الثلاثاء، 1 سبتمبر 2020

05 - حكاية قول بلال رضي اللّه عنه أحد أحد .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

05 - حكاية قول بلال رضي اللّه عنه أحد أحد .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

حكاية قول بلال رضي اللّه عنه أحد أحد .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

[ حكاية قول بلال رضي اللّه عنه أحد أحد ]
قصة قول بلال رضى اللّه عنه أحد أحد في حر الحجاز محبة للمصطفى صلى اللّه عليه وسلم في تلك الظهيرات إذ كان سيده خلالها يضربه من تعصبه اليهودي بفروع الشوك تحت شمس الحجاز ومن الجرام كان الدم يفور من جسد بلال وكان يصيح أحد أحد بلا قصد كما يخرج الأنين من المتألمين الآخرين بلا قصد لأنه كان ممتلئا بألم العشق ولم يكن هناك اهتمام بدفع ألم الشوك مثل سحرة فرعون ومثل جرجيس عليه السلام وغيرهم لا يعد ولا يحصى
 
- كان بلال ذاك - يجعل الجسد فداء للشوك ، وكان سيده يضربه " به " عقاباً
- قائلًا له : لماذا تقوم بذكر أحمد ، فهل أنت منكر لديني يا عبد السوء ؟ !
 
895 - كان يضربه في هجير الشمس بالشوك ، وكان يقول " أحد . . . أحد " مباهياً ! !
- حتى حدث أن " الصديق "كان يمر من تلك الناحية ، فبلغت سامعه صيحات أحد . . . أحد .
- فدمعت عيناه ، وتألم قلبه ، فقد كان من " أحد " تلك يجد رائحة مألوفة لديه .
- ثم رآه بعدها في خلوة فنصحه قائلا : اعتقد ما شئت لكن خفية عن اليهود .
 
« 104 »
 
- وهو عالم السر ، فاخف خطوك . . . قال : تبت أمامك أيها الهمام .
 
900 - وفي اليوم التالي كان الصديق يمر فجرا مسرعا في تلك الناحية من أجل عمل ما ،
- فسمع ثانية كلمة " أحد " من الضرب بالشوك ، فاندلع من قلبه اللهب والشرر
- ونصحه ثانية ، وكرر بلال توبته ، وحل العشق وابتلع توبته هذه .
- وكثرت توبته على هذا النمط ، وفي النهاية ضاق من التوبة .
- وأعلن " اعتقاده " واسلم جسده للبلاء ، صائحا : يا محمد يا عدو التوبات .
 
905 - يا من جسدي وعروقي مملوءة بك ، فأي مكان فيه بعدها يسع التوبة ؟ ! !
- فأخرج التوبة من الآن فصاعدا من القلب ، فكيف أتوب إذن عن حياة الخلد ؟
- إن العشق قهار وأنا مقهور للعشق ، لقد صرت حلوا كالسكر من مرارة العشق .
- إنني قشة أمامك أيها الإعصار ، فأي علم لي إذن أين أسقط ؟ !
- فسواء كنت هلالا أو كنت بلالا فإنني أسرع ، وأصير تابعا لك .
 
910 - وأي شأن للقمر مع السمنة والنحول ، إنه يسرع في أثر الشمس كالظل .
- فإن كل من يفر مع القضاء ، إنما يكون ساخرا من نفسه .
- أقشة في مهب الريح ثم قرار ؟ ! أقيامة ثم عزم على العمل ؟ !
- إنني في يد العشق قط في جوال ، لحظة في علو وأخرى في انخفاض من العشق ! !
 
« 105 »
 
- وهو يديرنى حول رأسه ، فلا راحة لي إن كنت أسفل ولا راحة لي إن كنت أعلى ! !
 
915 - لقد سقط العشاق في سيل مندفع ، وانتظروا ما يفعله بهم قضاء العشق .
- وكأنهم حجر طاحون في دوار ، دائرون ليل نهار ، نائحون بلا قرار .
- ودورانه شاهد على الجدول الكلى " جدول الجداول " ، حتى لا يقول أحد إن ذلك الجدول راكد .
- فإن كنت لا ترى الجدول المختفى ، فانظر إلى ساقية الفلك في دوران .
- فإن لم يكن للفلك قرار فيه ، فلا تبحث أيها القلب عن الاستقرار كالكوكب .
 
920 - فإن تشبثت بغصن في يدك متى يتركه " العشق" ؟! وحيثما تقيم صلة يحطمها "العشق" .
- وإن لم تكن ترى تدوير القدر ، فانظر إلى العناصر في فوران ودوران .
- ذلك أن دوران ذلك القذى والزبد ، يكون من جيشان البحر ذي الشرف .
- وانظر إلى الرياح الحائرة في هزيم ، وانظر إلى موج البحر في جيشان أمام أمرها .
- والشمس والقمر ، ثورا طاحون ، يدوران ويقومان بالحراسة .
 
925 - والكواكب لا تزال تسرع من منزل إلى منزل ، وتصير مركبا لكل سعد ونحس .
- فإذا كانت كواكب الفلك بعيدة وحواسك هذه كسول واهنة ضعيفة .
- فأين تكون كواكب أعيننا وآذاننا ووعينا ليلا ؟ وأين تكون عند اليقظة ؟ !
 
« 106 »
 
- فهي حينا في سعد ووصال وهناء ، وحينا في نحس الفراق وانعدام الوعي ! !
- ولما كان قمر الفلك في هذا الدوران ، يكون حينا مظلما وحينا مضيئاً .
 
930 - وأحيانا ربيع وصيف كالشهد واللبن ، وأحيانا دار عقاب البرد والزمهرير .
- فإذا كانت الكليات أمامه كأنها الكرة مسخرة لصولجانه وساجدة له ،
- فيا أيها القلب الذي تعتبر جزءاً من مائة ألف جزء منها ، لما ذا لا تكون أمام حكمة ساكناً ؟
- كن كالدابة تحت حكم الأمير ، حينا محبوسة في الإصطبل ، وحينا في مسير
- وعندما يربطك إلى الوتد كن مربوطاً ، وعندما يحل عنك القيد ، امض . . .وكن مسرعاً .
 
935 - والشمس في الفلك عندما تمضى باعوجاج ، يعاقبها بالكسوف وسواد الوجه .
- قائلا لها : تجنبى الذَنَب ، انتبهى ، حذار ، حتى لا تصيرى سوداء الوجه كالقدر .
- كما أنه يضرب السحاب بسوط ناري ، قائلا له : سر على ذلك النسق لا على هذا النسق .
- أمطر على وادى كذا ولا تمطر على هذه الناحية ، وينزل عليه العقاب قائلا له : استمع .
 
« 107 »
 
- وليس عقلك بأعظم من الشمس ، فلا تقف عند هذه الفكرة التي ورد فيها النهى .
 
940 - ولا تضع خطوك في الضلال أيضاً أيها العقل، حتى لا يحدث لك أيضاً ذلك الكسوف.
- وعندما يكون الذنب أقل ترى نصف الشمس في كسوف ونصفها الآخر مشعا بالضياء .
- قائلا لها : إنني آخذك بقدر جرمك ، وهذا هو المقرر في العطاء والجزاء .
- وسواءٌ كنت طيبا أو شريراً ، فاشيا أو مستورا ، فإنني سميع وبصير بكل الأشياء .
- ودعك من هذا أيها الأب فقد حل النوروز ، وصار الخلق من الخلاق . . .حُلوى الفم .
 
945 - ولقد عاد ماء الروح في جدولنا ، وعاد مليكنا إلى حينا .
- والإقبال يتبختر ويبسط رداءه ، ويدق نوبة النكوص عن التوبة .
- لقد جرف السيل التوبة مرة أخرى ، وحانت الفرصة ، فقد غلب الحارس النوم .
- وكل ساقى للخمر ثمل ، معاقر للخمر ، والليلة سوف نرهن متاعنا .
- ومن ذلك الشراب الياقوتى الذي ينعش روح الروح ، نحن ياقوتٌ في ياقوتٍ في ياقوت ! !
 
950 - وثانية ، أصبح المجلس المضئ للقلب سعيداً، فانهض واحرق العود دفعا لعين السوء.
 
« 108 »
 
- وإن عربدة السكارى تقع منى وقعا حسنا ، فيدم لي هذا الأبد - كما ينبغي - أيها الحبيب .
- لقد صار هلال حبيبا لبلال ، فصارت جراح " عصى " الشوك منه وردا وزهر رمان .
- فإذا كان الجسد قد صار من وخز الشوك غربالا ، فقد صارت روحي وجسدي روضتى إقبال .
- إن الجسد " موجود " أمام طعنات شوك ذلك اليهودي ، وروحي ثملة مهدمة بذلك الودود .
 
955 - إن رائحة حبيب تصل صوب روحي ، وتصل رائحة الحبيب الحنون .
- ومن صوب المعراج ، اقبل المصطفى . . . إلى بلاله ، ، حبذا لي حبذا .
- وعندما سمع الصديق من بلال صادق النفس هذا القول ، نفض اليد من توبته .
 
رؤية الصديق رضي اللّه عنه واقعة بلال رضي اللّه عنه وجور " اليهود " عليه
وقوله " أحد أحد " وازدياد حقد اليهود عليه ورواية هذا الأمر
للمصطفى صلى اللّه عليه وسلم واستئذانه في شرائه من اليهود ! !
 
- ثم إن الصديق قص للمصطفى صلى اللَّه عليه وسلم عن أحوال بلالٍ الوفي .
- وقال له " إن ذلك الذي قطع الأفلاك ، ميمون القوادم ، الجَلدْ ، هو هذه اللحظة في فخك ، وعاشق لك .
 
960 - وبازى السلطان في عناء من ذلك البوم ، وذلك الكنز العظيم صار مدفونا في الغائط .
- إن البوم يجور على البازي ، ويقوم باقتلاع جناحه وقوادمه دون ذنب .
 
« 109 »
 
- وجرمه هو أنه بازى فحسب ، فما ذا كان جرم يوسف عليه السّلام غير الحسن ؟ .
- إن موطن البوم ، ومسكنه هو الخراب ، ومن هنا فلديهم على البازي ، غضبُ اليهود .
- « 1 » قائله له : لما ذا تذكر تلك الديار ، أو تذكر القصر وساعد السلطان .
 
965 - إنك تقوم بالفضول في ديار البوم ، وتثير الفتنة والاضطراب .
- ومسكننا الذي أزرى بالأثير ، تدعوه بالخرابة ، وبالاسم الحقير .
- إنك تقوم بالمكر لعل بومنا يجعل منك ملكا وإماماً .
- إنك تلقى فيهم بالهموم والسوداء ، وتسمى هذا الفردوس خرابة .
- فلنضربك على رأسك بضع ضربات يا سىء الصفات ، حتى تقلع عن المكر والترهات .
 
970 - إنهم يصلبونه أمام الشمس ، ويضربونه بفروع الشوك وهو عارى الجسد
- وينبثق الدم من مائة موضع من جسده ، وهو يقول " أحد . . . أحد " ويطأطىء رأسه .
- وقد نصحته كثيرا وقلت له : اكتم دينك ، وأخف سرك عن أولئك اليهود الملعونين .
- إلا أنه عاشق ، حلت به القيامة ، حتى أغلق باب التوبة أمامه .
- أعشقٌ وتوبة وإمكان الصبر ، إن هذا محالٌ أيها الحبيب وصعبٌ جداً .
 
975 - إن التوبة بمثابة الدودة والعشق كالأفعى ، إن التوبة وصف للخلق ، أما العشق فهو وصف لله .
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 388 :
- قائلة له لماذا تذكر مرزعة الشقائق والروضة ومجرى النهر
 
« 110 »
 
- إن العشق من أوصاف الله الغنى ، أما العشق لغيره فيكون مجازا .
- لأن ذلك الغير حسنه مطلى بالذهب ، إن ظاهره نور لكن باطنه دخان .
- وعندما يمضى النور ويصير الدخان ظاهرا ، يبوخ العشق المجازى ذلك الزمان .
- « 1 » يعود ذلك الحسن صوب أصله ، ويبقى الجسد بدونه نتنا مفتضحا سيئاً .
 
980 - ويمضى نور القمر صوب القمر ، ويمضى انعكاسه عن الجدار ، الأسود .
- ويبقى الماء والطين دون هذه الزينة ، ويصير ذلك الجدار بدون القمر كالشيطان .
- والزيف الذي فر الذهب من وجهه ، وعاد وقبع في منجمه .
- يبقى نحاسا مفتضحا كالدخان ، ويبقى عاشقه أكثر افتضاحاً منه .
- إن عشق المبصرين يكون لمنجم الذهب ، فلا جرم أنه يزداد يوما بعد يوم .
 
985 - ذلك أن منجم الذهب لا شريك له في احتوائه عليه ، فمرحبا يا منجم الذهب الذي لا شك فيه .
- وكل من يجعل الزيف شريكا للمنجم ، فإن الذهب يمضى عنه إلى منجم اللامكان .
- والعاشق والمعشوق ماتا دهشة واضطرابا ، كسمكة بقيت بعد أن ذهب الماء عن النبع .
- أما العشق الرباني فهو شمس الكمال ، والأمر هو نوره والخلق كالظلال . « 2 »
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 389 :
- وعندما يظهر الدخان الذي يزيد الغم ، ينوح ، فلا عشق يبقى ولا هوى ! ! .
( 2 ) من هنا في نسخة جعفري بعد العنوان التالي .
 
« 111 »
 
- وعندما تهلل المصطفى من هذه القصة سعيداً ، ازدادت الرغبة عند الصديق في الحديث .
 
990 - وعندما وجد مستمعا كالمصطفى صلى الله عليه وسلم ، صارت كل شعرة فيه لسانا ، على حدة .
- وقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم : والآن ، ما الحل ؟ قال " الصديق " : إن عبد الله الماثل أمامكم سوف يشتريه .
- سأشتريه مهما طلب سيده من ثمن ، ولن أنظر في الخسارة والغبن الظاهرين .
- فهو أسير الله في الأرض ، وغضب عدو الله مسلط عليه .
 
وصية المصطفى صلى الله عليه وسلم للصديق رضي الله عنه
قائلا : عندما تصبح مشتريا لبلال مهما زادوا من غضبهم في الثمن ،
فاجعلني شريكك في هذا الفضل وكن وكيلي وخذ منى نصف الثمن
 
- قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم يا باحثا عن الإقبال ، سوف أصير شريكا لك في هذا الأمر .
 
995 - وكن وكيلي ، فالنصف على ، واشتره ، واقبض منى الثمن .
- قال : سمعا وطاعة ، وذهب في التو واللحظة ، إلى منزل ذلك اليهودي الذي لا أمان له .
- وقال لنفسه : إن شراء الجواهر من أيدي الأطفال أمر بالغ السهولة أيها الأب
- إن الشيطان الغول يشترى العقل والإيمان بملك الدنيا من هؤلاء الأطفال المخدوعين .
- إنه يزين الجيفة بحيث يأخذ منهم في مقابلها مائتي بستان .
 
1000 - إنه يقيس ضوء القمر بسحره ، ويختطف من الأخساء مائة كيس في مقابله .
 
« 112 »
 
- فعلمهم الأنبياء التجارة ، واشعلوا أمامهم شمع الدين .
- والشيطان ، والغول الساحر من سحرهما وحيلهما ، قاما بتقبيح الأنبياء في نظرهم .
- إن العدو يقبح " الأمور " بسحره ، حتى يقع الطلاق بين الزوج وزوجه .
- لقد خالطوا عيونهم بسحر ما ، حتى باعوا ذلك الجوهر بالغثاء .
 
1005 - إن هذا الجوهر أسمى من العالمين ، هيا اشتره من هذا الطفل الجاهل ، فهو حمار .
- فأمام الحمار ، يستوى الجوهر وخرز الحمار ، فهذا الحمار يشك في الدر والبحر .
- إنه ينكر البحر وما فيه من جوهر ، فمتى يكون الحيوان باحثا عن الدر والحلى ؟ !
- إن الله لم يضع في خلقة الحيوان ، أن يكون مفكرا في الياقوت أو عابدا للجوهر .
- فهل رأيت قط قرطا عند الحُمُر ؟ ! بل إن أذنه وعينه كله منصرفان إلى المرعى .
 
1010 - فاقرأ " أحسن التقويم " في سورة التين ، فهي جوهر عزيز تلك الروح ، أيها الصديق .
- إن أحسن التقويم هذه تعلو على العرش ، " وأحسن التقويم " خارج ما يعن لفكرك .
- ولو قلت قيمة ذلك الذي يمتنع " عن التقييم " ، لاحترقت أنا كما يحترق المستمع .
 
« 113 »
 
- فاصمت هنا ، ولا تسق حمار ، " فكرك " إلى هذه الناحية ، لقد ذهب الصديق إلى أولئك الحمير .
- ودق حلقة الباب ، وعندما فتح الباب ، دخل بلا وعى دار ذلك اليهودي .
 
1015 - وجلس فاقد الوعي ثمل الرأس ممتلئا بنار " الغضب " ، وانطلق من فمه كلام شديد الإيلام .
- قال : كيف تضرب ولى الله هذا ؟ ! ما هذا الحقد ، يا عدو الضياء .
- فإن كنت صادقا في دينك ، كيف يطاوعك قلبك على ضرب " هذا " الصادق .
- فيا من أنت " أنثى " في دين اليهود ، بحيث تظن نفس هذا الظن في أحد أمراء " الدين " .
- فلا تنظر إلى جميع " الناس " بمرآتك التي تجعل " الأمور " معوجة ، أيها المردود ، والملعون إلى الأبد .
 
1020 - وإن ما صدر في تلك اللحظة من فم الصديق ، لو أنني قلته لعقدت أنت اليد والقدم .
- إن ينابيع الحكم تلك كأنها الفرات ، منطلقة من فيه ، من حيث لا جهات .
- مثلما انبثق ماءٌ من صخرة ، فلا هو يستمد من جانبها ، ولا من قلبها ووسطها .
- لقد جعل الحق تلك الصخرة درعا أمامه ، ففجرت الماء السماوي اللون .
- مثلما سير من نبع عينيك النور دون بخل أو فتور .
 
1025 - ولا هذا " النور " يستمد من شحمة " العين " ولا من جلدها ، لكن الحبيب عند الإبداع يضع دريئة ما ! !
- وفي خلاء الاذن ، تدرك ريحه الجاذبة ، صدق الكلام وكاذبه .
- فأية ريح هذه في تلك العظمة الصغيرة ، بحيث تقبل كلمات الراوي وصوته ؟
 
« 114 »
  
- إن العظم والريح دريئة فحسب ، وليس في الدارين غير الله .
- إنه هو المستمع وهو القائل بلا احتجاب ، ذلك أن " الأذنين من الرأس " أيها المثاب .
 
1030 - قال " اليهودي " : إذا كنت تشفق عليه ، فادفع الذهب وخذه ، يا من طبعك الكرم .
- اشتره منى ، ما دام قلبك في حرقة من أجله ، وبلا إنفاق ، لا حل هناك لمشكلتك .
- قال : حبا وكرامة ، وخمسمائة سجود " شكرا لله " ، إن عندي عبدا ابيض البشرة ، لكنه يهودي .
- إنه أبيض البشرة ، وأسود القلب فخذه ، وأعطني قى مقابله صاحب البشرة السوداء والقلب المنير .
- ثم أرسل في طلبه وأحضره ذلك الهمام ، وكان ذلك العبد في الحقيقة شديد الجمال .
 
1035 - بحيث صار ذلك اليهودي حائرا والها ، وتحرك قلبه الحجري من مكانه سريعا .
- وهكذا تكون حالة عباد الصورة ، تصير " قلوبهم " الحجرية " في ليونة " الشمع من صورة .
- لكنه عاد إلى العناد ولم يرض وقال : لا بد أن تزيد على هذا .
- فأضاف عليه نصابا من الفضة ، حتى شبع حرص ذلك اليهودي . « 1 »
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 397 :
- فباع . . . وأتم الصفقة دون غرض ، وأعطى جوهرة أخذ في مقابلها حجراً .
- على ظن أن قد كسب ، إذ أعطى أسود وأخذ في مقابله أبيض .
- وعندما تمت الصفقة بينهما ، وجدت الايجاب والقبول عند الطرفين .
 
« 115 »
 
ضحك اليهودي وظنه أن الصديق مغبون في هذه الصفقة
 
- وقهقه ذلك اليهودي قاسى القلب ، سخرية واستهزاء وغشا وغلا .
 
1040 - فقال له الصديق : ما هذا الضحك ؟ فأجاب على سؤاله بأن زاد في ضحكه .
- ثم قال : لو لم تكن جادا مغرما بشراء هذا الغلام الأسود ،
- لما غَلْيتُ أنا عناداً ، ولبعته لك بعشر هذا الثمن .
- فإنه بالنسبة لي لا يساوى نصف دانق ، وأنت رفعت ثمنه بجلبتك .
- فأجاب عليه الصديق قائلا ، أيها الغبي، لقد أعطيت جوهرة في مقابل جوزة وكأنك الصبى.
 
1045 - فإنه عندي يساوى الكونين ، فأنا ناظر إلى روحه وأنت ناظر إلى لونه .
- إنه ذهبٌ أحمر ، اسود في لونه ، من أجل " نجاته " من هذا الموطن للحمقى .
- إن بصيرة هذه الأجسام ذات الألوان السبع، لا تدرك تلك الروح من " تحت " هذا النقاب ".
- ولو أنك فاصلت في البيع أكثر ، لأعطيت كل أموالي وأملاكى .
- ولو زدت أكثر في المفاصلة ، لاقترضت - من اهتمامى بالأمر - حجْرا من ذهب من آخر .
 
1050 - لقد فرطت فيه بسهولة ، ذلك أنك ، اشتريته بيسر ، ولم تر الدر ، لأنك لم تفتح الصندوق .
- لقد أعطى جهلك الصندوق مغلقا ، وسريعا ما ترى كيف غُبنت .
 
« 116 »
 
- لقد أعطيت صندوقا مليئا بالياقوت في مقابل هباء ، فأنت كالزنجى سعيدٌ في سواد الوجه .
- وكم ستطلق الحسرات في النهاية ، فهل يبيع أحد دولته وإقباله ؟ ! .
- لقد وصل الإقبال في ثوب عبيد ، وعينيك التعسة لم تر سوى الظاهر .
 
1055 - لقد أبدى لك " الإقبال " عبوديته ، لكن طبعك القبيح تصرف معه بمكر وحيلة .
- فخذ هذا الأسود الباطن الأبيض الجسد ، كما يفعل عباد الأوثان ، أيها المخرف .
- فهذا لك ، وذلك لي ، وقد كسبنا معاً ، هيا ، لكم دينكم ولى ديني أيها اليهودي .
- فهذا هو الجدير حقا بعبدة الأوثان ، إن جواده خشبى وإن كان غطاء سرجه من الأطلس .
- كأنه قبر الكفار ملىء بالدخان والنار ، وخارجه مائة نقش وصورة وزينة .
 
1060 - ومثل أموال الظلمة ، ظاهرها جمال ، وباطنها دماء المظلوم والوبال .
- وكالمنافق ، ظاهره الصوم والصلاة ، وفي الباطن تراب أسود لا نبات فيه .
- وكسحابة خالية " من المطر " كثيرة الإرعاد ، فلا فيها نفعٌ للأرض ولا قوتٌ للبرُ .
- مثل الوعد الماكر والقول الكاذب ، أوله ذو ضياء ، وآخره افتضاح .
- ثم أمسك بعد ذلك بيد بلال ، ذلك الذي جعلته ضربات أجراس المحنة " في نحول " عود الخلة .
 
1065 - صار كعود خلة في فم واتخذ طريقه ، وأخذ يسرع نحو حلو اللسان .
 
« 117 »
 
- « 1 » وعندما رأى ذلك وجه المصطفى صلى الله عليه وسلم ، خر مغشيا عليه ، وسقط على ظهره .
- وظل فترة طويلة فاقد الوعي ، وعندما عاد إلى الوعي ، ذرف الدموع من الفرح .
- ثم إن المصطفى صلى الله عليه وسلم أجلسه إلى جواره ، وما ذا يدرى أحد عما وصله من عطاء ؟ ! !
- فكيف يكون نحاسٌ عرض على الأكسير، " وكيف " يكون مفلس قد وقع على كنز غنى ؟!!
 
1070 - وسمكة ذابلة سقطت " ثانية " في البحر ، وقافلة ضائعة عثُرت على سبيل الرشاد .
- وذلك الكلام الذي تفضل به النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت ، لو وقع على الليل لخرج عن طبيعته .
- ولتحول ذلك الليل إلى نهار مضىء كأنه الصباح ، إنني لا أستطيع أن أكرر ثانية ما قيل .
- فأنت نفسك تعلم ما ذا تقول الشمس حين تكون في برج الحمل للنبات والعشب .
- وتعلم أنت نفسك أيضاً ما ذا يقوله ذلك الماء الزلال للرياحين والأغصان .
 
1075 - وصنع الحق مع كل أجزاء الدنيا ، كأنه حديث السحرة وتعاويذهم .
- وجذب الله للآثار والأسباب ، يتحدث في السر بمئات الكلمات دون كلام ودون شفة .
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 412 :
- وأتى به حتى الرسول ، ذلك الذي كان قد أمن بدينه بروحه
 
« 118 »
 
- إنه ليس معهودا لكنه من تأثير القدرة ، مهما كان تأثيره من قبله تعالى لا يدرك بالعقل .
- وعندما يكون العقل مقلدا في الأصول ، اعلم أنه أيضاً مقلد في الفروع أيها الفضولي .
- وإن سأل العقل كيف يكون الهدف ؟ ! قل له : بشكل لا تعرفه والسلام « 1 ».
 
عتاب المصطفى صلى الله عليه وسلم للصديق رضي الله عنه قائلًا :
ألم أوصك أن تشتريه مشاركة بيننا ، فلماذا اشتريته من أجلك وحدك ؟ !
واعتذاره
 
1080 - قال : أيها الصديق : ألم أقل لك أجعلنى شريكا لك في هذه المكرمة « 2 » ؟ !
- قال : إننا كلانا عبيد حبك ، ولقد أعتقته لوجهك .
- فاجعلني أنا عبداً لك وصديقا حميما ، لا أريد حرية قط ، حذار .
- فمن عبوديتى لك أظفر أنا بالحرية ، وبدونك كم " يلحق بي " من ظلم ومحنة
- فيا من أحييت الدنيا من الاصطفاء ، وجعلت العامي من الخواص ، وبخاصة أنا ! !
 
1085 - كانت روحي ترى في الأحلام في الشباب ، أن قرص الشمس يلقى على بالسلام .
- وأنه سحبنى من فوق الأرض إلى عنان السماء ، وإنني قد صرت رفيقا له ، في أرتقاء وسمو !
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 412 :
- وسيد الكونين سلطان الزمان ، أخذ يعاتب " الصديق " فترة بعد ذلك .
( 2 ) ج : 13 / 427 :
- فلماذا اشتريته وحيدا من أجل نفسك ؟ ! تحدث بما حدث يا طاهر الدين . 
« 119 » 
 
- قلت ، إن هذا لما ليخوليا ، ولأمر محال ، ولا يصير مستحيل أبداً وصفا للحال .
- وعندما رأيتك ، رأيت نفسي ، فالثناء على تلك المرآة طيبة الدين .
- وعندما رأيتك صار محالى حالا ، وصارت روحي مستغرقة في الإجلال .
 
1090 - وعندما رأيتك بنفسي يا روح البلاد ، سقط حب تلك الشمس من ناظرى ! !
- صارت عيناي منك عالية الهمة ، ولا تنظر إلى الرياض إلا باحتقار .
- لقد بحثت عن النور ، فرأيت بنفسي نور النور ، وبحثت عن الحور فوجدت من يزرى بالحور ! !
- وبحثت عن " مثيل " ليوسف . . . جميل . . . فضى الجسد ، فرأيت فيك أرضا مليئة بأمثال يوسف .
- وكنت في بحث وتفتيش من أجل الجنة ، فأبدى لي كل جزء منك على حدة جنة " وارفة " .
 
1095 - إن هذا بالنسبة لي بأجمعه مدح وثناء ، لكنه بالنسبة لك قدح وهجاء .
- مثل مدح ذلك الرجل الراعي الساذج لله أمام موسى الكليم .
- عندما قال له : أفليك من القمل وأسقيك اللبن ، وأخصف نعلك وأضعه أمامك
- لقد اعتبر الله تعالى قدحه مدحا ، ومن ثم لا عجب في أن ترحم أنت .
- فلترحم قصور الأفهام ، يا من أنت وراء العقول والأوهام .
 
1100 - أيها العشاق إن إقبالا جديدا قد وصل من الدنيا التي تقوم دائما بالتجديد
- ومن تلك الدنيا هو العلاج الباحث عن المساكين ، وهناك الآلاف من عجائب الدنيا فيه .
  
« 120 »
  
- " أبشروا يا قوم إذ جاء الفرج ، افرحوا يا قوم قد زال الحرج " « 1 » .
- لقد ذهبت شمس إلى منزل الهلال ، طالبة قائلة " أرحنا يا بلال " .
- أتهمس بها من خوف العدو ؟ ! اصعد إلى المئذنة إذن وناد بها برغم أنفه .
 
1105 - فينفث البشير في أذن كل محزون ، قائلا له : انهض أيها المدبر ، وأسلك طريق الإقبال .
- يا من أنت في هذا السجن وفي هذا القذر والقمل ، انتبه حتى لا يسمع أحد ، نجوت ، صمتا .
- فكيف تصمت الآن ؟ يا حبيبي ، فمن أساس كل شعرة هناك قارع لطبل .
- بحيث صار العدو الحاقد أصم ، متسائلا : أين صوت هذه الطبول العديدة ؟
- إنها " عبير " يدق على مثال الريحان الندى ، وهو من عماه يقول : ما هذا الأذى .
 
1110 - إنه يتعذب ، فالحور تأخذ بيده ، والأعمى حائر يتساءل : لماذا يقومون بتعذيبى ؟ !
- ما هذا الشد والجذب على يدي وجسدي ؟ ! لقد نمت ، فدعني أحلم .
- إنه هو من تبحث عنه في الحلم ، افتح عينيك فهو هذا القمر جميل الخطى .
- وهناك من تلك البلايا الكثير على الأعزاء ، فإن الحبيب يزيد من هذا الدلال مع الحسان .
- إنه يأتنس مع الحسان بكل طريقة ، كما أنه يثير العميان في بعض الأحيان .
 
1115 - إنه يعطى نفسه لحظة لهؤلاء العميان ، حتى ترتفع الضجة من حي العميان .
..............................................................

( 1 ) بالعربية في المتن ."
.
* * *
شرح حكاية قول بلال رضي اللّه عنه أحد أحد 
( 897 - 914 ) : كان أبو بكر الصديق يجد رائحة مألوفة لديه أي يجد في صيحة بلال أحد أحد طعم الإيمان الحقيقي ، ولم أجد في السيرة وصية من أبى بكر رضي اللّه عنه لبلال رضي اللّه عنه بأن يكتم إيمانه عن سيده ( انظر ابن هشام القسم الأول ص 317 من طبعة 1955 بتحقيق مصطفى السقا وآخرين )
 
لكن مولانا يصور بلال في عشقه للأحد ، ذلك العشق الذي يجعله يعود عن نيته في كتم إيمانه حتى يجعل الله له فرجا ، والمقصود بمحمد عدو التوبات ذلك العشق لمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم الذي يجعل المؤمنين بدينه يضعونه في موضع بحيث يكون أحب إليهم من أنفسهم ، ويكون البلاء أهون من كتمه وإنكاره ،
 
 فكيف يمكن إنكار عشق فيه حياة الخلود والنجاة من الموت ؟ كيف يمكن التوبة عن عشق يملأ العروق والأوردة بحيث لا يترك مكاناً لأي شعور آخر ؟ وفي البيت رقم 909 إشارة إلى حكاية العبد المؤمن هلال التي سترد فيما بعد
 
( بداية من البيت 1116 ) ومن الممكن أن تكون أيضاً إشارة إلى ضعف بلال ونحول جسده كالهلال ، وبلال يتحدث عن نفسه وكأنه قمر يستمد نوره من الشمس ، وحينا يكون في اكتمال وحيناً في نقصان بقدر ذلك النور الذي يأخذه من الشمس ( شمس الحقيقة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم ) إنه يتبعها كما يتبع الظل الشمس ، وهذا هو قضاء العشق ،
 العشق يجعل من المرء كقشة في مهب الريح تتحرك حيثما تحركها الريح ، قيامة تجعل كل مرضعة تذهل عما أرضعت وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ، فهل من عزم على أي عمل أو إرادة له والقيامة قائمة ، ويقدم مولانا صورة من الواقع المعاش ، إن العاشق كذلك القط الذي يحمل في
 
« 472 »
  
جوال لينقل إلى مكان آخر ، وهو عادة لا يحمل بل يجر ، يكون حيناً في منخفض وحيناً في مرتفع ، لا يملك من أمر نفسه شيئاً ، ولا يملك قراراً ولا راحة .
 
( 915 - 930 ) : ينطلق مولانا في الحديث المحبب إلى نفسه : العشق ، وإذا حل العشق فانصتوا ، اصمتوا وانصتوا ، ولا حظوا ما تفعله مشيئة الحق ( قضاء العشق ) ، إن العشاق كأنهم حجر الطاحون يدورون ليل نهار وينوحون ، إن هذا الدوران شاهدٌ على وجود النهر الطامى الموجود ، وأصلهم المندفع نحو البحر الكلى ونحو أصل الوجود ، وإذا كنت لا ترى هذا الجدول الكلى ، فانظر إلى ساقية الفلك ، تدور ، فإن لم يكن ثم نهر كلى كيف يدور ؟ !
وإذا كنت تدور ولا يقر لها قرار فكيف تطمع في أن يقر لقلبك قرار ؟ !
( المعنى من ناصر خسرو :
أي استقرار تنشده تحت الفلك * ما دام الفلك نفسه لا يقر له قرار
( ديوان ، ص 9 ) إن العشق لك بالمرصاد ، فلا تنشد فيه الاستقرار ، فهو الذي يحطم كل ما تشبثت به ، وهو يمحو كل ما تتلتفت إليه سواه ، إن هذه العناصر في ترتيبها وفي جيشانها وفي فورانها تدلك على حركة هذا البحر الكلى ، إن كنت لا تدرى عنه شيئاً كل العناصر منجذبة إلى بعضها بالنسق في حركة دائبة
( انظر لتفصيل الفكرة الكتاب الثالث ، الأبيات 4402 - 4423 وشروحها ) أن هذه القذى والغثاء
 
( العناصر الأربعة ) تتحرك بهذا البحر الشريف بحر العشق وتشبيه الشمس والقمر بثورى الطاحون على أساس أنهما يحفظان دوران الفلك من ناحية ومن ناحية أخرى يمثلان دليلا واضحا على دوران لا تخطئه العين على إسراع الكواكب من منزل لمنزل وتغير تأثيرها من السعد إلى النحس ومن النحس إلى السعد ، وهذا العالم كله في تغير وتبدل .
 
وعن أن العالم في تغير وتبدل وأن قانونه الأزلي هو الحركة دقت الفلسفات والكتب المقدسة منذ أقدم العصور ففي الريح ويدا كتاب الهنود أن القانون الخالد هو قانون الحركة ومنه ظهرت السماوات والأرضيين كما طرح أرسطو مبدأ الحركة
 
« 473 » 
 
وهيراكليطوس هو القائل نحن لا ننزل نفس النهر مرتين ففي المرة الثانية نتغير سواء نحن أو النهر ، وقد انتقل المبدأ إلى الفلسفة الإسلامية اعتماداً على بعض نصوص القرآنيَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ( الرحمن / 29 ) .وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ( النمل / 88 ) ( جعفري 13 / 352 - 354 ) .
 
ويقول السبزواري ( ص 423 / 424 ) : لأن العالم بحسب السلسلة العرضية الزمانية آنا فآنا في حركة وتبدل وبحسب السلسلة الطولية مرتبة فمرتبة في تغير واستكمال ، ففي كل لحظة نزع صورة ناقصة من حيث النقصان وخلع صورة ولبس صورة . وانظر في ذاتك أيها الإنسان إلى الشروق والغروب وإلى النوم واليقظة وانظر في زمانك إلى ربيع وخريف وصيف وشتاء ، وانظر إلى أحوالك هناء وسرور وحزن وشجن وضحك وبكاء ، وكلها بيد المشيئة يقوم بتصريفها كيف تشاء .
 
( 931 - 943 ) : إذا كانت الكليات ( العناصر ) خاضعة أمام مشيئته بهذا الشكل منجذبة إليه عاشقة له في يد مشيئته كالكرة في الصولجان يوجهها حيث يشاء ، فكيف تكون يا قلب العاشق وأنت بالنسبة لها كذرة في محيط الكون تظل ساكنا أمام هذه المشيئة ؟ !
الست تخشى عقابه وهذه الكواكب تتعرض لعقابه إذا حادت عن الطريق مثقال ذرة ، ألا تعاقب الشمس بالكسوف بواسطة الذنب وتسود فتكون كقاع القدر ؟ !
ألا يعاقب السحاب بالبرق يسوطه بسوط من نار ؟ !
ألا يسبير السحاب ويزجيه كيف يشاء فيمطر على واد ويجدب على آخر بمشيئته هو جل شأنه وبإرادته ؟ ! وهكذا العقل ينبغي أن يكون تحت حكم المشيئة ، فإذا اعوج كان كسوفه ، وإنك لتؤخذ بقدر جرمك فإن الله لا يظلم مثقال ذرةوَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ( الأنعام / 3 ) .
 
( 944 - 958 ) : دعك من هذا ، وتحدث عن هداية الحق ورعايته لعبيده وألطافه معهم وتجاوزه عن ذنوبهم ، فهذا هو العيد ، والناس تطيب أفواههم بذكر الحق فكأنهم يتجرعون الشهد ، هذه الرعاية هي الإقبال الحقيقي ، وأي توبة عن العشق تنفع إذا حلت هذه الرعاية ،
 
« 474 » 
 
في هذه اللحظة لا عقل يراعى أو يهادن أو يكتم خوفا من الكفار ، فقد ثمل العاشق بالفيض الإلهى وغلبه السكر ، وهو مستعد لرهن جسده والتخلي عنه ، فقد صار جسده مفعما بخمر الإله الياقوتية ولم يعد يحس بشئ غيره ، فطاب مجلسه وامتلأ بالوجد والسماع ، فهيا أحرق العود دفعا للحسد ، فالعشاق في البلاء يحسدون ، وعربدتهم تقع منى موقعا حسنا ، والعشاق كلهم صاروا رفاقا ، بلال مع هلال ، وجراح بلال كأنها الورد وزهر الرمان والجسد المحطم روضة إقبال ، ألا فليأت هذا اليهودي الكافر وليحطمه فإن كان الجسد في عذاب فالروح في هناء ، وأشم عبير الحبيب
( الشطرة الثانية من 955 من بيت شهير للرودكى ) لقد امتلأ بلال بالمصطفى والمصطفى ببلال حتى أنه سمع دبيب قدمه ليلة المعراج "
روى أنه صلى اللَّه عليه وسلّم قال : يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دق نعليك بين يدي في الجنة ، ( مولوى 6 / 141 ) .
وعند جعفري ( 13 / 348 ) عن ابن عباس قال : ليلة أسرى نبي الله صلى اللَّه عليه وسلّم ودخل الجنة فسمع من جانبها وجسا قال : يا جبريل :
ما هذا ؟ !
قال هذا بلال المؤذن ، فقال نبي الله صلى اللَّه عليه وسلم لما جاء إلى الناس قد أفلح بلال رأيت كذا وكذا . وهكذا فإن هذه الأقوال جعلت الصديق رضي اللّه عنه متأكدا من أن بلال أن يسمع نصيحته ويكتم إيمانه .
 
( 959 - 974 ) : يصور أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم بأمر بلال رضي اللّه عنه ولكن بأسلوب مولانا جلال الدين الذي يصور بلالا نسيج وحده متعرضا لتعذيب الكفار ، ويصر مولانا على تسميتهم باليهود ، لا لشئ إلا لاختلاف جنسه عن جنسهم فهو طائر ميمون الجناح والقوادم يطير في فضاء الحقيقة ، وهو بازى السلطان وقع في خرابة البوم ( انظر قصة البازي والبوم بداية من البيت 1135
من الترجمة العربية للكتاب الثاني من المثنوى ) ويضرب المثل بغضب اليهود في اللغة الفارسية للحقد المستقر في القلب والذي لا يمضى
 
« 475 » 
 
ولا يهدأ ، ولا ذنب له إلا كونه بازيا مثلما لم يكن ليوسف عليه السّلام ذنب عند اخوته إلا حسنه ، وهكذا مثلما يفعل البوم بالبازى ، يقوم الكفار بتعذيب بلال ، ولا ذنب لبلال رضي اللّه عنه إلا أنه عاشق حلت به القيامة ولا إمكان في توبته ، وهذا أمر محال جداً .
 
( 975 - 983 ) : ظاهر الحديث انه حديث أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه لكنه في الحقيقة من إفاضات مولانا جلال الدين عن العشق ، فالعشق من أوصاف الله سبحانه وتعالى ومتوجه إليه ومن ثم فهو خالد وباق ، والتوبة وصف الخلق وهي حادثة وفانية ، فالتوبة بمثابة الدودة والعشق بمثابة أفعى ،
ولهذا قال الجنيد : " إذا فسرت المحدث بالقديم لم يبق له أثر " ( مولوى 6 / 143 ) والعشق إذن من صفات الله الغنى ولهذا فكل عشق غير عشق الله هو عشق مجازى ، والله تعالى هو الذي يخلق عشقه في قلب عبده ،يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ( المائدة / 54 ) ( انظر 2178 الكتاب الخامس ) ،
 
وذلك أن الجمال الحقيقي هو جمال الله ، وأي جمال آخر إنما يكون شعاع من انعكاس هذا الجمال ، فإذا ذهب افتضح العشق المجازى ، عاد النور إلى أصل النور وبقي الجسد خاليا منه ، مجرد جدار ذهب عنه ضوء القمر ( انظر الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 552 - 559 وشروحها ) .
 
( 984 - 993 ) : المبصرون أي العارفون بأسرار الغيب يكون للوجود المطلق ( منجم الذهب ) ذلك أنه أصل الجمال وأصل الغنى الذي لا ريب فيه ولا شك ، وكل من ساوى الزيف ( الدنيا ) بهذا الذهب النضار الحقيقي ، انصرف عنه الذهب الحقيقي ، وانصرف عنه الزيف إلى العدم ، وفنى العاشق للزيف والمعشوق أي الزيف ( ضعف الطالب والمطلوب ) لكن العشق الرباني هو شمس الكمال والروح نوره والأجساد ظله ( مولوى 6 / 145 )
والناس إن حرمت منها ماتت كأسماك حرمت من النبع ، والأمر هو عالم الغيب ، وأمر نوره أي أصل نوره ( سبزوارى / 427 ) ، ونحن وكل المخلوقات ظلال له ( استعلامى 6 / 272 ) ولأن المتحدث وجد مستمعا في مستوى المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم في الوصل إلى عوالم الغيب فقد
 
« 476 » 
 
أفاض بحيث صارت كل شعرة من جسده لساناً ، وهكذا يستفيض المتحدث إن وجد مستمعا من جنسه ، فإن لم يجد نامت قريحته ، وأسير الله في الأرض أي عاشق الحق الذي يعيش بجسده في سجن هذه الدنيا .
 
( 994 - 1012 ) : يواصل مولانا قصة شراء أبى بكر لبلال رضي اللّه عنه وعرض الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم أن يكون شريكا في الثمن أو شريكا في هذا الإقبال ، وانطلق أبو بكر متفائلا ، فما أيسر هذه الصفقة فاليهودي لا يعرف قيمة بلال مثلما لا يعرف الأطفال قيمة الجوهر ، أليس الشيطان المضل يشترى عقول البشر بمتاع الغرور ؟ ! ألا يأتي الساحر ويبيع للناس ضوء القمر على أنه قماش ؟ ! ( أنظر الكتاب الثالث ، البيت 1164 ) ، ( قصة شراء أبى بكر لبلال رضي اللّه عنه يقصها مولانا طبقا لما ورد في طبقات ابن سعد " 3 / 165 " ) .
 
 لكن الأنبياء يعلمون الناس التجارة الحقيقية ، التجارة مع الله ، ومع ذلك فإن الشيطان قبح في أعينهم هذه التجارة ، وهكذا ديدن الشيطان يفرق بسحره بين المرء وزوجه ، وهذا الجوهر - أي بلال - بيع بثمن بخس لأن الشيطان خاط عين بائعه فلم يشعر بقيمة البضاعة الموجودة في يده ، إنه حيوان فكره منصرف إلى الجسد ، وإلى المرعى فمتى يفكر في جواهر الروح ، التي صار بها الإنسان جديرا بأن يوصف بأنه خلق في أحسن تقويم ( التين / 4 ) ( وانظر 963 من الكتاب الخامس )
 
ولا يمكن أن يعبر عن معنى هذه الآية الكريمة ومفادها ، فإنك تفسر أحسن التقويم بأن الإنسان خلق في تناسب عضوى وليس الأمر كذلك بل المقصود تلك الروح التي هي النفخة الإلهية وهي عالمٌ من العجائب العظيمة ، ولو أفضت في بيان قيمة هذه الروح وعوالمها لما تحملت أنا ، ولما تحمل المستمع ، فالصمت أولى .
 
( 1017 - 1019 ) : الصادق في دينه يحترم الصادق في دينه ولو تسلط عليه ، فلو كان هذا اليهودي صادقا في دينه ، لما اضطهد بلالا وعذبه ، لصدقه في دينه ، لكنه لأنه غير صادق في دينه فهو يظن أن باقي الخلق وأهون في دينهم يمكن لهم النكوص عنه ، وهناك
 
« 477 »
  
مثل فارسي يقول : " الكافر يظن الناس جميعا على دينه " .
 
( 1020 - 1029 ) : إن كلام أبى بكر رضي اللّه عنه لم يكن صادرا عنه ، فلإخلاصه في عبادته جرت ينابيع الحكمة من فمه " فمن أخلص لله أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه " . وإن الله يقول الحق على لسان عبده ( انقروى 6 - 1 / 236 ) . وعند السبزواري ( ص 424 ) : إن روح المؤمن لأشد اتصالا بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها . ومن ثم فإن هذه الحكمة التي جرت على لسان أبى بكر لم تكن من قبيل كلام هذا العالم بل من عالم لا جهات فيه ولا زمان ولامكان ، من عالم الغيب ( انظر 351 من الكتاب الخامس )
 
ولماذا تستغرب أن تفيض الحكمة عن لسان أبى بكر والله سبحانه وتعالى بضربة عصا موسى عليه السّلام فجر الماء من الصخر ولم يستطع أحد أن يقول من أين انفجر هذا الماء ، وإن الأمر هو قدرة الله وما الحجر إلا ذريئة ؟ ! ونور العين هل تراه من شحمة العين ؟ !
 
وسمع الأذن هل تراه من عظمة الأذن ؟ ! إنها كلها عوامل ظاهرة لتخفى القدرة الإلهية التي هي أساس كل شئ ومنبع كل شئ ومصدره ، والأذنان من الرأس جزء من حديث نبوي [ المضمضة والاستنشاق سنة والأذنان من الرأس ] أي الفروع تابعة للأصل . وعند السبزواري
 
( 428 ) وفي رواية الأنفان والأنفان هما الأذنان لأنه في تطبيق العالمين الكبير والصغير الأذنان بمنزلة المشرق والمغرب ، وكلها مراتب نازلة للروح أو كما يقول العطار :
الجسد ليس من الروح بل عضو ينفصل عنها والروح ليست من الكل بل جزء منفصل عنه
 
( 1035 - 1038 ) : لقد تحير اليهودي وتوله عند رؤيته للغلام الأبيض البشرة الأسود القلب لأنه كان من جنسه ، وهكذا عباد الصورة لأنهم صور بلا أرواح يميلون إلى الصورة ولو كانت نتنة الباطن ، لكن الأصل اليهودي في المماحكة والمفاصلة يغلب فعاد إلى العناد حتى زاده أبو بكر رضي اللّه عنه نصابا من الفضة .
 
« 478 »
  
( 1046 - 1063 ) : إن بلال من قبيل الذهب النضار سود ظاهره ليخفى عن غير أهله مثلما يسود وجه الذهب ليحفظ من اللصوص ( انظر 2172 من الكتاب الرابع ) وهكذا بصيرة الجسد لا ترى سوى ألوان الجسد لكنها لا تستطيع أن تدرك جمال الروح ، وهكذا فلأنك لم تنظر إلى ما في الصندوق ( الجسد ) من در ( الروح ) فرطت فيه سريعا ، فما أسعدك بجهلك سعادة الزنجي بسواد وجهه لأنه لا يراه ، لقد بعت إقبالك فربما كان وجود هذا الأسود في بيتك سببا في نجاتك من الكفر ، فقد وصلك الإقبال في صورة عبد ( انظر 3510 من الكتاب الثالث )
 
فهيا اهنأ بعبدك الجديد حلو الظاهر سىء الباطن ، فلكم دينكم ولى دين ، وأي دين عند الكافر ، هو الظاهر حتى ولو كان الباطن شديد السوء ، فما أشبه بجواد خشبى عليه سرج من الأطلس ، وكقبور الكفار ظاهرها الزينة والفخامة ، لكن باطنها جهنم ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 130 - 137 وشروحها ) وكأموال الظلمة والسحابة الخالية ذات الرعد ، والوعد الكاذب كأي ظاهر مؤمل ، ولكنه لا يسفر عن باطن ذي قيمة .
 
( 1071 - 1079 ) : إن عناية الحق تجرى على لسان الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم ومن ثم فمن العسير التعبير عن هذه العناية الإلهية بالألفاظ الأرضية ، لكن من المناسب أن نذكر بعض الأمثلة الصغيرة لهذه العناية التي لا تحدها حدود ، أرأيت عناية الشمس في إنبات النبات ؟ !
( العارف الكامل في تربية المريدين ) وهل شاهدت فعل الماء الزلال في الرياض ( الفيض الرباني في نفوس العارفين ! )
فهكذا فعل الله في كل أجزاء الأرض دون أسباب وعوامل ظاهرة ، وكلها من الأمور غير المعهودة لكنها من تأثير القدرة ، وكيف يمكن لك أن تقيس القدرة بالعقل ، لقد اتفق الجميع على أن العقل مقلد في الأصول الشرعية أي أن عليه أن يؤمن بها دون مناقشة ، وهو أيضاً مقلد في الحروف وإذا سألك العقل ، ما الهدف من سير أهل الذوق وأرباب القلوب ما عليك إلا أن تجيب عليه قائلًا : بطريقة لا تعرفها ، والسلام ! !
 
« 479 » 
 
( 1080 - 1099 ) : يعاتب المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم أبا بكر رضي اللّه عنه على أنه لم يجعله شريكا في صفقة شراء بلال ويخاطب أبو بكر رضي اللّه عنه الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم قائلًا : هو حر لوجهك فإن كنت اشتريته فأنت السبب في عتقه ، وكلانا عبيد لحيك ( الإسلام ) فاتخذنى عبداً لك ، واتخذني رفيقاً لك ، لا ينفصل عنك
( صديق غار إشارة إلى ثاني اثنين إذا هما في الغار ، وتضرب في الفارسية للصداقة الحميمة ) فالعبودية لك هي حرية بالنسبة لي ، لقد أحييت العالم ، وجعلت جمعا من العوام من خاصة خاصة الله ،
لقد وجدت بلقائى بك كل أحلامى القديمة التي كنت أظنها ضربا من المحال ونوعا من الاختلال ، وبك صار المحال حالا ، كنت أحلم أن الشمس تسلم على ، وتسحبنى إلى عنان السماء ، وعندما لقيتك صار الأمر واقعا ، بل صارت تلك الشمس التي كنت أراها في النوم حقيرة في ناظرى ، الجنة التي فتحتها أمامى جعلت الرياض حقيرة في ناظرى والنور الذي رايته في وجهك أزرى بالنور الذي كنت أبحث عنه ، وكنت أنشد الجنة ، فوجدتها بقربك ،
ووجدتك تحتوى على الجنان ، وفي الأنقروى نقلا عن شرح الحكم ( 6 - 1 / 248 )
 قال بعض العارفين : إن في الدنيا لجنة عاجلة من دخلها لا يشتاق إلى الجنة الآجلة ، قيل ما هي ؟ قال : معرفة الله . ما هذا ؟
أتراني بهذا الكلام أمدحك ، إن أي مدح بالنسبة لك هو قدح وهجاء ، وما أشبهنى بذلك الراعي ، الذي كان يثنى على الله بكلام استهجنه موسى عليه السّلام ( انظر الكتاب الثاني الترجمة العربية ، البيت 1724 وما بعده )
 
ومع ذلك فقد قبله الله سبحانه وتعالى :
فإن فضل رسول الله ليس له حد فيعرب عنه ناطق بفم انقروى 6 - 1 / 250 ( 1100 - 1115 ) : تنتهى قصة بلال وعذابه في سبيل الدين بلقائه بمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم ، النعمة المهداة للبشر ، ويجدها مولانا ، فرصة للحديث عن هذه الهداية الجديدة ، وهذا الإقبال الذي وصل إلى البشر من العالم القديم الأزلي الباقي الذي من ديدنه أن يوصل إلى هذا العالم
  
« 480 »
  
أنطافه وعناياته أولًا بأول ، وهذه العناية المتمثلة في محمد صلى اللَّه عليه وسلّم هي العلاج لكل مساكين العالم ولكل فاقدى الحيلة " أحيني مسكينا وأمتنى مسكينا واحشرنى في زمرة المساكين " ، إنه السبيل والطريق إلى العالم الحي الباقي ، فها هو الفرج ، وقد زال الجرح ، ورفعت الأغلال والإصر ، وإن لم تكن تبحث عن المساكين فكيف تذهب شمس بهذه العظمة إلى كوخ هلال
 
( القصة التالية ) أو من صنف بلال ، وكيف تنادى أرحنا يا بلال بآذانك للصلاة لتفرغ من مشاغل هذا العالم ؟ !
هيا يا بلال وأعلنها فلقد صرت معي ونجوت من العدو ، هيا فها هي الصلاة بشرى لكل محزون تنفث في روحه قائلة له : هيا أيها المدبر قم ، فها هو طريق الإقبال قد فتح أمامك ، قم من هذا السجن وهذا العفن وهذا القمل ، هيا اتخذ هذا الطريق ، فلقد نجوت ، أخف سرك هذا واصمت ، ولا تتحدث به إلى من ليس أهلا له ، لكن هيهات ، فالعاشق لا بد أن يتحدث ، كيف يخفى السر وهو يظل قائلا ها أنا ذا ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 4735 - 4739 وشروحها )
 
إنها طبول عديدة يدقها هذا العشق ليعلن عن نفسه ، لكن من حرم ومن ليس بأهلها لا يسمع فلا تأبه به ، ولا تهتم ، فإنه حتى إذا حمل إلى الجنان فلن يحس بالريحان والندى ، وإن أخذت الحور بيده لتحمله إلى الجنان لن يحس إلا بأنها تعتصر يده ولن يحس إلا بالألم ، وسوف يتساءل ويندهش ، ما هذا الشد والجذب ؟ !
 
دعني في نوم الغفلة ( الدنيا ) دعني في أحلامى ، أحلامك ؟ ! إن هذا هو ما تطلبه في أحلامك ، فافتح عينيك لترى هذا القمر الذي تحلم به ، أترى إلى أي مدى أنت تتألم ، وهكذا يتألم الأعزاء ، فهذا الخفاء يكون من دلال المعشوق على العاشقين ، فمهما كنت تطلب فأنت طالبه ، إذ ليس ثمة حق سواه ، وليس ثمة مطلوب سواه ،
 
والأعزاء يفهمون ويصبرون ويسعدون ، فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل ، لكن من محيت عن عينه رؤية الحقيقة ، يظل ضائقا بالبلاء ، ومع ذلك فهو يبتليهم لعل وعسى ، ولعله يسمع صراخهم ودعاءهم ، ومن هذا القبيل أيضاً زيارة الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم لهلال نزيل منزل أحد عميان القلوب .
.
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: