الأربعاء، 12 أغسطس 2020

04 - بيع الصوفية لدابة المسافر للإنفاق على السماع المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

04 - بيع الصوفية لدابة المسافر للإنفاق على السماع المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

04 - بيع الصوفية لدابة المسافر للإنفاق على السماع المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

« 65 »
حك القروي في الظلمة للأسد ظنا منه أنه ثوره
 
- ربط قروي ثوره في الحظيرة ، فأكل الأسد ثوره ، وقبع في مكانه .
- وذهب القروي في النهاية إلى الحظيرة ، وأخذ ذلك الطلعة يبحث عن الثور في " ظلمة " الليل .
- وأخذ يحك بيده على أعضاء الأسد ، على ظهره وجنبيه ، حينا إلى أعلى ، وحينا إلى أسفل .
- وقال الأسد " في نفسه " لو كان الضوء زائدا ، لتمزقت مرارته " خوفا " ولصار قلبه دما .
 
510 - إن مثل ذلك الوقح يدلك " جسدي " لأنه في هذا الليل يظنني الثور .
- والحق يقول : أيها المغرور الأعمى ، أليس من اسمي تمزق جبل الطور إربا ؟ !
- مصداقا ل " لو أنزلنا كتابا للجبل ، لا نصدع ثم انقطع ثم ارتحل " . « 1 »
- ولو كان جبل أحد عارفا بي ، لتمزق ، ولامتلأ قلبه دما .
- ولأنك سمعت هذه الأمور من أبيك وأمك ، فلا شك أنك تعلقت بها غافلا " عن مغزاها " .
 
515 - ولو أنك وقفت عليها لا عن طريق التقليد ، تصبح بلا أمارات مثل هاتف " الغيب " .
- واستمع إلى هذه القصة " التي أسوقها " تخويفا لك ، حتى تعلم آفة التقليد .
 
بيع الصوفية لدابة المسافر للإنفاق على السماع
 
- وصل صوفي إلى الزاوية من الطريق ، وأخذ مطيته وربطها في الحظيرة .
...............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن .
 
 
« 66 »
 
- وسقاها وأطعمها بنفسه ، ليس مثل ذلك الصوفي الذي تحدثنا عنه آنفا .
- واحتاط لها من كل سهو ومن كل تخبط ، ولكن عندما يحم القضاء ، أي نفع للاحتياط ؟
 
520 - كان الصوفية مملقين فقراء ، " وكاد الفقر أن يعي كفرا يبير " « 1 »
- ويا أيها الغني ، لا تضحك لأنك شبع ، على سوء حال ذلك الفقير المتألم .
- وبسبب إملاق ذلك القطيع من الصوفية ، قاموا جميعا ببيع الحمار .
- فمن الضرورة تباح الميتة ، ورب فساد صار من الضرورة صلاحا .
- لقد باعوا ذلك الحمير في التو واللحظة ، وأتوا بالدسم وأضاءوا الشموع .
 
525 - وقامت ضجة في الزاوية ، " وتواترت الأنباء " بأن الليلة لدينا السماع والدسم والشره ! !
- فحتام هذا الصبر وهذا الطي لثلاثة أيام حتام؟ وحتام هذا الزنبيل وهذا التسول حتام؟
- نحن أيضا من البشر ، ولنا روح ، والليلة ليحل الإقبال ضيفا علينا .
- ومن هنا أخذوا يبذرون بذور الباطل ، وما ليس متعلقا بالروح ظنوه روحا .
- وذلك المسافر من طريق طويل ، كان متعبا أيضا ، ورأى ذلك الإقبال والعز .
...............................................................
( 1 ) بالعربية في النص 
 
« 67 »
 
 
530 - أخذ الصوفية يبدون له الإكرام واحدا واحدا ، وأخذوا يلعبون نرد الاحترام جيدا . « 1 »
- فقال عندما رأى حفاوتهم به : إن لم أطرب الليلة ، فمتى يكون الطرب ؟
- وأكلوا الدسم ، وبدأوا السماع ، وامتلأت الزاوية حتى السقف بالدخان والغبار .
- فالدخان من المطبخ ، والغبار من الرقص ، ومن هياج الروح اشتياقا ووجدا .
- حينا كانوا يرقصون مصفقين ، وحينا كانوا من سجودهم يكنسون الصفة .
 
535 - والصوفي الطامع يتأخر الزمان في الجود عليه ، ومن هنا يكون الصوفي شرها .
- اللهم إلا ذلك الصوفي الذي شبع من نور الحق ، فهو فارغ من عار الدق " على الأبواب " .
- ومن بين الآلاف هناك قليل من صنف هذا الصوفي ، وإنما يعيش الباقون في ظل إقباله .
- وعندما جاوز السماع أوله ، وقرب من نهايته ، بدأ المطرب لحنا ذا إيقاع ثقيل .
- وشرع في الغناء : ضاع الحمار ، ضاع الحمار ، ومن شدة حرارته نقلها إلى كل " سامعيه " .
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 296 : - أخذ أحدهم يدلك يده وقدمه ، وآخر يسأله عن موطنه . 
- وثالث ينفض التراب عن ثيابه ، والرابع يقبل يده ووجهه .
 

« 68 »
 
 
540 - ومن هذا الحماس ظلوا يرقصون حتى السحر ، وهم يصفقون " متغنين " : ضاع الحمار ، ضاع الحمار يا بني .
- وعن طريق التقليد ، فإن ذلك الصوفي " الضيف " أيضا ، بدأ يغني ضاع الحمار " منغما إياها " والها .
- وعندما انتهى ذلك الطعام والقصف والسماع ، كان النهار قد طلع ، وودع الجميع بعضهم البعض .
- وخلت الزاوية ، وبقي الصوفي " وحيدا " ينفض التراب عن ملابسه .
- وأخرج متاعه من الحجرة ليضعه على حماره ، ذلك الباحث عن رفيق للطريق .
 
545 - وحتى يدرك رفاقه ، أخذ يسرع ، وذهب إلى الحظيرة ، لكنه لم يجد حماره .
- فقال : لا بد أن ذلك الخادم أخذه ليسقيه ، ذلك أن الحمار شرب قليلا ليلة الأمس .
- وجاء الخادم ، فقال له الصوفي : أين الحمار ؟ فقال له الخادم : اخجل من لحيتك ، واحتدم النزاع .
- قال : لقد أودعتك الحمار ، وجعلتك موكلا به ، - وأريد منك ما أودعتك إياه ، فلترد لي ، ما أسلمتك إياه .
 
550 - وتحدث إلى بالأدلة ، ولا تتعلل ، وما أودعتك إياه ، سلمه لي .
- فقد قال الرسول عليه السلام : ما أخذته بيدك ، ينبغي عليك في النهاية أن ترده .
- وإن لم ترض بهذا من عنادك ، فهذا أنا ، وهذا أنت و " هيا بنا " إلى قاضي الشرع .
 

« 69 »
 
 
- قال : لقد غلبني الصوفية على أمري ، وهجموا علي ، فخفت على نفسي ،
- أتلقي بكبد وقلب بين القطط ثم تبحث لها عن أثر ؟ !
 
555 - أفطيرة بين مائة جائع ؟ ! وقط ضعيف بين مائة كلب ؟ !
- قال الصوفي : لنفرض أنهم أخذوه منك ظلما وقهرا ، وقصدوا دمي أنا المسكين ،
- ألا تأتي وتخبرني ؟ وتقول لي : إنهم يسلبونك حمارك أيها المسكين ؟
- حتى أسترد الحمار ثانية من يد آخذه كائنا من كان ، أو يعطونني هم ثمنه . ؟
- لقد كان هناك مائة حل لو كانوا حاضرين ، والآن كل منه ذهب إلى بلده .
 
560 - فمن إذن آخذه ؟ ومن أحمله إلى القاضي ؟ إن هذا القضاء نزل منك أنت فوق رأسي .
- فكيف لم تأت وتقول لي أيها الغريب ، لقد حدث مثل هذا الظلم الفادح ؟
- قال : واللَّه ، لقد جئت عدة مرات ، حتى أنبؤك بهذه الأمور .
- وكنت تردد : ضاع الحمار يا بني ، أكثر نشوة من كل الآخرين .
- فكنت أعود وأقول : إنه يعلم الأمر ، وهو راض بهذا القضاء ، فهو رجل عارف .
 
565 - قال : لقد كان الجميع يقولونها مسرورين ، فلذ لي أيضا قولها .
- ولقد ذراني تقليدي إياهم أدراج الرياح ، ألا لعن الله هذا التقليد مائة لعنة .
- وبخاصة تقليد هؤلاء العاطلين ، وليكن غضب إبراهيم على أولئك الآفلين .
- ولقد انعكست نشوة تلك الجماعة على ، فأحسست بنشوة في قلبي من هذا الانعكاس .
 
« 70 »
 
 
- وينبغي أن يكون هناك انعكاس كثير من رفاق طيبين ، حتى تصبح مستسقيا من البحر الذي لا انعكاس له .
 
570 - والانعكاس الأول ، اعتبره تقليدا ، وعندما يستمر ، يصبح تحقيقا .
- وما لم يحدث التحقيق لا تنفصل عن الرفاق ، ولا تنقطع عن الصدف ، ما لم تصبح القطرة درة .
- وإن كنت تريد الصفاء للعين والعقل والسمع ، فقم بتمزيق أستار الطمع .
- ذلك أن تقليد الصوفي كان من الطمع، وسد الطريق إلى عقله بالأضواء واللمع.«1»
- فالطمع في الدسم ، والطمع في تلك المتعة والسماع ، قد منعت عقله من الاطلاع .
 
575 - وإن ران الطمع بوجه المرآة ، لكانت المرآة في نقائها مثلنا .!!
- ولو كان عند الميزان طمع في المال ، متى كان الميزان يصدق في وصف الحال ؟! « 2 »
- وكل نبي قال لقومه مخلصا : إنني لا أريد ثمنا للرسالة منكم .
- وأنا دليل ، والحق مشتر لكم ، ولقد أعطاني حق الدلالة مضاعفا . « 3 »
- وما هو أجر عملي ؟ إنه رؤية الحبيب ، وإن كان أبو بكر قد أنفق في سبيله أربعين ألفا دينار .
 
580 - والأربعون ألف منه ليست أجرا لي ، ومتى يكون در عدن شبيها بحجر السبه ؟ !
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 298 ذلك أن الصوفي أضله طمعه عن الطريق ، فبقى في خسران وفسد أمره .
( 2 ) ج / 2 - 298 : قال افرض أنك صرت في الطمع كقارون ، فإنك في آخر الأمر تصير إلى هذا الوادي .
( 3 ) ج / 3 - 298 : - وأجر العمل يكون للدلال ، وينبغي إعطاءه الأجر ، ليقول كلاما جديرا .
 

« 71 »
 
 
- ولأرو لك قصة ، استمع إليها بعقلك ، حتى تعلم أن الطمع سد أمام الأذن .
- وكل من يكون طامعا يصبح ألكن، ومع الطمع متى يكون في العين أو الأذن ضياء؟
- فأمام عينيه خيال الجاه والمال ، " ماثل " مثلما تكون الشعرة في العين .
- اللهم إلا الثمل الذي يكون مليئا بالحق ، فهو حر ، وإن أعطيته الكنوز .
 
585 - وكل من صار ذا نصيب من الرؤية ، تكون هذه الدنيا في نظره كالميتة .
- لكن ذلك الصوفي كان بعيدا عن السكر ، فلا جرم أنه من الحرص كان أعشى .
- ومن أصابه دوار الحرص ، يسمع مائة حكاية ، ولا نقطة واحدة تدخل في أذن الحرص .
 
تعريف مناد والقاضي بمفلس حول المدينة
 
- كان هناك مفلس بلا أهل ، بقي رهن السجن والقيد باستمرار .
- كان يأكل طعام السجناء كيفما أتفق ، وكان من الطمع " ثقيلا " على الخلق كجبل قاف .
 
590 - فلم يكن أحد يجرؤ على تناول لقمة من الخبز ، فقد كان ذلك الخاطف للقم يلتهمها وكأنها بقرته " من حقه " .
- وكل من يكون بعيدا عن دعوة الرحمن ، تكون له عين شحاذ ، وإن كان سلطانا .
- لقد أهمل ذلك المفلس أصول المروءة تماما ، فصار السجن جحيما من خاطف اللقم ذاك .
 
 
« 72 »
 
 
- فإن تهرب إلى مكان ما أملا في الراحة ، فإن آفة ما تلحق بك في ذلك المكان .
- ولا كنز هناك بلا وحش ولا شباك ، ولا راحة إلا في معتزل الحق .
 
595 - ولا محيص هناك من الإقامة في الدنيا ، إلا أنها ليست بلا حق القدم ودق الحصير .
- ووالله إنك لو لجأت إلى حجر فأر ، لأصبحت مبتلى بمخالب القطط .
- وللإنسان سمنة من الخيال ، وإن كانت خيالاته ذات قدر من الجمال .
- وإن كانت خيالاته تبدو غير طيبة ، فإنه يذوب " منها " كما يذوب الشمع من النار .
- وأنت وإن كنت بين الثعابين والعقارب ، ويجعلك الله مصاحبا لخيالات الطيبين ،
 
600 - تصير الثعابين والعقارب مؤنسة لك ، ومالك ذاك يكون الكيمياء التي تحول النحاس " إلى ذهب " .
- والصبر يكون طيبا من الخيالات الطيبة ، فإن تلك الخيالات هي التي قدمت الفرج .
- وذلك الفرج يتولد من الإيمان في الضمير ، واليأس والشكوى من ضعف الإيمان .
- والصبر يجد من الإيمان تاجا على الرأس ، فمن لا صبر له ، لا إيمان له .
- وقد قال الرسول عليه السّلام : إن الله لم يعط الإيمان لمن لا صبر له في الأصل .
 
605 - وذلك الذي يكون في ناظريك كالحية ، هو نفسه في ناظري آخر شديد الجمال .
- ذلك أن في عينيك خيال الكفران ، وفي عين الحبيب خيال الإيمان .
 
 
« 73 »
 
 
- ففي هذا الشخص الواحد يوجد كلا الفعلين ، حينا يكون سمكة ، وحينا يكون شصا .
- فنصفه مؤمن ، ونصفه مجوسي ، ونصفه حرص ونصفه صبر .
- وقد قال الله لك : فمنكم مؤمن ، ثم قال : ومنكم كافر أي مجوسي عريق .
 
610 - مثل ثور ، نصفه الأيسر أسود ، ونصفه الآخر أبيض كالقمر .
- وكل من يرى ذلك النصف ينكره، وكل من يرى هذا النصف، يكد " من أجله "«1»
- ويوسف في عين إخوانه كالدابة ، وهو نفسه في عين يعقوب كالحور .
- ومن خيال السوء رأته عين الفرع قبيحا ، ذلك أن عين الأصل كانت قد اختفت
- وأعلم أن عين الظاهر ظل لتلك العين ، وكل ما تراه ، تعود إليه عين الظاهر. «2»
 
615 - وأنت في المكان وأصلك من اللامكان ، فاغلق هذا الحانوت ، وافتح ذاك الحانوت .
- ولا تهرع إلى الجهات الست ، ذلك أن في الجهات الحيرة ، والحائر مهزوم ، مهزوم . « 3 »
 
شكوى نزلاء السجن إلى وكيل القاضي من جراء هذا المفلس
 
- وجاء نزلاء السجن شاكين إلى وكيل قاض ذي إدراك .
- وقالوا : أبلغ سلامنا إلى القاضي ، وارفع إليه الأذى الذي نلقاه من هذا الرجل الخسيس .
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 329 : - لقد كان إخوة يوسف نفورين من جماله ، لكنه كان نورا في عين يعقوب .
( 2 ) ج / 3 - 329 : - والظل فرع للأصل ، لكن أنى للظل أن يقيم مع الشمس ؟
( 3 ) ج / 3 - 329 : وهذا الكلام لا حد له ، والسجناء في محنة من ذلك الحمار الديوث .

 
« 74 »
 
 
- فهو موجود على الدوام في هذا السجن ، ومهاجم كيفما أتفق شره مضر .
 
620 - وهو كالذباب حاضر في كل طعام ، يكون متوقحا دون دعوة أو سلام .
- وأمامه " لا يعد " شيئا طعام ستين شخص ، ويتظاهر بالصمم إن قلت له كفاك .
- ولا يجد السجين لقمة واحدة ، وإن حصل على ما يقيم الأود بمائة حيلة .
- فإن ذلك الجهنمي الحلق يكون حاضرا في لحظة واحدة ، وحجته أن الله تعالى قالكُلُوا *.
- فالعدل من هذا القحط " الذي أصابنا " لسنوات ثلاث منه ، وليكن ظل مولانا دائما إلى الأبد .
 
625 - فإما أن يذهب هذا الجاموس من السجن ، وإما أن تجري عليه طعاما كراتب من أحد الأوقاف .
- ويا من منك في سعادة سواء الإناث والذكور ، العدل ، العدل ، الغياث ، الغياث .
- فذهب ذلك الوكيل المليح إلى القاضي ، ونقل إليه الشكوى بالتفصيل .
- فاستدعاه القاضي من السجن ليمثل أمامه ، ثم تفحص الأمر من عيونه .
- فثبت له كل ما ادعته تلك الجماعة في شكواها .
 
630 - قال له القاضي : انهض ، وامض عن هذا السجن ، إلى منزلك الموروث
- قال : منزلي وأهلي هو إحسانك ، وأنا كالكافر ، جنتي هي سجنك .
- وإن سقتني عن السجن طريدا ، فإنني أموت من التسول ، ومن عدم قدرتي على عمل .
- ومثل إبليس الذي أخذ يقول : " أيها السلام ، رب أنظرني إلى يوم القيام " « 1 »
...............................................................
( 1 ) ما بين القوسين بالعربية في المتن الفارسي .
 
 
« 75 »
 
 
- وذلك لأنني سعيد في سجن الدنيا هذه ، حتى أعمل في أبناء العدو القتل .
 
635 - وكل من له قوت من الإيمان ، وكل من له زاد لطريق الآخرة ، 
- آخذه ، حينا بالمكر وحينا بالرياء ، حتى يضجون مني ندما .
- حينا أخوفهم بالفقر ، وحينا أقيدهم بجدائل الحسان وخالهم .
- وقوت الإيمان قليل في هذا السجن ، وإن وجد فهو من طعان هذا الكلب في التواء .
- ومن الصلاة والصوم ومائة ضراعة ، يتأتى قوت الذوق ، فيسلبه دفعة واحدة
 
640 - " أستعيذ الله من شيطانه ، قد هلكنا الآن من طغيانه " « 1 »
- إنه لا يزيد عن كلب ، ومع ذلك يتسلل إلى الآلاف ، وكل من يتسلل إليه ، يصبح مثله .
- وكل من أحسست منه بالفتور ، اعلم أنه في داخله ، فالشيطان قد اختبأ تحت الجلد .
- وعندما لا يجد الصورة، يهرع إلى الخيال، حتى يجرك ذلك الخيال إلى الوبال. «2»
- حينا خيال النزهة ، وحينا الحانوت ، وحينا خيال العلم ، وحينا الأهل والعشيرة . « 3 »
...............................................................
( 1 ) ما بين القوسين بالعربية في المتن الفارسي .
( 2 ) ج / 3 - 346 :
- ومن خيالاتك يأتيك البلاء ، حين يتحرك خيالك الفاسد من مكان إلى آخر .
( 3 ) ج / 3 - 246 : - وحينا خيال الكسب والتجارة ، وحينا خيال المغامرة والحكم . 
- وحينا خيال الفضة والابن والزوجة ، وحينا خيال فضولي ، وحينا خيال قرين .
- وحينا خيال البضاعة ، وحينا القماش ، وحينا خيال المفرش ، وحينا الفراش .
- وحينا خيال الطاحون والبستان والمرعى ، وحينا خيال الهزل والمحال ، وحينا خيال السحاب والضباب .
- حينا خيال الصلح والحرب ، وحينا خيال ألوان الشرف والعار .
- هيا واخرج عن هذا الخيال والخيالات ، هيا اكنس القلب عن هذه التبديلات .
 

« 76 »
 
 
645 - هيا وحوقل منه في التو واللحظة ، ليس باللسان فحسب ، بل من لب الروح .
 
[ تتمة حكاية المفلس ]
- قال القاضي : فلتثبت إفلاسك ، قال : هاكه ، فأهل السجن شهود .
- قال : إنهم متهمون ، يفرون منك ، ويبكون دما .
- وهم يريدون الخلاص منك ، ولهذا الغرض ، قد يؤدون شهادة زور .
- فقال كل الشهود : إننا كلنا شهود على إدباره وإفلاسه .
 
650 - وكل من يسأله القاضي عن أحواله ، قال : يا مولانا ، انفض اليد من هذا المفلس .
- قال القاضي : نادوا به عيانا حول المدينة ، وقولوا : إن هذا المفلس شديد الاحتيال .
- ونادوا به حارة بعد حارة ، ودقوا طبل إفلاسه جهارا في كل مكان .
- فلا يبيعه أحد أبدا بالنسيئة ، ولا يقرضه أحد حتى ربع دانق .
- وكل من يأتي به إلى هنا مدعيا على سبيل الحيلة ، فإنني لن أودعه السجن أبدا .
 
655 - لقد ثبت لدي إفلاسه ، فلا نقد لديه ولا بضاعة ، ولا شيء يملكه .
- وهكذا يكون الإنسان في سجن الدنيا ، وذلك من أجل أن يثبت إفلاسه .
- كما أن الله أيضا قد نادى بإفلاس الشيطان ، وذلك في كتابنا .
- أنه محتال مفلس سئ القول ، فلا تشاركه أبدا ، ولا تتعامل معه .
- وإن فعلت ، فإنه صاحب حجج وذرائع ، وهو مفلس ، فأنى لك الربح منه ؟
 
660 - وعندما بلغت المشكلة ذروتها ، أتوا ببعير كردي ، كان يبيع الحطب .
- ولقد صرخ الكردي المسكين و " توسل " كثيرا ، بل وقام بإرضاء الموكل بدانق

« 77 »
 
 
- لكنهم أخذوا بعيره من وقت الضحى إلى الليل ، ولم يجد صراخه نفعا .
- واستوى على البعير ذلك القحط الثقيل ، وصاحب البعير مسرع خلف البعير .
- وناحية بناحية ، وحيا بحي ، أخذوا يسوقون ، حتى عرفته كل المدينة عيانا بيانا .
 
665 - وأمام كل حمام ، وفي موضع كل سوق ، دقق الناس جميعا في ملامحه وشكله .
- وعشرة من المنادين من ذوي الأصوات الجهورية ، من الترك والكرد والروم والعرب :
- ينادون : هذا مفلس ، ولا يملك شيئا قط ، وذلك حتى لا يقرضه أحد شروي نقير .
- وهو لا يملك مثقال حبة ظاهرا وباطنا ، وهو مفلس ، محتال ، مزور ، لص .
- والحذر ، الحذر من مصاحبته ، وإن جاءكم ببقرة ، فشدوا وثاقها جيدا .
 
670 - وإن أتيتم بهذا الواهن مدانا ، فإنني لن ألقي بميت في السجن .
- إنه حلو الحديث ، وحلقه شديد الاتساع ، ذو ظاهر شديد الأبهة ، وباطن خلق ممزق .
- فإن لبس ذلك الثوب لخداع الخلق ، فقد استعاره من أجل أن يخدع العوام .
- وكلام الحكمة على لسان من ليس بحكيم، اعلم أنه كالحلل المستعارة يا سليم "القلب".
- واللص وإن لبس حلة قشيبة ، كيف يأخذ بيدك ذلك المبتور اليد . ؟
 
675 - وعندما ترجل عن البعير ليلا ، قال الكردي : منزلي بعيد ، والوقت متأخر .
 
 
« 78 »
 
 
- لقد ركبت بعيري منذ الصباح ، ودعك من ثمن الشعير ، وأعطني ثمن التبن .
- قال : إذن وماذا كنا نفعل حتى الآن ؟ أين عقلك ؟ أو أنه ليس في الدار ديار ؟
- لقد بلغ "صوت" طبل إفلاسي حتى السماء السابعة ، وأنت لم تسمع بعد عن الواقعة؟
- لقد كانت أذنك ملأى بالطمع الساذج ، فالطمع يجعل الدودة عمياء ، أيها الغلام .
 
680 - وحتى الحجر والمدر سمعت هذا البيان ، أن هذا الديوث مفلس مفلس .
- وتناقشا إلى الليل ، ولم يؤثر النقاش في صاحب البعير ، فقد كان شديد الامتلاء بالطمع .
- وهناك ختم من الله على السمع والبصر ، وكثير من الصور موجودة في الحجب ، وكثير من الأصوات .
- وكل ما يريده يوصله إلى العين ، من جمال ومن كمال ومن دلال .
- وكل ما يريده يوصله إلى الأذن ، من سماع ، ومن بشائر ، ومن صياح .
 
685 - والكون مليء بالوسائل ، ولا وسيلة لك ، وذلك حتى يفتح الله كوة من أجلك .
- وأنت وإن كنت غافلا عنها الآن ، فإن الله يجعلها عيانا لك عند الحاجة .
- وقد قال الرسول عليه السّلام : إن الله سبحانه وتعالى خلق دواء لكل داء . « 1 »
- لكنك لا ترى من هذا الدواء لا اللون ولا الرائحة ، من أجل ألمك ، إلا بأمره. «2»
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 351 : - وإن كنت تبحث عن الدواء وتطلبه بالروح ، قائلا : يا إلهي ، هبني الدواء .
( 2 ) ج / 3 - 352 : والكون على الوسيلة ، ولا وسيلة لديك ، حتى يفتح لك الله الكوة .
 
 
 
« 79 »
 
 
- فهيا يا باحثا عن الوسيلة ، وضع العين على اللامكان ، مثلما تتفتح عين القتيل صوب الروح .
 
690 - وهذه الدنيا أبدعت من اللاجهة ، فمن الامكان ، صار للدنيا مكان .
- فعد من الوجود صوب العدم ، وكن ربانيا ، طالبا للرب .
- فإن هذا العدم موضع للدخل ، فلا تخف منه ، أما هذا الوجود ، قل أو كثر ، فهو موضع للنفقة .
- ولما كان العدم هو مصنع الحق ، فمن يوجد في الدنيا ؟ اللهم إلا المعطل . « 1 »
- فعلمنا - يا إلهي - الكلام الدقيق ، فهو الذي يهبك الرحمة أيها الرفيق .
 
695 - والدعاء منك ، والاستجابة أيضا منك ، والأمن منك ، والخوف أيضا منك
- فإذا أخطأنا ، فأصلح أنت خطأنا ، فأنت المصلح ، يا سلطان الكلام .
- ولديك الكيمياء التي تبدله ، وإن كان ثم نهر دم ، تجعله نيلا .
- وصنعة الميناء هذه هي عملك ، ومثل هذه الأكسيرات ، هي أسرارك .
- لقد مزجت الماء والتراب معا ، ومن الماء والطين ، صورت آدم .
 
700 - وجعلت له النسب والزوج والخال والعم ، بآلاف الفكر ، من السرور والغم .
- ثم إنك أنجيت بعضهم ، وفصلتهم عن هذا السرور وهذا الغم .
- وفصلته عن الأهل والعلقة والطبع ، وجعلت كل قبيح في عينه حسنا
- فكل ما هو محسوس يقوم برده ، وكل ما هو غير واضح ، يستند عليه .
- فعشقه ظاهر ، ومعشوقه خفي ، وحبيبه خارج " الدنيا " والافتنان به سار في الدنيا .
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 365 : - عنوان في المناجاة وبعده : أيها الإله الطاهر ، يا من لا شريك له ولا رفيق ، خذ بيدنا ، واعف عن جرمنا .

 
« 80 »
 
 
705 - دعك من هذا ، فإن ألوان العشق الصورية ، ليست للصورة ، ولا لوجه السيدة . ! !
- فما هو معشوق لا صورة له ، سواء كان العشق في هذا العالم ، أو في ذاك العالم .
- وذلك الذي صرت عاشقا لصورته ، لماذا تركته عندما غادرته الروح ؟
- إن صورته لا تزال في مكانها ، فما سبب هذا الترك ؟ ويا أيها العاشق ، ألا فلتعد البحث فيمن يكون معشوقك .
- ولو كان كل محسوس معشوقا ، لكنت عاشقا لكل ما له حس .
 
710 - وإذا كان ذلك العشق يزيد في الوفاء ، فمتى يجعل الوفاء الصورة متغيرة ؟
- لقد سطع ضوء الشمس على الجدار . فاكتسب الجدار نورا مستعارا .
- فكيف تعلق القلب بمدر أيها السليم القلب ؟ أطلب الأصل الذي يظل نوره مقيما 
- ويا من أنت عاشق بناء على عقلك ، ورأيت نفسك متقدما على عباد الصورة .
- اعتبر نور العقل عارية على حسك ، وهو " طلاء " ذهب على نحاسك .
 
715 - والحسن على البشر من قبيل الطلاء الذهبي ، وإلا فكيف صارت حسناؤك حمارا عجوزا ؟
- كانت كالملاك ، فأصبحت كالشيطان ، فإن تلك الملاحة ، كانت عارية عليها 
- وإنه ليسلب ذلك الجمال قليلا قليلا ، وقليلا قليلا يجعل الغصن جافا .
- فاذهب واقرأوَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ، واطلب القلب ، ولا تعلق القلب بالعظام .
- فإن جمال القلب هو الجمال الباقي ، وإقباله يسقيه من ماء الحياة .
 
720 - إنه هو الماء ، وهو الساقي ، وهو الثمل ، صار الثلاثة واحدا ، ما دام طلسم " أنت " قد انكسر .
 

« 81 »
 
 
- وإنك لا تعلم ذلك الواحد من القياس ، فزاول العبودية ، وكفاك هزلا ، أيها الجهول .
- وما تعتبره معنى ، صورة وعارية ، وأنت مسرور بما تراه متسقا ذا قافية .
- والمعنى هو الذي يكون آخذا لك ، ويجعلك غير محتاج إلى الصورة .
- والمعنى هو ذلك الشيء الذي لا يجعلك أعمى وأصم ، ولا يجعل المرء أكثر عشقا للصورة .
 
725 - ونصيب الأعمى يكون خيالا مزيدا للغم ، ونصيب العين خيالات الفناء هذه .
- وألفاظ القرآن منجم بالنسبة للمكفوفين ، فإنهم لا يرون الحمار ، ويتعلقون بالسرج .
- وما دمت مبصرا ، فامض في أثر الحمار سريعا ، فحتام تنسج السروج ، يا عابدا للسرج .
- وما دام الحمار موجودا ، فإنك تحصل على السرج يقينا ، والخبز لا يقل ما دامت روحك موجودة .
- وظهر الحمار الحانوت والمال والكسب ، ودر قلبك مادة لمائة قلب .
 
730 - فاركب الحمار دون سرج أيها الفضولي ، أو لم يركب الرسول عليه السّلام الحمار دون سرج ؟
- " النبي قد ركب معروريا ، والنبي قيل سافر ماشيا " « 1 »
- لقد صار حمار نفسك عاكفا على وتده ، فحتام تفر من العمل والمهام ؟ حتام ؟
...............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن الفارسي وبعدها في ج / 366 : - بل إن ذلك الملك كثيرا ما مشى على قدميه ، وكم تقبل أحمال هذا وذاك .
 
 
 
« 82 »
 
 
- وأحمال الصبر والشكر جديرة بالحمل من أجله ، سواء في مائة عام أو عشرين أو ثلاثين .
- ولم يحمل وازر قط وزر غيره ، ولم يحصد أحد قط ما لم يزرع شيئا .
 
735 - هذا طمع ساذج ، فلا تخدعن به يا بني ، فإن الطمع الساذج يصيب البشر بالعلل .
- " يقول أحدهم لنفسه " : إن فلانا وجد كنزا فجأة ، وأنا أريد نفس الشيء ، فلا كان العمل ولا كان الحانوت .
- وهذا أمر موكول بالحظ ، وهو أيضا نادر ، وينبغي الكسب ، ما دام الجسد قادرا .
- ومتى كان الكسب مانعا عن العثور على كنز ، فلا تترك العمل ، فالكنز يكون أيضا في أثره .
- حتى لا تصبح فريسة ل " لو " فتقول : لو كنت فعلت هذا أو فعلت ذاك " !!
 
740 - فإن الرسول عليه السّلام ذا الوفاق ، منع من قول " لو " وقال أنها من النفاق .
- وذلك المنافق قد مات وهو عاكف على قول " لو " ، لكنه من قولها لم ينل إلا الحسرة . « 1 »
 
مثل
 
- كان أحد الغرباء يجد في البحث عن منزل ، فأخذه أحد الأصدقاء إلى منزل خرب .
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 367 : وما أكثر الذين ماتوا في لعل وعسى ، ولم يحصلوا على ثمرة من جمال العافية . 
- وإن لم تكن أنت تدرك نقصان لو ، فاستمع إلى هذا الكلام ، لعلك تدركه .

 
« 83 »
 
 
- وقال : لو كان لهذه الدار سقف ، لكان لك مسكن إلى جوار مسكني .
- ولاستراح أهل منزلك ، لو كانت هناك حجرة أخرى في وسطه . « 1 »
 
745 - قال : اجل ، إن جوار الأصدقاء شيء حسن جدا ، لكن يا حبيبي ، لا يمكن الإقامة في " لو " .
- وكل هذا العالم طلاب للذة ، وبسبب اللذة المزيفة ، يكبون في النار .
- ولقد صار الشيخ والساذج كلاهما طالبين للذهب ، لكن عين العامي لا تعرف الذهب " الصحيح " من الزائف .
- لقد نفذ شعاع إلى الزيف ، فانظر إليه " كأنه " خالص ، فلا تختر الذهب على الظن بلا محك .
- فإذا كان لديك المحك فتعال ، وقم بالاختيار ، وإلا فامض ، واجعل نفسك رهنا عند عالم .
 
750 - فإما أن يكون المحك داخل روحك ، أو إن كنت لا تعرف الطريق ، لا تتقدم فيه وحيدا .
- فأصوات الغيلان هي أصوات من عرفتهم ، معرفة تجرك إلى الفناء .
- وهو يصيح : أيتها القافلة . . هيا ، تعالوا نحوي ، فها هو الطريق ، وها هي أماراته ! !
- ويذكر الغول اسم كل امرئ مناديا : يا فلان ، حتى يجعل ذلك السيد من الآفلين .
- وعندما يصل إلى مصدر الصوت يرى الذئب والأسد ، ويصبح العمر ضائعا ، والطريق بعيدا ، واليوم موشكا على النهاية .
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 385 : - ولو حل بك ضيف ذات يوم ، لاستراح أيضا " لو " أن عندك مكانا . 
- وليت هذه الدار كانت معمورة ، لكان منزلك هذا هو البيت المعمور .
 
 
 
« 84 »
 
 
755 - وكيف يكون صوت الغول ذاك ؟ قل لي آخرا ، إنه : أريد المال ، أريد الجاه والحيثية .
- فامنع هذه الأصوات من داخلك ، حتى تتكشف لك الأسرار .
- وقم بذكر الحق ، واكتم صوت الغيلان ، واغمض عين النرجس عن هذا النسر .
- وميز بين الصبح الصادق والصبح الكاذب ، وميز بين لون الخمر ولون الكأس .
- وربما من بين الأعين الخبيرة بالألوان السبعة ، تظهر عين الصبر والتأمل .
 
760 - فترى ألوانا غير هذه الألوان ، وترى الجواهر بدلا من الحجارة .
- أي جواهر بل تصبح بجرا ، وتصبح شمسا طاوية للأفلاك .
- والعامل يكون مختفيا في موضع العمل ، فامض إلى موضع العمل ، وأبصره عيانا .
- ولما كان العمل ينسج ستارا حول العامل ، فإنك لا تستطيع أن تراه خارج العمل .
- وما دام موضع العمل هو محل إقامة العامل ، فكل من هو خارجه ، يكون غافلا عنه .
 
765 - فادخل إذن إلى موضع العمل أي إلى العدم ، حتى ترى الصنع والصانع معا .
- وما دام موضع العمل هو مكان الرؤية الواضحة ، فماذا يكون إذن خارج موضع العمل ؟ الستر والاحتجاب .
- لقد كان فرعون العنود متجها إلى الوجود ، فلا جرم أنه كان أعمي عن موضع عمله .
 

« 85 »
 
 
- ولا جرم أنه كان يريد تبديل القدر ، حتى يرد القضاء من على الباب .
- وكان القضاء نفسه يبتسم ابتسامة خفية في كل لحظة " ساخرا " من شوارب ذلك المحتال .
 
770 - ولقد قتل آلاف الأطفال بلا جريرة ، حتى يتحول حكم الإله وتقديره .
- وحتى لا يظهر النبي موسى عليه السّلام ، جعل في عنقه آلاف المظالم والدماء .
- ولقد سفك كل هذا الدم ، ومع ذلك ، ولد موسى عليه السلام ، وصار حاضرا من أجل قهره .
- ولو كان قد رأى موضع العمل الأزلي ، لتيبست يداه وقدماه " وتوقفتا " عن الاحتيال .
- كان موسى عليه السّلام سالما معافى في منزله هو نفسه ، وخارجه ، كان يقتل الأطفال خبط عشواء .
 
775 - مثل صاحب النفس الذي لا يفتأ يربي جسده ، لكنه يظن في آخر ظن الحقد .
- قائلا : هذا عدو ، وهذا عدو حاقد ، وعدوه والحاقد عليه ، هو جسده نفسه .
- وهو بمثابة فرعون وجسده بمثابة موسى ، وهو يسرع خارج " نفسه " قائلا :
أين العدو ؟
- ونفسه منعمة خارج منزل الجسد ، وهو يعض على يديه حقدا على شخص آخر .

 
حك القروي في الظلمة للأسد ظنا منه أنه ثوره

لوم الناس لشخص قتل أمه ريبة
- لقد قتل أحدهم أمه في سورة غضب ، طاعنا إياها بخنجر ، ضاربا إياها بقبضته .
 
780 - فقال له آخر : إن هذا من سوء الأصل ، أنك لم تتذكر حق الأم .

 
« 86 »
 
 
- هيا قل : لماذا قتلت أمك ؟ وماذا فعلت آخر الأمر ؟ قل يا قبيح الطبع . « 1 »
- قال : لقد ارتكبت إثما فيه عارها ، قتلتها ، والتراب ستارها .
- قال : فاقتل إذن خدنها أيها المحترم ، قال : أأقتل إذن كل يوم رجلا ؟
- لقد قتلتها ، وفرغت من دماء الخلق ، وأن أذبحها خير من أن أذبح الخلق .
 
785 - ونفسك هي تلك الأم الدنسة ، والتي " نشرت " فسادها في كل ناحية .
- فهيا اقتلها ، فمن أجل هذه الدنية ، كل لحظة تهم بقتل عزيز .
- ومنها ضاقت عليك هذه الدنيا الرحبة ، ومن أجلها " أنت " في حرب مع الحق والخلق .
- وإن قتلت النفس ، فلقد نجوت أيضا من الاعتذار ، ولا يبقى أحد عدوا لك في الديار .
- وإن استشكل أحد على قولنا ، محتجا بالأنبياء والأولياء ؟
 
790 - قائلا : ألم يكن الأنبياء قد قتلوا أنفسهم ؟ إذن لماذا كان لهم حساد وأعداء ؟
- أنصت إذن جيدا يا طالبا للصواب ، واستمع الجواب على هذا الاستشكال والشبهة .
- لقد كان هؤلاء المنكرون أعداء لأنفسهم ، كما كانوا يثخنون أنفسهم كذلك بالطعان ، 
- فالعدو هو الذي يهم بإيذاء الروح ، ولا يكون عدوا من يقوم بإيذاء نفسه وروحه ! !
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 393 : فهل قتل أحد أمه قط أيها العنود ؟ ألا تقول أي جرم ارتكبته آخرا ؟
 
 
« 87 »
 
 
- وليس الخفاش الحقير عدوا للشمس ، إنه عدو لنفسه في حجاب .
 
795 - إن ضوء الشمس يقتله ، لكن متى تحس منه الشمس بأدنى أذى ؟
- والعدو هو الذي يتأتي منه العذاب ، وهو الذي يمنع الياقوت من التعرض لضوء الشمس .
- والكفار جميعا هم الذين يمنعون أنفسهم ، عن أشعة جوهر الأنبياء .
- ومتى يكون الخلق حجابا لعين ذلك الفرد ؟ لقد أصاب الخلق عيونهم بالعمى والاعوجاج .
- مثل غلام هندي يعاني من الحقد ، وعنادا لسيده ، يقتل نفسه .
 
800 - إنه يسقط منقلبا من سطح القصر ، ربما يصيب ذلك السيد بالضرر .
- وإذا صار المريض عدوا للطبيب ، وإذا عادى الطفل مؤدبه ،
- فإنهما في الحقيقة يقطعان الطريق على روحيهما ، وهما اللذان قطعا طريق العقل والروح بنفسيهما .
- والقصار الذي يصر غاضبا على ضوء الشمس ، والسمكة التي تغضب على الماء .
- انظر إليهما نظرة واحدة ، من هو المضرور ؟ ومن الذي يصير في النهاية أسود الطالع من ذلك ؟
 
805 - وإذا كان الحق قد خلقك قبيح الوجه ، فحذار ، لا تصر قبيح الخلق إلى جوار قبح الوجه .
- وإذا سرقت نعلك ، لا تمش فوق الصخر ، وإذا كان لك قرنان ، لا تجعلهما أربعة ! !
- وأنت حسود ، تقول في نفسك : أنا أقل من فلان ، والنقصان لا يزال يزداد في طالعي .
 
 
« 88 »
 
 
- يكون الحسد في حد ذاته نقصانا وعيبا آخر ، بل هو أسوأ من كل أنواع النقصان .
- وإبليس ذاك من عار أقل ، ألقى بنفسه في مائة نقصان .
 
810 - لقد كان يبغي العلا عن طريق الحسد ، أي علا ؟ لقد كان مصفاة لدمه .
- وكان أبو جهل يشعر بالعار من محمد ، وكان لا يفتأ يرفع نفسه من الحسد .
- فصار اسمه أبا جهل ، بعد أن كان الحسد مصفاة لدمه .
- وأنا لم أر في عالم الجد والطلب ، أهلية أفضل من الخلق الحسن .
- ومن هنا جعل الأنبياء وسيلة لإظهار الحسد في الناس نتيجة لقلقهم .
 
815 - ذلك أن أحدا لا يشعر بالعار من الله ، ولا يوجد ديار قط يكون حاسدا للحق .
- بل إنه يشعر بالحسد تجاه ذلك الشخص ، ذلك لأنه يظنه مثله .
- وما دامت عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم قد قررت ، لا يكون حسد إنسان له مقبولا .
- ومن هنا ففي كل دور من الزمان ولي قائم ، والتجربة مستمرة إلى يوم القيامة .
- وكل من يكون حسن الخلق نجا ، وكل من هو هش القلب تحطم .
 
820 - ومن ثم فالإمام الحي القائم هو ذلك الولي ، سواء كان من نسل عمر أو نسل علي .
- فهو المهدي والهادي يا باحثا عن الطريق ، هو خفي ، وهو جالس أمام الوجه .
- وهو كالنور ، وعقله بمثابة جبريل له ، وذلك الولي الأقل منه ، قنديل له .
- وذلك الأقل من القنديل مشكاة لنا ، وللنور درجات في المرتبة .

 
« 89 »
 
 
- ذلك أن نور الحق ذو سبعمائة حجاب ، واعلم أن حجب النور عدة طبقات .
 
825 - ومن وراء كل حجاب مقام لقوم ، وهذه الحجب صفوف صفوف أمامهم حتى الإمام .
- وأهل الصف الآخر يكونون فيه من ضعفهم ، فلا طاقة لعيونهم على النور الزائد .
- والصف الذي أمامه من ضعف البصر ، لا طاقة له على نور أكثر .
- والنور الذي هو حياة للصف الأول ، هو تعب للروح وفتنة لهذا الأحول .
- وأنواع الحول تقل رويدا رويدا ، وعندما تعبر الحجب السبعمائة تصير بحرا .
 
830 - والنار التي هي صلاح للحديد أو الذهب ، متى تصير صلاحا للسفرجل أو التفاح الغض ؟
- فللتفاح والسفرجل مادة خفيفة ، وليسا كالحديد ، ويريدان حرارة لطيفة .
- لكن تلك الشعل تكون لطيفة بالنسبة للحديد ، فهو جاذب لحرارة ذلك اللهيب .
- وذلك الحديد المتحمل للكدح الموجود عند الفقير ، إنما يكون أحمر تحت المطرقة والنيران .
- إنه حاجب للنار دون واسطة ، وهو يمضي إلى قلب النار دون رابطة .
 
835 - وبدون حجاب ، فإن الماء وأبناء الماء ، لا يجدون خطابا من النار ولا إنضاجا منها .
- وتكون الواسطة قدرا أو مقلاة ، مثلما يلزم الخف للقدم عند السير .
- أو مكانا فيما بينهما ، حتى يصبح الهواء محرقا ، ثم ينقل هذه الحرارة إلينا .
 
 
« 90 »
 
 
- إذن فالفقير هو الذي بلا واسطة ، يكون لشعل النار ارتباط به . « 1 »
- ومن ثم فهو قلب العالم ، ذلك أن الجسد يصل إلى حيله بواسطة هذا القلب .
 
840 - وإن لم يكن قلب ، فأي علم للجسد بالقيل والمقال ؟ وإن لم يبحث القلب ، أي علم للجسد بالبحث والتقصي ؟
- فإذا كان موضع نظر الشعاع هو ذلك الحديد ، فإن موضع نظر الله هو القلب لا الجسد .
- ثم إن هذه القلوب الجزئية بمثابة الجسد ، بالنسبة لقلب صاحب القلب ، فهو منجم .
- وهذا الكلام يتطلب مثالا وشرحا ، لكنني أخاف لئلا تتزلق أوهام العوام .
- وحتى لا يتحول حسننا إلى قبح ، وما قلته لم يكن سوى غياب عن الذات .
 
845 - والقدم المعوجة أفضل لها حذاء معوج، وموضع الشحاذ ومكنته باب الدار.
.
* * * 

شرح بيع الصوفية لدابة المسافر للإنفاق على السماع

( 506 ) : هذه الحكاية تشبه من بعض جوانبها حكاية وردت قبل مولانا في سندبادنامه عن لص سطا على حظيرة مواشي بقافلة ، وركض ليسرق دابة في
  
« 356 »
 
الظلام ويتسلل بها من خلف ظهور الحراس اليقظين ، كان ثمة أسد ينتظر غفلة من الحارس ليسطو على دابة ، فكان أن التقى اللص بالأسد في الظلام ، وامتطاه على أنه دابة ، فلما أشرق الصباح ، علم ما ذا يركب ، وساق الأسد حثيثا حتى شجرة تعلق بفروعها ونجا منه ( فروزانفر 49 - 51 ) والرمز في القصة واضح .
لو عمل أولئك الذين يستخدمون اسم الله من أجل الحصول على مال الدنيا بما ذا يتوسلون لتمزقت قلوبهم رعبا وهلعاً .
 
( 511 - 517 ) : إن الجبل قد عرف قيمة اسم الله لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ( الحشر / 21 )
وألم يحدث هذا عندما تجلى الله للجبلفَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً، وفي رواية عن الأفلاكى ( 1 / 409 ) أن صاين الدين المقرى من مريدى مولانا قال له ذات يوم متكلفا : لقد ختمت القرآن اليوم على عشق مولانا ، فقال له : فكيف لم تنفجر ؟ ! ،
أتراك لم تقرأه هذه الآيات من قبل ؟ قرأتها بالتأكيد ، لكنك قرأتها قراءة المقلد ، ونقلتها عن أبيك وأمك ، فغفلت عن معانيها ، فما أشبهك بهذا المقلد الذي يباع حماره ، ومع ذلك أخذ يغنى ويرقص مع من باعوه مقلدا ، ولا يدرى بالضرر الذي حاق به .
 
( 517 ) : ذكر فروزانفر حكايتين عن شرح نهج البلاغة وعن المستطرف عمن أكل حماره ( حقيقة لا مجازاً ) على أساس أنهما قد تعتبران أساساً للحكاية التي تبدأ بهذا البيت ( مآخذ / 51 ) والواقع أن الحكاية التي رواها مولانا هنا تختلف إلى حد ما ، كما أنها تتميز بالطرافة ، وبفنية شديدة في توالى الأحداث والسخرية وتصوير جو الزاوية والدراويش الفقراء وهي حافلة بالحياة والحركة .
 
( 518 ) : إشارة إلى حكاية الصوفي الذي أسلم حماره لخادم الحظيرة الواردة في الكتاب الذي بين أيدينا من البيت 157 حتى البيت 250
 
 
« 357 »
 
 
 
( 519 ) : " إن الله إذا أراد إنفاذ أمر سلب كل ذي لب لبه " ( حديث نبوي ) وانظر أيضا شروح البيت 1202 من الكتاب الأول .
 
( 520 ) : " كاد الفقر أن يكون كفرا " حديث نبوي ، الجامع الصغير 2 / 89 .
وقال الجنيد : أقرب الناس إلى الكفر ذو حاجة لا صبر له ( انقروى 2 / 88 ) .
 
( 522 ) : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ ، الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ، الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ، فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( المائدة / 3 ) .
 
( 526 - 529 ) : يقدم الصوفية الأدلة الشرعية التي تتيح لهم الاستيلاء على حمار الضيف وبيعه ناسين أن الأمر كله أمر جسد ولا علاقة للروح به ! !
 
( 533 - 537 ) : يشير مولانا هنا إلى واقع شهده ، فالصوفى يسلم نفسه لمشيئة الحق ، إن وجد أكل وإن لم يجد صبر ، ومن ثم يكون شرها إن أدرك رزقاً كافيا ، وهناك نوع آخر من الصوفية مشبعون بأنوار الله ، ويعتبرون الدق على الأبواب والكدية عارا ( أنظر حكاية الصوفي محمد سرزرى الغزنوي من الكتاب الخامس ) ويعتبرون الوقوع في الكدية ترديا وابتلاءً من الله واختبارا قاسياً وحطا للقدر .
وهذا النوع من الصوفية - باعتراف مولانا - قليلون جداً ، والباقون يعيشون في ظل إقبالهم ( الشيخ هو الأسد الذي يصيد وبقية من في الغابة يأكلون من صيده ، أنظر الكتاب الخامس ، الأبيات 2341 - 2345 وشروحها ) .
 
( 539 - 540 ) : يغنى الصوفية بضياع الحمار ، ليس حمار المسافر ، بل
 
 
« 358 »
 
 
حمار النفس والجسد ، وشبع الجسد وانطلاق الروح ( استعلامى 2 / 205 ) هذا هو التحقيق ، أما التقليد فهو ما فهمه الضيف وفهمه خادم الحظيرة .
 
( 555 ) : " على اليد ما أخذت حتى تؤدى " حكم فقهى ( جعفري 3 / 300 ) والمناقشة شرعية ، ناظرة إلى حديث نبوي آخر " الآخذ ضامن والزعيم غارم " ( مولوى 2 / 149 ) ولكن بماذا تفيد المناقشات الشرعية إذا كان الأمر قد انتهى وحل واقع آخر ؟ ! ! ( 575 - 576 ) : أنظر في نفس المعنى الكتاب الأول ، الأبيات 3560 - 3565 وشروحها .
 
( 577 - 580 ) :قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ *إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ( الأنعام ) وتكرر المعنى في أكثر من آية ، أنظر هود / 49 - 51 والفرقان / 57 والشعراء / 109 و 127 و 145 و 180 وص / 86 والشورى 23 .
وإن ما ينفقه المؤمنون في سبيل الله ليس أجرا للرسول ، فالله هو الذياشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ( هود / 111 ) وما دفعه أبو بكر رضي الله عنه في سبيل الإسلام ليس أجرا للنبي صلى الله عليه وسلم وليس ثمنا للإسلام ( عن تفصيلات ، أنظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة ، الأبيات 2979 - 2982 وشروحها ) .
 
( 588 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت باختصار قبل مولانا في محاضرات الراغب الأصفهاني وأخبار الظرفاء والمتماجنين لابن الجوزي ( فروزانفر ، مآخذ ص 52 ) .
 
( 593 - 596 ) : يترك مولانا هنا خاطف اللقم ذاك ، ويتحدث هو نفسه مع رفاقه ومستمعيه ، فإن وجود من يؤذى السجناء ويخطف الطعام من أفواههم داخل السجن نفسه ، جعل سجنا آخر يتوارد على ذهن مولانا . . . الدنيا التي هي
 

 
« 359 »
 
 
" سجن المؤمن وجنة الكافر " ( أنظر البيت 986 من الكتاب الأول ) لكنها لا تخلو من فائدة " دق الحصير وحق القدم " أي الضيافة فيها ، لكنه المؤمن فيها معرض للأذى مهما اعتزل وانطوى على نفسه ، مصداقا للحديث النبوي " لو كان المؤمن في جحر ضب لقيض الله له من يؤذيه " ( حديث نبوي ) ( أنظر أحاديث مثنوى ص 46 ) .
 
( 579 - 600 ) : لكن الإنسان خلق ضعيفاً ، يتعيش من الخيال ، ويقتات عليه ، يسمن به ، وينحل من جرائه ، هلع ، قلق ، فلذ بخيالات الطيبين وأفكارهم وإن وجدت بين الثعابين والعقارب ، خيالك هذا - المقصود به الفكر والباطن - هو مؤنس لك ، يكون كالكيمياء التي تحول كل مظاهر السوء من حولك إلى حسن وجمال .
 
( 601 - 604 ) : الأبيات ناظرة إلى الحديث النبوي الشريف " من لا صبر له لا إيمان له " ( أحاديث مثنوى / 46 ) والحديث الشريف " الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد " ( الجامع الصغير / 2 - 49 ) والقول المأثور " الصبر مفتاح الفرج " ( أنظر الأبيات 95 و 1076 و 1612 من الكتاب الأول ) .
 
( 605 - 616 ) : لب هذه الفكرة عند مولانا - وهي تتكرر دائما - أن أفكارنا وحالاتنا النفسية هي التي تؤثر عند الحكم على الآخرين . فالأمور متصلة بنمط الرؤية التي ننظر بها ونحكم على أساسها ويمكن أن توجد في كل إنسان تجليات للإيمان والكفر على السواء ( أنظر 1328 - 1333 و 2376 من الكتاب الأول وشروحها ) ، والأمور نسبية فمن يكون في نظرك كالحية قد يكون في نظر آخر شديد الحسن ، والأمر مرده إلى أنك كافر به ، بينما قد يكون سواك مؤمنا به ، وكلا كما قد يكون على حق ، فالإنسان جامع المتناقضات نصفه مؤمن ( الروح )

 
« 360 »
 
 
ونصفه مجوسي ( الجسد ) نصفه حرص ونصفه صبر ، والله تعالى خلق المؤمن وخلق الكافرهُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ( التغابن / 2 ) .
وفسرها الزجاج : معناه فمنكم كافر في السر مؤمن في العلانية كالمنافقين ومنكم مؤمن في السر كافر في العلانية كعمار قبل إظهار الإيمان ، وعن الضحاك : فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب ومنكم مؤمن بالله كافر بالأصنام ( أنقروى 2 / 100 ) . وهل خلق الله أحدا في حسن يوسف عليه السلام ، ومع ذلك فما رآه يعقوب من الحور ، رآه إخوته من الدواب ، والنظر هنا من عين الفرع ( عين الجسد ) وهي تعكس ما تلقيه عليها عين الفكر ( عين الباطن ) وأنت نفسك ( باطنك وروحك ووجودك الحقيقي ) من اللامكان ، فأغلق هذا الحانوت ( أي عين الظاهر ) وافتح ذاك الحانوت أي عين الباطن المتصلة بعالمك الأصلي والفعلي ، ودعك من الجهات الستة ( الدنيا ) فهي أشبه بخانات النرد الستة عندما تكون ( محبوسا ) فيها ، وتكون النتيجة هي الهزيمة المحققة .
 
( 623 ) : وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً ( المائدة / 88 ) .
 
( 632 ) : " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر " مر ذكره .
 
( 633 - 637 ) : من كلام السجين الشره للقاضي يتذكر مولانا يوم أن قال إبليس لله تعالى رب أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * ( الأعراف / 14 )
وفي البيت إشارة إلى الآية الكريمة لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ أجمعين وفي البيت 636 الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ ( البقرة / 268 ) .
 
( 638 - 645 ) : ينتقل مولانا من الحديث عن السجن الخاص إلى الحديث عن السجن العام سجن الدنيا : والقوت فيه الإيمان ، ولا يزال الشيطان يسلب إيمان ابن آدم ، وهو " يجرى من ابن آدم مجرى الدم " ، وكل من يجعلك باردا محبطا في طريق الله وعن الشوق إلى المعرفة ، اعلم أن الشيطان متمثل فيه ، وعندما
  
 
« 361 »
 
 
لا يستطيع الظهور لك ، يتمثل لك في شخص ، فإن لم يتمثل لك في شخص تمثل لك في فكرة وفي خيال وفي هوس : المال والعمل والأهل والجاه والأبناء ، ولن تستطيع أن تبعد هذا الشيطان عنك إلا بأن تستعيذ بحول الله وطوله ، ليس ب « لا حول ولا قوة إلا بالله " جارية على اللسان بل قلها من صميم القلب ولب الروح .
 
( 656 ) : الإنسان في هذا العالم حبيس حتى يثبت إفلاسه ، وإن كان غنيا لا يشبع فإن هذا يؤدى إلى إفلاسه الروحي ، ويمضى مفلسا ، ثم إن الروح أحست قبل أن تركب في الجسد ببعض الكبرياء ، فأسكنت الجسد ليقل كبرياؤها ، وتجاهد في عالمها ، وما لم تحس بالإفلاس التام فلا نجاة لها .
 
( 657 - 659 ) : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ، وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ، وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً ، وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ ( النور ) ، إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً .
 
( 669 ) نبه المولوي ( 2 / 176 ) والأنقروى ( 2 / 106 ) إلى أن في البيت إشارة إلى حكاية عامية عن لصين تباحثا عن مهارتهما في السرقة فنصبا سارقا ماهرا حكما بينهما ، فقال لهما : أيكم يقدر أن يبيع بقرة ثم يسرقها اليوم ؟ فأبى أحدهما وأجاب الثاني وذهب وباع بقرة لحراث ، فأخذها الحراث وجعلها مع بقرة له زوجاً وذهب ليحرث ، فأخذ السارق رفيقه إلى طريق الحراث واختفى أحدهما وقعد الآخر على الطريق يقول : العجب ، العجب فقال الحراث أي شئ يتعجب منه هنا ، وترك بقره وذهب ينظر ، فخرج المختفى وسرق البقرة وذهب بها ، ورجع الحراث يقول للمتعجب : أنت تقول العجب العجب من الصباح ، ولم أر شيئاً فأجابه وهل أعجب من هذا أنك تحرث على بقرة واحدة ؟ ! !
 
( 677 ) : في جواب المفلس على الكردي : ليس في الدار ديار تعنى أليس عندك
  
 
« 362 »
 
 
عقل ؟ ! ! وفي الأسلوب المعاصر وهل أجرت الدور العلوي في منزلك ( هل أعرت عقلك ) ؟ ! ! ( استعلامى 2 / 211 ) .
 
( 682 - 688 ) : يجر غباء الكردي الذي لم يفهم فيم كان طوال النهار مولانا إلى الحديث عن غباء البشر عموما وتوقف حواسهم عن العمل ما لم يفتح الله عليهم أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً ؟ ! فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ ؟ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ ( الجاثية / 22 ) .
فما بال الناس مرضى لا يعرفون " إن الله تعالى خلق لكل داء دواء " و " ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء " و " لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله " و " إن الله تعالى أنزل الداء والداء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام " و " لكل داء دواء ودواء الذنوب الاستغفار " ( الأحاديث مذكورة عند فروزانفر : أحاديث مثنوى ص 47 ) ، المهم : أن يبصر الله تعالى عبده بالدواء .
 
( 689 - 693 ) : مرة ثانية يقارن مولانا بين عالمين : عالم الوجود الذي هو في الحقيقة عدم ، وعالم العدم الذي هو الحقيقة وجود ( وهو مصنع الوجود ومخزنه ) ، فليكن اهتمامك كله منصبا نحو العدم ، مثلما يتبع روح القتيل ضياع بصره ، وهنا إشارة إلى حديث نبوي : " عن أم سلمة : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبى سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال : إن الروح إذا قبض تبعه البصر فضج ناس من أهله فقال : لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألم تروا الإنسان إذا مات شخص بصره ، قالوا : بلى ، قال فذلك حين يتبع بصره نفسه " وفي حديث آخر : إن الروح إذا قبض تتبعه البصر " ( أحاديث بأسانيدها ، فروزانفر : أحاديث مثنوى ص 48 ) .
فكن طالبا المدد من العدم ( عن الوجود انظر 522 - 524 من الكتاب الأول
 
 
« 363 »
 
 
وعن العدم أنظر 2489 - 2491 م الكتاب الأول ) والمعطل ( الذي يرفض القدرة الإلهية ) هو فحسب الذي يعكف على عالم الوجود ولا يعرف له عالما سواه ويعتبر أن عالم العدم عدم مطلق .
 
( 694 - 704 ) : يناجى مولانا ربه سبحانه وتعالى فمنه الهداية ومنه الإصلاح ، ومنه التبديل ، يستطيع أن يجعل النيل على قوم فرعون دما وعلى آل موسى ماء ، وهو صاحب الأسرار وواهب الأسرار ، والإنسان هو سر الأسرار ، مزجة من ماء وطين « وجعل منه نسبا وصهرا » ، واصطفيت من البشر من جعلته لك ، فصار كل قبيح في عينه حسنا لأنه منك ، ونتجته من إسار الحس وغلبة الطبع ، وفضلته بموهبة العشق ، عشق منلا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ، فعشقه ظاهر ، ومعشوقه خفى ، وعشقه سار في الأكوان ، به تتحرك الأفلاك ، ويتعاقب الليل والنهار .
 
( 705 - 712 ) : دعك من هذا ، تقول أنك أيضا عاشق ، فأنظر لمن توجه عشقك ؟ للصورة ! ! للجسد ! ! والجسد عندما تغادره الروح يظل في مكانه ، فلما ذا تنفر منه ؟ ! تقول أنت لا تعشق إلا المحسوس ، وكل الموجودات ذات حس ، فلماذا يكون عشقك موجها إلى بعضها دون الآخر ؟ ! إنه ضوء شمس الجمال الأزلي سطع على المدر ، على الجدار ، وأحببته ، فانظر إلى الجدار عندما تغادره شمس الأزل ؟ !
أصم ، أخرس ، مظلما لا نور عليه ( أنظر لتفصيل هذه الفكرة ، الأبيات 552 و 553 و 559 من الكتاب الثالث والأبيات 372 - 379 من الكتاب الخامس وشروحها ) .
 
( 713 - 721 ) : هناك غير العشاق بالصورة عشاق العقل الذين يجعلون العقل تكئة وسندا على عشقهم ، ويقومون بعشق العقل أيضا ، والعقل هنا مجرد طلاء
  
 
« 364 »
 
 
ذهبي على نحاس لا ينفى عنه صفة النحاسية ، وأي عقل هذا الذي إذا زاد عمره خرف وجدف ، وإن لم تكن تصدق فاقرأوَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَ فَلا يَعْقِلُونَ( يس / 68 ) فلا يبقى إلا جمال القلب ، الذي يرتوى دائما من ماء المعرفة ، أو بقول أبى يزيد البسطامي " رأيت العاشق والمعشوق والعشق واحدا " ( استعلامى 2 / 213 ) ، وإن هذا يحدث إذا انتفت الذاتية والأنية ، وبقي الواحد الأحد ، الذي لا يعرف عن طريق العقل أو القياس ، بل عن طريق العبودية ، ولا شئ سواها .
 
( 722 - 726 ) : وإنك لتدعى أنك تملك عالما من المعنى ، وهذا هو الخطأ ، إنها صور جمعتها إلى جوار بعضها وتظن أنها معنى تماما كالذي يجمع الحروف إلى جوار بعضها ، ويكون منها ألفاظاً ، ويظن أن هذا هو المعنى ، وهو خيال ، تماما كما يكون في ذهن الأعمى خيال عن كل شئ قد يكون بينه وبين حقيقته بعد المشرقين ، والعين التي تنظر إلى الظاهر مثلها كمثل الأعمى تماما .
 
( 727 - 731 ) : إمض في أثر الحمار ( فهو الأساس والضرورة ) فما تعلقك بالسرج ( الإضافات والأمور الثانوية ) : فإن كان ثمة معنى في ذهنك سوف تجد اللفظ المناسب له ، المهم أن تصل إلى المعنى ، هذا هو الروح ، طهرها الكسب والنفع ، والقلب إن امتلأ بدر المعنى صار أساسا لمائة جسد ومائة قالب ، وإذا كان السرج هو الأساس وليس الحمار ، فقد رأيت النبي عليه الصلاة والسلام يركب دون سرج ، ( عن جابر ابن سمرة : أتى النبي صلى الله عليه وسلم بفرس معرورى فركبه حين انصرف من جنازة ابن الدحداح ونحن نمشى حوله ) و ( كان صلى الله عليه وسلم يركب الحمار عريانا ليس عليه شئ ) ( الأحاديث بأسانيدها من فروزانفر ، أحاديث مثنوى 48 - 49 ) . وعند الأفلاكى
 
 
« 365 »
 
 
( 1 / 115 - 116 ) أن مولانا ركب حمارا ذات يوم وقال : هذا مركب الصالحين ، ركبه عدد من الرسل كشيث وعزير والمسيح وحضرة المصطفى عليهم جميعا الصلاة والسلام .
 
( 732 - 741 ) : وحتى لا تتعلق بلفظ الحمار . هناك حمار آخر أخبرك به حتى لا تلتبس عليك الحمر ، هذا الحمار هو حمار النفس العاكف على وتده ( نزوات النفس ومهاوسها ) لا يريم ، وأولى به أن يعتاد أحمال الشكر وأحمال الصبر ، وأن تروضه على احتمالها حتى في عشرين أو في ثلاثين عاما ، فلن يحمل عنها وزرها أحدإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ ، وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ، وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى( الزمر / 7 ) ،
قال نجم الدين : والنفس مؤاخذة بوزرها معاقبة بما هي عليه ولا يتألم القلب لعذابها ، وإن كان القلب منقلب الحال وأزاغه الحق تعالى بإصبع القهر إلى مؤاخاة النفس ، فتتطبع مرآة القلب بصفات النفس وأخلاقها فيتتبع النفس وهواها ، فيزين بطبع الشهوات ولذتها ويكسب الاثم والوزر بترك ما هو مأسور به من الطهارة والصفاء والسلامة والذكر والفكر والتوحيد لله تعالى والإيمان به والتوكل عليه والصدق والإخلاص في القلب والعبودية وغير ذلك ، فيكون مأخوذا بوزره لا بوزر غيره ) ( مولوى 2 / 192 ) .
فما بالك تقعد عن العمل ؟ ! أتراك واجد كنزاً ؟ ! وما قعودك في انتظار الحظ والصدفة لأنها حدثت لأحدهم ؟ ! ألا تخشى من فوات الوقت والوقوع في الندم ، وقولك " لو كنت قلت كذا لكان كذا ، ولو كنت فعلت كذا لكان كذا " وألم تسمع قول الرسول صلى الله عليه وسلم " إياكم واللو فإن اللو تفتح عمل الشيطان " وألم تسمع قوله عليه السلام " المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ، إحرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز ، وإن أصابك شئ فلا تقل لو أنى فعلت كذا كان كذا ولكن قل قدر الله

 
« 366 »
 
 
وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان ( الحديثان واردان بأسانيدهما عند فروزانفر ، أحاديث مثنوى / 49 ) وهناك حديث آخر ينطبق أكثر على أبيات المثنوى هو " إياكم وكلمة لو فإنها من كلام المنافقين " ( مولوى 2 / 193 ) .
 
( 742 - 745 ) : من الواضح أن الفكاهة الواردة في هذه الأبيات من المأثور الشعبي الذي كان منتشرا في زمن مولانا .
 
( 746 - 757 ) : الناس كلهم طلاب للذة ، لكنها لذة عادية مؤقتة وسيئة العاقبة ( سواء في الدنيا فمصير كل الحضارات عابدة اللذة معلوم ) وسواء في الآخرة ، وثمة شعاع من التحسين والتزيين قد نفذ إلى هذا الزيف ، فزينه وحسنه ، ولا بد من محك لتعلم أن هذه الزينة حقيقة منه ، أو شراك لجرك ، والمحك إما أن يكون داخلك : " استفت قلبك وإن أفتاك المفتون " أو خارجك : من أنيرت بواطنهم بنور الله ، والغيلان في انتظارك إن سلكت الطريق وحيدا ( الغول مخلوق خرافي في المأثور الفارسي يشبه النداهة في المأثور الشعبي المصري يناديك بصوت تألفه ثم يأخذك إلى المتاهة ، إلى حيث توجد الوحوش والذئاب ) . لكنك قد تمارى وتقول : أنا لا أسمع أصواتا ولا يهتف بي الهاتفون ،
فأقول لك : لا : إنها تناديك من داخلك ، غيلان المال وغيلان الجاه والحيثية والنفوذ ، وذكر الحق فقط هو الذي يجعلها لا تنفذ إلى داخلك ( هناك مثل فارسي : يهرب الجنى من بسم الله ) ( استعلامى 2 / 215 ) فأغمض عين النرجس عن هذا النسر : وعين النرجس هي عين العجب والاختيال وعبادة الذات ، نارسيس ابن كينيتس عاشق صورته في الماء حتى ليمتنع عن الري منه ، حتى يغرق ، وتنبت من جسده زهرة النرجس ( شرح جلبنارلى ، الترجمة الفارسية 1 / 115 )
والنسر : النفس الحيوانية ، عاشقة جيفة الدنيا والتي لا تزال تحوم حولها ولا تشبع منها .
 
( 758 - 761 ) : كم من الزيف يغطى وجه الحقيقة ، ومعرفة الحقيقة بمنزلة
 

 
« 367 »
 
 
الصبح الصادق ، ومعارف الدنيا بمنزلة الصبح الكاذب ، المعارف الحقيقة هي الخمر ولونها الحقيقي ، ومعارف الدنيا هي لون الكأس ، ولا طريق لك إلا بالصبر والتأمل ، فتختفى عين الحس ، وتظهر عين الباطن التي ترى الأشياء على حقيقتها والألوان على حقيقتها وتميز بين الحجر والدر ، حجر الدنيا وحصاها الذي نملأ به حجورنا تماما كالأطفال وتظنها كنوزاً ، ودر بحر الحقيقة وأسرار الغيب ، بل تصير أنت نفسك بحرا فيستخرج منه الدرر ، وتفيض عنه الأسرار ، ولا تصبح بعد قابلا للنور ، بل تصبح أنت نفسك مصدرا للنور .
 
( 762 - 766 ) : العامل يكون مختفيا في عمله ، العمل يدل على العامل ، وكل عامل يقول : هذا عملي ولا يقول هذا أنا ، وإنك لا ترى سوى العمل ، فإذا كنت تريد أن ترى العامل فاذهب إذن إلى محل عمله ، وأنت تعلم موضع عمل الصانع الأول ومادة عمله ، إنه العدم ، فكن فانيا ، وكن عدما ، تصل إلى موضع العدم وموضع الصانع ( أنظر 3241 من الكتاب الأول و 693 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحها ) .
 
( 767 - 778 ) : مهما بحثت في الوجود فلن تجد شيئا ، دبر وفكر وامكر وانسج الحيل ودبج الأكاذيب ، ورتب المقدمات ثم انظر إلى نفسك لم تصل إلى النتائج التي كنت ترجوها ، تماما مثل فرعون ، فعل الأفاعيل لكي يمنع ميلاد موسى ، وولد ، وقتل الأطفال لينجو من نبوة الشؤم على ملكه ، وموسى المستهدف المقصود ربيبه الذي يصنع على عينه ( أنظر التفصيلات الكتاب الثالث ، الأبيات 840 - 969 وشروحها ، وعن الفلسفة الكامنة وراء قصة موسى وفرعون المفسرة في كتب المثنوى الستة أنظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب السادس ) ،
وما أشبه فرعون هذا بمن يهتم بالنفس فتتسلط عليه ويكون خسرانه كله منها ، لكنه لا يزال يتهم هذا ويتهم ذاك ، وعدوه كامن بين جنبيه
 
 
« 368 »
 
 
يكيد له ولا يدفع كيدا ، وينزلق به فلا يرى مواطىء قدميه ، ذلك لأنه دائم النظر إلى الخارج ، ولا يهتم بالنظر إلى الداخل لحظة .
 
( 779 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت ، لم يقترب الشراح المعاصرون من البحث في أصولها على أساس أنها من الحكايات الشعبية التي كانت رائجة في القرن السابع الهجري ، والواقع أنها ذات أصول إما يونانية وإما لاتينية ، وقد أوردها مولانا نفسه في كتاب فيه ما فيه " . . . قال : لم قتلت أمك ؟ ! قال : رأيت منها ما لا يليق . قال : كان ينبغي عليك قتل ذلك الغريب ، قال : أأقتل شخصا كل يوم ؟ ! والآن ، مهما يحدث لك ، أدب نفسك ، حتى لا يلزمك قتل أحد من الناس كل يوم ( عن استعلامى 2 / 216 ) .
 
( 785 - 788 ) : المستفاد من الحكاية ، الأم هي النفس التي بين جنبي الإنسان ( في مقابل العقل وهو الأب وقد تكرر هذا التشبيه كثيرا في المثنوى ) وهي التي إن تدخلت في كل شؤون الحياة أفسدتها ، فأنت إن فعلت ذلك فلن ترتكب عملا يلزمك من بعده بالاعتذار .
 
( 792 - 813 ) : أولئك الذين يطعنون الأنبياء إنما هم في الحقيقة يطعنون أنفسهم ، ويسددون أمام أنفسهم طرق الهداية ( أنظر لتفصيلات هذه الفكرة الكتاب الرابع ، الأبيات 2120 - 2109 و 2123 - 2135 وشروحها ) والخفاش لا يمكن أن يكون عدوا للشمس ، بل هو عدو لنفسه ، والغلام الذي يثور على سيده ويحاول قتله ، يقتل نفسه في النهاية ، وهل يعادى المريض طبيا أو الطفل أستاذا أو القصار شمسا أو السمكة ماءاً ؟
وإذا كان الله قد أصابك بنقص ما بحيث تعادى من عنده فائدتك ونفعك ، أليس من سوء الطالع أن تجمع إلى سوء الخلقة سوء الخلق ، وإنك إن عاديت من هم أفضل منك لنقص فيك ، فقد ابتليت بداء الحسد وانظر إلى مشاهير الحاسدين : إبليس وحسده لآدم ، وأبى جهل الذي حسد
 
« 369 »
 
 
محمدا صلى الله عليه وسلم ، كلاهما كان يريد بهذا الحسد أن يرفع من نفسه ، فهوى بها إلى أسفل سافلين ، وإلى حضيض الكفر وذل العداء مع الله نفسه ، والاشتهار بسوء الخلق ، في حين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " خير ما أعطى الناس خلق حسن " و " خير الناس أحسنهم خلقاً " و " خير ما أعطى الرجل المؤمن خلق حسن وشر ما أعطى الرجل قلب سوء في صورة حسنة " ( الأحاديث بأسانيدها ، أحاديث مثنوى 49 - 50 ) .
 
( 814 - 818 ) : يشير مولانا هنا إلى حكمة أخرى من حكم إرسال الأنبياء وبعث الرسل في البشر ، فهذا هو مقياس الإيمان بالغيب ، ولأن أحداً لا يستطيع أن يعادى الله جلا وعلا ، وأن ارسال الأنبياء من البشر ، يجعل الحاسد يبدي حسده والحاقد يبدي حقده ، نتيجة للقلق الذي يعتريهم والاضطراب الذي ينتابهم :
لما ذا فلان هذا من بين البشر ؟ ألا يأكل الطعام ؟ ! ألا يمشى في الأسواق ؟ ! !وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ ؟ !وإنما يعترف بالرسول من يحس بعظمته .
 
( 819 - 829 ) : يتحدث مولانا هنا عن التنظيم الصوفي القائم بعد انقضاء دور النبوة ويصفه بأنه " الإمام الحي القائم " وهو " قطب الزمان " ويرد على الشيعة الذين يشترطون أن يكون الإمام من نسل علي رضي الله عنه ، فإنه لا يهم أن يكون من نسل من : من نسل على أو من نسل عمر رضي الله عنهما ، فليست القضية قضية الأصل ، بل القابلية ، وعندما ذكر مولانا ألفاظ المهدى والهادي ينطلق شراح المثنوى من الشيعة على أساس أنه يقصد " مهديهم " ( جلبنارلى مثلا في شرحه - الترجمة الفارسية 2 / 124 - 125 ، جعفري 3 / 407 - 419 )
في حين أن الاستخدام هنا - كما انتبه إليه استعلامى - للصفة لا للشخص
 

 
« 370 »
 
 
( 2 / 217 ) والولاية درجات ( وفكرة درجات النور أقرب إلى فكر الإسماعيلية ، أنظر مقدمة الترجمة العربية لكتاب ناصر خسرو جامع الحكمتين لكاتب هذه السطور ) فهناك نور وهو متصل اتصالا مباشرا والعقل له بمثابة جبريل ، وهناك قنديل ، وهناك مشكاة ، ويحتاج مولانا على طبقات النور ودرجاته بالحديث النبوي الشريف " الله دون العرش سبعون حجابا لو دنونا من أحدها لاحرقتنا سبحات وجه ربنا " والحديث " إن لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره " و " إن بين الله وبين خلقه سبعين الف حجاب "
 
( الأحاديث وأسانيدها في أحاديث مثنوى 50 - 51 ) ومن هذه الحجب توجد مقامات القوم ، وكل قوم صف ، والقمة هي الإمام ، وقيمة كل قوم بقدر قابليتهم للنور ( التأييد عند الإسماعيلية ) وهكذا يرقى السالك درجة بعد درجة ، وترتفع من أمامه الحجب ، حجاب بعد حجاب ، وينتفى عنه الحول الذي يغشى بصره ، فإن كل سالك يتقبل من النور ما يوافق درجته ، ويكون ما فوقه ضارا به ، يقول أبو سعيد الخراز : " إذا أراد الله أن يوصل عبدا لمرتبة ولايته فتح عليه باب الذكر ، فإذا تلذذ به ، فتح عليه باب القرب بأن رفعه وقربه وأزال عنه الحجب الظلمانية وفتح له أستار العظمة والجلال فإذا شاهدها فنى وبقي محفوظاً " ( مولوى 2 / 212 - 213 ) .
 
( 830 - 845 ) : الحديث هنا عن أهلية المتلقى لهذا النور ، وهو يعبر هنا عنه بالنار ( موسى عليه السلام آنس نارا فوجد عندها نورا ) ، هذه النار تصلح للتعامل مع الحديد أو مع الذهب لا مع الفواكه الغضة الهشة ، فالطريق شاق ، إنما يتحمله الفقير ( الدرويش ن السالك ) الكادح ويتهلل في مشاقه مثلما يتهلل الحديد من النار ويحمر ، يمضى إليها مباشرة ، ويدخل فيها ، ولا يكون بينه وبينها حجاب أو
 
 
« 371 »
 
 
واسطة ، لا يحتاج للنضج إلى قدر أو إلى مقلاة ، هذا هو الفقير الدرويش وهذا هو أبسط تعريف له الذي يدرك نور الحق مباشرة ، مثل هذا الدرويش هو قلب العالم ، به تنظم أمور العالم ، مثلما ينتظم الجسد بالقلب ، وليست كل القلوب صالحة لتلقى هذا النور ، فالقلوب المشغولة بأمور الدنيا لا قابلية عندها لهذا النور ، فمتى ينظر الله إلى قلب لا يجد لنفسه فيه موضعاً ؟ إن القلوب هي موضع تجل الله فنقها من أجله ، وصفها لنظره ، وقلوب أصحاب القلوب مناجم معرفته ، ومخازن أنواره ، في حين أن هذه القلوب المشغولة بأمور الدنيا وهمومها هي مجرد أجساد . تراني وضحت ما أود قوله ؟ ! لا . . .
إنه لا يزال يتطلب شرحا وتفسيراً ، لكن أخشى ما أخشاه أن تنزلق أوهام العوام ، ويكون كل حسن تتحدث عنه قبحاً ، لقد قلت ما قلت وأنا في مقام " غيبة " ، وهؤلاء المتسولون أمام مائدة الإنعامات الإلهية ، أولى بهم أن يظلوا على باب الدار .

* * *
.

بيع الصوفية لدابة المسافر على منتدى إتقوا الله ويعلمكم الله  

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: