الثلاثاء، 11 أغسطس 2020

31 - الهوامش والشروح الأبيات من 3735 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

31 - الهوامش والشروح الأبيات من 3735 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

31 - الهوامش والشروح الأبيات من 3735 - 4018 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

شرح إلقاء الخصم بصقة في وجه أمير المؤمنين كرم الله وجهه
وإلقاء أمير المؤمنين علي بالسيف من يده
( 3735 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت قال فروزانفر أنه لم يجد لها أصلا إلا فيما روى عن عمر رضي الله عنه

 
« 581 »
 
أنه رأى سكيرا فأخذه ليعزره فشتمه السكير ، فتركه عمر مخافة أن يكون تعزيره لغضبه لنفسه وليس لله وحدوده ( مآخذ / 37 ) وقام الأستاذ شهيدي ببحث حول الحكاية ، واكتشف أنها وردت بنصها وعن علي رضي الله عنه في كيمياء السعادة للإمام الغزالي وفي كتاب الفخري في الآداب السلطانية لابن الطقطقي ( شرح شهيدي ص 220 ) ومناسبة الحكاية العبادة للفخر والسمعة لا لله وهو موضوع الأبيات السابقة .
( 3744 ) أي : ما ذا رأيت من عالمك الخاص ، بحيث انعكس تأثيره علي ، فأحسست أنا أيضا بتغيير في عالمي ومعتقداتي ونظرتي إلى الدنيا .
( 3746 - 3758 ) : إشارة إلى ما حدث لقوم موسى عليه السّلام في التيه ، عندما ظللهم الغمام ، وأنزل عليهم المن والسلوى رحمة من الله سبحانه وتعالى ( أنظر الأبيات 81 - 86 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، ولقد قطعت الرحمة عن بني إسرائيل لخستهم ودناءتهم ورفضهم لنعمة الله ، لكن أمة محمد صلى اللّه عليه وسلّم أمة مرحومة "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" ( آل عمران / 110 ) جاء في خطبة للإمام علي رضي الله عنه : كان في الأرض أمانان من عذاب الله ، وقد رفع أحدهما فدونكم الآخر فتمسكوا به ، أما الأمان الذي رفع فهو رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم ، وأما الأمان الذي بقي فالاستغفار ، قال الله تعالى "وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ، وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" ( الأنفال / 33 ) ( نهج البلاغة - تحقيق وترجمة سيد جعفر شهيدي ص 374 ) ، هذه الرحمة التي خص بها رسولكم الكريم صلى اللّه عليه وسلّم حتى قال " إني لست كأحدكم ، إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني " وهو الطعام المعنوي والفيض الإلهي على ما فسره الصوفية ، في حين قال آخرون : إنه الطعام الجسدي ، وإنك إن قبلت هذا المعنى دون تأويل ، فسوف تدرك حقيقته وتحس بلذته . . وألا فلتفسر نفسك ، ولتدرك بأية وسيلة تنظر إلى الأمور ، وما هو أساس تفكيرك ، ومن أين دخل إليك ، ومن من شياطين الإنس والجن وسوس لك به ، ولا تعب رياض المعاني ، بل عب على إدراكك أنت :وكم من عائب قولا صحيحا * وآفته من الفهم السقيم( البيت 1088 من الكتاب الذي بين أيدينا : أول نفسك ، ولا تؤول الذكر ) .
( 3759 - 2765 ) : اشتهر سيدنا علي رضي الله عنه بالسيف والعلم ، فهو رضي الله عنه أسد الله

 
« 582 »
 
الغالب ، وهو مقتلع باب خيبر ، وتجمع مصادر السنة والشيعة على السواء على منزلته رضي الله عنه المعترف بها في الشجاعة والعلم ، وفي الروايات الشيعية أنه أعطي تسعة أعشار العلم والعشر الباقي شريك للعلماء فيه ( في رواية عن ابن عباس ) ، والماء هو مظهر العلم والتراب مظهر الجهل ، وعلي في البيت هو المظهر التام للإنسان الكامل ( أنظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الرابع - ولمناقب الإمام في المأثور الصوفي أنظر : حديقة الحقيقة صص 134 - 144 من النص وشروحها صص 286 - 292 ) والقتل بلا سيف هو قتل الصفات الذميمة والنفس الحيوانية لإحياء الروح ، فكأنه إحياء وليس قتلا ، وهذا من الأسرار الإلهية ، فكأن من سل عليه أسد الله السيف ، أدرك أن انصراف علي رضي الله عن قتله سر رباني ، وإحياء روحاني ، وهو يريد أن يعرف هذا السر منه ، لأنه رضي الله عنه بازي العرش ، صياد المعاني ، نافذ البصيرة ، مدرك الرؤى التي لا يدركها غيره ، حتى وهو مغمض العينين .
( 3766 - 3770 ) : الناس مختلفون في إدراك الحقيقة حتى وإن كانت في وضوح القمر في كبد السماء ، فأحدهم يرى قمرا واحدا في السماء " المؤمن " والثاني " الكافر " لا يرى في السماء قمرا قط ، ويرى الدنيا في ظلام حالك ، والثالث يرى في السماء ثلاثة أقمار " النصراني " وكلهم حواسهم الظاهرية سليمة وقوية وغير معيوبة ، فلا بد إذن من وسيلة للإدراك هي الباطن الذي يلون كل شيء بلونه ، فيوسف الحسن يراه أحدهم جميلا ، ويراه آخر ذئبا قبيحا ، والعوالم شاسعة متعددة مختلفة ، ولا يمكن أن تدركها كل عين ، أو يحدها كل بصر ، وهناك اختلاف حول تفسير الأقمار الثلاثة يرى الأنقروي أنها القمر والشمس والعقل الكلي ، كما يحتمل أن يكون القمر الواحد رمزا للتوحيد بين الذات والصفات ، ومن الأقمار الثلاثة الفصل بينها ، وكلها مظاهر لحقيقة واحدة ، يقول ابن الفارض :وما برحت تبدو وتخفى لعلة * على حسب الأوقات في كل حقبة
وتظهر للعشاق في كل مظهر * من اللبس في أشكال حسن بديعة( شرح شهيدي / 230 ) ( 3771 - 3779 ) حسن القضاء بعد سوء القضاء المعني به لطف الله تعالى يحل بالعبد من بعد
 
 
« 583 »
 
الابتلاء ، وهو هنا انصراف علي رضى اللّه عنه عن القتل وعفوه عن الكافر وإحيائه إياه ، على أساس أن خصمه الكافر أخذ يميل نتيجة لهذا العفو غير المتوقع من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ، وأصبح شريكا في السر الذي أشع على علي رضي الله عنه وانعكس فيه ، فكيف يضن به عليه وقد أصبح مشاركا له فيه . . وإذا كان قد أصبح مشاركا فيه فلما ذا يتمنى سماعة ؟ لأن سماعه سوف يعجل به في السرى في ضوء قمر المعرفة ، وفي ضوء مثل هذا القمر الإلهي يمكن للسراة السرى آمنين من التيه وناجين من غيلان الضلال التي تحملهم عن الجادة ، كما أن الأذن تريد أيضا نصيبها من الفيض " ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر " ولتفتح الباب يا مدينة العلم طبقا للحديث الشريف " أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأت الباب " ( أنظر تحقيق الحديث في حديقة الحقيقة ص 289 ) ، وأنت شعاع من الحلم الكلي ، وأنت على باب الحظيرة الإلهية ، وأنت باب حظيرة الرحمة الإلهية " محمد صلى اللّه عليه وسلّم " ألا فلتجعل الرحمة تنهمر علي ، ولتفتح باب الرحمة على طالب هذا الباب ، حتى تتبدل فيه القشور إلى لباب والأجساد إلى أرواح ، والصور إلى معاني .
( 3780 - 3786 ) : إن كل ذرة في الكون مخبرة عنه دالة عليه مؤدية إليه ، لكن لا بد من أن يكون الباب مفتوحا إليها ، ولا بد للحارس " الولي - العارف - المرشد " من أن يفتح هذا الباب ، ولا بد من طرف الحبل " كل عمل يجد فيه المرء لا بد وأن يذيقه الله بعض لذته في البداية " ، هذا هو فتح الباب ، يتحرك بعده الطمع ويتحرك الرجاء ، ومن وجد كنزا في مكان لزمه ، وتردد عليه ، المهم ألا تطلب على الظن ، وأن تكون متيقنا ممن تطلب ، فليست كل خرابة تحتوى على كنز ، وما لم يدلك الله على نفسه " يصل إلى أنفك أريج من الغيب " فلن ترى أبعد من هذه الأنف .
( 3787 - 3791 ) : يتحدث الخصم الذي كان كافرا في الأصل بما يوحي بأن كل لحظة تمر تجعله يتحدث بلسان إسلامي مبين " انعكاس ولاية علي رضي الله عنه " ، ثم يتحدث مولانا عن تأثير الكواكب السيارة في عملية الخلق " فهو نطفة مستقرة في صلب الأب ، فإذا اختلط مع ماء الأم ، فعلى قول الحكماء دخل تحت تربية زحل شهرا وشهرا تحت تربية المشترى فكان علقة وظهرت حرارة الإختلاج ، وشهرا تحت تربية المريخ فيكون مضغة يحصل له الثخانة ، وتظهر فيه القوة الغضبية ، وشهرا
 
« 584 »
 
تحت تربية الشمس فينفخ فيه الروح ويلقى الحياة ، وشهرا تحت تربية الزهرة فيأتي للوجود بالهيئة الإنسانية وتحصل له القوة الشهوانية ، وشهرا تحت تربية عطارد فتظهر له زينة الشكل والشمائل ، وشهرا تحت تربية القمر . فهذه سبعة أشهر يتم بها الوجود الإنسانى ويتحرك في الظاهر والباطن ، ورطوبة القمر مناسبة للحياة ، إن تولد فيه كان أغلب حاله الحياة والبقاء ، وإن لم يخرج تكرر في الثامن زحل ، ولكون زحل باردا يابسا ، إن خرج كان مزاجه مناسبا للموت ، وإن استقر إلى الشهر التاسع ، دخل تحت تربية المشترى ، ولأن المشترى حار ورطب في طبيعته الحياة ( مولوي 1 / 679 ولخصها شهيدي بما لا يختلف عن إخوان الصفا - شرح شهيدي / 235 - 236 ) .
 
( 3792 - 3801 ) : هذا الجنين ليس له من الكواكب إلا الصورة ، ولا وجود حقيقي له إلا إذا سطعت عليه شمس الحقيقة ونفثت فيه الروح ، وهي التي تنفث الروح في كل الكون ، وهي كيمياء التبديل ، وبقدر قابليات الموجودات تكون عطاياها ، فهي ساطعة على كل شيء ، تجعل من التراب ياقوتا ، وتجعل المطايا تسرع حتى ليتطاير الشرر من سنابكها ، وهي التي تهب الثمار النضج ، وهي التي تجعل من الجبان شجاعا إذا مسه شرر عشقها . . . . فلتشرح لي يابازي الروح يا متمرسا على ساعد المليك . . . فأنا صيدك ، إشرح لي يا أمة وحدك ، أي سبب هذا الذي أوجب الرحمة في موضع القتل وسفك الدماء ، وما الحكمة في إسداء العون للتنين الذي قصد هلاكك ؟
 
( 3802 - 3813 ) : يرد الإمام علي رضي الله عنه قائلا : إنني أسد الحق ، أقاتل من أجل الحق لا من أجل الهوى ، وأنا أمسك بالقوس والرامي هو الله سبحانه وتعالى "وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ، وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى" ( الأنفال / 17 ) فأين ذاتي إن كان ثم ذاته ؟ وكل ما خلا الله باطل ولا وجود له ، وأنا بالقتل أحيى موتى الجهل ، وأخلصهم من علائق الجسد ، وسيفي مليء بجواهر الوصال ، لامع بالنور مهما سال عليه الدم ، وأنا مجرد حاجب على الباب ، ولست صاحب الأمر والنهي ، لكتي أفتح الباب لمن أراه جديرا بالوصول إلى صاحب الأمر والنهي . . . وأنا برئ من القوة الغضبية ، لست قشة تقتلعني كل ريح ، بل أنا جبل من الحلم والصبر والعدل ، وإنما قوتي بالإيمان . . . وأنا

 
« 585 »
 
جبل به ، لكني قشة في يد تصريفه ، فلا حركة لي إلا بريحه ، ولا عشق عندي لسواه ، والغضب ملك على الناس ، مسيطر على الملوك ، لكنه غلام عندي " ليس الشديد بالصرعة ، لكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب " ( بأسانيده : أحاديث مثنوي / 16 ) . . ( وفي هذا المعني هناك حكايات عن ديوجين وسقراط وغيرهما في الكتاب الثاني من المثنوى البيت 1469 وما يليه ) ( استعلامي 1 / 422 ) 
 
( 3815 - 3829 ) : وأنا أرى غضب الله رحمة ، لأني ناظر إلى العاقبة ، ومهما حرمت من لذات الدنيا ، فأنا أرى نور الله يغنيني عنها كلها ، وبرغم أن اسمي " أبو تراب " ( من أسماء الإمام علي رضي الله عنه - أنظر الترجمة العربية للحديقة ج 1 ص 289 ) ، فإنني أعيش في روضة غناء من الفيض الإلهي ، وإن علة ما قد تدخلت في القتال " يشير إلى بصق خصمه على وجهه " ، وهو ما قد يجعل القضاء عليك غضبا وليس انتصارا لله ، والحب ينبغي أن يكون في الله ، والعطاء ينبغي أن يكون لله " من أعطى لله ومنع لله ، وأحب لله ، وأبغض لله ، وأنكح لله ، فقد استكمل الإيمان " ( أحاديث / 37 ) ، ولذلك فلا تحري عندي ولا اجتهاد ، فأنا أبصر جيدا موضع قدمي ، وأستمد مباشرة من الله تعالى ، وفوق ذلك لا أستطيع أن أقول ما لا يمكن أن تستوعبه أفهام البشر ، فحديثي بسيط على قدر العقول ، وهذا هو ديدن الرسول عليه السّلام " إنا معاشر الأنبياء نكلم الناس على قدر عقولهم " ( أحاديث مثنوي / 37 - 38 ) والأبيات التي تلت عن الشهادة وأحكامها الفقهية ، وضرورة أن يكون الشاهد حرا وليس مملوكا " في الفقه الشافعي والحنفي ، وأجازها الفقه الشيعي إن كان رشيدا بالغا " ( شرح شهيدي / 225 - 226 ) .
 
( 3830 - 3834 ) : ينقل مولانا من الحديث عن العبودية في الفقه إلى الحديث عن العبودية في الطريق ، فمن السهل أن يعتق عبد الشراء ، لكن الأسوأ منه هو عبد الشهوة الذي لا ينفك يسرع خلف شهواته تلهبه بسياطها طوال حياته ، ولا يزال يمد في البئر الذي حفره لنفسه ، ويعمق فيه بحيث ييأس هو نفس من النجاة ، وهذا لأنه هو أسقط نفسه فيه لا هو بالجبر من الله ولا هو الظلم فيه جل وعلا عن الظلم علوا كبيراً ( أنظر الأبيات من 8621 إلى 645 و 942 ومن 952 - 959 و 1475 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحها ) .

 
« 586 »
 
( 3835 - 3839 ) : لو أنني واصلت هذا الكلام ، وكانت آذان القلب والاعتبار مفتوحة فإن الأكباد سوف تتفتت من هذا الحديث وماذا تكون الأكباد ؟ ! إن الحجارة نفسها لتدمى من هذه الأحاديث لكن هناك قلوباً أشد قسوة من الحجارة لا تجدى فيها هذه الأقوال فتيلًا ، فلتندم حين يجدى الندم ، ولتصر دماً عندما يكون لذلك قيمة لا بعد المعرفة بآلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ( يونس / 91 » ، ويعود مرة أخرى إلى قضية الشهادة ، إذا كانت شهادة العبد الرفيق غير مقبولة في الشرع وتحرره من هذه العبودية أمر سهل ، فالشاهد العدل إذن هو الذي لا يكون عبداً لشهوته « الغول » ، ومن هنا صار أفضل الخلق صلى اللّه عليه وسلّم شاهداً على أمتهيا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً( الأحزاب / 45 ) وما كان هذا إلا لأنه حر ابن حر ابن صلى اللّه عليه وسلم من أصلاب أحرار ، وكان صلى اللّه عليه وسلّم حراً من شهوات الدنيا خالصاً منها لا ينظر إليها ولا يأبه بها وصفه على رضى اللّه عنه بقوله : " تأس بنبيك الأطيب الأطهر صلى اللّه عليه وسلّم وآله فإن فيه أسوة لمن تأسى وعزاءً لمن تعزى ، وأحب العباد إلى الله المتأسى بنبيه والمقتص لأثره ، قضم الدنيا قضماً ولم يعرها طرفه أهضم أهل الدنيا كشحا وأخمصهم من الدنيا بطنا ، عرضت عليه الدنيا فأبى أن يقبلها " ( نهج البلاغة ، تحقيق وترجمة الأستاذ شهيدى ص 162 ، وأنظر عن الرسول صلى اللّه عليه وسلّم عند الصوفية أنظر مولوى 1 / 687 - 693 وأنظر الترجمة العربية الحديقة الحقيقة ، ج 1 ، النص 103 - 124 والشروح من 270 - 278 ) .
 
( 3840 - 3850 ) : الحديث على لسان الإمام على رضى اللّه عنه موجها إلى خصمه في القتال : ما دام الله قد أنعم علىّ بنعمة الحرية فكيف أكون عبداً للغضب وأنا أفرغت ذاتي من كل صفات البشرية ، وتخلقت بصفات الربوبية ، ومن صفات الإله أن رحمته قد سبقت غضبه ( رحمتي سبقت غضبى ) أنظر 2684 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحه ) : هيا أدخل في الإسلام فقد لحقت بك عناية الحق ، وشملتك كيمياء تبديله ، وحولتك من حجرية القسوة والكفر إلى جوهر من جواهر الإيمان ، فتقدم خطوة في عالم معرفة الحق وتخيل كالوردة . . . فأنا وأنت قد صرنا واحداً . . . نمضى في طريق واحد وقد تفاهم قلبانا وصار كل منهما يعكس الصور على الآخر . . . ولا تقنط من معصيتك السابقة وكفرك . . . فهذه المعصية وهذا الكفر هما السبب في إيمانك ، فلو لا أن تصديت

 
« 587 »
 
لي بالقتال لما جئت إلى ساحة الإيمان . . . وهناك أمثلة عديدة في هذا المجال : إيمان السحرة لفرعون وقيامهم لنصرته جرهم إلى لقاء موسى والوصول إلى الإيمان بالله ونصرة موسى ، عداوة عمر الشديدة للرسول صلى اللّه عليه وسلّم وعزمه على قتله هو الذي جره إلى بيت أخته وقراءته سورة طه وميله إلى الإيمان ثم بحثه عن الرسول صلى اللّه عليه وسلّم لا ليقتله بل يؤمن به ( أنظر الترجمة العربية للحديقة البيت ، 3056 وشرحه ) فرب معصية يقطع بها المرء في طريق الإيمان طريقا لا يستطيع قطعه بالطاعات " وطويت السماء في لحظة واحدة " فرب عاص تائب ذليل في حضرة الحق أقرب من مقيم على الطاعات مدل بطاعته متكبر بها آمن من مكر الله جل وعلا . وجاء في الحديث : أن الرجل ليذنب ذنباً يدخل به الجنة ، قالوا كيف يا رسول الله ؟ ! قال : يكون نصبا بين عينيه ويتوب منه ( أحاديث مثنوى / 38 ) .
 
( 3851 - 3855 ) : والله تعالى هو القائلوَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ، إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ( يوسف / 87 ) فجعل اليأس من رحمة الله كفراً ، وقطع عنق القنوط ، بل إن سيئاتك نفسها يبدلها الله إلى حسناتإِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ( الفرقان / 70 ) هذا برغم المعاصي ، فإذا بالشيطان برى أنه كلما زاد ابن آدم في المعصية كان كأنه يجمع في الحسنات إن تاب ، بل ويزيده الله من فضله .
 
( 3859 ) : يواصل الإمام على رضوان الله عليه الحديث مع خصمه : كيف أقتلك لمجرد أنك بصقت في وجهي . . . وأنا الذي كنت أعرف قاتلي ولا أفكر في أن أمسه بسوء ؟ ! ! والرواية التي يقدمها مولانا هنا فيها تصرف كثير ( لم تكن الرواية في حد ذاتها تهمة بقدر المعاني الذي يريد استنباطها منها ) فلم يكن عبد الرحمن بن ملجم سائساً عند الإمام على رضى اللّه عنه ، ولم يسلم أصلًا إلا في عهد عمر رضي الله عنه ، وقاتل إلى جوار على رضى اللّه عنه في صفين ، ثم انقلب عليه حين قبل التحكيم ، وكان من أشد الخوارج عداء له ، واستغل الخوارج هذه العدواة لتكليفه هو بقتل على ضمن الثلاثة الذين كلفوا بقتل على رضى اللّه عنه ومعاوية وعمرو بن العاص على أساس أن هذا هو السبيل الوحيد لإخماد الفتنة ( أنظر الترجمة العربية للحديقة ، الأبيات 3450 - 3475 وشروحها ، وأنظر مقاتل الطالبين لأبى مخنف لوط بن يحيى الأزدي ص 20 ، من ط - النجف 1353 ه - ) ورواية أن
 
 
« 588 »
 
الرسول صلى اللّه عليه وسلّم أخبر علياً رضى اللّه عنه بأن قاتله هو عبد الرحمن بن ملجم فقد ورد في حديث " روى الهادي عن عثمان بن صهيب عن أبيه أن رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم قال لعلي : من أشقى الأولين ؟ قال : الذي عقر الناقة ، قال صدقت ، فمن أشقى الآخرين ؟ ! قال : لا أدرى ، قال : الذي يضربك على هذا يعنى يافوخه فيخضب هذا يعنى لحيته ، هو عبد الرحمن بن ملجم من قبيلة مراد " ( مولوى 1 / 696 ونقل فروزانفر في مآخذ 38 - 39 روايات أخرى كما ذكره السيوطي في اللآئى المصنوعة ) . وأقرب الروايات الثابتة ما روى عن عمر رضي الله عنه عندما تهدده أبو لؤلؤة المجوسي وقيل له إن الرجل قاتلك فاقتله ، فقال : ويحكم ، وهل سمعتم عن قتيل قتل قاتله ؟ ! ! ( 3866 ) : إشارة إلى الحديث " جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة " والمعنى هنا يشير أن ما قدر في علم الله قائم بلا حيلة ( هناك تفسير آخر للحديث في الكتاب الخامس ، أنظر الأبيات 3133 - 3149 وشروحها ) .
 
( 3867 - 3847 ) : لا تزال الروح الجبرية مسيطرة على مولانا ويوجه الإمام على رضى اللّه عنه الحديث إلى سائس خيله : اذهب فأنا لا أحس بأي بغض تجاهك . . . فأنا أعلم أنك أداة في يد الحق ، أنت أداة تنفيذ لا أكثر ولا أقل والفعل من الحق ؟ ! ويقول السائس : إذا كان الأمر كذلك فلم القصاص إذن ما لم يكن لي دخل في الأمر ؟ ! فيقول الإمام : إنه هو الذي يقتص أيضا ، الفعل منه والقصاص منه ، وهو الخليق بأن يعترض على فعله وينقضه ويثيب أو يعاقب عليه ، لأنه الواحد الأحد « لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون » وأقرأما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ( البقرة / 106 ) ، ( أنظر بيت 1683 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 3875 - 3880 ) : وهذه هي سنة الله في خلقه ، وأنظر إلى نسخه للشرائع التي نزلت قبل شريعة المصطفى صلى اللّه عليه وسلّم وذلك لكي يزيل العشب قبل أن ينبت الزهر ، فإن قلت أن الليل ينسخ النهار ويبدو أقل منه فإنك تكون قد أخذت الأمور على ظواهرها ، فمن قال لك أن الليل ليس ذخيرة لنهار ، ففيه يستريح العقل ويهمد الجسد ويجددان نشاطهما . . . وان المرء ليسكت قليلا قبل أن ينطلق منه الصوت " ورب صمت خير من الكلام " . . . وكثير من الظواهر تبدو بأضدادها ونور
 
 
« 589 »
 
الله يتجلى في سويداء القلب . . . وما هي السويداء ؟ ! ! نقطة سوداء في داخل القلب ! ! 
( 3881 - 3891 ) : في التحطيم والخراب قد يكون العمران الكامل ( أنظر الأبيات : 306 - 311 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحها ) . . . ومن هنا فقد كانت الحروب التي قام بها الرسول صلى اللّه عليه وسلّم أساسا لإقرار الدين والسلام الشامل . . . وصلح آخر الزمان ( الصلح الشامل والعدالة الشاملة بظهور المهدى وحربه مع الدجال وسيادة الإيمان ) يكون من الحروب التي تسبقه . . . وألا يقتلع البستاني الأعشاب الضارة لتنمو في مكانها أشجار ؟ ! ! وكل الحرف قائمة على الهدم من أجل البناء ومن أجل الاعمار والاصلاح . . . ومن هنا فالزيادة في النقصان . . . وأنظر إلى الشهداء أليس في موتهم وقتلهم حياة الأبد ؟ ! ! ألا تمتد الدماء التي تسيل منهم في عروق الأمة ؟ ! ! وهم هم أنفسهم يبدأ رزقهم الأبدي بمجرد قتلهموَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ( آل عمران / 169 - 170 ) أليس في ذبح الحيوان حياة للإنسان ؟ ! ! فما بالك إن قطع حلق الإنسان يتولد له حلق آخر ( عن حلوق الأعيان والمعاني أنظر الكتاب الثالث ، الأبيات 40 - 43 وشروحها ولنفس الفكرة ببيان آخر أنظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة ، الأبيات 11385 - 11388 وشروحها ) وان الذي ينجو من العالم الفاني بروحه انما يعيش على الإثبات الذي قام به يوم العهد والميثاق يوم أخذ النطف والإشهاد بالربوبيةأَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى( الأعراف / 172 ) .
 
( 3892 - 3907 ) : الخطاب موجه إلى المتعلق بهذه الدنيا ، والذي يقصر يده عن هذه المعاني ، ذلك أن همته بقدر بطنه وبقدر خبزه ، ويخاطبه قائلًا : أحصل على كيمياء التبديل وحول نفسك الحيوانية إلى نفس سامية ، وأطلب الشئ من موضعه ، وإذا أحدثت علاقتك بالخبز خللا في علاقتك بالحق ، فاطلب مجبرا لكسرك ، وهو جابر الكسيرين ، وفتقه رتق ، ولا يترك كسيرا دون أن يعالج كسره ، وهو أدرى بعبيده ، وهو الذي يستطيع أن يرتق وأن يرفو ، وأن يمزق وأن يخيط ، وهو الذي يطهر الجناة بقصاصه ( فالقصاص حياة للمقتص والمقتص منه ) ، ومتى كان إبراهيم عليه السلام ينزل بالسيف على رأس ولده إن لم يكن يعلم أن في هذا القتل تكمن الحياة
 
 
« 590 »
 
الخالدة . . . ولو لم يشرع الله القصاص لما استطاع أحد أن يتحمل أمر الله . . . لما استطاع عمر رضى اللّه عنه أن يقيم حداً من حدود الله على ولده . . . فلا تطعن إذن في الأشرار واشكر الله سبحانه وتعالى على النجاة ( في حكاية الغامدية بعد إقامة الحد عليها أخذ الناس يتغامزون عليها في المسجد فنهاهم الرسول صلى اللّه عليه وسلّم قائلا : إنها تابت توبة لو وزعت على أهل الأرض لوسعتهم جميعا ) وهنا تتجلى نزعة مولانا جلال الدين الإنسانية - وهي سمة سائدة عند كل الصوفية - وعلى العصاة ومرتكبى الذنوب وانكسارهم وذلهم أمام الخالق .
 
( 3908 - 3917 ) : يواصل مولانا الحديث عن عُجب الصالحين وأمنهم ونظرتهم إلى الأشرار نظرة سيئة فيها احتقار ، وهو يلبس المعاني هنا أشخاص لتجسيدها ، إذ لم أجد مصدرا لهذا الحوار بين آدم وإبليس ، وغيرة الحق هنا لأن آدم أثبت لنفسه وجوداً وحاسب إبليس على زلته ، وهو لا يدرى أنه من الممكن للقدرة الإلهية " أن تقلب الفرو " أي أن تجعل اللطف قهرا والقهر لطفا فتجعل من إبليس توابا أواباً يحيل الله كل سئياته إلى حسنات . وسرعان ما يثوب آدم إلى رشده ، فيعتذر عن خطئه ويطلب من الله العفو والمغفرة ، وأن يثبته في جريدة أهل الصفاء ، وألا يزغ قلبه بعد إذ هداه ، وأن يثبته في مقام القرب فليس أمر على المرء من البعد بعد القرب ، والمنع بعد العطاء ، وليس الطرق غير طريقه إلا إعوجاج في اعوجاج ، ليس ثم طريق فيه الهداية إلا طريقه سبحانه وتعالى ، فالأصل ليس الحول والطول ، لكن رعايته سبحانه وتعالى ، وهدايته لعبده ، وقبوله إياه ، وحمايته له .
 
( 3918 - 3922 ) : إن متاعنا الدنيوي قاطع لطريق متاعنا الأخروى ، وأجسادنا هي التي تسرق متاع أرواحنا ، وأيدينا تسد الطريق أمام أقدامنا . . . نحن الوجود المتضاد : جسد وروح ، طين ونفخة إلهية ، سمو إلى العلا وميل إلى الحضيض ، كله فينا يا رب العالمين ، ولا نجاة إلا باللجوء إلى جمالك والوقوف ببابك ، فإن نجت أرواحنا من أدران الجسد دون اتصال بك ، فإنها تظل دائما في خوف وهلع ، فهي في نجاتها ليست ثابتة ، وفي خلاصها ليست آمنة من الزلل ، لأنها لم تكسب المعركة نهائيا ، ولن تكسبها إلا إذا انفصلت ثم اتصلت ، انفصلت عن الجسد واتصلت بالله ، وإلا سوف تظل عمياء حزينة ميتة وان نجت من سجن الجسد .
 
« 591 »
 
( 3923 - 3938 ) : العظمة لله وحده ، والكبرياء له وحده ، والتنزيه له وحده سبحانه ، كماله يزرى بكل كمال ، وجماله يزرى بكل جمال ، وقدرته تزرى بكل قدرة والقمر والشمس والسرو والفلك والعرش والبحر والمنجم كلها من آياتك أنت ناقصة فانية مؤقته . . . وأنت المنزه عن النقص والعدم . . . وأنت الهادي المضل ، المحيى والمميت ، العاطى والمانع ، الهادم والباني ، ربيعك إلى خريف ، وخريفك إلى ربيع . . . أما نحن فمن نكون ؟ مصنوعين ولسنا بصناع ، مساكين وإن كان لنا بعض فتات الجمال الكلى ، فقراء إليك وأنت الغنى الحميد . . . يصيح كل منا . . . نفسي نفسي وما نحن إلا شياطين في الحقيقة ، إن لم تجعلننا بشراً بإرادتك ، وأرواحنا عمياء ما لم نقدمها إليك ، وكل ما هو سواك نار محرقة ، بل الجحيم نفسه ، وكل من لجأ إلى نفسه النارية ، يكون مجوسيا عابدا للنار ، بل يكون إمام المجوسية زردشت نفسه ( عن زردشت أنظر : إيران في عهد الساسانيين ، تأليف كريستنسن ، الترجمة العربية ليحيى الخشاب ) ، وقال عليه السلام حديث قدسي : يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدونى أهدكم ( أنقروى 1 / 700 ) . الخلاصة فيما قاله ذلك الشاعر العربي القديم ( لبيد ) وقال الرسول صلى اللّه عليه وسلّم عنه أنه أصدق ما قاله العرب قبل الإسلام :ألا كل شئ ما خلا الله باطل * وكل نعيم لا محالة زائل
 
( 3939 - 3952 ) : عودة إلى قصة سيدنا علي رضي الله عنه مع قاتله ، وكل ما ترويه كتب التاريخ أن سيدنا علي رضي الله عنه رفض قتل ابن ملجم لأنه لا قصاص دون قتل . لكن مولانا هنا يسوق حوارا على لسان علي رضي الله عنه ( يشابه الحوار الذي جرى على لسان بلال وحمزة وجعفر رضي الله عنهم الوارد في الكتابين الثالث والسادس ) هذا الحوار قائمٌ على شوق سيدنا على إلى الموت وتوقه إليه واعتباره إياه ميلاداً في حياة أرحب وأخصب وأكثر خلوداً وغنى وثراء . وفي نهج البلاغة " والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدى أمه " ( نهج البلاغة / شهيدى / 13 ) ( قلت يا رسول الله : ما هذه الفتنة التي أخبرك الله تعالى بها : فقال : يا علي إن أمتي سيفتتنون من بعدى ، فقلت يا رسول الله أوليس قد قلت لي يوم أحد حين استشهد من استشهد من المسلمين وحيزت على الشهادة فشق على فقلت لي : أبشر فإن الشهادة لمن ورائك فقال لي : ان ذلك كذلك فكيف صبرك إذاً " ( نهج البلاغة / شهيدى 156 ) وهكذا يفسر مولانا فكرته عند موت الولي على لسان سيدنا

 
« 592 »
 
على فيقول : إن موتى يعزف صنج يوم البعث ( موتنا عرس الأبد ) وهو موت بلا موت أي ليس فيه ذلك الذي يظنه الناس موتا ، فهو حياة في الباطن ، كخروج الجنين من الرحم ، هو قدرة على الاستغناء ( التعبير من سنائى ) . . . انني عاشق للأجل تواق إلى الموت . . . وهذا النهى الموجود في القرآن فيلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ( البقرة / 195 ) موجه إلىّ ، ذلك أن هؤلاء الذين يعتبرون الموت فناءً ليسوا في حاجة إلى النهى ، فالموت عندهم كريه في حد ذاته ، وليسوا في حاجة إلى نهى للابتعاد عنه ( نفس التفسير قدمه مولانا في لسان حمزه في الكتاب الثالث أنظر الأبيات 3431 - 3442 وشروحها ) ومن هنا حلت لي ثمرة الموت . . . فأنا أقول : اقتلونى اقتلونى يا ثقات ( الشطرة للحلاج ) والشطرد الثانية من البيت الثاني وبقية الشعر المذكور بالعربية تصرف من مولانا ) إنه ليس موتا ، إنه عودة إلى الوطن ، عودة إلى المدينة الزاهرة من البادية الخربة ، عودة إلى الجمع بعد التفرقة ! ! 
 
( 3953 - 3954 ) : المقصود بالوقت العبوس والقيامة تلك اللحظة التي يقتل فيها السائس علياً رضى اللّه عنه 
 
( 3955 - 3962 ) : يستنكر سيدنا على رضى اللّه عنه أن يقوم بقتل " قاتله " ذلك بأن ذلك محال . . . لأن القضاء أن يكون هو القاتل لا المقتول ويضيف : لا تحزن فإنني سوف أكون شفيعك ، لأنك قمت بتخليص روحي من سجن الجسد وسجن الدنيا بقضائك على هذا الجسد . . . والجسد لا قيمة له . . .
فأنا أيضاً بدونه الفتى ، ألم يقل عنى رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم " لا فتى إلا على " وألست أنا القائل :السيف والخنجر ريحاننا * أف على النرجس والآس( شهيدى / 282 ) ويتعقب جسده أن يتعقبه بالرياضة ، ومتى يكون الذي تهون الدنيا عليه كل هذا الهوان حريصاً على إمارة أو خلافة ؟ ! ! إنما يريدها ليقيم منها نموذجا يحتذى ولكي يمنحها رونقا آخر ، قال عبد الله بن عباس : دخلت على أمير المؤمنين رضي الله عنه بذى قار وهو يخصف نعله فقال لي :
ما قيمة هذا النعل ؟ فقلت : لا قيمة لها ، فقال رضي الله عنه : والله لهى أحب إلى من إمرتكم إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلًا " ( خطبة 33 من نهج البلاغة ، تحقيق وترجمة شهيدى ص 34 ) .
 
( 3963 - 3971 ) : الحديث المذكور في العنوان " الدنيا جيفة وطلابها كلاب " منسوب أيضاً إلى

 
« 593 »
 
الإمام على رضى اللّه عنه ، وقال فروزانفر ( مآخذ / 39 - 40 ) أن الرواية هنا قائمة على حديث نبوي شريف روى في صحيح مسلم عن أبي سعيد أن رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم جلس على المنبر فقال عبد خيره الله بين أن يعطيه زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده . ووردت تفصيلات في إحياء علوم الدين ( 1 / 171 و 3 / 237 و 4 / 140 و 159 وحلية الأولياء 3 / 256 و 4 / 331 ودلائل النبوة 331 والفتوحات المكية 4 / 686 ) . وذكرت في معرض آخر عندما طعن الكفار في الرسول صلى اللّه عليه وسلّم وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشى في الأسواق ، فضاق قلب الرسول صلى اللّه عليه وسلّم فنزل جبريل وقال : رب العزة يبلغك السلام ويقول لك : وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق . . . إلى آخر الرواية ثم عرضت الدنيا على الرسول صلى اللّه عليه وسلّم فقال بل أجوع يوما فأصبر وأشبع يوما فأشكر . . وأضاف شهيدى ( شرح / 285 ) أن الرسول صلى اللّه عليه وسلّم فيما روى الطبري قالها يوم تقسيم فيىء حنين فقال ما معناه : لا آخذ شئيا من فيئكم إلا خمسي وهو عائد إليكم . . . والمقصود بيوم الامتحان يوم أن صعد الرسول صلى اللّه عليه وسلّم على المنبر في آخر يوم من حياته وقال : " عبدٌ خيره الله بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة " ورواية تزين الحور والجنان نفسها له مقصود بها معراجه صلى اللّه عليه وسلّم ( أنظر الترجمة العربية للحديقة ، الفصل الثالث ) ، والحديث المذكور بالعربية " لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل " ويرويه الصوفية في مجال الاستغراق والمشاهدة ، " وما زاغ " إشارة إلى الآية القرآنيةما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى( النجم / 17 ) ويفسرها الصوفية بأنه قد عرض عليه الكونان فما زاغ بصره عن محبوبه . . . لقد كانت الدنيا هينة في نظره بكنوز الأفلاك والعقول . . . فكيف يطمع في ملك الأرض كلها ؟ ! ! 
 
( 3972 - 3978 ) : إذا ظن أحدهم هذا الظن برسول الله صلى اللّه عليه وسلّم فإنما ينظر من مرآة نفسه ، ويصف إناء بيته ، ويقيس على حرصه وجهله ، وينظر إلى الشمس من خلف زجاجة صفراء فيرى الشمس صفراء ، وكسر الزجاجة الصفراء والزجاجة الزرقاء كناية عن التخلي عما في النفس عند الحكم على العظماء وعن الرأي المسبق ( أنظر 1338 من الكتاب الذي بين أيدينا ) . . . وذلك للتميز بين الغبار وبين الفارس الذي يمتطى الجواد ويختفى بين غباره ( أنظر الأبيات 383 - 385 من الكتاب الثالث وشروحها ) . . . وهؤلاء الذين ينظرون إلى الرسول صلى اللّه عليه وسلّم على أنه جسد ( غبار ) هم

 
 
« 594 »
 
ورثة إبليس إذ ورثوا نظرته إلى آدم . . . وما لم تكن ابنا لإبليس فمتى كان ميراثه يصل إليك ؟ ! ! 
( 3979 - 3987 ) : الحديث على لسان علي رضي الله عنه : لست كلبا اطلب جيفة الدنيا ، بل أنا أسد الحق لا تغريه صورة " يا صفراء ويا بيضاء غرى غيرى " إنما أطلب الحرية من قيد الجسد ، وهذه الحرية لا تتم إلا بالموت " موتوا قبل أن تموتوا " ( أنظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث ) وهذا هو الامتحان الحقيقي ألست ترى أن الله سبحانه وتعالى عندما أراد أن يمتحن صدق اليهود قال لهم :قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ( الجمعة / 6 ) وقالقُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ( البقرة / 94 ) . . . وقد قال الرسول صلى اللّه عليه وسلّم لو تمناه اليهود ما بقي يهودي على وجه الأرض . . . وفي تفسير كشف الأسرار " ولم يتمنه اليهود لأنهم لو تمنوه لماتوا " ( عن شهيدى / 292 ) وفي رواية الطبري في تفسيره " لو تمنوه يوم قال لهم ذلك ما بقي على ظهر الأرض يهودي إلا مات " وفي تفسير النيسابوري " لو تمنوا الموت لغص كل إنسان بريقه فمات مكانه ولا يبقى على الأرض يهودي " ( أحاديث مثنوى / 40 ) والفكرة وردت في مقالات شمس ص 87 ( في كل حال وكل فعل ترى نفسك فيه محبا للموت فهو أمر حسن ، إذن فمن بين عمليين تتردد بينهما ، انظر أيهما أليق بالموت هل يجب أن تجلس نورا صافيا مستعدا ومنتظراً للموت أو تجلس مجتهداً في انتظار وصول هذا الحال ) .
 
( 3994 - 4000 ) : يقول سيدنا علي رضي الله عنه لخصمه الذي بصق في وجهه الشريف : لقد صورك الحق ولم أصورك أنا ، ومن ثم ينبغي أن يكون قتلك من أجل كفرك بالحق ، لا من أجل أن يكون نصفه من أجل الحق ونصفه من أجل الهوى والغضب لنفسي على بصقتك في وجهي . . . ويستخدم مولانا دائما لفظ المجوس كناية عن الكافر ويخاطب الخصم سيدنا علي رضي الله عنه قائلا : لقد كنت عدوا لك أغرس بذور الحقد عليك والجفاء لك في قلبي بينما كنت أنت ميزان العدالة ومحورها . . . وأنت كنت أحن على من أهلي ومن قومي الذين أخرجوني لقتالك فأخسر الدنيا والآخرة ، فإذا بك المصباح المنور بنور الحقيقة تهتدى به الخلق . . . وشمع الدين الذي يضئ الطريق . . . وأنا عبد الله الذي يبحث عن العين التي تراه . . . والذي هو أصل النور الموجود فيك وأنا عبد لبحر النور
 
 
« 595 »
 
الذي أخرج جوهرة مثلك .
( 4005 - 4007 ) : يتوقف مولانا عن قص القصة . . . ويقول أن اللقمة أو اللقمتين اللتين أكلهما قد أصابا جيشان الفكر بالتوقف فيأخذ بعض المفسرين الفكرة على ظاهرها فيرون أن مولانا كان يملى المثنوى في مجلس قد يحضر فيه الطعام وأن هذا الطعام قد يمنع تدفق مولانا أو تحمل المريدين والرفاق ( أنظر 1631 و 1651 و 1972 و 3707 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ( استعلامى 1 / 430 ) بينما يرى شهيدى أن بعض الشارحين قالوا أن السبب هو حزن حسن حسام الدين بسبب فقده لزوجته . . . وخاصة وهو يفتتح الكتاب الثاني بهذا المعنى . . . لكن لأن المعنى تكرر في مواضع عديدة من المثنوى يمكن القول أن التعبير هنا عن قبض ألم به فمنعه من الحديث . . . ( شرح شهيدى ص 298 ) ومن الممكن أن يكون المعنى مرتبطاً بالموضوع الذي يتحدث فيه مولانا عن النبي صلى اللّه عليه وسلّم الذي عزف عن الدنيا وما فيها ، والإمام على الذي عزف عن الإمارة والخلافة فأصبحا موضعا للأنوار الإلهية بينما نحن بلقمة أو لقمتين ننصرف عن عالم المعنى ونضرب في عالم المادة . . . وأقل ما في الدنيا . . . وأقل شهوة صارفة عن عالم المعنى . . . فآدم جعلته حبة قمح يهبط من جنة الخلد ، والذنب وهو في مصطلح الفلكيين نقطة التقاطع الجنوبي للفلك مع منطقة البروج والنقطة الشمالية له الرأس فإذا كانت الشمس في عقدة الرأس والقمر في عقدة الذنب فوقع الخسوف ( شرح شهيدى / 297 ) . . . ومن شدة لطف القلب تمنعه لقمة واحدة عن السير في عالم الأفلاك .
 
( 4008 - 4015 ) : الخبز إن أكل ليقيم الأود فهو يعين على المعنى ، وإن أكل شهوة ولذة ، فإن عاقبته تكون جحودا ونكرانا . . . تماما كالعشب الأخضر والعشب الجاف بالنسبة للبعير ، يربو من الأول ويسمن ، ويمزق الثاني شدقه . . . ينقلب الخيز المغموس في مربى الورد إلى أشواك ونصال . . . ولأنك اعتدت على الطعام الصوري ( الطعام المعنوي طعام أهل الجنة ) أيها الإنسان المدلل المكرم المرفه ربيب الجنة . . . فإنك تأكل على ذكره هذه اللذائذ المادية التي اختلطت بشهوات الدنيا . . . وما أحراك . . . يا من انقلبت من إنسان إلى بعير ، أن تتعفف عنه .
 
( 4016 - 4018 ) : ما هذا الكلام الذي أقول ؟ ! ! لقد فقد كلامي الروح وأصبح ممزوجا بالتراب
  
« 596 »
 
لقد تعكر ماء المعرفة ، فلتسد فوهة بئر المعرفة ( الفم ) ولتنتظر حتى يجعله الله صافيا ، ولا تتعجل ، فبالصبر ستنال ما تتمنى ، والله أعلم بالصواب .
( تم الشرح بحمد اللَّه تعالى )
 
*
تم بحمد الله تعالى رب العالمين
عبدالله المسافر بالله
    

 * * *

الهوامش والشروح الأبيات من 3735 - 4018 على منتدى إتقوا الله ويعلمكم الله 


واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: