الاثنين، 31 أغسطس 2020

11 - حكاية ذلك الأمير الذي قال للغلام أحضر خمرا فذهب الغلام .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

11 - حكاية ذلك الأمير الذي قال للغلام أحضر خمرا فذهب الغلام .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

حكاية ذلك الأمير الذي قال للغلام أحضر خمرا فذهب الغلام .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

[ قصة ذلك الأمير الذي قال للغلام : أحضر خمرا ]
حكاية ذلك الأمير الذي قال للغلام : أحضر خمرا . فذهب الغلام ، وعندما كان عائدا بجرة الخمر ، كان هناك زاهد يمر بالطرق للأمر بالمعروف ، فقذف الجرة بحجر وكسرها ، وعلم الأمير ، وتوجه لعقاب الزاهد . وهذه القصة حدثت في زمن عيسى عليه السّلام ، ولم تكن الخمر قد حرمت بعد ، لكن الزاهد كان يتقزز منها ويمنع التنعم بها
..............................................................
( 1 ) ما بين القوسين بالعربية في المتن الفارسي .
 
“ 356 “
 
3440 - كان هناك أمير حلو الروح معاقر للخمر ، كان كهفا يلجأ إليه كل مخمور وكل مسكين .
- كان مشفقا مكرما للمساكين عادلا ، كان أصيلا واهبا للذهب ، قلبه كالبحر .
- كان ملكا للفتيان ، وأميرا للمؤمنين ، كان حافظا للطريق عالما بالسر ، ناظرا إلى الصديق .
- كان العهد عهد عيسى والأيام أيام المسيح عليه السّلام ، كان الخلق طيبي القلوب قليلي الأذى ، صبوحين .
- فأتاه ضيف فجأة ذات ليلة ، كان أميرا على شاكلته ، حسن المذهب .
 
3445 - وكانت الخمر تلزمهما في نظم أمورهما ، فقد كانت الخمر في ذلك الوقت حلالا مسموحا بها .
- وقلت الخمر أمامهما ، فنادى : يا غلام ، امض واملأ الإبريق ، وإيت لنا بالخمر ،
- من فلان الراهب ، فإن عنده خمرا خاصة ، ومنها يجد الخواص والعوام الخلاص .
- وإن ما تفعله جرعة من خمر ذلك الراهب ، هو ما تفعله آلاف الجرار والدنان .
- ففي تلك الخمر مادة خفية ، مثلما يكون سلطان متخفيا في عباءة .


3450 - فقلل أنت النظر باستهانة إلى الخرقة الممزقة ، فلقد سود ظاهر الذهب .
 
“ 357 “


- ولقد صار منبوذا ومردودا من أجل عين السوء ، كما سود ظاهر ذلك الياقوت بالدخان .
- ومتى تكون الكنوز والجواهر داخل الدور ؟ إن الكنوز توجد دائما في الخرابات .
- وعندما دفن كنز آدم في خرابة الجسد ، صار جسده تعويذة لعين ذلك اللعين .
- كان ينظر إلى الطين باستهانة شديدة ، وكانت الروح تقول له : إن طيني سد أمام عينيك .
 
3455 - وأخذ الغلام الجرة وأسرع راضيا ، وفي لحظة وصل إلى دير الرهبان .
- ودفع الذهب ، وأخذ خمرا كأنها الذهب ، لقد أعطى حجرا وأخذ عوضا عنه جوهرا .
- " أخذ " خمرا لو أنها صعدت إلى رؤوس الملوك ، لوضعوا تاج الذهب على مفرق الساقي .
- ولأثارت الفتن وألوان الشغب ، ولاختلط العبيد بالسادة .
- ولمضت العظام وصارت كلها أرواحا ، ولتساوى في تلك اللحظة العرش مع لوح الخشب .
 
3460 - فهما وقت الصحو كالماء والزيت ، وهما وقت السكر كالروح في الجسد . “ 1 “
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 475 : - مثل الهريسة ، اللحم والبُر ممتزجان معا ، لا يسبق أحدهما الآخر ، ولا فرق بينهما .
 
“ 358 “
 
- وعندما صارا كالهريسة ، لم يعد ثم فرق ، فلا فرق هناك ، إذ ليس ثم غرق .
- كان ذلك الغلام لا يزال يحمل خمرا كهذى ، نحو قصر الأمير ، حسن السمعة
- فتقدم منه زاهد محزون متعصب ، متيبس اللب ، متلفع بالبلاء ،
- قد أذاب الجسد في ميزان القلب ، وأخلى الدار من كل ما سوى الله .
 
3465 - و " تعرض " لأذى المحن دون توقف ، والجراح فوق الجراح ، بحيث تبلغ الآلاف .
- خبرها قلبه كل لحظة من الجهاد " في الطريق " ، فقد كان عاكفا ليل نهار على هذا الجهاد .
- ولقد تمرغ في الدم والتراب لسنوات ، وفر منه الصبر والحلم فجأة ، في منتصف الليل. “1“
- فقال الزاهد : ما هذا الذي في الجرار ؟ قال الغلام : خمر ، قال : لمن ؟
- قال : إنها لفلان الأمير الأجل ، قال : أمثل هذا العمل يكون للطالب ؟
 
3470 - أيكون طالبا لله ثم قصف ولهو ؟ وخمر الشيطان تكون لمن عنده نصف وعى ؟
- إن وعيك بلا خمر ذابل هكذا ، وهناك ألباب ينبغي أن تكون مرتبطة بلبك هذا .
- فماذا يكون وعيك عند السكر ؟ يا من صرت مثل طائر سقط في فخ السكر .
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 475 : - فرأى في الليل غلاما حسن الخطى ، يطوى الأرض طيا من سرعته .
 
“ 359 “
 
حكاية ضياء دلق الذي كان مفرطا في الطول وأخيه شيخ الإسلام تاج بلخ الذي كان شديد القصر ، وكان شيخ الإسلام هذا يشعر بالعار من أخيه ضياء .
ودخل ذات مرة إلى درسه ، وكل صدور بلخ حاضرون ، فحياه ضياء ومر ، وهم له شيخ الإسلام بالقيام بلا اهتمام ، فقال له : نعم ، أنت طويل جدا ، اختلس قطعة من طولك
 
- كان ضياء دلق هذا حاضر البديهة ، وكان أخا لشيخ الإسلام تاج بلخ . “ 1 “
- أما تاج ، فكان شيخ الإسلام في الحاضرة بلخ ، كان قصير القامة ضئيلا وكأنه فرخ .
 
3475 - وبالرغم من أنه كان فاضلا فحلا حاويا للفضائل ، فقد كان ضياء يبزه في الظرف .
- كان قصيرا ، بينما كان ضياء مفرطا في الطول ، وكان شيخ الإسلام يتسم بكبر وفخر شديدين .
- وكان يشعر بالعار من هذا الأخ ، في حين أن ضياء كان واعظا أيضا ذا هدى .
- وفي يوم المحفل دخل ضياء ، وكانت الحضرة مليئة بالقضاة والأصفياء .
- ومن كبريائه الشديد ، قام شيخ الإسلام نصف قومة لهذا الأخ الرشيد .
 
3480 - فقال له : حقا ، إنك مفرط الطول ، فمن أجل الأجر والثواب ، اختلس جزءا من قوامك السروي .
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 480 : - ومن أجل العلم، كان خلق يفدون إليه على الدوام يلازمون درسه.


“ 360 “
 
- ومن ثم ، فأي لب وأي عقل لك بحيث تشرب الخمر يا عدوا للمعرفة .
- وإن كان وجهك مليحا ، فضع عليه قدرا من النيلة ، فالنيلة على وجه الحبشي تكون أضحوكة .
- ومتى حل فيك نورٌ أيها الغوى ، حتى تصبح باحثا عن الغيبوبة والظلام ؟
- والقاعدة هي البحث عن الظل في النهار ، فهل تصير باحثا عن الظل في الليل الملبد بالسحب ؟
 
3485 - فإذا كانت قد أحلت قوتا للعوام ، فإنها قد حرمت على طالبي الحبيب .
- وخمر العشاق هي دماء قلوبهم ، وعيونهم تكون على المنزل والطريق .
- وفي مثل هذا الطريق لهذه الصحراء المهولة ، هذا العقل المرشد ذو مائة غياب وكسوف .
- وإنك لتحثو التراب في وجوه المرشدين ، وتجعل القافلة هالكة ضالة .
- وحقا إن خبز الشعير يكون حراما وتزيدا ، فضع أمام النفس خبز النخالة .
 
3490 - وأذل عدو طريق الله ، ولا تضع اللص على المنبر ، بل ضعه على المشنقة .
- وأولى باللص أن تقطع يده ، وإن عجزت عن القطع ، فقيد تلك اليد .
- فإن لم تقيد يده ، قيد هو يدك ، وإن لم تكسر قدمه ، كسر هو قدمك .
- فهل تعطي العدو الخمر وقصب السكر ؟ لماذا ؟ ، فلتضحك ضحكة مسمومة ، ولتقل له : كل التراب .
 
“ 361 “
 
- لقد قذف الزاهد من غيرته الجرة بالحجارة ، فتحطمت ، فألقى بها الغلام ، وفر من الزاهد .
 
3495 - وذهب إلى الأمير ، فسأله : أين الخمر ؟ فقص له ما حدث بالتفصيل .
 
ذهاب الأمير غاضبا لمعاقبة الزاهد
 
- صار الأمير كالنار ، ونهض واقفا ، وقال : أخبرني أين دار ذلك الزاهد .
- حتى أدق رأسه بهذه الهراوة الثقيلة ، تلك الرأس الخالية من المعرفة ، ابن الخاطئة ؟
- أي علم له بالأمر بالمعروف ؟ أمن طبيعته الكلبية ؟ ! إنه طالب للصيت والشهرة .
- حتى يجعل لنفسه مكانة بهذا النصب والاحتيال ، حتى يظهر نفسه ، ويشهرها بشيء ما .
 
3500 - وهو لا يملك فضلا سوى هذا ، وهو أن يتعرض متنطعا لهذا وذاك
- فإن كان مجنونا مشعلا للفتنة ، فإن دواء المجنون هو قضيب الثور " السوط " .
- حتى يخرج الشيطان من رأسه ، وكيف يسير الحمار دون وخز من الحمارين ؟
- وانطلق الأمير خارجا والهراوة في يده ، وجاء في منتصف الليل إلى الزاهد وهو نصف ثمل .
- وكاد من " شدة " غضبه أن يقتل الزاهد ، فاختفى الزاهد تحت غطاء من الصوف .
 
“ 362 “
 
3505 - كان الزاهد يسمع ذلك من الأمير ، بينما هو مختف تحت صوف بعض الغزالين .
- وقال لنفسه : المرآة التي قسا وجهها فحسب هي التي تستطيع أن تبرز قبح المرء في وجهه .
- وينبغي وجهٌ في صلابة وجه المرآة ، ليقول لك : انظر إلى وجهك القبيح .
 
حكاية غلبة المهرج لسيد شاه ترمذ في الشطرنج
 
- كان سيد شاه ترمذ يلعب الشطرنج مع المهرج ، فهزمه المهرج سريعا ، وغضب سيد شاه غضبا شديدا .
- فما إن قال : مات الملك ، مات الملك ، حتى أخذ ذلك الشاه المتكبر يضربه بقطع الشطرنج قطعة قطعة فوق رأسه .
 
3510 - قائلا : هاكه فخذه ، ملكك أيها الديوث، فصبر ذلك المهرج وقال : الأمان أيها الملك.
- وأمر الأمير بأن يلعبا دورا آخر ، فكان " المهرج " مرتعدا وكأنه العريان في الزمهرير .
- وخسر الأمير الدور ، ومات ملكه ، وجاء دور قول " مات الملك " وأوانه
- فقفز ذلك المهرج وذهب إلى ركن ، ووضع سريعا ستة من اللباد فوق جسده
- وتحت الوسائد واللباد الستة ، اختفى نائما ، لكي ينجو من ضرب الأمير .
 
3515 - فقال الأمير : ماذا فعلت ؟ وما هذا ؟ فقال : الملك . . الملك . . الملك مات ، أيها الملك المختار .
 
“ 363 “
 
- فمتى يمكن قول الحق إلا تحت اللحاف ، معك " بالذات " أيها الغاصب ناري الطبع .
- فيا من هزمت أنت ، ومت أنا من ضربات الملك ، ها أنا أقول لك : مات الملك . . مات الملك ، وأنا تحت ثيابك .
- لقد امتلأ الحي بصيحات الأمير " الآخر " ورفسه الأبواب بالأقدام ، والشد والجذب .
- ونهض الخلق خارجين من دورهم من على اليسار واليمين ، قائلين : أيها المقدم ، هذا هو أوان العفو والرضا .
 
3520 - إن ذهنه متيبس ، وعقله في هذه اللحظة أقل من عقول الأطفال وأفهامهم .
- والزهد والشيخوخة صارا ضعفا فوق ضعف ، وهو على زهده ذاك ، ليس على سماحة وبسط .
- ولقد تجرع الآلام ، ولم ير نفعا من رفيق ، وقام بأعمال كثيرة ، ولم ير نتيجة أو أجرا من عمله .
- فإما أن عمله هذا لم يكن من أجل " العمل " ذاته ، أو أن حين الجزاء لم يحن بعد .
- أو أن سعيه هذا كان مثل سعي اليهود ، أو أن الجزاء مرهون بوقته .
 
3525 - ويكفي الرجل ألما ومصيبة أنه بلا أهل في هذا الوادي الملئ بالدم
- لقد قبع في ركن من داره شديد وجع العينين ، وقد عبس بوجهه ، وأرخى شدقيه .
- فلا كحال يعتني به " ويعالجه " ، ولا عقل له ليسعى في أثر علاج وكحل .
 
“ 364 “
 
- وهو يجتهد على الوهم والظن ، وأمره قائم على احتمال التحسن .
- ومن هنا فطريقه حتى رؤية الحبيب بعيد ، ولا مجال للبحث عن الرئاسة في رأسه . “1 “
 
3530 - فهو حينا مع الله في عتاب ، قائلا : إن نصيبي كان العناء من هذا الحساب .
- وحينا مع حظه في جدال ، " قائلا " : الجميع محلقون ، وأنا مقطوع الجناح .
- وكل من هو سجين للون والرائحة ، حتى ولو كان الزهد ، يكون ضائقا تماما .
- وما لم يخرج من هذا الجو الضيق الكئيب ، لن يصير طيب الخصال واسع الصدر .
- وعندما يكون الزاهد منفردا بنفسه ، ينبغي ألا يُعطى نصلا أو موسيا من قبل أن يحدث البسط .
 
3535 - فإنه ضجرا يمزق بطنه ، حزنا على ما أصيب به من خيبة وأحزان .
 
هم المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم بإلقاء نفسه من جبل حراء خوفا من تأخر نزول
جبريل عليه السّلام ، وإظهار جبريل عليه السّلام نفسه له قائلا :
لا تلق بنفسك ، فأمامك ألوان من الإقبال
 
- عندما امتد الهجر وفراق " جبريل " للمصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم ، كاد أن يلقي بنفسه من فوق الجبل .
- حتى قال له جبريل عليه السّلام : حذار ، لا تفعل ، فإن لك دولة عظيمة من أمر " كن " .
..............................................................
( 1 ) الشطرة الثانية عند جعفري " 12 - 490 " : لم يبق له مخ من عشقه للقشور .
 
“ 365 “
 
- فكان المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم ينصرف عن إلقاء نفسه ، ثم كان الفراق يهاجمه مرة ثانية .
- فكان يهم بإلقاء نفسه مرة أخرى منقلبا من الجبل ، وذلك من شدة الحزن والهم
 
3540 - فكان جبريل عليه السّلام يظهر له مرة أخرى قائلا له : لا تفعل ، أيها الملك الذي لا بديل له .
- وهكذا ظل الأمر حتى كشف الحجاب ، وحتى وجد جوهره ، من داخله هو .
- وإذا هم الناس بقتل أنفسهم عند كل محنة، فماذا هم فاعلون في النفس التي هي أصل كل المحن؟
- وإنني لفي عجب وحيرة من تضحية الناس ، وكل منهم يضحي من أجل سيرة ما .
- وما أسعد ذلك الذي ضحى بالجسد ، من أجل ذلك الذي يستحق الفداء والتضحية .
 
3545 - ولما كان كل امريء مضحيا من أجل شيء ما ، فهو صارفٌ فيه العمر ، مستعد أن يقتل من أجله ،
- مستعد للقتل مستقبله ذات شروق أو ذات غروب ، فلا مشتاق يبقى بعدها ، ولا موضع شوق .
- اللهم إلا هذا المقبل المضحي من أجل هذا الفن ، تكون له مائة حياة في القتل .
- فهو عاشق ومعشوق وعشقه في دوام ، وهو حسن السمعة في الدارين ، ذو نصيب .
 
“ 366 “
 
- "يا كرامي ، ارحموا أهل الهوى * شأنهم ورد النوى بعد النوى" “ 1 “
 
3550 - فأعف أيها الأمير عن حدته وغلظته ، وانظر إلى آلامه وشقائه .
- حتى يعفو الله بدوره عن ذنوبك ، ويجازيك على ذلك بالمغفرة .
- ولقد حطمت أنت جرارا كثيرة من الغفلة ، ومع ذلك فقد رجوت العفو من أعماق قلبك .
- فاعف حتى تجد العفو عند الجزاء ، فإن القدر يدقق كثيرا عند الجزاء . “ 2 “
 
جواب الأمير على المتشفعين للزاهد وجيرانه قائلا : لماذا توقح وكسر جرتنا ؟
لن أقبل شفاعة في هذا الأمر ، فلقد أقسمت على عقابه
 
- فقال الأمير : من يكون هذا حتى يقذف جرتنا بحجر ويكسرها؟!
 
3555 - والأسد الهصور عندما يمر من الحي الذي أسكن فيه، يمر بوجل شديد وبحذر.“3“
 - ولماذا ضايق غلامنا وآذاه ، وأخجلنا أمام ضيوفنا ؟
- وأراق شربة هي أفضل من دمه ، ثم هرب الآن منا كالنساء .
- لكنه لن ينجو بروحه مني ، حتى ولو صار طائرا وحلق في الأعالي .
..............................................................
( 1 ) البيت بالعربية في المتن الفارسي .
( 2 ) ج / 12 - 493 :
- وكن في وعيك بالنسبة لمن يدققون في أمور القدر ، واستمع إلى قصتنا جيدا .
- واستمع إلى سيرة الأمراء الآخرين ، حتى تجد من الحكاية مائة خبر .
( 3 ) ج / 12 - 496 :
- بل إنه ليفقد مخلبه رعبا منى ، والأفعى أمام قهري تتحول إلى نملة .
 
“ 367 “
 
- فإنني أرميه بسهم غضبي الذي يصمي جناحه ، وأقتلع جناحه وقوادمه الحقيرة . “ 1 “
 
3560 - ولو مضى إلى قلب صخرة صماء ، فإني بجهدي أخرجه في التو من قلب الصخرة . “ 2 “ 
- ولسوف أوجه ضربة منى إلى جسده ، بحيث يكون عبرة لكل القوادين . “ 3 “
- ومع كل هذا الاحتيال . . ومعنا أيضا ! ! فلسوف أعطيه حقه ومائة من أمثاله الآن . “ 4 “
- ولقد صار غضبه السفاك في قمته ، وكانت النيران لا تفتأ تخرج من فمه .
 
قيام المتشفعين للزاهد وجيرانه بتقبيل يد الأمير وقدمه والتضرع إليه مرة أخرى
 
- ومن أنفاسه المعربدة ، أخذ أولئك الشفعاء يقبلون يديه وقدميه كثيرا .
 
3565 - قائلين : يا أيها الأمير ، إن الانتقام لا يليق بك ، وإذا كانت الخمر قد أريقت ، فأنت طيب بلا خمر .
- وإن الخمر لتستمد مادتها من لطفك ، ولطف الماء يتحسر من أجل لطفك أنت .
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 496 : - ولو صار سمكة في ماء ، رعبا مني يتقلب ظهرا لبطن .
( 2 ) ج / 12 - 496 : - لن ينجو بروحه من سيفي ، ولو قام بمائة حيلة وتدبير وفن .
( 3 ) ج / 12 - 496 : - وإن عمله هو الاحتيال والشعوذة والغش ، وهدفه نيل الشهرة .
( 4 ) ج / 12 - 469 : - سوف أدق رأسه تماما بهذه الهراوة الثقيلة ، بحيث يغادر جسده كنز الروح .
 
“ 368 “
 
- فزاول الملوكية ، واعف أيها الرحيم ، أيها الكريم ابن الكريم ابن الكريم .
- فكل شراب عبد لهذا القد ولهذا الخد ، وكل السكارى حساد لك .
- ولست محتاجا إلى الخمر الوردية على الإطلاق ، فاترك تلك الوردية ، أيها المورد .
 
3570 - يا من وجهك الذي كالزُهرة شمس الضحى ، ويا من يتسول منك اللون الوردي ، كل ما هو وردى اللون .
- والخمر التي تغلى في الدن خفية ، إنما تغلى شوقا إلى وجهك .
- ويا من أنت بأجمعك بحر ، بماذا يجديك الطل ؟ ويا من أنت بأجمعك وجود ، أي عدم تبحث عنه وتطلبه ؟
- ويا أيها القمر المنير ، ماذا تريد أن تفعل بالغبار ؟ يا من يكون القمر أمامك مصفر الوجه .
- إنك طيب وجميل ومعدن لكل جمال ، فلماذا تمتن لهذه الخمر ؟
 
3575 - وإن تاج كَرَّمْنا موجود على مفرق رأسك ، وطوق أَعْطَيْنا كَقلادة فوق صدرك .
- إن الإنسان جوهر ، والفلك عرض بالنسبة له ، وكلها فروع وأسباب وهو الغرض .
- ويا من غلمانك العقل والتدابير واللب ، لماذا تبيع نفسك هكذا رخيصا ؟
- إن خدمتك واحترامك أمران مفروضان على الجميع، فكيف يطلب جوهرٌ النجدة من عرض؟
- وإنك لتبحث - وا أسفاه - عن العلم من الكتب ، وتبحث - وا أسفاه - عن اللذة من الحلوى .
 
“ 369 “
 
3580 - وبحر من العلم قد اختفى في قطرة طل ، وفي جسد مساحته ثلاثة أذرع ، أضمر عالم " بأسره " .
- فماذا تكون الخمر؟ أو السماع؟ أو الجماع؟ حتى تبحث عن طريقها عن السرور والارتفاع؟!
- لقد صارت شمسٌ طالبة قرضا من ذرة ، وكوكب الزُهرة طالبا للكأس من جرة .
- والروح التي لا كيفية لها صارت حبيسة للكيفية، والشمس حبيسة لعقدة!! يا لها من خسارة!!
 
جواب الأمير عليهم مرة ثانية
 
- قال : لا ، لا ، فأنا خدن لتلك الخمر ، ولست قانعا بلذة تلك السعادة " التي تتحدثون عنها " .
 
3585 - إنني أريدها بحيث أصير كالياسمين ، أتمايل حينا ذات اليسار وحينا ذات اليمن .
- متخلصا من كل خوف ومن كل ألم ، أتمايل في كل صوب ، وكأنني أشجار الصفصاف .
- مثل غصن الصفصاف ، أتمايل ذات اليمين وذات اليسار ، فله من الرياح ، ألوان من الرقص .
- وإن كل من اعتاد على سرور الخمر، متى يقبل هذا السرور "الذي تذكرون" ؟ هه. .أيها السيد .
- وكون أن الأنبياء فد استثنوا من هذه اللذة ، فذلك لأنهم امتزجوا بلذة الحق .


“ 370 “
 
3590 - ذلك أن أرواحهم كانت قد رأت تلك اللذات ، فأصبحت هذه اللذات عندهم لهوا ولعبا . “ 1 “
- وعندما صار المرء رفيقا لمحبوب حي ، كيف يقوم بمعانقة ميت ؟ ! “ 2 “
 
تفسير هذه الآية وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ
فالأبواب والجدران في ذلك العالم وساحته ومائة والقدور فيه والثمار والأشجار
كلها حية متحدثة مستمعة ،
ومن هنا قال عليه السلام [ الدنيا جيفة وطلابها كلاب ]
وإن لم تكن للآخرة حياة ، لكانت جيفة بدورها ، والجيفة تسمى جيفة لأنها ميتة ، لا من أجل رائحتها النتنة وقذارتها
 
- لما كانت ذرات ذلك العالم ذرة ذرة من الأحياء العالمة بالنكات الدقيقة والمتحدثة ،
- فلا راحة لها في عالم الموتى ، فإن هذا العشب ليس لائقا إلا بالأنعام .
- وكل من تكون له الرياض محفلا ووطنا ، متى يشرب الخمر في مستودع القمامة ؟
 
3595 - وموضع الروح الطاهرة هو عليين ، ويكون دودة ذلك الذي يجعل البعر موطنا له .
- والكأس الطهور من أجل السكران بالله ، والماء المالح من أجل هذه الطيور العمياء .
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 503 :
- وكل من أسفر له النور الحقيقي عن وجهه ، متى يصير قانعا بالظلمة والدخان ؟
- وكل من أكل في جوعه طعام الله ، متى يحمل هم الخبز والحساء ؟
وكل من نام في الرياض ، متى يميل إلى مستودع القمامة كالبلهاء ؟
وكيف يتجب المصاب بالاستسقاء الماء ؟ وكيف يبتعد المخمور عن الشراب ؟
ولا يشبع عاشق قط من الحبيب ، ولا يمل المريض قط من الطبيب .
ولا يكون العاشق نفورا من المعشوق ، إذ يرى به كل الكون والمكان .
ولا أحد قط لم يصر عاشقا لغير الحق ، ولم يصر أحد واقفا على ذلك السر إلا الحق .
( 2 ) ج / 12 - 503 : - وربما يعانق أحدٌ ميتا ، إن لم يكن له علم بدنيا الروح .
 
“ 371 “
 
- وكل من لم يبدُ له عدل عمر رضي اللّه عنه ، يكون الحجاج السفاح عادلا في رأيه .
- وإنهم ليعطون البنات الصغيرات دمية جامدة ، إذ ليس لديهن علم باللعب الحية .
- وعندما لا يكون للأطفال من الفتوة يد قوية ، يكون السيف الخشبي أفضل بالنسبة لهم .
 
3600 - والكفار قد صاروا قانعين بصور الأنبياء ، التي صوروها على جدران الأديرة .
- ولما كانت لنا نوبة الضياء من هؤلاء العظماء ، فليس لدينا أدنى اهتمام بنقوش الظلال .
- لقد بقيت صورة أحدهم في الدنيا ، لكن الآخر صورته كالقمر في كبد السماء .
- وهذا فمه متحدث بالنقاط الدقيقة مع الجليس ، وذاك متحدث مع الحق ، وهو له جليس .
- وأذن جسده مسجلة لهذا الكلام ، وأذن روحه تجذب الأسرار من قائل " كن "
 
3605 - وعين الجسد ناظرة إلى حلية البشر ، وعين السر حائرة فيما زاغَ الْبَصَرُ.
- وقدم الظاهر مصطفة في صف المسجد ، وقدم المعنى في طواف فوق الفلك .
- وهكذا فعدد أعضائه عضوا عضوا على هذا النسق، هذه داخل الوقت ، وتلك خارج الحين.
- وما هو في وقت يكون حتى الأجل ، لكن أعضاء المعنى رفيقة للأبد ، قرينة للأزل .
- وإن " أحدهم " ليسمى ولي الدولتين ، ويوصف الآخر بأنه إمام القبلتين .
 
“ 372 “
 
3610 - فلا تلزمه خلوة ، ولا تلزمه أربعينية ، فلا غيم قط يستطيع أن يحجبه .
- فإن قرص الشمس هو منزل خلوته ، فكيف يحجبه الليل الغريب ؟
- ولقد انتفت عنه العلة والخشية ، ولم يبق بُحران ، صار كفره إيمانا ، ولم يبق ثم كفران .
- صار متقدما كالألف من استقامته ، وهو لا يملك شيئا من أوصاف نفسه
- وصار منفصلا عن كسوة طباعه ، وصارت الروح عارية إلا من ذلك الذي يطيل العمر .
 
3615 - وعندما مضى عاريا إلى ذلك المليك الفرد ، كساه المليك ثوبا من الأوصاف القدسية .
- ولبس خلعة من أوصاف المليك ، وحلق من حضيض البئر ، إلى إيوان الجاه
- هكذا مثلما صفا ماءٌ كدر ، فصعد من قاع الطست إلى أعلى الطست .
- فبالرغم من أنه ملوث بالكدر من قاع الطست ، ومن شؤم امتزاجه بأجزاء البدن ،
- والرفيق السوء قد عقد جناحه وقوادمه ، إلا أنه كان في الأصل مبرزا .
 
3620 - وعندما وجهوا إليه العتاب ب " اهبطوا " ، علقوه منكسا كهاروت .
- لقد كان هاروت من ملائكة السماء ، وعقابا صار معلقا هكذا .
- ولقد نكس ، لأنه ابتعد عن الرأس ، وجعل نفسه رأسا ، وساق " مركبه " منبتا .
- وتلك السلة عندما رأت نفسها مليئة بالماء ، استغنت وانفصلت عن البحر .
- فلم تبق على كبدها قطرة واحدة من الماء ، فأشفق عليها البحر ، واستدعاها إليه .
 
“ 373 “
 
3625 - إنها رحمة بلا علة ، " ولا تسبقها " طاعة ، تأتي من البحر في ساعة مباركة .
- قائلة : ناشدتك الله ، طوفي حول شاطيء البحر ، بالرغم من أن أهل السواحل يكونون صفر الوجوه .
- حتى يأتي لطف العطاء ، ويحمر الوجه الأصفر من الجوهر " الإلهي " .
- إن اصفرار الوجه هو أفضل الألوان بالنسبة له ، ذلك أنه يكون في انتظار هذا اللقاء .
- لكن اللون الأحمر على ذلك الوجه الذي يكون لامعا ، كان هكذا لأن روحه قانعة .
 
3630 - فإن هذا الطمع يصيب بالنحول والاصفرار والذلة ، ولا يكون هذا بسبب الأبدان العليلة .
- وعندما يرى أحد وجها أصفر بلا سقم ، فإن جالينوس نفسه يصاب منه بالحيرة .
- وما دمت قد طمعت في أنوار " هو " ، فإن المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم يقول في أمثالك [ ذلت نفسه ] .
- والنور بلا ظل لطيف وعال ، وذلك " الظل " المشبك هو ظل الغربال .
- والعشاق يريدون الجسد عاريا ، وعند المصابين بالعنة ، سواء الثوب والبدن .
 
3635 - وذلك الخبز ، وتلك المائدة يكونان للصائمين ، وسواء عند الذبابة الحساء والقدر .
 
“ 374 “
 
استدعاء الملك لإياز مرة أخرى قائلا له : فسر لنا عملك ،
وحل مشكلة المنكرين والطاعنين ، فليس تركهم في هذا اللبس من المروءة
 
- إن هذا الكلام يفوق الحد والحصر ، فيا إياز ، تحدث الآن عن أحوالك .
- فإن أحوالك هذه نابعة من منبع جديد ، ومتى تصير أنت راضيا بهذه الأقوال ؟
- هيا ، وقص علينا " طرفا " من تلك الأحوال الطيبة ، وليكن التراب على أحوال العالم المحسوس “ 1 “ ودرسه .
- وإذا كان حال الباطن لا يتأتي في مقال ، فإنني أشرح لك حال الظاهر أزواجا وأفرادا .
 
3640 - فمن لطف الحبيب تصير مرارتنا على الروح أحلى من سكر النبات .
- ولو أن ذرة واحدة من ذلك السكر تمضي إلى البحر ، لتحولت ملوحة البحر كلها إلى حلاوة .
- وعشرات الآلاف من الأحوال قد وردت هكذا ، ثم عادت إلى الغيب أيها الأمين .
- وحال كل يوم ليس شبيها بحال الأمس ، مثل جدول في جريانه ، إن لم يكن ثم سدود .
- وسرور كل يوم من نوع جديد ، ولفكرة كل يوم تأثير آخر .
 
تمثيل جسد الإنسان بدار ضيافة وأفكاره المختلفة بمختلف الضيوف ، والعرف في رضاه بتلك الأفكار المحزنة والمفرحة مثل المكرم للضيف المتلطف مع الغريب كالخليل عليه السّلام ،
فإن باب الخليل كان مفتوحا دائما لإكرام الضيف ، سواء كان كافرا أو مؤمنا أمينا أو خائنا ،
وكان يبش في وجه كل ضيف
..............................................................
( 1 ) حرفيا : عالم الحواس الخمسة والجهات الستة .
 
“ 375 “
  
3645 - إن هذا الجسد أيها الفتى كأنه دار ضيافة ، يأتيه مسرعا كل صباح ضيف جديد . “1“
- هيا ولا تقل لقد بقي كَلا علىّ “ 2 “ ، فإنه لن يلبث حتى ينطلق طيرانا نحو العدم .
- فكل ما يأتي من عالم الغيب ، هو ضيف في قلبك فأكرمه .
 
حكاية ذلك الضيف الذي قالت عنه ربة الدار :
لقد انهم المطر وبقي الضيف في رقابنا
 
- نزل ضيف على أحدهم فجأة ، فجعله كالطوق في العنق " إكراما " .
- ومد السماط وأبدى له أنواع الإكرام ، وفي تلك الليلة كان هناك حفلٌ في حيه .
 
3650 - وأسر الرجل إلى زوجته قائلا : أعدى فراشين الليلة أيتها السيدة
- ومدى فراشنا إلى جوار الباب ، أما فراش الضيف فمديه في الناحية الأخرى .
- فقالت المرأة : بكل احترام وبكل سرور ، سمعا وطاعة يا نور عيني .
- ومدت المرأة الفراشين ومضت إلى حالها ، نحو حفل الختان ، وبقيت هناك .
- وبقي الضيف العزيز مع زوجها ، وقد وضعا بينهما النُقل من أخضر ومجفف .
 
3655 - وتسامرا بما شاء لهما السمر من خير ومن شر حتى منتصف الليل .
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 516 :
- لا ، لقد أخطأت ، إنه يأتي لحظة بلحظة ، ذلك الضيف الجديد ، والفكرة السارة والفكرة المحزنة .
- فكن مضيفا متهلل الوجه كالخليل عليه السّلام ، ولا تغلق الباب ، وقف منتظرا في الطريق .
( 2 ) حرفيا : بقي في رقابنا .
 
“ 376 “ 
 
- ثم إن الضيف غلبه النوم وتعب من السمر ، فمضى إلى الفراش الذي عند الباب .
- ولم يقل له الزوج شيئا حياءً ، لم يقل له : إن موضع نومك في الجهة الأخرى أيها العزيز .
- أو : لقد مددت لنومك فراشا يا ذا الكرم في الناحية الأخرى .
- وبُدل ذلك الترتيب الذي كان قد رتبه مع زوجته ، وراح الضيف في النوم على الفراش الآخر .
 
3660 - وفي تلك الليلة انهمر المطر مدرارا ، بحيث تعجبت السحب نفسها من شدته .
- وجاءت المرأة ظانة أن الزوج قد نام إلى جوار الباب ، وأن الضيف قد نام في الناحية الأخرى .
- وذهبت كالعروس عريانة تحت اللحاف ، ومنحت الضيف عددا من القبلات برغبتها .
- وقالت : كنت أخشى أيها الرجل العظيم ، وما خشيته قد حدث ، ما خشيته قد حدث ! !
- كنت أخشى أن يحبس الطين والمطر ذلك الرجل الضيف ، ويبقى لاصقا بك كأنه الصابون السلطاني .
 
3665 - فمتى " يمكنه " أن يذهب في هذا المطر والوحل ، وسوف يبقى غرما على رأسك وروحك .
- فقفز الضيف على وجه السرعة وقال : دعيني أيتها المرأة فلدى حذاءٌ برقبة ، ولا يهمني الطين .
  
“ 377 “ 
 
- إنني ذاهب إلى حال سبيلي ، ولكم الخير ، ولا أراح الله الروح من السفر لحظة واحدة .
- حتى تمضي بأقصى ما تستطيع من سرعة نحو معدنها ، فإن هذا التوقف في السفر ، يكون قاطعا للطريق .
- فندمت المرأة على قولها السخيف ، عندما نفر ذلك الضيف الفرد ، ومضى إلى حال سبيله .
 
3670 - وأخذت المرأة تردد : الخلاصة أيها الأمير ، لقد كنت أمزح ، فلا تدقق . . من طيبتك .
- لكن سجود المرأة وضراعتها لم تجد فتيلا ، ومضى وقد تركهما في حسرة .
- ولبس الرجل وزوجته من بعدها ملابس الحداد ، عندما رأيا وجهه كالشمع ، بلا حوض " يوضع فيه "
- لقد أخذ يمضى ، والصحراء من نور شمعه ، تحولت إلى جنة ، وانفصلت عن ظلمة الليل .
- وحول " الرجل " منزله إلى دار ضيافة ، من حزنه لما حدث وخجله منه .
 
3675 - وفي داخل كليهما ، وفي كل لحظة ، ومن طريق خفي ، كان خيال الضيف يحدثهما قائلا :
- لقد كنت رفيقا لكما وكأنني الخضر عليه السّلام ، وكنت سأنثر عليكما مائة كنز من الجود ، لكن لم يكن من نصيبي كما .
 

“ 378 “
"حكاية ذلك الأمير الذي قال للغلام أحضر خمرا فذهب الغلام" 
تمثيل الفكر التي تحل كل يوم بالقلب بالضيف الجديد الذي يحل بالمنزل في أول النهار ، ويبدي لرب الدار التحكم وسوء الخصال وفضيلة إكرام الضيف وتحمل دلاله
- في كل لحظة تحل فكرة كأنها الضيف العزيز بصدرك ، وفي كل يوم أيضا .
- فاعتبر الفكرة أيها العزيز بمثابة الشخص ، ذلك أن المرء له من فكره القدر والروح .
- والفكرة الحزينة وإن قطعت أسباب السرور ، فإنها تقوم بإعداد الأسباب من أجل الأفراح .
 
3680 - إنها تقوم بكنس المنزل على وجه السرعة من الغير ، حتى يحل سرور جديد من أصل الخير .
- وتقوم بنفض الأوراق الصفراء من غصن القلب ، حتى ينمو الورق الأخضر على الدوام .
- وتقوم باقتلاع جذور السرور القديم ، حتى تتبختر لذة جديدة قادمة مما وراء " المحسوس " .
- وإن الحزن ليقتلع الجذر المعوج المهترىء ، حتى يطل بوجهه ذلك الجذر المختفي .
- وكل ما يريقه الحزن من القلب أو يسلبه ، فإنه يعوضه بما هو خير منه
 
3685 - وبخاصة لمن يكون متيقنا من هذا الأمر ، أن الحزن يكون عبدا لأهل اليقين .
- فلو لم يعبس السحاب والبرق بوجهيهما ، لاحترق الكرم من ضحكات " ابنة " الشرق .
 
“ 379 “ 
 
- والسعد والنحس كلاهما ضيف على قلبك ، كأنهما الكواكب ينتقلان من منزل إلى منزل .
- وذلك الزمان الذي يكون فيه مقيما في برجك ، كن مثل طالعه ، حلوا نشطا .
- حتى يقوم بشكرك أمام سلطان القلب ، وحتى يصير متصلا بالقمر .
 
3690 - ولسبع سنوات ، كان أيوب عليه السّلام سعيدا في البلاء بصبر ورضا ، لأنه كان ضيفا من الحق .
- وذلك حتى يؤدى ذلك البلاء الشديد شكره أمام الله ، عندما يحول وجهه عنه .
- قائلا : إنه لم يحول وجهه بعبوس عنى أنا قاتل الأحبة لحظة واحدة .
- ومن وفائه وحيائه وعلمه بالله ، كان مع البلاء ، كأنه اللبن مع العسل .
- فتأتي فكرة إلى الصدر أو لا بأول ، تكون أنت ضاحكا مستبشرا أمامها .
 
3695 - وتقول " أعذني " خالقي من شرها ، لا تحرمني أنل من برها .
- رب أوزعني لشكر ما أرى ، لا تعقب حسرة لي إن مضى " “ 1 “
- فحافظ على ذلك الضمير العبوس ، واعتبر ذلك العبوس حلوا كالسكر .
- وإذا كان السحاب عابس الوجه في الظاهر ، فإنه هو الذي ينبت الرياض ، ويقتل البوار .
- فاعلم أن الفكرة العابسة على مثال هذا السحاب ، ولا تعبس على هذا النحو في من يعبس أمامك .
 
3700 - فلعل ذلك الجوهر يكون في يده ، فجاهد حتى يمضي عنك راضيا .
- وحتى إن لم يكن جوهرا ولم يكن غنيا ، فإنك تزيد من عاداتك الطيبة
..............................................................
( 1 ) ما بين القوسين بالعربية في المتن ومن شره بدلا من من شرها وبره بدلا من برها .
 
“ 380 “ 
 
- وتنفع عادتك هذه في موضع آخر ، وتُقضى حاجتك فجأة ذات يوم .
- والفكرة التي تمنعك من السرور ، إنما تكون بأمر الصانع وحكمته .
- فلا تستهن بها ، ولا تعتبر أنه لا قيمة لها أيها الفتى ، فلعلها نجمة سعد وصاحبة قران .
 
3705 - ولا تقل إنها فرع واعتبرها أصلا ، حتى تكون دائما مسلطا على المقصود .
- وإنك إذا اعتبرتها فرعا ، واعتبرتها أمرا مضرا ، تكون عيناك منتظرتين أصلها .
- والانتظار ذو مذاق كمذاق السم ، ودائما ما تكون معايشا الموت من هذا السلوك .
- فاعتبرها أصلا ، وقم بمعانقتها ، فالانتظار يفتح الطريق للموت دائما .
 
إكرام السلطان لإياز
 
- يا إياز ، يا كثير الضراعة ، يا مليئا بالصدق ، إن صدقك أكثر " سعة " من البحر و " ثباتا " من الجبل .
 
3710 - فلا عثار لديك عند الشهوة ، بحيث يصير عقلك الذي كالجبل ، وكأنه قشة .
- ولا في وقت الغضب والانتقام تهن أنواع صبرك ، فهي مستقرة ذات ثبات
- وهذه هي الرجولة ، وليست باللحية والذكر ، وإلا كان فحل الحمير هو سيد الرجال .
- ومن هم هؤلاء الذين أطلق عليهم الحق في القرآن رجالا ، ومتى يكون لهذا الجسم مجالٌ هنا .
- وأي قدر للروح الحيوانية أيها الأب ؟ ألا فلتعبر سوق القصابين آخرا .
 
“ 381 “
  
3715 - فهناك مئات الألوف قد وضعوا رؤوسهم على بطونهم ، وقيمتهم أقل من الإلية وأقل من الذيل . “ 1 “
- والبغي هي التي من حركة الذكر ، يكون عقلها فأرا وشهوتها كالأسد . “ 2 “
 
وصية أب لابنته قائلا : احتاطى لنفسك حتى لا تحملى من زوجك
 
- كان هناك أحد السادة ، وله ابنة ذات خد كالزهرة ووجه قمري وصدر فضي
- ووصلت سن البلوغ فزوجها ، ولم يكن الزوج كفؤا لها .
- وعندما تتضج الدابوقة تمتليء بالماء ، فإن لم تشقها تتلف وتهلك .
 
3720 - فزوج الفتاة لغير كفؤها للضرورة وخوفا عليها من الفتنة .
- وقال للبنت : حذار ، وإياك أن تحملي من زوجك هذا .
- فقد كان تزويجك لهذا الشحاذ من قبيل الضرورة ، ولا وفاء عند هذا الغجرى .
- فهو يمضي فجأة إلى حال سبيله تاركا الجميع ، ويبقى طفله مظلمة عليك
- قالت الفتاة : سمعا وطاعة يا أبي ، إن نصحك مقبول عندي وغنم .\
 
3725 - وكل يومين أو ثلاثة ، كان ذلك الأب يقول للبنت : الحذر الحذر .
- وحملت الفتاة منه فجأة فقد كان كلاهما شابا ، وكانا زوجا وزوجة .
- وأخذت تخفي الأمر عن أبيها ، حتى بلغ حملها خمسة شهور أو ستة .
- وصار ظاهرا ، فقال الأب : ما هذا ؟ ألم آمرك أن تبتعدى عنه ؟
- لقد ضاعت نصائحي كلها هباء ، ولم يجدك نفعا نصحي ووعظي .
 
3730 - قالت : يا أبي كيف أتجنبه ؟ ! والرجل والمرأة كالقطن والنار لا جدال .
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 529 : - فلا تكن عبدا للشهوة ما استطعت ، ولا تجعل روحك رهنا في أثر الشهوة . 
- وإلا اقتلعت الشهوة دارك ومالك ، ولو ضعتك حيا في قبر أسود .
( 2 ) ج / 12 - 529 : - فلأذكر لك حكاية في هذا المعنى ، حتى أمحو الشهوة من قلبك .
 
“ 382 “
 
- وأي حذر للقطن من النار ؟ وأي احتياط أو تقى من النار ؟
- قال : وهل قلت لا تقربيه ؟ إن كل ما قلته لا تقبلي منيه .
- فعند ذروة اللذة والإنزال والمتعة ، ينبغي أن تنحي نفسك عن طريقه .
- قالت : وكيف أعلم متى يكون إنزاله ؟ إن هذا أمر خفي جدا وبعيد الغور .
 
3735 - قال : عندما يختلط بياض عينه بسوادها ، افهمي أن هذا يكون وقت إنزاله .
- قالت : في ذلك الوقت الذي يختلط فيه بياض عينه بسوادها ، تكون عيناي الجريئتان هاتان قد عميتا . “ 1 “
- وليس كل عقل حقير يكون ثابتا ، عند الحرص وعند الغضب وفي معمعة المعركة .
 
وصف ضعف قلب صوفي منعهم ووهنه ، إذ لم يجاهد ولم يذق ألم العشق وحرقته واغتر بتقبيل العوام يده ونظرهم إليه باحترام وإشارتهم إليه بالبنان
قائلين : إنه صوفي العصر ، فمرض بالوهم ، مثل ذلك المعلم الذي قال له الأطفال إنك مريض . واعتمادا على وهمه بأنه مجاهد وأنه يعتبر بطلا في هذا المجال ذهب مع الغزاة للغزو قائلا : لا بد من هذا الأمر ، فأنا في الجهاد الأكبر من الأفذاذ المستثنين فما قيمة الجهاد الأصغر عندي ؟ ! لقد رأى خيال أسد ، فأبدى ألوان الشجاعة ، وصار ثملا بهذه الشجاعة ، واتجه إلى الغابة للقاء الأسد " الحقيقي " فقال الأسد بلسان الحال :كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ، ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ
 
- ذهب أحد الصوفية مع الجند للغزو ، وفجأة حل أو ان قعقعة السلاح و " ضجة " الوغى .
..............................................................
( 1 ) هكذا في نسخة جعفري " 12 - 531 " وهي تبدو أصح من عيناي العمياوان التي وردت عند نيكلسون " 237 - 5 "
 
“ 383 “ 
 
- وبقي الصوفي مع المؤن والخيام والضعاف ، بينما اتجه الفرسان إلى المصاف .
 
3740 - وبقي الذين اثاقلوا إلى الأرض في أماكنهم ، أما السابقون السابقون ، فقد حملوا وهاجموا .
- وقاتلوا أشد القتال وانتصروا ، وعادوا بغنائم نافعة .
- وجاءوا إلى الصوفي أيضا " ببعض الغنائم " هدية له قائلين : هي لك أيها الصوفي أيضا ، فألقى بها خارج الخيمة ، ولم يأخذ شيئا .
- فقالوا له : لماذا الغضب ؟ فقال : لأني بقيت محروما من الغزو .
- ولم يرض الصوفي قط بهذا العطاء ، لأنه لم يسل خنجره في ميدان المعركة .
 
3745 - فقالوا له : لقد جئنا بعدد من الأسرى ، فخذ واحدا منهم ، واقتله .
- واقطع رأسه بدورك ، لتكون أيضا غازيا ، فسعد الصوفي قليلا ، وقوى قلبه .
- وقال : إذا كان في الوضوء بالماء مائة نور ، فالتيمم واجب إن لم يوجد " هذا الماء الطهور " .
- وأخذ الصوفي ذلك الأسير المغلول ، و " مضى " إلى ما وراء الخيام ، وذلك لكي يقوم بالغزو .
- وتأخر الصوفي هناك مع الأسير ، فقال القوم : لقد تأخر الفقير .
 
3750 - إن الكافر مغلول اليدين ومقتول لا محالة ، فما السبب يا ترى في تأخره في ذبحه ؟
- وذهب أحدهم متفحصا في أثره ، فرأى الكافر فوق " صدره "
- لقد حط ذلك الأسير كالأسد فوق ذلك الفقير ، وكأنه ذكر يعتلى أنثى . 
 
“ 384 “ 
 
- وأخذ يعض حلق الصوفي وهو مغلول اليدين ، وقد امتلأ بالغضب والحقد عليه .
- أخذ ذلك المجوسي يعض حلقه بأسنانه ، وقد سقط الصوفي تحته فاقد الوعي .
 
3755 - وقام ذلك المجوسي مغلول اليدين بجرح حلقه دون حربة ، وكأنه القط .
- وكاد الأسير أن يقتله بأسنانه ، وكانت لحيته قد خضبت بالدماء من حلق ذلك الصوفي .
- مثلك أنت ، من غلبة النفس مغلولة اليدين ، صرت دنيا بلا وعي مثل ذلك الصوفي .
- ويا من صار مذهبك عاجزا أمام تل ، إن مئات الآلاف من الجبال " لا تزال " أمامك .
- ومن تل بهذا الحجم قد مت من الخوف ، فكيف تمضي على مرتفعات كأنها الجبال ؟ !
 
3760 - وقام الغزاة بقتل الكافر بالسيف حمية وفي نفس اللحظة ، دون إمهال .
- ورشوا وجه الصوفي بماء الورد ، حتى عاد إلى وعيه من إغمائه ونومه .
- وعندما عاد إلى وعيه ، رأى أولئك القوم ، فسألوه : كيف جرى ما جرى ؟
- ناشدناك الله ، ما هذا الحال أيها العزيز ، ومن أي شيء صرت فاقد الوعي هكذا ؟
- أمن أسير نصف قتيل مغلول اليدين ، سقطت هكذا ذليلا فاقد الوعي ؟
 
3765 - قال : عندما اتجهت إلى رأسه بغضب ، نظر إلى نظرة عجيبة ذلك الوقح .
 
“ 385 “ 
 
- لقد فتح عينيه عن آخرها في وجهي ، ودور حدقتيه ، فغاب الوعي عن جسدي .
- ولقد أبدى دوران عينه لي عسكرا ، لا أستطيع أن أصف ما كان عليه من هول .
- ولأقصر القول ، فمن تلك العين ، غبت عن وعيي على هذا النحو وسقطت على الأرض .
 
نصح المبارزين له قائلين : بهذا القلب وبهذه الجرأة بحيث يغمى عليك من تقليب كافر لعينيه ، ويسقط الخنجر من يدك ، فالحذر الحذر ، إلزم مطبخ التكية ،
ولا تمض إلى الحرب ، حتى لا تفتضح
 
- قال له القوم : لا تحم حول الوغى والقتال ، بمثل هذه المرارة " المسكينة " التي لديك. “1“
 
3770 - وما دمت من عين ذلك الأسير مغلول اليد ، قد تمزقت سفينتك وتحطمت ،
- فمن ثم ، عند هجوم الأسود الكواسر ، التي تصير الرؤوس بسيوفهم كالكرات ،
- متى تستطيع أن تسبح في الدم ، ما دمت جاهلا بحرب الرجال ؟ !
- ومن الأصوات التي تصاحب قطع الرقاب ، تكون الأصوات التي يحدثها القصارون عند دق الثياب ، أصواتا محتملة . “ 2 “
- وكثير من الأجساد التي لا رؤوس لها في اختلاج ، وكثير من الرؤوس التي لا أجساد لها كأنها الحباب فوق الدم .
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 538 : - والزم المطبخ داخل التكية ، حتى لا تصير مفتضحا ثانية في الجيش .
( 2 ) ج / 12 - 538 : - ومن أصوات تتابع السهام التي تسلب الروح ، يخجل سحاب الربيع " المطر " عندما يقرن بها .
 
“ 386 “
  
3775 - وتحت أقدام الخيول وقوائمها في ميدان المعركة ، مئات من الأبطال القتلة قد غرقوا في الفناء .
- ومثل هذا اللب الذي فر من فأر ، كيف سيتحمل السيف في ذلك النزال .
- إنه صراع وقتال وليس وليمة صوفية “ 1 “ ، حتى تشمر الأكمام كما تشمرها للطعام .
- ليس بأكل للصوفية “ 2 “ هنا ، وانظر إلى السيف ، فإن " حمزة " هو الذي يلزم لهذا الصف الحديدى . “ 3 “
- وليس القتال بعمل كل رقيق قلب ، يفر كالخيال ، عندما يرى خيالا .
 
3780 - إنه عمل " صناديد " الترك ، لا عمل النساء “ 4 “ ، ومكان النساء هو المنزل ، فعد إلى المنزل “ 5 “
.
* * * 
شرح حكاية ذلك الأمير الذي قال للغلام أحضر خمرا فذهب الغلام 
 ( 3439 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت قال فروزانفر : أنها تشبه حكاية واردة في إحياء علوم الدين للغزالي ، بطلها أبى الحسين النوري الذي حطم دنان خمر كانت تحمل للمعتضد العباسي ، ( مآخذ / 187 ) ، وبالطبع عدل مولانا في تفصيلاتها كعادته في كل القصص التي ينقلها عن المصادر لكي يعبر من خلالها عن معان خاصة به ، والعنوان به بعض التناقض ، فإذا كانت الخمر حلالا في ذلك العهد الذي يصفه بأنه عهد عيسى فما وقوف الزاهد في الشارع للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وكسره لجرة الخمر التي يحملها الغلام من هذا المنطلق ؟ !

وهناك بالطبع من فقهاء الإسلام من قال بأن الخمر محرمة في الأديان الآخر على أساس أن تحريمها في الإسلام لأنها تذهب العقل وهذا شأنها في كل العصور ( جعفري :

12 / 475 - 476 ) ، ولابد أن مولانا جلال الدين كان يقصد خمرا أخرى لكي يصف الأمير معاقر الخمر بأنه " حلو الروح " ، وكهف المساكين و " المخمورين " ، ومشفق وسخى القلب 


“ 590 “

في حين أننا بتقدم الحكاية سوف ندرك من أخلاق هذا " الأمير " ، وتصرفاته ما يناقض كل هذه الصفات التي وصفه بها ، وسوف تقدم له النصائح بالبعد عن الخمر ، ويظل موقف مولانا جلال الدين ممن يجلسون على كرسي الإمارة " واضحا " كما عبر عنه في الكتاب الثالث ( الأبيات التي تتحدث عن طغيان فرعون وعن باب الحطة الذي يذل الجبارين وفي الكتاب الرابع عن الوزير المقتر البخيل ، وحيثما عن له الحديث عن جبارى الأرض ) ،

والأمير الذي يقدمه هنا والجو العام للقصة يشير إلى بعض أمراء المسلمين الذين ضربوا بتعاليم الدين عرض الحائط وعله غلف الحكاية بعهد عيسى عليه السّلام لكي يبعد الشبهة عن نفسه ، فأغلب الظن أنه كان يصف واحدا من أمراء السلاجقة العديدين الذين كانوا يحكمون إمارات الأناضول المختلفة في عهده وعندما وصفه بأنه " كهف المخمورين " ، كان يسخر منه .

( 3446 - 3453 ) : أي خمر هذه يا ترى التي يجد منها العوام والخواص الخلاص ! ! غير تلك الخمر الإلهية التي تقوم جرعتها بفعل آلاف الدنان من الخمور الأخرى ، ففي هذه الخمر الإلهية مادة خفية ، تشبه تماما تلك القوة الروحية التي تجعل من رجال الله وهم متلفعون بعباءاتهم سلاطين على الدنيا وملوكا ، لا تنظر إذن إلى خرقهم الممزقة ، إنها دريئة تخفيهم عن أعين العوام ، تحميهم من أذاهم ، كما يسود الذهب لكي يحمى من اللصوص ، انظر إلى الجواهر ، يقوم الجواهري بتسويدها حتى لا يتعرف اللص عليها ( انظر الكتاب الرابع ، الأبيات 2171 - 2173 ) ،

ومن هذا القبيل دفنت الروح في الجسد كما تدفن الكنوز في الخرابات ، وذلك من أجل حجبها عن كل لعين لاحق له فيها ، ومن هنا كان جسد آدم سدا أمام نظر إبليس إليه ، فنظر إليه ولم يبصر روحه ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 2301 - 2302 ) .

( 3455 - 3460 ) : ينطلق مولانا في وصف الخمر التي اشتراها الغلام بما يوحى بأنه لم يكن يقصد تلك الخمر الدنيوية " فأراد بالأمير الروح وبالغلام النفس ومن الجرتين العقل والقلب ومن الرهبان أرباب الرياضات والمجاهدات من أهل الإسلام ، ولو انبعث نور العشق الإلهى من قلب سلطان الإرشاد وأرشد المريد لوضع الله على رأس المريد تاج الكرامة وأعطاه الدرجات العاليات ( مولوى 5 / 501 ) ،

ولأثار هذا الشراب فتن العشق وأشواقه ، ولعلم جميع الناس من سادة وعبيد أنهم دون هذا العشق سواسية ولامتزجوا معا بحثا عنه وطلبا له ، ولعلم الملوك أن عرشهم ما هو إلا لوح من خشب ( انظر الكتاب الرابع ، الأبيات 908 - 909 والبيت 661 ) ، ولتحولت العظام ( وهي جماد الجسد ) ، إلى أرواح ، وكل هذه


“ 591 “ 

متضادات إن كان ثم صحو لكنها عند السكر ممتزجة امتزاج اللحم بالبر في ذلك الطعام المسمى بالهريسة ، فلا فرق إذا لا غرق أي لا سحو واستغراق في الفروق .

( 3462 - 3471 ) : يصور مولانا الزاهد بأنه ذلك المستغرق في الرياضات المتعصب ، الذي توجهت إليه الأحزان من كل صوب ، وأصابته الدنيا بجراحها ، فكأنه زاهدٌ ليس حبا في الزهد أو طلبا لطريق الله ولكن زهد في الدنيا كرد فعل لخداعها إياه ومكرها به ولكثرة ما أصابه من مصائب فيها ومن جراح من جرائها ، وهذا النوع من الزهاد يكون ضيق الصدر ، يتمنى لو استطاع أن يهدم هذا العالم ويبنيه من جديد فإن كان مضطرا إلى الإقامة وسط الناس ، لقى الناس من عنته الكثير فينزل إلى الشوارع لأول بادرة من حزن أو انقباض ،

ومن خلال حوار هذا الزاهد نعرف أن الأمير طالبٌ ( للحق ) مثله مثل أي إنسان سوى ، وندرك هنا أن الخمر هنا هي الخمر المادية العادية ، ويستبعد الزاهد من أمير طالب عقله مرتبط بعقول الآخرين ، وهناك عقول تعتمد عليه أن يفقد وعيه ، خاصة وأنه ليس مفيقا بلا خمر ، فماذا تكون النتيجة إذ شرب هذا الضعيف العقل الخمر ؟ !

( 3472 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت يذكر استعلامى أنه لم يعثر على أصل لها قبل مولانا ، ويذكر أن الألقاب التي ذكرها مولانا جلال الدين في العنوان من الألقاب الشائعة في أيام السلاجقة والخوارزمشاهيين ( 5 / 377 ) ، ويرى زرين كوب أن هذه الحكاية ذات أصول تاريخية عن بعض حكام بلخ ( مسقط رأس مولانا جلال الدين ) ، ( سر نى را ، ص 311 ) ،

 وليس من المستبعد أن تكون الحكاية قد تمت في حضور بهاء ولد ( والد جلال الدين ) وأن يكون قد قصها عليه فيما بعد ، وبقيت في ذاكرته مثل كل شئ عن بلخ وبلاد ما وراء النهر التي عاش فيها طفولته المبكرة ، والحكاية ضربت هنا لبيان أن ضعيف العقل لا يزيده ضعفا بشرب الخمر ، كما أن مفرط القصر يبين قصره المفرط بالهم بالقيام كما يفعل طوال القامة .


( 3480 - 3492 ) : المخاطب هنا هو الأمير : إنك لا تملك عقلا شديد اليقظة والذكاء بحيث " تريحه " ، قليلا بالخمر ، فما أشبهك بعبد حبشي يصبغ وجهه بالنيلة وهو أصلا لا يحتاج إليها ، وإن الإنسان ليبحث عن انعدام الوعي إذا كان عنده وعى أصلا ، ويقول الزاهد أن هذه " الخمر " ، إذا كان الله سبحانه وتعالى أحلها في زمن عيسى عليه السّلام للعوام فلابد أنه حرمها على الخواص الذين يطلبون وجه الله ، وقصة تحريم الخمر في الإسلام شهيرة فليطلب من تفسير الجلالين على الآية الكريمة
 

“ 592 “

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ( المائدة / 90 ) ، والعشاق يسكرون من خمر المعرفة ومن ثم حرمت عليهم هذه الخمر ، إنهم ينظرون إلى طريق الحق وينتظرون منزل الوصول إليه فلابد أن يكونوا في غاية اليقظة والانتباه ، والعقل الذي تتمتع به أيها الأمير ،

هو عقل يغيب عن الوعي دائما وشمسه في غياب وكسوف مستمرين رغم وعورة الطريق ، وإنك لهذا تضلل المرشدين في هذا الطريق ، وتجعل رعاياك هالكين ضالين وما أحراك بأن تعود هذه النفس على الزهد ، فلا تجعلها تتمرد عليك بتعويدها على التنعم ، وأفطمها عن لذائذ الدنيا ، وخذها بالاخشوشان ، إنها لص فاشنقها أو أقطع يدها ، أو قيد هذه اليد وإلا كسرت قدمك وأذلتك ، اسخر منها واجعلها تأكل التراب .


( 3495 - 3506 ) : ها هو الأمير الذي كان مولانا يصفه بأنه أمير المؤمنين وكهف المستجيرين في صدر الحكاية يسفر عن وجهه الحقيقي ويستشيط غضبا وينهمر بالشتائم الخارجة على الزاهد ويذهب نفسه لتأديبه ويقف له وهو ( الأمير ) ، على قارعة الطريق يتهمه بهذه التهمة التي يتهم بها الطغاة الدعاة دائما بأنهم طلاب شهرة لا أكثر ولا أقل ، كل هذا والزاهد المسكين يختفى من غضبته هذه تحت الأغطية ، يهمس لنفسه قائلا : المرآة فقط هي التي تستطيع أن تواجه هذه الأمير بقبح وجهه ودمامة منظره ، وجهها الصلب الذي لا يخشى الكسر ( كانت المرايا من الحديد المصقول ) هو الذي يستطيع أن يواجه الأمير بقبحه وجبروته وجرأته على الحق .


( 3507 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت ، قال استعلامى ( 5 / 378 ) انه لم يجد لها أصلا ولا يعرف أي حاكم لمدينة ترمذ كان سيد شاه ترمذ هذا ، بينما ذكر زرين كوب ( سرني 1 / 311 ) ، أنها ربما كانت من بقايا بعض الحكايات الشعبية عن بعض الحكام المحليين في ترمذ من الأسرة الحاكمة التي كانت معروفة باسم أسرة " السيد الأجل " ، على كل حال أيا كانت أصول الحكاية ، فإنها تؤكد ما ورد من أنه لا يمكن نقد الطاغية في وجهه ولا يمكن أن تقال الحقيقة في شأنه إلا " تحت اللحاف " .


( 3516 - 3534 ) : لا يزال الأمير في عنفوان غضبه وصياحه ورفسه للأبواب ( في منتصف الليالي ! ! ) بحيث نهض الناس من نومنهم - وهم جماعة - يلتمسون من " الفرد " الغاضب العذر للزاهد المسكين الذي نصحه نصيحة في محلها ، لقد كان أقاويل الناس كلها تحط من قدر الزاهد من أجل أن تنقذه من غضبه الأمير : فهو ضعيف العقل ، وهو زاهد

“ 593 “ 
وشيخ ، وهو في حالة قبض دائما ، وهو أيضاً لم ير جزاء لزهده هذا ، وصار سعيه تبابا كأنه سعى اليهود لا إخلاص فيه ، وهو بلا أصل ، وحيد ، مسكين ، قابع في داره عبوس قمطرير ، ثم إن عينه تؤلمه ، وهو مجتهد دون يقين ودون حزم ، على الاحتمال والوهم والظن ، ثم إنه لا يبحث عن " الرئاسة " ، أي لن ينافسك أيها الأمير الأجل ، حتى في عبادته ليس ثابتا على حال ، إنه يشكو إلى الله دائما أنه غير مفلح في دنيا وغير مفلح في عبادة ، وأحيانا ينعى حظه من الدنيا ، أن الآخرين يطيرون بأجنحة المعرفة وهو مجرد

( زاهد ) مقطوع الجناح ، إنه أيها الأمير ذو لون واحد ، سجين لطريقة واحدة من طرق المعرفة هي الزهد ، وكل سجين للون واحد يكون في ضيق واكتئاب ، إننا حتى نخشى عليه من كثرة اكتئابه ، أن ينتحر وينهى حياته ، حزنا على ما أصيب به من خيبة وما حاق به من أحزان .

( 3535 ) : يبدو أن مولانا انهمك في قصة هذا الزاهد وحالته وانقباضه ويأسه وقنوطه " من الهجر " وأراد أن يثبت أن الهجر قد يؤدى بالعارف إلى " الانتحار " ، فساق قصة عن الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم أغلب الظن أنها من القصص المنتحلة أو الموضوعة ، وإن كان فروزانفر قد ذكر أن هناك بعض الأخبار في سيرة ابن هشام ورواية عن ابن عباس في دلائل النبوة تصلح أن تكون أساسا لهذه القصة ( مآخذ / 188 ) .

عن ابن عباس إن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم لما نزل عليه الوحي بحراء مكث أياما لا يرى جبريل فحزن حزنا شديدا حتى كاد يعدو إلى بثير مرة وإلى حراء مرة ، يريد أن يلقى نفسه منه ، فبينا رسول الله كذلك عامدا لبعض تلك الجبال ، إذا سمع صوتا من السماء فوقف رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم صعقا للصوت ! !

( جعفري 12 / 494 ) . كما مر بنا ذكر مولانا لمحاولة الشيخ محمد سروزى الغزنوي إلقاء نفسه من فوق الجبل لأنه لم يوفق في الوصول إلى الجمال الإلهى ( انظر 2670 من الكتاب الذي بين أيدينا ) وفي البيت رقم 3540 كشف الحجاب : أي أدرك نور النبوة من داخله .

( 3541 - 3548 ) : يعلق مولانا : كيف أن الناس يفكرون في الانتحار عند كل محنة يواجهونها وهم يتحملون أصل المحن داخل أنفسهم ، أي تلك " النفس " ، التي تعتبر أصل كل المحن ، وهناك من يضحون بأنفسهم ، وأنا في حيرة من أولئك الذين يضحون بحياتهم وأرواحهم ، لكن ألا يضحى كل منا بحياته ويهب كل عمره لشئ ما ، فما أسعده ذلك الذي يضحى بجسده من أجل روحه ، وإذا كان كل إنسان مستعدا للقتل في سبيل شئ قد لا يبقى بعده ، ويضيع المشتاق والمشتاق إليه ، فلماذا لا تكون التضحية بالروح في سبيل هذا العشق ،

“ 594 “

كما كان ذلك المقبل العظيم محمد بن عبد الله صلّى اللّه عليه وسلّم ، يريد أن يفعل ، إنه العاشق والمعشوق والعشق فكلها واحد ( تذكرة الأولياء ، 189 في قول لأبى اليزيد البسطامي عن استعلامى 5 / 380 ) ، إن مائة حياة كانت في هذا القتل ( عن البقاء بعد الفناء ، انظر مقدمة الترجمة العربية على الكتاب الثالث ) ، فإذا كان أهل الهوى في نوى بعد نوى وهجر بعد هجر فارحموهم أيها الكرام فلستم تعرفون ما بهم من عذاب .

( 3552 ) : " إنما يرحم الله من عباده الرحماء " ( أحاديث مثنوى ، ص 7 ) ، و " الراحمون يرحمهم الرحمن " ( انقروى 5 / 750 ) .

( 3562 - 3570 ) : لم يعد هناك من بد من التقرب إلى الأمير والتشفع للزاهد عن طريق النفاق ، لقد بلغ غضبه قمته " والطاغية أصل الغضب " ، ولم يعد هناك إلا التقرب إليه عن طريق مدحه بما هو ليس فيه ويرى استعلامى أن الأبيات هنا في مدح " الإنسان " لكن إذا جاز هذا من البيت 3571 فلا ينطبق على الأبيات التي قبلها التي يوصف فيها الأمير بالجمال واللطف والخد المورد إلى آخره ، والكريم ابن الكريم ابن الكريم في حديث نبوي هو يوسف عليه السّلام ( مولوى 5 / 515 ) ولعل استعلامى انطلق من يوسف بن أحمد المولوي الذي فسر الأبيات هذا التفسير الذي فحواه : أي جمال يطلبه الإنسان من الخمر وهو من جمله الله تعالى بنفخته وجعل وجهه كشمس الضحى ، وجعله منورا لكوكب الزهرة ( مولوى 5 / 515 ) ، وإلى مثل هذا التفسير ذهب إسماعيل الانقروى ( 5 / 753 - 755 ) .

( 3571 - 3582 ) : من هنا يترك مولانا قصة الأمير والزاهد " دون أن يتمها فلا نعرف إن كان قد عفا عنه أو انتقم منه " ويتحدث عن الإنسان الكامل ذي الأبعاد التي تخرج عن هذا العالم واحتياجات هذا العالم ، إن الوجود كله في شوق إليه ،

 ذلك الإنسان المتصل بالبحر الكلى ، فكيف يتوق إلى قطرة من خمر هذه الدنيا ، الإنسان الذي قال الله فيه : وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ، وقالإِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ، إنه هو الجوهر الذي سخرت له كل الأعراض وكل الخليقة " يا ابن آدم خلقتك لأجلى وخلقت كل الأشياء لأجلك " ( أحاديث مثنوى ، ص 181 ) ،

لقد سخر له العقل والتدابير واللب ، ومع ذلك فقد باع نفسه رخيصا ، " كان أطلس فخاط نفسه على خرقة " ، إنك أصل كل علم ومع ذلك تبحث عن العلم في الكتب ، لك قلب يسع الخالق الذي لا يسعه الأرض والسماء ، وهكذا ففي وجود في حجم قطرة الظل اختفى بحر ، وفي جسده حدة ثلاثة أذرع ، هناك عالم أكبر قد انطوى :

“ 595 “ 

أتزعم انك جرم صغير * وفيك انطوى العالم الأكبر
وأنت الكتاب المبين الذي * بأحرفه يظهر المضمر
أتراك تبحث عن السرور خارج نفسك وأنت معدن السور ، كيف تكون شمسا وتطلب السرور من ذرة ، وكيف تكون معدن السرور " كوكب الزهرة " ، وتطلب السرور من جرة ، والروح التي لا توصف ذلك العالم العجيب تجعل لها كيفية للسرور ، والشمس ، الشمس العظيمة تحبس في عقدة الرأس أو عقدة الذنب " أدنى هبوط الكواكب وفيه يقع الكسوف " ( لأفكار مفصلة حول موضوع تكريم الإنسان عند فكر مولانا جلال الدين ، انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الرابع ، من مثنوى جلال الدين ، تحت عنوان الإنسان ذلك العالم الكبير ) .

( 3583 - 3590 ) : يرد الأمير بأنه لا يقتنع بهذه السعادة التي يتحدثون عنها ، إنه " خدن " لهذه " الخمر ، ويصف أحوال في السكر بها ، وأن من جرب لذة هذا السكر لا يمكن أن يقبل تلك اللذة التي يتحدثون عنها ، إنها لذة خاصة بالأنبياء ، لأن الأنبياء قانعون بلذة القرب من الحق ، وذلك لأنهم ذاقوها ، ومن ذاق عرف ، ومن هنا فهم عشاق للمحجوب الحي ، ومن عشق محبوبا حيا ، كيف يأنس بمحبوب ميت من أنس بالآخرة كيف يأنس بالدنيا ؟ !

( 3591 - 3598 ) :وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ( العنكبوت / 64 ) ، ويكرر مولانا في المثنوى هذه الفكرة القائلة بأن كل شئ في الدنيا حتى الحجر شاهد بوجود الحق وعالم الغيب بشرط أن يفتح عين باطنه ( انظر 1019 و 3903 من الكتاب الثالث ) ،

والعبارة المذكورة في العنوان ليست حديثا نبويا بل تنسب حينا إلى الإمام على رضي اللّه عنه وحينا إلى الإمام على زين العابدين السجاد رضي اللّه عنه ( استعلامى 5 / 382 ) ،

ويقابل مولانا جلال الدين بين عالمين : عالم من الأحياء وعالم من الموتى ، ومن ثم فإن من صار حيا بالنفس الإلهى لا يهنأ له عيش في دار الموتى فطعامها يليق بالأنعام ، ومن أنس برياض الجنة لا يقيم في هذه القمامة ، والروح لا تستريح إلا إذا عادت إلى موطنها في عليين أما من يقيم في هذا البعر فهو دودة ، والكأس الطهور وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً هو للثملين بالله ، وذلك الذي لم يأنس بعدل عمر رضي الله ، يقول عن الحجاج بن يوسف الثقفي سفاح بنى أمية ، أنه عادل ، والبيتان التاليان مأخوذان من حديقة سنائى

( حديقة الحقيقة ، الأبيات 6962 - 6970 )

ويشيران إلى أن الدنيا مجاز للآخرة ، وصورة طفولية ، مجرد صورة لا نفع فيها ، والحقيقة الكبرى هناك في الآخرة ، في العالم الحي الباقي ، والفكرة عند سنائى أكثر تفصيلا .

“ 596 “ 

( 3599 - 3615 ) : وهكذا لأن الكفار من عشاق الصورة فقد صورا الأنبياء على جدران الأديرة والكنائس وقنعوا بهذه الصور ، ونحن لا تهمنا هذه الصور في شئ ، فنحن ما زلنا في نوبة ضياء محمد بن عبد الله صلّى اللّه عليه وسلّم ودينه حي في نفوسنا وقلوبنا فلا حاجة لنا بتصويره على الجدران ولا حاجة بنا إلى الضلال ، فإن كانت صورة أحدهم قد بقيت في الدنيا ، فإن الآخر صورته في كبد السماء ، وهناك إنسان جلس يستعرض نفسه ويتحدث إلى الآخرين بالنقاط ، وهناك إنسان آخر يعيش مع الحق تعالى في آلفة ويتحدث إليه .

إن أذن جسده تسجل الكلام الذي يسمعه هنا لكن أذن باطنه تجذب إليه أسرار عالم الوجود ، وعينه الظاهرة مركزة على البصر لكن عين السر حائرة فيما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى( انظر عن الفرق بين العينين الكتاب الرابع الأبيات 2641 - 2644 وشروحها ) ،

وبينما تكون قدمه ( الظاهرة ) في صف الصلاة ، تكون قدمه الباطنة طوافة حول الفلك وهكذا فعدد أعضاءهم ، هناك أعضاء ظاهرة هي التي تموت بموتهم وهذه لا يهمنا أن تصور على الجدران ، إنما يهمنا تلك الأعضاء التي هي خارج الزمان والتي لا تموت ، وفي نفس الوقت لا يمكن تصويرها لأنها معاني ، إنها تتبع ولا تصور ، وما للأنبياء يكون للأولياء ، ومن ثم فإن ذلك الولي الذي هو ولى الدولتين ( دولة الظاهر ودولة الباطن ) ،

 وإمام القبلتين ( قبلة الكعبة ووجه الله ) ، إن مثل هذا الولي الذي اقتبس أسرار الأنبياء وتمثل بهم لا تلزمه خطوات الولاية التي تلزم الناس العاديين فلا خلوة ولا أربعينية تلزمه

( عن الخلوة والأربعينية انظر الكتاب الثالث 1616 ) بالنسبة لهؤلاء البشر الذين نجو من حلقات الضياء والظلام في الليل والنهار ووضعوا أقدامهم في نور الأبدية ، لا حاجة هناك إلى خلوة ، إنه كامن في قرص الشمس ( في منبع النور ومصدره ) .

وما أشبه هذا القول بقول سعدى :
إن الليل بالنسبة لأولياء الله * يتلألأ كأنه النهار المضي 
وهذه العادة ليست بقوة الساعد * بل يهبها الله الوهاب ( انقروى 5 / 713 )

وقد مر في الكتاب الرابع قصة أبى عبد الله المغربي الذي لم ير ظلمة الليل طيلة ستين عاما ( انظر الأبيات 598 - 606 من الكتاب الرابع ) . لم تعد هناك خشية ولا مرض وبحرانه ( الروحي ) انتهى تماما .

 لم يعد بين الشك وبين اليقين ، لقد تبدل كفرهم إلى إيمان كامل ، لا شئ لديهم إلا الألف المجردة ( الاستقامة المجردة بلا إضافة نقطة أو غيرها وبلا انحناء ) ،

“ 597 “

خرج عن أوصافه ودخل في أوصاف الحق فذاب فيها ، صار عاريا من كسوة الطبع أي من أدران المادة وإضافات الجسد ، وأصبحت روحه عارية محتاجة إلى ذلك الحبيب الذي يطيل العمر ، فألبسه الله تعالى رداء القدس والملكوت من أوصافه جل شأنه ، فسما به من حضيض الوجود إلى قمته ، هذا هو الأمير الحقيقي ، وليس الأمير إياه المعربد من أجل الخمر والذي لن يعود إليه مولانا أبدا .


( 3616 - 3625 ) : وهكذا صفا هذا الولي وهذا الأمير الحقيقي على البشر من كدره ، وعندما يصفو الماء يسمو عن وعائه ويبقى الكدر في قاع الوعاء ، إن هذه التراب الثقيل يعطل الروح عن سيرها ، وهو رفيق سوء يقعد رفيقه عن السمو والعلو ، لكن تلك الروح كانت قوية وقاومت هذا الطين وسمت عليه وتخلصت منه ، لقد كانت قبلته عندما سمعت أمره تعالىقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّولم تكن هي وحدها التي تعاني هذا العقاب وهذا الهبوط وهذا الذل ، كان هاروت أيضاً كذلك بالرغم من أنه كان من ملائكة السماء ، كان يظن هو وماروت أنهما لن يذنبا وأنهما معصومان من الذنوب فلما هبطا إلى أرض الذنوب ، ارتكبا من الذنوب ما لا يرتكبه الإنسان العادي في عمر طويل ، لقد ابتعدا عن مصدر النور ، فتسرب منهما النور

( انظر الكتاب الثالث ، 796 وما بعده ، و 2674 من الكتاب الرابع و 3003 من الكتاب السادس ، والكتاب الأول 3334 - 3364 و 3429 - 3430 والكتاب الثاني :

2475 - 2478 ) مثل تلك السلة التي رأت نفسها وهي مغموسة في ماء البحر مليئة بالماء ، فانصلت عن البحر فأصبحت خالية تماما ، لم تكن تعرف أن الماء من البحر وليس منها ، ولما احترق كبدها من الفراق اشفق عليها بحر الرحمة واستدعاها إليه ، هذه الرحمة الجياشة من لدن الخالق الرحيم الرحمن لا علة لها ، وقد لا تسبقها طاعة ، إنه العطاء الإلهى الذي لا يريد سببا .

( 3625 - 3634 ) : فاجعل الله هدفك وحوم حول بحر الرحمة وحول أولئك الذين يعيشون بالقرب منه من الأولياء وكمل الرجال ، مهما رأيتهم صفر الوجوه فديدن من ينتظر لقاء الله أن يكون أصفر الوجه وهذا اللون هو اللون الجدير بهم ، فإن حمرة الوجه دليل على أن صاحبه لا ينتظر شيئا ولا يشتاق إلى شئ ، إن الطمع في لقاء الله طموحٌ لا حد له ، إنه يجعل الإنسان نحيلا أصفر الوجه ذليلا وإن كان صحيح الجسد فإن جالينوس نفسه يتحير من صفرة وجهه هذا لقد طمعت في أنواره ، والرسول صلّى اللّه عليه وسلّم قال : [ من طمع ذل نفسه ] لكن العشق


“ 598 “

يسمو بالإنسان ومن ثم ينبغي أن يكون الحديث النبوي [ طوبى لمن ذلت نفسه ] ( انظر 3796 الكتاب الثالث ) والنور بلا ظل هو النور الحقيقي فكن طالباً له ، ولا تطلب النور ذا الظل الذي يشبه النور الداخل من فتحات غربال والمعنى الموجود في البيت 3733 ورد في الكتاب الأول ( البيت 136 ) والمقصود أن الحديث المباشر أفضل في هذا المجال حتى يدرك كل إنسان أن المائدة الإلهية من المعارف والمعاني إنما تمد ( للصائمين ) عن موائد الدنيا المبتعدين عنها ، أما المدعون ( الذباب ) فسواء لديهم الألفاظ والمعاني التي تحتوى عليها هذه الألفاظ .

( 3635 - 3646 ) : عودة إلى الخيط الجامع يبين أجزاء هذا الكتاب أي قصة إياز فلا يكاد السلطان يطلب من إياز أن يفسر له سر غرامه بالسترة الجلدية والحذاء الريفي حتى يترك مولانا القصة وينصرف إلى موضوع آخر وكأنه أحس أن القارئ ( أو السامع ) لم يعد جاهلًا بالسر ، لكن السؤال هنا يحمل صيغة الجواب وكأن السلطان يقول : إنني أعرف سر تعلقك هذا ، لكنك لابد سوف تقدم لنا تفسيراً ( جديداً ) لهذا المجال القديم ، فالأحوال متشابهة ومتكررة ، لكن العارف يقدم لها تفسيراً جديداً ، ويحس من جرائها بشعور جديد ، لأنها لابد وأنها نابعة من منبع جديد هو عين أسرار عالم الغيب ، دعك من عالم الحواس الخمسة والجهات الستة ، وإن كنت أعلم أن هذه الأحوال الباطنة لا تتأتى في بيان ، بل لابد أن تنبىء بأمثلة من هذا العالم الظاهر ، إن لطف الحبيب يجعل حتى تلك المرارة التي نحس بها من الفشل ألذ من السكر ، ولو أن ذرة واحدة من هذا السكر الذي وهبه اللطف الإلهى تنزل في هذه الدنيا لحولت كل مراراتها إلى شهد ، وتيار اللطف الإلهى سار في الكون ، وليس مجرد حالة واحدة ، بل آلاف الأحوال ، تأتى من الغيب ثم تعود ، والماء الذي يجرى في جدول ليس فيه سدود ليس ماءً واحداً فكل العالم في لبس من خلق جديدأَ فَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ( ق 15 ) ،

عالم سرور العارف ليس ماءً راكداً بل ماء متجدد ، كل يوم سرور جديد ، وكل يوم فكرة جديدة تحل بالقلب كالضيف ثم تمضى
( الفكرة موجودة في الكتاب الثالث بالنسبة لجذرى القبض والبسط في القلب انظر الأبيات 360 - 363 )

وهكذا فإن قلبك هذا كأنه منزل إبراهيم عليه السّلام ( القلب أيضاً هو كعبة الجسد ) ، تنزل عليه الضيوف فلا بد إذن أن تكون كإبراهيم عليه السّلام مكرماً للضيوف ماداً موائدتك لهم ، وإياك أن تضيق بفكرة نزلت على قلبك بل أكرمها لأنها لن تلبث أن تعود إلى العدم ( أي عالم الغيب ) فهذا العالم أي عالم العدم هو أصل الوجود .

“ 599 “

( 3647 ) : القصة التي تبدأ بهذا البيت لم يجد لها أي من مفسري المثنوى مصدراً قبل مولانا جلال الدين ولعله ألبس أفكاره بعض الشخصيات فالمرأة هي النفس والرجل هو العقل الطالب للكمال أو القلب الباحث عن الله والضيف هو الواردات الغيبية التي ينبغي بفرح المضيف لها لا أن يبدي ضيقه .


( 3666 - 3670 ) : إن الضيف أو الوارد الغيبي ، أو كما يتضح فيما بعد الرجل الذي كان ولياً من أولياء الخضر عليه السّلام ، ( الأولياء المسافرون الجوابون في البلاد دوماً ) يدعو على نفسه التي سمحت له بالاستراحة من السفر وأخرت العودة إلى أصله ومنبعه ، فهذه الاستراحة قاطعة للطريق ، لقد كان وجه الرجل كالشمعة نورانياً ، وكانت الصحراء تمتلئ من نوره ( انظر حكاية أبى عبد الله المغربي في الكتاب الرابع وشرح الأبيات 3599 - 3615 من الكتاب الذي بين أيدينا وحكاية الدقوقى من الكتاب الثالث ) ، لقد كانت الفكرة التي وقرت من قبل الرجل المضيف أن الضيف كان ولياً كبيراً وأنه كان سيمنحهما الحياة الخالدة ( الفناء في الله ) .

( 3676 - 3695 ) : يعود مولانا جلال الدين إلى الحديث عن ضيوف " الفكر " والمقصود الواردات القلبية والأحوال التي تترى على الإنسان والتشبيهات والتغيرات هنا تذكر بالأبيات 1314 - 1325 ، وغالباً ينظر مولانا إلى الإنسان على أنه " مجرد فكر " وما بقي عظام وعروق :
يا أخي إنك لست سوى فكرك وما بقي منك هو مجرد عظام وعروق .

فإن كان فكرك ورداً فأنت بستان ورد وإن كان فكرك شوكاً فأنت وقود لموقد الحي ( الكتاب الثاني البيتان 278 - 279 ) وفي الأبيات التالية يتحدث مولانا عن القبض والبسط ( الحزن والسرور ) أو الأفكار التي تسبب الحزن والأفكار التي تسبب السرور وفي كتاب سابق شبهها مولانا بالكسب الذي يعقبه الإنفاق أو الدخل الذي يعقبه الإنفاق وسكر السرور الذي هو ثمرة بستان الحزن والبسط الذي هو سعة وإنفاق والقبض الذي منه يكون الدخل
( انظر الكتاب الثالث الأبيات 3733 - 3769 وشروحها ) كما وردت فكرة عبوس السحاب والبرق وفضل ذلك على البستان في الأبيات المذكورة من

“ 600 “ 

الكتاب الثالث وانظر إلى مولانا يتبع تيار الأفكار عند المرء وكيف تتراوح هذه الأفكار بين الحزن والسرور لكن لله تعالى لطفاً مخفياً في ثياب القهر وقهراً مخفياً في ثياب اللطف ويتحد القهر واللطف في التأثير ( انظر الأبيات 545 - 548 من الكتاب الرابع والكتاب الخامس 1507 و 1510 ) المهم أن تكون متيقناً من هذا صبوراً على البلاء متقبلًا لكل ما يأمر به الله تعالى ، فرحاً بقهره انتظاراً لما يعقبه من لطف ، إن هذا الفكر سوف يعود إلى الله تعالى فيخبره عن سلوكك معه ، عن أسلوب تعاملك مع هذا الضيف النازل بك ، وادع الله إن حل بك البلاء واعتبر بأيوب عليه السلام ، لقد حل به البلاء لسبع سنوات فلم يعبس في وجه هذا البلاء ولذا قال الله تعالى عنهإِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ( ص / 44 ) وكان جزاؤه المغتسل البارد والشراب وأهله ومثلهم معهم ، رب أعذنى من شرها وأنلنى من برها ، وإن حل بك اللطف فقل : رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ ( النمل 19 ) .


( 3696 - 3707 ) : هذه الفكرة العابسة الحزينة على مثال السحاب الممطر منه يكون للأرض البوار الحياة ، وكم خلق الحزن والحرمان من أعمال عظيمة في حين يكون من الترفه والفرح المستمر موت القلب وموت الروح بل ترهل الجسد ، فلا تعبس في وجه الفكرة العابسة ، ابتسم في وجهها ، فلعل فيها جوهراً مهدى إليك وأنت لا تدرى ، حتى وإن لم تستفد ، فمتى كانت الفائدة هي الهدف ، إنك بهذا الرضا تزيد عاداتك الطيبة عادة جديدة ، قد تنفعك هذه العادة فيما بعد وقد تقضى بها حاجاتك ، وفكر إن الفكرة التي تمنعك من السرور هي بأمر الله تعالى وحكمته ، فانظر فيها إلى حكمة الله من جميع جوانبها ، ولا تنظر إليها هوناً إن كنت حقاً من رجال الطريق وفتى من فتيانه ، فلعل فيها حسن طالعك وإقبالك وعطاء الحق لك ، ربما كانت هي الأصل في انطلاقك ووصولك إلى ما تطمح إليه ، في حين أنه من الممكن أن تعتبرها أنت فرعاً من الفروع ورد عليك وصار عقبة في طريقك ، فإن اعتبرتها فرعاً ، ظللت في انتظار أصلها ، والانتظار مر يا بنى ، ومن الانتظار يعانق الموت ليل نهار ، فعانق هذه الفكرة ، بدلًا من معاناة الانتظار فالانتظار أشد من الموت الأحمر ( انظر 2134 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .

( 3708 - 3715 ) : عودة إلى قصة إياز وكان آخر ذكرها في البيت 3637 . والحديث من السلطان عن رجولة إياز تلك الرجولة التي يثبتها عند موقفين عند الغضب وعند الشهوة ( انظر

“ 601 “

الكتاب الذي بين أيدينا الأبيات 2892 وما بعده وشروحها ) فهذه هي الرجولة الحقيقية ومتى كانت الرجولة بالذكر ، إذا كان الأمر هكذا ، فالحمار أكثر رجولة من الرجال ، وإذا كنت تريد وصف الرجال فارجع إلى القرآن الكريم وأقرأ في سورة التوبةفِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ( آية 108 ) واقرأ في سورة النور : رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ( آية 37 ) واقرأ في سورة الأحزابمِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ( آية 32 ) ، لكن الأجساد الضخمة موجودة في سوق القصابين ومن جعل همه بطنه وما يملأ به هذا البطن فليس عقلًا ، بل هو أقل من الذيل وأقل من الإلية .

( 3716 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت لم يجد مفسروا المثنوى أثراً لها قبل مولانا ، ويبدو أنها من الفكاهات الشعبية التي تتناقلها الألسنة لكن الحكاية هنا تبدو في غير موضعها ، فأمر الرجل لابنته أن تسيطر على نفسها وهي في قمة شهوتها أمر مثير للسخرية ، لأن هذا الأمر لا يتأتى من الرجال المسلطين على شهوتهم فكيف يتأتى من امرأة ؟ ولا يزال كثرة القصص ذات الإطار الجنسي ( ولا أقول المدلول الجنسي فلم يقدم مولانا حكاية واحدة ذات مدلول جنسي ) في هذا الجزء يثير التساؤل ، هل كان مولانا قد ضاق من الأمثلة التراثية في أن تفعل فعلها ، فنزل إلى مستوى أقل المريدين لكي يضمن لأفكاره أن تصل ؟ الله أعلم .

( 3737 ) : طبقاً لقاعدة التداعى يقدم مولانا مثالًا آخر لذلك الذي يبدو " رجلًا " بل و " صوفيا " لكن نفسه مسلطة عليه فهو يذهب إلى ميدان القتال ، لكنه ليس رجل قتال ، إنه " صوفي " من إياهم من أولئك الصوفية المدعين الذين يظنون التصوف اكلًا وصوفاً ولواطاً ، ويتحدث عن انخداع العوام بأمثال أولئك الصوفية المزيفين فيتوهم أنه شيخ وأنه مرشد وأنه قطب ، ويصدق هذا الوهم مثل المعلم إياه الذي أوقع صبيان المكتب في روعه أنه مريض ( انظر الحكاية بالتفصيل في الكتاب الثالث ابتداءً من البيت 1523 ) ، لقد ظن أنه من عظماء المجاهدين في الجهاد الأكبر ( جهاد النفس ) فمن ثم ماذا يبدو الجهاد الأصغر ( الغزو ) إلى جواره جولات جهاده الصوفي ؟ لقد عارك الصوفي في غير معترك ، وهجم على صورة الأسد الذي توهمه ( على طواحين الهواء ) ، فقالت له التجربة ، تعال ، والامتحان والتجربة في طريق كل مدع تنتظره لتفضح ادعاءه ( انظر عن الامتحان 740 - 747 من الكتاب الثالث وشروحها ) .

( 3744 ) : الحكاية من هذا البيت غير مقنعة ، وفيها بعض " تساهلات " مولانا ، وهي على كل


“ 602 “

حال قليلة في المثنوى . فمتى كان الأسرى يقتلون في الإسلام ؟ ومتى كان قتل الأسرى يعتبر غزواً ؟ كان المقصود فضح الصوفي المدعى للشجاعة ، لكن ليس على حساب قيم الإسلام في الجهاد .

( 3756 - 3758 ) : ما أشبهك وأنت مستكين لهذه النفس الأسيرة بهذا الصوفي الذي لم يستطع أن يقتل أسيره بل وانتصر عليه واعتلاه ذلك الأسير المغلول ، وإذا كنت هكذا أمام امتحان النفس وهو امتحان يسير بالنسبة لما سوف تصادفه من امتحانات في حياتك فماذا أنت صانع فيها ؟ .

( 3780 ) : يقول استعلامى ( 5 / 389 ) أن المقصود بالحكاية هنا هو العباضى لا العياضي ، وهو في معظم نسخ المثنوى العياضي بالياء وقال ولى محمد أكبر آبادي في شرحه أنه أبو بكر محمد بن أحمد العياضي من فقهاء سمرقند لكنه العياضي دون تشديد الياء ووزن الشعر يستدعى تشديدها ( الشارح : ليست مشكلة فالشاعر الفارسي يتصرف في التشديد عند الوزن ) ،

ويضيف استعلامى : إنه من الصعب تحديد من هو المقصود ، والعياضي الوحيد المذكور قبل مولانا موجود في الباب الثاني من كتاب أسرار التوحيد باسم أبى الفتوح العياضي كشاهد لإحدى كرامات أبي سعيد دون أن يقول لنا من هو أبو الفتوح هذا ، ويواصل استعلامى إنه قرأ ما يشبه هذه الرواية في تذكرة الأولياء عن الشيخ أحمد بن خضروية ( البلخي ) من أنه ظل فترة يضيق على " نفسه "

التي بين جنبيه وذات يوم كان جماعة ذاهبين إلى الغزو ، وألحت على النفس أن اذهب معهم كنت أعلم أن النفس لا تهدى إلى طريق الحق وأن في إلحاحها هذا مكراً ، فكبحت جماحها وضيقت عليها الخناق فاعترفت في النهاية قائلة كنت أريد أن تقتل وتغتر بشهرة الشهاد وبأنك صرت محبوباً للخلق ، وأنجو أنا أيضاً من هذا التعب وهذه الرياضة " الصوفية " لكنه ما لم يذكره استعلامى ، وما لم يذكره فروزانفر وتجاهله تماماً أن الأبيات الأولى تذكر بقوله خالد بن الوليد رضي الله عنه الشهيرة " لقد شهدت ألف غزوة أو زهاءها فما بقي في جسدي ضربة سيف أو طعنة رمح ، وهكذا أموت على فراشي كما يموت العير فلا نامت أعين الجبناء " ،

هذا التجاهل شبيه بتجاهل الشراح الفرس لرواية عمر بن الخطاب وسارية رضي الله عنهما الواردة في الكتاب الثالث
( انظر مناقشات الرواية تعليقات الأبيات : 508 - 516 من الترجمة العربية للكتاب الثالث )
ومن الممكن بل المرجح أن اسم العياضي من لدن مولانا أو اسم للصوفى لم يعرف بعد ، وأن مولانا وفق بين ما ورد عن 

“ 603 “

خالد رضي الله عنه حين موته وبين الرواية المروية عند أحمد بن خضروية في تذكرة الأولياء ونسج منها حكاية .
.
* * *
* * *
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: