الاثنين، 31 أغسطس 2020

12 - حكاية العياضي رحمه الله وكان قد شهد سبعين غزوة عارى الصدر على أمل الشهادة .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

12 - حكاية العياضي رحمه الله وكان قد شهد سبعين غزوة عارى الصدر على أمل الشهادة .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

 حكاية العياضي رحمه الله وكان قد شهد سبعين غزوة عارى الصدر على أمل الشهادة .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

حكاية العياضي رحمه الله ، وكان قد شهد سبعين غزوة عارى الصدر على أمل الشهادة وعندما يئس من نيلها ، اتجه من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر واختار الخلوة ، وفجأة سمع طبل الغزاة ، فأخذت النفس تمزق الأغلال من الداخل لتتجه إلى الغزو ،واتهامه لنفسه في هذه الرغبة
- قال العياضي : لقد أتيت تسعين مرة " إلى الغزو " عارى البدن ، على أن أصاب بطعنة .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : أكل الجرجير عند الصوفية وفي ترجمة أخرى أكل حساء البرغل .
( 2 ) حرفيا : أكل الجرجير ، ولعب هنا بكلمتى حمزة أي الجرجير وحمزة بن عبد المطلب رضي اللّه عنه
( 3 ) ج / 12 - 538 : ليس بالطعام الدسم ، إنه السيف والخنجر ، نبغي المغامرة فيه بالرأس ، فما قيمة الرأس ؟
( 4 ) في النص تَركان وهو من الأسماء الشائعة للنساء .
( 5 ) ج / 12 - 538 : - أي غزو تستطيع القيام به ومن تلك العين ، ضعت هكذا وسقطت على الأرض .
  
“ 387 “
  
- كنت أواجه السهام عارى الجسد ، حتى أصاب بسهم نافذ .
- ذلك أن تلقي سهم في الحلق أو في مقتل ، أمرٌ لا يجده إلا كل شهيد مقبل .
- وليس على جسدي موضع واحد بلا جرح ، وأصبح هذا الجسد من السهام ، كأنه الغربال .
 
3785 - لكن السهام لم تصبني في مقتل ، وهذا أمر من الحظ ، لا جلد ولا دهاء .
- ولما لم تكن الشهادة رزقا لروحي ، فقد أهرعت إلى الخلوة للقيام بأربعينية .
- وألقيت بالبدن في الجهاد الأكبر ، وفي ممارسة الرياضة " الصوفية " وإنحاله " بالعبادة " .
- فوصل قرع طبول الغزاة إلى مسمعي ، منبئا بأن الجيش المجاهد يمضي سعيدا .
- فنادتني النفس من الباطن ، بحيث سمعتها بأذن الحس في الصباح .
 
3790 - قائلة : انهض ، لقد آن أوان الغزو ، فامض ، وأشغل النفس بالغزو .
- قلت : أيتها النفس الخبيثة عديمة الوفاء ، أين منك الميل إلى الغزو ؟
- أصدقيني القول أيتها النفس ، فإن هذا احتيال ، وإلا فإن النفس الشهوانية بريئة من القيام بالطاعات .
- وإن لم تصدقيني القول ، حملت عليك حملة شديدة ، وأثقلت عليك في الرياضة ، فوق ما أفعل .
- فصاحت النفس تلك اللحظة من باطنه بفصاحة ودون فم وبدأت في الملق والوسوسة.
 
3795 - إنك تقتلني هنا كل يوم ، وتؤذى روحي ، وكأنها روح المجوس .
 
“ 388 “
  
- وليس عند أحد علم بحالي ، وأنك تقتلني بمنع الطعام والنوم عنى .
- وفي الغزو ، أقفز بطعنة واحدة خارج البدن ، ويرى الخلق شجاعتى وإيثارى .
- قلت : أيتها النفس الحقيرة ، لقد عشتِ في نفاق ، وها أنت تموتين أيضا على النفاق . . فماذا تكونين ؟
- لقد كنت مرائية في الدارين ، وهكذا كنت في الدارين بلا جدوى ولا فائدة .
 
3800 - وقد نذرت ألا أطل برأسي من الخلوة ، ما دام هذا البدن حيا .
- وذلك أن كل ما يفعله هذا الجسد في الخلوة ، إنما يفعله لا من أجل وجوه الرجال والنساء .
- فحركته وسكونه في الخلوة ، ونيته لا تكون إلا من أجل الحق .
- وهذا هو الجهاد الأكبر، وذاك هو الجهاد الأصغر، وكلاهما من أعمال أمثال رستم وحيدر.
- وليس ذلك الذي يفر لبه ووعيه من جسده ، عندما يتحرك ذيل فأر .
 
3805 - وينبغي على مثل هذا الإنسان ، أن يبتعد كالنساء عن الحرب والسنان .
- وهذا صوفي ، وذاك صوفي ، ويا للخسارة ، لقد قتل ذاك بإبرة ، وهذا هو طعمة السيف .
- إنه يكون صورة لصوفي ولا روح، لقد ساءت سمعة الصوفية من هؤلاء الصوفية.
- فعلى باب الجسد المعجون من الطين وجداره ، رسم الحق من غيرته صورا لمائة صوفي .
  
“ 389 “
  
- ومتى تتحرك تلك الصور من السحر ، ما دامت عصا موسى عليه السّلام مختفية .
 
3810 - وتلك الصور يبتلعها صدق العصا ، وعين فرعون " راغمة " مملوءة بالتراب والحصى .
- وهناك صوفي آخر ، دخل إلى ميدان الحرب عشرين مرة ، من أجل الطعن والضرب .
- كان مع المسلمين على الكفار عند الكر ، لكنه لم يعد مع المسلمين عند الفر .
- لقد جرح ، لكنه ربط جرحه ، وحمل مرة أخرى " على العدو " قائلا :
- حتى لا يموت الجسد بطعنة واحدة موتا رخيصا ، وحتى يصاب بعشرين طعنة في المصاف .
 
3815 - كان يشعر بالخسارة أن يسلم الروح نتيجة لطعنة واحدة ، وإن الروح لتنجو بيسر من يد صدقة .
 
حكاية ذلك المجاهد الذي كان يلقي كل يوم بدرهم من كيسه في الخندق على مرات لمكافحة الحرص ورغبة النفس ووسوستها وهي تقول : لماذا تلقي " بالدراهم "
في الخندق على مرات ، ألقها دفعة واحدة حتى أنتهي ، لأن اليأس إحدى
الراحتين فقال : حتى هذه الراحة لا أهبها لك
 
- كان مع أحدهم أربعون درهما ، فكان يلقي كل ليلة بواحد في اليم ،
- حتى يكون ذلك صعبا على النفس المجازية ففي التأني يكون ألم نزع الروح طويلا . “ 1 “
..............................................................
( 1 ) نسخة نيكلسون - والتي أخذت عنها أغلب النسخ - مضطربة هنا تماما لأن البيت التالي لهذا البيت تكرار للبيت 3811 والأبيات التالية له مرتبطة بالموضوع السابق ولا علاقة لها
 
“ 390 “
  
- وكانت النفس تصيح به كل ليلة والمسكينة تعاني من القلق والحمى قائلة :
- لماذا لا تلقي بالدراهم دفعة واحدة ؟ لقد قتلتني من الحزن وانعدام الحيلة .
 
3820 - من أجل الحق ، أد الدين للنفس دفعة واحدة ، فاليأس إحدى الراحتين .
- لكنه لم يلتفت إلى النفس ، وأخذ هكذا يقوم بقتلها مشقة وعناء .
 
عودة إلى حكاية ذلك المجاهد في القتال
 
- مثل ذلك الصوفي عند القتال ، لقد ضيق كثيرا على النفس من أجل الحق .
- فعند الكر ، كان يمضي سريعا مع المسلمين ، وعند الفر لم يكن يعود معهم سريعا .
- وطعن طعنة أخرى ، وجرح ، فربطه أيضا ، ولعشرين مرة انكسر رمحه وسهمه .
 
3825 - وبعد ذلك لم تبق لديه طاقة " على الثبات " ، فسقط في المقدمة ، في مقعد الصدق ، من صدق عشقه .
- فالصدق هو بذل الروح فهيا سابقوا ، واقرأ من القرآن آيةرِجالٌ صَدَقُوا.
- إن كل هذا ليس بموت ، إنه موت الصورة ، وهذا البدن للروح مثل الآلة .
..............................................................
- بهذا الموضوع ومن ثم اعتمدنا في ترجمة هذا الموضع على نسخة جعفري " 12 - 544 " 
حتى نهاية الحكاية ، والعنوان الجديد ليس موجودا أيضا في نسخة نيكلسون ولا البيت الذي بعده وهما أيضا من نسخة جعفري " 12 - 547 " 
وبعد ذلك يتفق النصان بزيادة خمسة أبيات على نسخة نيكلسون في المتن العربي .
 
“ 391 “


 
- ورب ساذج سفك دمه ، لكن نفسه الحية ، أهرعت إلى تلك الناحية .
- كسرت آلته ، وبقي قاطع الطريق حيا ، والنفس حية بالرغم من أن المطية قد قتلت .
 
3830 - قتلت المطية ، ولم يصبح طريقه مطروقا ، ولم يصبح إلا ساذجا قبيحا مضطربا .
- ولو صار شهيدا كل من سفك دمه لكان الكافر القتيل في مقام " أبي سعيد " ! !
- ورب نفس شهيد معتمد ، ماتت في الدنيا وهو يمضي كالأحياء .
- ماتت النفس قاطعة الطريق ، والجسد الذي هو سيفها ، بقي في كف ذلك الغازي .
- فالسيف هو ذلك السيف ، والرجل ليس ذلك الرجل ، لكن هذه الصورة مثار دهشة بالنسبة لك .
 
3835 - وعندما تبدل النفس ، يصير سيف البدن هذا ، موجودا في يد صنع ذي المنن .
- فهذا رجل قوته كله من الألم ، وهذا رجل آخر أجوف كأنه الغبار .
 
وصف أحد الوشاة لجارية ، وإظهاره صورتها في ورقة لخليفة مصر ، وعشقه إياها وإنفاذ الخليفة لأمير مع جيش إلى جبال الموصل ، وقيامه بالقتل والتخريب لهذا الغرض
 
- قال أحد الوشاة لخليفة مصر ، إن عند أمير الموصل جارية كأنها من الحور العين .
- إن بين " أحضانه " الآن جارية ، لا مثيل لحسنها في العالم .
- وحسنها بلا حد ، لا يصفه بيان ، وهذه هي صورتها في هذه الورقة .
 
“ 392 “
 
3840 - وعندما رأى ذلك الملك الصورة ، دار رأسه ، وسقط الكأس من يده .
- وعلى الفور أرسل أحد الصناديد إلى الموصل على رأس جيش لجب .
- وقال له : إن لم يسلمك هذا القمر المنير ، فاخلع باب بلاطه وجدرانه من الأساس ، 
- وإن أعطاك إياها ، فدعه لحال سبيله ، وهات الحسناء ، حتى أعانق القمر وأنا على الأرض .
- فمضى البطل إلى الموصل مع الجيش ، مع الآلاف من أمثال رستم ، والطبل والعلم .
 
3845 - وكأنهم الجراد المنتشر حول حقل بلا عد ولا حصر ، ومضى لإبادة أهل تلك المدينة .
- وفي كل ناحية من المدينة ، نصب منجنيقا كأنه جبل قاف وأخذ في قصفها ، 
- " واستعرت " ضربات السهام والرمي بالمنجنيق والسيوف في الغبار لامعة كالبرق " الخاطف " .
- وقام بهذه المذبحة المهولة لأسبوع كامل ، وصار برج المدينة الحجري واهنا كأنه الشمع اللين .
- ورأى ملك الموصل القتال المرير ، فأنفذ إليه رسولا من داخل المدينة .
 
3850 - قائلا له : ماذا تريد من دماء المؤمنين الذين يقتلون في هذه الحرب الضروس ؟
- فإذا كان مرادك هو مُلك الموصل ، ليكن لك دون أن تقوم بهذه المذبحة .
 
“ 393 “
 
- وسوف أخرج من المدينة الآن فأدخلها ، حتى لا يحيق بك " جرم " دماء المظلومين .
- وإذا كان مرادك المال والذهب والجواهر ، فهذا أمره أيسر من مُلك المدينة . “ 1 “
 
إيثار صاحب الموصل الخليفة بتلك الجارية حتى لا يستحر القتل في المسلمين
 
- وعندما جاء الرسول إلى البطل ، أعطاه الورقة التي تحتوى على الصورة والأمارة. “ 2 “
 
3855 - " وقال " : انظر في هذه الورقة ، وهيا ، أعطني صاحبتها ، وإلا فأنا غالب لكم الآن “ 3 “ 
- وعندما عاد الرسول ، قال ذلك الملك الشجاع : دعك من التمسك بالصورة ، وخذها إليه سريعا .
- فلست في عهد الإيمان بعابد للصنم ، فالصنم أولى بذلك الوثني . “ 4 “
- وعندما أتى الرسول بها ، وقع ذلك البطل من فوره في عشق جمالها .
- والعشق بحر ، والسماء من فوقه زبد ، وهناك مائة زليخا في هوى يوسف
 
3860 - فاعلم أن دوران الأفلاك من العشق ، وإن لم يكن ثم عشق ، لتجمد الكون .
- ومتى كان الجماد ينمحي في النبات ؟ ومتى كان النبات يصبح فداءً للروح ؟
- ومتى كانت الروح تصير فداءً لذلك النفس الذي من نفخته حملت مريم ؟
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 550 : - وكل ما يلزمك من فضة أو ذهب ، أرسله لك ، فما هذه الفتنة والشر ؟
( 2 ) ج / 12 - 552 : - وقال له : انظر في هذه الورقة صورة من تكون ، وأرسل صاحبتها سريعا لتنجو أرواحكم ويسلم ملككم .
( 3 ) ج / 12 - 552 : - وعندما عاد الرسول وقص الأحوال ، سلم الورقة ، وأبدى تلك الصورة .
( 4 ) ج / 12 - 552 : - وأعطاه الجارية داعيا له بالبركة ، فأخذها من فوره وعاد بها إلى المعسكر .
 
“ 394 “
 
- وإذن لتجمد كل واحد في مكانه كأنه الثلج ، ومتى كان يصير محلقا ومنتشرا كالجراد ؟
- إن عشاق ذلك الجمال يسرعون ذرة بذرة نحو العلو ، وكأنهم الغصن " الشامخ " .
 
3865 - وإنسَبَّحَ لِلَّهِ *هي سرعتهم ، إنهم يقومون بتنقية الجسد من أجل الروح .
- ولقد ظن البطل البئر كالطريق ، وأعجبته الأرض البور ، فألقى فيها بالبذور .
- وعندما رأى ذلك النائم خيالا في النوم ، اجتمع به ، وسال منيه .
- وعندما ذهب النوم ، وصحا سريعا ، رأى أن تلك الحسناء لم تكن في اليقظة .
- فقال : لقد أسلت منيي على هباء ، وآسفاه ، وتجرعت إغراء تلك اللعوب ، وآسفاه .
 
3870 - كان بطلا بالنسبة للجسد ، ولم تكن عنده رجولة " الطريق " ، فأراق بذور الرجولة في مثل هذا الرمل .
- ولقد مزقت مطية عشقه مائة زمام ، فأخذ يصيح " لا أبالي بالحِمام ،
- أيش ابال بالخليفة في الهوى ، استوى عندي وجودي والنوى " “ 1 “
- فلا تزرع هذه الحرقة ، ولا تتهور آخرا ، واستشر أحد الحكماء .
- وأين المشورة ؟ وأين العقل ، وسيل الحرص قد أنشب مخالبه في " أرض " خراب .
..............................................................
( 1 ) ما بين القوسين بالعربية في المتن الفارسي .
 
“ 395 “
 
3875 - فمن بين الأيدي سد ، ومن الخلف سد ، فهو قليلا ما يرى قدامه ووراءه ، ذلك المفتون بالخد .
- لقد اتجه سيلٌ أسود قاصدا الروح ، حتى يقوم الثعلب بإسقاط الأسد في البئر .
- لقد أبدى من البئر خيالا معدوما ، حتى يلقي في قاعه بأسود كالجبال .
- فلا تجعل أحدا قط أمينا على النساء ، فهما معا على مثال القطن والشرر .
- وينبغي أن تطفأ النار بماء الحق ، فيكون المرء مثل يوسف عليه السّلام ، معتصما في رهوقه .
 
3880 - لقد سحب نفسه من زليخا لطيفة الوجه والقد ، وكأنه الأسد . “ 1 “
- لقد عاد ذلك البطل من الموصل وأخذ يسير في الطريق ، حتى نزل في غابة ومرج .
- وكانت نار عشقه قد زادت أوارا ، بحيث لم يعد يدرى أرضا من سماء .
- فاتجه إلى تلك الحسناء في خيمتها ، فأين العقل ؟ وأين الخوف من الخليفة ؟
- وعندما تقرع الشهوة طبولها في هذا الوادي ، ماذا يكون عقلك أنت ، أيها الضعيف ابن الضعيف ؟ ! “ 2 “
 
3885 - ومائة خليفة قد صاروا أقل " قدرا " من ذبابة ، أمام عينه النارية في تلك اللحظة .
- وعندما خلع سرواله ، وقعد بين ساقي المرأة ، ذلك العابد للمرأة ،
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 553 : - ومتى يمكن أن تنتصر على نفسك ، إلا بمعونة عقل ذكي ذي فنون . 
- فهيا سق المركب نحو إتمام القصة ، فهذا الكلام لا نهاية له أيها البطل .
( 2 ) حرفيا : يا فجلة ابن فجلة .
 
“ 396 “


- وبينما كان يمضي مستقيما نحو المستقر ، قامت ضجة شديدة في المعسكر 
- فقفز عارى المؤخرة نحو صف القتال ، وسيفه في كفه وكأنه النار .
- فرأى أسدا هصورا أسود ، قد هاجم المعسكر من تلك الغابة.
 
3890 - وانطلق مهاجما كل حظيرة وكل خيمة ، وكأنه شيطان .
- وأخذ ذلك الأسد يندفع قافزا من طريق خفي في الهواء ، وكأنه موج البحر ، ولعشرين ذراعا .
- وواجه البطل ذلك الأسد بشجاعة وبلا حذر ، وكأنه الأسد الهصور الثمل ،
- وضربه بالسيف ضربة شقت رأسه ، ثم أسرع نحو خيمة الحسناء - وعندما أظهر نفسه لتلك الحورية ، كان ذكره لا يزال منتصبا .
 
3895 - لقد اشتبك في قتال مع ذلك الأسد ، لكن ذكره بقي منتصبا لم يرتخ
- فتعجبت تلك الحسناء حلوة اللقاء قمرية الوجه ، من رجولته .
- فاقترنت به برغبة وميل في تلك اللحظة ، واتحدت هاتان الروحان ، برهة من الزمان .
- ومن اتصال هاتين الروحين معا ، تنضم إليهما من الغيب روح أخرى .
- وتظهر عن طريق الميلاد ، إن لم يكن هناك قاطع طريق يمنع تعلقها واتصالها .
 
3900 - وكل اثنين يجتمعان على حب أو على بغض ، فلابد أن يلحق بهما ثالث ، على سبيل اليقين .
- لكن تلك الصور تتولد في الغيب ، وعندما تمضي إلى تلك الناحية تراها عيانا .
 
“ 397 “
 
- " وتدرك " أن تلك النتائج قد تولدت من قراناتك ، فانتبه ، ولا تسر سريعا من كل قرين .
- وابق منتظرا ذلك الميقات ، واعلم أن إلحاق الذريات مبدأ صادق .
- فقد جعلوا لكل امريء من العمل والعلل ، صورة ونطقا وطللا .
 
3905 - وتصل أصواتهم من ربات الحجال ، منادية إياك ، يا غافلا عنا ، على وجه السرعة ، إلينا تعال ،
- وأرواح الرجال والنساء منتظرة في الغيب ، فما تلكؤك هذا ، جد في السير .
- ولقد ضل الطريق من ذلك الصبح الكاذب ، وسقط في إناء المخيض كأنه الذبابة .
 
ندم ذلك القائد على الخيانة التي ارتكبها وأخذه الأيمان على تلك الجارية
بألا تفشي الأمر للخليفة
 
- ولقد ظل عدة أيام على ذلك النحو ، ثم صار نادما على ذلك الجرم البشع . “ 1 “
- وأخذ عليها المواثيق ، وقال : يا من وجهك كالشمس ، لا تتحدثي بشيء مما حدث إلى الخليفة . “ 2 “
 
3910 - وعندما رآها الخليفة ، صار ثملا ، وسقط طسته هو الآخر من فوق السطح .
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 559 : - أخذ عليها المواثيق قائلا : أيها البدر المنير ، كوني على حذر ، ولا يعلمن الملك شيئا .
( 2 ) ج / 12 - 559 : ولأقصر القول ، فإن ذلك البطل قد حمل الجارية إلى مليك العالم .
 
“ 398 “
 
- فلقد رآها أضعاف أضعاف ما وصفت له ، ومتى تكون الرؤية في حد ذاتها مثل السماع ؟
- إن الوصف " مجرد " تصوير من أجل عين الوعي ، واعلم أن الصورة تكون من أجل العين لا من أجل الأذن . “ 1 “
- لقد سأل أحدهم أحد الفصحاء سؤالا : قل لي ما هو الحق وما هو الباطل يا حسن المقال .
- فأمسك بأذنه وقال له : هذا هو الباطل ، والعين هي الحق ، إذ يحصل منها اليقين .
 
3915 - إن الأذن باطلة بالنسبة للعين ، وهذا أمر نسبي ، وأغلب الأحكام نسبية أيها الأمين .
- فإذا كان الخفاش قد احتجب عن الشمس ، فإنه لا يكون محجوبا عن خيال الشمس .
- وإن مجرد خيال لا يزال يخوفه ، وخياله ذلك يسوقه نحو الظلام .
- وذلك الخيال لا يفتأ يخوفه من النور ، ويلصقه بليل الظلمات .
- ومن خيال العدو وصورته " التي في ذهنك " اعلم أنك قد التصقت بالرفيق والصديق .
 
3920 - ويا موسى ، إن كشفك قد نشر اللمع فوق الجبل ، وذلك المقيم على الخيال ، لا قدرة له على تحقيقك .
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 560 : - عنوان " سؤال لأحد العظماء عن الفرق بين الحق والباطل " ثم بيت زائد :
- إنني سأضرب لك مثالا فاستمع إليه الآن ، وافهم الأمثال وع معناها .
 
“ 399 “
 
- فهيا - ولا تصر مغرورا بأنك قابل لخياله ، وأنك واصلٌ من هذا الطريق .
- فمن خيال الحرب - لا يهلع أحد ، فلا شجاعة قبل الحرب ، اعلم هذا فحسب .
- والمخنث على خيال الحرب مقيمٌ على الفِكر ، إنه يقوم " في خياله " بمائة كر وفر كرستم .
- وصورة رستم تلك التي تكون في الحمام ، تكون مقترنة بفكر كل جلف ساذج.
 
3925 - وخيال السمع هذا عندما يتحول إلى بصر ، ماذا يكون المخنث ؟ إنه يتحول إلى رستم عاجز .
- فجاهد حتى تمضي من "مجال" أذنك إلى " مجال " عينك ، وما كان باطلا يصبح لك حقا .
- ومن ذلك الوقت فصاعدا ، تصير أذنك في نفس طبع العين ، وتصبح جوهرا تلك الأذنان اللتان تشبهان الصوف .
- بل إن كل الجسد يصير كالمرآة ، يصير له عينا وجلاءً للصدر .
- فإن الأذن تثير الخيال ، وذلك الخيال ، هو الواسطة لوصال ذلك الجمال .
 
3930 - فجاهد حتى يصير هذا الخيال زائدا ، حتى يصير واسطة تقود المجنون .
- وذلك الخليفة المخدوع نال أيضا " السعادة " فترة من الزمن ، وتحامق سعيدا مع تلك الجارية .
- فالملك لك ، فخذ أنت ملك الغرب والشرق ، وما دام لا يبقى لك ، فاعتبره من قبيل البرق .
- والمملكة التي لا تبقى إلى الأبد ، اعتبرها حلما ، يا من نام قلبك .
 
“ 400 “
 
- فحتام تقوم أنت بهذا النفاق والكبرياء ؟ حتى يأخذ بحلقك ، وكأنه الجلاد ! !
 
3935 - وحتى في هذا العالم، اعلم أن هناك مأمن، وقلل الاستماع إلى المنافق ، فلا قول له.
 
حجة منكري الآخرة ، وبيان ضعف تلك الحجة ،
لأن حجتهم تعود إلى قولهم : لا نرى غير هذا
 
- إن الحجة التي يقدمها منكر البعث ، ويقولها في كل لحظة ، إذا كان هناك شيء غير هذا لرأيته .
- وإذا كان الطفل لا يرى العقل ، فلا يعنى هذا ألا ينقل العاقل عن العقل أبدا .
- وإن لم ير العاقل أحوال العشق ، فإن قمر العشق المقبل لن ينقص .
- وأبصار إخوة يوسف عليه السّلام لم تر حسنه ، وما الذي خفي منه عن قلب يعقوب عليه السّلام ؟
 
3940 - وعين موسى عليه السّلام رأت العصا خشبة ، أما عين الغيب فقد رأتها أفعى وفتنة .
- وعين الرأس في قتال مع عين السر ، لكن عين السر غلبت وأبرزت الحجة .
- وعين موسى عليه السّلام رأت يده مجرد يد ، لكنها كانت نورا طاهرا أمام عين الغيب .
- إن هذا الكلام لا نهاية له في الكمال ، وهو أمام كل محروم يكون كالخيال .
- وما دامت الحقيقة أمامه هي الفرج والحلق ، فقلل الحديث أمامه عن أسرار الحبيب .
 
“ 401 “


3945 - والفرج والحلق عندنا من قبيل الخيال ، فلا جرم أن الروح تبدي لنا كل لحظة جمالها .
- وكل من جعل الفرج والحلق طبعا له وطريقة ، أقول له : من أجل هذا نزلتلَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ.
- ومع إنكار كهذا ، أولى بك أن تقصر الكلام ، وقلل الحديث يا أحمد مع من شاخ على المجوسية .
 
مقاربة الخليفة لتلك الحسناء من أجل الجماع
 
- لقد جمع الخليفة رأيه ، وأزمع أمرا ، ومضى نحو تلك المرأة ليجامعها .
- ولقد ذكرها ، وجعل ذكره ينتصب ، واتجه لجماع تلك التي تزيد الحب .
 
3950 - وعندما قعد بين ساقي تلك السيدة ، حم القضاء ، وقطع طريق متعته .
- ووصل إلى سمعه صوت خشخشة من فأر ، فارتخى ، وهدأت شهوته تماما .
- لقد كان خائفا من أن يكون هذا الصرير ، من حية تتحرك بين الحصير .
 
ضحك تلك الجارية من ضعف شهوة الخليفة وقوة شهوة ذلك الأمير
وفهم الخليفة " شيئا " من ضحك الجارية
 
- ورأت المرأة وهنه هذا ، ومن دهشتها قهقهت وغلبها الضحك .
- وذكرت رجولة ذلك البطل ، الذي قتل الأسد ، وعضوه على حاله .
 
3955 - وطال استغراقها في الضحك ، وهي تجاهد " لتكتمه " ، لكن الشفة لم تغلق .
- أخذت تضحك بشدة ، وكأنها من مدمني المخدرات ، غلب الضحك " عندهم " على النفع والضر .
- وكلما فكرت وتذكرت زاد الضحك ، وكأن سدا أمام سيل قد فتح فجأة .
 
“ 402 “
 
- والبكاء والضحك ، وسرور القلب وحزنه ، اعلم أن لكل منهما معدنا مستقلا .
- ولكل منهما خزانة ، اعلم أيها الأخ ، أن مفتاحها في يد الفتاح .
 
3960 - ولم يكن يبدو أنها سوف تقلع عن الضحك ، فتطير الخليفة ، واستشاط غضبا .
- فأسرع بسل سيفه من غمده ، وقال لها : تحدثي عن سر هذا الضحك ، هيا أيتها الدنسة .
- لقد وقر في نفسي ظن ما من هذا الضحك ، فتحدثي بالصدق ، فلن تستطيعي خداعي .
- وإن تحدثت إلى مخادعة بغير الصدق ، أو سقت لي حجة واهية مكشوفة ،
- فإنني سوف أعرف ، فهناك نور في قلبي ، فينبغي أن تقولي لي ما هو جدير بالقول .
 
3965 - واعلمي أن في قلوب الملوك قمرا ساطعا ، وإن كان بين الحين والآخر ، يصير من الغفلة مخفيا بالغمام .
- وهناك مصباح في القلب عند الطواف ، وعند الحرص والغضب ، يختفي تحت الطست .
- وأنا أحس أن هذه الفراسة توجد معي الآن ، وإن لم تقولي الحق الذي ينبغي أن يقال ،
- فسوف أضرب عنقك بهذا السيف ، فلن يجدى تعللك بالأعذار . “ 1 “
- وإن تحدثت بالصدق ، فسوف أعتقك ، وأسعدك ، ولن أنقض عهدي أمام الله .
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 569 : - أقتلك في هذه اللحظة بلا أدنى شك ، ومد إليها السيف قائلا : هيا ، الآن .
 
“ 403 “
 
3970 - ووضع سبعة مصاحف حينذاك فوق بعضها ، وأقسم عليها ، على ما قاله لها .
 
إفشاء تلك الجارية ذلك السر للخليفة خوفا من الضرب بالسيف وإصرار
الخليفة على أن تقول له السبب في هذا الضحك وإلا قتلها
 
- عندما أسقط في يد المرأة تحدثت بالأحوال ، وقصت عن رجولة ذلك الذي يشبه مائة رستم وكثيرين من أمثال زال .
- وأعادت على مسامع الخليفة ما جرى في تلك الخلوة التي حدثت في الطريق بتفصيله .
- وقتل ذلك الأسد ، والمجيء نحو الخيمة ، وذلك الذكر المنتصب وكأنه قرن الكركدن . “ 1 “
- ثم وهن هذا المجاهد في هتك الأعراض ، الذي همد عندما استمع إلى خشخشة فأر .
 
3975 - إن الحق سبحانه وتعالى يقوم بهتك الأسرار ، فلا تزرع بذور السوء ، ما دامت سوف تنمو .
- فالماء والسحاب والحرارة وهذه الشمس ، تقوم باستخراج الأسرار من باطن التراب .
- وهذا الربيع الجديد النضر من بعد تساقط الأوراق ، برهان لك على وجود القيامة .
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 572 : - وأنه كان بهذه القوة ، ومن صيد الأسد ، لم يتغير فيه شيء وبقي على ما هو عليه .
- " وقالت " : وعندما رأيت ذاك منه وهذا منك ، ضحكت ، وهذا هو السبب يا مليك العالم .
 
“ 404 “
 
- ففي الربيع تظهر تلك الأسرار " على الملأ " ، وكل ما أكلته هذه الأرض ، يفتضح " أمره " .
- وينبثق ذلك من فمها ومن شفتيها ، حتى يظهر للعيان ضميرها ومذهبها .
 
3980 - وسر جذر كل شوكة ومأكلها ، يظهر كله على رأسها .
- وكل حزن تكون متأذى القلب منه ، هو من خمار تلك الخمر التي شربتها .
- لكن كيف تعلم من أي خمر شربتها قد بدى الآن ألم الخمار ؟
- إن هذا الخمار هو برعمة تلك البذرة ، وهذا يعلمه كل من هو أريب وذكي
- والغصن والبرعمة لا يشبهان البذرة ، فمتى تشبه النطفة جسد رجل ؟
 
3985 - وهما لا يتساويان معا : الهيولى والأثر ، ومتى تكون البذرة شبيهة بالشجر ؟
- والنطفة " من نتاج " الخبز " والطعام " ، فمتى شابهت الخبز ، والناس من النطفة ، فمتى يكونون مثلها ؟
- والخبز من النار فمتى يشبه النار ؟ والسحاب من البخار ، ولا يكون كالبخار .
- ومن نفس جبريل عليه السّلام تمثل عيسى عليه السّلام بشرا سويا ، فمتى كان شبيها له في الصورة أو ندا له ؟
- والإنسان من التراب ، فمتى شابه التراب ، وهل يوجد عنب يشبه الكرمة ؟
 
3990 - ومتى يكون لص على شكل المشنقة ؟ ومتى تكون الطاعة كالجنة الخالدة ؟
 
“ 405 “
  
- ولا يوجد أصل قط يشبه الأثر ، ومن ثم لا تعلم أصل التعب ووجع الرأس .
- لكن هذا الجزاء لا يكون بلا أصل ، وكيف يعذب الله بلا ذنب ؟
- وما هو أصل لهذا الشيء ويجذبه ، هو منه ، وإن لم يشبهه .
- إذن فاعلم أن ألمك هو نتيجة زلة ، وآفة هذه الطعنة فيك من هذه الشهوة .
 
3995 - وإذا كنت لا تعرف ذلك الذنب من العبرة ، فادخل في التضرع سريعا ، واطلب المغفرة .
- واسجد مائة مرة ، وقل دائما : يا الله ، إن هذا الحزن الذي بي ليس إلا جزاء ، حاق بي عن استحقاق .
- ويا من أنت سبحانك مبرأ من الظلم والجور ، متى تصيب الروح بلا جرم بالألم والغم ؟
- وأنا لا أعرف لنفسي ذنبا معينا ، لكن لا بد أن لكل ذنب حزنا " يصاحبه " .
- وما دمت قد سترت السبب للاعتبار ، فاستر ذلك الذنب والجرم على الدوام .
 
4000 - فإن الجزاء يكون إظهارا لجرمي ، ومن العقاب تبدو لصوصيتي . “ 1 “
 
عزم الملك عندما عرف تلك الخيانة على أن يسترها ويعفو ، ويهبه الجارية وعلمه أن تلك الفتنة كانت جزاء تعديه وظلمه لصاحب الموصل ، مصداقا لقوله تعالى وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها * وقوله إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ وخوفه من أن يحل به الانتقام إذا انتقم ، كما حاق به جزاء الظلم والطمع
 
- عاد الملك إلى وعيه ، واستغفر ، وذكر جرمه وزلته وإصراره .
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 573 : - فلأعد صوب الحديث عن توبة الملك ، حتى تصير أسرار الضراعة معلومة لديك .
 
“ 406 “ 
 
- وقال في نفسه ، ما فعلته بالناس ، إنما فعلته بنفسي ، وقد حاق جزاؤه بروحي .
- ولقد تعديت على أعراض الآخرين بجاهي ، وحاق ذلك بي وسقطت في " نفس البئر " .
- ولقد قرعت باب منزل شخص آخر ، فلا جرم أنه أيضا قد قرع باب دارى .
 
4005 - وكل من صار طالبا للفسق مع حريم الناس ، اعلم أنه " في نفس الوقت " قواد لأهله .
- ذلك أن الجزاء من جنس العمل ، فجزاء سيئة سيئة مثلها .
- وعندما هيأت أسباب الفسق ، فقد جذبت إلى نفسك مثله ، ومن ثم أنت ديوث وأكثر .
- ولقد غصبت الجارية من ملك الموصل ، فغصبت مني أيضا على وجه السرعة .
- ولقد كان " ذلك القائد " أمينا لي ومن أتباعي ، لكن خياناتي جعلت منه خائنا .
 
4010 - وليس هذا وقت الثأر والانتقام ، فأنا الذي ارتكبت بيدي فعلا ساذجا ليس بناضج .
- وإن قمت بالانتقام من ذلك الأمير والمرأة ، فإن عاقبته سوف تحيق بي أيضا .
- وكما أنني قد جوزيت على فعلي الأول وجربته ، فليس عليّ أن أجرب المجرب .
 
“ 407 “ 
 
- ولقد حطم الألم الذي أحس به صاحب الموصل عنقي ، فلن أجرؤ على توجيه ضربة إلى هذين .
- ولقد أنبأنا الحق علما عن الجزاء ، وقال ما معناه " إن عدتم به عدنا به " “ 1 “
 
4015 - ولما كان التزيد هنا عديم الجدوى ، فلا شيء محمود هنا غير الصبر والمرحمة .
- رب إننا ظلمنا " أنفسنا " وجرى علينا السهو ، فارحمنا يا عظيم الرحمات 
- ولقد عفوت ، فاعف أنت عني يا الله ، وتجاوز عن الذنب الجديد والزلات القديمة .
- ثم قال : الآن ، أيتها الجارية ، لا تنبسي لأحد بحرف واحد مما قد سمعت منك .
- فسوف أزوجك من أميرك ، فناشدتك الله لا تتحدثي إلى أحد بما حدث .
 
4020 - حتى لا يكون هو خجلا أمامي ، فلقد ارتكب إساءة واحدة ، وقدم إلى مائة ألف حسنة .
- ولقد قمت بامتحانه عدة مرات ، وأمنته على من هن أجمل منك .
- فوجدته شديد الأمانة ، لكن هذا الذي قضى به الحق ، من فعلي أنا .
- ثم استدعى ذلك الأمير إلى حضرته ، " بعد " أن قتل في نفسه الغضب الذي يفكر في الانتقام .
- وتعلل له بحجة مقبولة ، وقال : لقد صرت نفورا من هذه الجارية .
 
4025 - فإن " أم الولد " شديدة الغضب والاحتجاج غيرة من هذه الجارية وحقدا عليها .
- ولأم الولد حقوق كثيرة ، وهي لا تستحق مثل هذا الجور والجفاء .
..............................................................
( 1 ) ما بين القوسين بالعربية في المتن الفارسي .
 
“ 408 “
  
- وهي تشقى كثيرا من إحساسها بالحسد والغيرة ، وتحس بمرارة شديدة من هذه الجارية .
- وما دمت سوف أهب هذه الجارية لأحد ، فأنت أولى بها ، فخذها ، أيها العزيز .
- فلقد أبديتَ شجاعة وفدائية من أجلها ، ولا يجمل أن توهب لسواك .
 
4030 - وعقد للأمير عليها ، وحطم غضبه وحرصه .

في تفسير نَحْنُ قَسَمْنا أي أنه تعالى يقسم لأحدهم شهوة الحمير وقوتها ولآخر كياسة الأنبياء والملائكة وقوتهم : إن إمالة الرأس هوىً من الرئاسة * وترك الهوى قوة نبوية والبذور التي لا تلقى شهوة * لا يكون ثمرها جديرا إلا بيوم الدين
 
- إن ذلك السلطان وإن كان متصفا بالوهن فيما يختص بفحولة الحمير ، فقد كان متصفا برجولة الرسل .
- ذلك لأن ترك الغضب والشهوة والحرص ، يعد رجولة ، وعرقا من عروق النبوة .
- فقل ، لا كانت فحولة الحمير هذه تجرى " في عروقه " ، فإن الحق يدعوه عظيم أمرائه .
- وأن أكون ميتا " أظفر " بنظرة الحق ، أفضل من أكون حيا ومبعدا ومطرودا .
 
4035 - فاعلم أن هذا هو لب الرجولة ، أما هذه الشهوة فهي قشرها ، وهذه الشهوة تقود إلى الجحيم ، أما لب الرجولة فيحمل إلى الجنان .
- فقد ورد أن الجنة قد حفت بالمكاره ، واتضح أن النار قد حفت بالهوى .
 
“ 409 “ 
 
- فيا إياز ، يا أسدا هصورا ، يا قاتل الشيطان ، قلل من التزيد في رجولة الحمر ، وزد في رجولة اللب .
- فإن ما لم يدركه مائة من الصدور والعظام ، كان بالنسبة لك لعب أطفال ، فهاكم الرجل .
- ويا من أدركت لذة الأمر " الصادر " مني ، وأودعت الروح وفاءً تلبية لأوامرى . “1“
 
4040 - واستمع الآن إلى قصة تذوقه للأمر ولذته به ، في هذه البيانات المعنوية .
 
إعطاء الملك وهو وسط الديوان والمحفل جوهرة لأحد الوزراء وسؤاله : كم تكون قيمتها ؟ ومبالغة الوزير في تقدير قيمتها وأمر الملك له قائلا : أكسرها الآن ،
وقول الوزير : كيف أكسر هذه الجوهرة إلى آخر القصة
 
- ذهب الشاه " محمود " ذات يوم إلى الديوان ، فوجد كل أركان الدولة موجودين فيه .
- فأخرج جوهرة ذات ضياء شديد ، ووضعها على الفور في كف الوزير .
- وسأله : كيف تراها ؟ وكم تساوى هذه الجوهرة ؟ قال : إنها تساوى ما يزيد على مائة حمل حمار من الذهب .
- فقال له : إكسرها ، قال : كيف أكسرها ؟ ! وأنا الراغب في الخير لمالك وخزانتك .
 
4045 - وكيف أوافق على إهدار هذه الجوهرة التي لا تقدر بثمن ؟
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 584 : - ويا من أنت على علم بأمر تعظيمه ، إستمع إلى هذه الحكاية إن كنت والها .
  
“ 410 “ 
 
- فقال : لتسعد ولتهنأ ، وخلع عليه ، وأخذ منه الجوهرة ذلك الملك الفتى .
- وآثر ملك الجود ذلك الوزير بكل لباس وحلة كان يرتديها ، وخلعها عليه .
- وشغلهم بالحديث ساعة من الزمن ، عما استحدث من أمور ، وما كان قديما منها .
- ثم أعطاها إلى أحد الحجاب قائلا : كم تساوى هذه الجوهرة لطالبها ؟
 
4050 - قال : إنها تساوى نصف المملكة ، ألا فليحفظها الله من التهلكة
- فقال له : إكسرها ، قال : يا من سيفك في ضياء الشمس ، قال : إن في كسرها خسارة شديدة .
- دعك من قيمتها ، أنظر إلى تلألئها ولمعانها ، لقد صار ضوء النهار تبعا لها .
- فكيف تتحرك اليد قاصرة كسرها ؟ ! ومتى أكون عدوا لخزانة الملك ؟ !
- فخلع عليه الملك ، وزاد في راتبه ، ثم انطلق في مدح عقله .
 
4055 - وبعد ساعة أخرى وضع الدرة في يد أمير العدل قائلا له : قم بامتحانها .
- فقال نفس القول ، وكرر كل الأمراء نفس القول ، فوهب كل واحد منهم خلعة ثمينة .
- وأخذ الملك يزيد في رواتبهم ، وحمل أولئك الأخساء من الطريق إلى البئر .
- هكذا قال خمسون أو ستون أميرا ، كلهم واحدا بعد الآخر ، تقليدا للوزير .
 
“ 411 “ 
 
- وبالرغم من أن التقليد هو عماد العالم ، إلا أن كل مقلد يفتضح عند الامتحان . “ 1 “
 
وصول الجوهرة من يد إلى إياز في نهاية الدور ، وكياسة إياز وعدم تقليده إياهم ،
وعدم انخداعه بإعطاء الملك للكيل والمال وزيادة الرواتب والخلع ومدحه لعقول المخطئين ، إذ لا يجوز أن يعتبر المقلد مسلما ، ويكون نادرا أن يثبت المقلد على ذلك الاعتقاد ويخرج من هذه الامتحانات سالما ، فليس لديه ثبات المبصرين ، إلا من عصمه الله ، لأن الصواب واحد ، وله أضداد كثيرة توقع في الخطأ وعندما لا يعرف المقلد ذلك الضد ، لا يعرف الصواب لذلك ، ولكن لأن الحق يرعاه مع جهله هذا ، فإن هذا الجهل لا يؤذيه
 
4060 - يا إياز ، ألا تقول لي كم تساوى هذه الجوهرة وهي بهذا اللمعان والفن ؟
- قال : " ثمنها " أكثر مما أستطيع أن أقول ، فقال : الآن حطمها إلى قطع صغيرة .
- كانت في كمه حجارة ، فحطمها على وجه السرعة . وكان ذلك هو الصواب في رأيه . “ 2 “
- أو أنه كان قد رأى ذلك فيما يرى النائم ، ووضع حجرين تحت إبطه .
- مثل يوسف عليه السّلام الذي كشفت له عاقبة أمره وهو في قاع البئر بأمر الله .
 
4065 - وكل من تراسل معه الفتح والظفر ، يتساوى عنده الظفر والحرمان .
..............................................................
( 1 ) ج - 12 / 586 - 587 : - عندما امتحنهم الملك جميعا ، وخلع عليهم جميعا خلعا بلا حد . 
- هكذا دارت الجوهرة من يد إلى يد ، حتى وصلت يد إياز صاحب البصيرة ووضعها الأخير في يد إياز ، قائلا له : أيها الرفيق قوى البصيرة . 
- لقد رأى الجميع واحدا بعد الآخر هذه الجوهرة ، فانظر إلى إشعاعها بإمعان أيها المحترم .
( 2 ) ج / 12 - 589 : - ومن اتفاق طالعه مع إقباله ، فقد حدثت في تلك اللحظة حكمته النادرة .
 
“ 412 “
  
- وكل من صارت عاقبته وصل الحبيب ، أي خوف يعتريه من الهزيمة والقتال ؟
- فما دام قد تيقن من أنه منتصر في آخر دور " الشطرنج " ، فإن ضياع الحصان والفيل ، يكون من قبيل الترهات .
- فإن سُلب جواده كل من هو باحث عن جواد ، فقل له : إمض ، أليس هو المُقدم " لا الجواد " ؟
- وأية قرابة تكون للرجل مع الجواد ؟ إن عشقه للجواد يكون من أجل أن يكون سباقا .
 
4070 - فلا تتحمل هذه المشقة والنصب من أجل الصور ، وخذ المعنى دون صداع الصورة وكدرها .
- والزاهد يحمل هم عاقبة أمره ، وماذا يكون من أمره يوم الحساب .
- أما العارفون فقد صاروا وأعين من البداية ، فارغين من الهم وأحوال الآخرة .
- وعند العارف أيضا نفس هذا الخوف والرجاء ، لكن علمه بما سبق قضى على خوفه ورجائه .
- وذلك الذي قد سبق أن زرع القيطاني ، يعلم ماذا يكون طعم حبوبها
 
4075 - إنه عارف ، فرغ من الخوف والرجاء ، وصيحات وجده شقها سيف الحق إلى نصفين .
- كان عنده خوف من الحق ورجاء فيه ، وفنى الخوف ، وبقي الرجاء في الله عنده عيانا . “ 1 “
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 589 : - لقد طوى الخوف ، وصار بأجمعه رجاء ، صار نورا تابعا للشمس . 
- كان إياز عالما بامتحان الملك ، ولم يتجرع إياز خديعة الملك . 
- ولم تجعله الخلع والرواتب يحيد عن الطريق ، فحطم الجوهرة بأمر الملك وجعلها بددا
 
“ 413 “ 
 
- وعندما كسر الجوهرة الخاصة في تلك اللحظة ، ارتفعت من أولئك الأمراء ضجة شديدة وصراخ .
- وقالوا : أية جرأة هذه ؟ ! إنه كافر والله ، ذلك الذي يحطم جوهرة بهذا الضياء .
- وتلك الجماعة كلها من الجهل والعمى ، حطمت جوهرة أمر الملك .
 
4080 - فكيف خفيت الجوهرة القيمة " أي أمر الملك " وهي نتيجة الحب والود على أمثال تلك الخواطر ؟
 
تشنيع الأمراء على إياز " وسؤالهم " إياه عن سبب كسرها ،
وجواب إياز عليهم
 
- قال إياز : أيها العظماء المشاهير ، هل أمر الملك أعلى قيمة أو هذه الجوهرة ؟
- وبحق الله ، قولوا لي : هل أمر السلطان أولى عندكم أو هذه الجوهرة القيمة ؟
- ويا من أنظاركم مثبتة على الجوهرة لا على أمر الملك ، إن قبلتكم غول " الصحراء " لا جادة الطريق .
- وأنا لا أحول نظري عن الملك ، ولا اتجه إلى حجر كالمشرك .
 
4085 - وهي بلا أصل تلك الروح التي تختار حجرا ملونا وتمارى الملك .
- فأدر ظهرك إلى اللعبة وردية اللون ، واجعل العقل حائرا في خالق الألوان .
- وادخل إلى الجدول ، وحطم الجرة ، وأضرم النار في الروائح والألوان .
 
“ 414 “ 
 
- وإن لم تكن في طريق الدين من قاطعي الطريق ، لا تعبد الألوان والروائح كالنساء . “ 1 “
- ولقد طأطأ أولئك الأمراء رؤوسهم ، وأخذوا يعتذرون عن ذلك السهو والنسيان " من أعماق " أرواحهم .
 
4090 - وأخذت الآهات الحرى ترتفع من صدر كل منهم في تلك اللحظة إلى عنان السماء .
- وأشار الملك إلى جلاده العتيق قائلا : أبعد هؤلاء الأخساء عن صدارة مجلسي
- فأية لياقة عند هؤلاء الأخساء بصدر مجلسي ، أولئك الذين يكسرون أوامرى من أجل حجر ؟ !
- ومن أجل حجر ملون صارت أوامرنا ذليلة غير ذات قيمة عند أمثال هؤلاء من أهل الفساد.
 
هم الملك بقتل الأمراء وتشفع إياز أمام عرش السلطان
قائلا : العفو أولى
 
- فنهض إياز زائد المودة ، وأسرع إلى عرش ذلك السلطان العظيم .
 
4095 - وسجد سجدة ، ثم أخذ بحلقه قائلا : يا عظيما يحار الفلك فيك .
- أيها الطائر الملكي الذي تأخذ منه طيور المُلك بركتها ، ويستمد منك كل سخي سخاءه .
- يا كريما تنمحي ألوان الكرم في العالم أمام إيثارك الخفي .
- ويا لطيفا أبصرته الورود الحمراء ، فمزقت أكمامها خجلا .
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 594 : - لقد كان الجوهر هو أمر الملك أيها الأخساء ، ولقد حطمتموه عيانا بيانا . 
- وعندما أفشى إياز السر ، صار كل الأمراء أذلاء مضطربين .
 
“ 415 “ 
 
- ويا من من غفرانك ، شبع الغفران والتسامح ، ومن عفوك تسلطت الثعالب على الأسود .
 
4100 - وكل من تجرأ على أمرك ، أي سند كان له سوى عفوك ؟
- وغفلة هؤلاء المجرمين ووقاحتهم ، هي نتاج وفور عفوك يا ملاذ العفو .
- والغفلة دائما ما تنتج عن الوقاحة ، كما يسلب الرمد التعظيم من العين .
- والغفلة والنسيان عند من أسيأت تربيته ، إنما تصير محترقة بنار التعظيم .
- ثم إن هيبته تمنحه اليقظة والفطنة ، فينطلق السهو والنسيان خارج قلبه .
 
4105 - وفي وقت الغارة ، لا يطرق النوم جفن أحد ، حتى لا يسرق منه أحد حاجياته .
- وإذا كان النوم يفر من أجل ثوب خلِق ، فمتى يكون نوم النسيان عند الخوف من الذبح .
- لقد صارترَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِيناشاهدا علينا ، بحيث يكون النسيان ذنبا من وجه ما ،
- ذلك أن " الناسي " لم يقم بتعظيمه تماما ، وإلا ما سيطر عليه النسيان .
- وبالرغم من أن النسيان لابد منه ولا محيص عنه ، فإن المرء مختار في مزاولة الأسباب " التي أدت إليه " .
 
4110 - إذ أنه تهاون في تعظيم " الإله " كما ينبغي ، حتى تولد من ذلك النسيان والسهو والخطأ . 
 
“ 416 “ 
 
- وذلك كالسكران الذي يرتكب الجرائم والأخطاء ، ويقول : كنت معذورا غائبا عن نفسي .
- فيقال له : لكن السبب يا قبيح الفعل كان منك ، وكان الاختيار منك أنت في جريانه عليك .
- والغيبة عن الوعي لم تحدث من تلقاء نفسها ، بل دعوتها ، ووعيك لم يمض عنك من تلقاء نفسه ، بل طردته .
- فلو كان هذا السكر قد حدث دون اختيار منك ، لكان ساقي الروح قد حفظ عهدك .
 
4115 - ولكان ظهيرا لك ومعتذرا عنك ، وأنا غلام لزلة السكر بالله .
- والعفو الموجود في كل الكون مثقال ذرة ومجرد انعكاس لعفوك يا من منك كل نفع .
- وإن أنواع العفو لتثني على عفوك ،وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌيا أيها الناس اتقوا .
- فهبهم أرواحهم ولا تطردهم عنك ، فهم من حليت أفواههم منك ، أيها الموفق .
- وارحم ذلك الذي قد شاهد وجهك ، وتصور كيف سيتحمل فراقك المر .
 
4120 - وإنك لتتحدث عن الفراق والهجر ، فافعل ما تشاء ، لكن لا تفعل هذا . “ 1 “
- فإن مئات الآلاف من أنواع الموت المضاعفة ، لا تساوى فراق وجهك .
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 599 : - فلا يوجد في الدنيا ما هو أسوأ من هجر الحبيب ، واستمع إلى هذا الكلام من عاشقك
 
“ 417 “ 
 
- فأبعد مرارة الهجر عن الذكور والإناث ، أبعدها يا من أنت للمجرمين الخاطئين الغياث .
- فالموت على أمل وصلك يكون حلوا ، ومرارة هجرك تكون أفظع من النار .
- وإن المجوسي ليقول وهو في سقر ، أي حزن عندي ، ما دام قد نظر إليّ .
 
4125 - فإن تلك النظرة تجعل الآلام حلوة ، وهي دية لأيدى سحرة " فرعون " وأقدامهم .
 
تفسير قول السحرة لفرعون عند توقيع العقاب عليهم لا ضَيْرَ ،
إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ
 
- لقد سمعت السماء قولهلا ضَيْرَ، فصار الفلك كرة في أثر ذلك الصولجان .
- أي : لا ضير لنا من ضربة فرعون ، فإن لطف الحق غالب على قهر من سواه .
- فلو أنك تعلم سرنا أيها المضل ، فإنك في الحقيقة تخلصنا من ألمنا يا أعمى القلب .
- هيا ، وأقبل من تلك الناحية حتى تسمع الأرغنون ، يعزف لحنيا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ.
 
4130 - ولقد وهبنا الحق فرعونية ، ليست فانية كفرعونيتك وملكك .
- فأطل برأسك ، وانظر إلى الملك الحي الجليل ، يا من صرت مغرورا بمصر ونهر النيل .
 
“ 418 “ 
 
- وإنك إن تركت هذه الخرقة النجسة ، فإنك تجعل النيل غارقا في سيل الروح .
- هيا ، وانفض يا فرعون يدك عن مصر ، ففي وسط مصر الروح ، مائة قطر ومصر .
- إنك تقول للجميعأَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى، وأنت غافل عن ماهية هذين الإسمين
 
4135 - فمتى يكون الرب مرتعدا من عابده ؟! ومتى يكون العارف بذاته في قيد الجسم والروح؟
- والآن فإن تلك ال " أنا " التي تخصنا قد نجت من أنيتها ، ومن تلك ال " أنا " المليئة بالعناء والبلاء .
- وتلك ال " أنا " التي كانت شؤما عليك أيها الكلب ، كانت بالنسبة لنا دولة محتومة .
- فلو لم تكن لك ال " أنا " المنتقمة ، متى كنت تجلب لنا هذا الإقبال والسعد ؟
- والشكر لله أننا نخلص من هذه الدار الفانية ، وأننا على رأس هذه المشنقة نوجه لك النصائح .
 
4140 - ومشنقة قتلنا هي براق رحلتنا ، ودار ملكك غرور وغفلة .
- وهذه حياة مستترة وخفية في صورة الموت ، وما أنت فيه موت خفي في غلاف حياة .
- فإنها تبدى النار نورا والنور نارا ، وإلا فمتى كانت الدنيا " توصف " بأنها دار الغرور .
 
“ 419 “ 
 
- فهيا ، لا تتعجل ، وصر عدما من البداية ، وعندما تغرب ، اطلع من مشرق الضياء .
- فمن " أنية " الأزل ، صار القلب حائرا ، وهذه ال " أنا " صارت باردة سخيفة وصارت عارا .
 
4145 - ومن تلك ال " أنا " التي بلا " أنا " سعدت الروح ، صارت هاربة من الدنيا ومن أنية الدنيا .
- وعندما نجت من ال " أنا " صارت فحسب تعد أنية ، فلتكن أنواع الثناء على ال " أنا " التي لا عناء فيها .
- فهي هاربة والذات في أثرها ، وهي تسرع عندما تراها في أثرها .
- وأنت طالب لها ، ولا تكون هي طالبة لك ، وعندما تموت ، صار طالبك مطلبا لك .
- وأنت حي ، فمتى يقوم غاسل الموتى بغسلك ؟ وأنت طالب ، فمتى يبحث عنك مطلوبك ؟
 
4150 - ولو كان العقل مبصرا للطريق في هذا المبحث ، لكان فخر الدين الرازي عالما بسر الدين .
- لكن لما كان " من لم يذق لم يدر " ، فإن عقله وأوهامه وخيالاته قد زادت في حيرتك .
- فمتى كان الكشف من تفكر هذه ال " أنا " ، وتلك ال " أنا " تكشفه بعد عناء ؟ !
- وتسقط هذه العقول من افتقادها " للكشف " في مغارة الحلول والاتحاد .
- فيا إياز الذي صرت فانيا من القرب ، كأنك الكوكب في أشعة الشمس
 
“ 420 “ 
 
4155 - بل كالنطفة قد بدلت إلى جسد ، لا عن طريق الاتحاد ولا عن طريق الحلول .
- أعف ، يا من يكون العفو في خزانتك " أنت " ، وأنت سابق في اللطف ، والكل مسبوق منك .
- فمن أكون أنا حتى أقول لك أعفُ ، يا من أنت سلطان ، وخلاصة الأمر بكن فيكون .
- ومن أكون أنا حتى اقترن بأنيتك ، يا من أخذت كل الأنيات بطرف ردائك .
 
اعتبار إياز نفسه مجرما في هذا التشفع ، والاعتذار عن هذا الجرم واعتبار نفسه مجرما في هذا الاعتذار . وهذا الإنكسار ينبع من معرفة عظمة الملك ، مصداقا لقوله عليه السلام
[ أنا أعلمكم بالله ، وأخشاكم لله " ولقوله تعالى إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ]
 
- ومتى أثير أنا الرحمة في قلب الغاضب ؟ أو أبدى طريق الحلم للمزدان بالعلم ؟
 
4160 - إنني أستحق لهذا آلاف الصفعات ، إذا كنت أنت الذي تعرضني للصفع .
- فما هذا الذي أقوله وأعلنه أمامك ، أو أعلمك أو أذكرك بشروط الكرم .
- وما هو هذا الذي لا يكون معلوما لك ؟ وما هو الذي يعزب عن علمك في هذا الكون ؟ !
- ويا من أنت منزه عن الجهل وعلمك منزه عنه ، بحيث يكون الخفي منسيا عنده .
 
“ 421 “
  
- لقد اعتبرت من ليس بشخص قط شخصا ، ورفعته بالنور وكأنه الشمس .
 
4165 - وما دمت أنت الذي جعلتني إنسانا ، استمع إلى شكواي من كرمك ، عندما أشكو .
- ذلك أنك عندما رفعت الحجاب عن صورتي ، أنت نفسك الذي جعلت هذه الشفاعة لي .
- والآن ، وقد خلا هذا الوطن من كل أسبابي وحاجياتي ، " اتضح " أن أخضر الدار ويابسها ليس ملكا لي .
- حتى الدعاء أجريته أنت مني وكأنه الماء ، فامنحه الثبات " يا إلهي " واجعله مستجابا .
- إنك أنت في البداية الآتي بهذا الدعاء ، فكن المرتجى في الإجابة في نهاية الأمر .
 
4170 - حتى أثرثر أنا قائلا : إن مليك العالم ، من أجلي قد عفا عن المجرمين .
- وكنت ألما بأجمعي أنا المغرور المعجب بنفسه ، فجعل منى الملك دواءً لكل متألم .
- وكنت جهنميا مليئا بالفتنة والشر ، فجعلتني يد فضله كوثرا .
- وكل من تحرقه النار قودا ، أنبت أنا جسده مرة ثانية .
- فما هو عمل الكوثر ؟ أن كل محترق يصبح منه نابتا متراكما .
 
4175 - وكل قطرة منه منادية بالكرم ، قائلة : إنني أعيد كل من أحرقه الجحيم . “ 1 “
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 612 : - إنني كالمرهم على كل جرح عفن ، ف " ينبت لحما جديدا خالصا " .
 
“ 422 “ 
 
- إن النار مثل رياح الخريف ، والكوثر كأنه الربيع ، أيتها الروضة . “ 1 “
- والنار كأنها الموت وتراب القبر ، والكوثر مثله مثل نفخ الصور .
- فيا من احترقت أجسامكم في الجحيم ، إن الإكرام لا يفتأ يجذبكم نحو الكوثر .
- ذلك أن لطفك قد قال أيها القيوم الحي " خلقت الخلق كي يربح عليّ
 
4180 - لا لأن أربح عليهم “ 2 “ ، وهذا هو جودك ، الذي منه يجبر كل كسير ، ويتم كل ناقص .
- فاعف عن هؤلاء العبيد ، عبدة الجسد ، والعفو أولى من بحر العفو .
- وعفو الخلق كأنه الجدول وكأنه السيل ، تسوق خيلها كلها نحو ذلك البحر .
- وألوان العفو كل ليلة ، تأتي من فلذات القلوب هذه ، " طائرة " إليك كالحمائم أيها المليك .
- فتردها طائرة مرة ثانية عند الفجر ، وتجعلها محبوسة في هذه الأبدان حتى الليل .
 
4185 - ثم تطير مرة ثانية عند العشاء خافقة بأجنحتها ، عشقا لذلك الإيوان والسقف "الأعلى" .
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 613 : - والنار كأنها الموت والفناء ، والكوثر هو نفخ الصور من الكبرياء .
( 2 ) ما بين القوسين بالعربية في المتن الفارسي .
 
“ 423 “
  
- حتى تقطع خيوط الوصال مع الأجساد ، وتقبل نحوك ، لأن لها الإقبال منك ،
- خافقة بأجنحتها ، آمنة من العود المنقلب ، محلقة في الهواء قائلة إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ.
- فيهتف بها هاتف من الكرم أن " تعالوا " ، وبعد تلك الرجعة لا يبقى حرص ولا غم .
- فكم من غربة تكبدتموها في الدنيا ، فكونوا عارفين بقدرى أيها العظماء .
 
4190 - ومدوا سيقانكم مستريحين تحت ظل هذه الشجرة ثملين بالكرم .
- تلك السيقان التي عانت كثيرا في طريق الدين ، فهيا كونوا إلى جوار الحور ، وفي أحضانهن خالدين
- والحور يكن حنونات يغمزن لبعضهن بأعينهن قائلات : لقد عاد هؤلاء الصوفية من السفر .
- الصوفية الأصفياء كأنهم نور الشمس ، كانوا قد سقطوا فترة فوق التراب وفوق القذر .
- وعادوا بلا أثر من التراب طاهرين من القذر ، مثل نور الشمس صوب القرص العالي .
 
4195 - وهذه الطائفة من المجرمين أيها المجيد ، قد دقوا رؤوسهم جميعا بالجدار .
- ولقد وقفوا على ذنوبهم وعلى جرائمهم ، وبالرغم من أنهم قد هزموا في لعبة نرد المليك .
 
“ 424 “
  
- إلا لأنهم توجهوا إليك الآن متأوهين ، يا من لطفك لا يزال يجذب المجرمين .
- فعجل في إعطاء الطريق ، العجل ، إلى فرات العفو ، وعين المغتسل .
- حتى يغتسلوا من هذا الجرم الممتد ، ويذهبوا إلى الصلاة في صف الأطهار .
 
4200 - وفي تلك الصفوف هناك من لا يمكن حصرهم وعدهم ، غارقون في نورلَنَحْنُ الصَّافُّونَ.
- وعندما وصل الكلام إلى وصف هذه الحالة ، تحطم القلم ، وتمزقت الأوراق .
- فهل وسع البحر قط إناءٌ فخارى ، وهل ظفر قط حملٌ بأسد ؟
- فإذا كنت في حجاب ، فأخرج عن الاحتجاب ، حتى ترى ذلك المُلك العجاب .
- وإذا كان السكارى قد حطموا كأسك ، فالعذر لمن هو ثملٌ بك .
 
4205 - فإن سكرهم بالجاه والمال ، لا من خمرك يا حسن الفعال .
- واعلم أيها المليك أنهم السكارى بك ، فاعف عن الثمل بك أيها العفو .
- وإن لهجة تخصيصك " لهم " عند الخطاب ، يتأتى منها ما لا يتأتى من مائة دن من الشراب .
- وما دمت أنت الذي أسكرتني، لا تقم على الحد ، فالشرع لا يحد السكارى " أثناء سكرهم". 
  
“ 425 “
  
- وعندما أفيق ، أقم على الحد آنذاك ، ومن ثم ، فلن أصير مفيقا أبدا .
 
4210 - وكل من شرب من كأسك يا ذا المنن ، نجا إلى الأبد من الوعي ومن التعرض للحد .
- إنهم " خالدون " في فناء سكرهم ، من تفانى في هواكم لم يقم " . “ 1 “
- فلا يزال فضلك يقول لقلوبنا : امض ، يا من صرت رهنا في مخيض عشقنا .
- لقد سقطت ، كما سقطت الذبابة في المحيض ، فلست ثملة أيتها الذبابة ، أنت الخمر نفسها .
- ولقد صار النسور ثملين منك أيتها الذبابة ، عندما تسوقين مطيتك نحو بحر العسل .
 
4215 - والجبال تصير كالذرات ثملة بك ، والنقطة والفرجال والخط في يدك .
- والفتنة التي ترتعد منه مرتعدة منك وكل جوهر غال الثمن رخيص عندك .
- ولو كان الله قد وهبني خمسمائة فم ، لقمت ببيانك آنذاك يا روح العالم .
- وإن لي فما واحدا ، ومن ثم ، فأنا منكسر خجلا منك يا عالما بالسر .
..............................................................
( 1 ) ما بين القوسين بالعربية في المتن الفارسي .
  
“ 426 “
  
- لكني لست أكثر انكسارا في الأصل من العدم ، ومن فمه انبثقت كل هذه الأمم .
 
4220 - وهناك مئات الآلاف من الآثار الغيبية في انتظار أن تخرج منك بلطف وبر .
- وإن رأسي لتكون دائرة من طلبك إياي ، يا من أكون أنا ميتا أمام هذا الكرم .
- ومجرد رغبتنا هذه من طلبك أنت ، وجذبة الحق سارية في كل مكان .
- ومتى يصعد التراب إلى أعلى دون رياح ؟ ! وهل تسير سفينة في طريقها دون بحر ؟
- وأمام ماء الحياة لم يمت أحد وإلى جوار مائك ، يكون ماء الحياة كدرا .
 
4225 - وماء الحيوان هو قبلة أرواح الأحباب ، ومن الماء يكون البستان أخضر نضرا ضاحكا .
- لكن من يشربون الموت أحياء من عشقه ، قد صرفوا قلوبهم عن الروح وماء الروح .
- وعندما لحق بنا ماء عشقك ، صار ماء الحيوان غير ذي قيمة عندنا .
- ولكل روح البعث والجدة من ماء الحياة ، لكنك ماء ماء الحياة .
- وإنك لفي كل لحظة تهبني موتا وحشرا ، حتى أرى غلبة ذلك الكرم .
 
“ 427 “ 
 
4230 - وصار هذا الموت بالنسبة لي كأنه النوم ، وذلك من شدة ثقتي في البعث من الله .
- والبحار السبعة إن أصبحت كلها سرابا ، فإنك تأتي بها جارا إياها من آذانها يا ماء الماء .
- والعقل مرتعد من الأجل ، وذلك العشق متجرؤ " عليه " ، ومتى يخشى الحجر من الماء كما يخشاه المدر ؟
- وهذا هو الخامس من صحف المثنوى ، إنه في بروج فلك الروح كأنه الأنجم .
- ولا تجد كل حواس الطريق إلى الأنجم ، اللهم إلا " حواس " ذلك الملاح العالم بالنجوم .
 
4235 - وليس للآخرين من نصيب إلا النظر ، وهم غافلون عن السعود والقرانات .
- فتعرف طوال الليل وحتى الأصباح ، على مثل تلك الأنجم محرقة الشيطان .
- وكل منهم في دفع الشيطان القاصد بالسوء ، كأنه الرامي بالنفط من قلعة السماء .
- والنجوم مع الشيطان كأنها العقرب ، ولأرباب السعادة كأنها الولي الأقرب .
- فالقوس وإن كان يصمي الشيطان بسهم ، فهناك الدلو وهو مليء بالماء للزرع والثمر .
 
4240 - والحوت وإن كان يحطم سفينة الغي ، فإنه يزرع للولي وكأنه الثور .
 
“ 428 “
  
- والشمس وإن كانت تمزق الليل وكأنها الأسد ، للياقوت منها خلعة من الأطلس . “ 1 “
- وكل وجود أطل برأسه من العدم ، هو لأحدهم سم ، لكنه للآخر شهد .
- فصر حبيبا وأبرأ من الطبع السيء ، لتنال السكر حتى ممن هو في الصورة سم .
- ومن هنا لم يُصب الفاروق رضي اللّه عنه أذى من السم ، فقد كان ذلك السم سكرا بالنسبة لترياقه الفاروقي . “ 2 “
 
تمت ترجمة الكتاب الخامس بحمده تعالى وتليها الشروح بإذنه تعالى 
............................................................................
( 1 ) ج 12 / 615 - 616 : -
- وإذا كان شكل العقرب معوج السير ، فإن هيئة الميزان على عكسه .
- وإذا كا عمل المريخ هو سفك الدماء، فهو مسكين أمام ذلك الذي يشرق من تبريز.
- وإذا كان تأثير النحس يتأتى من زُحل ، فإنه من ناحية العمل تتأتى منه دقة الفكر.
- وإذا كات السمكة تضرب بكفيها الشمس ، فليس للزُهرة جرأة على الحديث عنها.
- بل إن عطارد ليفقدن منزله ، ومن جنونه يقوم بكسر الجوزاء.
- وترتعد يد المشترى ويخفق قلبه ، ويقع القمر على وجه الماء كأنه السلال.
- والنسر الطائر يفقد ريشه من الخجل ، ومن الطمع يصبح التنين في ليونة الشمع.
- وبنات النعش يحملن ويجتمعن ويصفقن .
- دعك من هذه الرموز فهذا ليس وقتها ، ودرب التبانة امتلأ بالتبن من السنبلة.
- لقد أطلت الشمس من الجبل فاتقوا ، لكن هذا الحديث يصبح مرا عليكم.
- إنك عدو ومن العدو الشهد واللبن ، يصبح بلا تكلف سما في الفم
 
( 2 ) ج / 12 - 616 : -
- فهيا ، ابحث عن ترياق الفاروق أيها الغلام، حتى تصبح فاروق زمانك، والسلام.


.
* * *
شرح حكاية العياضي رحمه الله ، وكان قد شهد سبعين غزوة عارى الصدر على أمل الشهادة

( 3780 ) : يقول استعلامى ( 5 / 389 ) أن المقصود بالحكاية هنا هو العباضى لا العياضي ، وهو في معظم نسخ المثنوى العياضي بالياء وقال ولى محمد أكبر آبادي في شرحه أنه أبو بكر محمد بن أحمد العياضي من فقهاء سمرقند لكنه العياضي دون تشديد الياء ووزن الشعر يستدعى تشديدها ( الشارح : ليست مشكلة فالشاعر الفارسي يتصرف في التشديد عند الوزن ) ،

ويضيف استعلامى : إنه من الصعب تحديد من هو المقصود ، والعياضي الوحيد المذكور قبل مولانا موجود في الباب الثاني من كتاب أسرار التوحيد باسم أبى الفتوح العياضي كشاهد لإحدى كرامات أبي سعيد دون أن يقول لنا من هو أبو الفتوح هذا ، ويواصل استعلامى إنه قرأ ما يشبه هذه الرواية في تذكرة الأولياء عن الشيخ أحمد بن خضروية ( البلخي ) من أنه ظل فترة يضيق على " نفسه "

التي بين جنبيه وذات يوم كان جماعة ذاهبين إلى الغزو ، وألحت على النفس أن اذهب معهم كنت أعلم أن النفس لا تهدى إلى طريق الحق وأن في إلحاحها هذا مكراً ، فكبحت جماحها وضيقت عليها الخناق فاعترفت في النهاية قائلة كنت أريد أن تقتل وتغتر بشهرة الشهاد وبأنك صرت محبوباً للخلق ، وأنجو أنا أيضاً من هذا التعب وهذه الرياضة " الصوفية " لكنه ما لم يذكره استعلامى ، وما لم يذكره فروزانفر وتجاهله تماماً أن الأبيات الأولى تذكر بقوله خالد بن الوليد رضي الله عنه الشهيرة " لقد شهدت ألف غزوة أو زهاءها فما بقي في جسدي ضربة سيف أو طعنة رمح ، وهكذا أموت على فراشي كما يموت العير فلا نامت أعين الجبناء " ،
هذا التجاهل شبيه بتجاهل الشراح الفرس لرواية عمر بن الخطاب وسارية رضي الله عنهما الواردة في الكتاب الثالث
( انظر مناقشات الرواية تعليقات الأبيات : 508 - 516 من الترجمة العربية للكتاب الثالث )
ومن الممكن بل المرجح أن اسم العياضي من لدن مولانا أو اسم للصوفى لم يعرف بعد ، وأن مولانا وفق بين ما ورد عن


“ 603 “ 

خالد رضي الله عنه حين موته وبين الرواية المروية عند أحمد بن خضروية في تذكرة الأولياء ونسج منها حكاية .

( 3797 - 3798 ) : من هنا إضافة من مولانا والمضمون هنا قريب من الحديث النبوي [ إنكم تموتون كما تعيشون وتحشرون كما تموتون ] .
( 3803 ) : إشارة إلى ما سوف يرد في حكاية تالية من حكايات الكتاب الخامس ( انظر البيت 3950 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .

( 3805 - 3814 ) : يقارن مولانا بين اثنين من الصوفية : ذلك الصوفي المزيف الذي مر ذكره ، والذي استطاع الأسير المغلول أن ينتصر عليه لأنه كان قد خرج إلى الحرب رياءً وسمعة وليس عنده من فنون القتال النذر اليسير ، وهذا الصادق الذي خاض الحروب والمعارك لكنه لم يسمح " للنفس " أن تقوده مرة إلى الحرب رياءً وسمعة وفضل الجهاد الأكبر داخل الخلوة ، وكثير من هم الذين لا يخوضون جهاداً أصغر مدعين أنهم يخوضون الجهاد الأكبر متناسين أن بداية الجهاد الأكبر تستلزم عودة من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأصغر في البداية ويدق مولانا على قيمة الصدق ، إن الله تعالى خلق هؤلاء الصوفية المزيفين لكي يكونوا دلالة على وجود الصوفية الصادقين ، إنهم أشبه بعصى السحرة لا تلبث عصا موسى أن تظهر فتلقفهم جميعاً ، أين هؤلاء الصوفية من هذا الصوفي يقول شارحو المثنوى أنه العياضي لكن مولانا يقول آخر ويذكر أنه جرح في الحرب فربط جرحه وقاتل حتى استشهد ومن الواضح أنه ليس العياضي المذكور في الحكاية .

( 3815 ) : إن الأمر يحتاج منك إلى استمرارية ، لا تغفل عن هذه النفس الأمارة لحظة واحدة بل داوم على إذلالها ومخالفتها ، وأشد ما تحرص عليه هذه النفس هو المال فقاوم رغبتها هذه بإنفاقه حتى ولو لم تجد وجها للإنفاق إلا أن تلقيه في اليم " ؟ ! !
" والمصدر هنا ما ورد في كشف المحجوب " الترجمة العربية ص 272 لكاتب هذه السطور وآخرين " يروى أن الشبلي رمى أربعة آلاف دينار في نهر دجلة ، فلما سئل ماذا يصنع قال الحجارة أولى بالماء فسئل لماذا لا تعطيها الفقراء ؟

فقال : سبحان الله ماذا أقول إذا سألني : لماذا رفعت الحجاب عن قلبي ووضعته في قلوب إخواني المسلمين كما ذكر ابن الجوزي في تلبيس إبليس ص 357 حمل أبو الحسن النوري ثلاثمائة دينار ثمن عقار بيع له وجلس على قنطرة وجعل يرى واحداً واحداً منها إلى الماء ويقول جتنى تريد أن تخدعنى منك بمثل هذا .


“ 604 “

( 3821 - 3825 ) : عودة إلى حكاية الصوفي المقاتل الكرار غير الفرار : لقد انكسر رمحه عشرين مرة وجرح مرة ثانية ثم سقط ليكون مع المتقين في مقعد الصدق ،إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ( القمر 54 - 55 ) ، إنه لا صدق دون بذل للروح فاقرأمِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ( الأحزاب 23 ) .

( 3826 - 3835 ) : إياك أن تسمى هذا موتاً ، إنه موت الصورة لكنه ليس موت الروح ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 3537 - 3547 وشروحها ) ويضيف مولانا إن الشهادة ليست بالجسد ، فالجسد مجرد مطية ، فانظر من يركبه ، لترى ماذا قدمت إلى الله سبحانه وتعالى هل قدمت له نفساً لم تجد مركبها فاتجهت إلى العالم الآخر ، إذن خسرت الدنيا والآخرة ، وما أشد سذاجتك ، فليس كل قتيل شهيداً ، فالكفار أيضاً يقتلون ، وإلا صار كل قتيل في مقام أبي سعيد ( فسره مولوى بأنه أبو السعادة ) 5 / 552 وهكذا فسره الأنقروى 5 / 802 )

وقال استعلامى أن المقصود هو أبو سعيد بن أبي الخير الصوفي والشاعر الفارسي في القرن الخامس وأبو سعيد بن أبي الخير لم يمت شهيداً . أليس من المحتمل ان يكون اسم الصوفي المذكور في الحكاية السابقة هو أبا سعيد ؟ إن الشهيد الحقيقي هو من قتل هذه النفس ونجا منها قبل أن يقتل البدن ، يصبح جسده سيفاً في يده وليس سيفاً مسلطاً عليه بشهواته ، لقد تبدل الرجل لم يعد هو هو عندما كانت نفسه بين جنبيه مسلطة عليه لكن السيف بقي وبقي في يد الحق ، ومثل هذا الرجل لا يهتم بالألم ولا يأبه به لا مثل أولئك الرجال " الجوف " الفارغين كأنهم الغبار .

( 3836 ) : في سياق الحديث عن رجال الحق يقدم مولانا هذه الحكاية التي وردت قبله في أكثر من مصدر ورواية صاحبه المستطرف هي أقرب الروايات إلى جزئيات الحكاية عند مولانا جلال الدين ( استعلامى 5 / 391 )
وأبطال الحكاية سواء في رواية المستطرف أو في رواية نشوار المحاضرة لم يكونوا من الملوك فلا ذكر لملك الموصل أو خليفة مصر وربما حول مولانا الأبطال إلى ملوك لكي ينقد ملوك عصره وأمرائه . والحديث هنا عن الشهوة ونحن أمام رجلين كلاهما خضع لشهوته ، وإن كان أحدهما قد انصرف عنها في نهاية الحكاية ، وفي الحكاية قدر لا بأس به من المواقف الجنسية وقد تناولنا دلالتها فيما سبق

( انظر على سبيل المثال لا الحصر تعليقات البيت 1333 من الكتاب الذي بين أيدينا ) لكن الجديد هنا أن مولانا يجعل الشهوة سبباً لاندلاع الحروب ، ولم لا وكثير من الحروب قديماً وحديثاً ربما


“ 605 “

كان السبب في إذكاء أوارها شهوة امرأة لرجل أو رجل لامرأة ، والعصور القديمة حافلة بما يضيق المجال عن حصره ، والذي يثير السخرية هنا أن القائد مسلم والبلد التي هاجمها مسلمة والخليفة الذي انفذه وطلب منه أن يستخدم كل قوته في سبيل الظفر بالمحظية الجميلة مسلم والضحايا مسلمون وعلى كل حال لم يكن هذا من المستبعد في عصر مولانا حيث كانت الدولة الإسلامية تعاني من التفكك ، فمن شرقها احتل المغول جزءاً كبيراً منها ، والأناضول نفسها قسمت إلى عدة إمارات كانت الحرب تدور بينها لأتفه الأسباب بالرغم من أن كل أمرائها ينتسبون إلى البيت السلجوقى .


( 3858 - 3864 ) : يترك مولانا القصة ليتحدث عن العشق الذي هو سر الكون وسر الخليقة وهو كالبحر والأفلاك والسماوات من فوق مجرد زبد ، وما دوران الأفلاك وتجدد الكون إلا بالعشق ومن نزوع كل أجزائه بعضه إلى بعض ، وبدون هذا يتجمد الكون كله ( انظر 4405 - 4424 وشروحها ) وما تحول الجماد إلى نبات والنبات إلى حيوان والحيوان إلى إنسان إلا بسر العشق ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 3903 - 3909 والكتاب الرابع الأبيات 3637 - 3643 وشروحها ) 
ومتى كانت الروح تنمحى فداءً لعودتها إلى تلك النفخة الإلهية التي هي أساسها والتي هي تجذب أرواح الواصلين إلى الحق ( انظر 2890 من الكتاب الذي بين أيدينا ) إن هذا العشق هو السبب في التسامى والعلو ، فكل جزء نزاع إلى الكمال وإلى العلو ، وبتسبيح الله سبحانه وتعالى يتطهر الجسد من علائق هذه الدنيا حتى تستطيع الروح أن تطير إلى الأعالي ( انظر الأبيات 4395 - 4423 من الكتاب الثالث والأبيات 2011 - 2014 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .

( 3865 - 3879 ) : الكلام عن الشهوة التي تخدع الإنسان حتى في النوم " السراب " ، والحديث قد يكون عن البطل الذي اصطحب الجارية أو عن أي إنسان يظن نفسه قوياً وهو يبدو مسلوب الحيلة مفتضحاً أمام الشهوة ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 1695 - 1700 وشروحها ) إنه بطل في الحروب لكنه أمام شهوة جسده مكتوف اليدين لا يستطيع أن يتقدم خطوة إلى الأمام أو خطوة إلى الخلف ، وكأنه ممن تنطبق عليهم الآية الكريمةوَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ( يس 9 ) لقد استطاع ثعلب ( في الأصل أرنب ) أن يلقى بأسد في البئر ( انظر الكتاب الأول من البيت 904 ) فكيف لم يستطع مقاومة شهوته ولم يثنه الخوف من الخليفة عن فعلته ؟

وكيف تأتمن رجلًا يخلو بامرأة اللهم إلا إذا كان

“ 606 “

هذا الرجل معصوماً كيوسف عليه السّلام محفوظاً برعاية الله معتصماً بمعرفته ، فاستطاع أن يقاوم هذه الشهوة وهو غلام يراهق البلوغ .

( 3896 - 3906 ) : إن الاتصال ليس مجرد اتصال جسدين إن الأرواح أيضاً ذات نصيب منه ، وهو ليس مجرد لقاء وقتي ينتهى بانتهائه ، لكن انظر إلى نتائجه ومن لقاء الأرواح أيضاً تتولد روح ثالثة واتصال الأرواح تستطيع أن تنظر إليه بعين الباطن ، ثم إنه أي تلك التي تتولد عن اقتران الأرواح تطهر صورها في الغيب ، ومن ثم فما لم تظهر لك تلك الصور عياناً لا تكن سعيداً هكذا من كل قرين ، بل أجل سعادتك هذه إلى ذلك الموت الذي تنتظر فيه إلى هذه النتائج ، وحتى تعلم أن إلحاق الذاريات الوارد في الآية الكريمةوَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ( الطور 21 ) مبدأ صادق ، إن هذه الأعمال التي تقوم بها في الدنيا ذات صور وآثار تنطق بقيمة هذه الأعمال ( انظر لتفصيل هذه الفكرة الأبيات 3460 - 3485 من الكتاب الثالث وشروحها ) هذه النتائج تنتظرك كأنها ربات الحجال والحور المقصورات في الخيام تناديك يا غافلًا تعال ، فمن سبقوك إلى عالم الغيب في انتظارك ، فما تلكؤك هنا ؟ هيا أسرع وفي البيت 3906 عودة إلى ذلك البطل الذي خان الأمانة من جراء الشهوة .

( 3910 - 3924 ) : يترك مولانا سياق القصة ويتحدث عن الخبر وعن العيان ، ومتى كان الخبر كالعيان ؟ إن الوصف مجرد تصوير من أجل أن تتخيل عين الوعي الشئ الموصوف ، ومتى كان من وظائف الأذن أن تشاهد الصورة ، وفي البيتين التاليين ترجمة رواية حدثت بين الإمام على والإمام الحسن رضي الله عنهما ( مآخذ 192 - 193 ) ،

قال الأصمعي : سأل علي بن أبي طالب الحسن ابنه رضوان الله عليهم كم بين الإيمان واليقين؟   قال أربعة أصابع .
قال وكيف ذلك ؟ 
قال الإيمان كل ما سمعته أذناك وصدقه قلبك ، 
واليقين ما رأته عيناك فأيقنه قلبك وليس بين العين والأذنين إلا أربعة أصابع ( العقد الفريد ص 276 ، ج 4 )
لكن الأذن تنفع في بعض الأحيان ، وهي التي تثير الخيال وإذا كان الخفاش قد احتجب عن الشمس ، فإن خيالًا من الشمس وتصورا لها هو الذي يخيفه منها ويسوقه نحو الظلام ، في حين أن خيالًا أمام من يدرك قيمة هذا الخيال قد يدفعه وقد يسوقه إلى الحقيقة .
وكيف تقلل من قيمة الخيال ، وكل تصرفاتك قائمة على هذا الخيال ؟ 
وهناك فرق كبير بين الخيال والحقيقة ، ولا يستطيع أي إنسان مقيم على الخيال أن يدرك حقائق من هم أمثال موسى حتى


“ 607 “ 

ولو استطاعوا أن يتخيلوه ، فليس كل شئ يمكن أن يتخيل ، هذا أمر بالذوق وبالتجربة . فهل هناك شجاعة قبل ممارسة الحرب بالفعل ؟ 
( لا شجاعة يا فتى قبل الحروب انظر 4007 من الكتاب الثالث ) إن المخنث يقيم الحروب كلها في خياله وهو من خياله هذا يهجم على صور البطل رستم المرسومة في الحمام ، ويظن أن هذا قتال ، ويتوهم أن هذا انتصار ، وهذا الخيال الحاصل عن السمع سرعان ما تفضحه الرؤية والواقع ، وماذا يكون المخنث آنذاك يصبح كأنه المرأة العجوز في عجزها ولا يستطيع أن يفعل شيئا .

( 3925 - 3934 ) : لقد تحدث مولانا في الأبيات السابقة عن الإدراك عن طريق السمع والرؤية الباطنية أو بعبارة أخرى الإدراك النقلي والإدراك العيني والإدراك العقلي ، ويعبر مولانا عن النقل بالعلم التقليدى أو علم أهل الحس ، والإدراك العقلي والباطني أو العلم التحقيقى هو علم أهل القول ( استعلامى 5 / 394 - 395 )

وهذا الإدراك النقلي والعيني يمكن أن يصل إلى مرحلة الإدراك الباطني بشرط عناية الحق سبحانه وتعالى وإرشاد الشيخ وجهد السالك ومن هنا يقول مولانا : 
اسع لكي تصل من مرحلة الباطل ( العلم النقلي ) إلى مرحلة الحق وعندما تصل إلى مرحلة الحق تستطيع حتى الإذن إدراك هذا الحق فلا تسمع سوى هذا الحق ، وتصبح لهذه الأذن قيمة فما تسمعه يكون كأنه المشاهدة ليس هذا فحسب بل يتحول الجسد كله إلى عين تشاهد ( تتحول كل شعرة في أجساد العارفين إلى عين ) ،

إن هذا الإدراك يحول الصدر كله إلى مرآة ينعكس فيها هذا الجمال الإلهي ، جاهد إذن ليكون خيال ( الحقيقة ) زائداً فهو الدليل لهذا الباحث عن الحقيقة إلى الحقيقة والمجاز هو قنطرة الحقيقة ، فيها أيها الملك يا ملك الدنيا تحامق مع هذه الجارية والمحظية والزوجة لألف زوج - بتعبير حافظ - فترة من الوقت هذه هي ؟ ؟

وكل إنسان أخذها فترة من الوقت ، ويا من أنت في دنيا كحلم النائم ، اعتبرها حلماً ، وتعامل معها كحلم ، إن المأمن هنا في البحث عن رضا الله سبحانه وتعالى ، فاتخذه مأمناً ، قبل أن يأخذ جلاد الموت بحلقك .

( 3935 - 3946 ) : منكر البعث في البيت 3935 هو نفس المنافق المذكور في البيت السابق إنه لا يعرف سوى ما يراه بعينيه ولا يعترف إلا به ، فقل له ما أشبهك بطفل يقول أنا لم أر العقل فهل يعنى هذا أن يتخلى العاقل عن عقله ؟ وإذا جاء أحد العقلاء وأنكر العشق على أساس أنه لم ير هذا العشق الذي يتحدثون عنه هل معنى ذلك أن يختفى هذا العشق عن الوجود لأن إنساناً لم يذقه لم يعترف به ؟ أنظر إلى الفرق بين نظرة إخوة يوسف إليه ونظرة


“ 608 “ 

يعقوب ( انظر الأبيات 3301 - 3303 من الكتاب الذي بين أيدينا ) وموسى عليه السّلام لم يكن يعرف أن عصاه ( وهي في يده ) سوف تنقلب إلى حية ، وهناك فرق أيها السيد بين هذه العين التي تنظر بها وعين الغيب ، فعين الغيب هي التي رأت العصا حية ولم يرها صاحب العصا مع أنه نبي ، كما أنه لم ير اليد البيضاء ، وهي يده وفي جيبه ، كان الله تعالى فحسب هو الذي يعلم ، وأنت على كل حال مقيم على ما أنت عليه ، لأنك محروم ترى كل ما أحدثك عنه خيالًا ووهماً وكل همك مصروف على شهوة البطن وشهوة الفرج ، ولا أملك إلا أن أقول لكلَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ( الكافرون 6 )
فلا فائدة من الحديث إليك ، ولا فائدة من عرض الإيمان على من شاخ على الكفر :والشيخ لا يترك ما به * حتى يوارى في ثرى رمسه


( 3957 - 3958 ) : البيتان ناظران هنا إلى الآية الكريمة" وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ( الحجر 21 ) .

( 3961 - 3969 ) : يتحدث الخليفة إلى المحظية وكأنه سلطان من سلاطين الطريق ، ويتحدث عن النور الذي في قلبه ويهديه إلى الحقيقة ، والقمر المخفى بالغمام ، والمصباح الذي يكون تحت الطست هو قلب العارف عندما تشغله أمور الدنيا ، وكأن السلطان هنا يدعى أنه من العارفين وعباد الله المؤمنين الذين وهبوا " الفراسة " وإجلاء القلوب ، وينظر بنور الله وإن كانت الدنيا تشغله بين الحين والآخر ، ووضع المصاحف على بعضها عادة إيرانية قديمة ، والمصاحف السبعة تعبر عن القراءات السبعة ( مولوى 5 / 570 ) .

( 3974 - 3984 ) : يترك مولانا سياق الحكاية وينصرف إلى بيان فكرة تحدث عنها قبل ذلك بالتفصيل في الكتاب الثالث الأبيات 3445 - 3485 وشروحها ) 

إن كل شيىء تظنه مخفياً سوف يظهر لك عياناً يوم الحشر ، إنك إن زرعت بذور السوء هنا فلا تظن أنك سوف تجنى خيراً في الحشر ، وما أشبه هذا الحشر بالربيع الذي يظهر ما دفن تحت الأرض في فصل الشتاء ، وتبدى لك الأرض أسرارها ، وتأتيك بالأنباء عما تخفيه في باطنها ، وما أشبهك بشارب للخمر في ليل هذه الدنيا وظلمتها ، فإن أسفرت القيامة عن صباحها أخبرك الخمار عن تلك الخمر التي شربتها ، فالخمر هي البذرة المخفية ، والخمار هو برعمها الذي ظهر على وجه الأرض ، وبالرغم من أن البرعمة لا تشبه البذرة فإنها نتيجتها ، ومهما لم يتشابه الهيولى والأثر فهذا نتيجة ذاك وذاك هو السبب في هذا .

“ 609 “ 

( 3985 - 3999 ) : وانظر إلى كل الأشياء فمتى شابهت أسبابها ، هل تشبه النطفة الطعام ، وهل يشبه الجنى النار ، وهل يشبه السحاب البخار ؟ وهل يشبه عيسى جبريل ؟ وهل يشبه الإنسان التراب ؟ وهل يشبه اللص المشنقة ؟ وهل تشبه الجنة الطاعة ؟ ، فاعلم أن أي ألم حاق بك أنه هو نتيجة زلة ، حتى وإن لم يشبه هذه الزلة التي ارتكبها والشهوة التي قادتك إلى هذه الزلة ( من الممكن أن يكون الحديث هنا من خليفة مصر إلى نفسه ) وإن شعرت بالحزن فاستغفر ، فإن لكل حزن ذنباً ، حتى وإن لم تكن تعرف هذا الذنب أسجد لله الحكم العدل الذي لا يصيب إنساناً بألم أو حزن أو غم دون ذنب جناه ، والله سبحانه وتعالى سوف يستر عليك ويغفر لك ، بدلًا من أن تتغلب غصة الأحزان وهي مختفية في القلب إلى فضيحة " وينقلب قبض القلب إلى قبض العسس " ( انظر لتفصيلات في هذا المعنى الكتاب الثالث الأبيات 348 - 361 وشروحها ) .
- في العنوان السابق على البيت رقم  4000مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ( الجاثية 15 ) وإِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ( الفجر 14 ) .

( 4003 ) : إن من يعتدى على الأعراض يدعو الناس للاعتداء على عرضه فكأنه قواد لأصله [ من زنا زنى به ولو بحيطان داره ] ( جامع 2 / 171 ) .

( 4013 ) :عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا( الاسراء 8 ) .

( 4015 ) :قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ( الأعراف 23 ) .

( 4030 ) : في العنوان السابق على البيت :نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ( الزخرف 32 )

والبيتان المذكوران في العنوان : ذكر مولوى ( 5 / 577 ) وأنقروى ( 5 / 839 ) ( واستعلامى 5 / 398 ) أنهما لنظامى ولم يحددوا في أي منظوماته والأرجح أن البيت من مخزن الأسرار كما ذكر جعفري ( 12 / 584 ) أما البيت التالي فقد ذكر المولوي والانقروى أنه لسنائى الغزنوي من منظومته " اسرار نامه " وليس لسنائى الغزنوي منظومة بهذا الاسم وقال استعلامى أنه لم يستطع التوصل إلى قائله والبيت من حديقة الحقيقة وهو رقم 10518 ( أنظر الترجمة العربية ) .

“ 610 “ 

( 4035 ) : [ حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ] حديث نبوي ( انظر الأبيات 423 - 445 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحها ) .

( 4036 - 4039 ) : يعود مولانا إلى إياز وحكايته : فالسلطان يخاطب إياز على أنه مثال من أمثلة الرجولة الحقة لأنه يتغلب على نفسه التي بين جنبيه ، إنه ناجح موفق في كل امتحان يمتحنه السلطان فيه ، ويمهد مولانا الحديث عن الحكاية التالية :

( 4040 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت قبل المثنوى في مصيبت نامه للعطار وفي مقالات شمس تبريز والاحتمال الأكبر أن يكون مولانا جلال الدين قد نقلها من مقالات شمس تبريز ( استعلامى 5 / 398 ) ولب الحكاية أن أمر السلطان أثمن من الجوهرة مهما كانت قيمتها .

( 4056 ) : حملهم من الطريق إلى البئر أي ضللهم ولم يخبرهم عن هدفه الحقيقي .

( 4059 ) : العنوان السابق على البيت ( عن التقليد والتحقيق انظر الكتاب الذي بين أيدينا الأبيات 2446 - 2454 وشروحها وعن الامتحان انظر الكتاب الثالث الأبيات 743 - 746 وشروحها ) .

( 4063 ) : إشارة إلى ما ورد في سورة يوسففَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ( آية 15 ) وانظر الكتاب الثالث 2340 - 2344 وشروحها ) والفتح والظفر هنا كناية عن العناية الإلهية .

( 4070 - 4075 ) : الزاهد هو الذي يعبد خوفاً من النار أو طمعاً في الجنة والعارف هو الفارغ من الخوف والرجاء والعابد عشقاً ، إنه يعلم من البداية أن روح الانسان في الأزل كانت متصلة بالحق وأنها تعود في النهاية إلى الحق ، إن الله سبحانه وتعالى قد خلصه من كل ادعاءاته ، ومحا الخوف عنه فأصبح كله رجاء في وصال الحق .

( 4082 - 4087 ) : الجوهرة هنا هي مغريات الدنيا ، وأمر الملك هو كناية عن العلاقة بين العبد وربه والحجر الملون كناية عن الوثن والصنم وكناية عن الجوهرة التي حطمها إياز ، وكناية أيضاً عن كل ما يقف بين العبد وربه ، ومماراة الملك التعلق بسواه من أجل خداع الألوان ، تلك الزخارف التي تصرف العبد عن التفكير في خالقها ، وما هي إلا جرار تحتوى على قليل من ماء البحر أو ماء الجدول ، فكل جميل في هذا العالم إنما يملك فتات الجمال والذي يشغله عن معدن الجمال وجوهره ، وقاطعو الطريق في الدين كناية عن أولئك الذين

“ 611 “

يقعدون للسالكين كل مرصد ويصرفونهم عن الطريق القويم من المشايخ المزيفين المزورين ، وهؤلاء ديدنهم الرسوم والألوان والروائح ، وهم كالنساء ( الفكرة من سنائى انظر ص 451 من الديوان ) .

( 4094 - 4106 ) : قد يكون مولانا يصور مناجاة من العبد أمام الله فمن يكون السلطان محمود الغزنوي لكي يتوارى السخاء كله أمام سخائه وتصغر الأحلام أمام حلمه ؟ وتكون الطيور المباركة التي إن أظلت أحداً كما تقول الأساطير جعلته ملكاً تأخذ بركتها منه ، وأي غفران يكون للملك وأي عفو يكون له بحيث تتجرأ الثعالب على الأسود ، وعندما يتحدث مولانا عن الغفلة التي تنتج من الرعية من كثرة حلم الملك لا يمكن أن يكون المقصود هو الملك أو السلطان محمود ، بل لابد وأن يكون المقصود أنه لولا عفو الله لما تجرأ العبد على ارتكاب ذنب واحد وهذه الغفلة إنما تكون نتيجة عن الوقاحة ، فالعين الرمداء هي التي لا تشعر بالهيبة ومن ثم لا تقوم بالتعظيم ، فكيف يشعر صاحب العين الرمداء بالهيبة وهو لا يبصر شيئاً ، ثم يأتي التعظيم فيحرق هذه الغفلة ويحرق هذه الوقاحة ، والخائف لا ينام ، فهل رأيت نائماً أثناء غارة أو أثناء معركة ، وهكذا ، فإن من يحس بتعظيم الله تعالى ، تنطلق الغفلة وتنطلق الوقاحة خارج قلبه فينطلق مخاطباً رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا ( البقرة 286 ) .

( 4107 - 4111 ) : ومن هنا يحتسب النسيان كذنب على شكل ما ، فالنسيان لا بد وأن يكون لسبب من الأسباب ، وأهم سبب من هذه الأسباب هو التهاون في تعظيم ذات الله ، وقد يقول قائل : إن النسيان أمر يطرأ على الإنسان دون رغبة منه ، لكن النسيان مع ذلك قد يكون اختياراً ، فليس للسكير أن يحتج بالنسيان لأنه بسكره قد جلب هذا النسيان إلى نفسه .

( 4113 - 4114 ) : وفرق بين سكر وسكر ، بين سكر بالخمر الأرضية تجلبه لنفسك ويكون وبالًا عليك ويحاسبك عليه ربك ، وبين سكر بالخمر الإلهية وبجمال الاله يعذرك فيه الإله " ساقي الروح " ويحفظ عليك فيه عهدك ، بل إنه يعتذر عنك ، ويساعدك ، ويغفر لك زلة السكر فزلة العاشق الثمل بالخمر الإلهية أفضل من طاعة غيره ( انظر الكتاب الأول البيت 1589 وانظر الكتاب الثالث عن سكر هاروت وماروت بخمر القرب الإلهي ) وكم من أمور تبدر من العارف الثمل بالخمر الإلهية ينكرها عليه أهل الظاهر ومن لم يتذوقوا قطرة واحدة من هذه الخمر .


“ 612 “ 

( 4115 - 4117 : لا يزال إياز " العبد السالك والولي الكامل " يخاطب السلطان " أو السلطان الأزلي الأبدي " فيحدثه عن عفوه الذي تعد أنواع العطف الموجودة في كل العالم ذرة واحدة منه


[ أن الله سبحانه وتعالى خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأمسك عنده تسعاً وتسعين وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة ، ولو يعلم المؤمن بالذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار ] البخاري ومسلم عن أبي هريرة ، وفي حديث آخر
[ إن الله تعالى خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة كل رحمة طباق ما بين السماوات والأرض ، فجعل منها في الأرض رحمة فيها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض وأخر تسعاً وتسعين فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة ] أحمد في مسنده
( للحديثين الجامع الصغير 1 / 70 ) فهل يمكن أن يقاس عفو الناس بعفوه أو رحمتهم برحمته ، اتقوا أيها الناس القيام بهذه المقارنة الظالمة .


( 4118 - 4124 ) : الحديث أيضاً موجه في الظاهر إلى السلطان محمود لكن أي فراق عن أمثال السلطان محمود يسبب هذا الهلع وهذا الوجد عند مولانا ؟ 
إن أمثال هذه التعبيرات عن الفراق لا توحى إلا بأن الفراق المقصود هنا هو الفراق عن نبع الحياة ومصدر العشق ( انظر عن الفراق الكتاب الثالث الأبيات 405 - 411 وشروحها والأبيات 3690 - 3698 وشروحها ) إنه وجهك الجميل يا الله ثواب أعمالنا فأي تحمل لفراقه ، إن نظرة منك حتى على الكافر تجعله يتحمل سقر وعذابها ، إن هذه النظرة هي الدية لأرواح كل من ضحوا بأرواحهم في سبيل الله وفي دعاء لعلى رضي اللّه عنه " فلئن صيرتني في العقوبات مع أعدائك وجمعت بيني وبين أهل بلائك ، وفرقت بيني وبين أحبائك وأوليائك ، فهبني سيدي ومولاي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك " ( عن سبزوارى 4011 ) .


( 4125 - 4134 ) : الإشارة هنا إلى ما ورد في الآية الكريمةقالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ، لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ، قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ ( الشعراء 49 - 50 )
وانظر أيضاً الكتاب الثالث الأبيات 1246 - 1251 حيث وقفت رواية مولانا عند هذا الجزء الذي يبدأ في آخر الكتاب الذي بين أيدينا إن ما يعتبره فرعون قتلًا وموتاً يعتبره السحرة الذين آمنوا حياة أبدية خالدة ، ومن هنا قالوا لا ضير
( انظر عن الموت كبداية لحياة أفضل الكتاب الثالث 3529 - 3536 وشروحها ) ، فهيا اقترب يا فرعون حتى تسمع الألحان الإلهية تقوليا لَيْتَ

“ 613 “

قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ( يس 26 - 27 ) ، إن ما يعتبره فرعون فناءً هو في الحقيقة بقاء وما يعتبره حرماناً هو غنى فأي نيل وأي مصر ، إن النيل إلى جوار بحر المعرفة الإلهية مجرد جدول ، وهو إلى جوار عالم الروح الرحب المتسع لا يساوى شيئاً ، وأي فخر لفرعون بالنيل وبمصر ، وما النيل وما مصر ليقولأَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي( الزخرف 51 ) وفي عالم الروح آلاف الأمصار والأقطار ؟ ! كيف تقول يا فرعون " أنا ربكم الأعلى " وتهلع من عبد من عببيدك كل هذا الهلع ؟
( انظر الكتاب الذي بين أيدينا الأبيات 2442 - 2445 وشروحها ) .

( 4135 - 4142 ) : عندما ادعى فرعون الألوهية وقال أنا ربكم الأعلى أثبت أنه لا يعرف ربه ولا يعرف نفسه أيضاً ، وعندما اعتبر أن قتل السحرة هو إفناء لأنياتهم كان واهماً ، فإنهم أدرى بأنياتهم وهم يدركون الآن أن تلك " الأنا " التي تخصهم قد نجت من أنيتها وإحساسها بذاتها وشهواتها وهمومها ، إن ذات فرعون كانت شؤماً عليه هو نفسه ، لكنها كانت سعداً واقبالًا على هؤلاء السحرة الذين آمنوا برب موسى ، وما هذه الجذوع التي يصلبهم عليها فرعون إلا المركب الذي به ينطلقون إلى ما لا يستطيع وهم أي فرعون أن يصل إليه ، إلى الملك الحقيقي ، وإلى دار الملك الحقيقي ، لا ملك الغفلة التي يظنه فرعون اللعين ملكاً ، وما هو إلا دار الغرور ( انظر الكتاب الرابع 3083 ) وهكذا فان فرعون يظنه عدماً وهو وجود وحياة ويظنه فناء وهو بقاء سرمدي ( انظر عن البقاء والفناء مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث ) .

( 4143 - 4148 ) : هناك نوعان من " الأنا " أنت حائر بينهما هذه الأنا الموجودة وجوداً جسدياً ، ثم وجودك الأزلي الأبدي أو ما يعبر عن مولانا بأنية الأزل التي يحار القلب في عوالمها وفي قدراتها وفي عظمتها ، والتي تعد " انا " الجسد عاراً عليها ، والأنا التي بلا أنا هي تلك الذات التي تخلصت من أنيتها واتصلت بالبقاء السرمدي ، هي تلك الأنا التي بها تسعد الروح ، إنها حين تخلصت من أنية الجسد صارت جديرة بأن تطلق على نفسها لفظ " أنا " ولن تستطيع أن تحس بهذه الأنا إلا إذا توصلت إلى فناء تلك الأنية الجسدية ، حينئذ تكون حياة سرمدية ، تطلبك هذه الأنا ولا تطلبها أنت .
 

( 4149 - 4152 ) : تراك تظن أن فهم هذه الأمور يتأتى بالعقل ، إذن لكان فخر الدين الرازي عالماً ( المفكر في القرن السابع وخصم بهاء ولد والد جلال الدين والذي يقال إن


“ 614 “

دسائسه لدى خوارزم شاه كانت السبب في غضب خوارزم شاه عليه ومن ثم هجرته مع أسرته من موطنه وقد ناقش عبد الحسين زرين كوب هذه القضية وجزم بعدم صحتها - انظر سر نى 1 / 74 - 77 ) والعقل هنا هو عقل الفقه وعقل المدرسة وعقل الجمع والعقل الدنيوي ، والأمور كلها بالذوق " ومن ذاق عرف ومن حرم اختلف " ومن ثم فإن هذه الأنا الجسدية لا تدرى من أمور الكشف شيئاً ، ولأن الأمور بالذوق فإن العقول الجزئية تتشدق بالحلول ( أي حلول الله جل شأنه في جسد العين ) وبالاتحاد والأمور كلها روحية ولا علاقة لها بالأجساد ، ولا علاقة لها بهذه الأنا إنه اتحاد النور ( انظر 2038 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .


( 4135 - 4157 ) : إن هذا العبد " إياز " الفاني في الله من قربه منه ، المستمد منه النور لفرط عشقه كالكواكب المقتربه من الشمس تستمد منها نورها ، وهكذا فناء العبد في النور إنه مثل تخلق النطفة وتحولها إلى جسد ، لقد صارت هذه النطفة جسداً كامل الخلقة فكيف تنكر تحول الجسد إلى نور ، وأي سقوط لك إذن في الاتحاد والحلول ، أي عفو يطلب من العبد ، إنك أنت يا الله خزانة العفو ، والعفو موجود في سابق لطفك ، والعفو للسلاطين ، فأي عفو يرجى من العبيد وأية جرأة لهذه " الأنا " حتى تتشبث برداء " الأنا " المطلقة .


( 4158 - 4169 ) : لا يزال مولانا يتابع قصة إياز ومحمود " العبد الصالح والإله الخالق " وها هو إياز يعتذر عن أنه تشفع من أجل العفو عن الأمراء المجرمين والحديث الوارد في العنوان " أنا أعلمكم بالله وأخشاكم لله " لم أجد له أصلًا وأقرب ما توصلت إليه منه [ إني لا أرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما يتقى ] ( شرح التعرف 2 / 76 ) .


والآية الكريمة فاطر 28 . ويعتذر إياز هنا عن التشفع بأنه أنا كان يفتح طريقاً من أجل معاينة حلم السلطان والرواية هنا اعتذار من الشفيع وفي الكتاب الرابع غضب من المشفوع في حقه ( انظر الأبيات 2975 - 2984 وشروحها ) ، ما هذا التبجح ، وما هذه الجرأة بحيث يقوم " عبد " بإخبار " السلطان " عن شروط الكرم ، وكل ما أنا إنما يكون من نورك يا مالك الملك ، وما جرأتي هكذا إلا لإكرامك لي وتفضيلك إياي ، لا بل أنت الذي أوحيت لي بهذا الدعاء وهذه الشفاعة ( انظر دعاء الدقوقى وشفاعته في الكتاب الثالث البيت 2283 ) وعن أن الدعاء والاستجابة له ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 189 - 199 وشروحها )

إن هذا الدعاء وهذه الشفاعة إكرام من الحق لبعض عبده لكي يكون فخرهم حتى يصبح هذا الذي كان ألماً بأجمعه بلسماً للخلق وطبيباً لهم وشافياً لآلامهم ( انظر الكتاب الثالث 270 ) .

“ 615 “ 

( 4171 - 4179 ) : لقد جعلت أنت يا الله من هذا المخلوق الشهوانى الجدير بجهنم كأنه ماء الكوثر يطفئ نيران الجحيم ، بل يعيد من احترقت جلودهم في نار جهنم الدنيا وشهواتها ويجعلهم لائقين بالجنة مستعدين لها ، هؤلاء البشر هم ربيع هذا العالم يأخذون بأيدي من جردتهم رياح الخريف من الأوراق والثمار ويبثون فيهم الحياة ، كل منهم كأنه إسرافيل ينفخ في صور المعنى فيحيا موتى الروح وكونك يا إلهي قد اصطفيت من عبادك من خصصتهم بهذا الكرم هو مصداق لحديثك [ خلقت الخلق ليربحوا على ولم أخلقهم لأربح عليهم " ] ( وردت أيضاً للإمام على رضي الله عنه : يقول الله تعالى يا ابن آدم لم أخلقك لكي أربح عليك إنما خلقتك لتربح علىّ فاتخذنى بدلًا من كل شئ " ( فروزانفر أحاديث مثنوى ، ص 58 ) .

( 4182 - 4186 ) : إن عالم الغيب هو مصدر كل أحاسيسنا وعواطفنا وهو أيضاً مورده ، إن عفو الخلق مجرد صدى من عفوك أنت ، كلها سيول وجداول تفيض من بحرك وتعود إليك إنها كل صباح تطير صوبنا كأنها طيور وفي المساء تكون رجعتها إليك أنت ، إنها الأرواح ، تجعلها محبوسة في الأبدان طيلة النهار فإن جن عليها الليل تحلق إليك بأجنحتها عاشقة لهذا الأيوان صائحةإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ( البقرة 156 ) .


( 4187 - 4199 ) : الحديث عن الرجعة الأخيرة ، لا رجعة طيور الأرواح عند نوم الأجساد ( من هنا قيل النوم هو أخ الموت واليقظة هي الحشر الأصغر ) وعندما يناديها الخالق : تعالوا وتكون الرجعة الأخيرة ، فلا يبقى حرص ولا غم ولا يحزنهم الفزع الأكبر ، عندئذ تنتهى الغربة ، غربة الأرواح في الدنيا ، وبعدها عن منبتها الذي لا تزال تحن إليه منذ أن اغتربت عنه ، عندئذ تسترخى بعد الكدح ، كدح الدنيا وعنائها ، ويزوجون بالحور العين اللائي كن في انتظار هؤلاء الصوفية السالكين يعودون من سفر الدنيا ، ومن رحلة الامتحان ، ومن مزبلة البشر ، ومن متربة الدنيا ، فلا أثر منها وقد صفاهم ربهم من الكدر ، لكن هناك قوما آخرين اثقلتهم الذنوب ، ورسبوا في الامتحان ، لكنهم أيضاً أيها الإله طامعون في عفوك ، راجون مغفرتك ، آملون في لطفك ، فاغسلهم أيها الإله العظيم بالثلج والماء والبرد ، وصفهم في عين المغتسل البارد ( ص / 42 ) ،

لكي يصطفوا في صفوف الملائكة مصلين لك مسبحين بحمدك ، معترفين بفضلك ولطفك ، تراني أستطيع أن أخط وصف هذه الحال في بيان ، وهل يستطيع القلم أن يصف هذا الرضوان ! !

“ 616 “ 

( 2400 - 4208 ) : لا يفتأ مولانا جلال الدين يتحدث عن البيان الذي لا يستطيع أن يستوعب المعاني الراقية السامية التي تدور في ذهنه ، إن المعاني كالبحر والبيان كإناء فخار ، والمعاني كالأسد الهصور والبيان كالحمل الوديع ، ومن هو في حجاب لا يستطيع أن يعبر عما هو وراء الحجاب ، فأخرج من احتجابك بالمادة حتى ترى عالم المعنى ، والسكارى بك أيها الاله يحطمون كؤوسهم دائما عند وجدههم ، وجد السكر لا يتم الا بعد أن يفيق الثمل ، وهؤلاء لا يفيقون أبدا ، فمن سكر بهواك لا يفيق .


( 4211 - 4216 ) : لا يزال فضلك يقول لهذا الثمل بك ، اذهب وامض ، استرح ، إنك قد سقطت في المخيض ، إنك مخدوع ( انظر 2716 من الكتاب الثالث ) ، إنك تظن نفسك ثملا ، لا ، إنك أنت الخمر نفسها ، فبك ثمل الناس ، إنك ضعيف لكن الأقوياء يثملون بك عندما تسوق مركبك نحو بحر معرفة الحق واللذائذ الروحانية ، إنك أنت أيها الثمل بالعشق الإلهى برغم ضعفك محور الوجود وقطب المخلوقات ( انظر 2339 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ،

ومن خمرك يا ثملا بالعشق الإلهى تصبح الجبال نفسها ثملة بالعشق ( أيها العاشق ذاق الطور عشقا * رقض الجبل وموسى خر صعقا ، البيت 26 من الكتاب الأول ) ، وكل الجواهر إلى جوار مرتبة العاشق رخيصة الثمن لا تساوى شيئا ، وماذا أقول ؟ ! إن البيان قاصر عن وصف هذا الذي لا يوصف ، وأي فم يستطيع أن يتحدث وخمسمائة فم عاجزة وقاصرة ولا تستطيع أن تصفه ، وكلما أردت أن أصف روح العالم ، العشق الساري في الأكوان ، والعاشق أو الإنسان الكامل ، أصبت بالخجل ! !


( 4217 - 4219 ) : إنني أشعر أمامك بالانكسار يا مليك العالم ويا عالما بالسر لأن بيانى قاصر ولغتى عاجزة ، لكن هل أكون أكثر انكسارا من العدم الذي قد تخلق بالله عوالما تصل إلى الوجود عالما بعد عالم ؟ ! بلطفك ومنك وكرمك تأتى بالموجودات كلها في عالم العدم إلى عالم الوجود ، وغير هذه العوالم التي خلقت هناك آلاف العوالم التي تنتظر الخلق ، وهناك سير مستمر ، حركة مستمرة تحرك العدم إلى الوجود في مراتب وأطوار ، فمن الموت في عوالم الهيولى يجذبه إلى عالم الجماد وبالموت في عالم الجماد يجذبه إلى حيز النبات ثم إلى حيز الحيوان ثم يدخل في أطوار الإنسانية ، تجدد مستمر بين الموت والحياة ، ثم مرة ثانية بمقتضى إنا إليه راجعون عودة إلى العالم الأصلي ، عالم العدم مصنع الإبداع ومنشئه ، وفي هذا التغير المستمر ، هناك ما لا يتغير ولا يتبدل ، وقدم الصانع وحداثة المصنوع هو الذي


“ 617 “

يفصل كل مراتب الوجود عن اللاهوت ، ومرتبة يعبر عنها العرفاء ب " هاهوت " ، فجوة لا يمكن عبورها تجعل العارف السالك واقفا على نقص وجوده واحتياجه وفقره ، بحيث يئن دائما وينوح من أجل أن يقوم بعبوره ( سر نى 1 / 557 ) ( انظر أيضاً مثنوى مولانا جلال الدين 2 / 690 و 762 و 3 / 3901 - 3906 و 1 / 1889 ) .


( 4220 - 4227 ) : كل هذا يصيب رأسي بالدوار في طلبك ، أحس بأن كل ذرة من الحياة مصدرها أنت ، وأنا مجرد ميت أمامك ، والرغبة نفسها ، تلك الرغبة في أن تتكشف أمامى هذه الحجب ، أنت الذي خلقتها في وصورتها في نفسي ، وأنت محركها ، وأنفاسك السارية في هذه الألوان ، ونفختك الإلهية التي هي أصل الخلق هي التي تحرك عالم التراب ، فهل يتحرك تراب دون ريح ؟ ! وهل تسير سفينة دون ماء ، إن ماء الحياة الذي يهب الموتى الحياة الخالدة وينقذهم من الموت إلى جوار ما تمنحه أنت من كدر ، فإن الموت منك أيها الإله هو بمثابة ماء الحياة ( انظر لماء الماء البيت 1274 من الكتاب الثالث ) .


( 4228 - 4231 ) : وما الموت وما الحياة ، إن في كل لحظة موتا ونشرا وحشرا ( انظر سنائى الحديقة : الصوفية يقيمون في كل لحظة عيدين ) ، والعمر كالجدول يتجدد ماؤه أولا بأول ( انظر الكتاب الأول 1153 والكتاب الذي بين أيدينا ، الأبيات 795 - 798 ) وهذا من جذباتك ومن كرمك ، وليس للماء وجود بدونك فأنت ماء الماء أي أصل الوجود وروحه السارية فيه ، وكيف يمكن لإنسان أن يجرؤ على استقبال الموت دون أن يكون عاشقا لك ، والا فإن الموت بمقياس العقل الدنيوي كريه ، ولا يجعله حلوا إلا العشق .

( 4232 - 4243 ) : ها أنا قد قدمت إليك الكتاب الخامس من المثنوى المعنوي ، كوكبا درياً ينشر النور في الأرواح ، وإنما يفهمه من هو أهله ، أما من ليس بأهل فإنه غافل عن طوالع السعد فيه واقتران هذه الطوالع ، إن هذا المثنوى كالشهاب الثاقب ، محرق للشياطين التي تسترق السمع إليه ، كأنه الرامي بالنفط ، نفس هذه النجوم التي تقوم بدور العقارب التي تلدغ الشياطين ، أو ذلك الكتاب الذي يجد فيه شيطانى النفس مثل لدغ العقرب ، يكون وليا باعثا للسعادة كنجم المشترى لمن هم يعتقدون " فيه " ويستمر مولانا فيدق على النجوم والبروج فهو " قوس " ، بالنسبة للشيطان و " دلو " ، بالنسبة للولي عند الزرع والثمر ، وهو كالشمس يمزق العدو كما يمزقه الأسد ، لكنه يربى الياقوت في منجمه ، وهكذا ، كل أثر فكرى ، إنه قد يكون سماً في فم أحدهم ، لكنه يكون شهدا بالنسبة للآخر ، فإنك إن كنت حبيباً تنال منه


“ 618 “ 

 

الشهد ، وإن كنت عدوا فليس لك منه إلا السم ، وألم يشرب الفاروق عمر رضي اللّه عنهم ذلك السم الذي وجد في غنائم المدائن ( والرواية أيضاً وردت عن خالد بن الوليد )
( أو أرسل هدية من قيصر الروم ) ، ولم يمت !!
( لم يقترب منها أي مفسر إيرانى !!!) وهكذا رجل الحق فإنه لا يصاب بأدنى ضرر حتى من أي شئ يكون ضرره محتوماً . 
*
تم بحمد الله تعالى رب العالمين
عبدالله المسافر بالله
.
* * *
* * *
.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: