الخميس، 27 أغسطس 2020

17 - الهوامش والشروح 778 - 1405 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

17 - الهوامش والشروح 778 - 1405 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

الهوامش والشروح 778 - 1405 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

شرح تشبيه فرعون وادعائه الألوهية بابن أوى الذي ادعى الطاووسية 

( 778 - 789 ) لا يكاد مولانا يترك فرصة دون أن يسخر من جبارى الأرض أولئك الذين ينازعون الإله رداء كبريائه ، وكيف يصير هؤلاء فتنة للخلق ولأنفسهم ، وهذا هو “ فرعون “ يرصع لحيته بالجواهر ( أو يرصع بزته بالنياشين والأنواط ) ، ويظن بهذا المظهر أنه أعلى من عيسى عليه السلام ، وما هو إلا ابن اوى سقط في دن المال والجاه ، وسجد له الخلق وصدق ، وهؤلاء الخلق هم الذين يخلقون “ كل فرعون “ في “ كل عصر “ وذلك أنه كما روى عن أفضل الخلق - صلّى اللّه عليه وسلم - “ المال حية والجاه أضر منه “ ( استعلامى 3 / 256 ) فكل المتجبرين المغرورين بالدنيا كأبناء اوى الملونة والطواويس المذكورة - بيت ( 784 وما بعده ) - هم رجال الله ، وهم المحك الذي يفضح أولئك المدعين الذين يرتدون إهاب الأسود وهو كلاب ولا يمكن أن تتواءم صورة الأسد مع أخلاق الكلاب ، وإلا تعرض لامتحان من زئير أسد حقيقي .
 
( 790 - 796 ) يتناول تفسيرا للآية الكريمة التي نزلت في شأن المنافقين - أي الذين تختلف ظواهرهم عن بواطنهموَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ( محمد / 30 ) والسياق مناسب بالطبع فالنفاق والادعاء سيان ، والبيتان 792 ، 793 اقتباس


“ 449 “
 
من قول منسوب للإمام على - كرم الله وجهه - “ كما تعرف أواني الفخار بامتحانها بأصواتها فيعلم الصحيح منها من المكسور كذلك يمتحن الإنسان بمنطقة فيعرف ما عنده “ ( استعلامى 3 / 256 - 257 ) .
 
( 797 - 800 ) قصة الملكين ببابل أي هاروت وماروت من قصص القرآن الكريم التي تستوى مولانا كثيرا وذلك للدروس الكثيرة التي تقدمها في ميدان العرفان والتصوف ، ومولانا نفسه يذكر أنه تحدث مرات عن القصة ( انظر الكتاب الأول الأبيات 539 ، 540 ، 3334 فما بعد 3425 : الكتاب الثاني 2475 ، 2476 ) وانظر أيضا البيت 417 من هذا الكتاب ) وأنه يعود إليها هذه المرة ليقول جزءا من آلاف الأجزاء أو معنى من آلاف المعاني التي تثيرها هذه القصة في وجدانه العرفاني ، أو كأنه ذكر عضوا واحدا من أعضاء الفيل ( انظر الأبيات 1260 فما بعده من هذا الكتاب وتعليقاتها ) والقصة نفسها مذكورة مع اختلافات يسيرة في كل كتب التفاسير ( على الآية 102 من البقرة ) وكتب قصص القرآن ( الثعلبي مثلا قصص الأنبياء 42 - 45 ) ويتناول مولانا القصة من منطلق “ الامتحان “ وكلما ذكر الامتحان في المثنوى ذكر هذين الملكين ، وكيف كانا يعتبر أن الذنب خاصاً بأبناء ادم وبناء على طلب منهما وبإذن من الله نزلا إلى الأرض حتى يثبتا أن الملائكة أبرياء من الذنوب ، ووضع امتحان الحق في طريقهما امرأة جميلة ، وبعد أن زنيا بها تعرضا لعقاب الحق بأن علقا في بئر ببابل .
 
( 801 - 807 ) كانا ملكين مقربين وعلى صلة بالروح المطلقة ، وكأنما كانا يشاهدان الإله ويسكران من هذه المساعدة ، لكن هذا السكر كان استدراجا لهما ، أي من قبيل تلك القدرة الظاهرية التي لا توصل السالك إلى شئ ، وتصيبه بالغرور ، فيأتيه الامتحان ( انظر عن الاستدراج تعليقات البيت 508 من هذا الكتاب ) وفي البيت 802 يتساءل مولانا : إذا كان سكر الاستدراج هكذا فكيف


“ 450 “
 
يكون سكر المعراج حيث قوبل الرسول في حظيرة الحق ؟ والحبة في الشراك المذكورة في البيت 803 هي نفس هذا الاستدراج ومائدة الإنعام هي المعراج أو رؤية الحق . وأية حبوب تستطيع أن تفتقها ، أي ماذا يمكن أن تفعل معنا ؟
بالتأكيد تغيرنا وتبدلنا تماما ، وفي البيت 804 : ناجيان من الوهق أي حران من الحياة النفسانية والمادية ، قبل أن ينزلا إلى الأرض وفي البيت 805 : الامتحان هو امتحان الحق الذي يشبه “ ريح الصرصر “ التي اختطفت قوم عاد ، وما قوم عاد ؟ إنها الريح التي يكون الجبل في مهبها كأنه القشة . . ولم يكن لهما أي حس بهذا الامتحان فقد كانا “ ثملين “ ، وهما في سكرهما كالعاشق . . . الذي لا يرى الخطر أمامه ولا يستطيع أن يدركه .
 
( 808 - 817 ) في هذه الأبيات يشبه حالة هاروت وماروت بحالة الماعز الجبلي وكيف يلقى بنفسه في الخطر عندما يرى أنثاه على جبل اخر وذلك لتشبيه سقوط هاروت وماروت من أجل امرأة . . فالشهوة هي بالفعل التي تعمى العين عن الخطر ، ولعل مولانا في هذا التشبيه متأثر ببيت ورد في أسرار نامه لفريد الدين العطار :
حتام تريد السفاد كالماعز * فسوف يقصم ظهرك في هذا طوعا أو كرها ( ماخذ / 92 ) .
 
( 818 - 827 ) إن رجل قوى كرستم يكون مصرعه الشهوة نفسيا وهوى النفس والبيت التالي يتحدث عن نفسه وربما يقصد العارف عموما ، وهو يعتبر سكر الشهوة أمرا حيوانيا ، ومثاله في الجمل الذي يتحمل الأثقال والعطش والرحلات الطويلة في الصحراء القاحلة لكنه ينوء بكلكله من ثقل الشهوة وسكره بها ، جاء في ( معارف بهاء ولد 2 / 3 ) “ سكر الجمل في كل سنة أربعون يوما في الربيع في حالة قضاء شهوته بالناقة وفي السكر لا يأكل شيئا
 
“ 451 “
 
أربعين يوما “ لكن شتان بين سكر وسكر : سكر الشهوة وسكر الملائكة من مشاهدة الحق ، فسكر المشاهدة يقضى على سكر الشهوة الذي يشبه الماء المالح لا تحس بملوحته إلا إذا جربت الماء العذب ، وخمور السماء أي عنايات الحق تجعلنا في غنى عن أي سكر أو خمر ساق ، ومن ثم فإن الملائكة ورجال الحق ذوى الأرواح الطاهرة ذوو نصيب من هذه الخمر الإلهية بحيث لا يلقون أي بال إلى خمور الدنيا ، وما هي خمور الدنيا ؟ إنها المال والجاه والمقام والمنصب ، أما القانطون والمطرودون من رحمة الله فهم مثل الكفار في القبور “ كما يئس الكفار من أصحاب القبور “ فقد يئسوا من التوبة تماما ، وكانوا كل ما يزرعونه شوكا ، ومتى ينبت الشوك الثمر ؟ وهل ينبت الشوك إلا الشوك ؟
 
( 828 - 839 ) يعود مولانا إلى قصة هاروت وماروت ، لقد أمنا في عصمة الله وثملا بمشاهدة جماله واستبعدا أن يبدر منهما خطأ أو ذنب وعابا وعذلا وتدخلا في ملكوت الله بقولهما ، لو كنا في الأرض لعمرناها بالعدل والعبادة والوفاء ، لكن القضاء الإلهى كان يقول لهما : قفا ، خففا الوطء ، حذار فإن طبيعة الأرض صحراء البلاء ، حذار وامشيا الهوينى ، مفتحى البصر في هذه الأرض التي من طبيعتها قتل الطيبين الأخيار الأطهار ( كربلاء ) ، انظرا إلى الأقوام الذين أهلكهم سيف القهر الإلهى “ فأديم الأرض من هذه الأجساد “ . . . ومن هنا يقول الله تعالىوَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً( الفرقان / 63 ) وفي البيت 835 مزرعة الشوك أي الدنيا ، لكن هاروت وماروت لم يستمعا إلى تحذير القضاء ، فقد كان هناك من الوجد والسكر حجابا على أذانهم ، وهكذا الجميع أغلقوا عيونهم واذانهم ، اللهم إلا رجال الحق الذين تخلصوا من ذواتهم ، وهذا الختم على الأسماع والأبصار لا دواء له ولا علاج إلا العناية الإلهية ، وهذا القهر لا يطفؤه إلا محبة الحق ، ولا جهد هناك يؤدى إلى نتيجة إلا بتوفيق وعناية الحق العالم بالسداد .
 
( 840 - 845 ) القصة التي تبدأ بهذه الأبيات من قصص القران الكريم
 
“ 452 “
 
ويتضمن هذا الكتاب جزءها الرئيسي ، ولا يكاد كتاب من كتب المثنوى الستة يخلو من ذكر لموسى عليه السلام وفرعون عليه العنة الله . . ترى إذا لم يكن مولانا يعتبر الحرب بين الطغيان والإيمان من أهم المبادئ التي يتجلى فيها العرفان ، ويقوى بها السالك ، إذن لماذا أخذت منه القصة كل هذا الاهتمام ؟
( انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب السادس ) وقصة موسى وفرعون وردت في سور عديدة من سور القرآن الكريم ، ولا داعى لتكرارها منعا للإطالة . ويرى فروزانفر أن مولانا اعتمد في سرده لأحداث القصة ( معانيها بالطبع ) على تفسير أبى الفتوح الرازي ( ماخذ 93 - 93 ) ويقدم مولانا القصة هنا كنموذج للجهد الذي بلا توفيق ، فكل مساعي فرعون انتهت دونما نتيجة ، فالله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، والمقصود بليلة الحمل في البيت 845 هو موعد انعقاد النطفة .
 
( 858 - 861 ) يرى استعلامى ( 3 / 259 ) أن هذه الأبيات إشارة من مولانا إلى أحوال المصريين في آسيا الصغرى في عصره ومقارنتها بأحوال بني إسرائيل تحت حكم فرعون وفي تلك الفترة كان هناك صراع بين عز الدين كيكاوس وأخيه ركن الدين قلج أرسلان على حكم قونية ، لعل عز الدين تحالف مع مماليك مصر ومن أجل ضرب هذا التحالف كان قلج أرسلان يقتل المصريين ، وهذا التفسير غير مفهوم فعز الدين وأخوه ركن الدين لم يكونا من المغول ، ولم يصل المغول إلى آسيا الصغرى إبان حياة جلال الدين ، والقصة شبيهة بقصص حكيت عن المغول في التسام ، وربما سمعها جلال الدين من أحد شيوخه الشوام أو أثناء إقامته في الشام .
 
( 865 - 866 ) حتى بين الشحاذين الطماعين الملحاحين قد يوجد رجل حق كما يوجد الجوهر بين حصى البحر .


“ 453 “
 
 
( 879 ) طبقا لكثير من تفاسير القران ومن بينها تفسير أبى الفتوح الرازي :
“ أن الملائكة حملت امرأة عمران إلى زوجها في مقر عمران ، وبعد جماعها حملوها مرة ثانية وأعادوها “ . وطبقا لرواية قصص الأنبياء للثعلبي أن النساء فكرن بأن فرعون لن يعود إلى الميدان ، وأسرعت كل منهن إلى زوجها وعلى باب البلاط وجدت امرأة عمران زوجها .
 
( 901 ) طبقا لمعتقد في المأثور الإسلامي أن كل نبي كان يولد إلا ولدت نجمة حمراء له في السماء ( انظر ماخذ ص 94 ) كما قال جلبنارلى ( ثالث / 123 ) أنها وردت في إنجيل متى .
 
( 952 ) طبقا لتفسير أبى الفتوح الرازي ، “ ألقت بالطفل في التنور ، وسدت باب التنور وهربت تاركة البيت “ ( ماخذ ص 94 ) .
 
( 959 - 960 ) البيتان ترجمة تقريبية للآية 7 من سورة القصص :فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ.
 
( 963 - 968 ) “ الأعمى حاد البصر “ أي الأعمى الذي لا يرى ما تحت قدميه ومع ذلك يمد بصره طامحا إلى رؤية الأشياء البعيدة ، وهكذا كل إنسان من الحرص والطمع قد يغمض العين عما في يده ويمد بصره إلى ما بعد عنه ، مثل فرعون يقتل أطفال الناس حيثما وجدهم ، و “ موسى “ وهو الهدف في صدر منزله لكن الله أعماه عن رؤيته ليتم أمره - وهذا هو الجهد بلا توفيق ، كان مكر فرعون كالأفاعى ، لكن موسى كان أكثر قوة منه ، وكانت أفعاه أقوى من أفعى مكر فرعون . . . وفي البيت 967 يد فوق يد مثلما نقول نحن : أبدان مسلطة على أبدان ، بمعنى أن كل من في هذا الكون مسلطون بعضهم على البعض ، فالقوى يقضى على الضعيف ثم هو أقوى منه فيقضى عليه ، وهكذا
 
“ 454 “
 
حتى نصل إلى الله سبحانه وتعالى . . . فإليه المنتهى . . . فهو البحر الذي لا نهاية له . . . وكل البحار أمامه كأنهار كونها مجرى السيل .
 
( 971 - 975 ) يعلق مولانا على قوى الشر الكامنة في البشر ، فهو عندما يتحدث عن فرعون موجود ، إنما يتحدث عن القوى الفرعونية الكامنة في كل إنسان إن كل ما هو موجود في فرعون موجود فيك ، لكن فرعون وجد الوسيلة ، ولو وجدت أنت الوسيلة لصرت أشد فرعونية من فرعون ، فالأفاعى الفرعونية والرغبات الكامنة وقوى الشر والتدمير هي في بئر من الضعف وانعدام الوسيلة ونار الفرعونية موجودة في كل إنسان لكنها لا تجد الحطب ولو وجدت الحطب لأصبحت مثل نار الفرعون ، ولا يرى مولانا أنه لابد أن ينبه إلى هذه الحقيقة ، إنه يتحدث عن فرعون ، لأن السالك سوف يخاف أن يتحدث إليه عن فرعونية مباشرة ، كما أنه لن يتركه بلا تنبيه حتى لا يظن أن ما يحدثه عنه مجرد حكاية أو أسطورة لا يوجد مثيلها داخل النفس المهلكة الموجودة عند كل إنسان .
 
( 976 - 977 ) إن “ أفعى “ فرعون أو نفس فرعون التي تشبه الأفاعي تجعل مولانا يستحضر حكاية جديدة وهي حكاية الصياد والأفعى المتجمدة وبالرغم من أن فروزانفر لا يذكر الحكاية في كتابه عن مصادر حكايات المثنوى ، يصل استعلامى إلى أن أصل الحكاية من حكايات العرب ، كما يذكر حكاية وردت في مرزبان نامه لسعد الدين الوراوينى عن فلاح صادق حية ، وذات يوم من أيام الشتاء يجدها متجمدة فيضعها في مزود الحمار حتى تدفئها أنفاس حماره ، وعندما تعود الحية إلى وعيها تلدغ الحمار وتعود إلى جحرها ( استعلامى 3 - 263 - مرزبان نامه - تأليف مرزبان بن رستم بن شروان - وأعاد صياغتها سعد الدين الوراوينى ص 36 - ص 37 من طبعة طهران أوفست عن طبعة بريل بلندن ) والواضح أن الحية المتجمدة ترمز هنا إلى النفس الإنسانية إن وجدت القدرة انقلبت إلى عدو ذي خطر ، ويبدأ مولانا القصة ببيتين ثم يتركها حتى البيت رقم 995 ) .
 
“ 455 “
 
( 978 - 994 ) يترك مولانا قصة صائد الحيات ، ويتحدث “ عن الطلب “ أي دور الطلب عند سالك طريق الحق ، والطلب إما أن تكون بإرشاد مرشد أو شيخ ، وإما أن يكون بإرادة الحق وعنايته ، والطلب مقبول بأية طريقة كانت ، “ وبلا أدب “ أي بلا أي نوع من رعاية الشكليات ، والشم : أي الجهد في معرفة طريق الحق عن طريق اثاره ومظاهره ، والنموذج الحقيقي للطلب طلب يعقوب ليوسف عليهما السلام ، فلا يأس ولا قعود مصداقا للآية الكريمةيا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ( يوسف / 87 ) ، وإذا كان هذا هو حال نبي من أنبياء الله فأولى بالسالك والمريد ألا يقعد عن البحث ، وعليه أن يوظف كل قواه في هذا الطلب : السؤال أو السمع أو إدراك اثار الحق .
والرائحة الطيبة هي اثار وجود الحق أو عناية الحق التي تمدها القلوب الواعية ، وإذا ظفرت بأحد عنده هذه الرائحة وفيه أثر من اثار اللطف الإلهى فالزمه وخذه دليلا فإن هذا الجزء يدل على الكل . . . وكل ما في الكون من حسن يدل على وجود هذا الحسن الكلى ، وكل امرئ لديه منه بقدر استعداده وبقدر طلبه ، والمطلوب جدير بهذا الطلب والجهد ، أليست حروب الخلق كلها من أجل الوصول إلى الحسن ؟ وأليس السلام في حاجة إلى حرب ؟ وألا يتعب المرء من أجل أن يصل إلى الراحة ، فما بالك بمنبع الحسن ومنبع السلام ومنبع الراحة ، ألا يستحق دأبا في الطلب ومواصله له ؟ وحتى مظاهر الحياة المادية وصراعات الحياة اليومية ، وتلك الهموم الصغيرة التي تشغل الإنسان هي في الحقيقة سعى إلى الله وسير إليه فالمجاز قنطرة الحقيقة . . . فحتى صياد الحيات يبحث عن الحية من أجل أن تعينه على الحياة ، غائبا عن حقيقة الأمر وهي أنه يطلب العون ممن لا عون منه ، ويقلق من أجل فارغ من الهم .
 
( 995 - 1002 ) يعود إلى قصة صائد الحياة وتكرار المعنى لإبداء الدهشة والتعجب ، وسبب الدهشة هو عجب ذلك الصياد من منظر الحية ، فكيف يعجب
 
“ 456 “
 
الإنسان ويفتن وهو جبل تعيش فيه الحيات والأفاعي إلى جوار آلاف العوالم ، كيف يتعجب ذلك “ العالم الأكبر “ من حية ؟ يقول يوسف بن أحمد “ الإنسان في حد ذاته جبل عظيم ، معدن أنواع الصفات ومنبت أصناف الأعمال والأفعال ومسكن جميع الوحوش والطيور والهوام ومع كل هذه العظمة لأي شئ يكون مفتونا .لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍوهو لا يعرف قدره وفي المعاصي يصرف وقته ( مولوى 3 - 150 ) فأصل الوجود الإنسانى هو الوجود المطلق . إن الكون حائر في الإنسان ومع ذلك فالإنسان قد يحط من قدر نفسه ويحار في جزء تافه وحقير من هذا الكون فكيف ؟ لأن الجانب الضعيف فيه هو الذي يوجهه ، وإذا لم يكن صائد الحيات واقعا تحت سيطرة النفس وهي أفعى ، فكيف كان له أن يسعى في أثر الحيات ؟
 
( 1008 - 1012 ) كما أن الحية متجمدة ميتة في الظاهر ، يقول مولانا : إن عالم التراب هذا ميت في الظاهر وكل “ جامد “ يبدو بلا حركة ، لكن عندما تسطع عليه شمس الحشر ، ويشاء الله أن تبعث الروح في التراب ، سوف نرى ، سواء في الدنيا أو في الآخرة - عالم الجماد وهو يضج بالحياة ، والدليل : عصا موسى التي تخبرنا كيف تحيا الجمادات ، وكل الجمادات إذن في نظرنا ميتة ، لكنها في علاقتها بعالم الغيب ذات حياة وهي تتحدث مع ذلك العالم ، قال الشيخ نجم الدين كبرى - أستاذ بهاء ولد والد جلال الدين “ إن الله تعالى أثبت أن لكل ذرة من ذرات الموجودات ملكوتا لقولهفَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍوالملكوت باطن الكون وهو الآخرة ، والآخرة حيوان لا جماد لقوله تعالى :وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ” منهج 3 / 151 “ وقال الإمام أبو محمد البغوي في معالم التنزيل : إن الله علما في الجمادات والنباتات وسائر الحيوانات لا يقف عليه غيره تعالى فلها صلاة وتسبيح وخشية ( أنقروى 3 / 161 ) .
 
“ 457 “
 
( 1013 - 1019 ) يواصل مولانا قضية أن للجمادات حياة بأمره تعالى ، وهذا شديد الوضوح بالنسبة للأنبياء ، فعصا موسى تنقلب إلى حية ، وتغنى الجبال مع داودوَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ( الأنبياء / 79 )وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ( سبأ / 10 ) ، ووَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ،فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ( الشعراء / 63 )اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ( القمر / 1 )قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ( الأنبياء 69 ) ( ويبتلع التراب قارون بدعوة من موسى ) ( القصص / 79 وما بعدها ) ، ويئن الجذع ويتوجع شوقا إلى محمد صلّى اللّه عليه وسلم - عندما يتركه ليقف على منبر . . . ويقول - صلّى اللّه عليه وسلم - : إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علىّ ، وعندما هرب يحيى عليه الصلاة والسلام من اليهود قال له جبل : “ أهرب إلىَّ حتى أضعك في جوفي “ ، ويعترف الحصى في يد أبى جهل بنبوة محمد - صلّى اللّه عليه وسلم - ، وعن علي - كرم الله وجهه - : كنا بمكة مع النبي عليه السلام - فخرج إلى بعض نواحيها فما استقبله حجر ولا شجرة إلا قال : السلام عليك يا رسول الله . ( الأنقروى 3 / 167 ) .
 
( 1020 - 1028 ) يواصل مولانا مناقشة المنكرين لتسبيح الجماد الذين يريدون إدراك أسرار عالم المعنى متوسلين بالمعايير المادية وموازين الدنيا ، فهم إنما يسيرون إلى جماد أي أنهم في حدود هذا العالم يسيرون ، “ وروح الجماد “ أي علاقة الجماد بعالم المعنى وبعالم الحق ، ولو توجهوا إلى عالم الروح لوجدوا كل أجزاء العالم في ضجيج من التسبيح ، لكنهم بدلا من هذا يلجأون إلى “ التأويل “ ، إنهم لا يستطيعون إنكار القرآن الذي يعترف صراحة بأن ما من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا يفقهون تسبيحهم فيلجئون إلى التأويل ، ولو سمعوا
 
“ 458 “
 
 
بإذن الروح تسبيح الجماد لما لجأوا إلى التأويل ، لكن هذا الأمر لا يتم إلا بنور الحق . ويشرح مولانا عقيدة المعتزلة : الذين يرون أن تسبيح الجماد مقصود به أنه يدفع الإنسان إلى التسبيح تسبح بلسان الحال إن المرء ليعتبر من عالم الجماد فيسبح ، وليس هذا في نظر مولانا إلا لأنهم ينظرون بنظر الحس .
( 1051 ) المقصود الحجاج بن يوسف الثقفي والى بنى أمية المشهور ويضرب به المثل في المأثور الإسلامي في سفك الدماء .
 
( 1053 - 1066 ) تنتهى قصة صياد الحيات ويبدأ مولانا في الحديث عن الدروس المستفادة من القصة . إياك أن تظن أن نفسك التي بين جنبيك قد ماتت ، إنها “ تجمدت “ فحسب لأنها لم تجد الوسيلة ، إن فرعون مع كل جبروته وعظمته لو كان قد وجد الوسيلة ، لما جعل ماء النيل يجرى إلا بأمره ، ( وردت في حديقة سنائى 1440 - 1446 ) ولبلغ بعتوه هذا المبلغ وقد جاء في كتاب شرح التعرف أن فرعون وصل إلى هذه المرتبة استدراجا من الإله وقال : جاء في الخبر أن الله تعالى حبس النيل عن أهل مصر ، فخرج فرعون منفردا عن قومه وسجد لله وتضرع إليه واعترف على نفسه بالكذب في دعواه الربوبية وسأل له أن يجرى النيل بأمره ، فاستجاب له الله استدراجا وامتحانا فصار الماء يجرى معه فإذا وقف فرسه وقف الماء ، وإذا أمر بجريه جرى الماء ( أنقروى 3 / 172 ) أي أن طغيان النفس لا حدود له . فعليك ألا تعطيها القوة ، لأنها بهذا تنجو هي وتنجو أنت ، وهذا مصداق لقوله عليه الصلاة والسلام : “ إذا أحب الله أحدا حماه الدنيا كما يحمى أحدكم سقيمه عن الماء ( جامع 1 / 16 ) وقال على رضي الله عنه :في طلب البسطة لا تجتهد * إن من العصمة ألا تجد( إنقروى 3 / 172 )
 
“ 459 “
 
وكما تشبه النفس بالأفعى ، فإن “ شمس العراق “ هي الشهوة ، إنها تجعل هذا الخفاش الضعيف صقرا ، وما الحل إذن : جهاد النفس مجاهدة الرجال ، وهذا هو الجهاد الأكبر ، فمن المستحيل إذن أن تنتصر في هذه المعرفة دون تضحيات ودون أن تتعرض للأذى ، فهذه هي المعركة الكبرى ، فإذا انتصرت على أعدى أعدائك أي نفسك التي بين جنبيك سهل عليك بعدها القضاء على معظم الأعداء ، هنا تكون الحية طوع بنانك ، كما كانت مع موسى بالرغم من كل ما دبره فرعون ، وهذا من رأى موسى وقوته ، ونور الله الذي يمشى به .
 
( 1067 - 1095 ) منطق الطغيان ، ففرعون الذي استذل الناس واستبعدهم وأضلهم وادعى الألوهية ، ينقلب فجأة إلى حبيب الشعب “ يلوم موسى رسول الله إلى الناس لإنقاذهم من استبعادهم وكفرهم وحياتهم البائسة التي تفضلها حياة الحيوانات ، ويبلغ منطق الطغيان و “ استحمار “ الخلق مداه عندما ينذر فرعون موسى بأنه لن يتبعه سوى “ ظله “ وأن نهايته سوف تكون على أيدي “ الناس “ والذين يسميهم فرعون “ الغوغاء “ ، وهذا هو كل فرعون في كل عصر ، ويستمر المنطق الفرعونى الذي يرى أن الخلق قد اختاروه ( بنسبة 99 % لا جدال ) ، وأن “ موسى “ وحده هو الذي يقف ضده ، فهل من المعقول أن يكون موسى أعقل من كل هذا الإجماع “ الذي لم يسبق له مثيل “ ! وهكذا يرى مولانا أن “ الطغيان “ هو من أهم أمراض “ النفس “ بل أخطرها ، لأن صاحب “ النفس المريضة “ يدمر نفسه فحسب ويبعدها عن الحق ، ويرضى لها بالظلمة ، لكن الطاغية لا يرضيه إلا أن يكفر الناس جميعهم ، وهكذا فتنة الطغيان ، تلك التي لا يحطمها إلا ثبات الإيمان الذي يبديه موسى في هذا الحوار وهو وحيد في مواجهة فرعون إلا من تأييد الله سبحانه وتعالى ، ويطلب فرعون المهلة ، لا ليدبر هو ، فهو عاجز عن التدبير عجزه عن الكلام ، يملؤه الرعب من هذا الفرد وعصاه ،
 
“ 460 “
 
 
لكن ليجمع السحرة ، وهذه نقطة أخرى جديرة بالتوقف : ففراعين العصر أيضا لا تدير شيئا ولا تستطيع ، لكنها تجمع “ السحرة “ من خبراء الإعلام وكتاب الخطب ، والمنادين “ بعزة فرعون “ دون عزة الله تعالى .
 
( 1101 - 1107 ) “ فهرب فرعون ، وكان أعرج ، فأخذت الحية ذيل ثيابه ، ورمته خلف السرير ، فجعل يقول يا موسى بحق أسية خلصني من هذه الحية فلما سمع موسى بذكر آسية صاح بالحية فأقبلت نحوه كالكلب الذي يكون لصاحبه متعاقبا فأدخل موسى يده في فمها فإذا هي عصا كما كانت “ ماخذ / 95 عن قصص الأنبياء للثعلبي 154 وغيره ) .
 
( 1108 - 1117 ) يتحدث مولانا عن الغشاوة التي يضعها الله على العين وذلك على لسان موسى ، فتلك المعجزة التي يحملها في يمينه كانت كفيلة بالإقناع لولا أن ختم الله على القلوب ، إن الحقيقة واضحة كشمس الضحى ، لكن الله سبحانه وتعالىخَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ( البقرة / 7 ) وكم من الغشاوات توجد على العين : من الكفر والطغيان والانبهار بعزة فرعون وقوة “ الحضارة “ ( ! ! ) وهكذا يتساءل موسى :
لماذا لا يحنى الطاغية جبهته أمام المعجزة ؟ لماذا لا يسلم ويصر على الكفر ؟
ويجيب مولانا : إن هذه النفس وما تحمل من أفكار ومعتقدات ووساوس وما تراه أمامها من مغريات هو الذي يحجب أصحابها عن تقبل المعجزة رغم بساطتها ، إنما يتقبلها أولئك النائمون الأيقاظ الذين يغمضون أعينهم عن المغريات والأوهام والأفكار المسبقة ، لكن عيونهم متفتحة على الجانب الآخر ، فهم على علاقة مباشرة بالحق ، قلوبهم صفحات بيضاء لم يخط عليها خط واحد من خطوط الدنيا ، ومن ثم فعندما ينام فكر النفس وفكر الذات يكون حلق الروح مفتوحا لكي يتقبل الحقائق كما هي ، والسبيل إلى فتح هذا الحلق هو “ الحيرة “ تلك الحيرة التابعة من التدبير في حقائق الكون ، ليس الفضل أو العلم بصالح هنا ،
 
“ 461 “
 
الحيرة إذن هي التي تبتلع الفكر والذكر وتفتح الطريق أمام الإيمان الذي لا يشوبه تساؤل منه فكر مستيقظ أو علم مكتسب يسد الطريق إلى الله ، ولذلك قال الصوفية “ اللهم زدني فيك تحيرا “ ولم يقولوا “ اللهم زدنا من علوم الدنيا “ وأنشد الشبلي :” قد تحيرت فيك خذ بيدي * يا دليلا لمن تحير فيكا “وأنشد النوري : “ يا من أشاهده عندي وأحسبه منى قريبا وقد عزت مطالبه “ والمعنى : إنك لست في مكان حتى أطلبك في هذا المكان ولا في زمان حتى أنتظرك في هذا الزمان ولست بمعلول حتى أبحث عن العلة ، ولذلك فأنا قانط من الحصول عليك لكني بحكم المشاهدة أظن أنني وجدت ولست أمنا بهذا القدر من المشاهدة ، فهي ليست الحصول بذاته والمشاهد على خطر ( شرح التعرف 3 / 169 ) . وأولئك الذين يبدون هنا في مقدمة البشر بعلمهم في الحقيقة متأخرون عندما تنقلب المسيرة .
 
( 1118 - 1125 ) إن هذا القطيع من أبناء ادم في رجعة صوب الحق ، والماعز التي تكون مقدمة في القطيع ، تكون في نهاية القطيع عند العودة ، فهذا واضح جدا عندما يعود القطيع من وروده للماء ، فالماعز المتقدمة تكون في المؤخرة بينما يتقدم ذلك الماعز الأعرج “ الإنسان الذي ترك الأسباب والوسائل وظهر عليه الضعف بحيث سبقه كل القطيع من البشر “ في طريق العودة فهو في اخر الصفوف ، ومن هنا فالعابسون هنا يضحكون عند الرجعة ، عندما تنعدم المقاييس إلا من مقياس واحد هو قرب الحق ، وهكذا مثلهم تماما أولئك الدراويش الفقراء المسلمون لله تعالى الخالون من كل علم إلا علم الحق ، إنهم هم الذين باعوا فخر هذه الدنيا ، واشتروا عارها ، لكن بالرغم من أقدامهم المحطمة فهم يذهبون إلى الحج أسرع من غيرهم ( جامى : نفحات الأنس ص 136 - 137 ) “ ربما يكون المقصود مجازا وربما إشارة إلى الحكاية الواردة


 
“ 462 “
 
 
في سيرة ابن خفيف الشيرازي : يفعل بالضعيف حتى يتعجب القوى ، ( ص 136 - ص 137 ) فهذا الفريق من الدراويش غسل القلوب من “ هذه العلوم “ أي علوم الدنيا وظاهرها وزخرفها ، أما المعرفة التي تبقى لهم فهي المعرفة القادمة من تلك الناحية أي المعرفة اللدنية من الملأ الأعلى ، هو “ العلم اللدني “ ( وعلمناه من لدنا علما ) ( الكهف 65 ) .
 
( 1126 - 1135 ) العلم الذي ينبغي أن يمحى من الصدر ، علوم هذه الدنيا ، ومن ثم فاختر الاستسلام والضعف ، كن محطم القدم حتى تصل سريعا ، لا تكن كثير الوسيلة والفيهقة والجدل فكلها حجب في طريق الله تعالى ، كن من الآخرين السابقين أي من أمة محمد الحقيقية تلك التي قال فيها الرسول - صلّى اللّه عليه وسلم - :
“ نحن الآخرون السابقون “ أي المتأخرون عن الأمم السابقون لها بالعز والشرف ، كن كالفاكهة من الشجرة ، هي اخر ما يظهر في الشجرة لكنها هي المقصودة بخلقة الشجرة اخر الأمر ، اعترف بالضعف كالملائكة الذين قالوا “ سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا “ ، إن أحمد كان أميا ، لكنه طار بنور الحب ، إن لم تدع العلم هنا أودع الله لك العلم في قلبك ، وما ذا في هذا ؟ قد تفقد بعض الشهرة هنا ، قد لا تكون معروفا بين الناس لكنك لست بالقليل عند الله سبحانه وتعالى ، “ فبحسب امرئ من الشر أن يشار إليه بالأصابع إلا من عصمه الله في دنيا أو اخرة “ و “ رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره “ ( أنقروى 3 / 185 ) ، والخرابات المهجورة هي موضع الكنوز ، ومن ثم فالعلم الإلهى في صدور هؤلاء المهجورين من الخلق . ويدرك مولانا أن في هذا الكلام كثيرا من الشبه : كيف يهاجم مولانا “ العلم “ وكيف يمكن أن نتقبل نحن هذا في “ عصر العلوم “ ؟ لكن مولانا يرى أن الدابة القوية تحطم العقال والقلوب العامرة تحطم الشبه وتقضى عليها ولا تسرع في أثر “ الزيغ “ ، فالطريق الذي يتحدث عنه مولانا هنا هو طريق خاصة الخاصة وواضح أنه يتحدث عن “ الطريق
 
“ 463 “
 
إلى الله “ ليس الطريق إلى “ الحضارة العظمى “ وإلا فإن تبجيل “ العلم والعمل “ منتشر على طول المثنوى وعرضه .
 
( 1136 - 1147 ) إن العشق . . . عشق الحق تعالى يمحو كل هذه الشبه ، إنه كنوز النهار يمحو كل خيال ، فإذا كان السؤال قد جاءك من الحق فاطلب جواب سؤالك من الحق ، إذا كان السؤال قد نبع من قلبك ، فاطلب من الحق أن يضع جوابه في قلبك أيضا ، فإن لم يكن قلبك محدودا بزوايا ، فهو طريق واسع شاسع ممتد مباشرة إلى الحق ، تنيره شعلة إلهية من قمر لا هو بالشرقى ولا بالغربى ولا تتردد إذا كنت تعرف طريقك ، فالشحاذ هو الذي يتردد ، فإذا كنت أنت جبل المعنى ، فكيف تريد جواب المسائل المعتقدة المعنوية من الدنيا وأسبابها ( الصدى ) ؟ ضع أذنك على داخلك وانصت حتى تستمع إلى حديث الحق ، تذكر عندما تكون متألما . فأنت لا تعرف سوى جهة واحدة تتجه إليها رافعا أكف الضراعة وأنت راكع . فكيف إذن عندما يمضى الألم تقول : أين الطريق ؟ لما ذا لم تعكف على من أزال عنك الألم ؟ إنه هو القادر أيضا على شفاء شبه العقل ؟ إنك بعدها تقول إن لديك عقلا ، لكن متى كان هذا العقل على وتيرة واحدة ؟ لكن العقل الكلى العقل الباحث عن الله امن من ريب المنون ، فعقل الدنيا جدير بعلوم الدنيا ، وأفضل منه الحيرة ( انظر تعليقات 1117 ) ، وتقبل “ الذل “ في طريق الحق ، ودعك من الدنيا وزخرفها وزينتها . ( بخارا حيث مركز العلم الظاهري ) .
 
( 1147 - 1156 ) إنه يتعجب ، ما هذا ؟ لقد جرفنا الحديث وتركنا موضوعنا الأصلي “ السبزواري : هذه ليست حكاية : إنها شهود ففي الحديث :
( اعرفوا الله بالله والرسول بالرسالة وأولي الأمر بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ) “ ص 203 “ ( موضوعه الأصلي هو هذه الأحاديث بالفعل ، وليس الحكايات ) ، على كل فليست هذه الحكايات إلا تجل لشخصيتنا وأفكارنا إنني
 
“ 464 “
 
أنمحى عن ذاتي ، وأنغمس في أنينى وحنينى حتى أجد التقلب في الساجدين ( الشعراء / 219 ) ، أي حتى أحسب من بين عباد الحق ، ومن ثم فإن ما تقوله يعد من قبيل الحكايات ، إنه صورة لأنفسنا وما يدور فيها من أفكار وطموحات إلى الملإ الأعلى ، إن الذي لا يقبلها كحكاية هو من يكون في هذا العمل ، إنها وصف لحالة وحضور لرجال الحق وهم الأصدقاء الأعزاء ، قالوا : إن القران هو أساطير الأولين ، إنما قالوا هذا من نفاقهم ، إن هي إلا وصف لأحوالنا نحن وما نحن فيه ، وفي عالم المعنى لامكان ولا زمان ، أما الماضي والحاضر والمستقبل فهي كلها أمور فينا نحن وخاصة بنا ، إن ما أقوله عن عالم المعنى هو مجرد مثال ، وإلا فكيف تستطيع ألفاظنا أن تصف هذا العالم ؟ إن الله تعالى قد ضرب المثل لنوره بمشكاة فيها مصباح . وما المناسبة بين هذا النور ونور المشكاة ؟
( منهج 3 / 171 - 172 ) وفي شعر أبى تمام :لا تنكروا ضربي له من دونه * مثلا شرودا في الندى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنوره * مثلا من المشكاة والنبراس( ديوان ص 153 ط - دار صعب . . . بيروت ) وليس بحر الحق بالجدول الذي له شاطئ بحيث تملأ قربتك منه وتمضى ، ينبغي أن تمخر فيه لا أن تبحث عن الشاطئ أو الساحل .
 
( 1157 - 1197 ) المقصود بالأبيات أن الساحرين كانا مبتكرين في سحرها ولم يكونا مقلدين ، وهما في رواية من أهل مصر وفي رواية أخرى من أهل نينوا ، لقد تنازع الدهشة والإعجاب قلبيهما ، لأنهما أعجبا بموسى وهارون كساحرين مثلهما ، والمقصود بعرق الجنس هنا أي المنافسة في العمل بين أهل المهنة الواحدة ، وفي البيت 1174 يتحدث مولانا عن حال المراقبة عند الصوفية عندما يضعون رؤوسهم على ركبهم في تفكر لكشف أسرار الحق ( انظر : ج 2
 
“ 465 “
 
تعليقات البيت 158 ) وفي الأبيات التالية ما جاء عن سلوك الساحرين وزيارتيهما لقبر أبيهما ونصيحة أبيهما ومحاولتهما سرقة العصا . . . إلى اخره هو مطابق لما ورد في تفسير أبى الفتوح الرازي ( انظر الرواية في ماخذ / 93 - 94 ) .
 
( 1198 - 1215 ) القران بالنسبة لمحمد - صلّى اللّه عليه وسلم - هو كالعصا بالنسبة لموسى عليه السلام ، هو معجزته والمعجزة لا تبلى على مر الزمن ، والذي أنزلها وعد بحفظها ،إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ( الحجر / 9 ) والمقصود الحفظ من التحريف والتعدي والفهم الموجه والتأويل ، ويفسر استعلامى “ رافض للطاعنين في حديثك “ على أن المقصود هنا بالحديث هو القران ( 3 / 272 ) ، والواقع أن هذا تزيد ، فالقران ليس حديث الرسول وإنما هو حديث الله سبحانه وتعالى ، والمقصود بالحديث هنا أحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام كجزء لا غنى عنه من مصادر الدين ومصادر التشريع ، ويركز مولانا كثيرا على هذا المعنى ، وكأنه كان يستشرف أنه كما طعن كثير من المغرضين في الأحاديث النبوية الشريفة ، سوف يأتي زمان يحاول فيه بعض من ينتسبون إلى الإسلام بالاسم أن يخرجوا الأحاديث النبوية من الشريعة الإسلامية على أساس أن بعضها مشكوك فيه وما دام بعضها مشكوك فيه فإنه من الممكن أن ينصرف هذا الشك إلى الكل . وهذا مجرد نموذج كما يمكن أن يؤدى إليه تطبيق مناهج الشك الحديثة على موضوعات قديمة ، والمقصود بكل هذا الجزء عند مولانا أنه كما أن الساحرين لم يستطيعا مع كل براعتهما أن يحصلا على عصا موسى أثناء نومه ، فإن أحدا من سحرة المقال والمنهج العلمي لن يستطيع أن ينال من القرآن مهما أوتى من قوة ومن “ فلسفة “ فإن النور المحمدي كالسهم سوف يصمى فاه .
 
( 1216 - 1228 ) عودة إلى قصة موسى عليه السلام ومحاولة الساحرين سرقة العصا ، إن وصف مولانا لنومة سيدنا موسى عليه السلام خارج المدينة
 
“ 466 “
 
في النخيل مستوحى من وصف كتب السيرة والتاريخ لنومة سيدنا عمر - رضي الله عنه - عند مجىء رسول الروم . إن هذا النائم كان هو الوحيد اليقظ في عالمه ، لقد أغلق عين الرأس لكن عين القلب كانت تستشرف الأكوان ، وهكذا فعندما تنغلق عيون الماء والطين “ الجسد “ فإن عين البصيرة تنفتح على كل الأكوان ، وما إغماض العين إلى جوار يقظة القلب ، أليس الرسول الكريم هو الذي قال : “ عيناي تنامان ولا ينام قلبي “ ( منهج 3 / 180 ) وإذا كان الملك “ القلب “ يقظا . . . بماذا يضر نوم الحارس ( عين الجسد ) ؟
 
( 1252 - 1259 ) يترك مولانا قصة سيدنا موسى دون عودة ويدخل في النتيجة المستفادة من سردة للقصة : والواقع أن مولانا كان يقتبس من قصص الأنبياء والأولياء ما يصلح للتعبير عن أفكار عنت له عند إملاء المثنوى ، وواضح من قصة سيدنا موسى هنا أو الجزء المنقول منها أنها تعبر عن موقفين : الجهد الذي لم ير توفيقا من الله سبحانه وتعالى وكيف لا يؤدى إلى نتيجة مهما كان المدبر أو المجتهد ومهما كان حوله وطوله ومهما كان عدد خيله ورجله ومهما ركض وسعى ، فالله غالب على أمره في النهاية . وفكرة أخرى منبثقة عنها وهي أن أقل جهد مبذول بنور الله يستطيع أن يقضى على كل هذه الجهود وأن معجزة واحدة إلهية تستطيع أن تبتلع سحر العالم بأجمعه ، ويخلص مولانا إلى أن كلا منا في داخله موسى وفرعون ، وعلى كل منا أن يتبع موسى وفرعون في داخله . هما موجودان حتى القيامة ، ويتغير السراج ولكن لا يتغير النور فالنور واحد ، وأما أن تكون من رجال الحق وترى هذا النور أو تتغلب عليك تلك النفس الفرعونية وتقضى عليك ، والنور هو الواحد ، وهو الذي ينجى من الضلال ، لكن الأعداد والثنوية والاختلاف بين الأديان تأتى من اختلاف وجهات النظر وإن كان الكل يسيرون في أثر حقيقة واحدة . ومن تعليق يوسف بن أحمد ( فموسى وفرعون نقد حالك . . . موجود فيك ، اللائق أن تطلب هذين الخصمين في نفسك
 
“ 467 “
 
لأنهما حسب حالك ، وتعلم أن المراد من موسى الروح الإنسانى ومن هارون عقل المعاد ، ومن العصا القران أو العرفان والإيقان والخواطر الرحمانية التي يعبرون عنها بالوحي الإلهامى ، ومن اليد البيضاء نور التوحيد ومن فرعون النفس الأمارة ومن هامان عقل المعاش والوساوس الشيطانية ومن السحرة الفسق والعصيان وأعوان النفس من الهوى والشهوة وغيرها ، وهذه كلها في الأنفس ما دام سالك طريق أهل الله يصادق فرعون نفسه ، ويخاصم روح بدنه وعقل معاده لا يقدر على الوصول لربه ، وإن أردت الحصة من الآفاق تعلم أن المراد من موسى الدال على الباقيات الصالحات من الوعاظ ومن هارون الذي يعاون الناس على الصلاح ، ومن العصا القران لزجر الفساق ، ومن فرعون أصحاب العصيان ومن هامان إخوان الشياطين أصحاب الخذلان ومن السحرة أهل الدنيا الذين يزينون للناس العصيان والشهوات ( منهج 3 / 183 ) .
 
( 1260 ) الحكاية التي تبدأ بهذه الأبيات وردت قبل مولانا جلال الدين في مقامات أبى حيان التوحيد وأحياء علوم الدين وكيمياى سعادت للغزالي ، كما وردت في حديقة الحقيقة لسنائى باختلافات جزئية ، فمولانا هنا جعل الفيل في حجرة مظلمة بينما جعلته الروايات الأخرى ظاهرا للملأ لكن الناس كانوا عميانا وواضح من بعض التفصيلات أن مولانا كان - مع ذلك - ناظرا إلى رواية سنائى :
“ كانت هناك مدينة كبيرة في حدود الغور ، وكان كل أهل هذه المدينة عميانا - ومر ملك بهذه المدينة ، أحضر العسكر وضرب الخيام - وكان له فيل كبير ذو هيبة ، اتخذه من أجل الجاه والحشمة والصولة - فرغب الناس في رؤية الفيل ، وذلك من كثرة ما سمعوا عنه من تهويل - وتقدمت مجموعة من هؤلاء العميان إلى الفيل ، ولكي يعلموا شكل الفيل وهيئته ، أسرع كل واحد منهم إليه متعجلا ، فتقدموا إليه وأخذوا يلمسونه بأيديهم ذلك أنهم جميعا كانوا فاقدى البصر


“ 468 “
 
فلمس كل واحد منهم عضوا ، واطلع على جزء منه - وتعلق كل منهم بصور مستحيلة ، وربط روحه وقلبه وراء خيال - وحينما عادوا إلى أهل المدينة ، تجمع العميان الآخرون حولهم - وكان كل واحد من هؤلاء الضالين سيىء العقيدة راغبا ومتشوقا - فسألوا عن صورة الفيل وشكله ، وسمعوا جميعا ما قالوه ، فذلك الذي وقعت يده على الأذن ، سأله الآخر عن شكل الفيل فقال : شكل مهول وعظيم عريض وسميك ومتسع كالكليم - وذلك الذي وقعت يده على الخرطوم قال : لقد صار شكله معلوما لدى - فهو كالأنبوية أجوف القلب ، هو عظيم ومسبب للحيرة - وذلك الذي وقع ملمسه من الفيل على قوائمه الغليظة المليئة بالجذور - قال : إن شكله كما هو مضبوط حقيقة كأنه العمود المخروط . لقد رأى كل واحد منهم جزءا من الأجزاء ووقع لهم الظن الخطأ ( انظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة الأبيات 166 - 187 وشرحها ) والحكاية من أشهر الحكايات التي انتشرت على المستوى العالمي وواضح من البيتين 1263 و 1264 أنهما مطابقان تماما لما قاله سنائى .
 
( 1269 - 1280 ) ما دمت لا تعرف ، وما دمت لا تملك عينا بصيرة فلماذا لا تأخذ مرشدا دليلا لك ؟ وإذا كنت معتمدا على عين الحس فإن عين الحس لن تكون لك في هذا المجال أكثر من كف لا يمكن أن تحيط ( به ) ، إنك ترى الزبد من البحر لأنك تنظر بالعين التي ترى الزبد ، فانظر بالعين التي ترى البحر لتراه أن كل ما تراه هو من اثار عالم الغيب وأنى لك رؤية عالم الغيب ذاته ؟ ومن هنا فنحن في نزاع . . . نطفو على سطح البحر كالسفن المتصادمة دون علم لنا بماهية البحر وأعماقه ، إنك تنظر إلى الماء ، فانظر إلى الماء الذي يسيره والتعبير مأخوذ من حديقة سنائى أو النفس الرحماني ( الذي أطلق اسم الماء عليه للطف سريانه في الأشياء “ أنقروى 3 / 208 “ وذلك الماء أي الماء الأصلي موجود من قبل موسى ومن قبل عيسى بل من قبل آدم وحواء هو أزلي يسقى مزرعة الموجودات منذ الأزل ، ثم يستدرك مولانا : ما هذا الكلام الناقص ؟ ما الفيل ؟
 
“ 469 “
 
وما البحر ؟ وما القوس ؟ وما الكف ؟ 
تعالى الله لكن كيف نعبر بكلام هذه الدنيا عن تلك الدنيا ؟ كيف نعبر بكلام الصورة عن المعنى؟ 
كيف نعبر عما لا يعبر عنه بالكلام ؟ إنه لكلام ملىء بمواطن الزلل ومواطن الانزلاق ، وإن لم تتحدث لغص باطنك بالكلام 
- وربما قتلك ، ولو قلته على سبيل المثال ، فإن الناس قد يتعلقون بالمثال، وما الحل إذن ؟؟!! 
مشكلة إذن ظلت بلا حل أمام مولانا ، شبهها في مجال اخر بغسل الدم بالدم ، عندما تحدث عن المقال الذي هو آفة الحال ( انظر الأبيات 4728 - 4730 الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 1281 - 1298 ) يقول مولانا : إننا نتعلق بظاهر القصص فحسب لأننا قد تعلقنا بهذه الحياة الدنيوية ( حياة الصورة ) مثل نبات جذوره في الطين ولذلك فهو يهتز عند أقل ريح دون يقين كما نسمع نحن الحقائق ونصدقها دون تيقن ( وليتنا نصدقها ) ، فإن انتقلت القدم من الطين سوف نستطيع الانتقال لأنك في هذا الوقت سوف تكون مستغنيا عن الحياة المادية ، لكن سيرك سوف يكون صعبا فما الحل إذن ؟ 
ينبغي أن تأخذ حياتك من الحق ، حياة لا علاقة لها بمتاع الدنيا المادية ، وهي أشبه بفطام الطفل يستغنى عن لبن الرضاع ويكون أكلا للغذاء فإذا انقطعت إذن عن مص العصارة من الأرض ستأخذ “ قوت القلوب “ أي معرفة الحق وأسرار الغيب ، حينئذ سوف تمحى الحجب بالتدريج ، وسوف ترى الأسرار المستورة دون حجب ، وسوف تسافر بين الأفلاك كأنك النجم سفرا بلا كيفية ولا يوصف ، إنه أشبه بالسفر من الوجود إلى العدم فكما خلقتنا المشيئة من عدم ونحن لا ندري كيف حدث هذا ، 
فعلى نفس النسق سوف نعود إلى الحق مصداقا لقول الإمام على - كرم الله وجهه - “ إن لم تعلم من أين جئت ، لم تعلم إلى أين تذهب “ ( استعلامى 3 / 176 ) “ والفكرة هنا موجودة بنصها في معارف بهاء ولد ( 1 / 39 ) “ جاهد الآن حتى تفتح على نفسك بابا من أبواب الخير حتى تفتح عليك عشرة أبواب من أبواب الخير
 
“ 470 “
 
وتخلص بك من الجلد إلى اللحم ، ومن اللحم إلى الدم ومن الدم إلى اللبن ، ومن اللبن إلى ماء الحياة وساحة الغيب ، وعندما تدفن في التراب تصل إلى الماء . وإذا واصلت هذا الطريق تصل إلى الملك والدولة وفي النهاية لقد جئت من عالم الغيب ، ومن تلك الناحية من الحجاب إلى هذه الناحية فأي علم لك الغى ، ومن تلك الناحية من الحجاب إلى هذه الناحية منه ولم تعرف كيف جئت ، وستعود ثانية من هذه الناحية من الحجاب إلى تلك الناحية فأي علم لك بكيفية الذهاب ؟ من العدم أتيت وإلى الله تمضى الذي أوجدك من عدمإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ .
قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌوإذا كنت لا تعلم هذا الطريق وأنت تعلمه فسوف أقول لك سرا من أسراره : اترك العقل الذي يحسب وأنس هذه الدنيا ، وسد أذن الجسد التي تسمع كلام هذه الدنيا ، وراقب وانتظر ، حتى تحل بك عنايته ( انظر 1146 ) .
 ولكيلا يستمر مولانا في إفشاء هذه الأسرار وهتك هذه الحجب ، فإنه يمنع نفسه عن الحديث ، فالمستمع لم ينضج بعد بحيث يكون قابلا لهذه الأسرار ، وهو كالفاكهة الفجة ما لم يصل إلى معرفة الله فلا نفع منه ولا حاصل ، والفاكهة الفجة هي التي تتشبث بأشجار الدنيا ولا تليق بأن توضع في القصور لكنها بعد نضجها تضيق بالأشجار وتتركها ، وما هي فجاجة الإنسان ؟ 
التنطع والتعصب . إنه أشبه بالجنين الذي يتنطع ويتعصب للرحم ولا يرى عالما سواه وليس له غذاء فيها إلا الدم ، ولا يرى العالم الرحب والواسع ولا الأرزاق العظيمة التي سوف يظفر بها إن ترك الدم ( انظر تعليقات 74 - 52 وتعليقات 3965 - 2771 من نفس هذا الكتاب ) .
 
( 1299 - 1305 ) مثال الفاختة التي تقول كو ( أين ) موجود عند الخيام وعند سنائى ص 82 من الحديقة ) : أما الرجال فهم كالفاختة في الطريق الطوق في أعنقاهم ويقولون : أين أين . يعود مولانا فيقول : إن هناك الكثير مما يقال ، يقوله لك روح القدس ، يقوله لك إدراكك ، وكل ما هو موجود في الكون وحدة
 
“ 471 “
 
واحدة ، ولا يوجد “ أنا “ أو “ أنت “ فكلاهما واحد كيف ذلك ؟ 
يضرب مولانا الأمثال من الحياة اليومية ، فكما أنك ترى في النوم وتسمع وتسعى دون أن يبدر منك شئ من ذلك في الحياة الواقعية ، فالعلاقة مع الحق سبحانه وتعالى علاقة داخلية لا شئ منها مطروح في العالم الخارجي فإنك إذن إذا تنبهت إلى هذا الباطن فسوف تدرك أنك “ ملك “ وحدك وعالم عميق ، عالم صغير انطوى فيك العالم الأكبر ، وما فيك قوى هو هذه الذاتية ذات الأعمال والدهاليز والسراديب ( ذات التسعمائة طية ) ، لقد شبهت هذا السير الباطني بالنوم ، وهو سواه .
فاصمت إذن والله أعلم بالصواب .
 
( 1306 - 1331 ) اصمت إذن ، واترك الفرصة للمتحدثين الذين يعلمون أسرار الغيب عن طريق كوة القلب أو عن طريق عناية الله ولطفه ، إنهم الشموس الساطعة ، والأرواح ذات الرابطة المباشرة مع الحق ، وما دمت مع رجال الحق ، فدعك من أنيتك ، ولا تظهر العلم بالسباحة ما دمت في سفينة نوح ، لقد أعطاك الله طريق النجاة فما لك أنت والبحث مالك والجدل ؟ 
وإن فعلت فأنت مثل كنعان : لقد كانت السفينة أمامه ، لكنه تنفج بالقدرة على السباحة ، وما سباحته وسعيه وجهده وكده إلا كضوء شمعة خافتة أمام هذه الرياح الصرصر ، وما الجبل الذي يريد أن يأوى إليه والجبال في ذلك اليوم كأنها قشة أمام ذلك الطوفان المهلول ؟ 
وما هذا الدلال المقيت أمام من لا والد له ولا ولد ولا صاحبة ولا شريكة ؟
إن كل إلا اتى الرحمن عبدا ، لكن الإدبار يضع الأختام على قلوب المدبرين وأسماعهم . 
هذا الحوار بين نوح عليه السلام وبين ولده كنعان ، هذا الحوار الحي المفعم بالحرارة والحياة نموذج يقدمه مولانا جلال الدين كثيرا ، فمهما كان هناك من ناصح ، فإن نصحه لا يجدى مع من لا يريد الله له الهداية ، فالمهم العناية الربانية ، هي التي تجعل نصح الناصح ذا فائدة وأثر .
 
( 1332 - 1355 ) بعد غرق كنعان ، يتوجه نوح بقلب ملىء بالألم إلى الله
  
“ 472 “
 
تعالى ، لقد جرف السيل يا الله كل ما أملك ( الحمار والأحمال ) ولقد وعدتني ووعدك الحق بأن أهلي ناجون ، وهناك يأتي الجواب الإلهى ، نعم وعدتك ووعدى الحق ، لكن هذا ليس من أهلك ، إنه ليس منك ، إنه عضو فاسد ، والعضو الفاسد وهو أقرب إلى الإنسان من كل أهله وولده يستغنى عنه بالبتر في سبيل أن ينجو الكل ويسلم ، 
ويواصل نوح ( ليس مولانا كما يقول استعلامى 3 / 278 فالحوار مستمر ) : يا إلهي إن كل ما هو سوى وجودك الحق مسبب لألمى وضيقى ، وإن كان ثمة غير ، فليكن هالكا منك ، إن صلتي بك يا الله هي صلة دائمة مباشرة لا واسطة فيها ولا حائل بيني وبينك فيها ، فنحن الأسماك وأنت بحر الحياة ، فنحن أحياء بك يا من لا تستوعبك الأفكار والأوهام لقد كان كل كلامي مع هؤلاء في الظاهر لكنه كان معك أنت في الحقيقة لقد كان هؤلاء الناس هم بمثابة الأطلال والدمن والمخاطب الحقيقي هو أنت ، ومتى كان الشاعر الذي يقف على الأطلال والدقن يمدح الأطلال والدمن ، إنه إنما يمدح الأطلال والدمن ظاهرا ، لكن هدفه من كل ذلك هو “ المحبوب “ إن كل ما قالوه من غزل في العين والحاجب والوجه الحسن كلها في حمد الله ومن ثم فأبيات كثيرة قيلت في هذا الشأن وهدف الأبيات هو هذا ( معارف 1 / 392 ) ، 
فالحمد لله أنك أزلت الأطلال والدمن حتى أحدثك بلا واسطة ، لقد كنت أحدث هؤلاء الناس عن “ الله “ حتى أسمع صدى صوتي على ألسنتهم يقولون “ الله “ لأسمع اسمك مرات ومرات فأنا عاشق لهذا الاسم ، وكل نبي هكذا أنه إنما يخرج إلى الجبل يذكرك حتى يردد الجبل صدى صوته فيسمع أسمك مرددا مضاعفا ، أما أولئك الذين لا يرددون اسم الله حتى وإن كانوا جبالا ، فهي جبال لا تليق إلا بسكنى الحشرات والفئران ما دامت خالية من اسمك . ومن الأفضل أن ندعها وشأنها ، فهي ليست جديرة بالرفقة والصداقة .
 
( 1362 - 1376 ) لم يرد الحديث الأول الوارد بالعنوان في كتب الحديث
 
“ 473 “
 
فيما نعلمه وقال جلبنارلى ( 3 / 240 ) أنه من الحديث ( كل نفس تحشر مع هواها فمن هوى الكفرة فهو مع الكفرة ولا ينقصه علمه شيئاً ) ، أما الحديث الثاني فهو جزء من حديث قدسي ورد في الجامع الصغير “ قال الله تعالى : من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي فيلتمس ربا سواي “ . ويشير مولانا إلى التناقض ( الظاهر ) الموجود بين الحديثين والذي يثيره إنسان مغرم بالجدل : إذن فكفر الكفار ونفاق المنافقين هو أيضا من قضاء الله فلماذا لا ترضى عنه ، 
ويجيب مولانا : إن البشر في رأيه مسؤولون عن أعمالهم ، وأهل الخير فقط هم الذين يربطون كل أعمال البشر من خير وشر بالله تعالى ومن ثم فهم لا يخشون الكفر ، وهذا ليس صحيحا في نظر مولانا ، ويرى مولانا أن التناقض الموجود بين الحديثين تناقض لفظي ، فالقضاء هو حكم الله تعالى ومبنى على علمه الأزلي أما المقضى : فهو نفاذ قضاء الله في مواضع جزئية تتناسب مع المرء وأعماله وأفكاره ، أما عمل الكافر فهو من اثار القضاء ومن الأمور “ المقضية “ والرضا بقضاء الحق هو أن تقبل وقوع الكفر كما يقع أي شئ وليس أن تقول : إن شقاق الكفار وخبثهم أمر مستحب . والكفر في مرحلة القضاء لا يعد كفرا ولكنه عندما “ يتعين “ أي يأخذ الصورة العينية في سلوك الكفار نسميه آنذاك كفرا ، وإذا سميناه كفرا في مرحلة القضاء فكأننا سمينا الحق بالكافر ، وقضاء الحق هو علمه الأزلي والأبدي بكل الأمور ، وليس جزئياتها . 
فالنقاش يستطيع أن يرسم صور الحسن والقبح ، وحتى رسمه للقبح لا يدل على أنه يحبذه أو يدعو إليه ، بل إن رسمه للقبح يبين أيضا قوته على رسم الشر كقوته على رسم الخير ، وفي النهاية يخلص مولانا إلى أن هذا الجدل ليس من ديدنه وليس من الطريق الذي يسير عليه ، والخوض فيه يمنعه عن الخوض في حديث “ العشق “ ( القابل للخير والشر على السواء ) والإرشاد وهو خدمة اجتماعية والهية .


 
“ 474 “
 
( 1377 - 1386 ) يسوق هنا فكاهة لكي يبين أن الحيرة ( وليس التحير ) ، تمنع السالك من بيان أفكاره لأنه عندما يدرك عظمة عالم الغيب لا يستطيع أن يفصح عن مواجيده ، ويعجز أيضا عن البحث والفكر : والفكاهة واردة في مقالات شمس الدين التبريزي ( ص 91 تحقيق أحمد خوشنويس - تهران - زهره - 1351 ه - . ش ) 
والبحث إذن والفكر عن القضاء والكفر أشبه بفصل الشعيرات البيضاء عن السوداء في لحية الكهل ، هي عمل فيه تنطع ، ولا مجال للعاشق ولا وقت للتنطع والدخول في جدل كلامي ، ثم يسوق فكاهة أخرى ، أشبه بمن ضرب أحدهم على قفاه ، وعندما يهم الآخر برد الضربة يدخل في جدل : هل الصوت الذي نتج عن الضرب من القفا أو من الكف ، 
ويجيب المضروب : بأن الألم الذي أحس به من الصفعة لم يترك له فرصة للتفكير أو الجدل ، ومن ثم فإن من لديه “ ألم الدين “ والعشق لا يدخل في مثل هذا الجدل فهو جدل جدير بعلماء الكلام لا بأصحاب القلوب .
 
( 1387 - 1393 ) تحت عنوان الحكاية لا يسوق مولانا حكاية بالمعنى المفهوم ، بل هو خبر متصل بالمعنى الذي يبحثه ، هو أن اللباب يصرف الذهن عن القشور ، أو أن الباطن يصرف الذهن عن الظاهر ، أو السلوك والذوق يمنعان عن الخوض في المسائل الجدلية الكلامية ، ومن هنا فالصحابة رضوان الله عليهم أجمعين لم يهتموا بحفظ القران . . . فقد كان لهم طريق من وجود الرسول صلّى اللّه عليه وسلم إلى لب القران ، ومن ثم فقد شغلهم هذا اللب ، وفي البيت رقم 1390 يقول : إن رقة القشر وتلاشيه يشبهان قرب العاشق من المعشوق كلما اقترب انقضت ذاتيته وفنى وجوده في المحبوب ، وفي البيت 1391 أن كيفية أن تكون طالبا وكيفية أن تكون مطلوبا كلاهما عكس للآخر ، وحقيقة القران الكريم هو النور ، والصحابة الذين كانوا يدركون ذات النور في وجود الرسول لم تكن بهم حاجة إلى حفظ الألفاظ ، وتجلى نور الحق كان يبعد كل شئ حتى القرآن عنهم وفي البيت 1392
 
“ 475 “
 
أوصاف القديم أي أوصاف الله سبحانه وتعالى والحادث أن المخلوق وما له وجود عيني وصوري في هذا العالم ، ومن ثم فطبقا لقول الجنيد “ إذا قرن المحدث بالقديم لم يبق له أثر “ ( مولوى 3 / 202 ) ، والقديم نور الله والحادث “ ألفاظ القران وصوره . . “ وفي البيت 1393 جل فينا : أي عظم فينا وارتفع قدره ، ويحتمل أن هذا البيت متأثر برواية وردت في مصادر الحديث عن أنس رضي الله عنه : “ أن رجلا كان يكتب للنبي صلّى اللّه عليه وسلم - وقد كان قرأ البقرة وآل عمران ، وكان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جد فينا “ ( استعلامى 3 / 281 ) 
يقول يوسف بن أحمد “ وما كان هذا الحال من عدم قوة الحافظة بل كما قال صاحب شرعة الإسلام كانت الصحابة يتعلمون عشر آيات لا يتجاوزونها إلى غيرها حتى يعلمون ما فيها من العمل ، فضلا على أنهم صرفوا أوقاتهم في تدبر القران وتفكر معناه الشريف “ ( مولوى 3 / 201 - 202 ) وورد في مقالات شمس الدين التبريزي “ لم يكن الصحابة يروون قط على المصطفى - صلّى اللّه عليه وسلم - فقد كانوا في سكر من الطريق ، وفي هذا المجال لم يرو العتيق - أي الصديق رضي الله عنه - أكثر من سبعة أحاديث ( ص 164 ) .
 
( 1394 - 1400 ) يواصل مولانا : إن الجمع بين ظاهر القران ومعناه لا يجتمعان إلا لسلطان عظيم ( ذي قوة إلهية ) ، وبيان هذا المعنى العظيم في ألفاظ أشبه بأن تنتظر من الثمل أن يراعى الأدب ، فأولئك الذين يصلون إلى الحقيقة تسكرهم هذه الحقيقة ولا يتأتى حالهم في لفظ ( انظر تعليق الأبيات 1269 - 1280 ) ، والمستغنى لا يراعى الضراعة والابتهال ، 
ثم يقول : إن العصا محبوبة للعميان ولازمة لهم ، وأهل الظاهر كالعميان لا يعلمون حقيقة القران ، لكن أذهانهم كالصناديق المليئة بألفاظ القران مثل عصا العميان يستدل بها عميان القلب ، ويتكئون عليها بأن يجعلوها أسباب المعاش ، وعلى هذا يعشقون ألفاظ القران أو يحفظونها للمراء والشهرة “ مولوى 3 / 203 “ .
 
“ 476 “
 
وهؤلاء العميان يستطيعون أن يحفظوا جيدا ما يحتوى عليه القران الكريم من البينات والذكر والنذر ، ولكنهم لا يفهمون معناها ، ويتدارك مولانا الأمر : حتى حفظ الألفاظ خير من لا شئ : فالإنسان الخالي من الخير والشر أفضل من إنسان مملوء بالشر والكفر والنفاق .
 
( 1401 - 1406 ) يصل مولانا إلى نتيجة أعمق : إن الذي يصل إلى المعشوق ما حاجته بعدها إلى التوسل بالوسائل ؟ ومن ثم فقبيح بأهل المعنى أن يتوسلوا بوسائل أهل الظاهر والعبارة لأبى الحسن أحمد بن أبي الحوارى ، بلغ رتبة الإمامة في علوم الظاهر وبعدها رمى كل كتبه في البحر وقال : نعم الدليل كنت أما الاشتغال بالدليل بعد الوصول فمحال ( وردت أيضا في الحلية ج 1 ص 6 ) 
ويعلق الهجويرى : إذا وصل المرء إلى الحي فالطريق والباب لا فائدة منها ، وقد لام بعض المشايخ على ادعاء أبى الحسن وقالوا : “ من ظن أنه قد وصل فقد فصل “ ويدافع الهجويرى على أنه لم يدع هذا ، بل كل ما ادعاه أنه عرف أن الطريق إلى الله لا يتأتى بالكتب ومثله فعل كثيرون مثل الشيخ أبي سعيد بن أبي الخير ، وقد يقال : إن تمزيق الكتب يراد به نفى استحالة العبارة عند تحقيق المعنى ، والاستحالة قائمة أيضا بالنسبة للسان “ من عرف الله كل لسانه “ ( كشف المحجوب 145 - 146 من الترجمة العربية للمترجم وآخرين القاهرة 1974 ) ، 
وما دمت وصلت إلى الكمال الروحاني “ الماء “ فما حاجتك إلى السلالم “ العلوم الشرعية “ ؟ إنه أمر يكون من البلة ، اللهم إلا إذا توسلت بهذه العلوم الشرعية لإرشاد الآخرين . والبيت 1406 مقدمة للحكاية التالية .

.
* * *

الهوامش والشروح 778 - 1405 على منتدى إتقوا الله ويعلمكم الله

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: