فلا هو بالشاكر في النعمة ولا هو بالصابر على البلاء ، وكل الناس لا يتأسون بإبراهيم الخليل عليه السّلام الذي وفي وصبر على نار النمرود ولا بإبراهيم بن أدهم الذي لم يركن إلى النعمة بل وهرب منها قاصدا الحقيقة : وبينما ألقى إبراهيم الخليل بنفسه في النار فلم
 
« 511 »
 
يحترق ، ألقى إبراهيم بن أدهم بنفسه في طريق الطلب واحترق بنار الطريق .
 
( 1746 - 1753 ) : لا يزال الصوفي ( المريد ) يسال القاضي الشيخ ويضرب الأمثال لوجود الخير والشر معا في الدنيا ، مع أن الله تعالى جلت قدرته يستطيع أن يجعل العالم خيرا محضاً .
 
( 1754 - 1764 ) : جواب القاضي هنا يشبه حديث مولانا في أكثر من موضع عن لزوم الشر إلى جوار الخير ، وأنه إذا كان العالم خيرا خالصاً لما أمكن التمييز بين الخير والشرير والصالح والطالح ، الموضع الأول في الكتاب الرابع تحت عنوان : بيان أن العمارة في الخراب والجمع في التفرقة ، ( الأبيات 2341 - 2353 ) والموضع الثاني في الكتاب الرابع أيضاً تحت عنوان سؤال موسى عليه السّلام الخالق سبحانه وتعالى : خلقت خلقا وأهلكتهم ( الأبيات 3001 - 3029 ) وفي الكتاب الخامس تحت عنوان في بيان قول الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم : لا رهبانية في الإسلام ، الأبيات 575 - 580 ) .
 
ويخلص مولانا في الأبيات التي بين أيدينا أن توجيه مثل هذه الأسئلة من قبيل الغفلة ، فمن اقترب من الحق علم أن كل ما يأتي منه خير . وقد عبر سنائى عن هذه الفكرة في حديقة الحقيقة أيضاً ( انظر الترجمة العربية ، الأبيات 426 - 461 وشروحها )
وقال بعض السادات : أذنبت ذنبا وأنا أبكى عليه منذ ستين سنة ، واجتهدت في العبادة لأجل التوبة من ذلك الذنب ، فقيل له ما هو ؟ ! قال : قلت مرة لشئ ليته كان كذا ! !
وقال بعض المشايخ : لو قرض جسمي بالمقاريض ، كان أحب إلى أن أقول لشئ قضاه الله ليته لم يقضه . ( انقروى 6 - 1 / 424 ) .
 
( 1765 - 1774 ) : الحكاية الواردة في هذه الأبيات مأخوذة عن رواية وردت في ذيل زهر الآداب للحصرى " وكسا مزيد المدني امرأته قميصا فشكت إليه غلظته وخشونته فقال : أترينه أخشن من الطلاق . ( عن فروزانفر ، مآخذ 208 ) .
 
( 1775 - 1786 ) : المقصود من الحكاية السابقة هل الفقر والبلاء والآلام والمحن أشد وطأة
 
« 512 »
 
على العبد أو البعد عن الله ؟ ! هل مكافحة الهوى على مرارتها وقسوتها أقل مرارة من البعد عن الحق أو أكثر مرارة ؟ !
هل الصيام والجهاد على قسوتهما أقسى أو أن يمتحن المرء بالبعد عن ربه ؟ ! من دعاء كميل المشهور عن أمير المؤمنين " فهبين يا إلهي وسيدي ومولاي وربى صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك " ( عن جعفري 3 / 592 ) .
 
يكفيك أن تسمع مواساته أثناء المك ، وأنت تسأل : كيف اسمع مواساته ؟! 
ألست تدعو ربك أثناء البلاء وأثناء المحنة ؟ 
اعلم أن نفسك دعوتك هذه هي إجابته جل شأنه بلبيك ، فالدعاء عين الاستجابة ، وإذا كان البلاء يجعلك قريبا من الله تناديه فيستجيب لك فكيف تفر من هذا البلاء ؟! 
وإذا لم يكن لديك ذوق التلقي ، ألست تحس في حالات المرض والبلاء بأنك قريب من الله ؟! تكفيك اذن هذه اللذة ويكفيك هذا القرب ، وعلى هذا النسق العلاقة بين أولئك الحسان ( المرشدين والأولياء ) ومرضى القلوب ( السالكين في طريق الحق ومرضى النفوس )
وهم وإن لم يفصحوا إلا أن إشاراتهم ( رسائلهم ) تغنى ، ففي الإشارة غنى عن العبارة ، وإلا فإن من القلب إلى القلب كوة ، ولا يوجد عاشق يفكر في معشوقه دون أن يفكر معشوقه فيه ، ( انظر الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 4396 - 4415 وشروحها )
 
وإذا كنت مغرما بالقصص والحكايات فاقرأ حكايات العشاق ، ففيها الكفاية ، فقط يجب أن تكون ناضجاً بقدر الكفاية ، ولست مغلياً نصف غلية على طريقة الترك في النضاج اللحم ( انظر 3751 من الكتاب الثالث ) ،
 لكنك أيها السالك الذي لا يدرك عمق هذه المعاني ولا تصادف منك قلباً مفتوحاً قد عشت عمرك وتعلمت ما تعلمت ، لكنك كلما تعلمت ازددت فجاجة على فجاجتك ، فعلمك الذي تتعلمه ليس من أجل الحق بل من أجل الخلق ، ذلك أنك سرت في طريق غير طريقه ، فكل من صار تلميذاً للحق صار أستاذاً ،
أما الذي يسير في طريق آخر فيتجمد بل يسير القهقرى لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وهناك من أضله الله على علم فمثله " كالكلب " ولا يصل حتى إلى مستوى البشر ، فلا أنت اتعظت بمهلك والديك ، ولا أنت اعتبرت بما جرى لك من أحداث في حياتك .
« 513 »
 
( 1787 - 1790 ) : اللطيفة الموجودة في هذه الأبيات مما رواه الأفلاكى عن مولانا أنه لقى راهباً في الطريق فسأله : هل أنت أسن أو لحيتك قال الراهب : أنا أسن من لحيتي بعشرين عاماً ، فقال مولانا : أيها المسكين ما ظهر بعدك نضج وشد وأنت على ما أنت عليه تحضره السواد والفساد والسذاجة ، ويلك !! ( فروزانفر 2080 مناقب العارفين للأفلاكى ، ج 1 ، ص 139 ) وشهوة الثريد كناية عن شهوات الدنيا وتربية الجسد .
 
( 1791 - 1800 ) : الخطاب بالطبع ليس للراهب بل لكل من أضلتهم شهوة الحياة الدنيا من الغافلين العاكفين عليها : إنهم كلبن المخيض الحامض لم يقوموا باستخلاص التجليات الروحانية ( الزيت ) منه فيبقى على حالته ، وهم أيضاً كالعجين لم تنضجهم نار السلوك ، بالرغم من طينتك أنت قد خمرها الحكيم العليم ( انظر البيت 1222 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ،
 
وأنت كعشبة في طين على رأس تل ، ليست ثابتة أو ممتدة الجذور ، تهتز وتميل مع كل ريح ( هوس ) ، ولذلك فأنت مثل قوم موسى في التيه ، لا وجه ولا طريق ولا هدف ولا أمل في الوصول ، وما ذلك إلا لاتخاذهم العجل .
 قال تعالى فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ ( المائدة 26 ) وما ذلك إلا لتمسكهم بالدنيا وقعودهم عن القتال مع موسى عليه السلام وقولهم له إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ، فها أنت مثلهم تهرول ،
لكنك لا تصل إلى شئ ، ولن تصل إلى شئ ، ما دمت مثل قوم موسى الذين أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ حتى ولو بقيت ثلاثمائة سنة ، وثلاثمائة سنة بصحبة أهل الكهف كانت كفيلة بتحويل كلب إلى مذكور مع الأولياء في آية واحدة في القرآن الكريم
( عن العجل وقوم موسى انظر سورة طه آية 88 وانظر البيت 3322 من الترجمة العربية للكتاب الرابع ).
 وسوف تظل مثل قوم موسى إلا أن تطرد هيامك بالعجل من قلبك ، وتتوب إلى بارئك ، وتقوم بقتل نفسك التي بين جنبيك ، حينئذ يتحول غضبه جل شأنه إلى لطف ونعمة ، لكن هذا لن يحدث ما دام الطبع
 
« 514 »
 
الحيواني مسيطرا عليك جاعلًا الدنيا منتهى أملك ومبلغ علمك .
 
( 1801 - 1809 ) : إذا كنت تريد دليلًا على نعم الله عليك فاسأل أعضاءك هذه التي تظن أنها خرساء وهي في الحقيقة مفصحة عن آلائه جل شأنه متحدثة بألف لسان ، اسألها تحدثك عن حياتها ، وتفصح لك عن نعم الله الذي رباها وأنشأها من العدم وابتلاها بالخير والشر فتنة ، ونمو الأعضاء وامتلاؤها ونضرتها إنما يدل على حال سرور ولذة حين خلقها وحين نموها ، ومن ثم فإنها تضمر وتزداد نحولًا عند الشدة والحزن ، وها هي أعضاؤك مائلة أمامك ، لكن ذلك الإحساس باللذة والمتعة من هذا الخلق العظيم والذي يستوجب شكر النعمة انتفى عن حواسك الخمسة وعن عالمك المحسوس فبقيت غافلًا عنه ، وكل ما حولك في الكون دليل على ذلك ، والطبيعة تعلمك فأية نعمة زالت بزوال أسبابها الظاهرة ؟ 
ألا ينضج الصيف محصول القطن ويذهب الصيف ويبقى لك محصول القطن ؟! 
وألا يأتي الشتاء بالثلج ويمضى الشتاء ويبقى الثلج " الذي تحتفظ به " ؟ فهل القطن نعمة الصيف وهل الثلج من عطاء الشتاء ؟
 
( 1810 - 1816 ) : وهكذا أعضاؤك : كل عضو من هذه الأعضاء ينبئ عن نعمة كامنة فيه وهبها لك أحسن الخالقين ، والمرأة التي تلد الأبناء إنما نذكرها كل منهم بحالة خاصة من أحوال اللذة ، وتمضى اللذة وتظل آثارها ، ولماذا المرأة بالذات ؟
إن كل شجرة تلد الثمار إنما تلدها بقدرة الواهب اللطيف وبأنعامه الإلهية الخافية ، فليس كل حمل برجل وامرأة ، ولديك حمل مريم البتول عليها السلام
( انظر الآيات 16 - 18 من سورة مريم والأبيات 3702 - 3707 من الترجمة العربية للكتاب الثالث ) والنار ألا توضع تحت الماء ومع ذلك يكون من آثارها ذلك الزبد الذي يغلى؟.
 
( 1817 - 1829 ) : هذه الأعضاء التي تحسبها جماداً تكون من قبيل آخر عند أولئك السكارى بالوصل الإلهى ، إذ أنها تحمل صور الأحوال التي تمر بها حالًا بعد حال ،
 
« 515 »
 
والخطاب الإلهى الملىء باللطف يناديها أولًا بأول ويكشف لها الأحوال ، لكنها لا تستطيع أن تعبر عما تدركه الأبصار أو تسمعه الآذان ، فهي " مواليد " لكنها ليست من أركان الدنيا الأربعة ، ويعود مولانا فيقول : أية مواليد ، إن مواليد هنا لفظ تقريبي فحسب من أجل الإرشاد والتعليم ، لكنها في الحقيقة تجليات ، ومن الأوفق هنا الصمت فآفة الحال المقال ، ودع سلطان المقال ومليكه ( الحق ) ليتحدث ، ولا تتفاصح فإن هذا الصنف من الناس لن يدرك شيئاً مما تقول ، إنه ممتلئ وجداً وهياماً يسمع حديثاً من غير قبيل حديثك ، فانضم أنت أيضاً إلى السامعين ، وهذان الصنفان : الجسماني والروحاني من آثار الوصال كلاهما له جماله الخاص به ،
 
وانظر إلى مظاهر الطبيعة من حولك موت وحشر ونشر ثم موت وحشر ونشر ، تتوالى الفصول ، فهذا الصيف المتجدد يذكرك بالشتاء ورياحه الباردة وزمهريره القارس ، وهذه الفاكهة الموجودة في الشتاء تذكرك باللطف الإلهى الذي أنضجها في الصيف ، وتذكرك بالشمس عندما تبسمت وأخصبت عرائس الرياض ، فأولدتها وردا وريحانا وفاكة وأبا .
 
( 1831 - 1840 ) : إنك لو كنت ماهراً وذكياً عميق الفكر ، إذا إجتاحك الحزن من هذا التمزق الذي تعايشه بين الأرضي والسماوي ، فإنك تستطيع أن تخاطب هذا الحزن قائلًا :
أيها الحزن المنكر للعطايا الإلهية ، إن لم تكن هذا الألطاف الإلهية منصبة عليك ، فلماذا في كل لحظة يتنضر وجودك ويتجدد دمك ، وتنهمر عليك الأفكار ، وما هذه الأفكار منك إلا عصارة هذه الالطافات ، وهي من زهر وجودك المتجدد كماء الورد من الورد ، فهل ينكر ماء الورد
( الفكر ) الألطاف الإلهية ( الورد ) ؟
 
إن الكافر المتخلق بأخلاق القردة تكون أقل نعمة من هذه النعم الروحانية حراماً عليه ، لكن أولئك الذين يتخلقون بأخلاق الأنبياء فلهم النور ولهم الغيث ، والشكر مهما كان البلاء من أخلاق الأنبياء ، أما القردة والخنازير وعبد الطاغوت فديدنهم الجدل مع الخالق والعاطى ، وانظر إلى عاقبة هؤلاء وعاقبة أولئك ، ولا تغرنك المظاهر ، فالعمران ملىء بالكلاب المسعورة والخراب ملىء بالكنوز المدفونة ، وهذه المظاهر
 
« 516 »
 
هي التي تضلل عبدة الظاهر من الفلاسفة الذين لا يجاوزون حواسهم ، فلا تتذاكى ، فإن أولئك الذين يظنون أنهم يشقون الشعرة من ذكائهم ومهارتهم ، هم أولئك المدموغون بالله ( سنسمه على الخرطوم - انظر البيت 1434 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 1841 ) : كلمة بقية المذكورة في العنوان لا محل لها إذ لا توجد أجزاء من القصة في الكتاب الذي بين أيدينا أو في كتاب آخر من كتب المثنوى . ولعله يشير إلى أن حكاية أخرى في هذا المجال قد سبقت في الكتاب الثالث وسوف يشير إلى هذا الأمر في البيتين 1848 ، 1849 .
 
ومجال القصة هنا التذاكى والشطط حيث انتقل من الحديث عن الفلاسفة إلى الحكاية ، فهم من تذاكيهم وشططهم يقعون بعيداً عن الحقيقة مثل رامى السهم الذي كلما شد القوس أكثر ليلقى السهم بعيداً ابتعد عن الكنز الذي يقع تحت موطىء قدمه ، والقصة ذات أصل في مقالات شمس الدين التبريزي ( كل من هو أكثر فضلًا أبعد عن المقصود ، كل من هو أكثر غموضاً في فكره أكثر بعداً ، هذا عمل القلب ليس عمل المخ )
( مقالات شمس تبريزى بتصحيح محمد على موحد 1 / 75 ) كما يعلق مولانا شمس على الحكاية تعليقاً آخر " كل من ألقى السهم أبعد كان أكثر حرماناً إذا تبقى خطوة واحدة حتى يصل إلى الكنز ، فأية خطوة في حد ذاتها ، وأية خطوة هذه ) ( مقالات شمس تبريزى 1 / 76 )
وهذا ما عبر عنه أبو اليزيد البسطامي بتعبير آخر " خطوة من جهدنا وخطوة أخرى بأمر الحق " وقد أشار مولانا إلى نفس هذا التعبير في المثنوى ( البيت 1550 من الكتاب الرابع ) ( انظر استعلامى 6 / 311 ) .
 
( 1848 - 1849 ) : إشارة إلى حكاية الذي كان يطلب رزقاً حلالًا بلا كسب في عهد داود النبي الواردة في الكتاب الثالث من المثنوى الأبيات 2308 - 2505 ) .
 
( 1854 - 1859 ) : الخفض والرفع هنا كناية عن ظهور مظاهر القدرة الإلهية على الخلق بأشكال متفاوتة وكلها خير وبقدر الحاجة ، والمزاج الممتزج هو جريان الحياة الجسدية المبنية على أربعة من الأمزجة قائمة على العناصر الأربعة للوجود في معتقد القدماء ، القدرة الإلهية
 
« 517 »
 
إذن هي التي تحكمها تقيم الوجود على هذه الأضداد ولا حافظ لها إلا اللطف الإلهى ، وكل هذا التضاد فتنة ( يبلوكم بالخير والشر فتنة ) ويرى بعض المفسرين أن الأبيات تعبر عن الحديث النبوي : [ إن الله لا ينام ولا ينبغي أن ينام يخفض القسط ويرفعه ] ( استعلامى 6 / 312 ) .
 
( 1860 - 1871 ) : أن الدنيا قائمة على جناحي الخير والشر ، ويؤمن مولانا جلال الدين على خلاف اعتقاد القدماء أن الأرض كرة معلقة في الفضاء أو الأثير وفي البيت 4767 من الكتاب الذي بين أيدينا يخاطب الأرض مرة أخرى قائلًا " انهضى من بين الفلك أيتها الأرض " ولا يمكن أن يكون هذا التعبير إلا إذا اعتبر الأرض كرة معلقة في الفضاء وفي موضوع آخر يردد مولانا هذا التعبير على لسان حكماء المدرسة دون أن يبدي اعتراضه أو تأييده ( انظر الأبيات 2494 - 2500 من الكتاب الأول ) ،
 
إن من هذا الاختلاف في أحوال الكون تكون الأرواح في خوف أو في رجاء ، ويكون أهل هذه الدنيا بين رياح الشمال ورياح السموم مرتعدين كأوراق الأشجار - ومن هذا الخوف تتولد الاختراعات ومشروعات العمران والتغلب على الطبيعة ، لكن الإنسان المتعمد على ذلك العالم الآخر لا خوف لديه ولا رجاء ولا رعدة ولا هزة لأنه يتحد بالوجود المطلق ولا لون هناك للوجود المطلق ، والوجود المطلق كأنه عالم من الملح يطهر ويمحو كل الألوان ،
 
ومن هذا التعبير الإنجيلى تتداعى المعاني والصور ، فالدن ذو اللون الواحد هو دن عيسى عليه السلام الذي وضع فيه الثياب عندما عمل عند صباغ ومن هذا الدن ذي اللون الواحد كان يخرج كل ثوب مصبوغاً باللون الذي يطلبه صاحبه ، وإذا كان الملح الحقيقي يقوم بمحو كل الألوان فما بالك بملح المعاني ؟
 
إنها في تجدد دائم ، ليس ذلك التجدد الذي هو ضد القديم ولكن ذلك التجدد الذي هو بلا نظير ولا ضد ولا ند ، فكلها مفاهيم مادية وليس هناك في ذلك العالم موضع للمفاهيم المادية ، ولأضرب لك مثالًا بهذا التجدد ، وهذا اللون الواحد ، ألم يكن المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم بنوره الإلهى دنا
 
« 518 »
 
ذا لون واحد اصطبغ به المجوسي والمسيحي واليهودي الذي أدخل في دينه ، انه شمس السر ، والعالم ظلال وقد طوت هذه الشمس كل هذه الظلال .
 
( 1872 - 1888 ) : لكن هناك اتحاداً في اللون على نسق آخر ، إنه يحدث في يوم الحشر ، حيث تبدو على ظاهر كل إنسان أفعاله وأقواله ، فالناس كما يعيشون يموتون ، وكما يموتون يحشرون ، والناس يبعثون على نياتهم ( انظر ص 3664 من الكتاب الرابع و 2593 - 2601 من الكتاب الخامس )
 
ويشبه هذا أن تحول أفكارك إلى سطور مكتوبة على كتاب ، أو أن تقلب الثوب فتصير بطانته هي وجهه ، تظهر البواطن آنذاك ملونة كأنها الثور الأرقط ، وتبدو الأمم بمئات المذاهب ، لكنها تهدف جميعها إلى رؤية الحق ، لكن لما كانت بواطنها على مئات الألوان فإن الخيط الذي يغزله ذلك المغزل يخرج على مائة لون ، لكن هذا الدور
 
( وهو الفترة من الزمان التي يتميز بسمات معينة من الممكن أن تفصله عن دور آخر )
هو دور تعدد القلوب وتعدد الألوان ، هو دور غياب الإيمان : يوسف في الجب والذئب في القطيع ، وفرعون على دست الحكم ، وذلك من أجل أن تتمتع هذه الفئة بالرزق فترة من الزمن ، ويلهيها الأمل الذي يهزأ منها ، هذا في حين أن عظماء الرجال من الأولياء والمرشدين تظل داخل غابة الدنيا تنتظر النداء من الحق ،
فتخرج من مكانها ، ويبدي الله سبحانه وتعالى الحق واضحاً وصريحاً وجلياً لا لبس فيه ، حينذاك يكون المحك والفيصل والمعيار هو جوهر روحه ، أما أولئك الكفار الذين يشبهون الثيران البلقاء لتلونهم وتلون بواطنهم ، فهم حصب جهنم ، وأهل الله يطفون فوق موج هذا الطوفان وكأنهم الطيور المائية ، وتذهب صقور الطريق إلى ساعد السلطان
 
( الصورة وردت أيضاً في ديوان شمس ) أما الديدان فتذهب إلى البعر وإلى القاذورات ، فليس سكر الحكمة جديرا بالغراب وذلك كله مصداقاً للآية الكريمة لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ( الأنفال 42 )
 أي أن الله تعالى يبدي لهم حقيقتهم على ظواهرهم ثم يأخذهم بها أخذ عزيز مقتدر .
 
« 519 »
 
( 1889 - 1896 ) : لا يليق كل شئ بكل إنسان ، وكل ميسر لما خلق له ، والمرء بقدر همته وسعيه وإرادته ، فالغريز لا يناسب قهر النفس ، والجهاد ليس من عمل المرأة ( لهو ليس مقرر عليها شرعاً ) ، وقليلٌ ما هن من بطلات الطريق مثل مريم عليها السلام ، وفي الحديث : الكمل من الرجال كثير ، ولم يكتمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران ( أحاديث مثنوى / 202 )
ومن هنا فأولئك الرجال ضعاف الإرادة سوف يبعثون يوم القيامة نساءً ، ذلك أن اليوم هو يوم العدل والجزاء ، حيث ينال كل إنسان ما طلبه ، ويؤوب كل امرئ إلى محل أوبته ، وكل شئ يجرى بشكل طبيعي جريان سنة الله في خلقه مثلما تبث الشمس حرارتها ، وينزل المطر من السحاب .
 
( 1997 - 1900 ) : وعالم الدنيا مختلف عن عالم الآخرة تماما ، فإذا كان عالم الآخرة هو اللطف ، فإن عالم الدنيا هو عالم القهر وإذا اخترتها فقد اخترت القهر ، وانظر إلى الدنيا ، لمن دامت ؟ ! ولمن استمر نعيمها ؟ ! وخفف الوطء فما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد ، وانظر إلى فخاخها تأخذ بالطائر المحلق في الأعالي ، وما الذي تبقى من أهل الدنيا ؟ ! فبر محدوب الظهر لا تلبث أن تذروه الرياح .
 
( 1901 - 1914 ) : مثلما يسر الله لكل إنسان ما خلق له ، يسر له أيضاً قرينه ، وكل من هو من جنسه ( من شعر سعدى : كل طائر يطير في سرب من جنسه ) وهكذا فالمرء على دين خليله فلينظر أيكم من يخالل ، ومن هنا ، كان جلوس الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم وأنسه مع الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم ، بينما كان أبو جهل جليسا لعتبة وذي الخمار ( الأسود العنسي )
الذي أاعى النبوة في اليمن في أواخر عهد الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم ، وكل مخلوق وهمته ، فجبريل والملائكة ميالون تواقون إلى سدرة المنتهى ، وعبد بطنه تواق إلى المائدة ، أما العارف فيهفو إلى نور الوصال والمتفلسف يجرى وراء الخيالات التي يسوقها ،
( انظر البيت 1128 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ،
 
وهلم جرا . . . فالله تعالى يرزق الإنسان الرزق بما جبل عليه طبعه ، يزرق العارف أنوارا من باطنه ، ويرزق كلاب الدنيا وعبادها برزق قيمته كماء النخالة الذي يوضع أمام
 
« 520 »
 
الكلاب ، وإذا كنت مقيما على طبعك راضيا به لا تبغى الانصراف عنه ، فلماذا إذن تنفر من هذا الرزق ؟!
ولماذا تنصرف عنه إذن ؟! وإذا لم يكن فيك طبع الرجولة ، فعليك بثياب النساء ،
وما أقرب إلى هذا إلى قول سنائى الغزنوي :
إنك لا تملك القدرة على الاستغناء فلا تهزل بأحاديث الدراويش * وإذا لم تكن لك وجوه العيارين فلا تقلع روحك كالأخساء عبثا فاذهب كالنساء وتعامل مع العطور والأصباغ * أو تعال كالرجال وألق بالكرة في الميدان ( ديوان سنائى ، ص 484 )
.
* * * 

* * *
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: