الأربعاء، 12 أغسطس 2020

08 - ذهاب المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لعيادة أحد الصحابة المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

08 - ذهاب المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لعيادة أحد الصحابة المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

08 - ذهاب المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لعيادة أحد الصحابة المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

ذهاب المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لعيادة أحد الصحابة 
وبيان فائدة العيادة
 
- مرض سيد من الصحابة ، وصار من مرضه " في نحول " الخيط .
- فذهب المصطفى صلى الله عليه وسلّم لعيادته ، فقد كان خلقه كله اللطف والكرم .
- وفي ذهابك لعيادة " المريض " فائدة ، وفائدتها أيضا عائدة عليك .
- والفائدة الأولى أنه ربما كان ذلك المريض قطبا ، أو ملكا " من ملوك الطريق " .
 
« 188 »
 
 
2150 - وما دمت لا تملك عينين في قلبك أيها العنود ، فإنك لا تعرف الحطب من العود .
- فما دام هناك كنز في العالم ، لا تتضايق ، ولا تعتبر أن أي خرابة خالية من الكنز .
- وداوم على غشيان " مجالس " الدراويش كيفما أتفق ، وعندما تجد الأمارة ، داوم الطواف بجد .
- وما دامت تلك العين الباطنية ليست لك ، فداوم على الظن أنه في كل وجود .
- وإن لم يكن قطبا ، فمن الممكن أن يكون رفيق طريق ، وإن لم يكن ملكا ، قد يكون فارس الجيش .
 
2155 - فاعتبر إذن صلة رفاق الطريق أمرا لازما ، مهما يكن ، راجلا أو فارسا .
- وإن كان عدوا ، فالإحسان إليه طيب ، فرب عدو انقلب بالإحسان إلى صديق
- وإن لم ينقلب إلى صديق ، فإن حقده يقل ، ذلك أن الإحسان مرهم للحقد
- وهناك فوائد كثيرة غير هذه ، لكني أخاف التطويل أيها الرفيق .
- والخلاصة أقولها لك : كن رفيقا للجميع ، وكن كالنحات ، إنحت من الحجر رفيقا .
 
2160 - ذلك أن الجماعة وكثرة القافلة ، تكسر من قطاع الطرق ظهورهم وسنانهم .
 
وحي الحق تعالى لموسى عليه السّلام : لما ذا لم تأت لعيادتي
 
- لقد هبط هذا العتاب من الحق على موسى عليه السّلام ، وقال له : يا من رأيت طلوع القمر من جيبك .
 
 
« 189 »
 
 
- لقد جعلتك مشرقا من النور الإلهي ، وأنا الحق ، قد مرضت ، فلم لم تعدني ؟
- قال : سبحانك ، إنك منزه عن الضرر ، أي سر هذا ؟ بينه لي ، يا إلهي .
- فقال له ثانية : لما ذا لم تسأل عني في مرضي تكرما منك ؟
 
2165 - قال : يا رب ، إنه لا يلحق بك نقصان ، لقد تاه عقلي ، ففسر لي هذا الكلام .
- قال : أجل ، لقد مرض عبد من خواصي المختارين ، وهو أنا ، فانظر جيدا .
- فعذره عذري ، ومرضه مرضي .
- وكل من يريد مجالسة الله ، فعليه بالجلوس في محضر الأولياء .
- وإنك إن انقطعت عن حضور الأولياء ، فإنك هالك ، ذلك أنك جزء بلا كل .
 
2170 - وكل من فصله الشيطان عن الكرام ، يجده بلا أهل ، فيبتلع رأسه .
- والبعد عن الجماعة شبرا واحدا وللحظة واحدة ، هو مكر من الشيطان ، فاستمع إلى هذا ، واعلمه جيدا
 
تفريق البستاني بين الصوفي والفقيه والعلوي
 
- عندما نظر بستاني في بستانه ، رأى ثلاثة رجال ، كأنهم لصوص .
- كانوا فقيها وشريفا علويا وصوفيا ، كل منهم هازل شرير لا وفاء عنده .

 
« 190 »
 
 
- قال : إن لي عليهم مائة حجة ، لكنهم جماعة ، والجماعة قوة


2175 - وأنا لن أقوى بمفردي على ثلاثة أشخاص ، فلأفرق بينهم إذن .
- ولألق بكل واحد منهم في ناحية ، وعندما يصير كل منهم وحيدا ، أقتلع شاربه .
- فاحتال ، وصرف الصوفي ، حتى يفسد ما بينه وبين رفيقيه .
- وقال للصوفي : إذهب إلى الحجرة ، وأحضر كليما لهذين الرفيقين .
- وذهب الصوفي ، فأسر إلى الرفيقين قائلا : إنك فقيه ، وهذا شريف مشهور .
 
2180 - إننا نأكل خبزنا بفتواك ، ونحلق بجناح علمك .
- ثم إن هذا الآخر أمير علينا وسلطان ، فهو سيد من آل المصطفى صلى الله عليه وسلّم .
- فمن يكون هذا الصوفي البطين الخسيس ، حتى يكون جليسا لكما أيها الملكين ؟
- وعندما يعود ، إصرفاه عنكما ، وأقيما - في المقابل - أسبوعا في بستاني ورياضي .
- وما يكون البستان ؟ إن روحي لكما ، يا من كنتما لي كعيني اليمنى ! !
 
2185 - ووسوس لهما ، وخدعهما . . . آه ، لا ينبغي الصبر عن الرفاق .
- وعندما صرفا الصوفي وذهب ، تبعه الخصم بعصا غليظة .
- وقال له : أيها الكلب ، هل من التصوف أن تسطو على بستاننا جدلا منك هكذا سريعا ؟
- فهل دلك الجنيد على هذا الطريق أو أبو اليزيد ؟ وعن أي شيخ أو مرشد جاءك هذا ؟
 
 
« 191 »
 
- ودق الصوفي عندما وجده وحيدا ، وجعله نصف قتيل ، وشج رأسه
 
2190 - قال الصوفي : إن نوبتي قد مرت ، لكن يا رفيقيّ ، نوبتكما قادمة لا محالة .
- فهل إعتبرتماني غريبا ؟ أليس كذلك ؟ لست أكثر غربة عنكما من هذا الديوث .
- إن ما تجرعته هو طعام لكما ، ومثل هذا الشراب جزاء لكل دني . « 1 »
- وهذه الدنيا جبل ، وحديثك ومقالك ، يرتد إليك على هيئة صدى .
- وعندما فرغ البستاني من الصوفي ، تعلل بحجة أخرى مثل " تلك الحجة " .
 
2195 - وقال : يا شريفي ، إذهب إلى الحجرة ، ذلك أنني خبزت رقاقا من أجل الإفطار .
- وعلى باب المنزل قل للخادم قيماز ، حتى يحضر ذلك الرقاق والأوز .
- وعندما صرفه ، قال : يا حاد الرؤية ، إنك فقيه ، هذا واضح ومؤكد .
- وإنه ليدعي أنه من الأشراف وهي دعوى باردة ، فمن يدري ما ذا فعلت أمه !!
- فهل تثق في المرأة وفي فعل المرأة ؟ أعقل ناقص وثم ثقة ؟!!
 
2200 - وما أكثر الأغبياء الذين نسبوا أنفسهم إلى النبي وإلى علي في هذا الزمان !! 
- وكل من يصير من زنا وزناة ، إنما يكون هذا ظنه في حق الربانيين .
- وكل من تدور رأسه من كثرة ما دار هو ، يرى أن المنزل يدور مثله
...............................................................
( 1 ) ج / 4 - 567 : - وما جرى علىّ جار لا محالة عليكما ، ولا محيص لكما من تجرع عصي قهره .
 

« 192 »
 
- وما قاله ذلك البستاني الفضولي ، كان حاله هو ، وحاشاه عن أولاد الرسول صلى الله عليه وسلم 
- فلو لم يكن هو من نسل مرتدين ، متى كان ليقول هذا الكلام عن الآل .
 
2205 - وزاد في الوسوسة ، واستمع إليها الفقيه ، فذهب في إثره ذلك الظلوم السفيه .
- فقال " للشريف " : أيها الحمار ، من الذي دعاك إلى هذه الحديقة ؟ فهل تراك ورثت لصوصيتك هذه عن النبي .
- إن جرو الأسد يشبه الأسد ، فأي شبه لك بالرسول ؟ قل لي .
- وفعل بالشريف ذلك الرجل اللجوج ، ما يفعله خارجي بآل ياسين .
- فأي حقد يكنه دائما الشيطان والغول ، مثل يزيد وشمر لآل الرسول ؟
 
2210 - وتضعضع الشريف من ضربات ذلك الظالم ، فقال للفقيه : لقد نجونا من الماء ! !
- فاثبت أنت ، فقد بقيت فردا في قلة ، وصر كالطبل ، وتلق الضربات على بطنك .
- فإن لم أكن شريفا ولائقا بك ونجيا لك ، فلست أقل منك في نظر هذا الظالم .
- ولقد أسلمتني لصاحب الغرض هذا ، وتصرفت بحمق ، فليكن لك بئس العوض .
- ولقد فرغ منه " البستاني " فأقبل قائلا : يا فقيه ، أي فقيه أنت ؟ ! يا عارا على كل سفيه .
 
2215 - أهذه فتواك يا مبتور اليد ؟ أن تدخل بستاني ، ولا تقول : هناك أمر . « 1 »
...............................................................
( 1 ) ج / 4 - 577 : - فهل أعطاك أبو حنيفة هذه الفتوى ؟ أو نقلتها عن الشافعي يا غير جدير بشيء .
 
« 193 »
 
- وهل قرأت هذه الرخصة في الوسيط ؟ أو ترى كانت هذه المسألة في المحيط ؟
- قال : الحق معك ، فاضرب ، وقد طالت يدك ، وهذا جزاء من إفترق عن الرفاق . « 1 »
 
عودة إلى قصة المريض وعيادة الرسول عليه السّلام .
 
- هذه العيادة من أجل هذه الصلة ، وهذه الصلة تحتوي على مائة محبة .
- لقد مضى إلى عيادة المريض ، ذلك الرسول الذي لا ندله ، فرأى ذلك الصحابي في حال النزع .
 
2220 - وعندما تصير بعيدا عن حضور الأولياء ، فقد صرت في الحقيقة بعيدا عن الله .
- فإذا كانت نتيجة هجر رفاق الطريق غما ، متى يكون فراق وجوه ملوك " الطريق " أقل منه ؟
- فاطلب ظلال ملوك " الطريق " ، وأسرع في كل لحظة ، حتى تصبح من ذلك الظل أفضل من الشمس . « 2 »
- وإذا كان في نيتك السفر ، فامض على هذه النية ، وإن كنت في الحضر ، لا تغفل عنها . « 3 »
...............................................................
( 1 ) ج / 4 - 578 : - إنني جدير بهذا وبمائة من أمثاله ، فلما ذا انفصلت عن صديقي حاقدا ؟ . 
- ولقد إستمعت إلى خدعتك وتلبيسك ، وها أنا الطم على رأسي صائحا " ضاع شرفك " . 
- والخلاصة أنه ضربه كثيرا وجرحه ، وأخرجه من البستان ، وأغلق الباب . 
- وكل صديق بقي بعيدا عن رفاقه ، فإنما يصيبه كل هذا السوء .
( 2 ) ج / 4 - 596 : - فاذهب ونم في ظل مقبل ، ربما يخلصك صاحب قلب .
( 3 ) ج / 4 - 596 : - والفاختة لذلك تقول ليل نهار : كو كو أي أين أين ؟ ، فابحث عن كنز خفي بين الدراويش . 
- وطف من باب إلى باب ومن حي إلى حي ، وقم بالبحث ، قم بالبحث ، قم بالبحث . 
- ولا تشح بالوجه عن الأولياء ما استطعت ، واجتهد ، والله أعلم بالصواب .
 
 
« 194 »
 
قول شيخ لأبي اليزيد : أنا الكعبة فطف حولي
 
- كان شيخ الأمة أبو اليزيد يسعى نحو مكة قاصدا الحج والعمرة .
 
2225 - وكان من عادته عندما كان يذهب إلى كل مدينة ، أن يبدأ بتفقد الأعزاء .
- وكان يطوف متسائلا : من يوجد في هذه المدينة ويكون متكئا على أركان البصيرة ؟
- قال الحق : عندما تمضي في السفر ، ينبغي أن تطلب رجل الطريق في البداية .
- واقصد كنزا ، فإن هذا النفع والعز يأتيان تبعا ، واعتبرهما فرعا .
- وكل من يزرع يكون هدفه الحنطة ، وأحيانا يأتيه القش تبعا لها .
 
2230 - وتزرع القش ، فلا ينبت لك قمح ، فابحث عن إنسان ، إبحث عن إنسان ، إبحث عن إنسان .
- واقصد الكعبة ، ما دام الحج قد آن أوانه ، وما دمت قد ذهبت ، فسوف تشاهد مكة أيضا .
- وكان الهدف من المعراج رؤية الحبيب ، وتبعا له ، كان العرش والملائكة . « 1 »
 
حكاية
 
- بنى أحد المريدين المبتدئين منزلا جديدا ، وأتى الشيخ ، ورأى المنزل .
- فقال الشيخ لمريده المبتديء ذاك ، ممتحنا ذلك الطيب الفكر .
...............................................................
( 1 ) ج / 4 - 598 : - ولقد قال السيد : الأعمال بالنيات ، ونيتك الخيرة فتقت كثيرا من الورود . 
- ونية المؤمن تكون أفضل من عمله ، وهكذا قال سلطان القلوب .
 
« 195 »
 
2235 - من أجل ما ذا صنعت كوة أيها الرفيق ؟ قال : حتى يأتي النور من ذلك الطريق .
- قال : هذا فرع ، إذ ينبغي أن تكون حاجتك منها أن تسمع صوت الأذان .
- ولقد كان أبو اليزيد يبحث في السفر كثيرا ، حتى يجد إنسانا يكون خضر وقته .
- فرأى شيخا ذا جسد كأنه الهلال ، وآنس فيه أبهة الرجال ومقامهم .
- كان مكفوف البصر ، وقلبه كأنه الشمس ، وكأنه فيل رأى الهند في المنام .
 
2240 - يرى وهو مغمض العينين نائما مائة من الطرب ، وعندما يفتحها لا يراها ، وهذا هو العجب .
- وكثير من العجائب تتضح في النوم ، والقلب أثناء النوم يصبح كوة .
- وذلك الذي يكون يقظانا ويرى منامه ، هو عارف فاكتحل بترابه . « 1 »
- فجلس إليه ، وأخذ يسأله عن الحال ، فوجده فقيرا معولا .
- وسأله الآخر : إلى أين العزم يا أبا اليزيد ؟ وإلى أين تجر أحمال الغربة ؟
 
2245 - قال : إنني عازم على الكعبة منذ الفجر، قال : لنر، ما ذا معك كزاد للطريق؟
- قال : معي مائتا درهم من الفضة ، وهي معقودة جيدا في طرف الرداء .
- قال : طف حولي سبع مرات ، واعتبر هذا أفضل من طواف الحج .
- وأعطني هذه الدراهم أيها الجواد ، واعلم أنك حججت ، وتم لك المراد .
- واعتمرت ، ووجدت العمر الباقي ، وصرت صافيا ، وهرولت على الصفا
 
2250 - وبحق ذلك الحق الذي رأته روحك ، أنه قد اصطفاني على بيته .
...............................................................
( 1 ) ج / 4 - 616 : - وعندما رآه أبو اليزيد من الأقطاب ، أبدى له المسكنة ، وأسرع إليه .
 
 
« 196 »
 
- ومهما كانت الكعبة دار بره ، فإن خلقتي أيضا دار سره .
- فمذ بنى تلك الدار لم يدخل إليها ، وفي هذه الدار لم يدخل سوى ذلك الحي .
- وما دمت قد رأيتني فقد رأيت الحق ، وطفت حول كعبة الصدق .
- فخدمتي بمثابة طاعة لله وحمد له تعالى ، حتى لا تظنن أن الحق منفصل عني .
 
2255 - فافتح العين جيدا ، وأمعن في النظر، حتى ترى نور الحق في البشر. «1»
- وكان عند أبي اليزيد اللب " المدرك " لتلك النكات ، فجعلها كحلقة ذهبية في أذنه .
- وجاء منه أبو اليزيد إلى المزيد ، وبلغ المنتهي في الطريق غاية المنتهى .
 
معرفة الرسول صلى الله عليه وسلّم أن سبب مرض ذلك الصحابي
هو التوقع في الدعاء
 
- عندما رأى الرسول صلى الله عليه وسلّم ذلك المريض ، لاطفه برقة ذلك الصديق الحميم
- فانبعثت فيه الحياة عندما رأى الرسول صلى الله عليه وسلّم ، وكأن ذلك النفس قد خلقه .
 
2260 - وقال : لقد منحني المرض هذا الإقبال ، إذ جاء إلي هذا السلطان في الصباح .
- حتى نعمت بالصحة والعافية ، من قدوم هذا المليك بلا حاشية
...............................................................
( 1 ) ج / 4 - 617 : - لقد قال الحق عن الكعبة بيتي مرة واحدة ، وناداني بيا عبدي سبعين مرة . 
- ويا أبا اليزيد ، لقد أدركت الكعبة ، ووجدت مائة بهاء وعز ومجد .

 
« 197 »
 
- فيا له من مرض وتعب وحمى ذات بركة ، ويا له من ألم مبارك وسهر ليل .
- وفي شيخوختي من اللطف والكرم ، وهبني الحق مثل هذا المرض والسقم .
- إذ منحني وجعا في الظهر حتى لأفزع من النوم هلعا كل ليلة في منتصفها .
 
2265 - حتى لا أنام طوال الليل وكأنني الجاموس ، وهبني الله آلاما من لطفه .
- ومن هذا الإنكسار تحرك لطف الملوك ، ومن خوفي خمدت نار الجحيم .
- لقد حل تعب الكنز الذي فيه أنواع الرحمة ، وتجدد اللب عندما تشقق الجلد .
- فيا أيها الأخ ، إن الصبر في الموضع البارد على الغم والمرض والوهن والألم ،
- هو نبع ماء الحياة وكأس السكر ، وكل أنواع الرفعة هذه في المذلة والضعة .
 
2270 - وفصول الربيع كلها مضمرة في الخريف ، وذلك الخريف " مضمر " في الربيع ، فلا تهرب منه .
- وكن رفيقا للغم ، وائتلف مع الوحشة ، وداوم في موتك على طلب العمر الطويل .
- وما تقوله لك نفسك : هذا موضع سئ ، لا تستمع إليها ، فإن ديدنها قول عكس الحقيقة .

« 198 »
 
- وخالفها ، فهكذا ورد عن الأنبياء كوصية بشأن الدنيا .
- وإن المشورة واجبة في الأمور ، حتى يقل الندم آخر الأمر .
 
2275 - ولقد قام الأنبياء بكثير من التدابير ، حتى صار هذا الطاحون دائرا على هذا الحجر .
- والنفس لا تفتأ تريد التخريب ، وأن تجعل الخلق ضالين حائرين .
- وقالت الأمة : مع من أقوم بالمشورة ؟ وقال الأنبياء : مع العقل الإمام .
- وقالت : وإن كان ثم امرأة أو طفل لا عقل له ولا رأى مستنير .
- قال : شاوره وخالفه فيما قاله ، واتخذ طريقك .
 
2280 - واعتبر نفسك " التي بين جنبيك " امرأة ، بل وأسوأ من المرأة ، ذلك أن المرأة جزء ، والنفس كل الشر .
- وإذا قمت بالمشورة مع نفسك ، فقم بمخالفة كل ما تقوله تلك الدنية .
- فحتى إن أمرتك النفس الماكرة بالصلاة والصوم ، تولد فيك المكر .
- وفي المشورة مع نفسك ، عند الفعال ، يكون عكس ما تشير به ، هو الكمال .
- وإنك لا تقوى عليها ولا على جدالها ، فاذهب إلى رفيق طريق ، واختلط به .
 
2285 - فإن العقل يقوى من عقل آخر، ألا يجد السكر الكمال من قصب السكر؟ «1»
- ولقد رأيت الكثير من مكر النفس ، فإنها تسلب بسحرها التمييز .
- وإنها لتضع الوعود الجديدة في يدك ، وهي التي حطمتها آلاف المرات .
...............................................................
( 1 ) ج / 4 - 639 : - الشطرة الثانية : وإنما يتم كمال الحرفي بحرفي آخر .
 
 
« 199 »
 
- وإنها إن أمهلتك مائة سنة من العمر ، فإنها تقدم لك كل يوم ذريعة جديدة 
- وتقول وعودها الغثة بلهجة حارة ، وهي ساحرة للرجولة ، " تربط " الرجل .
 
2290 - فيا ضياء الحق ، يا حسام الدين ، تعال ، فبدونك لا ينمو نبات في الأرض البور .
- فلقد أسدل من الفلك حجاب ما ، بسبب لعنة أحدهم ، قد تأذى قلبه .
- وهذا القضاء ، إنما يعالجه أيضا القضاء ، وعقول الخلق في القضاء عاجزة ، عاجزة .
- لقد صارت تلك الحية السوداء أفعوان ، تلك التي كانت مجرد دودة ملقاة في الطريق .
- والأفعوان والحية في يدك ، صارا عصا ، يا من ثملت روح موسى بك
 
2295 - ولقد أعطاك الله حكم " خذها ولا تخف " لكي تصير الأفعى في يدك عصا .
- فهيا ، أبد اليد البيضاء أيها الملك ، واجعل الصبح الجديد ينبثق من الليالي السوداء .
- لقد تأجج الجحيم ، فانفث فيه رقية منك ، يا من نفسك زائد عن نفس البحر .
- والبحر ماكر ، أبدى زبدا ، وثم جحيم أبدى الصهد من مكره .
- وإنه ليظهر هينا في نظرك ، حتى تراه ضعيفا ، ويتحرك غضبك
 
2300 - مثلما كان الجيش كثير العدد ، لكنه أبداه في نظر الرسول صلى اللّه عليه وسلّم قليلا
- حتى هاجمه الرسول صلى اللّه عليه وسلّم دون خوف ، وإن كان قد رآه كثيرا ، لتوخى الحذر .

 
« 200 »
 
- لقد كانت تلك عناية ، وكنت أهلها يا أحمد ، وإلا لوجلت .
- ولقد أبدى له الله ولأصحابه ، هذا الجهاد الظاهر والباطن قليلا .
- وذلك حتى تتيسر اليسرى من أجله ، وحتى يحول وجهه عن العسرى .
 
2305 - وإبداؤه لك قليلا كان نصرا ، فقد كان الحق رفيقا ومعلما للطريق .
- وذلك الذي لا يكون الحق ظهيرا له من الظفر ، ويله إن بدى له القط أسدا هصورا .
- وويله إن رأى مائة " شخص " من بعيد شخصا واحدا ، حتى يتقدم للنزال غرورا .
- ومن هنا يبدي ذا الفقار مجرد حربة ، ومن هنا يبدي الأسد الهصور كالقط .
- حتى يشتبك الأحمق في القتال متشجعا ، فيظفر بهم بين مخالبه بهذه الحيلة .
 
2310 - وحتى يأتي أولئك الحمقى بأقدامهم نحو الجحيم .
- وحينا يبدي قشة ، حتى تنفخ فيها متسرعا ، لتمحوها من الوجود .
- فحذار ، إن هذه القشة جبال راسخة ، الدنيا باكية منها ، وأنت ضاحك " سخرية " .
- وهو يبدي ماء هذا الجدول حتى الكعب ، ومائة من أمثال عوج بن عنق غرقى فيه .
- وهو يبدي له موج الدم وكأنه تل من مسك ، ويبدي قاع البحر ترابا جافا
 
« 201 »
 
 
2315 - ولقد رأى فرعون الأعمى ذلك البحر يابسة ، حتى ساق فيه من جرأته وقوته .
- وعندما دخل فيه ، إذا به في قاع البحر ، ومتى كانت عين فرعون مبصرة ؟
- والعين تصبح مبصرة من لقاء الحق ، ومن أين للحق أن يصبح نجيا لكل أحمق ؟ .
- إنه يرى السكر ، وهو في حد ذاته سم قاتل ، ويرى الطريق ، وهو في أصله نداء الغول .
- ويا أيها الفلك ، إنك تصبح حادا في فتنة آخر الزمان ، فالمهلة ، لحظة واحدة من الزمان .
 
2320 - إنك خنجر حاد تتجه إلى هلاكنا ، وإنك نصل مسمم تقصد هلاكنا .
- أيها الفلك ، تعلم الرحمة من رحمة الحق ، وعلى قلوب النمل ، لا توجه لدغات الحية .
- بحق ذلك الذي أدار عجلتك فوق هذه الدار .
- أن تتحول عنا وترحمنا ، وذلك من قبل أن تقتلع جذورنا .
- بحق تلك الحضانة التي قمت بها من البداية ، حتى نبتت أغصاننا من الماء والتراب .
 
2325 - وبحق ذلك المليك الذي خلقك صافيا ، وجعل كثيرا من المشاعل تبدو منك .
- ذلك الذي جعلك معمورا باقيا ، حتى ظنك الدهري موجودا من الأزل .
 
 
« 202 »
 
- والشكر " لله " أننا عرفنا بدايتك ، وباح لنا الأنبياء بسرك هذا .
- فيعلم الإنسان أن الدار حادثة ، ولست بالعنكبوت " خلقت " فيها عبثا .
- ومتى تعلم البعوضة ملك من هذا البستان ، فقد ولدت في الربيع ، وموتها في الشتاء .
 
2330 - والدودة التي تولد في الخشبة واهنة الحال ، متى تعرف الخشب وقت أن كان غصنا ؟
- وإن علمت الدودة عن ماهيتها ، لكانت عقلا ، ولكانت في صورتها فحسب دودة .
- والعقل يبدي لنفسه الصور ، لكنه كالجني بعيد عنها بآلاف الفراسخ .
- إنه أعلى من الملك ، فما بالك بالجني ؟ إن لك طيران الذباب ، ولذلك تطير في الحضيض .
- وإن كان عقلك يطير نحو الأوج ، فطائر تقليدك يرعى في الحضيض .
 
2335 - والعلم " النائج عن " التقليد وبال على أرواحنا ، إنه عارية ، ونحن مطمئنون أنه لنا .
- وينبغي الانصراف عن هذا العقل الجاهل ، وينبغي التشبث بالجنون
- وكل ما تراه نفعا لك ، أهرب منه ، واشرب السم ، وأرق ماء الحياة .
- وكل من يمدحك ، أشتمه ، واقرض النفع والمال للمفلس .
- ودعك من الأمن ، وكن في موضع الخوف ، ودعك من الشرف ، وكن مفتضحا مشارا إليه بالبنان .
 
2340 - فلقد جربت العقل عميق التفكير ، ومن بعد ، لأجعل نفسي مجنونا .
 
 
« 203 »
 
إعتذار المهرج للسيد الأجل وبيان السبب في زواجه من بغير
 
- قال السيد الأجل للمهرج ذات ليلة : هل خطبت بغيا من عجلتك ؟
- لقد كان ينبغي أن تطرح هذا الأمر عليّ حتى أزوجك بإحدى الحرائر .
- قال : لقد تزوجت تسعا من الحرائر العفيفات ، فانقلبن إلى بغايا ، بحيث نحلت حزنا .
- فخطبت تلك البغي جهلا ، حتى أرى إلام تؤول العاقبة .
 
2345 - ولقد جربت العقل كثيرا ، ومن الآن فصاعدا ، عليّ أن أبحث عن مغرس للجنون .
 
دفع ذلك السائل لذلك الذكي الذي كان قد تظاهر بالجنون 
إلى الكلام بالحيلة
 
- كان أحدهم يقول : أريد عاقلا أستشيره في مشكلة ما .
- فقال له أحدهم : ليس في بلدنا عاقل إلا ذلك الذي يتظاهر بالجنون .
- لقد ركب عودا من البوص ، فهاكه يا فلان ، إنه يجري بين الصبيان . « 1 »
- إنه صاحب رأي ، ألمعي لوذعي ، وقدره كالسماء ، وقطعة من كوكب .
 
2350 - ولقد صار بهاؤه روحا للملائكة المقربين ، لكنه إختفى في هذا الجنون .
- لكن لا تعتبر كل مجنون روحا ، ولا تسجد للعجل كأنك السامري
- وعندما يقوم أحد الأولياء بالبوح لك بمئات الآلاف من أنباء الغيب والأسرار الخفية ،
- ولم يكن عندك معرفة بها أو فهم لها ، لما ميزت فيها بين الروث والعود .
- وما دام الولي قد جعل لنفسه حجابا من الجنون ، فمتى عرفته إذن أيها الأعمى ؟
...............................................................
( 1 ) ج / 4 - 677 : - يلعب بالكرة في أيامه ولياليه ، وهو كنز الدنيا وروح العالم .


« 204 »
 
 
2355 - وإن كانت بصيرتك مفتحة يقينا ، فانظر تحت كل حجر إلى قائد " همام " .
- وأمام تلك العين التي تكون مفتوحة قائدة ، يحتوي كل كليم على مثيل للكليم .
- والولي إنما يشهره الولي ، وكل من أراده ، يجعله ذا نصيب منه .
- ولا يستطيع أحد أن يعرفه بالعقل ، ذلك أنه قد جعل نفسه مجنونا .
- وعندما يسرق لص مبصر شيئا من أعمى ، هل يعرفه " الأعمى " أبدا عندما يمر به ؟
 
2360 - ولا يعرف الأعمى من كان سارقه ، بالرغم من أن اللص العنود يصطدم به .
- وعندما يعقر كلب درويشا أعمى ، أنى له أن يعرف هذا الكلب العقور ؟
 
هجوم كلب على متسول أعمى
 
- كان كلب في حي يهجم كأسد الشرى على متسول أعمى .
- والكلب يهاجم الدراويش غاضبا ، والقمر يكتحل بتراب الدراويش .
- وعجز الأعمى من نباح الكلب وخاف منه ، فبدأ الأعمى في تعظيم الكلب .
 
2365 - قائلا له : يا أمير الصيد ويا أسد القنص ، لك اليد الطولى ، فأقلع عن الهجوم عليّ .
- فمن الضرورة قام ذلك الحكيم بتعظيم ذيل الحمار ولقبه بالكريم .
- فمن الضرورة ، قال له : أيها الأسد ، ما ذا تجنيه من صيد نحيل مثلي ؟
- إن رفاقك يصيدون حمر الوحش في الصحراء ، وأنت تصيد الأعمى في الطريق ؟ إنه لا يجمل بك .
 

 
« 205 »
 
 
- إن رفاقك يبحثون عن حمار الوحش صيدا ، وأنت تبحث عن الأعمى في الطريق كيدا ؟
 
2370 - وذلك الكلب المدرب العالم قام بصيد حمر الوحش ، بينما هاجم ذلك الكلب الدني الأعمى .
- فعند ما تعلم الكلب العلم ، نجا من الضلال ، وقام في الآجام بالصيد الحلال .
- والكلب عندما صار عالما ، صار جلدا على الزحف ، وعندما صار عارفا ، صار من أصحاب الكهف .
- ولقد صار الكلب عارفا بمن يكون أميرا للصيد ، فيا إلهي ، أي شيء يكون هذا النور المعلم ؟
- والأعمى لا يعرف ، ليس لأنه فاقد البصر ، بل من الجهل والغضب الأسود .
 
2375 - ولا يوجد من هو أكثر عمى من الأرض ، وهذه الأرض صارت بفضل الله ناظرة إلى الخصم .
- ورأت نور موسى عليه السّلام فأكرمته ، وخسفت بقارون ، وعرفت قارون .
- وزلزلت الأرض في هلاك كل دعي ، وفهمت من الحق عندما قال لها " إبلعي " .
- والتراب والماء والهواء والنار ذات الشرر ، هي بلا علم معنا ، لكنها مع الحق ذات علم .
- ونحن على العكس منها ، على علم بغير الحق ، وبلا علم بالحق ، وبالعديد من النذر .
 
2380 - فلا جرم أنها كلها أشفقن منها ، لكن إشفاقها ضعف عندما إختلطت بالحيوان .
 
 
« 206 »
 
- وقالت : إننا كلنا ضائقون من هذه الحياة ، حياة من يكون حيا مع الخلق ، ميتا مع الحق .
- وعندما يبتعد عن الخلق يكون يتيما ، لكن القلب السليم هو الذي يجد الأنس مع الحق .
- وعندما يسرق اللص متاعا من أعمى ، فإن ذلك الأعمى ، يتألم على العمياء .
- وما لم يقل له اللص : ها أنا ذا الذي سرقت نك ، فأنا لص شديد المهارة ،
 
2385 - متى يعرف الأعمى سارقه ؟ ما لم يكن لديه نور العين وذلك الضياء ؟
- وإن قال ، فأمسك به بشدة ، حتى يقر لك بعلامات المتاع المسروق .
- ومن ثم فإن الجهاد الأكبر هو تعذيب اللص ، حتى يقر بما سلب ، وبما سرق .
- فهو في البداية ، قد سرق كحل بصيرتك ، وعندما تسترده ، تسترد بصيرتك .
- وبضاعة الحكمة الضائعة من القلب ، تسترد يقينا عند أهل القلوب .
 
2390 - وأعمى القلب ، وهو ذو روح وسمع وبصر ، لا يعرف اللص الشيطان من أثره .
- فابحث عنها عند أهل القلوب ، ولا تطلبها من الجماد ، فإن الخلائق عنده على مثال الجماد .
- ولقد جاء إليه ذلك الباحث عن المشورة قائلا : أيها الأب الذي صار طفلا ، بح لي بسر .
- قال : إذهب عن هذه الحلقة ، فليس هذا الباب مفتوحا ، وعد ، فليس اليوم يوم السر .

 
« 207 »
 
- فلو كان للمكان طريق في اللامكان ، لكان لي مثل الشيوخ الآخرين . . . دكان .
 
استدعاء محتسب لثمل مهدم إلى السجن
 
2395 - وصل المحتسب في منتصف الليل إلى مكان ما ، فرأى أسفل جدار ثملا راقدا .
- قال : ها ، أيها الثمل ، ما ذا شربت ؟ قل ، قال : شربت من ذلك الموجود في الجرة .
- قال : الخلاصة ، قل لي ما هو ذلك الموجود في الجرة ؟ قال : من ذلك الذي شربت منه . قال : هذا غامض ،
- فما ذا كان ذلك الذي شربته ؟ ، قال : ذلك الذي كان مخبوءا في الجرة .
- وأخذ هذا السؤال وهذا الجواب يدوران بينهما ، فبقي المحتسب كحمار في وحل .
 
2400 - قال له المحتسب : هيا ، تأوه ، فأخذ الثمل يقول : هو . . . هو .
- قال : قلت لك تأوه فتقول هو ؟ قال : أنا سعيد ، وأنت أحناك الغم 
- وإن الآهة من الألم والغم والظلم ، وقول السكارى " هو " من السرور .
- قال المحتسب : أنا لا أعرف هذا " الهراء " ، انهض ، انهض ، ولا تدع المعرفة ، ودعك من هذا العناد 
- قال : امض ، فما ذا بيني وبينك ؟ ، قال : أنت ثمل ، انهض ، وتعال معي إلى السجن .
 
2405 - فقال الثمل : أيها المحتسب ، دعني ، وامض ، فمتى يمكن أخذ رهن من عار ؟
- فلو كانت لي قوة على السير ، لذهبت إلى منزلي ، ومتى كان هذا يتيسر لي ؟ !
 
 
« 208 »
 
- ولو كنت ذا عقل وإمكان ، لكنت كالشيوخ جالسا على رأس الدكان . « 1 »
 
جر السائل ثانية لذلك الرجل الأريب في الكلام ليعلم أكثر عن حاله
 
- قال ذلك الطالب " للمشورة " : يا راكبا على عود البوص ، تعال آخرا ولو للحظة واحدة ، وسق الفرس إلى هذه الناحية .
- فساق نحوه قائلا : هيا ، قل سريعا ، فإن جوادي حرون جدا وحاد الطبع
 
2410 - وذلك حتى لا يرفسك ، أسرع ، عن أي شيء تسأل ؟ تحدث صراحة .
- فلم يجد مجالا للبوح بسر قلبه ، فصرف النظر عنه ، ودخل في موضوع على سبيل الهزل .
- " وقال " : أريد أن أتزوج من هذه الحارة ، فأي النساء تليق بشخص مثلي ؟
- قال : النساء ثلاثة في هذه الدنيا ، اثنتان منهن ألم ، وواحدة كنز متجدد .
- وهي التي إن أردتها ، تكون كلها لك ، والأخرى نصفها لك ، ونصفها بعيد عنك .
 
2415 - والثالثة ، ليس لك منها شيء ، إعلم هذا . . . هل سمعت ما قلت ؟ إبتعد ، فأنا ماض .
- حتى لا يوجه إليك جوادي رفسة ، فتسقط ، ولا تنهض إلى الأبد .
- وساق الشيخ ، وانخرط بين الصبيان ، فناداه الشاب مرة أخرى .
- قائلا : تعال ، وفسر لي ما قلت آخرا ، لقد قلت أن النساء ثلاثة ، فاختر لي .
...............................................................
( 1 ) ج / 4 - 699 : - ولو كان لي رأى وتدبير ، لكان لي كالشيوخ جاه وتوقير . 
- ولكان لي أيضا زنبيل وكدية ، ولكانت لي نذورات كل الأيام . 
- فدعك مني فلقد ضللت الطريق ، وابحث عن ذوي اللحي الطويلة والزوايا .
 
« 209 »
 
- فساق نحوه وقال : البكر خالصة لك كلها ، و " معها " تنجو من الغم .
 
2420 - وتلك التي يكون نصفها لك هي الأرامل ، وتلك التي لا شيء منها لك قط ، هي أم الولد .
- فما دام لها من زوجها الأول أولاد ، فإن حبها وكل خاطرها متجه إليه .
- وابتعد لئلا يرفسك الحصان ، وحتى لا يؤذيك سنبك جوادي الحرون .
- وصاح الشيخ صيحة وجد ثم انطلق ، ونادى الصبيان ، بأن يسرعوا إليه .
- فناداه ثانية ذلك السائل قائلا : تعال ، فقد بقي لدي سؤال أيها العظيم .
 
2425 - فساق ثانية نحوه قائلا : قل سريعا ما لديك ، فإن هؤلاء الأطفال قد سبقوني في الميدان .
- قال : أيها الملك ، مع مثل هذا العقل والأدب ، ما هذا المكر ؟ وأي فعل هذا ؟
يا للعجب ! !
- إنك تفوق العقل الكلي في البيان ، وأنت شمس ، فكيف تختفي في الجنون ؟
- قال : لقد كان هؤلاء السوقة يتشاورون ، حتى ينصبوني قاضيا في هذه المدينة .
- وكنت أرفض ، فقالوا لي : لا يوجد مثلك عالم صاحب فضل .
 
2430 - ومع وجودك ، حرام بل أمر خبيث ، أن يأتي من هو أقل منك ، ويتحدث في القضاء .
- وفي الشرع ، لا إذن لنا ، أن نجعل من هو أقل منك ، ملكا وإماما .
- ومن هذه الضرورة ، صرت أحمق مجنونا ، لكني في باطني ، نفس الذي كنته .
 
« 210 »
 
- إن عقلي كنز ، وأنا الخرابة ، وإن أبديت الكنز ، أكون مجنونا .
- إنه مجنون ذلك الذي لم يصبح مجنونا ، لقد رأى العسس ولم يغلق عليه بابه .
 
2435 - وإن معرفتي جوهر وليست عرضا ، وليست ثمنا من أجل أي غرض .
- وأنا منجم السكر ، وأنا أجمة قصب السكر ، إنه ينبت مني ، وأنا آكله
- وإنه ليكون علما تقليديا لمجرد التعليم ، ذلك الذي يضيق به نفور المستمع .
- لأنه من أجل النفع ، لا من أجل الضياء ، مثل طالب علم الدنيا الدنية .
- إنه طالب للعلم من أجل العامي ومن هو من الخواص ، لا من أجل أن يجد من هذا العلم الخلاص .
 
2440 - مثل فأر نقب جحرا في كل ناحية ، لأن النور طرده ، وقال له :
ابتعد .
- ولما لم يكن له طريق صوب الصحراء والنور ، فإنه يبذل جهده أيضا في تلك الظلمات .
- ولو وهبه الله جناحا ، جناح العقل ، لنجا من طبيعة الفأر ، ولطار كالطيور .
- وإن لم يبحث عن جناح ، لبقي تحت التراب ، يائسا من السير في طريق السماك .
- وعلم المقال ، ذلك الذي يكون بلا روح ، إنما يكون عاشقا لوجوه المشترين .
 
2445 - وحتى وإن كان وقت الحديث في العلم عميقا ، عندما لا يكون له ثم مشتر ، يموت ويمضي .

 
« 211 »
 
- وإن المشتري لي هو الله ، إنه يجذبني إلى أعلى ، لأن الله اشترى .
- وفديتي هي جمال ذي الجلال ، وأنا آكل فديتي كسبا حلالا .
- فاترك هؤلاء المشترين المفلسين ، وماذا يمكن أن تشتريه قبضة من الطين ؟
- فلا تأكل الطين ، ولا تشتر الطين ، ولا تبحث عن الطين ، ذلك أن آكل الطين إنما يكون دوما شاحب الوجه .
 
2450 - وكل " قوت " القلب ، حتى تكون دائما شابا ، ومن التجلي ، تكون سحنتك كالأرجوان . « 1 »
- يا رب ، إن هذا العطاء حسن في حدود عملنا ، ولطفك جدير باللطف الخفي ذاته .
- فخذ بأيدينا من أيدينا ، وكن مشتريا لنا ، وارفع عنا الحجب ، ولا تهتك سترنا .
- أو قم بشرائنا ثانية من هذه النفس الدنية ، فإن سكينها قد بلغ منا العظم .
- ويا ملكا يعظم على التاج والعرش ، متى يفك عنا نحن المساكين ، هذا الغل الثقيل ؟
 
2455 - ومن يستطيع سوى فضلك أيها الودود ، أن يفتح قفلا ثقيلا كهذا ؟
- ونحن حولنا رؤوسنا من أنفسنا إليك ، لأنك أقرب إلينا منا . « 2 »
- وهذا الدعاء عطاؤك أيضا وتعليمك ، وإلا فمتى تنمو روضة من مستوقد ؟
- ومن بين الدم والمعي ، الفهم والعقل ، لا يمكنهما - إلا من إكرامك - النقل .
- ومن قطعتي شحم ، هذا النور السيار ، يضرب بموج نوره فوق السماء .
...............................................................
( 1 ) ج / 4 / 701 - 702 : - وكن طالبا للقلب حتى تكون كالخمر ، وتصبح مسرورا ضاحكا مثل الورد . 
- ولا يكون قلب لمن يكون مطلوبه الطين ، ولهذا الكلام وجه مع صاحب القلب .
( 2 ) ج / 4 - 703 : - ومع مثل هذا القرب ، فنحن بعداء بعداء ، فأرسل النور في مثل هذه الظلمة .
 

« 212 »
 
2460 - وقطعة اللحم التي هي اللسان ، يجري منها سيل الحكمة ، وكأنه النهر .
- وذلك صوب ثقب يسمى بالأذن ، حتى بستان الروح الذي ثماره الألباب .
- والطريق الرئيسي لبستان الأرواح شرعه ، وبساتين العالم ورياضه ، فرع له .
- وهذا بعينه هو أصل السعادة ونبعها ، وسريعا ماتَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ *« 1 »
 
تتمة نصيحة الرسول عليه السّلام للمريض
 
- قال الرسول عليه السّلام لذلك المريض ، عندما قام بعيادة ذلك الصحابي الشاكي .
 
2465 - هل قمت بدعاء معين ، ومن الجهالة شربت حساء مسموما ؟
- تذكر أي دعاء كنت تقوم به ، عندما كنت تضطرب من مكر النفس .
- قال : لا أذكر ، لكن همتك معي ، فأتذكر في التو واللحظة .
- ومن حضور المصطفى واهب النور ، عن لخاطره ذلك الدعاء 
- وأشع من تلك الكوة التي هي من القلب إلى القلب ، نور هو الفارق بين الحق والباطل .
 
2470 - وقال : لقد تذكرت الآن أيها الرسول ، ذلك الدعاء الذي قلته أنا ذو الفضول . « 2 »
_____________
( 1 ) ج / 4 - 703 : - وتحدث عن قصة المريض مع المصطفى ، فإنه ليس للطف الحق نهاية . 
- وأنك عندما تشكر النعمة ، فإن شكرك هذا نعمة جديدة من إحسانه . 
- وعجزك عن الشكر ، شكر تام ، فافهم وأدرك ، فقد تم الكلام .
( 2 ) ج / 4 - 703 : - عندما كنت أغرق في الذنوب ، كنت كالغريق أضرب بيدي وقدمي ، 
- وكثير الذنوب يدق باب الخلاء ، والغريق يتشبث بالحشائش .

« 213 »
 
- عندما كنت أرتكب ذنبا من الذنوب ، كنت أتشبث كالغريق بكل حشيش .
- وكان يبلغني منك التهديد والوعيد ، للمجرمين من العذاب الهون الشديد .
- كنت أضطرب ، ولم يكن ثم حيلة ، كان القيد محكما ، والقفل غير قابل للفتح 
- فلا كان عندي مقام الصبر ، ولا طريق الهرب ، ولا أمل في التوبة ، ولا موضع للعناد .
 
2475 - كنت كهاروت وماروت من الحزن ، أتأوه قائلا : يا خالقي :
- إن هاروت وماروت اختارا من الخطر ، بئر بابل عيانا بيانا ،
- حتى يعاينا هنا عذاب الآخرة ، كانا ذكيين عاقلين ، كما يكون السحرة .
- ولقد أحسنا ، وألم الدخان في حد ذاته ، كان أفضل من لهيب النار .
- فلا حد لوصف عذاب الآخرة ، فإن آلام الدنيا تسهل إلى جواره .
 
2480 - وما أسعده ذلك الذي يقوم بجهاد يزجر فيه البدن ، ويصيح به 
- حتى ينجو من عذاب الدار الآخرة ، ويضع على نفسه ألم العبادة .
- فكنت أقول : يا رب ، سق إليّ ذلك العذاب سريعا وأنا في الدنيا .
- حتى يكون لي الفراغ من ذلك العالم ، وكنت أدق الباب ، بمثل هذا الطلب .
- فحل بي مثل هذا المرض ، وصارت روحي لا تسكن لحظة من الألم .
 
2485 - وعجزت عن ذكري وعن أورادي ، وصرت غافلا عن نفسي وعن الخير والشر .
- ولو لم أكن قد رأيت الآن وجهك ، أيها الميمون ، يا من تبارك وجهك .
- لقضي عليّ تماما ودفعة واحدة ، فلقد قمت بمواساتي كما يفعل الملوك .
- قال : حذار ، حذار ، لا تدع بهذا الدعاء ثانية ، ولا تقتلع نفسك من الجذور والأساس .
 
 
« 214 »
 
- فأي طاقة لديك أيتها النملة الواهنة حتى يضع فوقك مثل هذا الجبل الثقيل ؟
 
2490 - قال : لقد تبت أيها السلطان ، فلن أنفج بأي فضل متظاهرا بالجلد .
- وهذه الدنيا تيه ، وأنت موسى ، ونحن من الذنوب ، قد بقينا في التيه مبتلين .
- لقد ظل قوم موسى يقطعون الطريق ، وفي النهاية ، كانوا لا يزالون في الخطوة الأولى .
- نمضي لسنون في الطريق ، وفي النهاية نرى أنفسنا أسارى كما نحن ، في المنزل الأول . « 1 »
- ولو كان قلب موسى راضيا عنا ، لبدى للتيه طريق ونهاية .
 
2495 - ولو كان بكليته ضائقا بنا ، فمتى كانت تصلنا المائدة من السماء ؟
- ومتى كانت العيون تفور من الصخر ؟ ومتى كان أمان الروح يصل إلينا في الصحراء ؟
- بل لكانت النيران قد نزلت علينا بدلا من المائدة ، ولأمسك بنا اللهب في هذا المنزل .
- وعندما صار موسى مترددا في أمورنا ، وصار حينا خصما وحينا صديقا لنا .
- حينا يضرم غضبه النار في متاعنا ، وحينا يرد حلمه سهم البلاء .
 
2500 - ومتى يحدث أن يتحول الغضب أيضا إلى حلم ؟ ليس هذا بالنادر من لطفك أيها العزيز .
- وإن مدح الحاضر لوحشة ، ومن هنا أذكر اسم موسى قاصدا .
...............................................................
( 1 ) ج / 4 - 746 : - عنوان " ذكر قوم موسى وندمهم " وبعده : 
- كانوا يتبادلون الأسرار في السر والعلن ، جميعهم من رجال ونساء وشيوخ وشيب .
 

« 215 »
 
- وإلا فمتى يليق أن أذكر اسم موسى أمامك أو أي اسم آخر ؟
- لقد تحطم عهدنا مائة مرة بل ألف مرة ، وعهدك ثابت كالجبل ، مستقر .
- وعهدنا قشة وضعيف أمام كل ريح ، وعهدك جبل ، بل وأعظم من مائة جبل .
 
2505 - فبحق تلك القوة ، ارحم تنقلنا بين الألوان ، يا أمير الألوان .
- فلقد رأينا أنفسنا وافتضاحنا ، فلا تختبرنا أكثر ، أيها المليك .
- حتى تخفي الفضائح الأخرى ، أيها المليك المستعان .
- فأنت بلا حد في الجمال والكمال ، ونحن بلا حد في الاعوجاج والضلال .
- فول انتفاءك " في اللطف " عن الحدود أيها الكريم ، على الاعوجاج الذي لا حد له لشرذمة من اللئام .
 
2510 - هيا ، فمن ثيابنا لم يبق سوى خيط واحد ، وكنا مصرا " عامرا " ، ولم يبق سوى جدار واحد .
- فالبقية ، البقية " منها " أيها السلطان ، وذلك حتى لا تفرح كلية روح الشيطان .
- وليس هذا من أجلنا ، بل من أجل هذا اللطف الأزلي ، أن تتفقد الضالين .
- وما دمت قد بينت قدرتك فبين رحمتك ، يا من وضعت ألوان الرحمة في اللحم والشحم .
- وإذا كان ذلك الدعاء يزيد في غضبك ، فتفضل بتعليمي الدعاء ، أيها العظيم .
 
2515 - مثلما هبط آدم من الجنة ، ثم أرجعته ، فقد نجا من الشيطان القبيح .
- ومن يكون الشيطان حتى يتفوق على آدم ؟ ويكسب منه الدور على هذه الرقعة .

 
« 216 »
 
 
- لقد صار كل شيء في الحقيقة نفعا لآدم ، وصارت تلك الوسوسة لعنة على الحاسد .
- لقد رأى نقلة واحدة ، ولم ير مائتي نقلة ، ومن ثم حطم عماد منزله .
- وأضرم النار ليلا في مزارع الآخرين ، فحولت الرياح النار إلى مزرعته .
 
2520 - ولقد كانت اللعنة كمامة على عين الشيطان ، حتى رأى ذلك المكر ضررا على الخصم .
- فصار مكره نفسه ضررا على روحه ، وكان آدم كان شيطانا للشيطان .
- ولعنته أن يجعله معوج النظر ، ويجعله حاسدا مغرورا مليئا بالحقد .
- حتى لا يعلم أن كل ما يرتكبه من شر ، يعود إليه في النهاية ، ويصيبه .
- لقد كان يرى اصطفاف جند " الشطرنج " لهزيمته على العكس ، وأنها تتحول إلى هزيمة له ، ونقصان ووكس .
 
2525 - وذلك لو أنه كان يرى نفسه هباء ، ويرى أن جرحه مهلك غير قابل للعلاج ، 
- لنبع الألم من باطنه من جراء مثل هذه الرؤية ، ولأتى به الألم خارج الحجاب .
- فما لم تعان الأمهات آلام المخاض ، لما وجد الجنين طريقا إلى الميلاد .
- وهذه الأمانة في القلب ، والقلب حامل بها ، وهذه النصائح على مثال القابلة .
- وتقول القابلة : إن الأم لا تعاني ألما ، ويلزم الألم ، فالألم طريق الطفل .
 
2530 - ومن لا ألم عنده قاطع طريق ، ذلك أنه من قبيل قول " أنا الحق " دون ألم .
- وقول أنا في غير وقتها لعنة ، لكن قولها في وقتها رحمة .

 
« 217 »
 
- فإن " أنا " من المنصور صارت رحمة على وجه اليقين ، وهذه ال " أنا " من فرعون صارت لعنة فانظر .
- فلا جرم أن كل طائر يصيح في غير أوان يجب قطع رأسه ، وهذا للإعلام والاعتبار .
- وما هو قطع الرأس ؟ إنه قتل النفس في الجهاد ، وترك النفس .
 
2535 - وذلك مثلما تقوم بقطع ذنب العقرب ، حتى يجد الأمان من القتل
- وتقتلع من الحية نابها السام ، حتى تنجو الحية من بلاء الرجم بالأحجار .
- ولا يقتل النفس قط إلا ظل الشيخ ، ألا فلتتشبث بكل قواك بطرف رداء قاتل النفس ذاك .
- وعندما تتشبث به بقوة ، فذلك من توثيقه هو ، وكل قوة تأتي لك ، من جذبه هو .
- واعلم حق العلمما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَوكل ما تأتي به الروح يكون من روح الروح .
 
2540 - وهو الحليم الآخذ باليد لحظة بعد أخرى ، فكن راجيا في تلك اللحظة منه .
- ولا حزن إن بقيت طويلا بدونه ، فقد قرأت أنه الممهل عزيز الأخذ
- إن رحمته تمهل ، وتأخذ أخذ عزيز مقتدر ، ولا تجعلك حضرته غائبا عنها لحظة واحدة .
- وإذا أردت تفسيرا لهذا الوصل والولاء ، إقرأوَالضُّحىممعنا الفكر .
- وإن قلن أن هذه السيئات منه أصلا ، فمتى تكون نقصانا لفضله ؟
 
2545 - إن تفضله بالضر أيضا من كماله ، وأسوق لك مثالا عن هذا ، أيها المحتشم .
 
 
« 218 »
 
- لقد صور نقاش نوعين من الصور ، نوعا صافيا ، ونوعا لا صفاء فيه 
- لقد صور يوسف والحور حسان الجبلة ، وصور الشياطين والأبالسة .
- وكلا النوعين تصوير أستاذيته ، ليس قبحا منه ، إنها عظمة .
- إنه يجعل القبيح في غاية القبح ، بحيث تطوف حوله كل أنواع القبح .
 
2550 - حتى يبدي كمال معرفته ، ويفتضح منكر أستاذيته .
- وإن لم يعرف خلق القبح فهو - جل وعلا
- ناقص ، ومن ثم فهو الخلاق للمجوسي والمخلص .
- ومن هنا فإن الكفر والإيمان شاهدان على ألوهيته ، وكلاهما ساجد له
- لكن إعلم أن المؤمن ساجد طوعا ، ذلك أنه طالب للرضا ، وقاصد عبادته .
- والمجوسي أيضا عابد لله كرها ، لكن قصده مرادا آخر .
 
2555 - إنه يقوم بتعمير قلعة السلطان ، لكنه لا يفتأ يدعي الإمارة .
- ويثور ، حتى يكون الملك له ، ولكن في النهاية تكون القلعة للسلطان .
- والمؤمن يعمر هذه القلعة من أجل المليك ، وليس من أجل الجاه .
- والقبيح يقول : أيها المليك خالق القبح ، وأنت القادر على الحسن والقبيح والمهين .
- ويقول الجميل : يا مليك الحسن والبهاء ، لقد قمت بتطهيري من كل العيوب . « 1 »
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 155 : - " محمد تقي جعفري : تفسير ونقد وتحليل مثنوي مولانا جلال الدين محمد مولوي - جلد 5 
- قسمت سوم از دفتر دوم مثنوي ط 11 - تهران - بهار 1366 ه . ش . - فيما بعد ج / 5 . " : 
- الحمد لك والشكر لك يا ذا المنن . إنك حاضر وناظر إلى حالي . 
- والحاصل في أن المشيئة له في كل ما أراد ، للطيب والقبيح والشوك والورد ، إنه ملك على كل ملك ، وهو مجري الأمور . . . يفعل الله ما يشاء .

 
« 219 »
 
وصية الرسول عليه السّلام لذلك المريض

وتعليمه الدعاء
 
2560 - قال الرسول صلى اللّه عليه وسلّم لذلك المريض : قل هذا : اللهم يسر الأمر العسر .
- " آتنا في دار دنيانا حسن ، آتنا في دار عقبانا حسن " « 1 »
- واجعل الطريق لطيفا علينا كالبستان ، وليكن منزلنا أنت نفسك ، أيها الشريف .
- ويقول المؤمنون في الحشر ، يا ملك ، أليست جهنم هي الطريق المشترك ؟
- والمؤمن والكافر يمر عليها ، ونحن لم نر في الطريق دخانا ونارا .
 
2565 - وها هي الجنة وحظيرة الأمن ، إذن فأين كان هذا المعبر الدني ؟
- فيقول ملك : إن تلك الروضة الخضراء التي مررتم بها في طريق كذا ،
- كانت هي النار ومكان العقاب الهون ، وصارت عليكم روضة وبستانا وشجرا .
- ذلك أنكم بالنسبة لهذه النفس الجهنمية ، ولنار المجوسي الباحثة عن الفتنة ،
- قمتم بالجهود الكثيرة وصارت مليئة بالصفاء ، وقمتم بقتل النار من أجل الله .
 
2570 - فصارت نار الشهوة التي تلقي باللهب ، خضرة تقوى ونور هدى .
- وصارت نار الغضب منكم أيضا حلما ، كما صارت ظلمة الجهل علما
- وصارت نار الحرص منكم إيثارا ، وذلك الحسد كان كالشوك ، صار أيكة ورد .
...............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن الفارسي .
 

« 220 »
 
 
- ولأنكم كنتم قد قتلتم كل نيرانكم هذه من أجل الله ،
- جعلتم النفس النارية كأنها بستان ، وبذرتم فيها بذور الوفاء .
 
2575 - وبلابل الذكر والتسبيح فيها ، متغنية بالغناء الحلو في الروضة على طرف الجدول .
- ولقد أجبتم داعي الحق ، وأطفأتم جحيم النفس بالماء . « 1 »
- فصار جحيمنا أيضا في حقكم خضرة وروضة وأوراق وأغاريد .
- وما هو جزاء الإحسان يا بني ؟ إنه اللطف والإحسان والثواب المعتبر .
- ألم تقولوا أنتم أنفسكم : نحن قرابين ، ونحن أمام أوصاف البقاء فانون ؟
 
2580 - ونحن سواء كنا محتالين أو مجانين ، سكارى بذلك الساقي وتلك الكأس
- وإننا لنطاطيء الرأس أمام خطه وأمره ، ونجعل الروح الحلوة رهنا لديه .
- وما دام خيال الحبيب كامنا في سرائرنا ، فإن فعلنا هو الاتباع ، والتضحية بالروح .
- وحيثما أشعلوا شموع البلاء ، احترقت مئات الآلاف من أرواح العشاق .
- والعشاق الذين هم من داخل الدار ، هم فراش لشمع وجه الحبيب .
 
2585 - فيا أيها القلب ، امض إلى حيث يكونون معك منيرين ، ويكونون لك كالمجن أمام البلايا .
- ويقومون بمواساتك على جناياتك ، ويجعلون لك محلا في قلب أرواحهم .
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 178 : - ومن الجنان وجدتم الباب نحو الجنان ، ومن جحيم النفس جئتم بالماء .
 
 
« 221 »
 
 
- يفسحون لك موضعا في سويداء أرواحهم ، حتى يجعلوك مليئا بالخمر ، وكأنك الكأس .
- فاتخذ لك موضعا في صميم أرواحهم ، وابن لك منزلا في الفلك ، أيها البدر المنير .
- وكعطارد يفتحون لك دفتر القلب ، حتى يظهرون لك الأسرار .
 
2590 - وكن عند الأهل ، فإنك شريد ، وطامن بدر التمام ، فأنت قطعة من القمر .
- وأي خشية للجزء من كله ؟ وما كل هذا الاختلاط مع المخالف ؟
- فانظر إلى الجنس صار نوعا في المسير ، وانظر إلى الغيوب ، صارت عيانا في طريقه .
- فحتام أنت كالمرأة قائم بالإغواء يا عديم العقل ، ومتى تجد المدد .
- إنك تأخذ المداهنة واللفظ الحلو والخداع ، وكالمرأة تضعها في جيبك .
 
2595 - وإن السب والصفع يوجه إليك من الملوك ، أفضل لك من الثناء عليك من الضالين .
- فتجرع الصفع من الملوك ، ولا تأكل الشهد من الأخساء ، حتى تصبح شخصا من إقبال العظماء .
- ذلك أن منهم تصل إليك الخلعة والدولة ، وفي حمى الروح ، يتحول الجسد إلى روح .
- وحيثما ترى عاريا معوزا ، إعلم أنه هرب من أستاذه .
- حتى يصير إلى ما يهوى إليه قلبه ، ذلك القلب الأعمى السيء الذي لا حاصل من ورائه .

 
« 222 »
 
2600 - ولو كان قد صار إلى ما يريد الأستاذ ، لكان قد أصبح زينة لنفسه ولأهله .
- وكل من يهرب من الأستاذ في الدنيا ، يهرب من الإقبال ، إعلم هذا جيدا
- ولقد تعلمت حرفة في كسب الجسد ، فاستمسك بحرفة الدين .
- ولقد صرت مستورا في الدنيا وغنيا ، فماذا تفعل عندما تخرج منها ؟
- فتعلم حرفة بحيث تدر عليك دخلا ، هو كسب المغفرة .
 
2605 - وتلك الدنيا مدينة مليئة بالأسواق والكسب ، حتى لا تظن أن الكسب هنا فحسب .
- ولقد قال الحق أن كسب الدنيا هنا ، هو أمام ذلك الكسب ، لعب أطفال .
- مثل ذلك الطفل الذي يلتف حول طفلة ، ويتماسا على شاكلة من يجامع .
- والأطفال يصنعون في اللعب دكانا ، وليس له من نفع سوى إزجاء الوقت .
- ويأتي الليل ، فيدخل المنزل جائعا ، فقد ذهب الأطفال وبقي وحيدا .
 
2610 - وهذه الدنيا ملعب ، والموت هو الليل ، تعود فيه خالي الوفاض شديد التعب .
- وكسب الدين هو العشق والجذب الداخلي ، والقابلية لنور الحق ، أيها الحرون
- وهذه النفس الخسيسة تريد لك الكسب الفاني ، فحتام تقوم بالكسب الخسيس ، أتركه فحسب .
- وإذا بحثت لك النفس الخسيسة عن الكسب الشريف ، فإن الحيلة والمكر تصاحبه .
.
* * *
شرح ذهاب المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لعيادة أحد الصحابة 
وبيان فائدة العيادة
( 2146 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت فيما يرى فروزانفر ( مآخذ / 66 - 76 ) ، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد رجلا من المسلمين قد خف فصار مثل الفرخ ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل كنت تدعو بشئ أو تسأله إياه ، قال : نعم كنت أقول اللهم ما كنت معاقبى به في الآخرة فعجله لي في الدنيا ، فقال الرسول صلى اللَّه عليه وسلم سبحان الله لا تطيقه ، أو لا تستطيعه ، أفلا قلت : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، قال فدعا به فشفاه .
 
( 2149 - 2160 ) : من الممكن لهذا المريض الذي تعوده أن يكون هو القطب المرتجى للطريق ( للقطب أنظر 249 من الكتاب الأول والبيت 1988 من
 
« 426 »
 
الكتاب الذي بين أيدينا ) ، والفكرة هنا أن الأرض لا تخلو من أقطاب ( عند الشيعة الإمام ) ، لكن ليس من المسموح لكل إنسان أن يعرفه وما دام موجودا في العالم ، فلا بد أنك ستراه وإن لم تعرف أنه هو ، لكن ، لما كان من المحتمل أن يكون من بين الدراويش فداوم على غشيان مجالس الدراويش ، فمن أراد أن يجالس الله فليجلس مع أهل التصوف ( عن استعلامى 3 / 277 ) .
 
وكن دائما مؤمنا بهذا الاحتمال ، أنه موجود وثق أنك سوف تصل إلى نتيجة ، فإن لم تصل إلى القطب ، فقد تصل إلى من يكون دونه كمالا ( فارس الجيش ) والذي يوصلك إليه ، وإن لم يكن هذا أو ذاك ، فأقل فوائد الاحسان إلى الناس أن يقل حقدهم عليك إن كانوا لك أعداء ، والرفقة مهمة ، والصحبة طيبة ،
[ والجماعة رحمة والفرقة عذاب ] ،
ألست ترى النحات ينحت من الحجر ما يكون رفيقا له وشاغلا لوقته ومؤنسا لوحدته ؟ ! ! وإنك لتظن أن هناك كنزا في كل موجود ، وهذا عيب فيك أن تصور أن الله في كل موجود وتسرع متأثرا بهذا الخيال الذي لا حقيقة فيه .
( مناقب العارفين للأفلاكى 1 / 155 ) .
 
( 2161 - 2170 ) أنظر لهذه الروايات الأبيات 1741 - 1742 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحها .
 
( 2172 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت فيما يرى فروزانفر ( مآخذ / 67 - 69 ) وردت قبل مولانا في جوامع الحكايات لمحمد عوفي ، وهي ناظرة أيضاً إلى ما ورد في مجمع الأمثال للميدانى في تعليقه على المثل " إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض " وليس المهم في الحكاية عملية تفريق الناطور للثلاثة : الفقيه والصوفي والعلوي ، لكن نظرة الناطور لكن منهم في حالة التقرب والدس والتفرقة ، ثم نظرته لكل منهم حين يظفر به وحيداً ، وهو تعبير عن واقع
 
 
« 427 »
 
اجتماعي لكثير من الطبقات " واجبة الاحترام " في المجتمع الإسلامي آنذاك ، في حين أن الاحترام الحقيقي للعقل والتصرف وليس للكسوة والمظهر والنسب ، وهو ما صوره سنائى في حديقته ( خاصة في الفصول الأخيرة ) .
 
( 2193 ) : أنظر البيت 216 من الكتاب الأول وشروحه .
 
( 2216 ) : قال استعلامى ( 3 / 279 ) الإشارة إلى كتاب الإمام الغزالي " الوسيط المحيط بأقطار البسيط " في حين أن الوسيط كتاب لأبي حامد لخص فيه كتابه البسيط وهو في فروع المعاملات والعبادات ومن أمهات كتب الفقه الشافعي والمحيط كتاب في الفقه لشمس الأئمة محمد أبى بكر السرخسي ( المتوفى 489 / 1909 ) وقد ورد أسمه أيضاً في سلسلة الطريقة المولوية ( جلبنارلى 20 / 275 ) .
 
( 2224 ) : الحكاية الواردة هنا ( ولا يزال حديث مولانا عن الصحبة عموما وصحبة الأولياء على وجه الخصوص ) وردت قبل مولانا فيما يرى فروزانفر في رسالة النور ( المؤلفة بالعربية في القرن الثامن الهجري ) كما نقلها فريد الدين العطار في سيرة أبى اليزيد في تذكرة الأولياء ، كما وردت في مقالات شمس ( عن مآخذ 69 - 70 ) .
 
وممن الممكن أن يكون من معاني القصة وأهدافها التي لا ينتبه إليها الشراح القدامى أن الإنسان والإحسان إلى الإنسان أولى من الشعائر وإقامتها ( وبخاصة إن لم تكن المرة الأولى ) وفي المأثور الشعبي في البلاد الإسلامية حكايات عديدة قد تكون مستوحاة من هذه الحكاية ، عن احسان المزمع على الحج بنفقات حجه على جار معوز أو أرمل محتاج ، وتنتهى الحكاية دائماً بأن يُشاهد ذلك المزمع على الحج والذي لم يحج من قبل جيرانه في المشاعر وأماكن الحج .
 
ويعلق مولانا على الحكاية : بأن الهدف هو الإنسان والهدف من بين البشر هو الشيخ ، وقلب الشيخ هو الكعبة ( في ديوان شمس : قلب الإنسان
 
« 428 »
 
عموما هو الكعبة ، أنظر عدد 21 ابريل 1996 من أخبار الأدب حيث ترجمة لخمس غزليات في هذا المجال لكاتب هذه السطور ) .
 
( 2234 ) : تحت عنوان الحكاية يسوق مولانا حوار بين شيخ ومريد ومفاده طلب الضروري وتبعاً له سوف تحصل على الثانوي من الأمر وغير الأساسي " فالنور من الكوة ثانوي ولكن الأذان ( من حيث النور الذي لا يخبو ولا يأفل هو الضروري فإن نفذ من الكوة ( كوة لدار أو كوة القلب ) تبعه النور الأصلي .
 
( 2236 - 2241 ) : عودة إلى قصة أبى اليزيد وحجه ، والخضر عليه السلام هو في المأثور الصوفي نبي ولى شيخ حي يظهر لمن يتوسم فيه الاخلاص وينجى الصوفية من متاهات الطريق ، " مجازيها وحقيقيها " وهو أيضا العبد الصالح الذي أوتى علما من لدن الله ، ولم يستطع معه موسى عليه السلام برغم كونه من أولى العزم من الرسل صبراً ، روى البخاري حديثا أن موسى قام خطيباً في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم ، فقال : أنا ، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه ، فأوحى الله إليه : إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك ( مولوى 2 / 473 ) .
 
ورؤية الفيل الهندي في النوم ، الحنين إلى الموطن الأصلي للإنسان ، وهو تعبير تكرر عند مولانا في المثنوى كثيراً ( أنظر على سبيل المثال لا الحصر الكتاب الرابع الأبيات 3068 - 3071 وشروحها ) ورؤية الهند هي الحنين إلى الجنة ، فكأن الشيخ الذي لقيه أبو اليزيد ، كان مسروراً وكأنه يشاهد الجنة ، إنه يرى أثناء النوم ما لا يراه في اليقظة ( أنظر البيت 39 من الكتاب الذي بين أيدينا والبيتين 394 و 395 من الكتاب الأول ) .
 
( 2251 - 2256 ) : [ الإنسان سرى وأنا سره ] حديث قدسي ( لأسانيده أنظر أحاديث مثنوى / 62 )
والبيت ( 2252 ) ترجمة لعبارة شمس الدين التبريزي بنصها " يا أبا يزيد ، هناك بيت الله ، وقلبي أيضا بيت الله ، لكن بالله الذي هو
 
 
« 429 »
 
رب ذاك البيت ورب هذا البيت إنه لم يدخل ذلك البيت مذبناه ، لكنه مذبنى هذا البيت لم يخل منه "
وفي البيت ( 2253 ) إشارة إلى الحديث [ من رآني فقد رآني حقا فإن الشيطان لا يتمثل بي ] ، ومن رآني فقد رأى الحق " ( أحاديث مثنوى / 6399 . والمزاوجة بين ذلك العبد الفقير المحتاج إلى نفقات حج أبى اليزيد البسطامي وبين الحقيقة الإلهية ، وجه من وجوه النزعة الإنسانية البارزة في التصوف الإسلامي ( أنظر شروح البيت 2224 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ،
ولسعدى الشيرازي :
ليس العبادة بالخرقة والسجادة * ليست العبادة إلا بخدمة الخلق ( 2258 - 2269 ) : عودة إلى حكاية عيادة الرسول صلى الله عليه وسلم للمريض التي بدأها مولانا في البيت 2146 ثم عاد إليها في البيت 2218 وتركها ليعود إليها في هذا البيت ، والمقصود بالنفس ، النفس النبوي الشريف ، الذي جعل المريض يحس أن النعمة التي أسبغها عليه المرض ، بزيارة المصطفى صلى الله عليه وسلم تتضاءل إلى جوارها كل النعم .
 
( 2272 - 2289 ) : إشارة إلى الحديث النبوي الشريف [ شاوروهن وخالفوهن ] ، وهنا يشمل النفس الأمارة بالسوء ، ( أنظر البيتين 2629 و 2969 من الكتاب الأول ) والنفس الأمارة حتى وإن أمرت بالصوم والصلاة ، فإن ذلك يكون مكرا منها ( لأنها قد تأمر بالصلاة رياءً وبالصوم حيث لا ينبغي الصوم ولا يجب ) ولا حل لها إلا ما يدق عليه مولانا كثيراً ، لزوم الشيخ ، وفي البيت 2289 ليس المقصود بالطبع إفقاد القدرة الجنسية بل المقصود إفقاد الرجل قدرته على طي الطريق وتحمل مشاقه ، ومواجهة النفس ( التي هي بمثابة المرأة ) .
 
( 2290 - 2298 ) : يستنجد مولانا بالخطاب إلى حسن حسام الدين كلما آنس
 
 
« 430 »
 
من بقية المريدين مللا أو إنصرافاً ، فهو يراه حلالا للمشاكل ، والمشكلة الآن أن مولانا يحس بصعوبة في الإفاضة ، وليست هذه الصعوبة إلا لأن أحد من يحبهم الحق قد تعرض لأذى ، ومن ثم وضع الله سترا على الإفاضة وحجبها ، وهذا هو قضاء الله وقضاء الله علاجه من قضاء الله أيضاً . نفر من القضاء إلى القضاء ( أنظر 1267 - 1269 من الكتاب الأول ) ،
ولا جدال أن مولانا يشير هنا إلى حادثة معينة ، لكنها لا تخرج عن أن مريدا كان مبتدئا في الطريق " دودة " ، فلما تقدم في الطريق صار أفعوانا وحية على شيخه ، وها هو يطلب من حسن حسام الدين ، وهو موسى الطريقة أن يلقى عصاه تلقف ما صنعوا ، وأن يخرج يده من جيبه بيضاء فتضىء هذا الليل ، ليل النفوس المظلمة ، وأن يتلو رقية يجعل بها هذا الجحيم ينطفئ .
 
( 2300 - 2305 ) : إشارة إلى ما ورد في الآية الكريمة وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا ، وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ ، لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا ( الأنفال / 44 )
 
والحديث عن المسلمين والكفار في موقعة بدر وفي البيت 2304 إشارة إلى الآيات الكريمات في سورة " الليل " ، إن هذه هي عناية الله التي تيسر عباده لليسرى ، وتيسر مخالفيه للعسرى ، وفي هذا البيت كان الحديث عن أولئك الذين يسرهم الله تعالى لليسرى ( من أمثال حسن حسام الدين ) ، يجعل لهم الصعب هيناً ، والعدو الكثير يبديه في أعينهم قليلا .
 
( 2306 - 2313 ) : يتحدث مولانا عن من لا تشملهم هذه العناية الإلهية ، هؤلاء يبدو أعداؤهم في أنظارهم أقوى ممن هم عليه بالفعل ، " يبدو القط أسدا هصوراً ، فإن أراد الله إهلاكهم أرى لهم سيف علي رضي الله عنه القاصم مجرد حربة ،
 
« 431 »
 
والأسد الهصور مجرد قط ، حتى يسعون إلى حتفهم بأظلافهم ، وعادة ما يبدي أولياءه ضعافاً تزدريهم العيون وكأنهم القشة ، بحيث يتجرأون عليها ، ويهاجمونها ، وبينما تكون الدنيا باكية شوقا إليهم وولها فيهم ، يضحكون هم سخرية منها ، إنه يبديهم ذوى أعماق ضحلة سطحية ، بينما مياه علمهم تغرق العماليق من أمثال عوج بن عنق ( عاج بن عنق زعيم قوم عاد ، ومن أتباع شداد ، كان ضخم الجثة بحيث كان ينحنى فيخرج السمكة من قاع البحر ، ويرفعها فيشويها على الشمس ، وصل طوفان نوح إلى ركبته ، عاش حتى عهد موسى عليه السلام وقام لقتال موسى ، فحمل صخرة من الجبل ليلقيها على موسى وقومه فخرت الصخرة بأمر الله وسقطت في عنقه ، وقفز موسى فضرب كعبه بعصاه فقتله " أشبه بكعب اخيل في الأساطير اليونانية " ، وفي فترة الأكاسرة صنعوا من عظمة من عظامه جسرا على الفرات وعبر عليها الناس طيلة مائة سنة ) ( جلبنارلى 2 / 277 )
 
وعند مولوى ( حكى أن عوج بن عنق كان طوله ثلاثة آلاف وستمائة وثلاثون ذراعاً وعمره ستة آلاف وستمائة سنة ، فلما وقع الطوفان وعلا الماء على الجبال لم يتجاوز ركبته ، وكان هلاكه على يد سيدنا موسى ، وذاك أنه إذا غضب على أهل بلدة بال عليهم وأغرقهم ، فشكوه إلى سيدنا موسى عليه السلام فطلبه ووجده ودعاه إلى الإيمان فامتنع ، وخوفه بالقتل فضحك محقرا لسيدنا موسى فأحال عليه عصاه فبلغت عنقه وشقت رأسه فهلك ( مولوى 2 / 485 ) .
 
( 2314 - 2318 ) : وهكذا تبدو الأمور هيئة سهلة للطواغيت والفراعين ، لقد رأى البحر يابسة ، فساق فيه ، فغرق ( البقرة / 50 ، يونس / 90 وأنظر البيت 867 من الكتاب الأول ) ، وإنما تدرك العيون حقيقة الأشياء عندما تنور بنور الله

 
« 432 »
 
لكن الأحمق يرى الأمور معكوسة ، يرى في الطعام الذي يتناوله بشره شهدا وسكراً وهو له سم قاتل ، ويرى الذي أمامه هو الطريق السليم وهو في الحقيقة المتاهة التي يدعوه إليها الغول .
 
( 2319 - 2324 ) : الخطاب إلى الفلك ، وحدة الفلك في سيره تسرع بعمر الإنسان فلا يستفيد منه في الطاعات ، ويمر على المرء دون أن يحس به ( استعلامى 2 / 283 ) ، وفتنة آخر الزمان هي فتنة الدجال ، تحدث في المأثور الإسلامي في الألف السابعة من عمر البشر ، تكون فتنة لا يدرك فيها المرء الحق من الباطل ، فكأنك أيها الفلك بشر تتجه إلينا ! ! فأين رحمتك ولمَ لمْ تتعلم الرحمة من الحق ، نحن ضعاف كالنمل فهل نتحمل لدغ الحيات ! ! أيها الفلك :
بحق من أدار عجلتك ، إرحمنا ففي ظلك نمت جذورنا ، فكيف تقتلع هذه الجذور .
 
( 2325 - 2331 ) : الحديث إلى الفلك ، لكن مولانا تناول مشكلة أخرى :
مشكلة حدوث هذا العالم وقدمه ، فالدهرى يرى أنه قديم والسنى يرى أنه حديث ، لأن مبدأ كل شئ هو الله سبحانه وتعالى ، ومن أين لهذا الدهري أن يعلم الحدوث والقدم وهو عنكبوت في دار ووردة في بستان ( لتفصيلات أنظر ، الكتاب الرابع ، الجواب على الدهري المنكر للألوهية والذي يقول أن العالم قديم ، الأبيات 2833 - 2863 وشروحها ) .
 
( 2332 - 2340 ) : إن هذا العقل ( هو هنا عقل المعاش وليس بعقل المعاد كما قال استعلامى 2 / 283 ) يبدي لنفسه الصورة إنها صور نابعة منه هو بقدر خياله وتصوره ، وما أشبهها بتصورنا جميعا للجنى ، كلنا نتصوره ، لكن أية صورة يا
 
 
« 433 »
 
ترى تنطبق عليه في الحقيقة ؟ ! ! وهذا العقل الباحث عن المعاد أعلى مرتبة من الفلك بدوره ، لأنه مرتبط بالعقل الكلى أول فيض عن الله تعالى ( أنظر 1909 و 2064 من الكتاب الأول ) ،
والإنسان برغم وجود هذا العقل الذي يطير في الأوج ، ذو جسد متشبث بالحضيض مقيم على التقليد الذي يحد من انطلاق عقله ، يستنيم المرء إلى العلم الناتج عنه ، وهو الذي يحول بينه وبين العلم الحقيقي ، إن الجنون أفضل من هذا العقل ، يقول لك العقل : هذا نفع فاهرب منه ، وهذا سم فتجرعه ، وهذا أمن ، فانتقل منه إلى موضع الخوف ، وهذا شرف ، فاختر الافتضاح ، دعك من معابير عقل هذا العالم ، فهي في الحقيقة جنون في جنون ، وأنا - شخصيا - جربت ذلك العقل الذي يتعمق الأمور ، ولم أجد بعده بدا من التظاهر بالجنون .
 
( 2341 ) : بطل الحكاية هنا " دلقك " ( ترجمتها بالمهرج ) اسم علم عرف بحكاياته الطريفة ، كان معاصرا للسلطان محمود الغزنوي ( المتوفى 421 ه ، 1030 ) وفي رسالة دلكشا " شارحة الصدر " للشاعر الساخر عبيد الزاكانى ( القرن الثامن الهجري ) عرف باسم طلحك ونقل تسع عشرة حكاية عنه ، والسيد الأجل يجب أن يكون من آل على الذين عاشوا في ذلك العصر ، وفي تاريخ اليميني للعتبى تحدث من هذه الأسرة عن سيد جعفر بن سيد محمد وأبى جعفر محمد وأبى البركات على ويجب أن يكون واحدا منهم . 
( شرح جلبنارلى 2 / 297 ) كما وردت حكايتان أخريان عن " دلقك " والسيد الأجل في الكتابين الخامس والسادس ، حيث صرح أن السيد الأجل كان حاكم ترمذ ودلقك كان نديما له .
 
( 2346 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت قال الأنقروي أنها وردت في كتاب بستان العارفين لأبي الليث السمرقندي المتوفى سنة 375 للهجرة " 985 م " ، كما ذكر في بعض نسخ المثنوي غير المعتمدة اسم بهلول ( وهو مجذوب فقير تقترن حكاياته
 
« 434 »
 
باسم هارون الرشيد وتذهب بعض الروايات أنه كان أخا له ) ( استعلامي / 2 - 284 ) ، وذكر فروزانفر ( مآخذ / 70 - 72 ) أن الحكاية وردت في العقد الفريد لابن عبد ربه وربيع الأبرار للزمخشري وإسكندر نامه المنثور وفي جوامع الحكايات لمحمد عوفي . وفي كثير من هذه المصادر لا تجري الحكمة المذكورة في الحكاية على لسان عاقل يبدو مجنونا ، بل تجري على لسان النبي سليمان عليه السّلام حينما كان طفلا عندما أحال إليه داود عليه السّلام سائلا يستشيره في من يتزوج .
وفي جوامع الحكايات يرد عليه : النساء في الدنيا ثلاث ، البكر كالذهب الأحمر ، والأيم كالفضة البيضاء ، والأيم المسن كالرصاص ، وإن كان لها ولد فهي كالفخار ، وتبدو رواية أبي الليث السمرقندي ورواية محمد عوفي أقرب الروايات إلى حكاية مولانا .
 
( 2351 - 2360 ) : لكن - ويحذر مولانا من ظاهرة تفشت فيما بعد - إياك أن تعتبر كل مجنون حكيما ، فأي علم لك بالأسرار التي يبوح لك بها المجنون ، إن لم تكن عليما من البداية لكي تستطيع أن تميز بين الغث والسمين في ما يبوح به ، وما دام في حجاب الجنون ، فلن يعرفه كل أعمى ، والأمر يحتاج إلى بصيرة مستنيرة ، هذه البصيرة تعرف أنه من الممكن أن يغطي الكليم " غطاء الدرويش " كليما " موسى الكليم عليه السّلام " والولي لا يعرفه إلا الولي [ أوليائي تحت قبائي لا يعرفهم غير أوليائي ] . وإذا كان قد جعل نفسه مجنونا ، فكيف تستطيع أن تعرفه بالعقل ؟ واللص المبصر هو النفس ، والأعمى هو غير العارف بالأسرار .
 
( 2362 - 2366 ) : بمناسبة البيت 2361 وفحواه أن الأعمى لا يعرف الكلب الذي يعقره " النفْس التي تتسلط عليه " ، ويضرب مثلا على ذلك بالمتسول " رجل الدنيا " الأعمى الذي يهاجمه كلب ، والحكاية هنا قائمة على تلاعب لفظي
 
 
« 435 »
 
بين لفظي : كور أي أعمى بالفارسية ، وكور أي حمار الوحش ، وقال بعض المفسرين أن الحكيم المذكور هنا المقصود به نصير الدين الطوسي المعاصر لمولانا " كلاهما توفي سنة 672 هـ " ، وقد أنكر استعلامي ( 2 / 285 ) هذا الأمر ، ولم يلتفت كل المفسرين إلى تعبير ذيل الحمار ، وهو يشير إلى شكل من الأشكال التي كان المغول يصففون شعورهم عليها ، ومن ثم يكون المعنى المطلوب أن الرعب دفع حكيما مثل نصير الدين الطوسي إلى ممالأة الحاكم المغولي . والله أعلم .
 
( 2375 - 2379 ) : الأرض رغم كونها عمياء ، إلا أنها أصبحت مبصرة بنور الله ، فخسفت بقارون ( القصص : 76 - 81 ) وزلزلت خسفا بقوم صالح ( الأعراف / 78 - 90 وانظر أيضا الكتاب الأول الأبيات : 2581 . 2521 وشروحها )
واستمعت إلى أمر اللهيا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ( هود / 24 ) ، ليس هذا فحسب ، بل واستمع إليه - أي إلى أمر الله - الماء " قوم موسى " والنار " إبراهيم عليه السلام " والهواء " قوم عاد " ، كل العناصر فهمت دون نبي ودون تدبر ، وامتثلت للأمر ، على عكسنا نحن ، قصرنا معرفتنا على الخلق ، وتركنا معرفة الحق .
 
( 2380 - 2383 ) : لا جرم إذن أن هذه العناصر أشفقت من حمل الأمانة ، وذلك لمعرفتها بالحق ، لكن هذا الإشفاق قد ضعف عندما دب عليها الأحياء ، وامتزجت بالروح الحيوانية ، وهي لا تزال تحس بالضيق من هذه الحياة ، فهم يسمونها حياة ، لكنها عند الحق موت ، وذلك الذي يسمي نفسه حيا يحس باليتم عندما يبتعد عن الخلق ، في حين أن الأنس الحقيقي يكون بالله .
 
( 2383 - 2394 ) : الحديث عن نفس الإنسان ، فما دامت النفس مسلطة عليه يكون كالأعمى الذي يسيطر عليه اللص ، وتعذيب اللص - أو حرفيا عصره - هو الجهاد الأكبر [ رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ، قيل وما

 
« 436 »
 
الجهاد الأكبر يا رسول الله ؟ قال : جهادك في هواك ] . أتدري ما هذه البضاعة التي يسرقها اللص ؟ إنها كحل البصيرة من البصر والحكمة من القلب ، لكن من عمى قلبه لا يعرف هذا اللص ، كما لا يدلك عليه أيضا جماد في صورة إنسان . ثم يعود مولانا إلى قصة العاقل المتظاهر بالجنون .
لقد تقدم منه طالبا المشورة ، لكنه دفعه عنه ، فلم يكن اليوم يوم البوح بالأسرار ، ولم يكن الموضع موضعه ، ويقول : لو كان عندي أنا أيضا إذن للبوح بالأسرار لكنت أنا أيضا مثل بقية المشايخ صاحب دكان ، ويرى جلبنارلي ( 2 / 298 ) أن مولانا يقصد أولئك المشايخ الذين يفتحون الزوايا كالحوانيت ، ويبدون الكرامات المزيفة ، ويتلقون الهدايا والنذور والخلع ، ويجمعون حولهم أصحاب المال والجاه .
 
( 2395 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت لم ترد بتفصيلاتها في كتاب قبل المثنوي ، ويرى نيكلسن أن بعض أجزائها يشبه بعض عبارات وردت في المنقذ من الضلال للإمام الغزالي ( استعلامي 2 / 287 ) ونقل فروزانفر ( مآخذ / 72 ) عن نثر الدر للآبي حوار دار بين المأمون وثمامة يبدو أصلا للحكاية ، كما نقل عبيد الزاكاني الجزء الأخير من الحكاية في لطائفه . ولعلها من الحكايات الشعبية التي كانت منتشرة في عصر مولانا ، ونقلها عبيد الزاكاني عنه .
 
( 2400 - 2402 ) : يطلب المحتسب " مراقب حدود الشرع في الأسواق والأماكن العامة " من السكران أن يتأوه ، وذلك بالطبع حتى يشم فمه ، لكن السكران يفطن إلى الحيلة ، فيطلق صياح الدراويش " هو . . . هو " ، حتى يوهم المحتسب أن ما به من سكر الخمر الإلهية ، أو ما يعبر عنه بالسرور .
 
( 2406 ) أنظر شرح البيت 2394 من الكتاب الذي بين أيدينا .
 
« 437 »
 
( 2428 - 2432 ) : يذكر حديث العاقل الذي تظاهر بالجنون هنا بما روي عن تظاهر مسعد بن كدام بالجنون حتى لا يتولى قضاء الخليفة المنصور العباسي ( أنظر الرواية كاملة في كشف المحجوب ، الأصل الفارسي صص 113 - 114 والترجمة العربية لكاتب هذه السطور ص 117 ) .
 
( 2433 - 2436 ) : الحديث هنا يبدو على لسان العاقل الذي يدعي الجنون ، لكنه في الحقيقة على لسان مولانا جلال الدين ، وأن المجنون مجنون بالعشق وسكران بالمشاهدة ، فكنز المعرفة لا يمكن أن يُبدى لكل شخص ، وإلا كان هذا هو الجنون بعينه ، يكون تماما كمن رأى العسس يجوبون الطرقات يأخذون الناس ويقعون فيهم ثم لم يغلق عليه بابه ( الهجوم على العسس والشرطة ملمح بارز من ملامح المثنوي . أنظر لتفصيلات : الكتاب الرابع - الأبيات : 55 - 64 وشروحها )
وفي قصة ذي النون المصري " لقد حبس نفسه في داره هربا من شر العوام
 
- البيت 1438 من الكتاب الذي بين أيدينا " ، ومعرفة الولي جوهر ، والجوهر لا يُبذل من أجل عرض ، وهو متصلٌ بالله " اتصال السكر بقصب السكر " .
 
( 2437 - 2443 ) : يفرق مولانا بين نوعين من العلم : علم تقليدي يتأتى عن طريق التقليد والتكرار والتعلم في المدارس ، وهو العلم الذي ينفر المستمع من صاحبه ضيقا ، ذلك أن طلبه من أجل مشترين ، لا من أجل الله ، لقد طلبه من أجل كسب الجاه بين الناس ، لا من أجل اكتساب نور الحق ، وما أشبه ذلك العالم التقليدي بفأر ينقلب لنفسه جحرا " وما أكثر الجحور التي يلجأ إليها فئران العلم والمعرفة في زمننا الحاضر " ، وهم لا يستطيعون البعد عن الجحر ، تجد الواحد منهم ملازما لجحره الذي اختاره لنفسه ، ولو رآه النور لطرده

 
« 438 »
 
أو لصرخ هو نفسه : واويلاه . ولذلك فهو يبذل جهده ، لكن داخل الظلمات ، لا يستطيع أن يخرج منها ، لأنه لم يوهب " عقل المعاد " ، ولو وهبه ، لحلق بجناحه كالطيور .
 
( 2444 - 2450 ) : علم المقال هو نفس العلم التقليدي ، وهو بلا روح ، وآيته أن يكون طالبا للمشترين ، فإن وجدهم تعمق ، وإن لم يجدهم ، " أغلق دكانه " ومضى . لكن النوع الثاني من العلم هو ذلك النور الذي يقذفه الله في القلب ، مشتريه هو الله سبحانه وتعالىإِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ( التوبة / 111 ) وأترك أنا لك تصور البون الشاسع بين المشتري الذي من الطين ، المفلس ، آكل الطين وبين أن يكون المشتري هو الله . وعليك بقوت القلوب " العلم الإلهي والفيض والنور والحكمة " فيتجلى في وجهك نور الحقيقة .
 
( 2451 - 2456 ) : يناجي مولانا جلال الدين الله سبحانه وتعالى : ليس في مقدورنا أن نحول هذا الطين إلى نور ، لكن لطفك الذي يحيط بنا دون سبب ودون استحقاق " اللطف الخفي " جديرٌ حقا بأن يهب الإنسان المخلوق من الطين والعاكف على الطين ، ملكة التسامي ، فتأخذ بيده وتحرره وتشتريه ، بأن تجعله عبدا خالصا لك ، وتجعله ناظرا إلى الحقيقة دو حجب تحول بينه وبينها ، فحل - يا إلهي - بيننا وبين تسلط هذه النفس ، فقد بلغ بنا منها السيل الزبى والحزام الإبط ، وضع عنا - يا إلهي - إصرنا والأغلال التي تقيدنا بها هذه النفس الدنية ، فلا يستطيع هذا إلا أنت ، وها نحن نستغيث بك من نفوسنا ، لأنك أقرب إلينا مناوَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ( ق / 16 ) .
 
( 2457 - 2463 ) : الدعاء أيضا عطية من الله تعالى ، وإذا أراد الله
 
 
« 439 »
 
خيرا بعبده ، أجرى به الدعاء على لسانه ، وإلا فإن هذا الدعاء كالورد ، ومتى ينبت ورد الدعاء من مزبلة الجسد إلا بلطف من الله سبحانه ، ذلك اللطف الذي أجرى كل هذه الملكات من الإنسان ، وأصدرها من جسد الإنسان دون أن يكون هناك تناسب بينهما ، فجعل الفهم والذكاء بين الدم والأمعاء ، وجعل نور البصر في شحمة ، وسيل الحكمة يجري من قطعة لحم " اللسان " وجعل ثقبا وعظمة أداة للسمع ،
وهذه المعاني ناظرة إلى ما روي عن الإمام علي عليه السلام [ اعجبوا لهذا الإنسان ، ينظر بشحم ويتكلم بلحم ويسمع بعظم ويتنفس من خرم ] ( عن استعلامي 2 / 290 )
والشرع " وهو علم ومقال " هو الذي يوصلنا إلى عالم الغيب وعالم الروح ، وبساتين العالم الدنيوي ورياضه فرع لذلك البستان : بستان الغيب ، بستان الجنة التي تجري من تحتها الأنهار ( التوبة / 100 وانظر البيت 2730 من الكتاب الأول ) .
 
( 2471 ) : " الغريق يتشبث بكل حشيش " ( مثل عربي ) .
( 2475 - 2478 ) : أنظر الكتاب الأول الأبيات 3334 وما بعده وشروحها .
( 2495 ) : أنظر الكتاب الأول الأبيات : 80 - 83 وشروحها .
 
( 2501 - 2502 ) : إنني أمدحك أنت ، لكني أذكر اسم موسى عليه السلام ، لأن مدح الحاضر يوجب البعد ، وأنت نفسك يا رسول الله قد قلت
[ لا تمدح أخاك في وجهه ] .
 
( 2503 - 2505 ) : من هذا البيت يبدأ مولانا في مناجاة ، وعهد الله تعالى للإنسان باق ، لكن الإنسان لا يزال ينكص عن عهده لله وينساه ، وينصرف عن عبادته والاعتراف بربوبيته ، ولا يفتأ يتنقل بين الألوان " شهوات الدنيا على
 
« 440 »
 
اختلافها " ، وأمير الألوان هو الله سبحانه وتعالىفِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ( الانفطار / 8 ) . ونحن أدرى بفضائحنا يا الله وبما ارتكبنا من شرور ، فاستر علينا ، ولا تفضحنا .
 
( 2511 ) : لتكن البقية من وجودنا لك - يا الله - فأنقذها من براثن الشيطان .
 
( 2514 - 2524 ) : تندمج قصة الصحابي المريض مع إفاضات مولانا " حتى البيت 2560 " والدعاء أيضا من تعليمك يا إلهي ( أنظر البيت 2457 من الكتاب الذي بين أيدينا ) والمثال على عفوك أنك عفوت عن آدم ، وأرجعته إلى الجنة ، وفي وسعك أن تعفو عن أبنائه . . . وكيف تبيح يا إلهي أن تنصر الشيطان على الإنسان الذي كرمته ونفخت فيه من روحك ، لكن تراه إنتصر على آدم عليه السلام حقيقة ؟ لقد كان يظن ذلك ، ذلك أنه قنع بالبدايات " النقلة الأولى " ، ولم يكن يعلم أن اللعنة الأبدية سوف تحيق به ، والهزيمة الأبدية سوف تكون له ، وأنه كان يصف جنده ، ويمكر مكره ، لكي تحيق الهزيمة به هو .
 
( 2525 - 2534 ) : إن الخطوة الأولى عند من يريد العلاج أن يعترف أولا بأنه مريض ، وأن يدرك إلى أي مدى وصل هذا المرض ، وأن يتألم ، وذلك قبل أن يصل مرضه إلى مرحلة غير قابلة للعلاج . يولد الرجاء وينقضي اليأس ، مثلما يولد الطفل من ألم المخاض ، ومثلما تكون الأم حاملا بالطفل ، يكون القلب حاملا بالأمانة ، اى بأسرار الحق ، والأم لا تعلم ، لكن القابلة " المرشد " تعلم ، وهناك مدعون يتظاهرون بأنهم يعانون حمل الأمانة ، لكن حذار ، فثمة فرق بين أن يقول الحلاج " أنا الحق " وبين أن يقول فرعون "أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى"
( أنظر الأبيات 1819 من الكتاب الأول و 307 و 1351 و 1402 من الكتاب
 
 
« 441 »
 
الذي بين أيدينا ) ف " أنا " هنا تطرح بمعنيين مختلفين متناقضين ، يستوجب أحدهما الرحمة ، ويستتبع الآخر اللعنة ، بين قولة حق يقولها فإن في الله ، وبين إدعاءٍ للألوهية يصدر عن متكبر جبار وطاغية ظالم يشارك الله ملكوته . يقول مولانا في كتابه " فيه ما فيه "
[ إن الناس يظنون أن قول أنا الحق إدعاءٌ عظيم ، لكن دعوى أنا العبد إدعاءٌ أعظم ، فمن يقول أنا عبد يثبت وجودين : وجوده هو ووجود الله ، لكن من يقول أنا الحق يفني نفسه ويذروها أدراج الرياح ، يقول أنا الحق أي أنا عدم ، والكل هو ، فلا وجود إلا وجود الله ، وأنا بأجمعي عدم محض وهباء ، وفيها تواضع أكثر ، ومن هنا فالناس لا يفهمون ، يقوم العبد بالعبودية حسبة لله ، والخلاصة أن عبوديته موجودة ، بالرغم من أنه يرى نفسه لله وفعله لله ويرى الله ، فهو ليس إلا غريق في ماء ، وغريق الماء هو الذي لا يصدر عنه فعل ولا حركة ، وتكون حركاته هي حركات الماء ]
( عن جلبنارلي 2 / 299 ) ، المهم إذن هو الموقف الذي صدر فيه القول ، والمنطلق الذي انطلق منه ، وانظر إلى هذا المثال البسيط :
إن أذان الديك في أوانه مستحب ، لكن الديك الذي يؤذن في غير أوانه يكون ضار مضلا ، ومن ثم يستوجب قطع رأسه ( مثال تكرر أكثر من مرّة في المثنوي ، على سبيل المثال لا الحصر أنظر الكتاب الأول 947 والبيت 1167 ) وما قتل هذا الديك ؟ المجاهدة والأخذ بالشدة وقتل النفس الأمارة بالسوء .
 
( 2535 - 2542 ) : وفي قتل النفس أمان لها ، ألست ترى أنك بقطع ذنب العقرب تنجيه من التعرض للقتل ؟ وفي قطع ناب الحية تنجيها من الرجم بالأحجار ؟ والشيخ " المرشد " هو الذي يساعدك في قتل النفس ، فقوته من قوة
 
 
« 442 »
 
الله ، لأنها بتوفيق من الله ، وإن لم تصدق أن الله يجري بعض الأفعال على أيدي عباده المخلصين والفعل فعله تعالى فاقرأوَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ، وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى ( الأنفال / 17 - وانظر أيضا البيتين 619 و 620 من الكتاب الأول )
حتى الروح في كل ما تقوم به تكون صادرة عن الله تعالى وهو روح الروح ، والأخذ المذكور ها هو أخذ العناية لا أخذ العقوبة ، وهو مهما أمهل الداعي ، فإنما يمهله حبا في سماع دعائه ، ويؤخره ليسمع شكواه وبثه ، لا كرها منه سبحانه بل حبا منه ، يريدك حاضرا حضور المحتاج ، لا غائبا غيبة المستغني ، ولو كان لا يريدك ، لما أصابك بلحظة من ألم لأنه لا يجب أن يسمعك تتضرع إليه ( أنظر الكتاب الثالث الأبيات 197 - 207 وشروحها ) .
 
( 2543 - 2551 ) : الإنسان دائما في فصل وفي وصل ، واعلم هذا يقينا ، واقرأ وَالضُّحى متمعنا ، فلقد غاب الوحي عن الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى
( أنظر البيتين 302 و 303 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، وإن كان لديك شك وإنكار فعلم أن فضل الله تعالى دائما يفوق استحقاق العبد ( أنظر البيت 1890 من الكتاب الأول والبيت 909 من الكتاب الذي بين أيدينا ) و إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ * ( آل عمران / 73 )
وكل مظاهر الكون من قبيح وجميل من فعله هو ، والنقش القبيح أيضا يدل على أستاذية النقاش ( أنظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة لكاتب هذه السطور الأبيات : 399 - 411 و 441 - 464 وشروحه ) 
ويضرب مولانا الأمثلة : يوسف والحور في مقابل الشياطين والأبالسة ، كلها من كمال معرفته وحسن صنعه .
 
( 2552 - 2555 ) : البيت 2552 يكاد يكون منقولا من حديقة سنائي ( البيت رقم 11 . أنظر الترجمة العربية للحديقة وشرح البيت رقم 235 ) وكلاهما عابد :
مؤمن يرجو وجه الله ، ومجوسي يعبده من أجل حطام هذه الدنيا ، أو أن المعنى
 
« 443 »
 
المؤمن يعلم أنه يعبد الله ، والمجوسي يعبد ما يرى أن الألوهية متمثلة فيه ، أحدهما يعبد لعمارة الروح ، والآخر يعبد لعمارة الجسد ، وفي النهاية يعود إلى الله ، والقبيح لا يرى في الله إلا أنه خالق القبح الذي هو فيه ، وإبليس نفسه قالرَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي( أنظر البيت رقم 1498 من الكتاب الأول ) لكن الجميل لا يرى فيه سبحانه إلا صفات الجمال .
 
( 2560 - 2567 ) : عودة إلى الحكاية التي بدأت بالبيت 2146 وعاد مولانا إليها في البيت 2218 وفي البيت 2258 : ينصح الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابي المريض بدلا من أن يطلب من الله أن يعذبه في الدنيا العذاب الذي سوف يتعرض له في الآخرة ، أن يطلب من الله في دنياه حسنة وفي آخرته حسنة ويقولرَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنا عَذابَ النَّارِ( البقرة / 201 ) . .
 
يومذاك يتساءل المؤمنون : رب ، ألم تقل في كتابك العزيز وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا إننا لم نمر بنار ، بل كان كل ما مررنا به بساتين ورياض ، والمعنى ناظر إلى الحديث الشريف
[ يأتي أقوام أبواب الجنة فيقولون : ألم يعدنا ربنا أن نرد النار ؟ فيقال : بل مررتم به وهي خامدة ]
( أحاديث مثنوي / 64 - وانظر أيضا معارف بهاء ولد / ص 418 ) .
 
( 2568 - 2582 ) : وإخماد نار الآخرة من أجل المؤمنين جزاء أوفي لقيامهم بإخماد نار شهواتهم وغضبهم وحرصهم وظلمة جهلهم في الدنيا ، لقد قضوا على النفس الامارة وبذروا بذور الوفاء ، واستجابوا لدعاة الحق من أنبياء وأولياء وهَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ( الرحمن / 60 ) ، لقد فنوا عن أنفسهم وبقوا بالحق ( عن البقاء والفناء أنظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث ) ، وخيال الحبيب الأسمى كامن في السرائر " الباطن وهو أعلى من
 
 
« 444 »
 
القلب وبه تبدأ المعرفة - أنظر البيت 264 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ( استعلامي / 2 - 294 ) .
 
( 2583 - 2590 ) : إشعال شموع البلاء أي جعل القلوب متجهة إلى عشق الحق ، وأولئك العشاق الذين وصلوا إلى معرفة الحق وأصبحوا في أتون العشق ، يضحون بأنفسهم كما يضحي الفراش بنفسه على لهب النار ، وأولئك المميزون شيوخ الإرشاد هم مجنك أمام البلاء ، ويصلون بك إلى مرحلة لا يؤذيك معها العشق ، فتمتليء علما وفيضا ومعرفة ، كما يمتليء الكأس بالخمر ، فاجعل لنفسك منزلا في قلوبهم " الفلك " ، فهم كواكب الهداية والإرشاد والتعليم ( عطارد : أنظر البيتين 158 و 1602 من الكتاب الذي بين يدينا ) ، فهناك يفتحون دفاتر قلوبهم للمريدين الجديرين ويبوحون لهم بالأسرار ، فهم الأهل ، وهم بدور الهدى .
 
( 2591 - 2592 ) : البيتان يؤكدان دور المرشد في كمال السالكين ، فالجزء هو المريد ، والكل هو المرشد ، وقد أثار البيت 2592 مناقشة واسعة لاستخدامه مصطلحي الجنس والنوع ، وأغلب من تناولوا البيت بالشرح كانوا ناظرين إلى المعنى الفلسفي وإن كان استعلامي قد فسر المصطلحين بأنه لا علاقة لهما بمصطلحات الفلاسفة ، وأن المرشدين هنا تشملهم كلية معينة بينما تشمل المريدين كلية أشمل ، أي أن المريد باتصاله بالشيخ يدخل في كلية أجمع ، بحيث يشاهد الغيوب بعين الباطن ( استعلامي / 2 - 295 ) ويستفيض جعفري ( 5 / 185 - 193 ) كعادته في المناقشة وينتهي إلى قبول رأى الأنقروي ( 2 / 308 )
 
الذي قال :
إن كل جنس إمتزج بنوع خاص وآنس إليه يكون في حكم نفس ذلك النوع ، مثل امتزاج كلب أهل الكهف بأهل الكهف ، واتحاد جنس النبات بصورة الحيوان ،
 
 
« 445 »
 
واتحاد الحيوان مع الإنسان ، فيدخل في شكل الإنسان ، وانظر إلى الحقائق الغيبية التي تخلصت من مرتبة الباطن وظهرت في عالم الظهور بمرتبة العيان ، أي اتجه إلى أرواح جاءت من عالم الغيب إلى مرتبة اليقين " وقال المولوي ( 2 / 532 ) تفسيرا قريبا من هذا التفسير .
والواقع أن الشراح قد استفاضوا حيث لا موجب للإستفاضة : فالجنس هنا هم عامة المريدين ، والمرشدون نوع خاص من هذا الجنس ، صار نوعا من سيره وسلوكه ، وبانضمام المريدين إلى المشايخ ، وسلوكهم الطريق ، تتفتح أمامهم الغيوب فيتحولون بدورهم إلى نوع خاص .
 
( 2593 - 2604 ) : يوجه مولانا الكلام إلى أولئك الذين لا يهتمون بالمرشدين الأولياء ، وما أشبههم بالنساء ، كل عملهن الغواية ، ومع ذلك يخدعن بالمداهنة واللفظ الحلو ، وما أشبههن بالنفس الأمارة
( أنظر الأبيات 2629 - 2632 من الكتاب الأول وشروحها )
وسب الملوك لك وصفعهم إياك وشقهم عليك بالتكاليف أفضل لك من ثناء الضالين المضللين ، وخير لك صحبة الشيوخ ، فهم الدولة الخالدة ، وهم خلعة السلطة ، يتحول جسدك بهم إلى روح ، وبهر وبك منهم تصبح عاريا معوزا مثلما يهرب صبي من أستاذه في الصنعة ، فلا يتقن عملا ، وإذا كنت قد عاينت هذا الأمر بالنسبة لحرف الدنيا ، فما بالك بحرفة الدين ؟ تلك التي لا ينفض سوقها هناك ، وليست قاصرة على سوق الدنيا .
 
( 2605 - 2613 ) : إن حرف الدنيا بالنسبة لحرفة الدين لعب ولهووَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ( الأنعام / 6 - العنكبوت / 29 - محمد / 36 - الحديد / 20 ) إنها أشبه بجماع الأطفال ، تماس ولا جماع ، حانوت طفل
 
« 446 »
 
يفتحه للعب ، وهمي ولمجرد إزجاء وقت الفراغ ، وأية قيمة لها عندما يدلهم الليل ، ليل الموت ، ويتفرق الأطفال ويمضي كل طفل إلى منزله . لكن أنظر إلى كسب الدين : العشق والانجذاب والتواصل المستمر مع المحبوب الأزلي ، كسب القلب ، لا كسب النفس الخسيسة التي من ديدنها المكر والحيلة حتى في سبيل الكسب الشريف .
 
( 2614 ) الحكاية التي تبدأ بهذا البيت فيما يرى فروزانفر ( مآخذ / 72 - 73 ) ورد أصلها في قصص الأنبياء للثعلبي " ويروى أن رجلا كان يلعن إبليس كل يوم ألف مرة ، فبينما هو ذات يوم نائم ، إذ أتاه شخصٌ فأيقظه وقال قم فإن الجدار ها هو يسقط ، فقال : من أنت الذي أشفقت عليّ هذه الشفقة ؟ فقال له : أنا إبليس ، قال : كيف وأنا ألعنك في اليوم ألف مرة ؟
قال : هذا لما علمت من محل الشهداء عند الله تعالى فخشيت أن تكون منهم فتنال ما ينالون " كما أورد فروزانفر ما يشبهه نقلا عن البيان والتبيين للجاحظ ، وحديثا عن حلية الأولياء ولا علاقة لكليهما بالحكاية . ومعاوية هنا شخصية ثابتة الإيمان ، متضرعة إلى الله ، به مسحة روحانية ، وعنده معرفة بخداع النفس مما دفع الشراح الشيعة إلى الاعتراض ( ! ! ) ( استعلامي / 2 / 295 - 296 وجعفري 5 / 202 ) .
 .
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: