الجمعة، 28 أغسطس 2020

03 - حكاية ذلك العاشق الذي هرب من العسس .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

03 - حكاية ذلك العاشق الذي هرب من العسس .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

حكاية ذلك العاشق الذي هرب من العسس .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

[ حكاية ذلك العاشق الذي هرب من العسس ]
بقية حكاية ذلك العاشق الذي هرب من العسس في حديقة مجهولة ،
فوجد المحبوب نفسه في الحديقة فأخذ من فرحته يدعو للعسس
بالخير ويقول عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم .
 
40 - كنا نقول أن ذلك الشخص أسرع « 2 » نحو الحديقة خوفا من العسس .
- كان تلك الجميلة في الحديقة ، تلك الجميلة التي كان من تعلقه بها في عناء طيلة ثمان سنوات .
- ولم يكن خلالها يمكنه رؤية ظلها . كان يستمع إلي وصفها وكأنها العنقاء .
- لم يكن ثم لقاء إلا اللقاء الأول الذي قضي به عليه ، ومن بعده سلبت منه القلب .
- ومهما كان يسعى بعد ذلك ، لم تكن تلك العنود تمنحه فرصته « اللقاء » .
 
45 - لم تكن له حيلة لا بالضراعة ولا بالمال ، وكانت تلك الهيفاء « 3 » شبعة العين لا طمع عندها .
..............................................................
( 1 ) المقصود الكتاب الثالث .
( 2 ) حرفيا : ساق الفرس .
( 3 ) حر : الغصن
 
« 47 »
 
- إن العاشق لكل عمل ولكل مجال ، يذيقه الله بعض متعته في بدايته .
- وعندما يبدأون في السعي مدفوعين بهذه ( المتعة ) ، يضع أمام أقدامهم عقبة كل يوم .
- وعندما ألقي بهم في « معمعة » البحث عن الأمر ، أغلق الباب بعدها قائلا : هاتوا المهر .
- وعلي ذلك الأمل « 1 » يمضون ويذهبون ، يتنازعهم اليأس والرجاء في كل لحظة
 
50 - إن لكل إنسان أملا في كسب ما ، ورجاء في أمر يفتح له باب الرزق .
- ثم يغلق الباب ، وذلك العابد للباب ، مقيم علي نفس ذلك الأمل كمن لسعت النار قدمه .
- وعندما دخل ذلك الشاب البستان سعيداً ، عثر قدمه فجأة في كنزه .
- لقد جعل الله العسس سببا ، حتى يسرع خوفاً منهم إلي البستان ليلا .
- فرأي محبوبته تلك وهي تمسك بمصباح ، وتبحث عن خاتم لها في جدول البستان .
 
55 - ومن فرط سعادته أخذ يقرن تلك اللحظة الدعاء للشرطة بالثناء علي الحق .
- يا إلهي : لقد جلبت الخسارة علي الشرطي بهربي . . . فصب عليه الذهب والفضة عشرين ضعفا .
- وخلصه يا إلهي من صنعة الشرطة التي يقوم بها ، وأسعده بقدر ما أنا سعيد .
..............................................................
( 1 ) حر : الرائحة .
 
« 48 »
 
- أسعده في الدنيا والآخرة . وخلصه يا إلهي من صنعة العسس ومن صفاته الكلبية .
- وبالرغم من العسس بطبعهم يا إلهي يطلبون البلاء للخلق علي الدوام .
 
60 - ولو علمو أن الملك قد فرض علي المسلمين غرما ، ينتفخون من السعادة .
- ولو علموا أن الملك أشفق علي المسلمين وأسقطه جوداً منه .
- فإن مأتما يصيب روحهم من جراء ذلك . . إن العسس يتصفون بمئات من أمثال هذا الشؤم .
- وهكذا أخذ يدعو للعسس . . فإن العسس هو الذين أو صلوه إلي مثل هذه المتعة .
- كان سما بالنسبة للناس جميعا وترياقا بالنسبة له . . كان ذلك الشرطي صلة لذلك المشتاق .
 
65 - ومن هنا ، فليس هناك شر مطلق في هذه الدنيا ، إعلم إذن أن الشر نسبي .
- ولا يكون أبداً سم وسكر في وقت واحد لا يكونان قوة لأحد وقيداً لآخر .
- فما يكون قوة لأحد يكون قيداً لآخر ، يكون سما بالنسبة لأحد ولآخر كأنه السكر .
- وسم الحية يكون حياة لتلك الحية ، لكنه بالنسبة للإنسان موت .
- والبحر بالنسبة لأحياء البحر كالحديقة ، لكنه لمخلوقات الأرض موت ومصيبة .
 
70 - وهكذا دواليك يا رجل العمل عد نسبة الأمر الواحد من شخص واحد إلي ألف.
 
« 49 »
 
- فزيد الذي يكون في رأي ذلك الشخص شيطانا، يكون في رأي شخص آخر سلطانا.
- يقول ذاك : زيد صديق سني ، ويقول هذا : بل مجوسي جدير بالقتل.
- وزيد ذات واحدة لكنه كالجنان بالنسبة لإنسان، وبالنسبة لآخر أذي مستمر وخسارة.
- فإذا أردت أن يكون بالنسبة لك كالسكر فانظر إليه بعين عشاقة.
 
75 - ولا تنظر إلي ذلك الجميل بعينيك ، بل انظر إلى المطلوب بعين الطالبين .
- وأغمض عينيك بالنسبة لهذا الجميل ، واستعر عينا من عشاقه .
- بل استعر منه عينا ونظرا ، وانظر بعينيه هو إلي وجهه .
- حتى تصير آمنا من الشبع « منه » والملال ، ومن هنا قال ذو الجلال « كان الله له » .
- أي أكون له عينا ويدا وقلبا ، حتى ينجو إقباله من « أنواع » الإدبار .
 
80 - وكل مكروه حبيب وخليل ما دام قد صار دليلا لك إلي محبوبك .
 
حكاية لك الواعظ الذي كان يقوم في بداية كل موعظة
بالدعاء للظلمة وقساة القلوب والملحدين .
 
- كان هناك أحد الوعاظ كلما كان يصعد المنبر . . كان يقوم بالدعاء لقطاع الطرق .
- وكان يرفع يديه قائلا : اللهم ارحم الأشرار والمفسدين والطغاة .
- وكل الساخرين من أهل الخير ، وكل الكفار وسكان الدير .
- لم يكن يدعو للأصفياء ، كان كل دعائه للخبثاء .
 
85 - فقيل له : إن هذا ليس بالأمر المعهود ، والدعاء ، لأهل الضلال ليس منك بالجود
  
« 50 » 
 
- فقال : لقد رأيت منهم الخير ، ولهذا السبب أدعو لهم .
- لقد ارتكبوا كثيراً من الخبائث والمظالم والجور ، بحيث ألجأوني من الشر إلي الخير 
- وكلما كنت أنصرف إلي الدنيا . كنت أتلقي منهم الضربات والطعنات .
- فكنت اتنحي عن الطعنات إلي ذلك الجانب ، كان الذئاب هو الذين يعيدوننى إلي الجادة .
 
90 - ولما كانوا صناع السبب في صلاحي . . فالدعاء لهم واجب علي أيها الأريب .
- إن العبد يجأر بالشكوي إلي الحق من الألم ومن الوخز ، ويقدم مائة شكوي من الألم الذي يعانيه .
- فيقول الحق : إن التعب والألم في النهاية ، قد جعلاك متضرعا وقاما بتقويمك .
- فاشك من تلك النعمة التي تردك عن بابنا وتجعلك بعيداً ومطروداً .
- وفي الحقيقة فإن كل عدو هو دواء لك هو كيمياء ، بالنسبة لك ، نافع لك مواس لك .
 
95 - فإنك تنطلق هاربا منه نحو الخلوة . . وتطلب العون من اللطف الإلهي .
- والحقيقة أيضا أن أصدقاءك أعداء لك ، إنهم يبعدونك عن الحضرة ويشغلونك عنها .
- وهناك حيوان اسمه العزيراء ، إنه يزداد سمنة وضخامه عندما يضرب بالعصي .
- أنه يتحسن ما دمت تضربه بالعصي ، أنه يزداد سمنة بضربات العصي .
  
« 51 »
 
- ويقينا إن نفس المؤمن كالعزيراء ، إنها قوية سمينة بطعنات الألم .
 
100 - ولهذا السبب ، فمن بين كل خلق الدنيا ، يكون التعب والبلاء أكثر انصبابا علي الأنبياء .
- بحيث صارت أرواحهم أقوي من كل الأرواح ، فلم يبتل مثل هذا البلاء قوم آخرون .
- والجلد يتمدد من عقار البلاء ، ويصير لينا كأنه الأديم الطائفي .
- وإن لم يكن قد عولج بالمر والملح ، لتعفن ولصار سيئا نجسا .
- فاعلم أن للإنسان جلدا غير مدبوغ ، صار من الرطوبات قبيحا ثقيلا .
 
105 - فعالجة بشدة بالمر والملح ، حتى يصير طاهرا لطيفا ذا بهاء .
- وإن لم تستطع ، فارض أيها العيار ، ولو ابتلاك الله بلا اختيار .
- فإن البلاء من الحبيب تطهير لكم ، وعلمه أعلي من تدبيركم .
- فعندما ينظر إلي الصفاء يكون البلاء حلوا ، ويطيب الدواء عندما يكون المرء ناظرا إلي الصحة .
- إنه يري نفسه منتصرا في عين الهزيمة ، فيقول إذن أقتلوني يا ثقات .
 
110 - لقد كان هذا الشرطي نفعا بالنسبة لغيره ، لكنه بالنسبة لنفسه صار مردودا .
- لقد قطعت عنه رحمة الإيمان ، والتف حوله الحقد الشيطاني .
- فصار منبعا « 1 » للغضب والحقد ، وأعلم أن الحقد هو أصل الضلال والكفر .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : مصنع .
 
« 52 »
 
سؤال أحدهم عيسى عليه السلام :
ما هو أشد شئ من بين شدائد الحياة ؟
 
- قال أحد الأذكياء لعيسي عليه السلام : ما هو أشد شئ في الوجود ؟
- أجاب : أيها العزيز ، أن غضب الله هو أشد ما في الوجود ، إن الجحيم مثلنا تماما يرتعد منه .
 
115 - قال : فماذا يكون الأمان من غضب الله ؟ قال : ترك غضب النفس في التو واللحظة .
- ومن ثم فإن الشرطي الذي صار منبعاً « 1 » لهذا الغضب ، جاوز غضبة القبيح هذا السباع .
- فأي أمل له في الرحمة إلا أن يرجع ذلك الذي لا فضل له عن هذه الصفة .
- فبالرغم من أنه لابد للعالم من وجودهم ، فإن هذه الفكرة نفسها لجديرة بالإلقاء بهم في الضلال .
- فلابد للعالم أيضاً من وجود المراحيض ، لكن تلك المراحيض لا تكون ماء معينا .
 
هم العاشق بالخيانة وزجر المعشوق له
 
120 - عندما رآها ذلك الرجل الساذج وحيدة ، سرعان ما هم بتقبيلها ومعانقتها .
- فزجرته تلك الحسناء زجرا شديدا قائلة : لا تتقدم أيها الوقح واحفظ الأدب .
- قال : نحن في خلوة آخرا ولا وجود لأحد ، والماء موجود ، وأنت ظامئة مثلي .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : منجم .
 
« 53 »
 
- إن أحد لا يتحرك هنا ، ولا حركة إلا للريح ، من الذي يوجد ومن الذي يمنع هذا الانبساط ؟
- قالت : لقد كنت أبله ، أنت أبله ولم تسمع من العقلاء .
 
125 - إنك إن رأيت الريح تتحرك ، فأعلم أن هنا أيضا محركا للريح وسائقا للريح .
- إن مروحة التصريف وهي من صنع الله ، ساقها علي هذه الريح فهي تحركها .
- فإن جزء الرياح الذي هو في حكمنا . . لا يتحرك ما لم تحركه المروحة .
- وإن حركة هذه الرياح الجزئية أيها الساذج . . لا تحدث بدونك وبدون المروحة .
- وحركة ريح النفس الذي في الشفة ، تابع تصريف الروح والبدن .
 
130 - حينا تجعل النفس مدحاً ودعوة ، وحينا تجعل النفس هجاءً وشتما .
- إذن فاعلم أحول الرياح الأخري ، فإن أولي النهى يرون الكل عندما يرون الجزء .
- فالحق يجعل الريح حين ربيعا ، وهو يعريها من هذا اللطف في الشتاء « 1 » .
- ويجعل الرياح صرصرا علي قوم عاد ، ثم يجعلها معطرة على قوم هود .
- ويجعل من ريح السموم سما زعافا ، كما يجعل من رياح الصبا مباركة طيبة .
 
135 - ولقد جعل رياح النفس أساسا لك ، حتى تقيس عليها كل ريح .
..............................................................
( 1 ) حرفياً : شهر ديماه وهو يوافق ديسمبر ويناير .
 
« 54 »
 
- لا يتحول النفس إلى كلام دون لطف أو قهر ، فهو علي قوم شهد ، وعلى آخرين سم .
- وهو محرك المروحة من أجل الإنعام علي أحد ، لكنها تكون من أجل قهر كل بعوضة وذبابة .
- ولماذا لا تمتلئ مروحة التقدير الإلي من الامتحان والابتلاء .
- ما دامت الرياح الجزئية الموجودة في النفس ، لا تكون إلا في نفع أو ضر .
 
140 - وهذه الشمال وهذه الصبا وهذه الدبور ، كيف تكون بعيدة عن اللطف والانعام ؟
- فانظر من الأهراء إلي كف من القمح ، وأفهم أن كل القمح يكون علي نفس النسق .
- فكل الريح من برج الهواء السماوي ، فكيف تنطلق دون مروحة ذلك الذي يزجى السحاب ؟ ! 
- وعلي رأس البيدر عند التذرية ، ألا يطلب الفلاحون من الحق أن يزجي الرياح ؟
- وذلك من أجل أن يقوموا بفصل القمح عن التبن ، حتى ينقلوه إلي المخازن والأهراء .
 
145 - وعنما تتأخر هذه الرياح في هبوبها ، تراهم جميعا يضرعون إلي الله .
- وهكذا في الطلق وهو ريح الولادة ، إن لم تهب ، يرتفع صوت الأم بالاستغاثة .
- فإذا كانوا لا يعلمون أنه هو الذي يزجي الرياح ، فما تلك الضراعة منهم .
- وأولئك الذين يركبون السفين يطلبون الريح ، كلهم يطلبونها من رب العباد .
 
« 55 »
 
- وأيضا بالنسبة لآلام الأسنان الحادة ، تقوم بدفعه بالحرقة والاعتقاد .
 
150 - وأولئك الجنود أيضا متضرعون إلي الله ، قائلين : سق ريح الظفر يا ولي التوفيق !
- كما أنهم يطلبون رقعة بالتعويذ عند آلام الطلق عند المرأة من كل عزيز .
- ومن ثم فكل الناس عرفوا يقينا . . أن رب العالمين هو الذي يرسل الرياح .
- وتعلم عقل كل عالم علي سبيل اليقين . . إن كل متحرك لابد من محرك يكون معه .
- فإذا كنت لا تراه ظاهرا ، فافهم وجوده بظهور آثاره .
 
155 - إن الجسد يتحرك بالروح وأنت لا تري الروح ، لكن اعرف الروح من حركة الجسد .
- قال « العاشق » : إذا كنت أبله فيما يختص بالأدب ، فأنني ماهر وذكي في الوفاء والطلب .
- قالت : إن الأدب إذن هو ما شوهد منك ، أما الآخر فأنت تعلمه أيها المجادل «1» .
 
قصة ذلك الصوفي الذي ضبط زوجته مع غريب
 
- جاء أحد الصوفية إلي منزله نهاراً ، كان المنزل إذا باب واحد والزوجة مع إسكاف .
- لقد التحمت مع عاشقها تلك المرأة من وسواس الجسد ، وكان ذلك في تلك الحجرة .
..............................................................
( 1 ) يوجد بيتان بعد في نسخة يوسف بن أحمد المولوي :
هكذا كان أدبك وما خفي كان أفظع مما رأيناه علي وجه اليقين ، وكل ما ينضح من هذا الإناء فيما بعد ، سوف يكون علي هذا النمط بأجمعه « 4 / 38 »
كما يوجدان عند جعفري « 9 / 330 » .
  
« 56 »
 
160 - وعندما دق الصوفي الباب عند الضحي باصرار ، بقي كلاهما بلا حيلة ، ولا طريق « للفرار » .
- فلم يكن من المعهود أن يعود في ذلك الوقت « من النهار » من الدكان إلي الدار .
- فلا شك أنه عاد قاصداً ذلك اليوم ، ولعل شكا روعه ، فعاد إلى الدار .
- كان اعتماد المرأة علي أنه لم يعد من عمله إلي الدار في ذلك الوقت قط من قبل .
- ولم يصدق قياسها هذا من القضاء ، فبالرغم من أنه ستار إلا أنه يعطي الجزاء .
 
165 - فما دمت قد أسأت فخف ولا تكن آمنا . . ذلك أن « اساءتك » بذرة ينميها الإله .
- إنه يستر عدة مرات . . عل الندم يعتريك من هذا الذنب أو ( يحل بك ) الحياء .
- وفي عهد عمر رضي الله عنه ، سلم أمير المؤمنين لصا إلى الشرطة والجلاد .
- فصاح ذلك اللص : يا أمير الديار ، الأمان ! ! إن هذا أول جرم ارتكبه .
- فقال عمر « رضي الله عنه » : حاشا لله أن يقسو عليك في الجزاء وأنت في « فعلتك الأولى » .
 
170 - إنه يستر مرات من أجل إظهار الفضل ، ثم يأخذ من أجل إظهار العدل .
- وذلك حتى تظهر هاتان الصفتان ، تكون تلك بشيرة وهذه نذيرة .
- إن تلك المرأة كانت قد أتت الفاحشة مرات ، ومرت عليها هونا فكانت تبدو لها سهلة .
 
« 57 »
 
- لم تكن تعلم واهية العقل والقدم ، إنه ليس في كل مرة تسلم الجرة « 1 » .
- وعندما يريد أن يصيب المنافق بموت الفجاءة ، يقوم بتضييق القضاء عليه .
 
175 - فلا رفيق ولا طريق ولا أمان ، لقد مد ذلك الملاك يده نحو الروح .
- وهكذا ، فإن تلك المرأة وخدنها قد تيبسا من البلاء ، وهما في حجرة الجفاء تلك .
- فقال الصوفي لنفسه : سوف أنتقم منكما أيها الكافران ، لكن بصبر .
- لكن على أن أتظاهر بأنى لم الحظ شيئا هذه اللحظة ، حتى لا تصل الفضيحة إلى أسماع كل إنسان « 2 » .
- إنه ينتقم منكما خفية وبحق ، قليلا قليلا كما يكون مرض السل .
 
180 - فالمصاب بالسل ينقص في كل لحظة كأنه الثلج ، وهو يظن في كل لحظة أنه أفضل من اللحظة السابقة .
- إنه يكون كما الضبع يمسك به « الصيادون » ، وهو مخدوع بصياحهم : أين هذا الضبع ؟ ! 
- لم يكن هناك مخبأ لتلك المرأة ، لم يكن هناك دهليز أو سندرة أو طريق إلى السطح .
- لم يكن هناك فرن تختبئ فيه ، لم يكن هناك جوال يصلح أن يكون حجابا لها .
- كان « المكان » كأنه ساحة القيامة ، لا حفرة ولا تل ولا مهرب .
 
185 - لقد قال الله تعالى في وصف هذا المكان الحرج من أجل الحشر : لا ترى فيه عوجا ولا « أمتا » .
..............................................................
( 1 ) حر : ليس في كل مرة تعود الجرة سالمة من الجدول .
( 2 ) حر : حتى لا تسمع كل أذن هذا الجرس .
« 58 »
 
إخفاء المعشوق تحت الحجاب ، وتعلل المرأة بالحجج
مصداقا لقوله تعالي : إن كيدهن عظيم .
 
- لقد ألقت عليه حجابها السابغ سريعا ، وجعلت من الرجل امرأة وفتحت الباب .
- كان الرجل تحت الحجاب ظاهرا مفتضحا للعيان كأنه جمل على سلم « 1 » .
- قالت إنها سيدة من أكابر المدينة لها نصيب من المال والجاه .
- ولقد أغلقت الباب حتى لا يدخل غريب الدار في غفلة منا أو منه .
 
190 - قال الصوفي : أية خدمة لها هنا حتى أؤديها لها دون انتظار لشكر أو منة !! 
- قالت : إنها تطلب « القرب » والمصاهرة ، وهي سيدة طيبة والله أعلم بها .
- أرادت أن ترى ابنتا بحيث لا تراها هي ، واتفق أن البنت موجودة في « الكتاب » .
- ثم قالت لي : حتى وإن كانت دقيقا أو نخالة ، سوف أجعل منها عروسا بالروح والقلب .
- وإن لها ابنا ليس موجوداً في المدينة ، طيب وماهر وجلدٌ وحسن الكسب .
 
195 - قال الصوفي : نحن فقراء ومساكين وفي قلة « من الأهل » ، وأهل السيدة أغنياء محترمون .
..............................................................
( 1 ) في نسخة نيكلسون : جمل على سلم ، وفي نسخة المولوي : جمل على قناة والأول أصح لأنه مثل فارسي . 
كما يوجد بعده بيت عند المولوي وجعفري وعند استعلامى :
قال الصوفي عجبا ما هذا أنني لم أر هذه قط فمن تكون ؟ ! مولوى : 4 / 32 . جعفري 9 / 350 . استعلامى 4 / 17 .
 
« 59 » 
 
 
- فمتى تكون هذه كفؤا لهم في الزواج ؟ ! أيكون مصراع باب من خشب وآخر من عاج ؟ ! !
- ينبغي أن يوجد التكافؤ بين الزوجين في النكاح ، وإلا ضاق بهما الحال ولما بقي ارتياح ! !
 
قول المرأة أنها لا تفكر في الجهاز بل مرادها الستر والصلاح
وجواب الصوفي على هذا الأمر كناية
 
- قالت : لقد أخبرتها بهذا العذر ، قالت : لست من هؤلاء اللاتي يبحثن عن الجهاز .
- نحن ملولون من الذهب والمال متخمون بهما ، ونحن لسنا كالعوام حريصين على الجمع والكنز .
 
200 - إن هدفنا هو الستر والطهر والصلاح ، فبهذه الأمور يكون الصلاح في الدارين .
- فكرر الصوفي اعتذارة بالفقر ، كرر هذه الأمر وزاد فيه حتى لا يبقى شئ خفيا .
- قالت المرأة : لقد كررت القول في هذا المجال ، وقررت ألا يكون هناك جهاز .
- لكن رغبتها أكثر رسوخا من الجبل . . بحيث أنها لا تهتم لو كنا أشد فقرا من هذا بكثير « 1 » .
- إنها تقول : إن العفة هي مرادي ، والمقصود فيكم هو الصدق والهمة .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : بمائة ضعف .
 
« 60 »
 
205 - قال الصوفي : لقد رأت هي نفسها « جهازنا » ومالنا . . وترى منا ما « بطن وما ظهر » .
- والمنزل ضيق يسع فرداً واحداً . . ولا تخفى فيه إبرة .
- أما عن الستر والطهر والزهد والصلاح . فهي أكثر معرفة بها منا بشكل واضح .
- إنها تعرف أحوال الستر أفضل منا ، وما يتصل بالستر من وراء وقدام ومن أسفل ومن أعلى .
- إنها في الظاهر بلا جهاز ولا خادم . . وهي عالمة بصلاحها وسترها .
 
210 - وليس بالمتبع تفصيل القول في هذا الستر من الأب ، لأنه واضح لها وضوح النهار .
- لقد قصصت لك هذه الحكاية ، حتى تقلل من ادعائك عندما اتضح الخطأ الذي بدر منك « 1 » .
- وهو لك أيضا يا من أنت تتزيد في الدعوى ، هكذا كان اجتهادك وإعتقادك .
- كنت خائنا كزوجة الصوفي ، ونصبت شباك مكرك من أجل الاحتيال علىّ .
- بحيث أصبحت تخجل من كل ثرثار لم يغسل وجهه « ولا تستحى » من إلهك .
 
الغرض من تسمية الله سبحانه وتعالي بالسميع والبصير
 
215 - من أجل هذا قال الحق عن نفسه أنه بصير ، لأن رؤيته إياك نذير لك في كل لحظة .
..............................................................
( 1 ) من هذا البيت يبدأ حوار المحبوبة مع عاشقها .
 
« 61 »
 
- ومن أجل هذا قال الحق عن نفسه أنه سميع ، حتى تغلق شفتيك عن القول الشنيع .
- ومن أجل هذا قال الحق عن نفسه أنه عليم ، حتى لا تفكر في الفساد خوفاً منه .
- وليست هذه بأسماء أعلام على الله ، فإن الأسود يتسمى بكافور .
- إن الاسم مشتق والأوصاف قديمة وليست سقيمة على مثال العلة الأولى .
 
220 - وإلا فمن قبيل السخرية والضحك والدهاء ، أن يسمى الأصم بسامع والضرير بضياء .
- أو أن يكون « حيى » علماً على وقح ، أو أن يسمى أسود قبيح ب - « صبيح » .
- أو أن يلقب طفيل وليد بالحاج ، أو أن تلقبه « بالغازى » من أجل أن يكون لك كنية « جيدة » .
- فإذا كانت هذه الألقاب تقال على سبيل المديح ، فما لم يتصف بها حاملها ويكون الأمر صحيحا ، 
- تكون من قبيل السخرية أو الجنون ، وتعالى الحق عما يقوله الظالمون .
 
225 - لقد كنت أعرفك من قبل الوصال ، أنك حسن الوجة لكنك سئ الخصال .
- وكنت أعرفك قبل اللقاء إنك مجادل ومقيم على الشقاء .
- وعندما تحمر عيني عندما يصيبها داء أعرف ذلك من الألم دون أن أراها .
- وعندما رأيتني مثل حمل بلا راع ، ظننت أنه ليس هناك من يحرسني أو يحافظ علىّ .
- لقد أن العشاق الما من ذلك ، إنهم ألقوا أنظارهم إلى حيث لا يجب .
  
« 62 » 
 
230 - لقد اعتبروا ذلك الظبي بلا راع ، واعتبروا ذلك السبي لهم بالمجان .
- وعندئذ أصابه سهم حاد في الكبد ، قائلا لهم : أنني أنا الحارس فقلل النظر جزافاً .
- فمتى أكون أقل من حمل أو أقل من شاة بحيث لا يكون هناك حارس خلفي ؟ ! 
- إني لي حارسا جديرا بملكه ، ويعلم حتى الريح التي تهب علىّ .
- وإن ذلك العليم ليس غافلا عن هذه الريح باردة كانت أو حارة وليس غائبا عنها أيها السقيم .
 
235 - والنفس الشهوانية صماء عن الحق عمياء عنه ، وكنت أرى بالقلب عماك عن بعد .
- ومن هنا لم أسالك طيلة ثمان سنوات عن أي شئ ، فقد وجدتك مليئا بالجهل والأعوجاج .
- وأي سؤال لي ممن هو في المستوقد عن حالة ما دام منكسا فيه ؟ !
 
مثال الدنيا كالمستوقد والتقوي مثل الحمام
 
- إن شهوة الدنيا على مثال المستوقد ، يكون حمام التقوى مشتعلًا منه .
- لكن نصيب المتقى من ذلك المستوقد هو الصفاء، فهو موجود في الحمام وفي النقاء.
 
240 - والأغنياء مثل حملة البعر والقمامة ، من أجل إشعال النار عند الحمامي .
- لقد وضع الله الحرص في نفوسهم ، حتى يبقى الحمام رائجا معمورا .
- فاترك هذا المستوقد وأسرع نحو الحمام ، واعتبر أن ترك المستوقد هو « الذهاب » إلى عين الحمام .
 
« 63 »
 
- وكل من هو في المستوقد يكون كالخادم لكل من هو صابر وحازم .
- وكل من صارت سيماه في الحمام ، فإنما يبدو ذلك على وجهه الجميل .
 
245 - ومن هم في المستوقد أيضاً سيماهم واضحة ، من ملابسهم ومن الدخان ومن الغبار .
- وإذا كنت لا تراه فاذهب وشمه ، فالرائحة بمثابة العصا بالنسبة لكل ضرير .
- وإذا كنت لا تشم فجره في الكلام ، وأعلم السر القديم من الحديث الجديد .
- فيقول الوقاد صاحب الذهب : لقد حملت عشرين سلة من القمامة حتى الليل .
- وحرصك كأنه النار في الدنيا ، كل شعلة منها قد فتحت مائة فم .
 
250 - وهذا الذهب أمام العقل سئ وقذر كالبعر، بالرغم من أنه كالبعر وقود النار.
- والشمس التي تحاكى النيران ، تجعل البعر الطري صالحا للنار .
- كما أن الشمس قد جعلت هذا الحجر ذهباً، حتى تستعر النيران في مستوقد الحرص.
- وذلك الذي يقول : لقد جمعت مالا كثيراً فإن الذي يعنيه هو : إنني حملت قمامة كثيرة .
- وهذا الكلام بالرغم من أنه يزيد الفضيحة ، إلا أنه مجال الفخر بين الوقادين .
 
255 - فهذا يقول : لقد حملت ست سلال حتى الليل ، وذاك يقول : وأنا حملت عشرين سلة دون أدنى تعب .

 
« 64 »
 
- ومن ولد في المستوقد ولم ير النظافة ، فإن رائحة المسك تسبب له ألما شديدا .
 
قصة ذلك الدباغ الذي أغمي عليه ومرض في سوق العطارين
من رائحة العطر والمسك
 
- فقد أحدهم الوعي وانهار على الأرض ، عندما وصل إلى سوق العطارين .
- لقد أدارت رائحة العطر عند العطارين الكبار رأسة وسقط في موضعه .
- وسقط كالميتة غافلا بلا حس ، في رابعة النهار على قارعة الطريق .
 
260 - فتجمع الناس حوله في التو واللحظة ، محوقلين معالجين .
- أخذ أحدهم يدلك له صدره ، وأخذ آخر يرش عليه ماء الورد .
- وهو لا يدرى ما حدث من واقعة إنما حدث من وجود ماء الورد في هذا السوق .
- أخذ أحدهم يدلك يده ويمسح على رأسه ، وثالث أخذ يحضر الطين الطري المخلوط بالتبن .
- وكان أحدهم يخلط بخور العود بالسكر ، بينما يقوم آخر بتخفيف ملابسه عنه .
 
265 - ورابع يجس نبضه وكيف يدق ، وخامس يشم فمه .
- ليرى هل شرب خمراً أو أكل حشيشاً ، لقد عجز الخلق عن « معرفة السبب » في فقدانه الوعي .
- وسرعان ما طيروا الخبر إلى أهلة قائلين : إن فلانا قد سقط عن ذلك الموضع مهدما تماما .
 
« 65 »
 
- ولا يعلم أحدا به ، هل أصابه صرع ؟ ! أو ماذا حدث له حتى افتضح أمره هكذا ؟ ! « 1 » .
- وكان لذلك الدباغ العظيم أخ ذكى وماهر ، حضر على الفور .
 
270 - كان في كمه قليل من بعر الكلاب ، فشق صفوف الخلق وجاء في حنين .
- وقال : أنني أعلم سبب تعبه . . وعندما يعرف السبب يكون العلاج واضحا .
- وعندما يصبح السبب معلوماً لا يبقى إشكال في دواء الوجع ولو كان فيه مائة محمل .
- وما دمت قد علمت السبب فقد صار سهلا معرفة الأسباب التي صارت دافعة للجهل.
- وقال لنفسه : إن وجوده أي عروقه ومخه ، طية بعد طية « وقرت فيها » رائحة هذا البعر ، وبعر الكلب .
 
275 - إنه بين القاذورات حتى وسطه إلى الليل ، غريف في الدباغة طلبا للرزق .
- ومن هنا قال جالينوس العظيم ، أعط المريض ما تعود عليه .
- فمن خلاف العادة يأتية التعب ، فابحث عن دواء ألمه بما اعتاد عليه .
- لقد صار كالجعل من حمله للبعر ، ومن ماء الورد يصاب الجعل بالإغماء .
- ومن بعر الكلب يكون دواؤه ، فهو معتاد عليه مطبوع به .
 
280 - فاقرأ الخبيثات للخبيثين ، وأعلم ثانية ما ظهر من هذا الكلام وما بطن .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : سقط طسته من فوق السطح .
  
« 66 » 
 
- إن الناصحين يعالجونه بالعنبر وماء الورد من أجل حل هذا الإشكال .
- والطيبات لا تتفق مع الخبيثين ، فهم ليسوا لائقين لها أو جديرين بها أيها الثقات .
- ولما كانوا منحرفين عن عطر الوحي ضالين عنه ، كانت صرختهم : أنا تطيرنا بكم .
- إن هذا المقال تعب ومرض بالنسبة لنا ، وليس وعظكم بطيب الفأل بالنسبة لنا .
 
285 - ولو أنكم بدأتم بالنصح علانية ، لرجمناكم في التو واللحظة .
- لقد سمنت أجسادنا على اللغو واللهو ، ولم نطبع أنفسنا على النصح والعظات .
- إن قوتنا هو الباطل والهذر واللهو ، ومن هذا البلاغ تصاب معداتنا بالهياج .
- إنكم تجعلون الألم مائة ضعف أو ما يزيد ، وتعالجون العقل « بإعطائه » الأفيون
 
معالجة أخ الدباغ للدباغ بالبعر خفية
 
- وأخذ ذلك الشاب يبعد الخلق عنه ، حتى لا يرى أولئك الأشخاص دواءه .
 
290 - وقرب رأسة في أذنه كأنه يفضى له بسر ، ثم وضع ذلك الشئ بين أنخريه .
- فقد كان في كفه مسحوق بعر الكلب ، كان قد رأى أنه علاج مخة الدنس .
- ومرت برهة وبدأ الميت في الحركة ، فقال الخلق : لقد كانت هذه تعويذة مدهشة .
 
« 67 »
  
- لقد قرأ هذا « الشاب » تعويذة ونفخ بها في أذنه ، وكان ميتا ، وأنقذته هذه التعويذة .
- إن حركة أهل الفساد تكون في تلك الناحية التي يكون فيها الزنا والغمز بالعيون وتحريك الحواجب .
 
295 - وكل من لا يجدى فيه مسك النصيحة ، لا جرم أنه جدير بالاعتياد على الرائحة الكريهة .
- ومن هنا فقد سمى الحق المشركين « نجسا » ، وذلك أنهم ولدوا في البعر فيما سبق .
- والدودة التي ولدت في بعر الأبد ، لا تتحول طبيعتها بالعنبر .
- ولما لم يسقط عليها من نثار « رش النور » فإنها كلها جسم بلا قلب كالقشور .
- ولو قسم لها الحق من رش النور، لولدت كما يحدث في مصر طيرا من بين البعر.
 
300 - لكن ليس ذلك الطائر الخسيس المنزلى ، بل طير العلم والذكاء .

- وأنت «1» تشبهها إذ أنك فارغ من هذا النور وذلك لأنك تضع أنفك على الدنس .

- لقد أصفر منك الوجه والوجنة من الفراق ، أنت ورقة صفراء وثمرة فجة .
- لقد صارت القدر سوداء من النار ملوثة بالدخان ، أما اللحم فقد بقي من صلابته فجّا على حالته .
..............................................................
( 1 ) الحديث من المحبوبة للعاشق .
  
« 68 » 
 
- لقد غليتك لثمان سنوات « فوق نار » الفراق ، ولم تنقص ذرة واحدة من فجاجتك ونفاقك .
 
305 - لقد تحجر حصرمك ومن السقام ، أصبح الحصرم كله زبيبا ولا زلت ساذجاً فجاً .
 
اعتذار ذلك العاشق عن ذنبه بالحيلة والكناية
وفهم المعشوق له أيضا
 
- قال العاشق : كنت اختبرك فلا تدققى . . كنت أريد أن أرى هل تتجاوبين معي أم أنك عفيفة ! !
- وكنت أعرفك بلا امتحان ، ولكن متى يكون الخبر كالعيان ؟ !
- إنك شمس ، اسمك مشهور ومنتشرة، فأي ضرر سيحيق بك لو قمت باختيارك ؟! 
- أنت أنا . . وأنا أمتحن نفسي كل يوم في النفع والضر .
 
310 - ولقد امتحن الأنبياء أعداؤهم ، حتى ظهرت منهم المعجزات .
- ولقد امتحنت عيني بالنور ، ألا فلتبتعد عن عينيك عين السوء .
- إن هذه الدنيا كالخرابة وأنت كالكنز ، فلا يضيقن صدرك إن بحثت عن كنزك .
- ومن هنا فقد تجاوزت حدودي معك جزافاً ، حتى أثرثر مع الأعداء ( عن عفتك ) في كل آن .
- ولكي أقدم أدلة مما شاهدته العين ، عندما يذكر لساني اسمك .
 
315 - فإذا كنت قد أصبحت قاطع طريق في طريق الشرف ، فلقد جئت أيها القمر بالسيف والكفن .
 
« 69 »
 
- فلا تقطعى قدمي ورأسي إلا بيدك ، فأنا من هذه اليد ولست من يد أخرى .
- إنك تتحدثين ثانية عن الفراق ، إفعلى ما تشاءين إلا هذا .
- لقد ارتج على الآن في عمران الكلام ، ولم يعد إمكان الكلام . . فقد تأخر الوقت .
- لقد قلنا القشور أما اللب فظل دفينا ، لو بقينا فإنه لا يبقى هكذا « دفينا » .
 
رد المعشوقة على غدر العاشق ومواجهته بتلبيسه
 
320 - فأجابته تلك المحبوبة قائلة : إن الأمر بالنسبة لنا « واضح » كالنهار وبالنسبة لك « مستور » كالليل .
- فلماذا تقوم بالحيل المظلمة في تقييمك للأمور أمام المبصرين ؟ !
- فكل ما في قلبك من مكر والتواء ، هو عندنا واضح ولائح كأنه النهار .
- وإذا كنا قد سترنا عليه من اللطف بالعباد ، فلماذا تمضى في توقحك إلى ما لا حد ؟!
- وتعلم من الأب فإن آدم في ذنبه ، هبط برضا وتسليم نحو مستقره .
 
325 - وعندما تيقن آدم أنه عالم الأسرار ، وقف على قدمية مستغفرا .
- وحط على تراب الهموم ، ولم يقفز من موضوع إلى آخر متعللا « 1 » .
- لقد قال « ربنا إنا ظلمنا » فحسب ، عندما رأى ملائكة « العقاب » من قدامه ومن ورائه .
- ورأى ملائكة العقاب مختفين كأنهم الأرواح ، وكل منهم في يده مقمعه ممتدا إلى عنان السماء .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : يقفز من غصن إلى غصن 
 
« 70 »
 
- فهيا كن نملة أمام سليمان « عليه السلام » حتى لا تشطرك هذه المقامع .
 
330 - ولا تقف لحظة واحدة إلا في مقام الصدق . . فليس للأخرس « من معين » سوى العين .
- فالأعمى وإن تطهر من الموعظة ، فإنه يتلوث في كل لحظة .
- ويا أيها الإنسان ، لست أعمى البصر ، لكن إذا جاء القضاء عمى البصر .
- وينبغي أعمار لكي يحدث . وهذا أمر نادر - أن يسقط مبصر من قضاء الله في بئر .
- بينما يكون هذا القضاء رفيقا للأعمى ، فإن السقوط عنده طبع وجبلة .
 
335 - إنه يسقط في القذارة ولا يعلم مصدر الرائحة ولا يزال يتساءل : أهي منى أو من القذارة .
- ولو أن أحد رشه بالمسك ، فإنه يظن أنه من لدنه وليس من إحسان الصديق .
- ومن ثم فإن عينين مبصرتين يا صاحب النظر ، هما بالنسبة لك بمثابة مائة أم ومائة أب .
- خاصة عين القلب وهي سبعون ضعفا « من عين الحس » ، وعين الحس قاطفة بيدرها .
- وا اسفاه فإن قطاع الطرق قد كمنوا لي ، وعقدوا مائة عقدة تحت لسان .
 
340 - وكيف يسير مقيد القدم سريعا وخفيفا ، إن القيد شديد الثقل فاعذره .
- إن هذا الكلام يصدر متقطعا أيها القلب ، فهذا الكلام در في در والغيرة طاحون .
- والدر حتى إن كان صغيرا منكسرا يصبح توتيا للعين المتعبة .
 
« 71 »
 
- فيا أيها الدر لا تلطم رأسك من انكسارك ، فمن الانكسار يتولد الضياء .
- وكذلك الكلام غير المترابط ، فإن الحق يقوم بإصلاحة في النهاية فهو الغنى « الحميد » .
 
345 - والقمح إن تحطم وطحن ، أتى إلى الدكان ، فهذا هو الخبز الصحيح .
- وأنت أيها العاشق عندما افتضح جرمك ، اترك الحيلة والتعلل « 1 » وكن كسيرا .
- ذلك أن الخواص من أبناء آدم ، إنما يتحدثون بنفس « إنا ظلمنا » .
- فاعرض حاجتك ولا تقدم حجتك ، مثل ذلك الذي فعله إبليس اللعين الصفيق .
- فإذا كانت صفاقته قد نجحت في إخفاء عيوبه ، فاذهب وجاهد في الجدل والصفاقة .
 
350 - لقد طلب أبو جهل من الرسول صلى الله عليه وسلم معجزة ، مثل حاقد من الأتراك الغز .
- لكن ذلك الصديق الحق لم يطلب معجزة ، بل قال : حرى بهذا الوجه ألا يقول غير الصدق .
- فمتى يصل الحال بمن هو مثلك أن يقوم بامتحان حبيب مثلي .
 
قول ذلك اليهودي لعلي كرم الله وجهه : إذا كنت تعتمد على حفظ الحق ،
فألق بنفسك من فوق هذا القصر وجواب أمير المؤمنين عليه .
 
- قال أحد المعاندين ذات يوم للمرتضى ، ولم يكن ذلك المعاند على علم بتعظيم الله .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : الزيت والماء .
  
« 72 »
 
- كان على سطح قصر شديد العلو، قال له : هل أنت متفهم لحفظ الحق أيها الأريب ؟!
 
355 - قال : نعم ، إنه حفيظ وغنى ، « وحافظ » لوجودنا منذ أن كنا أطفالا ونطفا .
- فقال هل : هيا وألق بنفسك من فوق السطح ، واعتمد تماما على حفظ الحق ! !
- حتى يثبت لي يقينك ، واعتقادك الحسن « الثابت » بالبرهان .
- فقال له الأمير : امض واذهب عنى ، حتى لا تهلك روحك من هذه الجرأة .
- فمتى يبلغ بالعبد أن يمتحن الله « إن هذا الأمر » يكون محض ابتلاء .
 
360 - ومتى تكون للعبد الجرأة من فضوله ، أن يقوم بامتحان الحق أيها الأبلة المخدوع .
- بل خليق بالله سبحانه وتعالى أن يقوم في كل لحظة بامتحان عبيده « وابتلائهم » .
- حتى يبدي لنا في كل لحظة عيانا ، ماذا نسره في « بواطننا » من اعتقاد .
- ولم يقل إنسان قط لله ، إنني أمتحنك ، بهذا الجرم والخطأ ( الذي ارتكبه ) .
- حتى أرى غاية حلمك أيها المليك . . آه أي إنسان يكون له مجال هذا الفعل ؟! أي إنسان ؟!!
 
 365 - ومن كثرة الضلال في عقلك ، فإن عذرك أقبح من ذنبك .
 
« 73 » 
 
- ذلك الذي رفع السماء بغير عمد « 1 » كيف تستطيع أنت أن تمتحنه .
- ويا من لم تعرف الشر والخير ، امتحن نفسك أولا ثم أمتحن الغير .
- وعندما تقوم بامتحان نفسك يا فلان ، فإنك تفرغ من امتحان الآخرين .
- وعندما تعلم إنك مجرد ذرة من سكر ، تعلم أنك أهل إذن لمخزن السكر .
 
370 - وأعلم أذن أن الإله لن يرسلك إلى مكان غير لائق بك إن كنت سكرا .
- فاعلم هذا بلا امتحان من علم المليك ، إنك إن كنت رئيسا لن يرسلك إلى صف النعال!!
- فهل قام عاقل قط بالقاء در ثمين في مرحاض ملئ بالفضلات ؟!
- وإن الرجل الحكيم الواعي لا يرسل القمح أبدا إلى مخزن القش .
- والشيخ الذي هو دليل ومرشد، إذا قام مريد بامتحانه فهذا المريد حمار.
 
375 - وإنك إذا امتحنته في طريق الدين ، فإنك تصير أيضا ممتحنا يا من أنت بلا يقين .
- تتعرى جراتك وجهلك ويفتضحان ، ومتى يصير « المرشد » عارياً من ذلك الافتضاح .
- فإذا جاءت ذرة لتزن الجبل ، فهي تحطم ميزانها بهذا الجبل أيها الفتى .
- وذلك الذي يضع رجل الحق في ميزانة ، فإنه يضع الميزان بقياسة هو .
- وإذا كان ميزان العقل لا يسعة ، فإنه يحطم ميزان العقل .
 
380 - فاعلم أن الامتحان هو أشبه بالسيطرة عليه ، ولا تطلب السيطرة على هذا المليك .
..............................................................
( 1 ) حر : الذي رفع سقف السماء .
 
 
« 74 »
  
- وأية محاولة من الصور للسيطرة على مثل هذا المصور امتحانا له ؟ ! !
- فإذا كانت قد عرفت ماذا يعنى الامتحان ، فإن الذي جعلها تعرفه هو المصور الذي صورها .
- وأي قدر لهذه الصور التي صورها . . إلى جوار الصور التي لا تزال موجودة في علمه ؟!!
- وعندما يوسوس لك الشيطان بهذا الامتحان ، فاعلم أن مآل السوء قد وقع عليك وقطع رقبتك.
 
385 - وعندما تشعر بهذا الوسواس، فعد بأسرع ما يمكن إلى الله ، واسجد.
- واجعل سجودك مبللا بدمعك الجاري، و « أدع » قائلا : يا الله خلصني من هذا الظن ».
- وفي ذلك الزمان الذي صار فيه الامتحان مطلبا لك ، فاعلم أن مسجد دينك قد صار ملآنا بالخروب .
 
[ حكاية المسجد الأقصى والخروب ]
قصة المسجد الأقصى والخروب وعزم داود عليه السلام على بناء ذلك
 المسجد قبل سليمان عليه السلام
 
- عندما صح عزم داود عليه السلام على أن يبنى المسجد الأقصى بالحجارة .
- أوحى إليه الحق قائلا : دعك من هذا الأمر ، فإن « بناء » هذا المكان لن يتم على يديك .
 
390 - وليس في تقديرنا أن يكو أنت هو الذي يبنى المسجد الأقصى أيها المختار .
- قال : فما هو جرمي يا عالما بالسر ، حتى تأمرني بألا أقوم ببناء المسجد .
 
« 75 » 
 
- قال : لقد لقد سفكت دماءً كثيرة دون ذنب جنت ، وحملت دماء المظلومين على عاتقك .
- ومن حلاوة صوتك أسلم خلق لا حصر لهم الروح ، لقد صاروا صيداً « لهذا الصوت الجميل » .
- لقد سفك دم كثير من جراء صوتك ، من جزاء صوتك الحلو السالب للروح .
 
395 - قال « داود » : لقد كنت مغلوبا لك ثملا بك ، كانت يداى مقيدتين بيدك .
- أليس كل مغلوب للمليك مرحوماً ؟ ! وأليس المغلوب كالمعدوم .
- قال سبحانه وتعالى : أين ذلك المعدوم المغلوب ؟ ! ، أيقنوا إنه ليس معدوما إلا بشكل نسبى .
- إن مثل هذا المعدوم الذي غاب عن وعيه ، هو أفضل الموجودات وأعظمها .
- إنه فان بالنسبة لصفات الحق ، وفي الحقيقة فإن البقاء له في « هذا » الفناء .
 
400 - وكل الأرواح في تدبيره . وكل الأشباح في مرمى سهمه .
- إن من هو مغلوب في لطفنا ، ليس مضطرا ( مجبورا ) بل هو مختار بالولاء ( والمحبة ) .
- ومنتهى الاختيار يصبح لمن يكون اختياره مفتقدا هنا .
- وليست هناك لذة عند المختار ، إنه لم يصر له محو الأنية في نهاية الأمر .
- وفي الدنيا إذا كانت هناك لقمة أو شرية ، فإن لذتها فرع اللذة الخالصة .
 
405 - وإن صار المرء بلا تأثر باللذات ( الدنيوية ) ، لصار لذة في حد ذاته وآخذا للذات .
 
« 76 »
 
شرح : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ، والعلماء كنفس واحدة ،
وبخاصة اتحاد داود وسليمان وسائر الأنبياء عليهم السلام بحيث إنك إن أنكرت واحدا لا يصح الإيمان بأي نبي  وهذه علامة الاتحاد بحيث إذا خربت منزلا من آلاف المنازل فكأنك خربتها جميعا ولا يقوم جدار واحد ومصداقا لقوله تعالى :لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ، والعاقل تكفيه الإشارة وهذا في حد ذاته جاوز الإشارة . « 1 »
 
- بالرغم من أنه لن يتأتى من جهدك وقوتك ، إلا أن هذا المسجد سوف يبنيه ابنك .
- وفعله هو مثلك أيها الحكيم ، فاعلم أن بين المؤمنين اتصالا من قديم .
- والمؤمنون متعددون والإيمان واحد ، أجسادهم متعددة لكن روحهم واحدة .
- وغير الفهم والروح الموجودين في الثور والحمار ، للإنسان عقل آخر وروح أخرى .
..............................................................
( 1 ) ج / 9 - 431 :
ثم خوطب داود من قبل الله تعالى يا أيها النبي المجتبى حسن اللقاء .
دع قلبك من التفكير من هذا الخبر ولا تجعل للحزن سبيلا إلى قلبك ولا تغتم لا تدع للهم سبيلا إلى قلبك أيها الطاهر ونظف مرآتك من أي غبار إذ قلنا لك دعك من هذا البناء فلا سباحة لك في هذا البحر هذا أمر القضاء . وحكم القضاء وليس في وسعك أمامه إلا الرضا فارض بقضاء الله وأسعد وسلم وانج من قيد الحزن أنه لن يتم بجهدك فدعك من هذا السعي وانصرف عنه .
 
« 77 » 
 
410 - وغير روح الإنسان وعقله ، هناك روح في ولى ذلك الزمان .
- وليس بين الأرواح الحيوانية اتحاد ، فلا تبحث أنت عن هذا الاتحاد من الهواء .
- فإذا أكل هذا الخبز لا يشبع منه ذاك ، وإن يحمل ذاك حملا لا يحس هذا بثقله .
- بل أنها تفرح عند موت « روح حيوانية » أخرى ، وتموت حسدا عندما ترى روحا ذات مئونة .
- وأرواح الذئاب والكلاب كل روح منها على حدة ، لكن أرواح أسد الله متحدة .
 
415 - لقد جمعت أرواحهم على سبيل اللفظ ، لكن الروح الواحدة منها تكون كمائة بالنسبة للجسم « 1 » .
- مثل ذلك النور الموجود في شمس السماء ، يكون مائة « نور » بالنسبة لأفنية الدور .
- لكن أنوارها كلها تكون واحدة ، عندما تقوم برفع الحواجز فيما بينها .
- وعندما لا تبقى هناك قواعد للدور ( الأجساد ) ، يكون المؤمنون مثل نفس واحدة .
- وهناك فروق واشكالات تتأتى من هذا المقال ، فذاك لا يكون مثل هذا . .
لكنه مثال .
 
420 - وهناك فروق بلا حد بين شخص الأسد وبين شخص الإنسان الشجاع .
- لكن عند ضرب المثل يا طيب النظر ، هناك اتحاد في التضحية بالروح والشجاعة فانظر .
..............................................................
( 1 ) عنوان في نسخة جعفري قبل الآبيات التالية . ( 9 / 445 ) .
 
« 78 »
  
- بحيث يكون ذلك الشجاع على مثال الأسد في النهاية ، لكنه ليس كالأسد في كل الأمور .
- وهذه الدار ليس فيها صورة متحددة ، حتى أضرب لك منها مثالا .
- بل حتى لكي أورد مثالا واحدا ناقصا . . حتى أخلص العقل من حيرته .
 
425 - إنهم يضعون ليلا في كل دار مصباحا ، حتى يتخلصوا بنوره من الظلمة .
- إن ذلك المصباح كالجسد ونوره كالروح ، وهو - أي النور - محتاج لفتيل ومواد أخرى .
- وذلك المصباح ذو الفتائل الستة من هذه الحواس ، كله ذو أساس واحد من الأكل والنوم .
- إنه لا يعيش نصف لحظة دون أكل أو نوم ، حتى مع الأكل والنوم لا يظل يعيش أيضا .
- وبلا فتيل ولا زيت ليس له بقاء ، ومع وجود الفتيل والزيت هو أيضا بلا وفاء .
 
430 - ذلك أن نوره لعلة باحث عن الموت، وكيف يعيش والنهار المضئ هو موته ؟!
- وكل أحاسيس البشر هي أيضا بلا بقاء ، وذلك أنها فانية أمام نور يوم الحشر .
- وأنوار أحاسيس آبائنا وأرواحهم ، ليست فانية بشكل كلى كالنبات .
- لكنها على مثال النجم وضوء القمر ، تمحى كلها إن سطع عليها ضوء القمر .
- هذا كما أن لدغة البرغوث وألمها تنمحى تماماً عندما تأتى الحية إليك .
 
« 79 » 
 
435 - كعار قفز في الماء ، حتى نجا من هذا الماء من وخز النحل .
- وهناك نحلة تطوف حول رأسه ، وكلما رفع رأسه لا تعفية ( من الوخز ) .
- إن هذا الماء هو ذكر الحق ( جل وعلا ) ، ووخز النحل في هذا الزمان هو ذكر « فلانة » وذكر « فلان » .
- فابق لحظة في ماء الذكر واصطبر ( عليه ) ، حتى تنجو من الفكر والوسواس القديم .
- وبعد ذلك تتخذ لنفسك طبع هذا الماء الصافي جملة ومن قمة الرأس إلى أخمص القدم .
 
440 - وأيضا فإن نحل الشر يهرب منك وأنت في الماء ويأخذ حذره منك .
- وإن أردت من بعد ذلك فابتعد عن الماء ، لأنك قد صرت شريكا في الأصل للطبع المائي .
- ومن ثم فأولئك الذين تجاوزوا الدنيا ، ليسوا بفانين بل استغرقوا في الصفات .
- ( فنيت ) كل صفاتهم في صفات الحق ، كالنجوم أمام تلك الشمس ، وأصبحت بلا أثر .
- وإذا كنت تريد دليلا منقولا من القرآن أيها الحرون ، فاقرأ : «وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ» .
 
445 - والمحضرون لا يكونون معدومين فانظر جيدا ، حتى تعلم بقاء الأرواح يقينا .
- والروح المحجوبة عن البقاء في عذاب شديد ، والروح الواصلة في البقاء متجردة من الحجاب .
  
« 80 »
  
- والمراد أنى قلت لك حذار ، لا تبحث عن الاتحاد مع مصباح هذا الحس الحيواني .
- وأوصل روحك على وجه السرعة يا فلان مع أرواح قدس السالكين .
- فإذا كان لك مائة مصباح ، سواء كانت هذه المصابيح مشتعلة أو مطفأة . . فهي منفصلة ، وليست ( مصباحا ) واحدا .
 
450 - ومن هنا فإن أصحابنا « إياهم » في قتال ، ولم يسمع أحد عن حرب وقعت بين الأنبياء .
- ذلك أن نور الأنبياء كان شمسا ، ونور حسنا مصباح وشمع ودخان .
- تموت واحدة من هذه الشموع ، وتبقى واحدة حتى الصباح ، تكون إحداها ذابلة والأخرى ذات ضياء .
- والروح الحيوانية التي تحيا من الغذاء ، تموت هي الأخرى بكل طيب وكل قبيح .
- فإذا مات هذا المصباح وطويت ( أيامه ) ، متى يصير منزل الجار مظلما ( من ذلك ) ؟ !
 
455 - وما دام نور هذا المنزل قائما بدونه . . فإن مصباح حس كل دار قائم على حدة .
- وهذا مثال عن الروح الحيوانية ، وليس مثالا عن الروح الربانية .
- ثم إن القمر عندما ولد من هندى الليل ، سقط النور من كل كوة .
- فاعتبر نور تلك المائة منزل نوراً واحداً ، إذ لا يبقى نور هذى الدار دون نور تلك الدار .
- وحين تطلع الشمس الساطعة من الأفق ، يكون نورها ضيقاً على كل دار .
  
« 81 »
  
460 - ثم عندما تأفل شمس الروح ، يزول النور عن كل الدور .
- وهذا هو مثال على النور وليس مثله ، أنه يكون هاديا لك قاطعا لطريق العدو .
- وذلك القبيح الطوية على مثال العنكبوت ، إنه ينسج حول نفسه حجبا متعفنة .
- لقد جعل من لعابه حجاباً على النور ، وأصاب بصيرة إدراكه بالعمى .
- وأن من يأخذ بعنق الجواد ينقاد له ، لكن من يأخذ بقدمه يتلقى الرفسات .
 
465 - فقلل ركوب جواد حرون بلا زمام ، واجعل العقل والدين إمامين لك والسلام .
- وفي هذا الاتجاه لا تنظر بوهن وخمول ، ففي هذا الطريق ينبغي الصبر وشق الأنفس .


بقية قصة بناء المسجد الأقصى
« 1 »
- عندما بدأ سليمان البناء ، طاهرا كالكعبة ذا إقبال كمنى .
- كان يرى في بنائه العظمة والشموخ ، لم يكن غثا ( دميما ) كالأبنية الأخرى .
- وعند ( البناء ) كان كل حجر يقطعونه من الجبل ، كان يصيح من البداية « سيروابى » .
 
470 - وكان النور يشع من قطع الآجر ، وكأنه من ماء جسد آدم وطينه .
- كان الحجر آتيا دون حمال ، وصارت تلك الأبواب والجدران ( مفعمة ) بالحياة .
..............................................................
( 1 ) ج / 9 - 455 :
عد تحدث عن قصة المسجد مع سليمان النبي حسن السجايا .
 
« 82 »
  
- ويقول الحق : إن جدران الجنة ، ليست كالجدران القبيحة الخالية من الروح .
- وعندما يكون باب الجسد وجدرانه على وعى ، تكون الدار حية لأنها منسوبة إلى المليك .
- وسواء الشجر والثمر والماء الزلال ، تكون مع ساكن الجنان في حديث ومقال .
 
475 - ذلك أن الجنة لم تصنع من مواد ، لكنها صنعت من الأعمال والنيات .
- وهذا البناء كان ميتا لأنه من الماء والطين ، وذلك البناء صار حيا لأنه من الطاعات .
- هذا من الأصل بقي مليئا بالحلل ، وذاك من أصله هو العلم والعمل .
- كذلك تكون السرر والقصر والتاج والثياب ، مع ساكن الجنة في سؤال وجواب .
- فالفرش يطوى دون أن يقوم بذلك فراش ، والدار تكنس دون كناس .
 
480 - فانظر إلى منزل القلب تغضن من الحزن ، وكنس دون كناس من التوبة .
- لقد صار سريرها ( أي الجنة ) سيارا بلا حمال ، وصارت الحلقة وصار الباب مطرباً وقوالا .
- فحياة دار الخلود موجودة في القلب ، وما فائدة القول إن كنت لا أستطيع التعبير عنها .
- وعندما كان سليمان يدخل المسجد كل صباح من أجل إرشاد العباد .
- كان يعظ حينا بالقول واللحن والموسيقى . . وحينا بالفعل أي بالركوع أو الصلاة .
  
« 83 » 
 
485 - إن الموعظة بالفعل أكثر جذبا للخلق ، إذ تصل إلى روح كل من له أذن وكل أصم .
- وفيها يقل وهم الإمارة ، وتأثيرها يكون قويا في الأتباع .
 
قصة بداية خلافة عثمان رضى الله تعالى عنه وخطبته في بيان
أن ناصحا فعالا بفعل أفضل من ناصح قوال بقول
 
- إنها قصة عثمان عندما صعد المنبر ، عندما ولى الخلافة أسرع قلقا .
- كان منبر العظيم ثلاث درجات ، وكان أبو بكر قد ذهب وجلس على الدرجة الثانية .
- وجلس عمر في نوبته على الدرجة الثالثة ، من أجل حرمة الإسلام والدين .
 
490 - وعندما حلت نوبة عثمان ، جاء وصعد أعلى المنبر وجلس ذلك المحمود البخت .
- وسأله أحد الفضوليين : إن هذين ( السابقين ) لم يجلسا في موضع الرسول .
- إذن كيف بحثت أنت عن علو عليهما . . ما دامت أقل منهما في المرتبة ؟ !
- قال : لو أنني جلست على الدرجة الثالثة ، لتوهم الناس أنني على مثال عمر .
- ولو أنني جلست على الدرجة الثانية ، لقيل : هو أبو بكر وهو مثله .
 
495 - وهذا هو مقام المصطفى ، وليس لو هم أن يمثلنى بهذا السلطان .
- ثم إن ذلك الودود جلس في موضع الخطبة حتى العصر صامت الشفة .
- ولم تكن عند أحد الجرأة أن يقول له : هيا قل ، أو أن يخرج من المسجد آنذاك .
  
« 84 »
  
- لقد حطت هيبة على الخاص والعام ، كان ذلك الصحن والسقف مليئين بنور الله .
- وكان كل مبصر ناظر النور ، وحتى الأعمى أحس بالحرارة من تلك الشمس .
 
500 - كانت عين الأعمى تفهم من الحرارة ، أن الشمس قد تصاعدت بلا فتور .
- وهذه الحرارة تقوم بفتح البصيرة ، حتى ترى العين كل مسموع .
- فمن حرارتها يكون ( للأعمى ) ضجر وحالة ( ضيق ) ، ومن حموها يكون للقلب انبساط وفسحة .
- وعندما صار الأعمى دافئا من نور القدم ، يقول من الفرح : لقد أصبحت مبصرا .
- إنك ثمل جدا ، لكن يا أبا الحسن ، هناك قدر من الطريق حتى الإبصار .
 
505 - وهذا يكون نصيب الأعمى من الشمس ، ومائة ضعف لهذا ، والله أعلم بالصواب .
- وذلك الذي يكون مبصرا بهذا النور ، متى يكون تفسير ( إبصاره هذا ) عمل أبى علي بن سينا ؟ ! !
- وحتى إذا كان وكان له لسان مائة ضعف كلسانه ، فماذا يكون حتى يحرك بكفه حجب العيان ؟ ! !
- فويل له إن لمس الحجاب ، فإن السيف الإلهى يبتر يده .
- وماذا تكون اليد ؟ ! بل يقطع رأسه نفسها ، تلك الرأس التي تفشى الأسرار من الجهل .
 
510 - ولو كان للخالة خصية لصارت خالا ، وهذا الأمر تقديرى لو أنها كانت هو ! !
 
« 85 »
 
- ومن اللسان حتى العين التي تكون خالية من الشك ، إذا قلت توجد مئات الألوف من السنين فهي قليلة .
- وهيا ، لا تكن قانطا ، عندما يشاء الحق ، يصل النور من السماء في لحظة واحدة .
- وهناك مائة أثر من الكواكب توصلها قدرته إلى المناجم في كل لحظة .
 
515 - إن كوكب الفلك ناسخ للظلم ، لكن كوكب الحق راسخ في صفاته .
- والفلك ذو الطريق الذي يستغرف خمسمائة عام أيها المستعين ، جاء في الأثر أنه اقترب من الأرض .
- وثلاث آلاف سنة وخمسمائة حتى زحل ، تقوم خاصيته لحظة بلحظة بالعمل .
- إنه يقلبه رأسا على عقب كالظل في الإياب ، وماذا يكون طول الظل أمام الشمس .
- ومن النفوس الطاهرة كأنها الفلك مدد يصل نحو كواكب الفلك .
 
520 - وفي الظاهر تكون هذه الأفلاك قوامة علينا ، لكن بواطننا ( في الحقيقة ) صارت قوامة على السماء .
.
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: