الجمعة، 28 أغسطس 2020

05 - إنذار سليمان عليه السلام لبلقيس طالبا منها ألا تصر على الشرك .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

05 - إنذار سليمان عليه السلام لبلقيس طالبا منها ألا تصر على الشرك .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

إنذار سليمان عليه السلام لبلقيس طالبا منها ألا تصر على الشرك .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

إنذار سليمان عليه السلام لبلقيس طالبا منها ألا تصر على الشرك ،
وألا تتأخر ( في اللحاق به ) .
- هيا يا بلقيس وإلا ساء الأمر ، يصبح جندك خصما لك ويتمرد عليك .
- ويهتك حاجبك بابك ، وتكون روحك خصيمة لك بكل قواها .
- وكل ذرات الأرض والسماء ، تكون جندا للحق عندما ( يحين ) الامتحان .
- لقد رأيت ماذا فعلت الريح بقوم عاد . ورأيت ماذا عمل الماء في الطوفان .
 
785 - وما صنعه ذلك البحر المنتقم لفرعون ، وما أبدته تلك الأرض لقارون .
- وما فعل طير الأبابيل بالفيل ، وكيف أن بعوضة افترست رأس النمرود .
- وأن داود ألقى بيده حجرا ، فتحول إلى ستمائة قطعة وهزم جيشا .
- وكيف أمطر قوم لوط بالحجارة ، حتى غاصوا في المياه السوداء .
- وإن تحدثت عن جمادات العالم ، وعن العون الذي قدمته للأنبياء .
 
790 - لزاد هذا المثنوى بحيث ينوء أربعون بعير تحت ثقله الشديد .
- إن اليد تشهد على الكافر ، وتصبح من جند الحق ، فيطأطئ ( الكافر ) رأسه .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : مائتين .
 
« 108 »
 
- ويا من أبديت في فعلك درسا معاديا للحق ، أنت بين عسكره ، فخف .
- إن أجزاء جسدك جزءا جزءا جند له في وفاق ، إنهم مطيعون لك الآن من النفاق .
- وأن أمر العين قائلا : عذبيه ، لدمرك تماما ألم العين .
 
795 - ولو أمر الأسنان قائلا : صبي عليه الوبال ، لرأيت العقاب الشديد من الأسنان .
- فافتح كتاب الطب واقرأ باب العلل ، حتى ترى جند العقل في عمل .
- وإذا كان هو روح الروح لكل شئ ، فمتى تكون العداوة سهلة مع روح الروح .
- واحسبى جند الشياطين والجن على حدة ، وهم بجماع قلوبهم يشقون الصفوف من أجلى .
- فاتركى الملك يا بلقيس من البداية ، وعندما تلحقين بي فالملك كله لك .
 
800 - وسوف تعلمين أنت نفسك عندما تأتين إلىَّ ، إنك بدونى كنت صورة في حمام .
- والصورة سواء كانت صورة سلطان أو غنى ، فهي مجرد صورة لا طعم لها في حد ذاتها من الروح .
- وزينتها وزخرفها من أجل الآخرين ، لقد فتحت بلا جدوى العين والفم .
- ويا من قامرت بنفسك في النزال ، إنك لم تميز بين الآخرين وبين نفسك .
- أنك تقف إمام كل صورة تصل إليها قائلا : هذه أنا ، والله إنها ليست أنت .
 
« 109 » 
 
805 - وإنك إن بقيت لحظة واحدة بعيد عن الخلق ، تبقى في حزن وقلق حتى الحلق .
- وهذا هو أنت ، فمتى تكون . . ذلك الأوحد ، وأنت جميل بنفسك ثمل بنفسك حلو بنفسك .
- أنت طائر نفسك وفخ نفسك وصدر نفسك ، وأرض نفسك وسماء نفسك .
- والجوهر فحسب هو الذي يكون قائما بنفسه ، ويكون عرضا ذلك الذي يكون فرعا له .
- فإذا كنت ابن آدم فاجلس مثله ، وأنظر في نفسك إلى كل الذرية .
 
810 - وماذا يكون في الدن غير موجود في النهر ؟ ! وماذا يكون في الدار غير موجود في المدينة .
- وهذه الدنيا دن والقلب مثل جدول الماء ، وهذه الدنيا مجرد حجرة والقلب مدينة ( العجب ) العجاب .
 
إبداء سليمان عليه السلام ( ما في نفسه ) قائلا : إن جهدي في إيمانك خالص لأمر الله 
وليس عندي ذرة من غرص لا في نفسك ولا في حسنك ولا في ملكك . .
وسوف ترين أنت نفسك عندما تنفتح منك عين الروح بنور الله
 
- هيا تعالى فأنا رسول داعية ، لست رجل شهوة ، فأنا كالأجل أقتل الشهوة .
- وإن كان ثم شهوة فأنا أمير عليها ، ولست أسيرا لها من أجل وجه حسناء .
- كان أصلنا الأكبر محطماً للأصنام ، وأنا مثل خليل الحق وكل الأنبياء .
 
815 - وإذا دخلنا أيها العبد إلى معبد الأصنام ، فإن الصنم هو الذي يسجد لنا عابدا ولا نسجد نحن له .
  
« 110 »
  
- لقد دخل أحمد عليه السلام وأبو جهل بيت الأوثان ، وهناك فرق شاسع بين هذا الذهاب وذاك الذهاب .
- فذاك يدخل فتسجد له الأصنام ، وهذا يدخل فيسجد هو كبقية الأميين .
- وعالم الشهرة هذا معبد للأصنام ؟ وهي عش للكافرين ، والأنبياء أيضا .
- لكن الشهوة تكون أمة للأطهار ، فالذهب لا يحترق لأنه نقد للمنجم .
 
820 - والكفار مزيفون والأطهار كالذهب ، وكلاهما له البوتقة هذان الفريقان .
- وعندما دخلها الزيف اسود في لحظة واحدة ، لكن الذهب عندما دخلها ظهرت طبيعته عيانا .
- لقد ألقى الذهب بيده وقدمه في البوتقة سعيدا ، تضحك منه العروق في وجه النار .
- لقد صارت أجسادنا ستارا علينا في الدنيا ، ونحن كالبحر تحت هذا التبن في الخفاء .
- فلا تنظر أيها الجاهل إلى ملك الدين ( بعين ) الطين ، فهكذا نظر إبليس اللعين .
 
825 - فمن الذي يمكن له أن يدهن هذه الشمس بكف من الطين قل لي آخر الأمر .
- وأنت إن نثرت التراب ومائة ( نوع ) من غباره في وجه النور فإنه يرتفع عنه .
- وماذا يكون القش حتى يخفى وجه الماء ؟ ! وماذا يكون الطين حتى يغطى وجه الشمس ؟ « 1 » .
..............................................................
( 1 ) بعد البيت عنوان في نسخة جعفري ( 10 / 28 ) باقي قصة إبراهيم بن أدهم قدس الله سره .
  
« 111 »
  
- إنهضى يا بلقيس مثل أدهم بملوكية ، واحرقى هذا الملك الذي يدوم يومين أو ثلاثة أيام .
 
بقية قصة إبراهيم بن أدهم قدس الله سره
« 1 »
- سمع ذلك الطيب الاسم وهو في فراشه ، ضجة وصخبا وصيحات في الليل قادمة من فوق السطح .
 
830 - كانت هناك خطوات مسرعة على سطح القصر ، قال لنفسه أترى من تكون له مثل هذه الجرأة ؟ !
- فصاح من فتحة ( سقف ) القصر قائلا : من هناك ؟ ، لا يمكن أن يكون هذا إنسان فلعله من الجان ؟ !
- فأطل قوم برؤوسهم . . ويا للعجب ، قائلين : إننا نطوف ليلا نطلب ( ضائعا ) .
- فقال لهم : ويحكم . . عما تبحثون ؟ ! قالوا : إبل ، قال : من الذي يبحث عن الإبل فوق السطح . . انتبهوا ! !
- فقالوا له : كيف تطلب أنت لقاء الله . . وأنت ( متربع ) على عرش الجاه ؟ !
 
835 - كان هذا هو كل ما حدث ، ولم يره أحد بعدها ، اختفى كما يختفى الجنى عن عيون الناس .
- إن معناه خفى مستور وهو أمام الناس ، ومتى يرى الخلق إلا اللحية والخرقة ؟ !
..............................................................
( 1 ) يوجد بيت زائد في نسخة جعفري ( 10 / 28 ) :
تحدث عن أحوال إبراهيم سريعا * وقل لأي سبب هجر ملكه
 
« 112 »
  
- وعندما اختفى عن عيون أهله وعيون الخلق ، صار مشهورا في الدنيا كأنه العنقاء .
- وإن روح كل طائر جاء صوب جبل قاف ، كل الدنيا تثرثر عنه ادعاءاً أو تزيدا .
- وعندما وصل إلى سبأ هذا النور المشرقي ، وقعت الضجة في ( وجود ) بلقيس وفي كل الخلق .
 
840 - وقد رفرفت الأرواح الميتة بأجنحتها ، وأطل موتى الجسد برؤوسهم من القبور .
- وظل كل منهم ينقل البشرى للآخر قائلا له : إن ثمة نداءً ينزل من السماء الآن .
- ومن هذا النداء سوف تصير أديان ( الناس ) في رفعة وسمو ، وسوف تخضر أغصان القلوب وأوراقها .
- إن هذا النفس من سليمان كأنه نفخ الصورة ، لقد خلص الموتى من القبور .
- ولتكن لك السعادة من بعد هذا ، لقد مضى ( دوره ) والله أعلم باليقين .
 
بقية قصة أهل سبأ ونصيحة سليمان عليه السلام لقوم بلقيس وإرشاده لكل واحد بما يناسبه من مشكلات دينه وقلبه ، وحين تحدث أي كل نوع
من طيور الضمير بصفير ذلك النوع من الطيور
 
845 - إنني أروى عن سبأ كالمشتاق ، عندما هبت رياح الصبا على مزرعة الشقائق ،
  
« 113 »
  
« لاقت الأشباح يوم وصلها * عادت الأولاد صوب أصلها
أمه العشق الخفي في الأمم * مثل جود حوله لؤم السقم
ذلة الأرواح من أشباحها * عزة الأشباح من أرواحها
أيها العشاق السقيا لكم * أنتم الباقون والبقيا لكم
 
850 -أيها السالون قوموا واعشقوا * ذاك ريح يوسف فاستنشقوا »« 1 »
- وتعال يا منطق الطير السليماني ، وتغن بتغريد كل طائر يحضر ! !
- إذ أن الحق عندما بعثك إلى الطيور ، وهبك مسبقا « فهم » تغريد كل طائر . .
- فتحدث مع الطائر الجبري بلغة الجبر ، وتحدث إلى الطائر كسير الجناح عن الصبر ! !
- وهنئ الطائر الصابر على العافية ، وأتل على طائر العنقاء أرصاف جبل قاف .
 
855 - وقل للحمامة أن تأخذ حذرها من البازي . . وحدث البازي عن الحلم والتقى ! !
- وذلك الخفاش الذي بقي محروما ، إجعله دوما قرينا للنور مؤتلفا معه ! !
- وعلم الحجل المقاتل السلام ، وأشرح للديكة أشراط الصبح ( الصادق ) .
- وهكذا فامض من الهدهد حتى العقاب ، أرشدهم إلى الطريق والله أعلم بالصواب .
 
تحرر بلقيس من الملك وسكرها من شوق الإيمان والتفات همتها
عن الملك عند هجرتها . . إلا عن العرش
..............................................................
( 1 ) ما بين القوسين بالعربية في الأصل .
 
« 114 »
  
- عندما صفر سليمان مرة واحدة تجاه طيور سبأ قيدها وأسرها بأجمعها .
 
860 - اللهم إلا طائراً بلا رورح أو جناح ، أو كان كالسمكة أصم من الأصل .
- لا . . لقد أخطات ، فإن الأصم لو استسلم أمام وحى الكبرياء لرد إليه سمعه .
- وعندما صح من بلقيس العزم بالقلب والروح ، تأسفت على ما مضى من الزمان . .
- لقد تركت المال والملك كما يترك هؤلاء العاشقون الفخر والعار .
- لقد صار أولئك الغلمان والجواري المنعمات أمام عينيها كالبصل المهترئ .
 
865 - ومن العشق. . كانت البساتين والقصور والمياه الجارية تبدو أمام عينيها كالمستوقد.
- والعشق عند الاستيلاء والتسلط ، يجعل الأشياء اللطيفة قبيحة أمام العين .
- إنه يبدي الزمرد كأنه الكراث . . وهذه هي غيرة العشق ومعنى ( لا ) .
- هذه هي ( لا إله إلا هو ) أيها الملاذ ، هي التي تبدى لك القمر كأنه قدر أسود .
- لم تكن تأسف على مال قط ولا على كنوز ولا على ثياب، لم تكن تأسف إلا على العرش.
 
870 - فعلم سليمان خبر قلبها فقد كان هناك طريق بين قلبه وقلبها !!
- وهذا الذي يسمع أصوات النمل ، لابد وأن يسمع صرخات قلوب البعيدين !!
 
« 115 »
  
- وذلك الذي يتحدث بسر ( قالت نملة ) ، لا بد وأن يعلم سر هذا الطاق القديم ( الدنيا ) .
- رأى من على البعد أن تلك التي ديدنها التسليم ، صعب عليها فراق عرشها ذاك .
- ولو أنني ذكرت السبب . . لطال الأمر . . أقصد السبب في عشقها للعرش وألفتها به !!
 
875 - وبالرغم من أن هذا القلم نفسه بلا حس ، وليس من جنس الكاتب إلا أنه مؤنس له!!
- وكذلك كل آلة لحرفى . . بلا روح . . لكنها مؤنسة لروح المرء . . .
- ولو لم تكن عين فهمك قد أصيبت بالرطوبة ، لشرحت لك السبب في هذا الأمر .
- فسر عظمة العرش التي كانت تزيد عن الحد ، أنه لم يكن في الإمكان نقل هذا العرش . .
- كان عملا دقيقا . . . وجله أمر خطير ، وكأنه أوصال البدن ( يتصل ) بعضها ببعضها الاخر .
 
880 - قال سليمان : بالرغم من أن ( عشق ) العرش والسرير ( الملكي ) سوف يبرد عندها في النهاية ،
- وعندما تطل الروح إطلالة واحدة من الوحدة، لا يبقى مع هذا المجد مجد للجسد على الإطلاق .
- وعندما يستخرج الجوهر من قاع البحار ، تنظر إلى الزبد والغثاء بكل احتقار .
- وعندما تطل الشمس ذات الشرر ، من الذي يجعل ذنب العقرب مستقرا له ؟!
  
« 116 »
  
- لكن مهما يكن من أمر ، ينبغي في التو واللحظة ، البحث عن وسيلة لنقل عرشها .
 
885 - وحتى لا تكون في ضيق عند اللقاء ، ينبغي قضاء حاجتها الطفولية هذه !!
- إنه بالنسبة لنا أمر سهل لكنه شديد الصعوبة بالنسبة لها ، مثلما يكون الشيطان ( موجودا ) على موائد الحور .
- إن عرش النعيم هذا يكون عبرة لروحها ، مثلما كان دلق إياز بالنسبة له وحذاؤه الريفي .
- وحتى تعلم تلك المبتلاه في أي شئ كانت . . وإلى أين وصلت مما كانت فيه !!
- وإن الله سبحانه وتعالى يحفظ التراب والنطفة والمضغة أمام أعيننا .
 
890 - وذلك لكي يقول لنا . . من أين أتيت بك يا سئ النية ، مما تبدى له كل ذلك الاشمئزاز .
- لقد كنت في فترة هذا عاشقا له . . وكنت منكرا لما أنت فيه الآن من فضل، وذلك الزمان.
- وهذا الكرم كأنه دفع لذلك الإنكار منك ، الذي كنت تبديه من البداية وأنت في المرحلة الترابية . .
- لقد صار خلقك حجة على إنكارك ، وصار مرضك هذا أكثر سوءا بعد تناولك الدواء 
- فمن أين يكون للتراب تصور هذا الأمر ، ومن أين للنطفة الخصومة والإنكار .
 
895 - وكنت في تلك اللحظة بلا قلب ولا سر ، فكيف كنت منكرا للفكر والإنكار ؟!
  
« 117 »
  
- وعندما نجا إنكارك من مرحلة الجمادية. . من نفس هذا الإنكار صار حشرك صحيحا !!
- وأنت على مثال قارع الباب ، ويقول له السيد من الداخل إن السيد ليس موجوداً ! !
- والقارع على الباب يدرك من نفس هذا الإنكار أنه موجود ، فلا يرفع يديه عن الحلقة على الإطلاق ! !
- ومن ثم فإن إنكارك في حد ذاته يبين ، إنه يقوم من الجماد بمائة من الحشر .
 
900 - لقد تمت كثير من الصنائع أيها المنكر حتى أنكر الماء والطين مفهوم «هَلْ أَتى» . .
- كان الماء والطين يقول : ليس في الأمر في حد ذاته إنكار لكن الغافل كان يصيح : لا اقرار . .
- وأنا أفسر هذا الأمر بمانة طريق ، إلا أن الخاطر يحيد عن القول الدقيق . « 1 »
 
توسل سليمان عليه السلام في إحضار
عرش بلقيس من سبأ
 
- قال عفريت أنا آتيك بعرشها . . بفنى . . قبل أن تقوم من مقامك هذا .
- قال آصف : وأنا باسمه الأعظم آتيك قبل أن يرتد إليك طرفك .
 
905 - وبالرغم من أن العفريت كان أستاذا في السحر . . لكن الأمر تم من نفس آصف ! !
..............................................................
( 1 ) ج / 10 - 42 :
فلأكف عن شرحه أيها العظيم ، من أجل « الحديث عن » نقل عرش بلقيس من سبأ .
 
« 118 »
  
- لقد حضر عرش بلقيس في تلك اللحظة . . لكن من آصف وليس من فن المنسوبين إلى الجان !!
- قال سليمان : حمدا لله على هذا . . وعلى مائة منه أمثال هذا أتانيها رب العالمين .
- ثم نظر سليمان إلى العرش . . وقال : نعم . . إنك صيادة الحمقى أيتها الشجرة .
- وأمام الخشب وأمام الحجر المزخرف بالحفر . . ما أكثر الحمقى المخدوعين الذين يطأطئون الرؤوس . .
 
910 - والساجد والمسجود له كلاهما لا خبر عن الروح، وإن كان قد رأى من الروح حركة وأثرا قليلين .
- لرأى أنه عندما صار ذاهلا مبهوتا . . أن الحجر تكلم وأشار !!
- وعندما لعب نرد الخدمة في غير موضعه ، اعتبر الشقي الأسد الحجري أسدا ( حيا ) . .
- ومن كرمه أبدى الأسد الحقيقي الجود ، وألقى بالعظام سريعا أمام الكلب .
- وقال : بالرغم من أن هذا الكلب ليس على قوام الأمر إلا أن العظام عندنا لطف عام .
 
قصة استعانة حليمة بالأصنام عندما فقدت المصطفى صلى الله عليه وسلم
عقب فطامه ، وارتعاد الأصنام وسجودها ، وشهادتها بعظمة أمر
المصطفى صلى الله عليه وسلم
  
« 119 »
  
915 - إنني سوف أروى لك قصة سر حليمة ، حتى تمحو هذه القصة الحزن عنك .
- عندما فطمت المصطفى عن الرضاع ، حملته على كفها كالريحان والورد .
- كانت تجعله بعيدا عن كل خير وكل شر ، حتى تسلم ذلك المليك إلى جده . .
- وعندما كانت تأتى بالأمانة ( إلى ذويها ) اتجهت من خوفها إلى الكعبة ودخلت الحطيم .
- فسمعت هاتفا ينادى من الهواء قائلا . . أيها الحطيم ، لقد أشرقت عليك شمس شديدة العظمة .
 
920 - يا حطيم . . اليوم توهب سريعا مئات الآلاف من الأنوار من شمس الجود .
- يا حطيم ، اليوم ينزل فيك ، ملك ذو هيبة رسوله الإقبال . .
- يا حطيم أنك اليوم تصير بلا ريب ومن جديد منزلا للأرواح السامية .
- وسوف تأتيك أرواح الأطهار جماعة بعد جماعة وفوجا بعد فوج من كل فج ثملة بالشوق .
- فتحيرت حليمة من هذا الصوت ، فلم يكن هناك أحد من قدامها أو من ورائها .
 
925 - كانت الجهات الست خالية من الصورة ، لكن ذلك النداء صار متواليا . .
لتكن الروح فداء له ! !
- فوضعت المصطفى على الأرض ، حتى تبحث عن ذلك الصوت الحسن .
- وأخذت تلقى بنظراتها من ناحية إلى أخرى ، متسائلة : أين ذلك المليك المتحدث بالأسرار ؟!
  
« 120 »
  
- إن هذا الصوت العالي يصل ( إلى ) من يمين ويسار ، فأين الذي يبلغه إياي يا الله . .
- وعندما لم تبصر شيئاً . . تحيرت . . وأصابها القنوط وارتعد جسدها كأغصان الصفصاف .
 
930 - ثم عادت نحو ذلك الطفل الرشيد . . لكنها لم تر المصطفى في مكانه !!
- فداخلت قلبها حيرة فوق حيرة ، وأظلم عليها منزلها ظلمة شديدة من الحزن .
- فأسرعت نحو بقية المنازل ونادت . . صائحة ملتاعة؟ من سلب منى حبة الفؤاد العزيز ؟!
- فقال لها أهل مكة : لا علم لنا ، ولم نعلم أن هناك طفلا .
- فذرفت الدمع الثخين . . وازداد صراخها . بحيث بكى الآخرون لبكائها .
 
935 - أخذت تبكى بشدة وتدق صدرها ، بحيث بكت الكواكب لبكائها .
 
حكاية ذلك الشيخ العربي الدى دل حليمة على الاستعانة بالأصنام
 
- فتقدم منها شيخ متوكئا على عصاه . . وسألها : ما الذي جرى لك آخرا يا حليمة ؟
- بحيث أشعلت نارا كهذى في القلب ، وأحرقت هذى الأكباد غما وألما .
- قالت : لقد أحضرت رضيعي المعتمد أحمد حتى أسلمه لجده .
- وعندما وصلت إلى الحطيم أخذت أصوات تبلغ مسمعى . .كنت أسمعها قادمة من الهواء.
 
940 - وعندما سمعت هذه الألحان من الهواء ، وضعت الطفل هناك . . بسبب هذه الأصوات ! !
 
« 121 »
  
- حتى أرى صوت من يكون هذا النداء ، إنه نداء لطيف جدا وشهى جدا .
- فلم أكن أرى ما يدل على وجود أحد حولى ، ولم يكن النداء ينقطع لحظة واحدة . .
- وعندما عدت من حيرة القلب ، لم أر الطفل في مكانه فويلاه لقلبى .
- قال لها : لا تغتمى يا ابنتي ، فإنني سوف أدلك على أحد الملوك .
 
945 - يحدثك إن أراد عن حال الطفل ، فهو يعلم مزل الطفل وترحاله .
- فقالت حليمة : جعلت فدالك أيها الشيخ الطيب حسن النداء .
- دلني على ذلك المليك العظيم الذي يكون عنده خبر عن حال طفلى .
- فاصطحبها إلى ( العزى ) قائلا لها : إن هذا الصنم مغتنم فيما يختص بأخبار الغيب .
- لقد وجدنا آلاف المفقودين عن طريقه . . عندما أسرعنا إليه طائعين .
 
950 - فسجد له الشيخ وقال متلهفا : يا إله العرب ويا بحر الجود .
- ثم قال : أيتها العزى لقد قمت بكثير من الإكرام حتى نجونا من الشباك .
- وحق على العرب تبجيلك ، وفرض على العرب أن يخضعوا لك .
- هذه حليمة السعدية ، جاءت إليك راجيه ، واستظلت بظلال صفصافك .
- لقد ضاع منها طفل ، واسم ذلك الطفل محمد .
 
955 - وعندما نطق باسم محمد ، انقلبت تلك الأصنام وسجدت في التو واللحظة ،
- قائلة امض أيها الشيخ ، ما هذا السعي والبحث عن محمد هذا الذي يكون عزلنا على يديه ،
 
« 122 »
  
- منه سوف ننقلب وسوف نقذف بالأحجار ، ومنه تكسد سوقنا ونبقى بلا اعتبار .
- وتلك الخيالات التي كان أهل الهوى يرونها منا بين الآن والآخر .
- تضيع منا عندما يهل ( زمان ) بلاطه ، لقد حضر الماء فأبطل التيمم .
 
960 - ابتعد أيها الشيخ وكفاك إشعالا للفتنة ، وهيا لا تحرقنا حسدا من أحمد ! !
- وابتعد بالله أنت أيضا أيها الشيخ ، حتى لا تحترق أنت أيضا بهذه النار المقدرة .
- أي تحريك هذا لذيل الأفعى ، ألا تعلم أي إخبار هذا ؟ !
- فمن هذا الخبر يغلى قلب البحر والمنجم ، ومن هذا الخبر ترتعد السماوات السبع .
- وعندما سمع الشيخ هذا الكلام من الأصنام ، ألقى ذلك الشيخ المهدم عصاه .
 
965 - ومن الرعدة والخوف والرعب من هذا النداء ، أخذت أسنان الشيخ تصطك
- مثلما يكون الإنسان عاريا في الشتاء ، أخذ يرتعد ويدعو ثبورا .
- وعندما رأت الشيخ على هذه الحالة ، أفقدتها دهشتها التدبير .
- وقالت : أيها الشيخ بالرغم من أنني في محنة ، فأنا في دهشة شديدة وفي حيرة من أمرى .
- فحينا تخطب في الريح ، وحينا تحدثني الحجارة وكأنها أديب ( مفوه ) .
 
970 - توجه إلى الحجارة الأحاديث بكلام ، وتفهمنى الحجارة والجبال الأشياء .
- وأحيانا يختطف أهل الغيب طفلى ، أهل الغيب ذوو الأجنحة الخضر من السماء .
- فمن أي شئ أنوح ؟ ولمن أشكو ، لقد صرت مصابة بالجنون مشتتة القلب .
  
« 123 »
  
- لقد عقدت غيرته شفتى عن شرح الغيب ، فيكفي أن أقول : ضاع طفلى
- ولو أنني قلت شيئا آخر الآن ، لقيدنى الخلق بسلسلة الجنون .
 
975 - قال لها الشيخ : فلتسعدى يا حليمة ، اسجدى سجدة شكر ولا تلطمى وجهك .
- لا تحزني فإنه لن يضيع منك ، بل إن العالم ( بأجمعه ) سوف يحار فيه
- وفي كل لحظة ، حسدا للغيرة ، هناك أمامه ووراءه مئات الآلاف من الخفر الحرس .
- ألم ترى كيف أن تلك الأصنام ذات الفنون ، قد انقلبت عندما ذكر اسم طفلك ؟ !
- إن هذا لقرن عجيب على وجه الأرض ، لقد شخت لكني لم أر له مثيلا من قبل .
 
980 - وإذا كانت الحجارة قد أنت من هذه الرسالة ، فما بالك بما سوف يلحق منها بالمذنبين .
- وإن الحجر لبرئ من كونه معبودا (وليس هذا من اختياره)، لكنك لست مجبرا على عبادته .
- إن المضطر قد صار خائفا إلى هذا الحد ، فما بالك بما سوف يتهمون به المجرم ( الذي عبدها ! ) .
 
علم جد المصطفى عبد المطلب عن فقدان حليمة لمحمد عليه السلام
وبحثه عنه حول المدينة وتضرعه علي باب الكعبة ودعائه للحق
وعثوره على محمد عليه السلام
 
- عندما علم جد المصطفى خبر حليمة وصراخها على الملا .
- وعن هذه الأصوات العالية والصرخات ، إذ كان تفجعها يصل إلى بعد ميل .
 
« 124 » 
 
985 - علم عبد المطلب سريعا ما حدث ، فأخذ يدق صدره بيده وبكى .
- ومن الحزن جاء إلى باب الكعبة بحرقة قائلا : يا خبيرا بسر الليل وسر النهار .
- إني لا أرى في نفسي أي حول وميزة ، حتى يكون نجيا لك من هو مثلي
- إنني لا أرى نفسي فضلا ، حتى أصبر مقبولا لهذا الباب المسعود .
- أو إنه لطأطأة رأسي وسجدتي قدرا ، أو أنه بدموعى سوف يضحك لي الإقبال .
 
990 - لكنني قد شاهدت لطفك أيها الكريم ، في سيماء هذا الدر اليتيم .
- إنه لا يشبهنا بالرغم من أنه منا ، إننا كلنا نحاس وأحمد هو كيمياء ( التبديل ) .
- ولكن العجائب التي رأيتها فيه ، لم أرها قط في حبيب أو عدو .
- وما وهبه فضلك إياه في طفولته ، لا يهديه أحد في مائة سنة من الجهاد
- وعندما شاهدت عناياتك على وجه اليقين ، وإنه هو الدرة ( الفريدة ) في بحرك .
 
995 - فإنني أتشفع به إليك ، فأخبرني عن أحواله يا عالما بالأحوال .
- فجاءه صوت من داخل الكعبة سريعا ، هاتفا : إنه الآن سوف يسفر عن وجهه .
- إنه محفوظ منا بمزيد « 1 » من الإقبال ، وهو محفوظ لدينا بمائتى كتيبة من الملائكة .
- ونجعل ظاهره مشهورا في العالم ، لكننا نحفظ باطنه ونجعله ( مستورا ) عن جميع ( الناس ) .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : بمائتي .
 
« 125 »
  
- لقد كان ذهب المنجم مجرد ماء وطين ، ونحن الصاغة أحيانا نجعل منه خلخالا وأحيانا نجعل منه خاتما .
 
1000 - أحيانا نجعل منه حمائل سيف ، وأحيانا نجعل منه طوقا لأسد .
- أحيانا نجعل منه أترجة للعرش ، وأحيانا نجعل منه تاجا على مفرق باحث عن الملك ( الأزلي ) .
- إننا نشعر بألوان من الحب نحو هذا التراب ، لقد خلق في حال من أحوال الرضا « 1 » .
- أحيانا يخلق منه مثل هذا الملك ، وأحيانا نجعل منه والها أمام الملك العظيم .
- وهناك مئات الآلاف من العشاق والمعشوقين ، هم منه في صراخ ونفير وفي سعى وبحث .
 
1005 - إن هذا هو عملنا . . برغم ذلك الذي لا يميل بكل روحه إلى عملنا .
- إننا نعطى هذه الفضيلة للتراب ، لكي نجعله عطاء لمن لا زاد لهم .
- ذلك لأن هذا التراب ذو ظاهر أغبر ، لكنه في الباطن ذو صفات نورانية .
- وقد اشتبك ظاهره مع باطنه في جدال ، فباطنه كالجوهر وظاهره كالحجر .
- يقول ظاهره : هذا نحن . . فحسب ( ولا شئ آخر ) ، فيقول باطنه : أنظر جيدا قدامك ووراءك .
 
1010 - ظاهره منكر قائل إن الباطن لا شئ قط، فيقول باطنه انتظر حتى تبدى لك الأيام.
..............................................................
( 1 ) حرفيا : خلق في « قعدة الرضا » .
  
« 126 »
  
- إن ظاهره في عراك مع باطنه ، فلا شك أن الذي ينتصر منها من له قدرة على الصبر
- ومن هذا التراب العبوس نصنع الصور ، ونجعل ضحكه الخفي ظاهرا .
- ذلك أن ظاهر التراب ( الأرض ) حزن وبكاء ، وفي باطنه مئات الآلاف من الضحكات
- ونحن كاشفو الأسرار ، هذا هو عملنا ، هو أن نخرج هذه الخفايا من مكامنها .
 
1015 - وبالرغم من أن اللص يصر على الإنكار ، فإن الشرطي يبدي ما يخفيه عن طريق تعذيبه .
- وقد سرقت هذه ( المخلوقات ) من تراب هذه الأنواع من الفضل حتى نجعلها تقربها عن طريق الابتلاء .
- ولقد كان لهذا التراب أبناء عجيبون ، لكن أحمد قد زاد عليهم جميعا .
- صارت الأرض والسماء ضاحكين سعيدين قائلين لقد ولد مثل هذا الملك منا زوجين .
- فالسماء تنشق من فرحتها ، والأرض صارت كالسوسن من الحرية التي منحها لها .
 
1020 - ولما كان ظاهرك وباطنك أيها التراب الطيب في قتال وفي عراك .
- هكذا من يكون مع نفسه في حرب من أجل الحق ، يصير المعنى فيه دائما خصما لرائحته ولونه .
- تكون ظلمته في قتال مع نوره ، فلا يكون لشمس روحه زوال .
- وكل من يجاهد من أجلنا عند الامتحان ، تنحني السماء تحت قدمه .
- وظاهرك من الظلمة يكون صارخا ، بينما يكون باطنك روضة في روضة .
 
« 127 »
 
1025 - وإنه ليفعلها عن قصد كالصوفية العبوسين ، وذلك حتى لا يتعاشروا مع كل قاتل للنور .
- والعارفون عبوسون كالقنافذ ، لقد أخفوا السرور تحت ( غطاء ) من الشوك الحاد .
- إن الحديقة مستورة وذلك الشوك المنتشر حولها يقول : أيها العدو اللص ابتعد عن هذا الباب ! !
- ويا أيها القنفد لقد جعلت الشوك حارسا لك ، ووضعت رأسك في جيب ( ثوبك ) كالصوفى .
- فإن إحدى أولاد الحسان ذوات الوجنات الموردة والطباع الشوكية لن تستطيع أن تقلل مقدار ذرة « 1 » من سرورك .
 
1030 - وبالرغم من أن طفلك كان في طبع الأطفال ، فإن كلا العالمين كانا طفيليين عليه « 2 » .
- إننا نحيى به عالما . . ، ونجعل الفلك عبدا في خدمته .
- فقال عبد المطلب : أين هو في هذه اللحظة ، ويا عالما بالسر أبد لنا الطريق الصحيح .
 
طلب عبد المطلب أمارات موضع محمد عليه السلام متسائلا أين أجده ؟
ومجئى الجواب من داخل الكعبة وتلقيه الأمارات
 
- وصل إليه الجواب من داخل الكعبة قائلا : يا باحثا عن ذلك الطفل الرشيد « 3 » .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : نصف الربع
( 2 ) البيت في نسخة جعفري ( 10 / 88 ) بعد العنوان .
( 3 ) ج 10 - 88 : قال له الهاتف لا تغتم ففي التو واللحظة سأدلك علي موضع مليك العالم هذا .
 
« 128 »
 
- إنه في وادى كذا تحت تلك الشجرة ، فانطلق إليها مسرعا أيها الشيخ المقبل .
 
1035 - كان في ركابه أمراء قريش ، ذلك أن جده كان من أعيان قريش .
- وكان كل أسلافه حتى آدم سادة الحرب والجمع والملحمة .
- كان هذا النسب - في حد ذاته - نسبا لبدنه ، فقد صفى من ملوك عظام 
- أما لبه وحقيقته فقد كان بعيدا عن النسب منفيا عنه ، وليس هناك أحد من جنسه من باطن الأرض السابعة « 1 » إلى السماك .
- ولا يبحث أحد عن نور الحق في النسب ، وأية حاجة لخلعة الخالق إلى السدى واللحمة
 
1040 - وإن أقل خلعة يهبها على سبيل الثواب، إنما تزيد على ( خلعة ) الشمس المطرزة.
 
بقية قصة دعوة الرحمة لبلقيس
 
- انهضى يا بلقيس ، وتعالى ، وشاهدي الملك ( الحقيقي ) ، واجمعى الدر من شاطئ بحر الإله .
- إن أخواتك ساكنات في الفلك السنى . . فأي سلطان لك تزاولينه على جيفة ؟!!
- وهلى لديك أدنى علم بما وهبه ذلك السلطان من هدايا سنية لأخواتك ؟ ! « 2 » .
..............................................................
( 1 ) حرفيا ، السمك والمقطود السمكة التي تحمل الأرض في المأثور القديم .
( 2 ) ج / 10 - 90 :
أنهض يا بلقيس وأدخلي بحر الجود وفي كل لحظة اظفري بكسب دون رأسمال .
إن إخوانك كلهن في لهو وطرب . . فكيف صار حلوا عليك هذا النصب والتعب .
انهضي يا بلقيس وكوني رفيقة للسعادة ، ولتشعري بالضيق من كل ملك سبأ هذا .
 
« 129 »
 
- فكيف أخذت من فرحك في قرع الطبول قائلة : إنني أنا الملكة ورئيسة مستوقد الحمام !!

مثل قناعة الإنسان بالدنيا وحرصه في طلبها وغفلته
عن دولة أهل الروح وهم من أبناء جنسهم . .
الصائحين فيهم : يا ليت قومي يعلمون
 
1045 - رأى أحد الكلاب متسولا أعمى في الحي ، فأخذ يهاجمه ويمزق أسماله .
- لقد تحدثنا عن هذا الموضوع مرة من قبل ، لكننا نكرر القول فيه لتأكيد الخبر .
- قال الأعمى : إن رفاقك آخرا على الجبل في هذه اللحظة يبحثون عن صيد ،
- قومك على الجبل يصيدون حمر الوحش ، وأنت في الشارع تصيد العميان .
- فاترك إذن هذا الاحتيال أيها الشيخ النفور ، إنك ماء مالح تجمع حولك عددا من العميان .
 
1050 - قائلا : هؤلاء مريدون لي وأنا ذلك الماء الملح ، إنهم يشربون منى ويتحولون إلى عميان .
- فاجعل ماءك حلوا من بحر « لدن » ، ولا تجعل الماء الكدر فخا لهؤلاء العميان .
- وانهض وانظر إلى أسد الله وهي تصيد حمر الوحش ، وأنت كالكلب تصيد العميان باحتيالك .
- وما حمر الوحش ؟ ! إنهم نفورون تماما من صيد غير الحبيب ، إنهم جميعا أسد ، صيادون للأسد ، ثملون بالنور .
 
« 130 »
 
- إنهم ينظرون إلى الصيد وإلى كيفية صيد المليك ، لقد تركوا الصيد وماتوا ولها .
 
1055 - لقد اعتبرهم الحبيب كالطيور الميتة ، وذلك حتى يصيد جنسهم عن طريقهم .
- والطائر الميت مضطر بين الوصل والبين ، ولقد قرأت : « القلب بين إصبعين » .
- وكل يصير صيدا لطائره الميت ، عندما يراه قد صار صيدا للملك .
- وكل من أشاح بالوجه عن هذا الطائر الميت ، لم يجد قط ذلك الصياد .
- ويقول الطائر الميت : لا تنظر إلى كونى ميتا ، وانظر إلى عشق المليك في الحفاظ على .
 
1060 - ولست أنا بالميتة لكن المليك قتلني ، وصارت صورتي شبيهة بالميت .
- كانت حركتي من قبل بالجناح والقوادم ، وحركتي الآن تكون من يد العادل .
- ولقد خرجت حركتي الفانية من الجسد ، وحركتي باقية الآن ذلك لأنها منه .
- وكل من يتصرف باعوجاج أمام حركتي ، أقتله صبرا حتى ولو كان العنقاء .
- فانتبه ولا تعتبرنى ميتا إذا كنت حيا ، وانظر إلى في كف المليك إذا كنت عبدا .
 
1065 - لقد أحيا عيسى - عليه السلام - الميت من ( عطايا ) الكرم ، وأنا موجود في كف خالق عيسى - عليه السلام - .
 
« 131 »


- ومتى أبقى ميتا وأنا في كف الإله ؟ ! وإياك أن تجيز هذا أيضا على كف عيسى ! ! 
- إنني أيضا عيسى ، لكن من وجد الروح من أنفاسى يبقى ( حيا ) إلى الأبد .
- لقد صار ( أحدهم ) حيا من أنفاس عيسى النبي لكنه مات ثانية ، وسعيد ذلك الذي أسلم روحه إلى عيسى هذا ( المرشد ) .
- إنني عصا في كف موسى الذي يخصني ، وموسى الذي يخصني خفى وأنا ظاهر أمام ( الخلق ) .
 
1070 - ولأصبح للمسلمين جسرا على البحر ، ثم لأتحول إلى أفعى بالنسبة لفرعون .
- فلا تعتبر أن هذه العصا وحيدة يا بنى ، فإن العصا دون كف الخالق لا تكون هكذا .
- لقد كان موج الطوفان عصا في حد ذاته فقد ابتلع من الألم طنطنة عبدة الشجرة .
- ولو أنني أحصيت عصى الله جل وعلا ، لمزقت احتيال قوم فرعون هؤلاء .
- لكن دعهم يرعون بضعة أيام ، في هذه الأعشاب الحلوة المخلوطة بالسم
 
1075 - وإن لم يوجد جاه فرعون وكبراؤه ، فمن أين تجد جهنم ما يغذيها .
- فسمنه ثم اقتله بعد ذلك أيها القصاب ، ذلك أن الكلاب في جهنم بقيت بلا زاد .
- وإن لم يكن هناك خصم وعدو في الدنيا ، لمات الغضب إذن من بين الناس .
 
« 132 »
 
- وذلك الغضب هو جهنم ويلزمه خصم حتى يعيش وإلا قتلته الرحمة .
- وبقي إذن لطف بلا قهر وشر . ومتى كان كمال الملك يتم آنذاك .
 
1080 - لقد سخر هؤلاء المنكرون ، من أمثلة الذاكرين وبيانهم .
- وإذا أردت أنت أيضا فاسخر ، فحتام تريد العيش أيها الجيفة حتام .
- واهنأوا أيها المحبين في احتياجكم ، على نفس هذا الباب الذي يفتح اليوم 
- وكل نبات يلزمه حوض ( خاص ) في هذا البستان ، كان هذا النبات فوما أو قبارا .
- وكل واحد منها مع جنسه في حوضه الخاص به ، يشرب الطل من أجل أن ينمو ونضج
 
1085 - فإذا كنت في حوض الزعفران فكن زعفران ولا تختلط بالآخرين .
- واشرب الماء أيها الزعفران حتى تنضج ، وتبلغ مرحلة أن تكون زعفران في تلك الحلوى .
- ولا تمدن فمك في حوض اللفت ، حت لا يصير هو شريكا لك في الطبع والمذهب .
- لقد وضعت في حوض ووضع هو في حوض آخر، وذلك لأن «أرض الله واسعة ».
- خاصة تلك الأرض التي من سعتها ، يتوه فيها أثناء السفر الجنى والشيطان .
 
1090 - ففي ذلك البحر والصحراء والجبال ، تتقطع الأوهام وينقطع الخيال .
- فهذه الصحراء كأنها شعرة إلى جوار صحارية ، كأنها شعرة في بحر خضم .
 
« 133 »
 
- والماء الذي تكون حركته من الداخل ، أكثر عذوبة ونضارة من الجداول الجارية .
- لأن له في داخله كالروح والنفس ، سير خفى وحركة سيارة .
- لقد نام المستمع فاقصر الخطاب. . وكفاك أيها الخطيب من رسم على الماء «1» .
 
1095 - وانهضى يا بلقيس فهذه السوق رائجة ، واهربى من هؤلاء الأخساء الذين يسببون الكساد .
- انهضى يا بلقيس الآن طوعا ، قبل أن يأتي الموت بالمعمعة « 2 » .
- ثم يأخذ الموت بأذنيك كما يؤتى باللص على يد الشرطي وهو يعاني المشقة والعذاب .
- فحتام تكونين سارقة للسنابك من هذه الحمر ، فإذا كنت تسرقين ، فتعالى واسرقى الياقوت .
- لقد وجدت أخواتك ملك الخلود ، وأنت استوليت على ملك البؤس والظلام « 3 » .
 
1100 - وما أسعد ذلك الذي فر من هذا الملك ، فإن الأجل مخرب لهذا الملك .
- انهضى يا بلقيس وتعالى وانظرى مرة واحدة إلى ملك ملوك الدين وسلاطينه .
..............................................................
( 1 ) في نسخة جعفري عنوان « بقية دعوة سليمان لبلقيس أن تغتنم الفرصة » ( ج - 10 / 101 ) .
( 2 ) ج : ( 10 / 101 ) .
انهضي يل بلقيس قبل أن يحين أجلك ، وانظري إلى ملك لا خلل فيه .
انهضي يا بلقيس ولا تدلي بجاهك وهاتي الضراعة إلى هذه العتبة لا الدلال .
انهضي يا بلقيس ثملة بما جاد عليك به القضاء ، وإلا أتى الموت وعرك أذنيك .
( 3 ) حر : الملك الأعمي أزرق العينين .
 
« 134 »
 
- إن ( أحدهم ) يكون في الباطن جالسا في روضة ، بينما يكون في الظاهر حاديا للرفاق .
- يكون البستان سائرا معه حيثما يسير ، لكن ذلك الأمر يكون مستورا عن الخلق .
- والثمار متضرعة إليه قائلة : كل منى . . وماء الحيوان يسعى إليه قائلا :
اشرب منى
 
1105 - وداومي التطواف فوق الفلك دون جناح أو قوادم ، كالشمس وكالبدر وكالهلال .
- تكونين كالروح سيارة ولا قدم ، تأكلين مائة قطعة من الدسم دون أن تكوني ماضغة بالفم 
- ولا تمساح من الحزن يضرب على سفينتك ، ولا يبدو عليك قبح من الموت .
- فأنت الملك وأنت العسكر وأنت العرش ، وتكونين مقبلة بل تكونين الإقبال نفسه .
- فإذا كنت مقبلة الان ، وملكة عظيمة ، فالإقبال غيرك ، ويمضى ( عنك ) يوما ما .
 
1110 - وتبقين أنت كالشحاذين بلا زاد فكونى أنت إقبال نفسك أيتها المجتباة .
- وعندما نضج إقبال نفسك أيها المعنوي ، فكيف تضيع من نفسك ويمضى عنك الإقبال
- كيف تضل عن نفسك يا حسن الخصال ، ما دام قد صار لك من عين ذاتك الملك والمال ؟ !
 
« 135 »
 
بقية قصة عمارة عليه السلام للمسجد الأقصى بتعليم من الله
ووحيه لحكم يعلمها ومعاونة الملائكة
والشياطين والجن والإنس ظاهرا
 
- يا سليمان قم ببناء المسجد الأقصى ، فإن جيش بلقيس جاء للصلاة .
- وعندما وضع أساس ذلك المسجد ، جاء الجن والإنس وبذلوا أبدانهم في العمل .
 
1115 - كانت جماعة تعمل عشقا والأخرى ( تعمل ) كرها ، كما يكون العباد في طريق الطاعات .
- إن الناس مجانين والشهوة كالسلسة . تجذبهم نحو الحانوت ونحو الغلة .
- وهذا القيد هو من الخوف والوله ، فلا تنظر إلى هؤلاء الخلق بلا سلسلة ( ظاهرة ) .
- إنها تجذبهم نحو الكسب والصيد ، وتجذبهم نحو المنجم والبحار .
- تجذبهم نحو الخير ونحو الشر ، ولقد قال الحق :فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ
 
1120 - « قد جعلنا الحبل في أعناقهم ، واتخذنا الحبل من أخلاقهم .
- ليس من مستقذر مستنقه ، قط إلا طايره في عنقه » « 1 » .
- وحرصك من أعمال السوء مثل النار ، والجمر سعيد من لون النار الطيب .
- وسواد الفحم ذاك مستور في النار ، وعندما خمدت النار ظهر السواد للعيان .
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن الفارسي
 
« 136 »
 
- ومن حرصك صار الجمر فحما أسود ، وعندما انتهى الحرص بقي ذلك الفحم الفاسد .
 
1125 - وذلك الزمان الذي كان الفحم يبدو فيه جمرا ، لم يكن من طيب العمل ، بل كان من نار الحرص .
- فالحرص كان قد زين منك الفعل ، ومضى الحرص وبقي عملك الأسود .
- إن نبات الغولة ( الحامض ) الذي يزينه غول ( النفس ) يظنه الأبله المخدوع ( نبات ) حلوا مستساغا .
- وعندما تبدى روحه التجربة ، تثلم أسنانه من هذا الامتحان .
- إن صورة غول الحرص كانت تبدى تلك الشبكة حبا من الهوس ، وهذا في حد ذاته كان أمرا مفضوحا .
 
1130 - فاطلب الحرص في أمر الدين وفي الخير ، وعندما لا يبقى الحرص عند المرء يكون جاد السير .
- وأمور الخير دقيقة في حد ذاتها لا من صور الغير ، وإن ذهب ألق الحرص يبقى ضياء الخير .
- وعندما مضى ألق الحرص عن أمور الدنيا ، يكون فحما ما تبقى تحت النار .
- إن الحرص يصيب الأطفال بالغرور ، بحيث يركبون أطراف ثيابهم وقلوبهم فياضة باللذة .
- وعندما يمضى عن الطفل حرصه السئ ، يضحك من بقية الأطفال .
 
1135 - قائلا لنفسه : ماذا كنت أفعل ؟ ! وماذا كنت أرى في هذا ( الأمر ) ، لقد تبدى الخل من انعكاس الحرص عسلا ! !
- والبناء ( الذي يبنيه ) الأنبياء يكون بلا حرص ، ولهذا فإن رونقه في ازدياد على الدوام .
 
« 137 »
 
- وما أكثر المساجد التي بناها الكرام ، لكن لم يكن اسمها المسجد الأقصى
- فإن ما يزيد الكعبة في كل لحظة عزا ، إنما يعزى إلى اخلاص إبراهيم عليه السلام .
- وفضل ذلك المسجد ليس من التراب والحجر ، بل لأنه لم يكن من وراء بنائه حرص أو خصومة .
 
1140 - ولا كتبهم مثل كتب الآخرين ، ولا مساجدهم ولا كسبهم ودورهم وأقوالهم .
- ولا أدبهم ولا غضبهم ولا نكالهم ، ولا نعاسهم ولا قياسهم ولا فعالهم « 1 » .
- فإن لكل واحد منهم مجدا من نوع آخر ، وطيور أرواحهم محلقة بأجنحة مختلفة .
- وإن القلب ليرتعد من ذكر أحوالهم ، وقبلة أفعالنا هي أفعالهم .
- كان لطيورهم بيض ذهبي ، فصارت أرواحهم ناظرة إلى الفجر في منتصف الليل .
 
1145 - إن كل ما قلته مخلصا عن القوم الطيبين قلته ناقصا ، لقد صرت المتحدث إلى القوم بالكلام الناقص .
- فابنوا المسجد الأقصى أيها الكرام ، فإن سليمان عليه السلام قد عاد ، والسلام .
- ولو أن واحدا من هؤلاء الشياطين والجن قد عصي الأمر ، لأخذه ملائكة العذاب مغلولا .
..............................................................
( 1 ) ج : ( 10 / 105 ) :
لقد أعطي الحق كل واحد منهم في المرتبة مئات الألوف من أنواع الحشمة والمكرمة .
 
« 138 »
 
- والشيطان الذي يسلك لحظة واحدة باعوجاج من مكره وكيده ، كان السوط يلهب رأسه كأنه البرق .
- فكن مثل سليمان حتى تقوم الشياطين بحمل الحجارة من أجل إيوانك
 
1150 - فكن مثل سليمان بلا وسواس ( من الشيطان ) ولا حيلة ، حتى لا يخضع لامرك الشيطان والجن .
- والخاتم بالنسبة لك هو القلب كسليمان على الدوام ، فانتبه حتى لا يصيد الشيطان الخاتم .
- ثم يزاول الحكم عليك ذلك الشيطان ذو الخاتم ، فحذار ، والسلام .
- وتلك « السليمانية » أيها القلب ليست منسوخة ، ففي رأسك وسرك ( قلبك ) مزاولة للسليمانية ( الحكم ) .
- والشيطان يقوم أحيانا بمزاولة الحكم كسليمان ، لكن متى ينسج كل نساج الأطلس .
 
1155 - إنه يحرك يديه مثله ، لكن بينهما بونا شاسعا « 1 » .
 
قصة إعطاء الملك صلة لشاعر ومضاعفة
وزير يمسي أبو الحسن لها
 
- قدم شاعر قصيدة أمام الملك ، املا في خلعة وأكرام وجاه .
- وكان الملك جوادا فأمر له بألف من الذهب الأحمر والعطايا والهبات .
- فقال له وزيره : إن هذا قليل : صلة بعشرة آلاف حتى يمضى إلى حال سبيله .
- ليس من أجل شاعر مثله ملئ الفم ( بالمديح ) بل منك يا من يدك كالبحر ، تكون تلك العشرة آلاف التي ذكرتها قليلة .
..............................................................
( 1 ) ج / 10 - 106 ) : وفي تفسير هذا الحديث المعنوي استمع إلي حكاية في المثنوي .
 
« 139 »
 
1160 - لقد حدث ذلك ( الوزير ) الملك بالفقه والفلسفة ، حتى نال ما يقرب من عشر بيدر من كفه .
- وصله بعشرة آلاف وخلعة مناسبة ، فتوسع له في منزل الشكر والثناء
- ثم استفسر قائلا : سعى من كان ؟ ! ومن الذي أظهر للملك استحقاقى ؟ ! .
- قالوا له : إنه « فلان » الدين الوزير ، ذاك الطيب الاسم والحسن الخلق والضمير .
- فنظم قصيدة طويلة في مدحة ، وانقلب عائدا إلى داره ( مسرورا ) .
 
1165 - وبلا لسانه وشفته فإن عطايا الملك في حد ذاتها وخلعه كانت تقوم بمدح الملك .
 
عودة الشاعر بعد بضعة سنوات أملا في نفس تلك الصلة ، والأمر له بألف دينار حسب العادة ، وقول وزير جديد يسمي أيضا حسن للملك : إن هذا كثير جدا عليه ، وعلينا نفقات ، والخزينة خاوية ، وأنا أجعله راضيا بعشر هذا ( المبلغ )
 
- وبعد عدة سنوات ، صار الشاعر محتاجا من الفقر والعوز إلى قوت يومه وحبوب بذاره .
- فقال : عند الفقر وضيق ذات اليد ، من الأفضل الطلب عند المجرب .
- ولأحمل حاجتي الجديدة . إلى تلك العتبة التي جربتها في الكرم .
- لقد قال سيبوية ذاك : إن معنى لفظ الله هو الذي يولهون في الحوائج إليه .
 
« 140 »
 
1170 - قال ، الهنا في حوائجنا إليك ، والتمسناها وجدناها لديك » « 1 » .
- ومئات الآلاف من العقلاء عند الألم ، كلهم شاكون أمام هذا الديان الفرد
- ولا يمكن أن يقوم إلا مجنون أو أبله بالكدية من لدن بخيل عاجز .
- فإن لم يكن العقلاء قد ( جربوه ) في حاجاتهم آلاف المرات أو ما يزيد متى كانوا يجذبون أرواحهم أمامه ؟ !
- بل أن كل الأسماك بين الأمواج ، وكل الطيور في أوج ( السماء ) ،
 
1175 - والفيلة والذئاب وأيضا أسد الصيد ، والأفاعي العظيمة والنمل وأيضا الحيات .
- بل والتراب والماء وكل شئ ، تجد كلها منونتها منه سواء في الشتاء «2» أو في الربيع .
- بل إن هذه السماء تتضرع إليه في كل لحظة ، قائلة : لا تسقطنى (من رعايتك) لحظة واحدة أيها الحق .
- إن عمادى هو عصمتك وحفظك ، وكل شئ مطوى بيمين هاتين اليدين
- وهذا الأرض تجار إليه بالضراعة قائلة ثبتني ، يا من جعلتني مستوية على الماء .
 
1180 - إن هذه الأشياء كلها قد ملأت أكياسها بنواله « 3 » ، وكلها تعلمت منه
- سبحانه - كيف تقضى الحاجات .
- وكل نبي أتى منه بالبراءة ، قال لنا« اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ » *!!
- وهيا أطلبوا منه - جل وعلا - لا من غيره ، أطلب الماء من اليم لا من الجدول اليابس .
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن الفارسي .
( 2 ) حرفيا : في « دي » وهو ديماه أحد شهور الشتاء .
( 3 ) حرفيا : قد خاطت قد خاطت أكياسها منه .
 
« 141 »
 
- وإذا طلبت من أخر ، فهو أيضا الذي يعطى ، وهو الذي يضع الميل إلى السخاء في كفه .
- وذلك الذي يجعل من أحد العصاة ( في غنى ) قارون بذهبه ، ماذا يفعل لو تتوجه إليه بالطاعة ؟ !
 
1185 - ومرة أخرى ، فإن الشاعر ، أملا في العطاء ، توجه إلى ذلك الملك المحسن .
- وماذا تكون هدية الشاعر إلا أن يأتي بالقصيدة الجديدة إلى المحسن ويعرضها عليه .
- والمحسنون بدورهم بكل رغبة « 1 » في العطاء والجود والبر ، إدخروا الذهب في انتظار الشعراء .
- وعندهم أن بيتا واحدا ومن الشعر ، أفضل من مائة حمل من الصوف ، خاصة من الشاعر الذي يأتي بجواهر ( المعاني ) من قاع ( بحر الشعر ) .
- والإنسان في البداية يكون حريصا على الخبز ، ذلك أن القوت والخبز هو عصب الروح .
 
1190 - وفي سبيل الكسب والغصب ومئات الحيل ، وضع روحه على كفه حرصا وأملا .
- وعندما يستغنى عن الخبز ، وهذا يكون نادرا ، يعشق الشهرة و ( حسن ) السمعة ومدح الشعراء .
- حتى يرفعوا من أصله ومن فصله ، ويضعون المنابر من أجل بيان فضله
- حتى يفوح كره وفره وجوده بالذهب . . أثناء الحديث كأنه العنبر .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : بمائة عطاء وجود وبر .
 
« 142 »
 
- لقد جعل الحق خلقنا على صورته ، ووصفنا بأُخذ المثال من وصفه .
 
1195 - ولما كان الخلق - جل وعلا - راغبا في الشكر والحمد ، فإن في جبله الإنسان أيضا طلب المدح .
- خاصة رجل الحق السباق في الفضل ، إنه يمتلئ بهذه الريح تمام كالقربة .
- وإن لم يكن أهلا لها فقد مزق قربته بتلك الريح الكاذبة . ، فمتى يكون أهلا للضياء .
- إنني لم آت بهذا المثل من عندي أيها الرفيق ، فلا تسمعه بهزل ما دمت مفيقا .
- لقد قاله الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سمع الكفار يقدحون فيه قائلين : لماذا يسر أحمد من المديح ؟ !
 
1200 - لقد ذهب الشاعر إلى ذلك الملك ، وعرض عليه شعرا في شكر الإحسان الذي لم يمت .
- لقد مات المحسنون وبقي الاحسان ، وما أسعده ذلك الذي ساق هذه المطية .
- ومات الظلمة وبقي الظلم ، فويل للروح التي تقوم بالمكر والدهاء .
- وقد قال الرسول عليه السلام : ما أسعد الذي مضى عن هذه الدنيا وبقي عنه الفعل الحسن .
- مات المحسن لكن إحسانه لم يمت ، والدين والإحسان عند الله ليسا بالشئ الهين .
 
1205 - فويل الذلك الذي مات ولم يمت عصيانه ، حتى لا تظنن أنه بموته قد نجا بروحه « 1 » .
..............................................................
( 1 ) في نسخة جعفري ( 10 / 148 ) عنوان : حمل الشاعر قصيدته إلي الملك وخسة الوزير .
 
« 143 »
 
- دعك من هذا ، فإن الشاعر في طريقه ، مدين وفي أمس الحاجة إلى المال
- لقد حمل الشاعر قصيدته إلى الملك ، آملا في عطاء الصديق وفي إحسانه .
- كانت قصيدة رقيقة مليئة بالدر الحقيقي ، لقد ( كتبها ) أملا وانتطارا للإكرام الأول .
- فقال الملك على عادته : أعطوه ألفا ، لقد كانت هذه عادة الملك ( مع جميع الشعراء ) .
 
1210 - لكن الوزير الجواد في هذه المرة كان قد غادر الدينا على براق العز .
- وخلفه وزير جديد ، جلس في الصدر ، لكنه كان شديد القسوة والخسة
- قال : يا أيها الملك إن لدينا نفقات ( كثيرة ) ، ولا يصح أن تكون هذه العطية مكافأة لشاعر .
- إنني بربع عشر هذا أيها المغتنم ، اجعل الشاعر سعيدا راضيا .
- قال له الناس : إنه في المرة الأولى ، أخذ عشرة آلاف من هذا الهمام .
 
1215 - فكيف يمص البوص من بعد السكر ؟ ! وكيف يتكدى بعد أن كان سلطانا ؟!.
- قال ( الوزير ) لأضيقن عليه الخناق ضيقا : بحيث يصير نحيلا مسكينا من الانتظار .
- وبعدها إن منحته ترابا من طريقي ، سوف يختطفه كأنه أوراق ورود الرياض .
- اترك هذا على فأنا أستاذ في هذا الأمر ، حتى وأن كان الطالب ناري ( الطبع ) !!
 
« 144 »
 
- ولو أنه على سيل الفرض كان يطير ( غضبا ) من الثرى إلى الثريا فإنه سيهدأ ويستكين عندما يراني .
 
1220 - قال له السلطان : اذهب فالأمر لك ، لكن اجعله راضيا فهو مادحنا .
- قال : اتركه لي ومائتين ممن يلعقون الأمل ، واكتب على هذا .
- ثم ألقاه صاحبنا في ( محنة ) الانتظار ، فانقضى الشتاء وشهر ديماه وجاء الربيع .
- وشاخ الشاعر من الانتظار ، وسقط ضحية لهذا الحزن والكبد .
- قال : إن لم يكن ثم مال فلعلك تشتمني حتى تنجو روحي وأمضى إلى حال سبيلي .
 
1225 - لقد قتلني الانتظار فقل لي مرة : امض ( إلى حال سبيلك ) حتى تنجو هذه الروح المسكينة من الحبس .
- ومن بعدها أعطاء ربع عشر ذلك المبلغ ، فبقى الشاعر في هم ثقيل .
- وأخذ يقول : كانت تلك العطية على الفور وكانت كثيرة إلى ذلك الحد ، أما ذلك الذي تأخر في التفتح فهو باقة من الشوك .
- ثم أخبروه قائلين : إن ذلك الوزير الجواد ، قد مضى عن الدنيا آجرك الله
- فقد كان ذلك العطاء يتضاعف منه ، وقليلا ما كان يخطئ في عطاياه .
 
1230 - لكنه مضى الان وأخذ معه الإحسان ، إنه لم يمت حقيقة بل مات الإحسان .
- لقد ذهب عنا الوزير الجواد الرشيد ، وجاء الوزير الذي يسلخ ( جلود ) الفقراء .
- اذهب ، وخذ ( ما أعطيت ) وأهرب من هنا بليل ، حتى لا يعاديك هذا الوزير .
 
« 145 »
 
- لقد أخذنا منه هذا العطاء ( لك ) بمائة حيلة ، يا من أنت لست بعالم بجهدنا .
- فالتفت إليهم قائلا : أيها المشفقون . . قولوا لي من أين جاء هذا الظالم ؟! من أين ؟!
 
1235 - ما اسم هذا الوزير الذي يعرى المرء من ملابسه ؟ ! قال له القوم : إن اسمه أيضا حسن .
- قال يا رب : كيف كان اسم ذاك الوزير واسم هذا الوزير واحدا ، واحسرتاه يا رب الدين !!
- فحسن ذاك من توقيع واحد منه . . كان يتأتى مائة وزير من صفاتهم الجود .
- وهذا . . واسمه أيضا حسن . . من لحية هذا الحسن القبيحة . .
تستطعين أيتها الروح أن تجدلى مائة حبل .
- وعندما يصغى الملك إلى مثل هذا الوزير ، فإن الملك وملكه يضيعان إلى الأبد !!
 
تشبيه سوء رأي هذا الوزير في افساد مروءة الملك بهامان
وزير فرعون في إفساد قابلية فرعون
 
1240 - لقد حدث عدة مرات أن فرعون كان يرق ويخضع عندما كان يستمع إلى كلام موسى .
- ذلك الكلام الذي كان يستدر اللبن من الصخر ، من حلاوته التي لا نظير لها
- وعندما كان يستشير هامان الذي كان وزيرا له وكان الحقد من جبلته .
 
« 146 »
 
- كان يقول له : لقد كنت حتى الآن سيدا فصرت عبدا لإنسان خلق الملابس بحيله وكيده .
- وكان ذلك الكلام كحجر المنجنيق ، كان يلقى به على منزله الزجاجي .
 
1245 - كان كل ما يفعله الكليم حلو الخطاب في مائة يوم ، يحطمه هو في لحظة واحدة .
- إن عقلك هو الوزير ، وهو مغلوب للهوى ، وهو في وجودك قاطع طريق ( يقف ) في طريقك إلى الله .
- والناصح الرباني يقوم بوعظك ، لكنه يطرح هذا الكلام جانبا بفنه ( وحيلته ) .
- قائلا : ليس هذا في محله ، انتبه ، لا تتحرك عن موضعك ليس هذا بذى قيمة ، فعد إلى نفسك ، ولا تخدع ! !
- فويل لذلك الملك الذي يكون مثل هذا وزيره ، إن مكان كليهما نارا ذات ( لهب ) وحقد .
 
1250 - وسعيد ذلك الملك الذي يكون له عون في عمله من وزير مثل آصف .
- وعندما يكون الملك العادل قرينا ( لمثله ) وزيرا فإن هذا هو « نور على نور » .
- مثل سليمان الملك وآصف الوزير ، فهما نور على نور وعنبر على عنبر
- أما أن يكون الملك هو فرعون ووزيره هامان ، فلا مفر لهما معا من الإدبار .
- ويكون الأمر « ظلمات بعضها فوق بعض » ، فلا العقل بالرفيق ولا الإقبال في يوم العرض .
 
1255 - وأنا لم أر إلا الشقاوة من اللئام فإذا رأيتهم فبلغهم منى السلام .
 
« 147 »
 
- فالملك بمثابة الروح والوزير كالعقل ، والعقل الفاسد يوجه الروح نحو الفساد .
- عندما صار هاروت ملاكا للعقل ، صار معلما للسحر لمائتى طاغوت .
- فلا تتخذ من العقل الجزئي وزيرا لك ، واجعل العقل الكلى وزيرا لك أيها السلطان .
- ولا تجعل الهوى وزيرا لنفسك ، فهو يمنع روحك الطاهرة من الصلاة .
 
1260 - فهذا الهوى شديد الحرص ناظر إلى الحال ، أما العقل فهو يفكر في يوم الدين .
- وللعقل عينان في نهاية الأمر ، وهو من أجل ذلك الورد يتحمل أذى الشوك .
- ذلك الورد الذي لا يذبل ولا يتساقط في الخريف ، ويكون بعيدا عن ربح كل أنف أخشم .
.
* * * 
شرح إنذار سليمان عليه السلام لبلقيس طالبا منها ألا تصر على الشرك ،
وألا تتأخر ( في اللحاق به )

( 781 - 797 ) : عودة إلى قصة سليمان عليه السلام وبلقيس ، وها هو خطاب سليمان في التحذير من مغبة الكفر والعناد وعقاب الابتعاد عن طريق الإيمان ، حيث يفقد المرء توازنه ، ويكون صاحب السلطان بلا سلطان ، ينقلب عليه صاحب بابه ، يأتيه الموت من حرسه ، ويكون مساعده خصما له ، يكون كجسد أعضاءوه كلها في حرب ، فإن هذا الذي جعل أساسا للتناسق بين كافة عناصر الكون ، وبين كل جوانب الإنسان قد غاب وإن غاب يتفتت الوجود الإنسانى ، يكون كل جانب من جوانب الإنسان في حرب مع الجانب الآخر ، يعتريه القلق والاكتئاب ، يحس بأن حياته لا نفع فيها ، تستعبده الطواغيث ، ثم يؤخذ أخذ عزيز مقتدر من جند الله ، تريد أن تعرفي جند الله يا بلقيس ؟ !
إنها الريح التي اقتلعت قوم عاد ، والطوفان الذي أغرق قوم نوح ، والبحر الذي انشق لقوم فرعون ، والأرض التي ساخت بقارون ، والطير الأبابيل التي دقت الفيل ومزقته إِربا والبعوضة التي أهلكت النمرود ، والحجر الذي ألقاه داوود فتشقق
 
« 426 »
 
إلى ثلاثمائة قطعة وأهلك جند جالوت ، وهذه الحجارة التي أمطر بها قوم لوط حتى غرقوا في المياه السواد ، وكثير غيرها مما تظنونها جمادا لكنها كانت من جند الأنبياء ( انظر الروح الجمادية وتسبيحها الكتاب الثالث أبيات 1008 وما بعدها ) ولو تحدثت فيها لطال الحديث ولو شاء الله لأمر أعضاء جسدك نفسها بتأديبك إنها تطيعك أنت نفاقا ، ولكن طاعتها الحقيقية لله تعالى فلو أمر عينك بتعذيبك لرمدت وأدبتك ، ولو أمر أسنانك بتهذيبك لتألبت عليك وسلبت من عينك النوم . وافتح كتب الطب وأقرأ أبواب العلل . . وإذا كان الحق سبحانه وتعالى هو روح الروح فكيف يمكن أن تكون العداوة مع روح الروح من السهولة بمكان ناهيك عن عسكره من الجن والإنس .
 
( 798 - 805 ) : هيا يا بلقيس أتركى ملكك في البداية وإن تركت هذا الملك فقد وجدت الملك الحقيقي الذي لا ملك بعده ، سوف تعلمين أنت نفسك بمجرد أن تلحقى بي إنك كنت مجرد صورة جميلة لكن لا روح فيها ولا حياة مثل تلك الصور والنقوش التي تصور على جدران الحمامات :
لا آدم في الكون ولا إبليس * لا عرش سليمان ولا بقليس
الكل عباده وأنت المعنى * يا من هو للقلوب مغناطيس
( سبزوارى 4 / 279 )
وماذا تعنى صورتك أيا كانت الصورة دون تلك الروح ينفخها فيها ، إن زينتها ليست لها بل لغيرها ، إن تلك الصورة تفتح عينا لا ترى ، وفما لا يتحدث ، لقد فقدت نفسك جدلا وعصيانا فجعلت من نفسك مجرد شئ مع آخرين لا وجود له دون وجود آخرين وإلا فهل تستطيعين أن تؤكدى على أن هذه الصورة التي ترين أنها هي أنت . .
هي أنت بالفعل ؟ !
إنها مجرد حالة من حالاتك . . وهذا ليس إحساسك الحقيقي بل إن ما تحسين به هو ما يوحى به
 
« 427 »
 
إليك أتباعك من حولك وإلا فإنك لو ابتعدت عنهم لحظة واحدة لأحسست بالحزن وليس الحزن إلا لأنك وأنت بعيدة عنهم لا تشعرين أدنى شعور بذاتك لأن هذه الذات خاوية ، ذلك النموذج الإنسانى الموجود في كل عصر وكل زمان ، إن وجوده فارغ ، يجب دائما أن يملأ بالآخرين أما أصحاب الوجود الثرى الغنى فما يغنيهم الناس وكل منهم « عالم على قدمين » أما أصحاب الصورة أولئك الذين حرموا في الحقيقة فإنهم دائما ما يدورون حول أنفسهم .
 
( 806 - 811 ) : إن من يكون قائما بذاته ، ليس كالقشة مدفوعا بكل ريح لا يقر له قرار ، يكون جوهرا ، والجوهر ثابت الخاصية ، أما ما يكون فرعا لهذا الجوهر فإنما يكون عرضا لا بقاء له ولا ثبات ، يكون وجوده معتمدا على وجود العرض إن زال زال ، والباقي بشئ يكون بقاؤه بهذا الشئ ، وزواله بزوال هذا الشئ . فلماذا لا يكون ثباتك بالحي الذي لا يموت وبالباقي الذي لا يزول ؟ ! !
إنك إذا اعتمدت على سلطان فسلطانك هالك ، أو على جاه فجاهك إلى نهاية ، أو على مال فمالك إلى نفاد ، « وكل شئ هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون » وأنت في النهاية ابن آدم فيك كل ما في آدم ، فكن عبدا كآدم ، واعترف بالعبودية لله وحده وإياك أن تسأل : أين أنا من آدم . . إنه نبي وأنا مجرد إنسان . .
لا ليس الأمر هكذا ، فإن أقل القليل من الشئ يحتوى على خاصية الكثير جدا ممن هذا الشئ . .
فما الذي يوجد في ماء البحر ولا يوجد في القدر ؟
وما الذي يوجد في الدار غير الذي يوجد في المدينة ؟ !
بل إن العكس هو الصحيح .
إن هذه الدنيا بأجمعها هي القدر والبحر العباب هو قلب الإنسان هو المدينة العجيبة التي تسع الحقيقة الإلهية التي لا تسعها أرض وسماء ؟
فالزم عجائب مدينة القلب ، وسح في هذه المدينة ترى عجبا .
 
« 428 »
 
( 812 - 829 ) : عودة إلى خطاب سليمان عليه السلام إلى بلقيس ، ها هو يعيد لها أنه يدعوها إلى الإيمان دعوة خالصة لله تعالى ، ولا دعوة تكون مخلصة إلا إذا كانت لله تعالى ، لا لغرض فيها ، ولا لشهوة إلى جمالها ، ولا لطمع في حسنها ، فكل هذه أصنام جاهلية يرتفع عنها المؤمن فما بالك بالنبي الذي هو سليل محطم الأصنام ، الأصنام هي التي تسجد له ، ولو حدث ودخل أحمد عليه السلام وأبو جهل إلى معبد الأصنام لكان هناك اختلاف كبير بين دخول ودخول ، فسوف يسجد أبو جهل للأَصنام
 
بينما تسجد الأصنام كلها لمحمد عليه السلام كما حدث بالفعل ( المولوي 4 / 115 ) وهذه الشهوات التي تسكن جسد الإنسان إنما هي على مثال معبد الأصنام . . يستوى في وجود هذه الشهوات الأنبياء والكفار ، فليس الأنبياء مبرأون من وجود الشهوة ، فهم بشر من خلقه سبحانه وتعالى ، لكن الشهوة تحت سيطرتهم ، فهم كالذهب النضار مهما تعرض للنار يزداد لمعانا ، بينما الكفار كالزيف ، يسود إن تعرض للنار ،
 
فلا تنظر إلى ملوك الدين على أنهم هم الآخرون مخلوقون من الطين ، وقد ركبت فيهم الشهوة ، فقد كانت هذه نظرة إبليس إلى آدم ، لم يكن في نظر سوى مجرد مخلوق من طين ، لم ينظر إلى ما تفوق به عليه أي نبوته وعلمه ،
وهكذا تكون نظرة العوام إلى الأولياء إنهم مجرد بشر وأنهم كلهم سواء ، ولا ينظرون إلى النور الذي اختصوا به لعظيم مجاهداتهم وارتفاعاتهم على بشريتهم ، هيا انهضى يا بلقيس ودعك من هذا الملك كما فعل إبراهيم بن أدهم ،
والخطاب هنا بالطبع لمولانا جلال الدين وليس لسليمان عليه السلام ، على أساس أنه لم يوجد في عالم الأنبياء ما حرم منه عالم الأولياء ، وأن الولاية في أوانها تقوم بما كانت النبوة تقوم به في أوانها وعلى أن المؤمنين كلهم جسد واحد .
 
« 429 »
 
( 835 - 839 ) : بعد أن يقص مولانا جلال الدين قصة توبة إبراهيم بن أدهم كما وردت في كتب الصوفية ، يقول إنه اختفى بعدها ولم يره أحد نعم لقد اختفى كما يختفى الجن عن عيون البشر ، ولكن هذا لا يعنى أنه لم يكن موجودا ، وإنه ليس موجودا إنه اختفى لأن معناه قد خفى على الخلق ، فالناس لا يرون إلا اللحية والخرقة ، وما دام إبراهيم بن أدهم لم يكن يهتم بلحية أو خرقة ، ولما غاب إبراهيم بن أدهم عن نفسه وعن ملكه وعن مظاهر ملوكيته وغاب عن أعين الخلق ، أصبح مشهورا بين الخلق كعنقاء جبل قاف التي لم يرها أحد ، لكنها أكثر شهرة من كل ما يمر به الناس كل يوم ويرونه أمام أعينهم ، إن كل الطيور ( الأولياء ) تهفو عليها وترفوف بأجنحتها شوقا إليها .
 
( 840 - 842 ) : لقد وصلت رسالة مشرق الهداية إلى سبأ ، فأحيت النفوس الميتة ، وأخرجت موتى الجسد من قبورهم ، وأخلت أرواحهم من قبور الأجساد ، أخذ كل منهم يبشر الآخر بأن البشرى قد وصلت من السماء ، هذا النداء يحيى النفوس كما يحيى المطر موات الأرض ويجعل القلوب تورق بأوراق الإيمان وثمار اليقين ، لقد كان هذا النداء من سليمان عليه وسلم كنفح إسرافيل في الصور جعل الموتى جميعا ينهضون من قبورهم . . ولتكن لك أيها المستمع سعادة كتلك التي مست أهل سبأ وأحيت موات قلوبهم ونفوسهم ، وأن تقبل رسالة سليمان عصرك وأونك . .
أي المرشد الشيخ الذي يقوم في أوانه يما كان يقوم به سليمان في أوانه .
 
( 845 - 859 ) : إن سبأ ليست سوى تلك الأرض التي مسها العشق الإلهى فبدلها وأحياها ، ومن ثم فإن مولانا مع عزمه على أن يتم القصة يعود إليها بوجد شديد كما يعود الصبا إلى مزرعة الشقائق ، وعندما يكون مولانا في
 
« 430 »
 
حال الوجد ، فإنه ينطلق بشعر عربى ، لقد التقت الأجساد بأرواحها وها هي أمة العشق الخفي ، لها السقيا دائما ، ولها البقاء فإن من عاش بالعشق لا يموت أبدا ، إن هذا النفس هو الذي رد يعقوب بصيرا وهل هناك من مرشد كامل جدير بأن يوجه رسائل العشق مثل سليمان عليه السلام ، لقد علم عليه السلام بنطق الطير ، وما الطيور التي يتحدث عنها مولانا هنا إلا أنواع من البشر تحدث إلى المؤمن بالجبر أن الجير لا يعنى اسقاط التكاليف ، وحدث كسيرى القلوب عن الصبر ، وحدث من اختار العزلة عن جبل قاف ، وحدث الضعفاء كالحمام بالاحتراز من الحكام الأقوياء حتى لا يجور وا عليهم بمخالب غضبهم وطغيانهم ، واجعل ذلك الخفاش الذي أئتلف بالظلمة وعاش فيها واستسلم لها قرينا قليلا لشئ من النور ، وعلم أولئك الذين يحيون الخصومة ويعيشون عليها مزايا العيش في سلام ، وعلم أولئك المستغفرين بالأسحار علامات الصبح الصادق . .
 
وهكذا فافعل مع كل الطيور من الهدهد إلى العقاب . . خاطب كل طائر بما يليق به ، ودل كل طائر إلى عالم العشق الأزلي بما هو جدير به من لغة ، وبما يفهمه من بيان ، فعالم العشق قابل لكل لون : الضعيف والقوى والمجادل والمسالم ، والظلماني والنوراني إنه عالم اللون الواحد وخاصة إذا عرف الطريق إليه .
 
( 860 - 868 ) : إنك تستطيع أيها الولي أن تخاطب كل إنسان على قدر عقله ، وأن تجد مدخلا إليه مما يهمه ، وأن تدق على الوتر الحساس عنده لكن هناك ممن يكون الله قد ختم على قلبه وعلى سمعه وعلى بصره ، فهو لا يستطيع أن يتقبل الرسالة اللهم إذا أسلم نفسه تماما للوحي وللولي كالميت بين يدي الغسال » ، حينئذ يستطيع أن يرد عليه سمعه وبصره وقلبه . . ثم يعود إلى قصة بلقيس لقد وجدت الرسالة صدى في قلب بلقيس ، فبطل كل ما كان أمامها ، تجلت لها حياتها السابقة بما لا يبعث إلا الندم والخزي ، وتدنت قيمة كل ما في
 
« 431 »
 
حياتها عند قبولها الرسالة ، لا بل أدركت قيمتها الحقيقة ، متاع الدنيا ، ومتاع الدنيا قليل وهكذا يكون العشق الإلهى ، يجعل كل ما تراه في الدنيا غير ذي قيمة وغير ذي موضوع ، وهذه هي قيمته الحقيقية ، وإنما يجليها العشق . .
وهذا هو ارتباط العشق بالحرف الأول من الشهادة « لا » نفى لكل شئ وسلب لكل شئ ، هي غيرة على الحقيقة الإلهية من كل شئ هذه هي الشهادة أيها السيد السند الجدير بهذه الأقوال ، هي التي تبدى لك محبوبك في سواد القدر حتى لو كان قمرا .
 
( 869 - 879 ) : يتجلى اتجاه مولانا جلال الدين الإنسانى في هذه الأبيات حقيقة أن كل إنسان يستطيع إذا قدر له وإذا تيسر له مرشد حاذق ، أن ينظر هذه النظرة إلى كل ما يحبه من أمور الدنيا ، لكن تبقى بعض الأشياء يكون من الصعب على المرء أن يتحمل فراقها أو التخلي عنها ، قد تكون شيئا صغيرا وقد تكون شيئا كبيرا . . وكل أشياء الدنيا صغيرة إلى جوار العشق الإلهى ، ومع ذلك فإن هذا الشئ الصغير يعز على المرء لارتباطه بأشياء معينة أو ربما لطول الألفة ، وهكذا فقد كان العرش عند بلقيس ، ليس العرش كرمز للسلطة ولكن العرش كعمل فنى ، كشىء ، وليس هذا ببعيد ، فإن المرء قد يألف قلما ما ويرتبط به ، لا لشئ إلا أنه مؤنس له ، إنه ليس من جنس الكاتب ، لكن المجانسة قد تحدث بين أشياء غير متجانسة ومتباينة ، إنه الميل ، ألفة القلب ، تعود العين ، طول العشرة .
 
( 880 - 896 ) : وها هو سليمان عليه السلام ، فهم كنه هذه العلاقة بين بلقيس والعرش ، وقدرها بسليقته النبوية ، وأدرك أنه بالرغم من أن الحقيقة الإلهية ، والعشق الإلهى ، سوف تقضى على كل شئ عندها حتى العرش بعد
 
« 432 »
 
فترة وجيزة من الزمان ، فإن إطلالة واحدة من الروح تقضى على كل تعلقات البدن تماما كما يجعل الدر المستخرج من قعر البحر الزبد والقذى حقيرين ، ولا قيمة لهما ، إن محبة الدنيا أشبه بذنب العقرب ، فذنب العقرب يختفى في الشمس ، تماما كما تختفى محبة الدنيا عندما تطل شمس الحقيقة . كل هذا حقيقي وكان سليمان عليه السلام يعرف حق المعرفة ، لكنه كان يعرف أيضا الضعف الإنسانى ، وأن ثمة وارد دنيوي واحد ، قد يؤخر الوصول إلى الحقيقة ، وقد يشوش فكر المريد ، ويعطل جمع خاطره ، وكان يريد أن يقدم للمريد العنيد درسا ، إنه يستطع أن يلبى له احتياجاته الدنيوية أيضا في حدود المشروع مهما بدت مستحيلة ،
فهو يريد أن يكون العرش إلى جوارها لتتذكر بها أيام ضلالها القديم ، وترى قدر نعمة الله عليها ، تماما كما كان إياز مملوك السلطان محمود الغزنوي المفصل يحتفظ بملابسه أيام الفقر في كوة مختفية بجناحه في قصر السلطان ،
وكان يخرجها كل يوم ليتذكر أيام فقره وبؤسه ، حتى يعلم أين كان وإلى أين وصل ( وردت القصة بالتفصيل في الكتاب الخامس أبيات 1857 وما بعدها ) .
فلتعلم بلقيس أيضا في أي ابتلاء كانت ، وإلى أين وصلت بعد أن تداركتها رحمة الله . . وهكذا أنت أيضا أيها الإنسان . .
 لم فخرك وقد كنت نطفة من منى يمنى ثم علقه ، ثم مضغة « ما لابن آدم وللفخر أوله نطفة مذرة وآخره جيفة قذرة »
أو كما قال تعالى في سورة المؤمنين » «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً» ( المؤمنون : 14 ) .
 
وهكذا أنت أيها الإنسان : ألم تكن عاشقا لحالة كونك مضغة وعلقة ألم تكن تظن أنه لا حياة خارج هذا المضيق المسمى بالرحم ، ولا طعام سوى هذا الدم .
( انظر تفصيلات هذه الفكرة في الكتاب الثالث شروح أبيات 50 - 62 ) فلماذا لا
 
« 433 »
 
تؤمن أيضا بأن وراء نعيم الدنيا نعيما آخر ، وفوق أعظم لذاتها لذة أخرى لا تقل . . ولا تفنى ! ! لقد كنت تنكر الوصول إلى المرتبة الإنسانية ،
فلماذا بعد أن وصلت إليها تنكر ما بعدها وتجحده ؟ !
لماذا تظنها نهاية المطاف ؟ !
لماذا تنكر هذا على قدرة من صور من تراب بشرا سويا . .
نعم كنت تنكر أنذاك إذا لم يكن لك قلب أو روح ؟ ؟ ومجرد تحويلك من مرحلة الجمادية إلى مرحلة الحيوانية حشر في ذاته فلماذا الحشر بعد مرحلة الإنسانية ، ( للمراحل وتفصيلاتها انظر الكتاب الثالث شروح أبيات 3901 - 3906 ) .
 
( 898 - 902 ) : ما أشبهك وأنت تنكر الحشر بذلك الذي يدق عليه أحد بابه ، فيجيبه بصوته إنه ليس موجودا ، كيف وجوابه في حد ذاته هو الدليل على وجوده ، وهكذا فوجودك نفسه دليل على صدق ما تنكر ، وعلى أن الله يجعل الحي جمادا ومن الجماد حياة ، وهكذا في حشر متوال . .
لقد خلق أباك من تراب وأخرجك بواسطته ثم تنكر الحشر « وما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ» «وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ» وكم من الصنائع الإلهية قد جرت على الإنسان أيها المنكر . .
وإن كنت لا تزال تنكر فأقرأ «هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ، إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً ، إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً» ( الإنسان : 1 / 2 )
وهكذا الإنسان المخلوق من الماء والطين ينكر كالمغفل ، يخبر عن عدم وجود ذاته وهو داخل الدار ، فكيف تنكر وأنت نفسك الدليل على ما تنكره ، وإنكاره هنا هو عين إقراره ، إنني أشرح هذه الفكرة بمائة طريق ، وأدق عليها كثيرا ، فهي بداية الأمر ، ورأس الجهاد . .
لكنه أين الخاطر المتقيظ الذكي الذي يتقبل هذه المعاني ولا ينزلق منها ، ولا تنزلق هي أيضا على وجوده ولا تستقر أو تثبت .
 
« 434 »
 
( 903 - 907 ) : يناقش هنا الفرق بين السحر والنفخة الإلهية أو القدرة الإلهية فذلك العفريت الذي قال لسيدنا سليمان «أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَهذا » ( النمل : 39 ) يعتمد على السحر ، أما آصف بن برخيا وهو الذي تتفق التفاسير على أنه المقصود بالذي عنده علم من الكتاب «أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ» إن النفس المبارك المقتبس من الولي أو المرشد أقوى في فعله من السحر ، وما حدث هذا إلى لكي يعلم الجن أن النفس الرحماني الذي يستطيع سليمان عليه السلام أن يمنحه للبشر القابلين أقوى من قوة الجن وقوة السحر ( محى الدين بن عربى فصوص الحكم ص 46 ) .
 
( 908 - 914 ) : ها هو سليمان عليه السلام يخاطب عرش بلقيس بأنه مجرد شجرة منقوشة ، وكم خدعت هذه النقوش كثيرا من البشر فسجدوا إليها والساجد والمسجود كلاهما لا علم لهما بالروح ، كلاهما في مرحلة الجمادية ، لأن من يدعى أنه ذو روح ومع ذلك لا يستطيع أن يصل إلى الحقيقة بتلك الروح ، فكأن لا فرق بينه وبين الجماد ، والعضو الذي لا يعمل كأنه غير موجود ،
يضعف ويضعف ويضعف حتى يتلاشى ، ومن هنا تسمع عن من ماتت أرواحهم وأصبحت الدنيا كل همهم ومبلغ علمهم سخرية ممن يتحدثون عن الروح ، وهكذا فإن الكفرة عندما رأوا أثرا قليلا وحركة قليلة من الحجر خروا لها ساجدين ،
 وألم تكن ناقة صالح من الحجارة وعجل السامري من الذهب لمجرد أثر من الروح سجدوا لها فما بالك بالروح ( سبزوارى 4 / 282 )
 
( سيرد هذا في القصة التالية ) ، وهكذا فإنهم أبدوا خدمتهم بالعكس ، فبدلا من أن تسجد الأصنام لهم . وربما كان وهما ، فإن الإنسان عندما يوجه عشقه واهتمامه إلى أي شئ حتى وإن كان حجرا ، ويقف في مواجهته مناجيا ، ويخيل إليه ويتوهم أن
 
« 435 »
 
هذا الحجر إنما يجيبه ويتوجه إليه بالحديث ، والصوفية أنفسهم يرون أن كل موجودات الكون تتحدث إليهم بكل لسان ( جعفري 10 / 55 - 56 ) كما سجدت الأصنام عندما سمعت أسم النبي - صلى الله عليه وسلم - سجدوا هم لها ، لقد ظن الأشقياء أسد الحجارة أسدا حقيقية ، والأسد الحقيقي لأنه أسد حقيقي لا يزال يلقى بالعظام أمام هؤلاء الكلاب ، أجل فإن هذه العظام لا تساوى عنده شيئا حتى يجعلها لمن يحبونه فقط ولمن يعترفون به فحسب ، ولو كانت الدنيا تساوى عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء ، فإياك أن تظن أن الدنيا تعطى لمن رضي الله عنه فحسب ، إنما يؤخرهم ويملى لهم ويمد لهم في طغيانهم ، حتى إذا أخذهم كان أخذه عزيزا ، إن العطاء عنده لطف عام لا يفرق بين أحد خاصة تلك الدنيا التي يظنها أهلها ذات شأن وهي مجرد ( عظام ) عنده سبحانه وتعالى .
 
( 915 - 964 ) : الإنسان يسجد للصنم لكن الصنم يسجد لخير البشر - محمد صلى الله عليه وسلم - بل يسجد لمجرد أن يسمع اسمه ، وهذا هو مولانا يفتتح الحكاية بقوله : إنه يقص حكاية عن حليمة ليذهب عن المستمع حزنا قد ألم به ، أي حزن ؟ !
إن المريد الذي يتميز بشفافية الباطن إنما يحس بالحزن عندما يرد ذكر الدنيا والتكالب عليها تكالب الكلاب حول الجيفة ، ومع ذلك فإنه عندما ينأى بنفسه عنها ، ينظر إليه هؤلاء باحتقار . .
أو أن يكون الحزن قد ألم بالمريد شوقا إلى هذا العالم الذي يتوق إليه . . وما أحراه أن يتعزى عندما يستمع إلى رواية من روايات معجزات خاتم الأنبياء والمرسلين ، والرواية واردة بتفصيل لا بأس به في دلائل النبوة للبيهقي
( ج - 1 ص 142 - 144 وطبقات ابن سعد ج 1 ص 70 وفي تفسير أبى الفتوح الرازي ج 5 / ص 546 - ص 547 انظر مآخذ
 
« 436 »
 
135 / 137 ) وفي الروايات أن حليمة السعدية رضي الله عنها تركت محمدا عليه السلام لبعض أمورها فعادت ولم تجده ، لكن مولانا بمذاقه الصوفي ، ولكن يذهب الحزن عن المريدين بمدحه للمصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، يروى أن حليمة سمعت وهي في الحطيم من يتغنى بمدح المصطفى عليه السلام ، لقد سطعت عليك أيها الحطيم اليوم شمس شديدة العظمة . . لقد صرت اليوم منزلا للأرواح . .
تأتيك أرواح الأنبياء والأولياء في موسم الحج ومواسم العمرة ، مليئة بالشوق ومفعمة بالعشق زمن العشق الإلهى على الأرض ، لقد أخذت حليمة رضي الله عنها تبحث عن مصدر الصوت فلما عادت لم تجد ربيبها في مكانه
ولأن هذه الأبيات تتفق أكثر مع رواية البيهقي دون تغيير يذكر نذكرها هنا « فقال الناس : رديه يا حليمة على جده عبد المطلب وأخرجيه من أمانتك قالت فعزمت على ذلك فسمعت مناديا ينادى هنيئا لك يا بطحاء مكة اليوم يرد عليك النور والدين والبهاء والكمال ، فقد أمنت أن تخذلين أو تحزنين أبدا الآبدين ودهر الداهرين فقالت : فركبت أنا ناقتي وحملت النبي بين يدي ، أسير حتى أتيت الباب الأعظم من أبواب مكة وعليه جماعة ، فوضعته لأقضى حاجة وأصلح شأني فسمعت هدة شديدة فألتفت فلم أره ، فقلت : معاشر الناس أين الصبى ؟
قالوا أي الصبيان ؟ قلت : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الذي نضر الله به وجهي ، وأغنى عيلتي ، وأشبع جوعتى ، ربيته حتى إذا أدركت به سروري وأملى وأتيت به أرده وأخرج من أمانتي ، فاختلس من يدي من غير أن تمس قدميه الأرض ، واللات والعزى لئن لم أره لأرمين بنفسي من شاهق الجبل ،
ولأتقطعن إربا إربا ، فقال الناس : إنا لنراك غائبة من الركبان ، ما معك محمد قالت الساعة كان بين أيديكم قالوا : ما رأينا شيئا ، فلما آيسونى وضعت يدي على رأسي فقلت :
 
« 437 »
 
وا محمداه ، واوالداه ! !
أبكيت الجواري الأبكار لبكائى وضح الناس معي بالبكاء حرقة لي ، فإذا أنا بشيخ كالفانى يرى متوكئا على عكاز له ، قالت : فقال : مالي أراك أيتها السعدية تبكين وتضجين قالت فقلت فقدت ابني محمدا . قال لا تبكى ، أنا أدلك على من يعلم علمه وإن شاء أن يرده عليك فعل ؟ !
قالت : قلت دلني عليه ، قال الصنم الأعظم : قالت : ثكلتك أمك كأنك لم تر ما نزل باللات والعزى في الليلة التي ولد فيها محمد ؟
قال : إنك لتهذين ولا تدرين ماذا تقولين أنا أدخل عليه وأسأله أن يرده عليك قالت حليمة : فدخل وأنا أنظر ، فطاف بهبل سبعا وقبل رأسه ونادى يا سيداه ، لم تزل منعما على قريش ، وهذه السعدية تزعم أن محمدا قد ضل قال فانكب هبل على وجهه ، فتساقطت الأصنام بعضها على بعض ، ونطقت - أو نطق منها - وقالت إليك عنا أيها الشيخ ، إنما هلاكنا على يدي محمد قالت : فأقبل الشيخ لأسنانه اصطكاك ولركبتيه ارتعاد ، وقد ألقى عكازه من يده وهو يبكى ويقول : يا حليمة لا تبكى فإن لابنك ربا لا يضيعه ، فاطلبيه على مهل .
قالت فخفت أن يبلغ الخبر عبد المطلب قبلي ، فقصدت قصده فلما نظر إلى قال : أسعد نزل بك أن نحوس ؟
قالت : قلت نعم ، بل نحس الأكبر ، ففهمها منى وقال : لعل ابنك قد ضل منك قالت : قلت نعم ، بعض قريش اغتاله فقتله ، فسل عبد المطلب سيفه وغضب ، وكان إذا غضب لم يثبت له أحد من شدة غضبه ، فنادى بأعلى صوته : يا يسيل وكانت دعوتهم في الجاهلية ، فأجابته قريش بأجمعها ،
فقالت : ما خطبك يا أبا الحارث ؟
فقال فقد ابني محمد ، فقالت قريش : اركب نركب معك فإن سبقت خيلا سبقنا معك ، وإن خضت بحرا خضنا معك قال : فركب ، وركبت معه قريش ، فأخذ على أعلى مكة وانحدر على أسفلها ، فلما أن لم ير شيئا ترك الناس واتشح بثوب وارتدى بآخر وأقبل إلى البيت الحرام فطاف أسبوعا ثم أنشأ يقول :
 
« 438 »
 
يا رب إن محمدا لم يوجد * فجميع قومي كلهم مترددفسمعنا مناديا ينادى في جو الهواء : معاشر القوم ، لا تصيحوا فإن لمحمد ربا لا يخذله ولا يضيعه فقال عبد المطلب : يا أيها الهاتف من لنا به : قالوا :
بوادي تهامة عند شجرة اليمنى ، فأقبل عبد المطلب فلما صار في بعض الطريق تلقاه ورقة بن نوفل ، فصاروا جميعا فبيناهم كذلك إذا بالنبي صلى الله عليه وسلم - قائم تحت شجرة يجذب أغصانها يعبث بالورق فقال عبد المطلب :
من أنت يا غلام ؟ قال : أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قال عبد المطلب فدتك نفسي ، وأنا جدك عبد المطلب ثم احتمله وعانقه ولثمه وضمه إلى صدره وجعل يبكى ، ثم حمله على قربوس سرجه ، ورده إلى مكة فاطمأنت قريش ، فلما أطمأن الناس ذبح الشاة والبقر ، وجعل طعاما وأطعم أهل مكة .
 
( 970 ) فلما كان يوما من ذلك خرجوا يرعون بُهْما لنا حول بيوتنا ، فلما انتصف النهار إذا أنا بابنى « ضمرة » يعدو فزعا وجبينه يرشح قد علاه البهر باكيا ينادى : يا أبت ، يا أبه ، ويا أمه ، الحقا أخي محمدا فما تلحقاه إلا ميتا ، قلت : وما قصته ؟
قال : بينما نحن قيام نترامى ونلعب إذ أتاه أتاه رجل فاختطفه من أوسطنا ، وعلا به ذروة الجبل - ننظر إليه حتى شق صدره إلى عانته ، ولا أدرى ما فعل به ، ولا أظنكما تلحقا به إلا ميتا قالت فأقبلت أنا وأبوه - تعنى زوجها - نسعى سعيا فإذا نحن به قاعدا على ذروة الجبل شاخصا ببصره إلى السماء يبتسم ويضحك فأكببت عليه ، وقبلت بين عينيه وقلت فدتك نفسي ، ما الذي دهاك ؟
خيرا يا أماه ، بينما أنا الساعة قائم على إخوتي إذا أتاني رهط ثلاثة بيد أحدهم إبريق فضة وفي يد الثاني طستين من زمردة خضراء ملؤها ثلج ، فأخذوني فانطلقوا بي إلى ذروة الجبل ، فأضجعونى على الجبل إضجاعا لطيفا ثم شق صدري إلى عانتى ، وأنا أنظر إليه فلم أجد لذلك حسا ولا ألما ، ثم أدخل يده في جوفي فأخرج أحشاء بطني فغسلها بذلك الثلج فأنعم غسلها ، ثم أعادها


« 439 »
 
وقام الثاني فقال للأول تنح ، فقد أنجزت ما أمرك الله به ، فدنا منى فأدخل يده في جوفي ، فانتزع قلبي وشقه فأخرج منه نكتة سوداء مملوءة بالدم ، فرمى بها فقال هذا حظ الشيطان منك يا حبيب الله ، ثم حشاه بشئ كان معه ورده مكانه ، ثم ختمه بخاتم من نور فأنا الساعة أجد برد الخاتم في عروقي ومفاصلى ، وقام الثالث فقال : تنحيا فقد أنجزتما ما أمر الله فيه ثم دنا الثالث منى فأمر يده ما بين فوق صدري إلى منتهى عانتى فقال الملك زنوه بعشرة من أمته ، فوزنونى فرجحتهم ثم قال دعوه فلو وزنتموه بأمته كلها لرجح بهم ، ثم أخذ بيدي فأنهضنى إنهاضا لطيفا فأكبوا على وقبلوا رأسي مما بين عيني ، وقالوا : يا حبيب الله إنك لن تراع ولو تدرى ما يراه بك من الخير لقرت عيناك ، وتركوني قاعدا في مكاني هذا ، ثم جعلوا يطيرون حتى دخلوا حيال السماء وأنا أنظر إليهما ، ولو شئت لأريتك موضع دخولهما . ( البيهقي 1 / 140 - 141 ) .
 
( 996 - 1016 ) هناك إضافات لمولانا على الرواية المذكورة في المصادر الأصلية العربية فها هو النداء يأتي من داخل الكعبة بمديح للمصطفى صلى الله عليه وسلم يحتوى على أغلب ما تراه الصوفية فيه عليه السلام ،
إن النداء الإلهى يصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه محفوظ من قبل الله تعالى بإقباله وبأفواج من الملائكة ، وهو صلى الله عليه وسلم - ذو ظاهر مشهود أمام العالم هو ظاهره البشرى فهو عليه السلام بشر يأكل الطعام ويمشى في الأسواق ويجلس على الأرض ولا يميز بشكل أو إشارة عن أحد من أصحابه ، لكن ما يحتويه باطنه من عجائب لا يستطيع أحد أن يدركها فلا يستطيع أحد أن يوفيه حقه من المدح ،
إنه ذهبنا إلابريز وهذا الجسد الإنسانى بالنسبة لنا كالذهب ، نجعله حينا تاجا على الرأس من علوه وعظم مقامه ، وحينا أخر نجعله خلخالا في القدم ، حينا نعز به فنجعله حمائل سيف ، وحينا نذل من دونه
 
« 440 »
 
فنجعله طوق أسد ، حينا نجعله زينة للدنيا ، وأحيانا نجعل منه وسيلة للتقرب إلى الله تعالى ، هذا بالنسبة للإنسان العادي فما بالك الإنسان الذي هو محبوب لدينا والذي نحس بالحب نحوه ، نعم فإنه متصف بالرضا والتواضع ، ومن هنا فنحن نجعل منه ملكا ، ونجعل منه عاشقا لنا مدلها في حبنا طائراً في ملكنا ،
وهو التراب ( الإنسان ) هو المخصوص بالعشق هو المخصوص بالجدل ، وهو المخصوص بالخلافة ، وهو الذي تواضع فرفع ، وهو وإن كان من التراب ظاهراً ، إلا أن باطنه ملئ بالنور ،
ولا يزال طينه ونوره في حرب وفي قتال يظن جسده أنه هو ، فيقول باطنه ، حسبك وأنظر أمامك وخلفك إلى الأجساد التي ذهبت وإلى الأجساد التي تأتى ، كلاهما ينكر الآخر الظاهر ينكر الباطن والباطن ينكر الظاهر ، لكن بالرغم من هذا الظاهر العبوس ، هناك الباطن الملئ بالسرور والضحكات ،
ونحن كاشفو الأسرار نستطيع أن نخرج ما يخبؤه هذا التراب ( الإنسان ) من معجزات : معجزات في الفنون والآداب والفكر ، معجزات في التفوق على متطلبات الجسد والسمو عنها . أتدري بماذا ؟ ؟
بأن يتعرض لقدر من الابتلاء وقدر من الألم ، ومن ثم فإن الألم هو الذي يستطيع أن ينسى الإنسان هذا الجسد ، ويجعله يتنحى ليفسح للباطن ، والفكر بأن يخرج ما عنده ، وكان مولانا جلال الدين يرى أن الطريق إلى المعجزات الإنسانية إنما يتبع في البداية من معاناة الألم والمشقة ،
إن هذه الأنواع من التراب قد أبدت من جراء حبنا وتكريمنا وتسخيرنا كل شئ لها كثيرا من أنواع الفضل والعلم ، وما هذه الفضائل والعلوم إلا من قبل الإقرار بالفضل الإلهى والعطايا الربانية ، فالإبتلاء من الله تعالى لاستخراج جواهر الأخلاق الإنسانية من معادنها كما قال مولانا نجم الدين كبرى ،
وكما ورد في قوله تعالى : «إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا» ( سورة الكهف : 7 ) .
 
« 441 »
 
( 1017 - 1029 ) إذا كانت هذه هي أنواع الفضل التي خصصنا بها البشر ، فما بالك بما خصصنا به صفوة البشر وسيد الخلق أجمعين ، لقد زاد على كل أولاد آدم ، زدته من محبتي وزدته من فضلى ، لقد ظهر من السماء والأرض ( الأب والأم )
مواليد كثيرة ، لكنهما لم يسعدا بأحد منها قدر سعادتهما بمحمد - صلى الله عليه وسلم - إن السماء لتتفتح والأرض تمتلئ بالأزهار والرياحين . . ثم يعود مولانا جلال الدين فيتحدث عن الإنسان عموما ، ذلك المخلوق العجيب الذي يحتوى على كل المتناقضات ، فظاهره مع باطنه في نزاع ، وما هذا النزاع إلا من أجل أن يصل إلى الحق ، وأن يحقق مصداقية النفخة الإلهية ،
إنه يقاتل ما ركب في طبيعته من شهوات ونزوات
ومطالب جسدية وهي ما رمز إليها مولانا جلال الدين بالألوان ، إنه ظلمة ونور ، ومن كان نوره وظلمته معا في قتال فإن شمس روحه لا تغرب أبداً لأن الله سبحانه وتعالى يمدها بالنور الذي به يستطيع أن تهزم الظلمة ،
إن كل من يعاني المحن في سبيل هذا الجهاد ، يجعل الله من السماء تحت قدميه حتى يصل إلى سدرة المنتهى
وهكذا أنت يا أبن آدم مهما كنت فقيرا مسكينا متضرعا من ناحية الجسد ، فإن عالم الروح وأصلك ملك واسع ورياض متفتحة مفعمة بالسرور الروحاني لقربك من الحق ،
وما هذا الوجه العبوس إلا هبة من الله تعالى حتى لا يقترب منك كل من يريد أن يشغلك عن هذا النور داخلك ، المشايخ كالقنافذ داخل أشواكهم حتى لا يتجرأ كل عامي عليهم ويشوش أوقاتهم ،
إنهم كالحدائق التي تخفى خلف الأسوار الشركية التي تبعد اللصوص وأولئك الذين يتميزون بالجمال الظاهري والقبح الباطني الذين يقللون من كل سرور إلهي ومن كل رضا .
 
( 1035 - 1040 ) : روى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : إن قريشا كانت نورا بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق آدم بألفي عام يسبح ذلك النور
 
« 442 »
 
وتسبح الملائكة بتسبيحه فلما خلق الله آدم ألقى ذلك النور في صلبه فقال :
عليه السلام : فأهبطنى الله الأرض في صلب آدم وجعلني في صلب نوح وقذف بي في صلب إبراهيم عليه السلام ولم يزل الله ينقلنى من الأصلاب الكريمة والأرحام الطاهرة حتى أخرجني من أبوى لم يلتقيا على سفاح قط . . .
وهذه الأنساب في حد ذاتها مجرد دريئة ، فإن الغرض من إيجاد كل من سبقوه في عالم الحس هو ظهوره عليه السلام فهو زبدة الكائنات وخلافة الموجودات وعزة آبائه إنما كانت بسببه ، وما كان فراره تحت الشجرة إلا ليستقبله أشراف قريش ويشهد عنه ذلك ما رواه على عن وائلة أنه عليه السلام قال : إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بنى كنانة واصطفى من بنى كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفانى من بني هاشم ( مولوى 4 / 141 ) .
وأي حاجة بها صلى الله عليه وسلم إلى النسب ، وهو أطهر وأصدق وأشرف من كل نسب وروحه هي أول روح خلقت فهو أبو الأرواح لم تولد روحه من أحد كي ينتسب إليه ، ونور الحق لا يمكن أن ينتسب إلى نسب ، ولا يبحث إنسان له عن أصل ، وخلقة الله سبحانه وتعالى إلى نسب في حاجة إلى مادة نسيج وإلى خيوط ، وإن كل من طلعت عليه من هذه الخليقة فإنها تجعله فوق شمس السماء ، فما بالك بروح رسول الله وخير خلقه ؟ ؟
 
( 1041 - 1044 ) الخطاب موجه إلى بلقيس أو النفس الأمارة بالسوء التي تجعل الإنسان الأمير ابن الخليفة يقنع بالأسمال ، عودي يا بلقيس النفس إلى الملك الباقي ، فإنك إن وصلت إلى ساحل البحر الإلهى ولم تقومى بالخوض فيه فلن يكون لك نصيب من الدر الذي تلقيه أمواج بحر الحقيقة على الساحل أليس هؤلاء المريدون الذين لم يخوضوا بعد في بحر الحقيقة يتلقون الدر من الشيخ ؟
 
هيَّا فإن إخوانك اللائي امن قبلك يسكن الجنان . .
فكيف تمارسين أنت السلطة على جيفة طلابها كلاب هيا فإخوانك من النفوس التي آمنت سواء كانوا
 
« 443 »
 
ذكرانا أو إناثا لا تعلمين ما يخفى لهم من قرة أعين . . . فكيف أخذت تقرعين الطبول مفاخرة بسلطنة تنتهى وملك يبلى على هذه المزبلة ومستوقد الحمام المسمى بالدنيا ؟ !
 
( 1045 - 1064 ) مر شرح الآية الكريمة في الكتاب الثالث في شرح حكاية الدقوقى ، والحكاية نفسها وردت في الكتاب الثاني
( أنظر الأبيات 2362 - 2369 من الكتاب الثاني ) والكلب الذي يهاجم العميان في الحي وفي الطريق رمز لأولئك الذين يستخدمون قواهم الكلبية وتكالبهم على الدنيا لإيذاء الناس واستضعاف الخلق بينما هناك من هم من جنسهم ويتشابهون معهم في الخلقة لكنهم عرفوا لأنفسهم قدرها وأهموها بما هو جدير بها فكأنهم يصيدون حمر الوحش في الجبال ولا يتجرأون على العميان في الطرقات –
 
ثم يخاطب مولانا هذا النوع من المخلوقات : دعك من هذا الاحتيال أيها الشيخ ، ، إن من تحسبهم مريديك قد اجتمعوا حولك هم في الحقيقة جماعة من عميان القلب ظنوا ماءك المالح الذي يزيدهم عطشا ماء إنك أشبه بمن يقول : هؤلاء هم المريدون لي يجلسون حولى يشربون منى ويتحولون جميعا إلى عميان . .
 
وكم من الشيوخ من أمثال هذا الشيخ يوجدون في الدنيا ووجدوا فيها وسيظل هذا النموذج من البشر موجودا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ترى أحدهم في كسوة أهل العلم ، يحمل أعلى الألقاب العلمية ، شاخ في عمره لا في عقله ، تجمع حوله جمع من المخدوعين فيقودهم إلى سراب .
هؤلاء الذين ليس لهم من المشيخة أو الأستاذية إلا هيأتها الظاهرة ، هؤلاء يفرخون جهلا لا علما ، ويقودون إلى الضلال والنار حتى من كان منهم ذرب اللسان يلوك بعض المقولات ذات الألفاظ الطنانة والرنانة ، هؤلاء هم شيوخ السوء الذين لم يأخذوا العلم من لدن الحكيم الخبير ، وأخذوا علمهم من ميت عن ميت ، ،
إن أشباه هؤلاء الشيوخ كلاب الحارة يصيدون العميان ، بينما أسد الله في الجبال يصيد
 
« 444 »
 
الوحوش إنهم يثملون بصيدهم ، إنهم أسد تصيدا أسدا . . لقد تركوا الصيد وفنوا في عشق الحبيب ، إن هذا العشق هو الشبكة التي يصيدون فرائسهم القوية بها ، إنهم أشبه بالطيور الميتة التي يضعها الصياد في موقع الفخ فتنزل عليها الطيور من الجو ، وهذا الطير الفاني مضطر لا اختيار له ، إنه بين يدي الشيخ كالميت بيد يدي الغسال ترك قلبه بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء بين صفتي جماله وجلاله وقهره ولطفه ( مولوى 4 / 144 )
فإياك أن تعتبره طائرا ميتا وتشيح بالوجه عنه فإن هذا الطائر الميت هو قائدك إلى الحي الذي لا يموت ، إنه ليس ميتا وليس ميتة ، فمن مات بالعشق لم يمت أبدا . . .
إنه متحرك بالله حي به منتعش بأنفاسه هذه هي الحركة الخالدة الباقية الصحيحة . .
هذا الضعف البادى قوة هائلة جبارة تستطيع أن تقضى على العنقاء إن أبدت أي إعوجاج في الطريق . . إنه يخاطبك قائلا : لست بالميت إنني في كف المليك تحركنى أصبعاه ، وإنما يدرك هذا من كان حيا بالفعل ومن كان عبدا لله لا عبدا لسواه من طواغيت الأرض .
 
( 1065 - 1069 ) ما دام الحديث عن العشق فلا بد لجلال الدين أن ينطلق ( عن العشق أيضا انظر الكتاب الثالث شروح الأبيات 3830
وما بعدها وخاصة الواردة في قصة وكيل صدر جهان ) إن كرم الله سبحانه وتعالى على عيسى معجزة إحياء الميت ، لكني في كف خالق عيسى هذا الكف هو الذي يحركنى فقد فنيت عشقا فيه وسلبت منى كل إرادة ، فإذا كانت كف عيسى قد أحيت الميت ، فكيف أكون أنا ميتا في كف من وهب عيسى هذا المعجزة ، إنني أنا أيضا عيسى لكن ذلك الذي أحييه لا يموت بعدها أبدا ، لقد أحيا عيسى أحدهم ، لكن هذا الذي أحياه عيسى عليه السلام مات ثانية وما أسعده ذلك الذي أحياه نفس العشق وسلم روحه وقلبه للمولى وحيا به ولقى مرتبة البقاء بعد الفناء ( أنظر مقدمة الكتاب الثالث ) إن الفاني في الله في أي مرتبة يكون الة في يد الحق ،
 
« 445 »
 
كالعصا في يد موسى وإن كان موسى لا يظهر لكنني أنا الظاهر ، نعم أنا بالنسبة للمؤمنين جسر على البحر لكني بالنسبة لفرعون عقاب . . إياك أن تعتبر أن عصا موسى عصا وحيدة انتهى أمرها ، فما دام الذي كان يحرك العصا موجودا وحيا وباقيا فإن عصيه كثيرة ، وإن لم تكن في صورة عصى ألم تكن له معجزات أخرى فعلت فعل العصى في حين أنها لم تكن عصى إن طوفان نوح من قبيل العصا . . إن عصى الله لا حصر لها ولا عدد لها ، ولو أنشئت في أي صور يجلى الله سبحانه وتعالى معجزاته ، لعلم أولئك المتظاهرون بالتقوى والصلاح والمحتالون على الخلق من أين يأتيهم العذاب وفي أية صورة سوف يفضحهم الله سبحانه وتعالى ولكن دعك منهم إنهم يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام من هذه الأعشاب المسمومة وذلك الرزق المخلوط بخوف الموت وخوف الفناء والنار مثوى لهم .
 
( 1070 - 1079 ) إن أمثال هؤلاء الناس لازمون للدنيا تماما ، هذا هو دفع الناس بعضهم ببعض الذي لولاه لفسدت الأرض هؤلاء لازمون لحركة الدنيا ولرواج هذا السوق ، كما أنهم أيضا لازمون للآخرة ، فكيف يبدو الصالح إن لم يكن الطالح ، إن لم يوجد الطغاة فلماذا خلق جهنم ومن أين تجد قوتها ؟
دع هذا الفرعون يزداد سمنة ودع من حوله ينفخون فيه كما تنفخ الدابة المذبوحة حتى تسلخ ، فإن كلاب جهنم في انتظار لحمه ، لقد خلق الله الجنة والنار ، . .
فمن أين تجد النار قوتها إن لم يوجد غضب ، إن لم يوجد الغضب لأطفأتها تلك الرحمة التي تسبق الغضب دائما ، إذن لكان هناك لطف فحسب دون قهر فمن أين إذن تتم للمليك صفاته ومن أخص سماتها أن تكون متقابلة . .
قد خلق الكون كما خلق الإنسان تماما في أحسن تقويم ، وما هذا التقويم الحسن إلا تعايش هذا المتضادات داخل الإنسان وداخل الكون وتصارعها في نوع من التناسق الرباني الذي لولاه لما كان لهذه الحياة طعم أو غاية .

« 446 »
 
( 1080 - 1088 ) فإذا أنكر عليك أحدهم ما أنت فيه ، وإذا سخر أحدهم من الطريق الذي اخترته . .
فدعه يسخر فلطالما سخر المنكرون من الذاكرين ، وطالما سخر الكفار من المؤمنين «وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ» صاروا مادة للضحك والسخرية في بيوت المنكرين ،
فسوف يعلم يوم أن تنتهى حياته الدنيا أنه كان في ضلال مبين .
أما أنتم أيها المحبون فلتقيموا على هذا الباب الذي فتح لكم اليوم . . فحقيقة أنكم تعيشون مع هؤلاء المنكرين في الدنيا ، لكن ما أشبهكم بتلك الزروع والنباتات الموجودة في البستان لكن لكل منها حوضا خاصا بها ،
ولا يمكن أن تزرع نباتا في حوض مخصوص بنبات آخر ، كل نبات يروى مع جنسه ، وكذا الإنسان في بستان الحقيقة يرويه خالقه ، خلقه على أصناف وأنواع منه العاشق ومنه المنكر وكلهم يسقون بماء القدرة والحكمة
«وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ» ( الرعد : 4 )
 
فإذا كنت في حوض الطيبين الأطهار كن طاهرا طيبا ، رب نفسك على الطهر والطيبة حتى تصل إلى المقصود من خلقك في أحسن تقويم إلى الهدف من خلقك وهو العودة إلى الجنة والوصول إلى الملأ الأعلى ،
لا تختلط بالأوباش والعوام والكلاب التي تجمعت حول جيفة الدنيا ، وأنا بنفسك عنهم حتى لا تأخذ منهم عدوى الحماقة والانحطاط فالصحبة مؤثرة والطبيعة سارقة ، أنت مودع في مكان وهو مودع في آخر ، فاهجرهم مليا ،
وأرض الله واسعة وما هذه الأرض الواسعة التي توصف بأنها أرض الله إلا قلب العارف :
أصل أرض الله هي قلب العارف .
وهي في اللامكان ولا عال فيها ولا سافل .
ولا حد لريعها ولا حصر فأقل حبة تغل فيها سبعمائة حبة .
 
« 447 »
 
( 1089 - 1094 ) هذه الأرض التي قال الله عنها سبحانه وتعالى أنها واسعة ذرة في محيط كونه ، إنها واسعة لك إذا كنت مخلوقا أرضيا ، فما بالك إذا جالست أولياء الله ، وخرجت عن ريقة الجسد ، وصرت مخلوقا كونيا ، تخيل إذن تلك العوالم الواسعة التي سوف تفتح أمامك إذا دخلت عالم الحقيقة ، وما هذا العالم الذي نعيش فيه ونراه واسعا إلا مجرد صورة مصغرة له فأرض الحقيقة يتوه فيها الشيطان والجنى ، تتقطع في جبالها وصحاريها الأوهام والخيالات ، وما هذه الصحارى الشاسعة التي تراها هنا إلا كقطرة في بحر بالنسبة إلى صحارى عالم الحقيقة وفيافيه ، بل إن ماءها الراكد لأكثر حركة من أنهار هذا العالم الجارية إنه يجرى من داخله هو ، حياته وجريانه تلقائيان وما هذا الماء الراكد الباطني إلا ماء الفكر . . فهل جربت أن تجلس متأملا في أفكارك ، تترك لهذه الأفكار العنان ، فكرة وراء فكرة ، وفكرة تبث فكرة إلى ما لا نهاية . .
 
ألم تلاحظ أنها أكثر حياة من موج البحر ؟ ! تصور إذن أن هذا السير الباطني يكون على يد مرشد يهديك إلى عالم الحقيقة بصحاريه وفيافيه وجباله ووديانه ، تسير بالروح خارج الجسد تخيل هذا السير والسفر الساري في عوالم الكون .
ألن يكون بالتأكيد أكثر انطلاقا وخفة وأبعد أثرا وأكثر ثمرا من السير في عالم الدنيا ؟ ! ما هذا ؟ !
كأني بك أيها المريد قد تركت لنفسك العنان وحدك وسبحت في هذه العوالم . . ومن يدرى . . لعلى لا أستطيع أن آخذ بيدك منها . . فإنك تبدو كالنائم . .
وعلى أن أقصر هذا الخطاب . . . ما دام المستمع لا يملك يقظة تمكنه من أن يتابع هذه الإفاضات التي لا جدوى منها بالنسبة للمريد وكأنها نقش على ماء .
 
( 1095 - 1109 ) عودة إلى خطاب بلقيس أو تلك النفس التي تعرض عليها الهداية . وتكون قريبة منها ، وهي تتعلل بعرض من هذا الأدنى هيا يا بلقيس والحقي بالكسب ، فإن رواج سوق الدنيا كساد ، ونفعها خسارة وضرر ، هيا
 
« 448 »
 
أيتها النفس ولك الخيار من قبل أن يأخذ الموت بخناقك ، ويكون من وراءك برزخ إلى يوم يبعثون . .
هيَّا كفاك انغماسا في السرقات التافهة كذاك الذي يسرق سنابك الحمر ، هيا تعالى واظفرى بالياقوت وإذا سرقت فاسرقى الدرة ، أي ملك هذا الذي تتشبثين به ؟ !
أملك البؤس والظلم ، أملك إلى خراب ؟ تعالى إلى الملك الحقيقي ملك أولياء الدين ذلك الذي لا يساوى ملك الدنيا إلى جواره ذرة من تراب ، إنه بظهر الباطن في رياض من السرور والسعادة بينما يكون في الظاهر بين رفاقه ومريديه يحدوهم في طريق الحق ، وبرياض سروره وسعادته تمضى معه حيث يمضى وإن كان هنا مخفيا عن أعين الحق ،
إن ثمار بستانه المعنوي تتضرع إليه أن يأكل منها وماء الحياة ذلك الذي يهب الخلود يرجوه أن يشرب منه ، ولا تزال تلك الثمار وذلك الماء ترجوه أن يداوم تطوافه بين الأفلاك كالشمس والقمر ، إنك يا بلقيس النفس - في هذا السفر تكونين سارية في الأرواح ولا قدم آكلة للثمار المعنوية ولا فم ، فلا تمساح من الهم والحزن يهاجم سفينة وجودك ،
ولا موت يغير ملامحك ويذهب عنك هذا الجمال الذي تدلين به وتكونين الملكة والجيش ، فلا خوف يكون عندك من قبل الجيش كما يظل الحكام والملوك جميعا خائفين من جيوشهم ومن غضبة جيوشهم ومن تمركز جيوشهم ومن قول لحافظ الشيرازي سعادة امتلاك الدنيا لا يساوى لحظة من شغب العسكر ( ديوان حافظ ص 17 ) . فكأن الأمن من العسكر في رأى مولانا جلال الدين هو الملك الحقيقي ، والملك الدنيوي لا يدوم والإقبال يمضى من إنسان إلى آخر والملك عقيم والعرش الدنيوي مجرد جبيرة ساق .
 
( 1110 - 1112 ) إنك إن علقت على هذا الملك الدنيوي لبقيت في النهاية كالشحاذة ، إذ ماذا يخرج به الملك من الدنيا أكثر مما يخرج بالشحاذ ، فهيا حافظي على حظ نفسك من العلم والعمل ، ولا يمكن لك يا من تحمل هم المعنى وتترك القشور أن تضل . . كيف يمكن أن تضل ومصباحك في داخل
 
« 449 »
 
نفسك أو أن تظمأ ونهرك يجرى من داخلك . . أو أن تفتقر والملك والمال ينبعان من ذاتك أنت لا من خارجها ، هذا ديدن العظمة التي تنبع من داخل الذات . . لا يمكن أن تسلب منك .
 
( 1113 - 1121 ) يتابع مولانا جلال الدين بقية قصة بناء المسجد الأقصى على يد سليمان عليه السلام التي بدأها في البيت 389 وتركها في البيت 487 دون أن يكملها وها هو يخاطب سليمان أن يتم بناء المسجد الأقصى أي سليمان ؟ !
أو أي مسجد أقصى ؟ ! سليمان الإرشاد أي المرشد الكامل المسيطر على قلوب المريدين والعالم بدخائل أنفسهم والذي يبنى كل يوم مسجدا أقصى عن القلوب العامرة بالذكر الواسعة الرحبة التي تسع رحابة الأكوان ، كي تنزل فيها بلقيس النفس ، فتترك الهوى وتصفو من أدران الدنيا لكي تكون جديرة بالنزول في هذه القلوب ، هذا هو سليمان الإرشاد عندما يشرع في بناء القلوب ، تقوم الإنس والجن بالعمل معه ، طوعا أو كرها ، تماما كمريديهم في العبادة ، وفي الحياة وفي الكسب لقوت الدنيا ، جنونهم الدنيوي يجذبهم نحو السوق ، وما هي السلسلة التي تجر هذا المجنون وتجذبه ؟
إنها شهوة الحياة ومحبتها التي لا يخلو منها إنسان ، هناك جاذب يجذبه نحو كسبه ومن هذا قال تعالى «فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ» فهل كان في جيد زوج أبى لهب حبل من مسد إنه الحبل الذي يجذبها نحو ما تراه نفعا لها ( انظر تفسيرا آخر للآية في الكتاب الثالث شرح البيت 1664 ) .
هذا هو الحبل الذي يجذب الأعناق ، إن لم تكن تصدق قولي اقرأ الآية الكريمة «إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ» ( يس 7 - 9 ) .
لا يوجد إنسان منغمس في الشر والرذيلة أو طرحها عن نفسه وأبل منها إلا وطائره في عنقه أي عمله الذي قدر له منذ الأزل «وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ» ( الإسراء : 13 ) .
 
« 450 »
 
( 1122 - 1129 ) وهكذا حرصك على العمل القبيح انظر كيف يزين لك العمل القبيح ، تماما كما تقوم النار بتجميل الفحم الأسود وتحويله إلى جمرة في لون النار ، وانظر عندما تخمد فيك الشهوة إلى هذا العمل القبيح وتنتفى عنه النار بعود الفحم المتبقى أو رماد الفحم إلى لونه الطبيعي يبدو الفعل القبيح بعيدا عن الحرص الذي يزينه لك مجرد عمل قبيح ، هذا الحرص هو الحبل الذي يجذبك نحو الفعل القبيح ، وعندما ينقضى هذا الحرص يبدو العمل مجرد فعل قبيح ،
وهذه النبتة الحامضة التي تفسد الأسنان المسماة بالغولة ويزينها الشيطان يظنها الأبله نباتا مفيدا لذيذا في حين أنه إذا ذاقها فسوف تفسد أسنانه ، هذا هو غول الحرص الذي يدعوك نحو المتاهات ويجعلك تضيع وتضل الطريق في صحراء الحياة هذه ،
وتحسب الفخاخ حبا والغول في المأثور الفارسي مخلوق خرافي يظهر في الصحارى ويضل السائرين عن الطريق المأهولة فيهلكون وهو في المأثور الصوفي رمز على المرشد المزيف ، أو الذي يدعو دعوة السوء يغلفها في إطار باهر من الخير .
 
( 1130 - 1145 ) كن حريصا فحسب في أمرين كلاهما متصل بالآخر وهما لا يتجزان : الدين والخير ، وعندما ينتفى الحرص ، تمضى خفيفا حاذ السير تستطيع أن تقطع الطرق الطويلة وتطوى المسافات الشاسعة ، يكون سير جسدك كسير الرمح لا يقف حائل أمامه ، فإن الخير في حد ذاته ليس نابعا من نفعه أو لأن أحدا زينه لك ، وإن مضت شعلة الحرص التي تضئ الطريق وتحفز على السعي فإن جمال الخير وحسنه في موضعه لا يتغير ، والحرص هذا ليس من أخلاق الرجال ، إنه من أخلاق الأطفال ، أولئك الذين يتصورون أذيال أثوابهم خيولا يركبونها ، انظر إلى نفس هؤلاء الأطفال عندما يصلون إلى مرتبة الرجولة إنهم يضحكون من الأطفال الذين يقومون بنفس العمل . .
يتذكر أيام الطفولة عندما كان الحرص يحول الأعيان عن خواصها بيدي الخل عسلا . . إن ما

 
« 451 »
 
يبينه الأنبياء هو الذي يكون خاليا من الحرص والهوى والغرض ، ومن ثم فإن أبنيتهم تزداد بهاءً وعظمة ورفعة مع مرور الزمان . . وما أكثر المساجد التي بنيت لكنها لم تحمل اسم « المسجد الأقصى » انظر أيضا إلى الكعبة هل زادها أصنام مثل اللات والعزى رونقا ومجداً ؟ !
إنما يكون مجدها وعظمتها من إخلاص إبراهيم عليه السلام ، إن شرف المسجد الحرام وحرمته ليست نابعة من حجارته ومن هيئته ومن الحجر الأسود ، بل لأن البناء قد تم على الوفاء والإخلاص في عبادة الله عز وجل ، لم يبن كبرا أو ردا أو حربا أو خصاما ، هكذا أبنية الأنبياء وهكذا مساجدهم ودورهم وأحوالهم ولا علاقة لها بما للآخرين ، وليس غضبهم ولا أدبهم ولا نكالهم ولا حرصهم ولا فعالهم كالآخرين ، بل إن طيران أرواحهم من جناح آخر ،
إنهم مختلفون عنا تماما ، فإن لأفعالهم صفرة الذهب الرنان وقيمته ، ومن ثم فقد انقشعت الظلمات أمام أرواحهم فصارت في ظلمات الليل ترى ضوء الفجر ، . . فهذه هي أرواحهم التي تضئ أمامهم ( أنظر قصة عبد الله المغربي في نفس هذا الكتاب شرح الأبيات 598 - 612 ) إن كل ما أتحدث به عن هؤلاء القوم مهما أفضت ومهما فصلت يظل ناقصا .
 
( 1146 - 1155 ) فهيا أيها الكرام هيئوا قلوبكم وهي لكم بمثابة المسجد الأقصى للمؤمنين ، فإن سليمان الإرشاد والطريقة قد أتى إليكم فاجعلوا هذه القلوب مستعدة لإفاضاته ، وإن تمردت عليك قوى النفس وأعرضت عن الطاعة فإن قوى الروح مستعدة لحصارها وقمعها وحملها على الجادة وها أنت أيها الروح السليمانية ، لو أن الشيطان إعوج لحظة واحدة ، فإن سياط العذاب الإلهى تلهب رأسه «وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ» ( سبأ : 12 ) .
فكن أنت في عظمة سليمان حتى تقوم قواك النفسانية أيضا بالمشاركة صاغرة في بناء إيوان قلبك ، فكما كان في الخاتم قوة لسليمان ، فإن خاتمك ومكمن قوتك ومفتاح هذه القوة هو هذا المضغة التي
 
« 452 »
 
إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله ، هذا القلب ، فاحرص عليه وكن دائما مراقباً له ، حتى لا يقوم شيطان بالسيطرة على خاتمك هذا فإنه إن فعل يقوم بالسيطرة عليك سيطرة تامة ، فكن على حذر من شيطان ملك سطوة سليمان وقوته ، فإن القوة إن منحت لسليمان فإنه يستطيع أن يوظفها في الخير كله ، أما القوة في يد شيطان مريد ففيها خراب العالم كله ، انظر إلى سليمان عندما خلع الخاتم ، وسرقه الشيطان وسلب ملكه لأنه أطاع هواه مرة واحدة وتزوج من امرأة كانت تعبد الصنم في قصره ، «وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ» ( سورة ص 34 )
 
وهذا وإن كانت السلطة السليمانية الحقيقية قد نسخت ، فإن سلطة القلب لا تنسخ إنها بالرغم منك تظل تعمل داخلك في باطنك ، تظل تؤرقك وتخزك وتدعوك إلى العودة مهما سيطر عليك الشيطان ، وحتى إن كان الشيطان قد سرق خاتم سليمان وسرق صورته فإن ثمة فرقا هائلا وكان شديد الوضوح بين هذا السليمان المزيف وسليمان الحقيقي ( انظر هذا الكتاب البيت 1264 )
 
وهناك فرق هائل على الدوام يكون شديد الوضوح لكل ذي عينين بين أصيل في شئ ومتظاهر به ، وليس كل ناسج يستطيع أن ينسج الأطلس ، وناسج الحصير ناسج أيضا وكلاهما في الظاهر ناسج يحرك يديه ويجلس إلى نول وأمامه خيوط لكن شتان بين ما ينسجه هذا وما ينسجه ذاك ، وإن لم يكن المعنى قد وصل إليك فإليك هذه الحكاية التي تدعوك إلى البعد عن الأسماء والمظاهر والبحث عن الأفعال والقلوب والأصول .
 
( 1156 ) لم يورد فروزانفر أصل الحكاية التي تبدأ بهذا البيت ، ولعلها - وإن لم يكن الأمر يبدو كذلك - من مؤلفات مولانا جلال الدين - والحكاية هنا قائمة على التشابه بين اسمى الوزيرين الوزير الأول الجواد الذي يحض على الجود والوزير الثاني البخيل الذي يأمر السلطان بالبخل ويزين له التضييق على
 
« 453 »
 
الشعراء والتضييق على الرعية وذلك حتى لا تقف عند الأسماء بل تقف عند الأفعال وفي خلال الحكاية هناك بالطبع بعض إفاضات مولانا جلال الدين .
 
( 1170 - 1179 ) إن اسم الإله مشتق كما قال سيبويه من أن الخلق يولهون إليه ، أي يلجأون إليه في حوائجهم من أله الفصيل إذا التجأ إلى أمه وهكذا فسره بهاء ولد ( 1 / 233 ) والحق تعالى منزه عن الوصف وعن الاشتقاق وعن الأسماء وعن الإشارات ، فأي موضع للبحث عن اللفظ والعبارة ، والإشارة لا تستوعب في هذا المجال ( ولا يحيطون به علما ) أي حديث لك عن الشرح والبيان وأي بحث لك عن الاسم والصفة حينما تحل « الوحدة » لا اسم لها ولا صفة ( انقروى 4 / 243 )
وهكذا فإن آلاف العقلاء يطلبون حاجاتهم منه ، يطلبون أن يرفع عنهم الألم أي يولهون إليه ، ومن المستحيل أن يلجأ الإنسان وقت الحاجة إلى من لا يجيب هذه الحاجة ، ومن لا يرفع الضر ، فإن لم يكن الناس قد أجيبت حاجاتهم آلاف المرات ما لجأوا إلى الفرد الديان الصمد في حاجاتهم ، لا ليس فحسب بل والأسماك في قيعان البحار والطيور في السماء وكل الوحوش ، والتراب والعناصر كلها تستمد حاجاتها منه وقوام وجودها منه سبحانه وتعالى ،
وهو أيضا الذي يمسك السماء أن تزولا إن رفعها بلا عمد وعندها حفظه سبحانه وتعالى . .
كل ما هو موجود في الكون يستمد وجوده في الوجود الكلى وكل وجوده ظل من وجوده الحقيقي .
 
( 1181 - 1184 ) ومن هنا فإن الأنبياء قد طلبوا الاستعانة بالصبر والصلاة عند طلب الحاجات منه سبحانه وتعالى وأمروا أتباعهم أن يطلبوا حاجاتهم من الذي لا ترد عنده الحاجات ، ولا ينقص ملكه على كثرة عطائه ، فهو البحر الفياض العباب ، وكل المحسنين مجرد جداول جافة ، بل إنك إن لجأت إلى غيره فهو أيضا العاطى هو الذي يوحى إلى المحسنين من البشر بالعطاء أو
 
« 454 »
 
بالمنع ، فإذا كان قد أعطى لقارون وهو يعرض عنه كل هذا المال فماذا يمكن أن يفعل إن توجه إليه أحدهم بالطاعات ؟ ! فالصلاة أم العبادات ومعراج المؤمنين والمؤمنات وأهل الطاعات ، قال سهل بن عبد الله : « استعينوا بالصبر على ما أمر الله به واصبروا على آداب الله » قال الضحاك : « استعينوا بالصبر أي بالصوم واصبروا على الصلاة » ( انقروى 4 / 245 ) .
 
( 1188 - 1199 ) يفسر مولانا جلال الدين ميل الإنسان الطبيعي إلى الشهرة وإلى الظفر بمدح الممدوحين ، والوصول إلى علو الذكر ، فهو في البداية يشبع حاجات جسده ، وعندما يحدث - وهذا من النادر أن يشبع الإنسان من حاجيات البدن - ، وانظر إلى قول مولانا جلال الدين « نادرا » أي إن المستغنى عن الدنيا مهما أخذ منها نادر تماما ، عندما يستغنى الإنسان عن الخبز يبدأ في البحث عن حسن الذكر وعلو الصيت ، أي ينبغي أن يحدث الاستغناء الخبز أو لا ، ثم يأتي بعدها حب الشعر وسائر الفنون والبحث عن علو الذكر ومن يبسط الحديث عن كرمه ومحاسنه لماذا ؟ لأن الله سبحانه وتعالى جعل خلقنا وخلقنا على صورته أي على صفاته والخلاق الفرد يجب أن يحمد ويشكر ،
ومن ثم قال فابن آدم أيضا يجب أن يحمد ويشكر ، خاصة إذا كان الممدوح من عباد الله تعالى الصالحين قد سما بالعبودية ، فإنه يمتلئ بالمدح كما يمتلئ الزق الصحيح بالهواء ولا يتسرب الهواء منه كما قال عليه السلام « إذا مدح المؤمن في وجهه ربا الإيمان في قلبه » ( الجامع الصغير - أنقروى 4 / 249 ) . وحديث آخر « لا أحد أحب إليه المدح من الله عز وجل ولذلك مدح نفسه » ( استعلامى 4 / 256 ) .
 
أي يمتلئ قلبه بالسرور كما يمتلئ الزق بالهواء ، أما إن كان الممدوح من أهل الباطل ، فإنه يكون كالقربة الممزقة لا تمتلى ولا يربو ، وتقوى نفسه الأمارة لضعف قلبه ، إذ أثنى رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام « ويلك قطعت عنق أخيك » . . . إنني أحدثك بهذا حتى تعلم كم كان
 
« 455 »
 
المشركون مخطئين عندما عابوا على محمد - صلى الله عليه وسلم - حبه للمدح . . وماذا في المدح ما دام الممدوح يمدح بما هو فيه وما دام هو أعلى وأفضل من كل ما يقول المادحون فيه وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يضع لحسان المنبر في المسجد فيقوم عليه فإنما كان يهجو من كان يهجو رسول الله فقال عليه السلام : إن روح القدس مع حسان ما دام ينافح عن رسول الله .
 
( 1205 - 1239 ) على عادة مولانا جلال الدين لا يترك فرصة دون أن يتحدث عن الظلمة في الأرض ، وانظر إليه وهو يصف الوزير الجديد ، ويجرى على لسانه الأحاديث التي يطلقها عادة الوزراء الذين يريدون التضييق على الشعوب والمناعون للخير في كل عصر وفي كل مكان ، وانظر إليه وهو يدبر بخسة كيف يحرم الشاعر من هبة الملك ، وكيف يسوف ، تركه منتظرا حتى يقبل ربع عشر المبلغ الذي قرره له الملك ، وها هو الشاعر ينتظر وينتظر بحيث بات كل همه أن يتلقى من الوزير الجديد « سلاخ الفقراء » السب والشتم والطرد أصبح يتمنى اليأس والمنع لا العطاء ، وانظر إلى هذه الصورة القاتمة من صور البخل والاحتيال والمكر التي يحترفها بعض السياسيين في كل عصر ومكان فيوسعون على من لا عمل له ، ويقترون على من يعمل ، وينفقون على وجوه لا لزوم لها ، ويقترون حيث يجب الإنفاق ، والصورة شديدة الحياة الطبيعية والحركة والدرس الذي يود مولانا أن يقدمه لنا ، أن الملك العادل في حاجة أيضا إلى وزير عادل . . وإلا فإن وزارة هامان جديرة بملك فروعون .
 
( 1240 - 1256 ) إن أرواح الفراعين الهشة كالزجاج هي التي تتأثر بنصائح أمثال هامان ، وإلا فإن الأنبياء مقنعون شديد والإقناع ولقد كان فرعون أحيانا يرق لقول موسى ( انظر الكتاب الثالث أبيات 1252 - 1259 ) لكن روحه لم تكن قوية لكي يتخلص من تراكمات السنين ومن الفرعونية ويؤمن بالله الواحد
 
« 456 »
 
القهار وهكذا بعض البشر ، إنما يمنعهم من الإيمان ضعف في أرواحهم ، فهم لا يستطيعون التخلص مما يسره لهم الكفر من ناحية ومن ناحية ثانية فهم لا يستطيعون الصمود بإيمانهم أمام الساخرين الهازئين ، وفضلا عن ذلك فإن الواحد من هؤلاء يكون كالقشة تتقاذفه كل ريح ، ويكون مستعدا لسماع من هم دونه يخوفونه ، ويردونه عن إيمانه ( فرعون وهامان ) فالقوة عند المؤمن قوة تنبع من الداخل ولا تنبع من السلطة ، وإلا فمن كان أقوى سلطة من فرعون من الناحية الظاهرية ، لكن من الناحية الباطنية كان ألعوبة في أيدي أمثال هامان . .
 
وعلى المستوى السياسي هكذا يكون وزير السوء الذي يكون مناعا للخير ، يعيش الخلق منه في ضنك ومسغبة ومع ذلك فهو ينقل الصورة إلى السلطان أن كل شئ على ما يرام وأن الناس يدعون له . . والوزير من السلطان بمثابة العقل من الروح ، صحيح إن البدن لا يحيا إلا بالروح ، لكن لا بد من عقل يحفظ هذه الروح ، ومن ثم فإن السلطان الذي يكون له مثل هذا الوزير يصبح سلطانا فاسدا . . . ويضرب مولانا مثلا على السلطان الحسن بسليمان ووزيره آصف وهما في الناحية المقابلة تماما لفرعون وهامان وهذا كله وارد في الحديث النبوي « إذا أراد الله بالأمير خيرا جعل له وزير صدق إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه ، وإذا أراد غير ذلك جعل له وزير سوء إذا نسي لم يذكره ، وإن ذكر لم يعنه » ( مولوى 4 / 170 - انقروى 4 / 255 ) وعلى مستوى البدن والوجود الإنسانى فإن الملك الذي يكون مغلوبا لرأى وزيره الفاسد يشبه تماما العقل الذي يكون مغلوبا للهوى ، وهذا يكون قاطعا للطريق إلى الله وليس معينا عليه .
 
( 1258 - 1262 ) العقل الجزئي هو ذلك العقل الإنسانى الفردى المعتمد على ما تنقله إليه الحواس والذي دائما ما يتصرف في حدود هذه الحواس ، أما العقل الكلى فهو فوائد العقل على الإطلاق وما يستدعيه العقل على الإطلاق ، وهو أقرب عند الصوفية إلى لطيفة روحانية وليس بالمعنى الفلسفي والمشهور
 
« 457 »
 
والسلطان المخاطب في الأبيات هو الإنسان على وجه العموم ، وليس المقصود هو المعنى السياسي وهو هنا يرى للإنسان وجودا سياسيا مستقلا ، سلطانا وابن خليفة ، لكن الهوى يقطع عليه طريق العبودية ( الصلاة ) والعبودية لله هي السيادة الحقة ، فعند ما يكون المرء عبدا له فحسب فإنه لا يرهب سلطانا دنيويا مهما بلغت عظمته وسطوته والهوى ابن الحال وابن اللحظة وإلا فأي شهوة تدوم ، إنه يريد أن يعيش لحظته فحسب ، ولا يحسب حسابا للعواقب أما العاقل فهو يفكر في العواقب وفي يوم الدين ، والعقل هنا هو عقل المعاد وليس عقل المعاش وهو يتحمل مشاق الطاعات ومخاطر الطريق من أجل أن يجنى ورود الآخرة ، تلك الورود الدائمة التي لا تتساقط في الخريف والتي تكون في حاجة إلى أنف خاص يشمها .
.


* * *
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: