السبت، 29 أغسطس 2020

19 - الهوامش والشروح 2628 - 3084 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

19 - الهوامش والشروح 2628 - 3084 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

الهوامش والشروح 2628 - 3084 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الرابع ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

شرح مشورة فرعون مع وزيره هامان في الإيمان بموسى عليه السلام

وقد ذكر مولانا مصدر الحكاية لكنه استدرك بأنها في كليلة ودمنة مجرد صورة لكنها في المثنوى روح ومعنى .
 
( 2206 - 2212 ) السمكة العاقلة الحازمة لم تقدم حتى بمجرد استشارة رفيقتها فهي بعقلها وحزمها أدركت أن مشورة من يقل عقلا أو يعدمه خالية من القيمة وإنه من الممكن أن يثبطاها عما عزمت عليه . .
ومن ناحية أخرى كانت تعلم أنها سوف يحدثانها عن حب الوطن وأن الهجرة عن هذا الوطن أمر صعب على نفسيهما : فالمسافر عليه أن يستشير مسافرا مثله ، استشر عموما من هو
« 538 »
 
في مثل حالتك أو من خبرها أو من مرت عليه ، سل حكيما وسل عالما ، إن هاتين السمكتين سوف تتعللان بحب الوطن وحب الوطن من الإيمان حديث صحيح لكن متى كان المقصود هو هذا المكان الذي نعيش فيه وهل نسيت أن وطنك الحقيقي هو في تلك الناحية ، هو ذلك الذي خلقت أولا فيه ونفيت عنه ومن واجبك أن تعود إليه ، فاقرأ الحديث لكن لا تقرأه مقلوبا ، إن الله يرغبك في أن تعمل لكي تعود إلى وطنك لا أن يكون همك هذا التراب الذي تعيش عليه والدنيا التي تحجب عنك الوطن الحقيقي وقد أشار عبد الباقي ( 4326 ) إلى أن المعنى مأخوذ من قول للإمام على « إن الدنيا والآخرة عدوان متفاوتان وسبيلان مختلفان فمن أحب الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها وهما بمنزلة المشرق والمغرب وما شئ بينهما كلما قرب عن واحد بعد منى الآخر وهما بعد ضرتان ( نهج البلاغة - فيض الإسلام / 1003 ) أدرك هذا وإلا صرت مثل الذي قلب الدعاء عند الوضوء .
 
( 2213 - 2220 ) الخبر الذي يشير إليه مولانا جلال الدين في هذه الأبيات :
إذا أردت الشروع في الوضوء تقول أولا : نويت الوضوء لله تعالى ورفعا للحدث والاستباحة للصلاة ، ثم بعد الاستعاذة والبسملة تقول : اللهم إني أسألك اليمن والبركة وأعوذ بك من الشؤم والهلكة ،
فإذا تمضمضت تقول :
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأعنى على تلاوة كتابك وكثرة الذكر لك ، فإذا استنشقت بأنفك اطلب من الرب الغنى رائحة الجنان وقل اللهم أرحنى رائحة الجنة وارزقني من نعيمها ولا ترحنى رائحة النار ،
وإذا غسلت وجهك تقول :
اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ، وإذا غسلت يدك اليمنى تقول اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبنى حسابا يسيرا ، وإذا غسلت يدك اليسرى تقول : اللهم إني أعوذ بك أن تعطيني كتابي بشمالي وتحاسبنى حسابا
 
« 539 »
 
عسيرا ، وإذا مسحت رأسك تقول : اللهم غشني برحمتك وأنزل على من بركاتك وأظلنى تحت ظل عرشك ، وإذا مسحت أذنيك تقول : اللهم اجعلني ممن يستمع القول فيتبع أحسنه وأسمعنى منادى الجنة مع الأبرار ، وإذا مسحت رقبتك تقول اللهم فك رقبتي من النار وأعوذ بك من السلاسل والأغلال ، وإذا غسلت رجلك اليمنى تقول اللهم ثبت قدمي على الصراط مع أقدام المؤمنين ، وإذا غسلت رجلك اليسرى تقول اللهم أعوذ بك من أن تزل قدمي على الصراط يوم تزل أقدام المنافقين ، وروى عنه صلى الله عليه وسلم « من ذكر الله عند الوضوء طهر جسده فإن لم يذكر اسم الله لم يطهر منه إلا ما أصاب الماء ( مولوى 4 / 306 ) وعند الاستنجاء يستحب أن يدعى الله سبحانه وتعالى بأن يطهر النفس من جنابتها وأن ينقى الباطن من الأدران : اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين واجعلني من العلماء الراشدين واجعلني من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( أنقروى 4 / 499 ) .
 
( 2221 - 2230 ) هذا المثال الساخر ورد في مقالات شمس الدين التبريزي ( مقالات شمس ص 361 مآخذ / 143 ) إن الدعاء صحيح لكن موضع الدعاء خطأ . . وهذه الشطرة ضل فجوة الدعاء أو اشتبهت عليه فجوة الدعاء مما يجرى مجرى الأمثال الساخرة في اللغة الفارسية لمن يطلب الشئ طلبا صحيحا لكنه يطلبه من غير موضعه أو في غير أواه أو للذي يستخدم الشئ في غير موضعه ( انظر داستانهاى أمثال ص 284 )
 ويضرب مولانا هذا المثل لخطأ ذلك الذي يذكر حب الوطن من الإيمان على أساس أن الرسول عليه السلام يقصد به هذا الوطن في الدنيا ، بل هو وطن الآخرة ، كما أن رائحة الجنة بفتحة الأنف وليس بهذه الفتحة الدنيا . . .
وهذا التفسير يمكن أن يكون أبلغ رد على دعاة القومية الضيقة الذين يعبدون التراب ، ويستشهدون بها الحديث
 
« 540 »
 
قائلين إن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا إلى حب الوطن ، غافلين عن أنه إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو إلى وطن ما فهو على الأقل هذا الوطن الذي ينضوى تحت رسالته وهو العالم أجمع أو حيثما يرتفع أذان من مسجد والرأي ما قاله العارفون .
 
( 2231 - 2234 ) تكون الشورى والخطر جاثم وماثل ووشيك ضربا من الحماقة ، أو عندما يكون ما على الإنسان أن يفعله واضحا ولا مجال فيه للاختيار بين رأيين ، فالسمكة العاقلة أو الرجل الحازم العاقل لا يضيع وقتة عند الخطر ، ويضرب المثل في الشطرة الثانية بالإمام على رضي الله عنه وتأوهه في البئر بدلا من أن يفشى الأسرار ، وفحوى الإشارة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أسر ببعض الأسرار إلى سيدنا على . . .
وطلب منه عدم إفشائها وبعد عدة أيام ضاق صدره عن حملها . . فذهب إلى بئر وأسر إليه ببعض ما عنده فتحول ماء البئر إلى دم ومر الرسول بهذا البئر فطلب من بعض صحابته أن يستخرجوا منه بعض الماء . فوجدوه دما فقال صلى الله عليه وسلم ما هذا إلا لأن علىَّ تكلم فيه بالسر ( المولوي 4 / 309 - الانقروى 4 / 503 )
وزاد السبزواري على الرواية إن عليا رضي الله عنه قال حديث طويل رواه كميل آه آه إن هاهنا لعلما جمالو أصبت له حملة ( سبزوارى 4 / 304 ) وقد نظم العطار الجزء الخاص بمرور الرسول على الرسول على البئر في منظومته منطق الطير فقال نزل المصطفى في موضع من الطريق ،
فقال هاتوا الماء للمعسكر من البئر فذهب ثم عاد مسرعا قائلا : إن البئر ملىء بالدم ولا ماء فيه فقال لعله من الألم الذي أصابه عندما بث المجتبى فيه أسراره
( منطق الطير الأبيات 523 فما بعدها ) ويضيف المولوي رواية أخرى إن قصب الناى نبت في البئر فجاء شاب وقطع منه عودا أخذ ينفخ فيه فاسمعه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : يخبرني عن
 
« 541 »
 
الأسرار التي قلتها لعلى والرواية هنا محرفة عن حكاية لسنائى الغزنوي وردت في الحديقة ( انظر حديقة الحقيقة وشريعة الطريقة الترجمة العربية ص 46 ) منسوبة إلى حلاق الإسكندر الأكبر والمراد هو حبس الأسرار عمن لا يستحقها من ناحية وحبسها عند الاستماع إليها على أساس أن « قلوب الأحرار قبور الأسرار » ، كما أشار سنائى إلى الواقعة في شطرة واحدة من البيت 3302 من الحديقة وقليل من يستحقون هذه الأسرار فتوار كالعسس وسر ليلا وليحفك ظلام الليل إن كنت غير أهل للأسرار وجاهد في ترك هذا الجدول ذي الماء الآسن واطلب بحر الحقيقة المحيط ( لبحر المعنى انظر 1 / 295 وما بعده ) .
 
( 2235 - 2237 ) ما أقرب التعبير هنا إلى محتوى الحديث النبوي الشريف ما رأيت مثل النار نام هاربها ولا مثل الجنة نام طالبها ( مولوى 4 / 310 - انقروى 4 / 504 ) .
 
( 2245 ) الحكاية التي تبدأ بهذا البيت من المأثورات المشهورة وردت في كتب كثيرة من أمثال العقد الفريد لابن عبد ربه وحلية الأولياء ( ج - 4 / ص 316 ) وإحياء علوم الدين وكتاب الأذكياء لابن الجوزي كما نظمها العطار في إلهي نامه ( مآخذ 144 / 145 ) .
 
( 2271 - 2273 ) إشارة إلى الحديث النبوي الشريف حاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا وموتوا قبل أن تموتوا . وقد مر تفسير الموت قبل الموت في الكتاب الثالث ( شرح الأبيات 3762 - 3768 ) ويريد مولانا هنا بالموت بالغنى أي الموت بمغريات الدنيا من ناحية والموت الاضطراري أي موت البدن دون توبة أو رجوع .
 
( 2282 - 2283 ) قال تعالى في سورة الملك «وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ
 
« 542 »
 
الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها : أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ؟ قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ» ( آيات 6 - 9 ) .
 
( 2287 - 2300 ) قال تعالى «وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ( الأنعام / 27 - 28 )
ويجرى الحوار بين العقل والسمكة الحمقاء وهو في الحقيقة بين العقل وكل أحمق قلبه غلف لا يعرف العذاب إلا عندما يرى نفسه فيه ، وذلك لغياب عقله ، والخطاب موجه إلى السمكة وإلى كل أحمق : اذهب يا عديم القيمة فإن هذا التمني أيضا ليس من العقل فهو من قبيل تمنى المحال « كلا وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» ( سورة المؤمنون / آية 100 )
 
فهذه الفراشة تعود إلى النار مهما تدفع عنها ، ومهما تذق من لهيبها ، والندم أيضا من أمارات الحمق فهو لا يغير من الحقيقة شيئا ، وهو أيضا من ألم العقاب لا من ألم الذنب ، وهذه التوبة ليست في محلها وإنما تكون التوبة قبل التعرض للعقاب . .
إنما تكون التوبة من قريب وإلا فإن الذي ينتظر التوبة حتى الموت كالذي يسخر من خالقه وعندما يذهب الألم عنه ، يمضى ندمه وتمضى توبته كالقائل قولا بليل ( ليل الألم والعذاب والظلام ) فإذا طلع عليه النهار نسي ما بدر منه من ندم وتوبة ومن ثم فإن العقل يرد عليه ( ولو ردوا لعادوا ) .
 
( 2300 - 2306 ) ينشد مولانا الحقيقة دائما ، فيرى أن هناك ما يشبه العقل وليس بعقل ، بل هو وهم يبدو كأنه عقل ، كما يبدو الزيف كأنه ذهب ولهذا الوهم يحاول أهل الباطل قتل الحقيقة كما جادل فرعون موسى عليه السلام .
ويقول السهروردي في هياكل النور الوهم ينازع العقل حتى إن المنفرد يبيت بالليل يفر منه عقله ووهمه حتى ربما يغلب تخويفه ، فينفرد الإنسان وهو يخالف العقل في أمور غير محسوسة حتى أن الذين يتبعون قضاياه ينكرون
 
« 543 »
 
ما وراء المحسوسات » ( أنقروى 4 / 515 ) الفيصل إذن في التمييز بين العقل والوهم عند صاحب الهياكل أن صاحب الوهم ينكر ما وراء المحسوسات ، وعند مولانا محك آخر فإن الذي يدبر من أجل شهوات الدنيا ليس عقلا بل هو وهم . . . على أساس أنه يدبر ويفكر في الزيف والوهم . . وهناك محك آخر يقدمه مولانا : اعرض أفعالك على معيار القرآن وأحوال الأنبياء ، وها هو العقل يخاطبك : إن تعرض نفسك على هذا المحك سوف ترى نفسك لست أهلا لطريقتى ، ولا صبر لك على ما أمليه عليك . . لكن العقل الحقيقي إن تعرض لأشد أنواع العذاب حتى لو قسم بالمنشار فهو يضحك لأنه يعلم أن هذا البلاء مخصوص به الأولياء وأنه دليل على صدق معدنه ( انظر الكتاب الثالث / 1511 - 4120 - 4123 ) .
 
( 2307 - 2321 ) يجسد مولانا المعاني ليقربها فموسى عليه السلام هو العقل ، اما الوهم فهو فرعون الذي أحرق العالم بنيران ظلمه وجبروته وتعديه على العباد وجرأته على الحق ، وهكذا يدير مولانا حوارا بين موسى وفرعون :
فرعون لا يرى من موسى إلا ما يعرفه عنه وهو الذي رباه ولا يعرف عنه شيئا يذكر ( الوهم ) وموسى يحاول ان يفهم فرعون أنه وجود غير الذي رباه ، وانه وهب ما لم يكن آلاف الفراعين يستطيعون ان يهبوه إياه دون فائدة ، ان فرعون يسأله : من تكون ؟ !
قال له : « إني رسول من رب العالمين » لكن هذه النسبة بالذات لا يريدها فرعون فيقول له : دعك من هذا الادعاء أذكر نسبك القديم عندما كنت تعيش بيننا ، يجيب موسى بأن النسبة الحقيقية له أنه عبد الله من نسل عبيد وإماء وأنا من تراب ومرجعي إلى التراب مثلك تماما أيها المهول فهذا هو نسبك أيضا الذي خرجت منه ، ومرجعنا جميعا إليه سبحانه وتعالى يوم لا أنساب بينهم ولا يتساءلون ، أنسابنا واحدة نحن الأنبياء والعصاة ونحن جميعا
  
« 544 »
  
من هذه الناحية أكفاء غير أن فرعون يريد أن يذكر موسى عليه السلام بأنه كان مجرد عبد لهأَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ( الشعراء / 18 - 19 ) بل أنت عبد متمرد عاص هربت من وطنك بعد جريمتك المشئومة ، إن كلام فرعون كله واضح الصدق لكنه بعيد عن الحقيقة وأقرب إلى الوهم ، كل القياسات التي يقدمها صادقة وذلك لأنه لا يعلم أن موسى عليه السلام أصبح عبدا ربانيا .
 
( 2322 - 2340 ) ينفد موسى عليه السلام خطاب فرعون إليه إلى أي مدى هو كاذب رغم لهجة الصدق التي يتحدث بها ، فموسى هو عبد الله وحاشا أن يكون عبدا لسواه ، وحاشاه أن يكون له شريك في ملكه ، ثم إن الله هو خالقه ولا يستطيع فرعون أن يصور حاجبا واحدا من حاجبيه ، فمن أين يستطيع أن يعرف ما يدور في روحه ، ثم إن فرعون هو الطاغية المشئوم لأنه يدعى الملك مع الله ، ثم إن فرعون الملوث الأيدي بدماء الآلاف من آل يعقوب يعير موسى بفعلة واحدة لم يفعلها عن عمد أو عن قصد لقد وكزه فقضى عليه ومتى كانت الوكزة تقتل انسانا لا يريد الله سبحانه وتعالى له أن يقتل ؟ لقد قتلت كلبا كافرا . . .
 
وقتلت أنت آلاف الأبرياء ، وكنت أنا المقصود ولكن الله سبحانه وتعالى اجتبانى واصطفانى برغمك . وهكذا عندما يفحم فرعون لا يجد ما يقوله امام الناس ، إلا أن موسى عليه السلام أساء الأدب . .
لقد حط من كرامة فرعون أمام الناس ، انه لم يفكر في يوم الحشر العظيم ، انه سوف يذل أمام الخلق أجمعين وهكذا فإن النفس الفرعونية في كل عصر وكل أوان ، داخل كل لباس . .
عندما تحصر ولا تحار جوابا لا تملك إلا أن تتوسل بظاهر المبادئ الأخلاقية وكيف يجرؤ على من رباه ؟
وإن لم يكن قد رباه كيف يجرؤ على كبير القوم ورب الأسرة ؟
كيف يحطم ما بناه رب الأسرة ؟ وكيف يخرب بنيانه ؟ إن هذا المنطق يغفل عن نقطتين
 
« 545 »
 
مهمتين : الأولى أنه لا شئ يعلو على الله وإذا كانت القضية حق الله وحقوق الناس فلا كرامة لأقرب الأقربين : «قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ» ( التوبة / 24 ) .
 
هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى : فإن ليس كل هدم تراه بالهدم وغالبا ما تكون العناصر الهدامة تسعى في هدم بناء واه لكي تقيم مكانه صرحا عاليا ، والبقاء في الفناء فكرة دق عليها مولانا جلال الدين كثيرا وهي الفكرة الجامعة للكتاب الثالث
 
( انظر مقدمة الكتاب الثالث ) ، كما وردت في الكتاب الأول بشكل مختصر « وصحة حسن الدنيا تجىء من سلامة البدن وأما صحة حسن الدين فتأتي من خرابه وأن طريق الروح يخرب الجسم لكنه يعود فيعمره بعد هذا التخريب ، فهو كمن خرب دارا من أجل كنز من الذهب ، ثم زادها عمرانا بذلك الكنز ذاته ، أو كمن قطع الماء وطهر مجرى النهر ثم عاد وأجرى ماء الشرب فيه ، « أوكمن » شق الجلد وانتزع منه رأس الحربة فنما على الجرح بعد ذلك جلد جديد ، أو كمن هدم القلعة وأخذها من الكفار ثم أقام على أرضها مائة برج وسد ، ومن ذا الذي يصف من لا شبيه له ؟
إن ما قلته ليس إلا ما تمليه الضرورة ( الأبيات 305 - 311 من الكتاب الأول )
وانظر أيضا مثال قيمة الحرص في الكتاب الثالث
( الأبيات 4159 وما بعده ) ( 2341 - 2354 ) ورد هذا المثل في مقالات شمس الدين التبريزي ( 295 ) ( مآخذ / 146 ) ويضرب مولانا أمثلة عديدة من الواقع المعاش :
حراثة الأرض :
جراحة التقيح ، والخياط عندما يقطع الملابس والأدوية عندما تدق والقمح عندما يطحن ليكون دقيقا ، وكل بناء قديم يراد تجديده ، أجل كل بناء قديم يراد
 
« 546 »
 
تجديده لا بد وأن يهدم هذا البناء من البداية لكي يقام البناء الجديد خاليا من كل عيوب البناء القديم . . دعك من كل الألفاظ والمصطلحات المعاصرة كالأصولية والراديكالية وما إليها ، فهذه هي روح الإسلام الحقيقية ، كل واقع جديد لابد وأن يقوم على أنقاض القديم ، وألا يقبل الرسول أن يحكم عاما وقريش عاما آخر . .
 
أو لتنازل لهم عن بعض ما كانوا يطالبون به من مسائل قد لا تمس روح الدين ، لكن الأمور كلها لا تتجزأ ، ولست أقول إنها روح الاسلام فحسب لكنها أيضا روح الفطرة التي يدق عليها مولانا جلال الدين كثيرا . .
فالعالم كله في حالة تهدم وبناء ، وقديم يمضى وجديد يأتي ، وكل شئ هالك الا وجهه .
إن ما يظنه فرعون تخريبا من موسى وحطا من شأنه هو في الحقيقة عمل من شأنه أن يعلى من شأنه ويخلصه وهو السمكة الحقيرة من شص الدنيا والإصرار على الذنب الذي أمسك بحلقها ، وعلى المستوى الصوفي والتربوي النفسي : عدم الوجود المادي يؤدى إلى عمران الوجود المعنوي ( انظر 1 / 1897 - 1906 وما بعدها ) .
 
( 2355 - 2359 ) لا يزال الحديث موجها من موسى عليه السلام أو العقل إلى فرعون لعنه الله أو الوهم : لقد جعلت من نفسك حية تسعى ذات فحيح وهي مجرد دودة ، وهذا هو فعل الوهم وهو أن يضخم الشئ الحقير التافه ويجعله كبيرا ، ويجعل المرء الهالك الميت يظن في نفسه ما ليس فيها حتى ينقلب إلى فرعون ، ولأن دودة فرعون نفسه قد صارت أفعى ولأن فرعون الذي لا يزيد عن دودة قد ظن بنفسه أنه أفعى فقد أحضر الأفعى من أجله ، فلا يصلح للأفعى إلا الأفعى ولا يكسر حية النفس الفرعونية إلا حية موسوية فإن رضيت يا فرعون نجوت من هاتين الحيتين حية نفسك وحيتى .
 
« 547 »
 
( 2360 - 2375 ) رد فرعون على موسى انه ألقى بسحره في الأرض الفساد وفرق بين الخلق ( انظر الكتاب الثالث شرح الأبيات 1067 - 1085 ) ، لكن موسى يفرق بين ما يراه سحرا وبين الاستغراق في الرسالة الإلهية الذي يجعل من موسى مخلوقا إلهيا ساعيا بالله ناطقا به وليس مجرد ساحر . وشتان ما بين الرسالة والسحر ، فالسحر من الغفلة والكفر ، وأي شبه لي بالسحرة ومتى كانت أنفاس الساحر تحيى الموتى ، ومتى كانت الكتب المنزلة تستضاء بنور السحرة ، ان هذا الذي يظنه فرعون في موسى ليس إلا من أوهام فرعون التي تستنكر على موسى الرسالة ، وانه إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يلقاه من توهم ، إنما ترى العالم كما تكون ، فإذا كنت دائر الرأس ترى المنزل يدور بك .
 
وإذا كنت في سفينة تسير بك في اليم فذلك ترى الساحل يسير بينما تكون أنت السائر لا الساحل ، وأنت في الحرب في ميدان القتال عندما يضيق بك الحال ألست ترى الدنيا أيضا قد ضاقت بك في حين أن الدنيا هي الدنيا بل الضيق نابع منك أنت ، أنت الذي يمكن تحس بهذا العالم كأنه روضه ومن الممكن أن تحس أنه مجرد سجن لك وأنت ترى من العالم ما يفيض من داخلك أنت وهذا المثال ورد في معارف بهاء ولد ( 1 / 234 )
 
قلت لنفسي : إذا كنت خربا فكل العالم المعمور خراب وإذا كنت ضياء فكل الظلمات ضياء وإذا كنت متعبا فكل ألوان الراحة تعب وإذا كنت عامرا فكل أنواع الخراب عمران المدرك والمدرك من جنس واحد فإذا كنت فانيا عن نفسك يكون العالم أمامك فانيا ، وإذا كنت باقيا يكون العالم أمامك باقيا ، وإذا صرت نورا يكون العالم نورا لا أرضا ولا سماء ولا عناصر ولا مواليد كما يقول القائل في مقام الشهود لا إلا ولا لا كل ما يبدو للنظر هو الله هو الله هو الله . .
إن المكرم يرى كل شئ مكرما وهكذا ترى العين الطاهرة فمدرك النور يرى نورا ، ومدرك الظلمة يرى الظلمة وما أصدق ما يقول مجد الدين سنائى » الصوفية يقيمون كل نفس عيدين . . بينما تقدد


« 548 »
 
العناكب الذباب ( سبزوارى 4 / 305 - 306 ) وهكذا يستمر مولانا جلال الدين في تقصى فكرته : لا بالسفر ولا بالإقامة فحيثما ذهبت لا ترى إلا ما يفيض من نفسك ، وما تكون هذه النفس مهيأة لرؤيته أنه كاللحم القديد المنشور على وتد الطبيعة . . هل يتغير هذا اللحم وهل يحس وهل يبدر منه ما يدل على أنه موجود ! ( 2380 - 2383 )
لكنك إذا كنت في أرض تخرق فيها الأسباب والعلل لا يرتبط ما فيها بمنطق الأشياء وبما يفيض من النفس إلى الخارج ، فأنت قد أصبحت في أرض الله ، وأرض الله توصف بأنها واسعة حيث تفنى المظاهر وما يرتبط بها من أسباب أو علل ، هي أرض القلب حيث تتفتح العوالم الرحبة ، وحيث تتبدل صورها هي أمامك كل لحظة ، لا بتلك الصور التي تنبت من وهمك ومن ظنك ومما تفيض به نفسك ، وكأنها تلك الصور التي يراها عالم الأرواح . .
 
ان هذا الحسن من التبدل الذي يطرأ عليها ، من الجديد الذي تبديه لك كل لحظة وأخرى ، فلو أن الجنة نفسها كانت ثابتة الصور لا نقلبت إلى صورة قبيحة من دوامها واستمرارها على وتيرة واحدة ، فإن اللذة في التغير لكن ليس التغير على عواهنه ، بل التغير الذي تسيطر عليه الروح والذي يكون تابعا للقلب ، هذه هي النعمة التي لا توصف .
 
( 2384 - 2399 ) وإذا كنت لا تصدق ان المدركات الروحانية تختلف من إنسان إلى إنسان ، فأمامك في خلقتك أنت الدليل ، هذه الحواس وآلاتها المركب فيك : فلا الأنف يستطيع أن يبصر ، ولا العين تستطيع أن تشم ، ولا الأذن تستطيع أن تلمس ، كل آلة من هذه الآلات أستاذة في فنها ، لكنها إن كانت معطوبة أو تشكو آفة ما فإنها لا تدرك المدركات إدراكا صحيحا مهما كانت هذه المدركات صحيحة ، إن عين الأحول لا ترى الوحدانية ، هي دائما في شرك ( انظر
 
« 549 »


مثالا على هذا الكتاب الأول ، فهذه الحواس إذن في حاجة إلى غسل حتى تكون طاهرة ولا تريك إلا الطاهر ، وهذا ما يسمى عند الصوفية بتطهير الثياب : ذكر عن أبي الحسن الخرقانى رأيت رسول الله في النوم فقال لي يا أبا الحسن طهر ثيابك من الدنس تحظ بمدد الله في كل نفس ( انقروى 4 / 515 ) والكلام لا يزال لموسى : وحتى تدرك يا فرعون أن هناك فرقا شاسعا بيني وبينك لا تنظر إلى بعينك ولكن انظر إلى بعيني أنا . . ترى عالما من العشق ، وهذا عندما تنجو من البدن ومن آلات البدن ومن الاثنينية .
 
( 2400 - 2411 ) عندما تنجو من البدن فإن كل قوانين البدن تنعدم ، ومنها تلك القوانين التي تحكم كل اله بأن تدرك جانبا من المدركات فتستطيع الأذن والأنفس أن تكون عينا ليس هذا فحسب بل كما قال ذلك الملك حلو البيان « إن كل شعرة من شعور العارفين تنقلب إلى عين ( انقروى 4 / 539 ) قال جعفري انه أبو اليزيد البسطامي ( 10 / 419 ) وقال استعلامى انه أبو اليزيد البسطامي اعتمادا على رواية وردت في تذكرة الأولياء لقد هتف به جزاء عبادته ثلاثين عاما : يوم القيامة أحول وجودك الجسدي إلى ذرات وأهب كل ذرة منها بصيرة ( 4 / 320 )
وما أشبه البيت بما ورد عند ابن الفارض :
فكلى لسان ناظر مسمع يد * لنطق وادراك وسمع لبطشت
فعينى نامت واللسان مشاهد * وينطق منى السمع واليد أصغت
وسمعي عين تجتلى كلما بدا * وعيني سمع ان شدا القوم تنصت
ومنى عن يد لساني يد كما * بدى لي لساني في خطابي وخطبتي
كذاك يدي عين ترى كلما ترى * وعيني يد مبسوطة عند بسطتى
وسمعي لسان في مخاطبتى كذا * لساني في اصغائه سمع منصت
( أنقروى 4 / 538 )
 
« 550 »
 
ألم يكن هكذا الجسم في البداية عندما كان جنينا دون عين ؟ ! فهل تظن أنت أن النور من هذه الشحمة ؟ ! والشيطان يرى والجنى يرى دون هذه الشحمة المسماة بالعين ، فليست هذه الشحمة إذن هي السبب في الرؤية وإلا ما رأت العين شيئا في النوم ، إنما يضع الله فيها النور ، فليست الشحمة إذن هي سبب النور وإلا فأية صلة للانسان المخلوق من التراب بالتراب ، وهل الجن يشبه النار ؟
والطير من الهواء فهل يشبه الهواء ؟ ،
إن هذه الفروع منسوبة إلى أصلها بلا كيفية ، والافاى شبيه للتراب مع الانسان أو الانسان مع التراب ؟ ! !
إن كان ثمة شبه فهي مخفية عن العقل ، إنها بلا كيفية وكيف يفهم العقل ما لا كيفية له .
 
( 2412 - 2422 ) الموضوع المفضل عند مولانا جلال الدين : كيف تعطى الجمادات الإدراك من لدن الله مباشرة ، والدليل على ذلك أنه سلط الريح على قوم عاد فكانت تفرق بين المؤمن والكافر ببصيرة ممنوحة من الله سبحانه وتعالى ، وإذا لم تكن هناك بصيرة عند نار النمرود فكيف عرفت إبراهيم الخليل وامتثلت للأمر ولم تحرقه ؟
وإذ لم يكن للنيل هذه البصيرة فكيف كان تتحول دما لآل فرعون ويظل على طبيعته المائية لقوم موسى ؟
وكيف أوب الجبل مع داود إن لم يكن له سمع وبصر ونطق ؟ !
وإذا لم يكن لهذه الأرض عين وروح فكيف ابتلعت قارون وما رأيك في الجذع الحنان ؟
وفي الحصى الذي نطق بنبوءة محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ، وإذا لم تكن تصدق فاقرأ «إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَهافكيف تزلزل الأرض إن لم يكن عندها حياة وإحساس ؟ !
 
( 2423 - 2434 ) الخطاب ما زال لفرعون ومولانا شديد الاهتمام بقصة موسى وفرعون على أساس أن فرعون وموسى موجودان في كل جبلة وفي كل ذات يتصارع هذان القطبان المتنافران ( انظر الكتاب الثالث شرح الأبيات 975 و 1259 و 971 و 1252 ومقدمة الترجمة العربية للكتاب السادس ) ، إن مجرد
 
« 551 »
 
إرسالى إلى مثلك أميرا لدليل على أن الله سبحانه وتعالى لطيف وخبير يعلم بأنك على كثرة ما عندك إنسان ضعيف في حاجة إلى هداية ، وهو يرى أن داءك الوبيل الذي لا شفاء منه يحتاج إلى هذا العلاج أي العصا ، بهذه العصا سوف يكسر قرن وقاحتك وجبروتك ، وقد أنذرك الله وحذرك وأبدى لك من الواقعات المخفية ما كان فيه رادع لك لكنك أولتها كلها واعتبرتها أضغاث أحلام من النوم الثقيل وعميت عن فحواها ، وصرت أصم عن سماع النذير فيها ، وسار منجموك وبحثوا لها عن أسباب أخرى غير طغيانك وكفرك ذلك لأنهم رأوك لست مجرد طالب نصح مسكين ، بل خافوا منك لجبروتك وظلمك وتعطشك للدماء ، فسددت على نفسك بذلك أبواب النصح ومضيت في وادى الهلاك .
 
( 2435 - 2436 ) والملك الحقيقي هو الذي لا يسفك الدم إلا لمصلحة ، والذي تخلق بخلق الله فتسبق رحمته غضبه ، كما ورد في الحديث القدسي سبقت رحمتي غضبى .
 
( 2441 - 2445 ) هذا مثال على أساس أن أهل الدنيا عندما يأنسون غفلة من أهل الدين يهاجموهم هم ، ويحاولون قطع الطريق عليهم حتى في الأصلاب والأرحام ، كما فعل فرعون عندما أراد أن يمنع ميلاد موسى ( لتفصيلات في الكتاب الثالث شرح الأبيات 840 - 845 ) ،
وهذا على أساس أن المسلم إن لم يغز غزى هو في عقر داره ، وفي خطبة للإمام على رضي الله عنه : ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا وسرا وإعلانا وقلت لكم أغزوهم قبل ان يغزوكم فوالله ما غزى قوم في عقر دارهم إلا ذلوا ( عن جعفري 10 / 463 )
وهكذا عندما حلم أهل الروح على فرعون ، تجرأ بطبيعته الخسيسة وأراد أن يقطع الطريق على مجىء موسى . . . فكأنه أراد أن يسد الطريق التي جعلها الله للتناسل فكانت السخرية منه في قمتها وكان موسى المقصود في صدر داره وهو منهمك في جرمه .
 
« 552 »
 
( 2458 - 2467 ) إن الله سبحانه وتعالى عادل يعطى لكل إنسان ما يستحقه تماما وما يليق به ، ومتى قام الإنسان بشر أو عصيان والتواء لم ير من بعده ما يناسبه من جزاء ؟ ! ! على المرء أن يكون مراقبا لفعله ووجوده ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا . .
حينذاك لا تكون في حاجة إلى قيامة وحساب ما دامت كل لحظة من لحظات وجودك قيامة وحساب ، وذلك الحر الذي تكفيه الإشارة متى كان في حاجة إلى القول الصريح ؟ !
أن البلاء قد حاق بك من حمقك أنك لم تفهم الرموز . . وإلا فهل كان فرعون في حاجة إلى الأنبياء بعد الآيات التسع . . وفي هذا تنبيه على فرعون كل زمان إذا ظهر في زمانه شئ من التسع أو غيرها تزداد حتى يهلك وإن تاب ورجع تاب الله عليه . . . ويتوب الله على من تاب ( مولوى 4 / 338 ) .
 
وإياك والعكوف على الذنوب حتى لا يسود قلبك ، ولا يكون لك أمل في عودة أو أوبة أو توبة مصداقا للحديث النبوي الشريف إذا أذنب العبد ذنبا حصلت في قلبه نكتة سوداء ، إن تاب واستغفر صقلت ، وإن عاد زيدت حتى يسود قلبه ، إن كل فعل خيرا كان أو شرا يتولد لك منه شئ في داخلك .
 
( 2468 - 2472 ) هذا الجسد الذي أصله من الطين كحديد حسن الصنف ، يمكن أن يصقل فيتحول إلى مرآة يتجلى فيها كل شئ ، وعادة ما يضرب الصوفية بهذا مثلا على أن الجسد وهكذا طبيعته يستطيع أن يسمو عنها لكي يصير مرآة يتجلى فيها كل شئ . . . فما بالك بالروح وطبيعتها أنها نفحة أو نفخة من ذي الجلال .
 
( 2475 - 2486 ) لقد أعطى الله سبحانه وتعالى العقل لكي يكون صقالا لهذا الجسد ولكي ينور القلب . . . وما العقل هنا إلا العقل القدسي ، لكنك بتركك للصلاة عطلت هذا العقل عن عمله وأطلقت يد الهوى تفعل فيك فعلها ،
 
« 553 »
 
ولو أنك حبست الهوى وأطلقت العقل لصقل جسدك لكنك فعلت العكس وهذا هو السعي بالفساد في الأرض منذ عطلت آلة الاصلاح أي العقل وأطلقت آلة الفساد « الهوى » ولا تكدر ماء الجدول ( القلب ) حتى ترى الجواهر أو المعاني الإلهية في قاعه وروح الإنسان مثل الهواء إن علق بها التراب يحجب السماء ( الدعاء والرحمة ) بل ويمنع الشمس نفسها من الظهور فانظر إلى الكدر والتراب ماذا يفعلان في الكون حتى تطهر وجودك من كدر الخطايا وتراب الدنس وتصقله ، وانظر رحمة الله بك . . . إذ يرسل إليك في منامك التحذيرات ويدعوك إليه على فحوى الحديث المروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم « إذ أراد الله بعبد خيرا عاتبه في منامه » ( مولوى 4 / 341 ) .
 
( 2487 - 2500 ) ها هو موسى عليه السلام يفاجئ فرعون بما كان يعن له . . . بالنذر الإلهية التي أيسرها انقباض النفسي واكتئابها . كانت أفعال فرعون السوداء ترتد على ذاته كما تعكس المرآة صورة حاملها عله يحاول التخفيف من قبحه ، لكن النفسي الفرعونية كلما جوبهت بعيوبها ازدادت فسادا وصلفا ، كان فرعون يرى قبحه مجسدا في النوم ، فكان يفر منه دون أن يعلم أن قبحه معه ، كذلك الزنجي الذي رمى المرآة مدعيا أنها قبيحة ( مثل ورد عند سنائى الغزنوي انظر . حديقة الحقيقة الأبيات 4035 - 4040 وشرحها )
 
وتكررت في أكثر من موضع من مقالات شمس ولها أصل عربى . إن كل ما يحدث لك أعرفه . . . كل الكوابيس التي تتوالى عليك . . .
 وكل الأصوات التي تسمعها وهي تلعنك وتنذرك بسوء العقاب إلى غير ذلك مما لا يليق بنبي أن يتفوه به ، وما يحدث لك كثير ، بل ذكرت لك قليلا من كثير لتعلم أنى عالم بكل أحوالك خبير بها ، هذا الكفر يجعلك تتجاهل كل هذه النذر كما تجاهلت الآيات التسع وقد دفع إلى شقاء الكفر والعصيان وادعاء الربوبية فلم تنفع معه كل هذه النذر .
 
« 554 »
 
( 2505 ) في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم « باب التوبة خلف المغرب له مصراعان من ذهب مكللان بالدر والياقوت ما بين المصراعين مسيرة أربعين عاما للراكب وهو مفتوح منذ خلقه الله تعالى إلى طلوع الشمس من مغربها » ( مولوى 4 / 343 ) وفي حديث آخر من تاب قبل ان تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه ( انقروى 4 / 565 ) .
 
( 2506 ) للجنان الثمانية ثماني أبواب وهي عدن والوسيلة والفردوس والخلد والنعيم والمأوى ودار السلام ودار القرار ويقال لباب جنة عدن باب التوبة ويقال لباب الوسيلة باب الزكاة ويقال لباب الفردوس باب الصلاة ويقال لباب الخلد باب الريان يدخل منه الصائمون ويقال لباب النعيم باب الحج ويقال لباب المأوى باب الجهاد ويقال لباب السلام باب الورع ويقال لباب دار القرار باب صلة الرحم ( مولوى 4 / 343 )
 
( 2507 ) الحوار الذي يبدأ بهذا البيت ورد في موضعين من قصص الأنبياء للثعالبي . . قل له : ان ناصيته بيدي ولا يطرف ولا ينطق ولا يتنفس عن شئ إلا بعلمى وأخبره بأنى من العفو والمغفرة أسرع منى إلى الغضب والعقوبة . .
وقل له أجب ربك فإنه واسع المغفرة وقد أمهلك في طول هذه المدة ، وفي كلها تدعى الربوبية دونه وتصد عن عبادته ومع كل ذلك يمطر عليك السماء وينبت لك الأرض ويلبسك العافية حتى لا تهرم ولا تسقم ولا تفتقر ولا تغلب ( ص 170 ) والموضع الثاني : فأوحى الله لموسى أن قل لفرعون : إنك إن آمنت بالله وحده عمرتك في ملكك ورددتك شابا طريا ، فاستنظره فرعون ، فلما كان من الغد دخل إليه هامان فأخبره فرعون بما وعده موسى من ربه فقال هامان :
والله ما يعدل هذا عبادة هؤلاء لك يوما واحدا ونفخ في منخره ، فقال له هامان
 
« 555 »
 
أنا أردك شابا فأتى بالوشم فخضبه به ( ص 184 ) فهو أول من خضب بالسواد فلذلك كرهه صلى الله عليه وسلم ونهى عنه ( قصص الأنبياء المسمى عرائس المجالس للثعالبي ط 4 / 1954 القاهرة ) ،
ومن قائل إن وعود موسى لفرعون كما وردت على لسان مولانا جلال الدين مستوحاة من حديث نبوي : « إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا » استعلامى 4 / 273
 
( 2515 - 2522 ) الأنهار الأربعة في الجنة تعبيرات عن بعض أخلاق المؤمنين في الدنيا . لتفصيلات أكثر انظر ( الكتاب الأول شرح الأبيات 3459 إلى 3484 وهذا الكتاب شرح الأبيات 476 / 483 ) وتدعوهم إلى هذه الأخلاق .
 
( 2523 - 2527 ) تماما كما أنها أنهار الجنة الأربعة هي انعكاس وتعبير وتمثيل عن بعض أخلاق المؤمنين في الدنيا ، فإن بعض أخلاق الكفار والأشقياء تجد انعكاسها في بعض صفات الجحيم . . فنار الغضب من نار غضب الله سبحانه وتعالى « من غضب منكم فليتوضأ فنار الغضب من النار » . .
 
ومن الغاشية ( حية جهنم ) صار فرعون كأنه الحية يبث سمومه في المؤمنين ومن ماء الحميم الذي يسقاه أهل الجحيم يكون الظلم ، ظلم كل فرعون يترك الخلق كالرميم ، وهو من انعكاس مصيره عليه ، يمثل تماما هذا المصير ، هو مثال لجهنم على الأرض ، تلك التي يعذب فيها الفقير والمظلوم .
 
( 2532 - 2538 ) سوف تتمنى الموت إن كنت طائعا . . لا فرارا من عجزك في الدنيا بل طمعا في كنوز الآخرة . . سوف ترى الدنيا كالخرابة إن هدمتها وجدت تحتها كنزا . . سوف ترى هذه الدار حائلا دون الكنز العظيم ، تراها كأنها حبة واحدة حجبت عنك البيدر كله . . تكون إن قنعت بها كدودة قنعت بورقة
 
« 556 »
 
واحدة من الكرمة وعكفت عليها ، لكنها إن استيقظت من جهلها هذا بكرم الله استطاعت أن تفترس حيات الجهل .
 
( 2540 - 2560 ) لقد شبه الله تعالى نفسه بأنه كنز مخفى . . أو قال في حديث قدسي « كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبى عرفوني » وفي تفسير للآية الكريمة «وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» أي ليعرفون . . ومن ثم فإن أساس الوصول إلى الكنز السعي من أجله ويدق مولانا على هذا المثال كثيرا ويشبه وجود الإنسان في الدنيا بإقامة في خرابة تحتها كنز . .
لكنه لا يريد أن يهدم الخرابة ليجد الكنز ، وفي النهاية فإن الخرابة سوف تتهدم وحدها . .
لكنه لن ينال شيئا ، وما هذا البيت الذي أنت فيه إلا بيت بالكراء هو ليس لك ببيع أو شراء . .
وهذا الكراء بالأجل . . وسوف تخرج منه دون أن تستفيد شيئا ، ثم يقدم مولانا مثالا آخر : إنك تقوم بخصف النعال في دكان بالكراء . .
في حين أن هذا الدكان تحته كنزان . . ها أنت تعيش في ذلة ما لم تهدم هذا الدكان . .
وما هذا الرتق إلا تعلقك بالطعام والشراب فإن ترتق وجودا مآله إلى الفناء . . وتترك الكنزين : القلب والروح . . أنت ترضى لنفسك هذه الذلة في حين أنك عريق الأصل : أنت ابن الخليفة . . ألست ابن آدم آخر الأمر . . أم ينص على أن آدم خليفة . . أليست هذه الأرض منفاه ومنفاك ؟
أليس هذا الكنز هو الذي سوف ينجيك من السعي والشقاء ؟ !
 
سوف ينتهى إيجاز الدكان في النهاية وسيخرجونك منه عندما يجئ الأجل ، وسوف تعض بنان الندم على أنك لم تستفد شيئا عندما كان كل شئ مهيئا لفائدتك « يوم يعض الظالم على يديه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا » .
 
( 2563 - 2567 ) أتدري لم كل هذا ؟ ! لأنك مجرد طفل لم تبلغ مرحلة الرجولية . . لقد رأيت الدار منقوشة مزدانة فلم تهن عليك ، والبيت والأبيات التالية كلها مستوحاة من بيت واحد لسنائى :
 
« 557 »
 
كل نصيحتى لك هي هذه أنك طفل والدار ملونة . ( حديقة بيت 6440 ) .
 
( 2585 ) الحديث « من بشرني بخروج صفر بشرته بالجنة » موضوع من الأحاديث الضعيفة ويرى الشيعة أنه موضوع على أساس أن الرسول ، قد توفى - طبقا للروايات الشيعية - في السابع أو الثامن والعشرين من صفر ، بينما تجعل أغلب الروايات السنية وفاته ، في الثاني عشر من ربيع الأول وبعض الروايات تجعله في الثالث عشر من ربيع الأول . . وقد ضرب بالحكاية كلها مثلا على اشتياقه ، إلى الملأ الأعلى . . إذ كان دعاؤه ، في أخريات أيامه « اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى » .
 
( 2594 - 2595 ) عن انتقال الرجال من هذا العالم وعن أن الموت عند الصوفية المحققين هو عبارة عن زفاف ، ( انظر الكتاب الثالث شرح الأبيات 3519 - 3536 ) والماء المالح هو الدنيا والماء العذب هو الآخرة ولمولانا في ديوان شمس تبريز :
فلترحل من الماء المالح نحو ماء الحياة وعد من صف النعال نحو الصدر ( كليات ديوان شمس غزل 1353 ص 525 ) .
 
( 2598 - 2627 ) لم تؤد مشورة فرعون مع زوجته المؤمنة آسية عليها السلام إلى نتيجة وإن استطاعت الرسالة أن تؤثر في قلب آسية المؤمنة بحيث تواجدت من هذا الفتوح الذي نزل على زوجها دون استحقاق ، وأن يصير مطلوبا هكذا دون أن يقوم بأي جهد في الطلب ، إنها تعلم أنه مثل إبليس ، لكن هل يفتقد الله سبحانه وتعالى إبليس . . نعم 
- كل عاص مهما بلغت درجة عصيانه يظل الله سبحانه وتعالى يناديه ، وآسية عليها السلام هي رمز للقوة الإيمانية تلجأ إليها النفس الأمارة بالسوء ، 
وفي تفسير لنجم الدين كبرى لقوله تعالى «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ : رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» ( التحريم / 11 ) أي ضرب الله مثلا

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: