الثلاثاء، 11 أغسطس 2020

13 - ما يفعله الولي لا يجب على المريد أن يتجرأ ويقوم بفعله المثنوي المعنوي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

13 - ما يفعله الولي لا يجب على المريد أن يتجرأ ويقوم بفعله المثنوي المعنوي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

13 - ما يفعله الولي لا يجب على المريد أن يتجرأ ويقوم بفعله المثنوي المعنوي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

ما يفعله الولي لا يجب على المريد أن يتجرأ ويقوم بفعله


« 246 »
 
في معنى أن ما يفعله الولي لا يجب على المريد أن يتجرأ ويقوم بفعله ،
فالحلوى لا تضر الطبيب لكنها قد تضر المرضى ،
والثلج لا يضر العنب لكنه يضر الحصرم ، فهو في الطريق وذلك لكي
" يغفر لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ "
 
2615 - إذا شرب الولي الدواء يصبح له عسلا ، وإن شربه الطالب ، يصير سببا في ضياع لبه .
- ولقد ورد عن سليمان قوله " رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي " ، أي لا تعط غيري هذا الملك وهذه القوة .
- " لا تجد على غيري بمثل هذا اللطف وهذا الجود ، وهذا يشبه الحسد ، لكنه لم يكن كذلك .
- فاقرأ حقيقة " لا ينبغي " بالروح ، ولا تعتبر سر " من بعدي " بخلا منه .
- لكنه رأى في الملك أخطارا محققة ، وكان ملك الدنيا شعرة بشعرة وجعا للرأس .
 
2620 - أيكون وجع الرأس مع وجع السر مع وجع الدين ، ليس هناك امتحان لنا مثل هذا .
- ومن ثم تلزم همة سليمانية ، بحيث يتجاوز عن هذه الآلاف من الألوان والروائح .
- ومع تلك القوة التي كانت لديه ، كان موج ذلك الملك يكتم أنفاسه .
- وعندما حط عليه الغبار من هذا الهم ، أحس بالرحمة تجاه ملوك العالم . « 1 »
- فصار شفيعا وقال : أعط ذلك الملك والكمال لصاحب الكمال .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 248 : - فامض واقرأ ألقينا على كرسيه " ، عندما صار خاليا من العرش والتاج .
 
 
« 247 »
 
2625 - فكل من تعطيه هذا الكرم وتخصه به ، هو سليمان ، وذلك الشخص هو أنا نفسي .
- إنه لا يكون بعدي ، لكنه يكون معي ، وما ذا تكون " معي " ؟ إنه أنا بلا ادعاء .
- ومن المفروض أن تُشرح هذه النقطة ، لكنني عائد إلى قصة الرجل وزوجته .
 
خلاصة قصة الأعرابي وزوجته
 
- إن لقصة الرجل والمرأة مغزى ما ، لكنه يطلب باطن أحد المخلصين .
- ولقد سيقت قصة الرجل والمرأة كحكاية ، لكنها مثال على نفس المرء وعقله .
 
2630 - فهذه المرأة وهذا الرجل نفس وعقل ، لازمان تماما من أجل الخير والشر .
- وهذان اللازمان في دار التراب هذي ، في قتال ليل نهار . . وفي صراع .
- فإن المرأة لا تزال تطلب حوائج الدار ، أي الكرامة والخبز والمائدة والجاه .
- والنفس كالمرأة في أثر طلب الوسيلة ، حينا ترابية ، وحينا تطلب الرئاسة .
- والعقل في حد ذاته غير واع لهذه الأفكار ، وليس في مخه إلا هم الله .
 
2635 - وبالرغم من أن هذا هو سر القصة فهو شبكة وحبوب ، فاسمع صورة القصة الآن بتمامها .
- والبيان المعنوي إن كان كافيا ، لكان خلق العالم عاطلين باطلين .
- ولو كانت المحبة مجرد فكرة ومعنى ، لما كان لها صورة صلاتك وصيامك .
- وهدايا الأصدقاء المتبادلة فيما بينهم ، ليست في الصداقة إلا صور .
- حتى تشهد هذه الهدايا على المحبة المضمرة في الخفاء .
 
2640 - ذلك أن ألوان الإحسان الظاهرة شاهد على المحبة الموجودة في السر أيها العظيم .
 
 
« 248 »
 
- وشاهدك حينا يكون صادقا وحينا كاذبا ، والثمل يكون ثملا حينا من الخمر وحينا من المخيض .
- وإن من شرب المخيض يكتشف في نفسه سكرا ، فيعربد ويرتكب كثيرا من الشرور .
- وذلك المرائي في صلاة وفي صيام ، حتى يُظن أنه ثمل بالولاء . « 1 »
- والخلاصة أن أعمال الظاهر أعمال مختلفة ، إلا أن يكون هناك دليل على ما هو مضمر .
 
2645 - فيا إلهي ، هبنا هذا التمييز بمشيئتك ، حتى نعلم ذلك الدليل على المعوج وعلى الصحيح .
- وللحس تمييز ، أتدري ما ذا يكون ؟ إنه ذلك الحس الذي ينظر بنور الله .
- وإن لم يكن ثم أثر ، فالسبب أيضا يكون مبديا ، مثل القرابة التي تخبر عن المحبة .
- ولا يكون ذلك الذي صار نور الحق إماما له ، غلاما للأثر أو للأسباب .
- ومن تضرم المحبة شعلة في باطنه ، يصبح عظيما ، ولا يلقي بالا إلى الأثر .
 
2650 - ولا تكون به حاجة إلى إعلان المحبة ، لأن المحبة ألقت بنورها فوق الفلك .
- وهناك تفصيلات لهذا الكلام حتى يتم ، لكن إبحث أنت عنها . . . والسلام .
- وبالرغم من أن المعنى قد صار واضحا في الصورة ، إلا أن الصورة بالنسبة للمعنى قريبة وبعيدة .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 262 : -
 -وذلك المرائي يبدي جدا وجهدا كاملين تماما في الصلاة والصيام .
- حتى يُظن أنه ثمل بالولاء ، وعندما تنظر إلى حقيقته هو غارق في الرياء .

 
« 249 »
 
- وهما في الدلالة مثلهما مثل الشجرة والماء ، وعندما تمضي إلى ماهيتهما ، فالبون بينهما شاسع . « 1 »
- ألا فلتترك الماهيات والخواص ، وقم ببيان أحوال هذين الجميلين .
 
استسلام الأعرابي لإلتماس محبوبته وقسمه لها قائلا 
ليس في هذا التسليم حيلة أو امتحان
 
2655 - قال الرجل : الآن ضربت صفحا عن الخلاف ، والحكم لك فسلي السيف من غمده .
- وكل ما تقوليه ، عليّ أن أمتثل لأمرك ، ولا أنظر إلى نتيجة حسنة كانت أو سيئة .
- ولأصر أنا منعدما في وجودك ، لأني محب ، والحب يعمي ويصم .
- قالت المرأة : أتراك تقصد بري أو تراك تقصد هتك سري ؟ .
- قال : بالله عالم السر الخفي ، الذي خلق من التراب آدم صفيا .
 
2660 - وفي جسد ذي ثلاثة أذرع وهبه له ، أبدى له كل ما كان في الأرواح والألواح . « 2 »
- وكل ما يكون حتى الأبد ، درسه له مسبقا ، مصداقا لقوله " علم الأسماء " .
- حتى فقد الملك وعيه من تعليمه ، ووجد قدسية أخرى من تقديسه .
- فكان ذلك البسط الذي بدى لهم من آدم ، غير موجود في سعة السماوات .
- وفي سعة ساحة ذلك الطاهر الروح ، تضيق ساحة السماوات السبع .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 262 : - وانظر إلى البذرة كيف صارت شجرة من الماء والتراب والشمس ، عالمة في إسراع . 
- وعندما تدير البصر إلى الماهية ، فإن هذه الأسباب بعيدة عن بعضها تماما .
( 2 ) ج / 2 - 275 : - وعلمه لوح الوجود المحفوظ، حتى علم ما هو موجود في الألواح.
 
« 250 »
 
2665 - قال الرسول : إن الحق تعالى قال : لا يسعني عالٍ ولا سافل .
- ولا تسعني الأرض ولا السماء ولا يسعني العرش أيضا، واعلم هذا يقينا أيها العزيز
- ويسعني قلب " عبدي المؤمن " ويا للعجب ، وإن كنت تبحث عني ، فاطلبني في تلك القلوب .
- وقال : " ادخل في عبادي تلتقي ، جنة من رؤيتي يا متقي « 1 » " .
- والعرش مع كل نوره وسعته ، عندما رأى ذلك ، تحرك من موضعه .
 
2670 - وعظمة العرش في حد ذاتها تكون عظيمة الامتداد ، لكن ما ذا تكون الصورة عندما يصل المعنى ؟
- وأخذ كل ملك يقول : لقد كانت لنا قبل الآن ألفة مع وجه الأديم ! !
- وكنا نلقي ببذور الخدمة فوق هذه الأرض ، وكنا نتعجب من هذا التعلق بها .
- متسائلين : ما هذا التعلق لنا بهذا التراب ، ما دامت طبيعتنا من السماء ؟
- وأية ألفة لنا نحن الأنوار مع الظلمات ؟ وكيف يمكن للنور أن يحيا مع الظلمات ؟
 
2675 - يا آدم ، لقد كانت هذه الألفة من شذاك ، ذلك أن الأرض كانت لجسدك السدى واللحمة .
- لقد نسج جسدك الترابي من ذلك المكان ، بينما وجد نورك الطاهر من هذا المكان .
...............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن الفارسي

« 251 »
 
- وذلك الذي وجدته أرواحنا من روحك ، كان من قبل ذلك بكثير يتألق من التراب .
- كنا في الأرض غافلين عن الأرض ، وغافلين عن الكنز الذي كان مدفونا فيها .
- وعندما أمرنا بالرحيل عن ذلك المقام ، تمررت أفواهنا من هذا النقل .
 
2680 - حتى أننا أخذنا نتفوه بالحجج قائلين : يا إلهي من الذي سيحل محلنا ؟
- وهل تستغني عن نور هذا التسبيح والتهليل من أجل القال والقيل ؟
- ولقد بسط حكم الحق من أجلنا البساط ، قولوا كل شيء عن طريق الانبساط ،
- وكل ما يتأتى على ألسنتكم بلا حذر ، مثلما يكون الطفل الوحيد مع أبيه .
- ذلك أن بني آدم وإن كانوا غير لائقين ، فإن رحمتي سبقت غضبي .
 
2685 - وإن هذا السبق من أجل الإظهار أيها الملك ، فإنني أصنع فيكم دواعي الإنكار والشك .
- حتى تتحدثوا ولا أؤاخذكم بهذا الحديث ، ومنكر حلمي لا يجرؤ على الحديث .
- وفي حلمنا يولد في كل نفس مائة أب ومائة أم ، ثم يسقطون في " هاوية " الفناء .
- وإن حلمهم زَبَدٌ لبحر حلمنا ، والزبد يأتي ويمضي ، لكن البحر في موضعه .
- وما هذا الذي أقول ؟ وأمام در هذا الصدف ، لا يوجد إلا زبدُ زبدِ زبد الزبد .
 
2690 - وبحق ذلك الزبد ، وبحق ذلك البحر الصافي ، إن هذا القول ليس امتحانا وليس ادعاءا .
- إنه نابع من الحب والصفاء والخضوع ، بحق ذلك الذي إليه مرجعي وملاذي .
- وإذا كان افتتاني بك في رأيك امتحانا ، فامتحني هذا الامتحان في لحظة واحدة .
- ولا تخفي سرا حتى يبدو لك سري ، ومري بكل ما أكون قادرا عليه .

« 252 »
 
- ولا تخفي " ما في " القلب ، حتى ينكشف " ما في " قلبي أمامك ، وحتى أقبل كل ما أكون قابلا له .
 
2695 - وماذا أفعل ؟ وأية حيلة في وسعي ؟ وأمعني النظر حتى تدركي ما ذا تصلح له روحي . ! !
 
تحديد المرأة طريق طلب الرزق لزوجها وقبوله إياه
 
- قالت المرأة : لقد سطعت إحدى الشموس ، ومنها وجد عالمُ النور والصفاء .
- إنه نائب الرحمن وخليفة الخالق ، ومدينة بغداد منه كأنها الربيع .
- فإن اتصلت بذلك المكان تصبح ملكا ، فحتام تمضي صوب كل عتل زنيم ؟
- وإن مجالسة الملوك كأنها كيمياء التبديل ، فإذا كان نظرهم كيمياء ، فماذا يكونون هم أنفسهم ؟
 
2700 - ولقد وقعت عين أحمد على أبي بكر ، ومن تصديق واحد صار صديقا .
- قال " الأعرابي " : كيف أكون أنا قابلا للملك ؟ وكيف أذهب إليه دون حجة ؟
- إذ تلزمني إليه نسبة أو حجة ، وهل صحت قط حرفة دون آلة ؟
- وذلك كالمجنون الذي سمع من أحدهم ، أن مرضا عارضا قد ألم بليلى ؛
- فقال : أواه . . كيف أمضي إليها دون حجة ، وإن قعدت عن عيادتها ، ما ذا سيكون حالي ؟
 
2705 - " ليتني كنت طبيبا حاذقا ، كنت أمشي نحو ليلي سابقا " « 1 »
- ولقد قال الله لنا " قل تعالوا " لهذا السبب ، ليكون ذلك إشارة لكي نتخلص من خجلنا .
...............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن الفارسي .
 
« 253 »
 
- ولو كان للخفافيش نظرٌ وآلة ، لكان لهم تجوال بالنهار وحال طيبة .
- قالت : عندما يخرج ملك الكرم إلى الميدان ، فإن انعدام الوسيلة في حد ذاته يكون الوسيلة .
- ذلك أن الوسيلة هي ادعاء " وإبداء " وجود ، والأمر في انعدام الآلة والصنعة .
 
2710 - قال : متى انتفع بانعدام الوسيلة ، مالم أجد حال انعدام الوسيلة ؟
- بل يلزمني دليل على إفلاسي ، حتى يرحمني الملك رحمةً فيها إيناسي .
- فأبدي لي دليلا غير القيل والقال واللون ، حتى يرق لي ذلك الملك البشوش .
- فإن ذلك الدليل الذي يكون من القول واللون ، يكون مجرحا عند قاضي القضاة ذاك . « 1 »
- إن الصدق يلزمه دليل على حاله ، حتى يشع نوره دون مقال .
 
حمل الأعرابي جرة من ماء المطر كهدية إلى أمير المؤمنين من قلب البادية
إلى بغداد ظنا منه أن الماء نادر أيضا هناك
 
2715 - قالت المرأة : إن الصدق هو أن تبرأ تماما من وجودك ، ومن كل جهد يكون لك .
- فإن لدينا بعض ماء المطر في الجرة ، هي كل أملاكك وعدتك وعتادك .
- فاحمل جرة الماء هذه وامض ، واجعلها هدية ، واذهب بها إلى الملك .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 290 : - ومن ثم يلزمني شاهد من الباطن ، وليس يلزمني شاهد من الظاهر .
 
« 254 »
 
- وقل له : إننا لا نملك سوى هذا من حطام الدنيا ، وفي الصحراء لا يوجد ما هو أعذب من هذا الماء .
- وهو وإن كانت خزانته مليئة بالذهب والجوهر الثمين ، فليس عنده ماء كهذا ، فهو نادر جدا .
 
2720 - فما هي هذه الجرة ؟ إنها جسدنا المحدود ، وفيها ماء حواسنا المالح .
- فيا إلهي ، تقبل منا هذا الدن وهذه الجرة ، من فضل قولك " إن الله اشترى " .
- إن الجرة ذات المنافذ الخمس وهي الحواس الخمس ، فاحفظ هذا الماء طاهرا من كل دنس .
- حتى يصبح لهذه الجرة منفذ صوب البحر ، وحتى تتخذ جرتنا طبع البحر .
- وحتى تحمله هدية إلى السلطان ، ويراه طاهرا فيشتريه .
 
2725 - ويصبح ماؤها بلا نهاية من بعد ذلك ، وتمتليء من جرتنا مائة دنيا .
- فسد منافذها واملأها من الدن فلقد قال " غضوا عن هوى أبصاركم " .
- ولقد امتلأت لحيته بريح " الكبرياء " وتساءل : لمن تكون هذه الهدية ؟ إنها جديرة بذلك الملك حقا ! !
- ولم يكن يدري أنه سيمر بماء دجلة الذي يجرى " بماء " كأنه السكر ! !
- يجرى وسط المدينة وكأنه البحر ، مليء بالسفن ، وشصوص الأسماك .
 
2730 - فاذهب نحو السلطان ، وانظر عيانا إلى الأبهة والعظمة ، وانظر عيانا مصداق الآية " تجرى من تحتها الأنهار " .
- ومثلُ أحاسيسنا هذه وإدراكاتنا ، مثل القطرة في هذا البحر للصفاء . « 1 »
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 295 : - فداوم البحث ، وداوم النظر ، وداوم الإيجاد ، ممن ؟ من من " عنده أم الكتاب .
 
« 255 »
 
كيف خاطت امرأة الأعرابي حول الجرة باللباد وختمت عليه ،
وذلك لفرط اعتقادها في " أهميته "
 
- قال الرجل : أجل ، أغلقي فوهة الجرة ، هيا ، فإنها هدية ونافعة لنا .
- ولفي هذه الجرة باللباد وخيطيه ، حتى يفطر الملك على هذه الهدية في يوم صوم ! ! 
- فلا يوجد مثل هذا الماء في كل الآفاق ، اللهم إلا الرحيق ، وما يلذ للأذواق .
 
2735 - ذلك أنهم من الماء المر والماء الملح ، دائما ما يعانون العلل وتضعف أبصارهم .
- والطائر الذي يكون سكنه في الماء الملح ، أي علم له بموضع الماء العذب ؟
- فيا من موطنك في نبع مالح ، أي علم لك بالشط وبجيحون والفرات ؟
- ويا من لم تنجُ من هذا الرباط الفاني ، أي علم لك ، بالمحو والسكر والانبساط ؟
- وإن عرفتها نقلا عن الآباء والأجداد ، فإن أسماءها تكون أمامك " مجرد " حروف " صماء " .
 
2740 - وكم تكون الحروف شائعة معلومة الظاهر لكل الأطفال ، لكن معانيها شديدة البعد .
- ثم إن ذلك الأعرابي حمل الجرة ، وانهمك في السفر ، وأخذ يعانيه ليل نهار .
- كان مرتعدا " خوفا " على الجرة من آفات الدهر ، وهو آخذ في حملها من البادية إلى المدينة .
- والمرأة من الضراعة ، جعلت من " مسكنها " مصلى ، وكان وردها في صلاتها :
رب سلم . . رب سلم .
 
« 256 »
 
- ولتحفظ يا إلهنا ماءنا من الأخساء ، وأوصل يا الله ذلك الجوهر إلى البحر . ! ! .
 
2745 - ومع أن زوجي يقظ حسن التدبير ، لكن لهذا الدر آلاف الأعداء .
- وما الدر إلى جواره ؟ إنه ماء الكوثر ، إن قطرة من ذلك الماء هي أصل الدر .
- ومن أدعية المرأة وضراعاتها ، ومن حزن ذلك الرجل وثقل حمله .
- حمل الجرة دون تأخير إلى دار الخلافة سالما من اللصوص ومن أذى الحجر .
- فرأى عتبة مليئة بالإنعامات ، وقد بسط أهل الحاجات أمامها شباك " آمالهم " .
 
2750 - وفي كل لحظة كان صاحب حاجة يظفر من ذلك الباب بالعطاء والخلعة .
- ومن أجل المؤمن والمجوسي والجميل والقبيح ، كان كالشمس والمطر ، بل كالجنة .
- ورأى قوما مزدانين لناظريه ، وقوما آخرين وقفوا منتظرين .
- والخواص والعوام ، ومن هم " كأمثال " سليمان ومن هم كالنمل ، بعثوا أحياء كالدنيا من نفخ الصور .
- وأهل الصورة في الثياب المطرزة بالجواهر ، وأهل المعنى قد حصلوا على بحر المعنى .
 
2755 - وفاقد الهمة ، كم صار ذاهمة ، وصاحب الهمة ، كم صار ذا نعمة ! ! .
 
في بيان أنه كما أن المتكدي عاشق للكرم وعاشق للكريم فإن كرم الكريم عاشق للمتكدي وإن كان صبر المتكدي زائدا أتى الكريم إلى بابه ،
وإن كان صبر الكريم زائدا أتى المتكدي إلى بابه ،
لك الصبر كمال للمتكدي ونقص للكريم « 1 »
...............................................................
( 1 ) العنوان من نسخة جعفري ( 2 / 307 ) لأنه يبدو أكمل من النسخ الأخرى

 
« 257 »
 
- أخذ النداء يتوالى : أيها الطالب تعال، إن الجود محتاج للمتكدين وكأنه يتكداهم .«1»
- والجود يبحث عن المتكدين والضعاف ، كالحسان اللائي يبحثن عن مرآة صافية .
- ووجوه الحسان تصبح جميلة من المرآة ، ووجه الإحسان إنما يظهر من وجوه من يطلبون الإحسان .
- ومن هنا قال الحق في سورة الضحى : "وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ" .
 
2760 - وما دام السائل مرآة الجود فحذار ، فإن النفخ في وجه المرآة يكون ضررا لها .
- وإن أحدهم ليجعل السائل بجوده ظاهرا ، وآخر يهب السائلين المزيد .
- ومن ثم فالسائلون هم مرآة جود الحق ، وأولئك الذين مع الحق جود مطلق .
- وكل من هو من غير هاتين الفئتين فهو ميت ، وهو ليس على هذا الباب ، بل هو صورة على ستار .
 
الفرق بين أن يكون الفقير فقيرا إلى الله وظمآنا لله وبين أن يكون الفقير
فقيرا من الله وظمآنا للغير
« 2 »
- إنه صورة درويش ، ليس من أهل الروح « 3 » ، فلا تلق بالعظام إلى صورة كلب .
...............................................................
( 1 ) ج / 20307 : - إن الجود يحتاج طالبا ، مثلما تحتاج التوبة تائبا .
( 2 ) ج / 2 - 313 : - لكن الدرويش الذي يكون ظمآنا إلى الله ، فإن أموره دائما لله .
- أما الدرويش الذي يكون ظمآنا للغير ، فقد صار فقيرا أبله محروما من الخير
( 3 ) هكذا في نسخة جعفري أما في بقية النسخ فأهل الخبز ولا تستقيم .
 
« 258 »
 
2765 - إن لديه فقر اللقمة لا فقر الحق ، فكفاك وضعا للأطباق أمام صورة ميتة .
- إن درويش الخبز سمكة " مشكلة " من الطين ، لها صورة السمكة ، لكنها خاملة عن البحر . « 1 »
- إنه طائر منزلي ، ليس عنقاء طباق الجو ، إنه يأكل الدسم ، ولا يأكل من العطاء الإلهي .
- إنه عاشق للحق من أجل النوال ، وليست روحه عاشقة للحسن والجمال .
- وهو وإن كان يتوهم أنه عاشق للذات ، فالذات ليست أوهام الأسماء والصفات .
 
2770 - فالوهم مخلوق ومولود من " المتوهم " ، والحق لم يلد ، كما أنه لم يولد .
- وعاشق تصوراته وأوهامه ، متى يكون من عشاق ذي المنن .
- وإن توضيح هذا الكلام يحتاج شرحا ، لكني أخاف من الأفهام القديمة .
- والأفهام القديمة قصيرة النظر ، يرد إلى فكرها مائة ظن سئ .
 
2775 - وليس لكل إنسان قدرة على السمع الصحيح ، كما أن التين ليس طعاما لكل طويئر .
- وبخاصة طويئر أعمى ، ميت متفسخ ، مليء بالظن ، فاقد للبصر .
- وسواء لصورة السمكة البحر واليابسة ، وللون الهندي سواء الصابون والزاج .
- والصورة التي ترسمها حزينة على الورق ، لا علم لها عن حزن أو عن فرح .
- والصورة التي " يرسمها الرسام " حزينة وهو غير آبه بها ، ووجهه ضاحك ، ولا تأثير لها عليه .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 313 : - ومتى تكون صورة السمكة مفتقرة إلى الماء ؟ إنها لا تهلك من انعدام الماء .

« 259 »
 
2780 - وهذا الحزن أو السرور اللذان حطا في القلب ، ليسا إلا صورة أمام ذلك السرور والحزن .
- وإن شكل الصورة الضاحكة يكون من أجلك ، حتى يصبح المعنى الذي ترمي إليه واضحا . « 1 » 
- والصور الموجودة في هذه الحمامات ، كأنها السواتر خارج مشلح الحمام .
- ما دمت خارجها فإنك ترى الثياب فحسب ، فاخلع ثيابك ، وادخل ، يا شريكا لنا في هذا النَفس .
- ذلك أنه لا طريق للدخول إلى الحمام بالثياب ، فالجسد ليس عالما بالروح ، كما أن الثوب ليس عالما بالجسد .
 
تقدم نقباء الخليفة وحجابه من أجل إكرام الأعرابي وقبولهم هديته
« 2 »
2785 - عندما وصل ذلك الأعرابي من الصحراء البعيدة على باب دار الخلافة ؛
- تقدم إليه النقباء ، ورشوا على جيب ثوبه من جلاب لطفهم .
- وفهموا حاجته دون مقال ، فقد كان ديدنهم العطاء قبل السؤال .
- ثم قالوا له : يا وجه العرب ، من أين أتيت ؟ وكيف أنت من وعثاء السفر ؟
- قال : إنني وجه لو وليتموني وجوهكم ، وأنابلا نفقة إذا ألقيتموني وراء ظهوركم .
 
2790 - ويا من في وجوهكم أمارات العظمة ، وأبهتكم أجمل من الذهب الجعفري .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 314 : - إن شكل الصورة الحزين من أجلنا نحن ، حتى تذكرنا بالطريق المستقيم .
( 2 ) ج / 2 - 327 : - فلأعد نحو قصة الأعرابي ، ولأتحدث عن بيان السر ، بل والسر العجيب
 
« 260 »
 
- ويا من لقاء واحد معكم بمثابة لقاءات عديدة ، ويا من تضحون بالدنانير من أجل دينكم .
- ويا من كل منكم يصدق عليه " ينظر بنور الله " ، وخرجتم من محضر الملك من أجل العطاء .
- حتى تلقوا بأنظاركم الشبيهة بكيمياء التبديل على نحاس أشخاص البشر ! !
- إنني غريب جئت من البادية ، وجئت على رجاء لطف السلطان .
 
2795 - فلقد اجتاح شذى لطفه الصحارى ، فاستمدت منها حبات الرمال الأرواح .
- لقد جئت إلى هنا أبغي رفدكم ، وعندما وصلت ، صرت ثملا برؤيتكم .
- ومن أجل رغيف ذهب أحدهم إلى الخباز ، وعندما رأى حسن الخباز ضحى بالروح .
- وذهب أحدهم نحو البستان قاصدا التنزه ، فظفر بمشاهدة جمال البستاني .
- مثل الأعرابي الذي سحب الماء من البئر ، فذاق ماء الحياة من وجه يوسف .
 
2800 - وذهب موسى ليأتي بقبس من النار ، فآنس نارا نجا بها من النار ! !
- وفر عيسى لكي ينجو من الأعداء ، فحمله هذا الهروب إلى السماء الرابعة .
- وكانت شبكة آدم سنبلة من القمح ، حتى صار وجوده سنبلة وأصلا للبشر .
- والبازي حط على الشبكة من أجل القوت ، فوجد ساعد المليك والإقبال والمجد .
- والطفل ذهب إلى المكتب من أجل اكتساب الفضل ، ورجاء في الطير اللذيذ " الذي وعده به " والده .
 
« 261 »
 
2805 - ومن المكتب صار صدرا من الصدور ، لقد دفع الأجر الشهري وصار بدرا .
- ونهض العباس للحرب حاقدا ، من أجل قمع أحمد ومناهضة الدين ؛
- فصار للدين حتى القيامة وجها وظهيرا ، بخلافته وخلافة أبنائه من بعده . « 1 »
- ولقد جئت إلى هذا الباب طالبا لحاجة ، وصرت صدرا عندما وصلت إلى الدهليز .
- وجئت بالماء هدية ، وذلك من أجل الخبز ، وحملتني رائحة الخبز إلى صدر الجنان .
 
2810 - والخبز الذي ألقى بآدم خارج الجنان ، نفس ذلك الخبز غمسني في الجنان . ! !
- فنجوت من الماء والخبز وكأنني الملك ، أطوف على هذا الباب بلا غرض ، كالفلك .
- ولا يكون ثم طواف بلا غرض في الدنيا ، إلا لأجساد العاشقين وأرواحهم
 
في بيان أن عاشق الدنيا كعاشق جدار ينعكس عليه ضوء الشمس ، 
ولم يجاهد أو يسمع ليفهم أن هذا الضوء والرونق ليسمن الجدار بل من قرص الشمس الموجود في السماء الرابعة فلا جرم أنه أسلم القلب بأجمعه للجدار ، وعندما ارتد شعاعا لشمس إلى الشمس ، صار محروما إلى الأبد 
" وحيل بينهم وبين ما يشتهون "
 
- " اقصد " عشاق الكل لا عشاق الجزء ، ومن صار مشتاقا إلى الجزء ، حيل بينه وبين الكل .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 328 : - ولقد نهض عمر لقتال المصطفى ، والسيف في يده ، وقد عقد المواثيق .
- فصار في الشرع أمير المؤمنين ، إماما مقتدى لأهل الدين .
- وذلك الجامع للأعشاب مضى نحو الخرائب ، فتعثر قدمه بكنز غافلا .
- والظمآن مضى نحو جدول الماء ، فوجد في الماء انعكاس القمر .

« 262 »
 
- وعندما يصير جزء عاشقا لجزء ، ثم يمضي معشوقه سريعا إلى كله .
 
2815 - يكون أحمق صار عبدا للغير ، وغريقا يتشبث بكف ضعيف .
- فلا حاكم هناك لكي يعتني به ، أيقوم بعمل من أختاره سيدا أو بعمله ؟
 
مثل عربي : إذا زنيت فازن بالحرة ، وإذا سرقت فاسرق الدرة
 
- ومن أجل هذا صار " فازن بالحرة " مثلا ، ومن هنا تناقل الناس " فاسرق الدرة " 
- والعبد مضى نحو سيده وصار نائحا ، ومضى شذى الورود إلى الورود وبقي الشوك . « 1 »
- وبقي هو بعيدا عن مطلوبه ، فياله من سعي ضائع وتعب باطل وقدم جريح .
 
2820 - فمثله مثل صياد يصيد ظلا ، ومتى يجديه الظل فتيلا ؟
- ولقد أمسك الرجل بظل الطائر بكل قواه ، والطائر فوق ظل الشجرة مندهش منه .
- يتساءل : ممن يسخر هذا الأحمق المجنون ؟ هاك الباطل ، وهاك السبب الواهي ! ! 
- وإن قلت : إن الجزء مقرون بالكل ، فداوم على أكل الشوك ، فالشوك مقرون بالورد .
- فهو ليس مقرونا بالكل إلا من وجه واحد ، وإلا كان بعث الرسل باطلا في حد ذاته .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 335 : - مثل ذلك الأبله الذي رأى شعاع الشمس فوق جدار وأسرع مندهشا .
- وصار عاشقا للجدار قائلا إنه ذوضياء ، غافلا عن أن هذا الضياء هو انعكاس شمس السماء .
- وعندما ارتد ذلك الضياء إلى أصله ، رأى جدارا أسود قد تبقى في موضعه .

 
« 263 »
 
2825 - ذلك لأن الأنبياء " بعثوا " من أجل هذا الربط ، وما ذا يربطون إذن إن كانا شيئا واحدا . « 1 »
- وهذا الكلام لا نهاية له أيها الغلام ، وقد آذن النهار بالانقضاء ، فأتمم الحكاية .
 
تسليم الأعرابي الهدية أي جرة الماء إلى غلمان الخليفة
« 2 »
- لقد وضع جرة الماء تلك أمامه ، وألقى ببذور الخدمة في تلك الحضرة .
- وقال : احملوا هذه الهدية إلى السلطان ، واشروا سائل الملك من الحاجة .
- فالماء عذب ، والجرة خضراء جديدة ، وهو من ماء المطر الذي تجمع في الحفرة .
 
2830 - وضحك النقباء من ذلك ، لكنهم قبلوها وكأنها الروح .
- ذلك أن لطف الملك الطبيب العالم ، كان قد أثر في كل أركان " الدولة " .
- وطباع الملوك تحدث فعلها في الرعية ، والفلك الأخضر يجعل الأرض خضراء .
- واعلم أن الملك كالحوض والحشم كالأنابيب ، والماء ينتقل من الأنبوبة إلى الأواني .
- وإذا كان ماؤها كلها من حوض طاهر - تعطي كل آنية ماءا حلوا لذيذ الطعم .
 
2835 - وإذا كان في ذلك الحوض ماء مالح آسن ، فإن كل أنبوبة تبديه بعينه .
- ذلك أن كل أنبوب متصل بالحوض ، فخض في معاني هذا الكلام خوضا .
- ولطف مليك الروح الذي لا وإن له ، أنظر كيف أثر في الجسد بكليته ! ! .
- ولطف العقل حسن الأصل حسن النسب ، " أنظر " كيف يؤدب كل الجسد . ! !
- والعشق اللعوب الذي لا قرار له ولا سكون ، كيف يصيب كل الجسد بالجنون .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 335 : - هذا الكلام لا نهاية له أيها الغلام ، ذلك أن فيه منزلقا صعبا .
( 2 ) ج / 2 - 341 : - وقص ذلك الأعرابي حاله للنقباء عندما رأى أن الأوان هو أوان الطلب .

« 264 »
 
2840 - ولطف ماء البحر الذي هو كالكوثر ، حصباؤه كلها در وجوهر .
- وكل ما يكون الأستاذ معروفا به ، تكون أرواح تلاميذه متصفة به .
- وعلى أستاذ الأصول ، درس ذلك الطالب النابه المستعد الأصول بالطبع .
- وعلى الأستاذ الفقيه ، قرأ ذلك الدارس الفقه وليس الأصول .
- ومن ذلك الأستاذ الذي كان نحويا ، صارت روح تلميذه الحبيب نحوية .
 
2845 - ثم إن الأستاذ الذي أصابه المحو في الطريق ، صارت روح تلميذه ممحوة وفانية في المليك .
- ومن كل أنواع هذه العلوم ، علم الفقر هو عتاد الطريق وعدته يوم الموت .

حكاية ما جرى بين النحوي والملاح
 
- ركب أحد النحاة سفينة ، فالتفت إلى الملاح ذلك العابد لنفسه ؛
- وسأله : هل قرأت شيئا من النحو ؟ قال : لا ، قال : ضاع إذن نصف عمرك هدرا .
- فصار الملاح كسير القلب من هذا التحقير، لكنه صمت في تلك اللحظة عن الجواب.
 
2850 - ثم ألقت الريح السفينة في دوامة ، فصاح ذلك الملاح بالنحوى :
- هل تعرف شيئا من السباحة ؟ أخبرني ، قال : لا يا حسن الجواب ويا حلو المحيا « 1 »
...............................................................
( 1 ) عند جعفري ونيكلسون وسائر النسخ غير استعلامي الشطرة الثانية : لا . . لا تطلب مني السباحة . ونص استعلامي المذكور هنا هو أيضا نسخة قونية ص 67 .
 
« 265 »
 
- قال : كل عمرك إذن ضاع هدرا أيها النحوي ، ذلك أن السفينة " لا محالة " غارقة في الدوامات .
- فاعلم أن ما ينبغي هنا هو المحو لا النحو ، فإن كنت عالما به فسق في الماء بلا خطر .
- وإن ماء البحر ليجعل الميتة " تطفو " على سطحه ، ومن كان حيا ، متى ينجو من البحر ؟
 
2855 - وإذا ما مت عن أوصاف البشر ، فإن بحر الأسرار يضعك على مفرق رأسه .
- ويا من كنت تدعو الناس حميرا ، لقد عجزت هذه اللحظة كحمار فوق ثلج ! !
- وإذا كنت علامة الدهر في الحياة الدنيا ، فانظر " حين " فناء الدنيا والدهر .
- ولقد قمنا بإفحام الرجل النحوي ، وذلك حتى نعلمك محو المحو .
- فتجد فقه الفقه ونحو النحو وصرف الصرف في تنزل أيها الرفيق العظيم .
 
2860- وإننا لنحمل الجرار الممتلئة إلى دجلة ، فإن لم نعتبر أنفسنا حميرا ، فنحن حمير .
- ولعل الأعرابي كان معذورا فيما فعل ، فلقد كان غافلا عن دجلة ، شديد البعد عنه .
- ولو كان مثلنا على علم بدجلة ، لما حمل تلك الجرة ، من مكان إلى آخر .
- بل إنه لو كان على علم بدجلة ، لحطم تلك الجرة فوق صخرة . « 1 »
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 346 : - وتلك الجرة الضيقة المليئة بالعنجهية والكبرياء ، صارت حجابا على البحر فاكسرها بحجر .

 
« 266 »

قبول الخليفة الهدية وأمره بالعطاء مع كمال استغنائه
عن تلك الهدية وتلك الجرة
 
2865 - وعندما أبصره الخليفة وسمع أحواله ، ملأ تلك الجرة بالذهب وزاد عليها .
- وخلص ذلك الأعرابي من الفاقة ، ومنحه العطايا والخلع الخاصة .
- ثم أمر ذلك الواهب للدنيا والبحر للعطاء أحد النقباء .
- قائلا : أعطوه هذه الجرة وسلموها في يده ، وعند عودته احملوه إلى دجلة .
- لقد جاء عن طريق اليابسة مسافرا إلينا ، وكان طريق دجلة أقرب بالنسبة له.«1»
 
2870 - وعندما ركب السفينة ورأى دجلة ، أخذ يسجد ويركع حياء .
- قائلا : عجبا للطف ذلك الملك الوهاب ، وأعجب منه أن يأخذ ذلك الماء .
- وكيف تقبل مني هذا البحر للجود مثل ذلك النقد الزائف بهذه السرعة ؟
- واعلم أن هذا العالم بأجمعه مجرد جرة يا بني ، ملأى حتى حافتها بالعلم والحسن .
- وقطرة واحدة من دجلة حسنه ، تجعل جلده لا يسعه من شدة امتلائه
 
2875 - لقد كان كنزا مخفيا ومن امتلائه ، شق التراب ، وجعله أكثر ضياءً من الأفلاك .
- كان كنزا مخفيا ، ومن امتلائه ، جاش بالوجود ، وجعل التراب يرتدي الأطلس .
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 352 : وعندما يركب السفينة سوف ينسى تعب الطريق آنذاك .
 
« 267 »
 
- ولو كانت تلك الجرة قد رأت فرعا من دجلة الله ، فلنيت فناءً .
- وكل من رأوه ، غائبون دائما عن ذواتهم ، وبدون أن يدروا ، حطموا جرارهم بالحجارة .
- ويا من أنت من الغيرة ، ألقيت حجرا على الجرة ، وذلك الانكسار ، كان عين الصواب والسلامة .
 
2880 - وانكسرت الجرة ، لكن الماء لم ينصب منها ، وانبعثت مائة سلامة من هذا الانكسار .
- وحطام الجرة قطعة قطعة آخذة في الرقص والحال ، وإن بدى هذا الأمر للعقل الجزئي من قبيل المحال .
- فلا الجرة ظاهرة في هذا الحال ولا الماء ، فانظر جيدا ، والله أعلم بالصواب .
- وعندما تدق باب المعنى يفتحون لك ، فاخفق بجناح فكرك ، يجعلون منك صقرا ملكيا .
- ولقد صار جناح فكرك ثقيلا ملوثا بالطين ، ولأنك آكل للطين ، صار الطين بالنسبة لك كالخبز .
 
2885 - فالخبز واللحم كلاهما طين فقلل من أكلهما ، حتى لا تبقى كالطين ملتصقا بالأرض . « 1 »
- وعندما تجوع تصبح كلبا ، حادا سئ المعشر ، سئ الجبلة .
- وعندما تشبع ، " تهمد " كالميتة ، تصبح غافلا معقود القدم ، كأنك جدار .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 353 : - لقد أخذنا نأكل التراب عمرا عند الغذاء ، وفي النهاية أكلنا التراب انتقاما .

 
« 268 »
 
- إذن ، فأنت في لحظة ميتة وفي لحظة كلب ، فكيف تقوم بالخطو الحاسم الحلو في طريق الأسود ؟
- فلا تعتبر الكلب إلا أداة لصيدك ، وألق العظام للكلب نادرا .
 
2890 - ذلك أن الكلب إن شبع تمرد ، فمتى يسرع خفيفا نحو الصيد والقنص ؟
- لقد كانت الفاقة هي التي تجر ذلك الأعرابي ، حتى وصل إلى تلك الحضرة وذلك الإقبال .
- ولقد ذكرنا في ثنايا الحكاية إحسان الملك في حق ذلك المعسر فاقد الملاذ .
- وكل ما يقوله العاشق ، فإن أريج العشق يفوح من فمه في حي العشق ؛
- فإن تحدث عن الفقه ، جاء حديثه كله عن الفقر ، إذ ينبعث شذى الفقر من ذلك الحلو الحديث .
 
2895 - وإن نطق كفرا ، فإن كفره ريا الدين ، ومن أقواله الشاكة تأتي رائحة اليقين .
- والزبد غثاء ، ولو انبعث من بحر صدق ، فإن أصله الصافي يزينه ، لأنه فرع .
- واعلم أن زبده هذا يكون صافيا مطلوبا ، واعتبره ، أيضا شبيها بالإساءة من بين شفتي الحبيب .
- فلقد صار هذا السب غير المطلوب حلوا منها ، وذلك من أجل وجنتيها المحبوبتين .
- فإن تحدث " العاشق " حديثا ملتويا فإنه يبدو صادقا ، فيا له من التواء يزدان به الصدق .
 
2900 - وإنك إن طبخت من السكر ما هو على شكل الخبز ، يأتي منه طعم السكر عندما تذوقه .

 
« 269 »
 
- ولو وجد مؤمن وثنا ذهبيا ، كيف يتركه إكراما لخاطر كل وثني ؟ ! « 1 »
- بل يأخذه ، ويلقي به في النار ، ويزيل عنه صورته المستعارة .
- حتى لا يبقى على الذهب شكل الوثن ، ذلك أن الصورة عقبة وقاطعة للطريق .
- فإن ذاته الذهبية عطاء الربانية ، وصورة الصنم على الذهب النضار الحاضر عارية
 
2905 - فلا تحرق الغطاء من أجل برغوث ، ولا تضيع اليوم في اهتمامك بإزعاج كل ذبابة .
- أأنت عابد وثن ؟ فما عكوفك إذن على الصور ؟ ألا فلتترك صورته ولتنظر إلى المعنى .
- ويا أيها الحاج ، أطلب رفيقا حاجا مثلك ، هنديا كان أو تركيا أو عربيا .
- ولا تنظر إلى صورته أو إلى لونه ، بل أنظر إلى عزمه وإلى مقصده .
- وإن كان أسود وشريكا لك في القصد ، فاعتبره أبيض ، فهو من نفس لونك.«2»
 
2910 - ولقد رويت هذه الحكاية أعلاها وأدناها ، وهي كفكر العاشقين ، لا بداية لها ولا نهاية .
- فلا بداية لها ، لأنها كانت قبل الأزل ، ولا نهاية لها ، فهي من أقرباء الأبد .
- بل إنها مثل الماء ، كل قطرة منه بداية ونهاية معا ، وهي مسرعة في أثرهما معا .
- حاشا لله ، هذه ليست حكاية ، حذار ، إنها أحوالنا وأحوالك الحاضرة ، فانظر جيدا .
- ذلك أن الصوفي ذو كر وفر ، وكل ما يكون ماضيا لا يذكر عنده .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 353 : فإذا وجد المؤمن وثناء ذهبيا ، متى يتركه من أجل ساجد له ؟
( 2 ) ج / 2 - 352 : - وإن كان أبيض لكن لا هدف له ، فانفصل عنه ، فلا لون لقلبه .

 
« 270 »
 
2915 - فالأعرابي هو نحن ، ونحن أيضا اجرة ، ونحن الملك ، كلنا ، و " يؤفك عنه من أفك "
- واعتبر العقل هو الزوج ، والزوجة هي هذه النفس والطمع ، كلاهما ظلمانيان منكران ، والعقل هو الشمع .
- واستمع الآن ، من أي نبع أصل الأفكار ، ذلك أن للكل أجزاء على أشكال مختلفة .
- إن الحديث عن الجزء والكل ، ليس عن الأجزاء بالنسبة للكل ، لا كما يكون شذى الورد جزأً من الورد .
- فإن لطف الخضرة جزء من لطف الورود ، وصوت البلبل جزء من ذلك البلبل .
 
2920 - وإن أصبحت هكذا مشغولا بطرح الإشكالات والإجابة عليها ، فمتى أستطيع أن أقدم الماء للظمآنين ؟ !
- فإن كان لديك إشكال تام وحرج ، فاصبر ، والصبر مفتاح الفرج .
- وتوخ الحمية ، الحمية من الأفكار ، فالفكر أسد وضبع ، والقلوب آجام . « 1 »
- وأنواع الاحتماء مفضلة على أنواع الدواء ، ذلك أن حك الجلد زيادة في الجرب .
- فالاحتماء هو أصل الدواء يقينا ، فمارس الحمية ، وانظر إلى قوة روحك .
 
2925 - وكن قابلا لهذه الأقوال كأنك الأذن ، حتى أصنع لك قرطا من ذهب .
- وتصبح حلقة في أذن صائغ عظيم ، وتسمو حتى القمر وحتى الثريا .
- فاستمع من البداية إلى أن الخلق المختلفون ، تختلف أرواحهم اختلاف الألف عن الياء .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 354 : - وأنواع الحمية على رأس الأدوية ، والهاضمة والعلة الجديدة شيء آخر .


« 271 »
 
- وفي الحروف المختلفة آراء وشكوك ، مهما كانت متشابهة تماما من أحد الوجوه .
- فهي من وجه متضادة ، ومن وجه متحدة ، وهي من وجه هزل ، ومن وجه جد .
 
2930 - ومن ثم ففي القيامة ، يوم العرض الأكبر ، يريد سبحانه العرض ذا زينة وجلال .
- وكل من يكون كهندي سئ المعاملة ، فإن يوم العرض بالنسبة له نوبة الافتضاح .
- فما دام لا يملك وجها كأنه الشمس ، فإنه لا يريد سوى ليل كأنه النقاب .
- وما دام الشوك لا يحتوي على ورقة ورد واحدة ، فإن فصول الربيع تصبح عدوة سرائره .
- وما هو ورد وسوسن من قمة رأسه إلى أخمص قدمه ، يكون الربيع بالنسبة له عينين مضيئتين .
 
2935 - والشوك الذي لا معنى له يريد الخريف ، أجل الخريف ، وذلك حتى يطامن الرياض .
- حتى يخفي حسن تلك وعار هذا ، وحتى لا يرى بهاء تلك ، وقبح هذا .
- فالخريف بالنسبة له ربيع وحياة ، فهو يبديهما سيين ، الحجر والياقوت الثمين .
- والبستاني يعرفها أيضا في الخريف ، لكن رؤية الواحد ، أفضل من رؤية الدنيا بأجمعها .
- والدنيا كلها ما هي إلا ذلك البستاني ، وهو - أي الشوك - أبله ، وكل نجمة على الفلك جزء من القمر .
 
« 272 »
 
2940 - ومن ثم تقول كل صورة ويقول كل رسم : البشرى ، البشرى ، ها هو الربيع يأتي ! !
- فما دامت البراعم متألقة كأنها حلقات الدروع ، متى تبدى تلك الثمار عقدها ؟
- وعندما تسقط البراعم تطل الثمار ، وعندما يتحطم الجسد ، تطل الروح .
- فالفاكهة هي المعنى والبراعم صورتها ، وتلك البراعم هي البشرى ، والثمار هي النعمة التي تبشر بها
 
2945 - وما لم يهشم الخبز ، متى يبعث القوة ؟ والعناقيد التي لم تعصر ، متى تهب الخمر ؟
- وما لم تدق الهليلة مع النباتات الطبية، متى تصبح هذه النباتات الطبية مزيدة للصحة؟
 
في صفة المرشد واتباعه
 
- يا ضياء الحق حسام الدين ، خذ ورقة أو ورقتين، ولنطل في وصف الشيخ .«1»
- وإن لم يكن في جسدك الرقيق قوة ، لكن بدون الشمس نكون محرومين من النور ،
- وأنت وإن كنت قد صرت المصباح والزجاجة ، لكنك مقدم خيل القلب ، وطرف الخيط .
 
2950 - وما دام طرف الخيط في يدك ووفق هواك ، فإن درر عقد القلب من إنعامك .
- أكتب أحوال الشيخ العالم بالطريق ، واختر الشيخ ، واعتبره ذات الطريق .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 392 : - وبالرغم من أن جسمك شديد النحول رقيق ، فإن الدنيا لا يصلح لها أمر بدونك
 
« 273 »
 
- فالشيخ هو الصيف ، والخلق شهر الصيف ، والخلق كالليل ، والشيخ كالقمر .
- ولقد سميت الإقبال الفتي بالشيخ ، فهو شيخ من الحق ، لا من الأيام .
- إنه شيخ ، إذ لا بداية له ، وليس لذلك الدر اليتيم عديل .
 
2955 - وإن الخمر المعتقة في حد ذاتها تصبح أقوى ، خاصة تلك الخمر التي تكون من لدنه .
- فاختر الشيخ ، فإن هذا السفر دون شيخ ، مترع بالآفات والمخاوف والمخاطر .
- وذلك الطريق الذي سرت فيه مرارا ، تكون بلا مرشد مضطربا فيه .
- فما بالك بطريق لم تسر فيه قط ، حذار ، لا تمض فيه وحيدا ، ولا تلو الرأس عن الشيخ . « 1 »
- فإن لم يكن ظله عليك أيها الأحمق ، فإن هتاف الغول بك سيصيبك بالدوار .
 
2960 - ويلقي بك الغول من الطريق إلى الضرر ، وقد كان هناك الكثيرون أكثر دهاءً منك في هذا الطريق .
- واستمع من القرآن إلى ضلال السالكين ، وما ذا فعل إبليس ، ذلك القبيح النفس .
- لقد حملهم إلى طريق يبعد عن الجادة بمسيرة مئات الآلاف من السنين ، وجعلهم من نحسهم عرايا .
- فانظر إلى عظامهم وشعورهم ، واعتبر ، ولا تسق الحمار نحوهم .
- وخذ بعنق الحمار ، وجره نحو الطريق ، صوب المرشدين والعارفين بالطريق الطيبين .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 392 : - وكل من سلك الطريق دون مرشد ، ضل من الغيلان وسقط في البئر .
 
« 274 »
 
2965 - وحذار ، ولا ترخ للحمار العنان ، ولا ترفع يدك عنه ، ذلك أن عشقه يكون صوب المروج .
- فإنك إن أطلقته غافلا لحظة واحدة ، فإنه يسير فراسخ عديدة صوب العشب .
- فالحمار هو عدو الطريق ، فهو ثمل بالعشب ، وما أكثر ما أهلك من الحمارين .
- وإن لم تكن تعرف الطريق ، فكل ما يريده الحمار ، إفعل عكسه ، وهذا فحسب هو الطريق المستقيم .
- " شاوروهن " وآنذاك " خالفوا " ، " إن من لم يعصهن تالف " « 1 »
 
2970 - ولا تكن صاحبا للهوى والشهوة ، فإن ذلك " يضلك عن سبيل الله " .
- وهذا الهوى لا يحطمه شيء في الدنيا ، مثل ظل رفاق الطريق .
 
وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه :
إذا كان كل إنسان يتقرب إلى الله بنوع من الطاعة ،
فتقرب إليه بصحبة العاقل وعبد من الخواص حتى تسبقهم جميعا
 
- قال الرسول عليه السلام لعلي رضي الله عنه : يا علي ، أنت أسد الله وأنت ثابت الجأش ،
- لكن ، لا تعتمد على البطولة ، وتعال إلى ظل نخيل الرجاء « 2 »
- وادخل تحت ظل ذلك العاقل ، الذي لا يستطيع أن ينقله عن الطريق ناقل .
...............................................................
( 1 ) ما بين الأقواس بالعربية في النص .
( 2 ) ج / 2 - 398 : - فإذا كانت كل فئة تقوم بطاعة ما تقربا إلى الحق الذي لا حد له ولا كيف . 
- فتقرب أنت بعقلك وسرك ، لا كمثلهم بكمالك وبرك .

 
« 275 »
 
2975 - فظله في الأرض كأنه جبل قاف ، وروحه عنقاء محلقة في الأعالي .«1»
- ولو أنني ظلت أصفه إلى قيام الساعة ، لا تعتبر لوصفه غاية أو نهاية .
- لقد تخفت الشمس في صورة إنسان ، فافهم ، والله أعلم بالصواب . « 2 »
- ويا علي ، من بين كل طاعات الطريق ، إختر أنت ظل أحد من خواص الله .
- فكل فئة أهرعت إلى طاعة من الطاعات ، وهيأت لنفسها طريقا للخلاص .
 
2980 - فامض أنت ، وفر إلى ظل عاقل ، حتى تنجو من ذلك العدو الخفي الماكر
- وهذه هي الأفضل من بين كل الطاعات ، إذ تسبق أي سابق مهما كان .
- وما دام الشيخ قد تقبلك ، حذار ، وكن منقادا له ، وامض ، وكأنك موسى وفق حكم الخضر .
- واصبر على أعمال كأعمال الخضر ، دون نفاق ، حتى لا يقول الخضر :
إمض ، هذا فراق .
- فإن خرق السفينة ، لا تنبس ، وإن قتل غلاما ، لا تقتلع شعرك .
 
2985 - فلقد اعتبر الحق يده كيده جل شأنه ، حتى قال " يد الله فوق أيديهم "
- إن يد الحق تسوقه وتحييه ، وما ذا يكون الحي ؟ إنما تجعله خالد الروح .
- وكل من قطع هذا الطريق وحيدا - وهذا من النادر
- قد قطعه أيضا بعون من همة المشايخ .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 398 : - فهو المعين وهو العبد الخالص لله ، وهو يصحل الطالبين حتى البلاط الإلهي .
( 2 ) ج / 2 - 398 : - شمس الروح ، لا شمس الفلك ، فمن نوره يحيا الإنس ويحيا الملك .
 
« 276 »
 
- فليست يد الشيخ بقاصرة عن الغائبين عنه ، وليست يده إلا يد الله .
- وإذا كان يهب الغائبين هذه الخلعة ، فالحاضرون عنده - بلا شك - أفضل من الغائبين .
 
2990 - وما دام نواله يصيب الغائبين ، فما بالك بالنعم التي يمدها أمام ضيوفه .
- وأين ذلك الذي يتمنطق بحزام " الخدمة " أمام الملك من ذلك الذي يكون خارج بابه . ؟
- وإن إخترت الشيخ ، لا تكن رقيق القلب ، ولا تكن خائرا كالماء وكالطين .
- وإذا أصبحت من كل ضربة شديد الحقد ، كيف تصبح إذن مرآة دون صقل ؟
 
وشم قزويني لصورة أسد على كتفه وندمه بسبب وخز الإبر
 
- إستمع إلى هذه الحكاية من صاحب بيان ، في تقاليد أهل قزوين وعاداتهم . « 1 »
 
2995 - فهم يرسمون على أجسادهم وأيديهم وأكتافهم وشما دون شكوى من وخز الإبر .
- ولقد ذهب قزويني إلى أحد الوشامين قائلا : إرسم عليّ وشما أزرق وأحسن الصنعة .
- قال : أي صورة أشم أيها البطل ؟ قال : إوشم صورة أسد هصور ! !
- فأنا من برج الأسد فأوشم أسدا ، وجاهد في أن يكون لون الوشم مشبعا .
- قال : على أي موضع أقوم بالوشم ؟ قال : إوشم تلك الصورة على كتفي . « 2 »
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 409 : فهم يشمون أجسادهم وأكتافهم وأيديهم دون وجل بصورة الأسد والنمر .
( 2 ) ج / 2 - 409 : حتى يصير ظهري قويا في القتال واللهو مع مثل هذا الأسد وفي العزم والجزم .
 
« 277 »
 
3000 - وعندما بدأ يخزه بإبرته ، سرى ألمها حتى أعماق كتفه .
- فبدأ البطل في الصراخ قائلا : أيها المحترم قتلتني . . . ترى أية صورة ترسمها ؟
- قال : لقد أمرت أخرا بصورة أسد ، قال : من أي عضو بدأت ؟
- قال : بدأت من منبت الذيل ، قال : دعك من الذيل يا عيني .
- فلقد إنحبس نفسي من ذيل الأسد ومنبت ذيله ، ولقد كتم منبت ذيله ، على مطلع نفسي .
 
3005 - فقل للأسد أن يكون بلا ذيل يا صانع الأسود ، فإن قلبي قد هوى من طعن الإبرة .
- وبدأ ذلك الرجل في الوخز من ناحية أخرى بلا هوادة وبلا رقة ولا رحمة .
- فصاح به : أي عضو هذا فيه ؟ قال : هذا هو الأذن أيها الرجل الطيب .
- قال : لا كانت له أذن أيها الحكيم ، دعك من الأذن ، وأقصر في الموضوع . « 1 » 
- فبدأ بالوخز في جانب آخر ، فبدأ القزويني ثانية في الصراخ .
 
3010 - أي عضو ذلك الجانب الثالث أيضا ؟ قال : إنه بطن الأسد أيها العزيز .
- قال : لا كانت للأسد بطن ، لقد ازداد الألم فكف عن الطعان . « 2 »
- فاندهش الوشام وازدادت حيرته ، ووضع إصبعه في فمه فترة طويلة .
- ثم ألقى الأستاذ بالإبرة على الأرض من الغضب قائلا : هل حدث لإنسان في العالم مثل هذا ؟
...............................................................
( 1 ) حرفيا : وقصر الكليم .
( 2 ) ج / 2 - 409 : - قال : قل إن الأسد ليس له بطن ، وأي بطن تنبغي لهذا المشئوم أصلا ؟ 
- لقد ازداد الألم فقلل الطعان ، اى بطن أسد هذى بحق الله ؟
 
« 278 »
 
- فمن رأى أسدا بلا ذيل ولا رأس ولا بطن ، إن مثل هذا الأسد لم يخلقه الله نفسه . « 1 »
 
3015 - فيا أخي ، لتصبرن على ألم الوخز ، حتى تنجو من وخز نفسك المجوسية .
- وتلك الجماعة التي تحللت من الوجود ، يسجد لها الفلك والشمس والقمر .
- وكل من ماتت في جسده النفس المجوسية ، تمتثل لأمره الشمس ، ويمتثل السحاب .
- وما دام قلبه قد تعلم إشعال الشموع ، فإن الشمس لا تجرؤ على إحراقه .
- ولقد قال الحق في الشمس المنتظمة في سيرها ، أنها تزاور عن كهفهم . « 2 »
 
3020 - وإن الشوك ليصبح بأجمعه لطفا كالورود ، أمام ذلك الجزء الذي لا يفتأ يمضي صوب الكل .
- وما هو إعلان تعظيم الله ؟ هو أن تعتبر نفسك ترابا . . ذليلا .
- وما هو تعليم توحيد الله ؟ إنه إحراق النفس أمام الواحد .
- وإذا أردت أن تتألق دائما كالنهار ، فلتحرق وجودك الذي يشبه الليل .
- وأذب وجودك في وجود ذلك اللطيف الوجود ، كما يذاب النحاس في كيمياء التبديل .
...............................................................
( 1 ) ج / 2 - 410 : - ما دمت لا تملك طاقة على وخز إبرة ، فدعك من الحديث عن مثل هذا الأسد الهصور .
( 2 ) ج / 2 - 410 : والنانمون الذين كانت أفعالهم من الله ، كانت الشمس تزاوا عن كهفهم .
 

« 279 »
 
3025 - ولقد تشبثت في " أنا " و " نحن " بكلتا يديك ، والخراب حاق بالجميع من هذين الضميرين .
 

شرح ما يفعله الولي لا يجب على المريد أن يتجرأ ويقوم بفعله


( 2615 - 2627 ) : يدق في العنوان على الفكرة التي ساقها في الأبيات السابقة ، فالحقائق لا يمكن البوح بها إلا للكمل الواصلين فلا خطر منها عليهم ، فالأولياء لهم ما للأنبياء من الفتوح "إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ" ( الفتح / 1 - 2 ) . يقول نجم الدين : يشير إلى فتح باب قلبه صلى اللّه عليه وسلّم إلى حضرة ربوبيته بتجلي صفات جماله وجلاله وفتح ما إنغلق على جميع القلوب ، وتفصيل شرائع الإسلام وغير ذلك من فتوحات قلبه ، ليستر لك بأنواع جلاله ما تقدم من ذنب وجودك من بدء خلقك وروحك ، وما تأخر من ذنب وجودك إلى الأبد ،
 
« 522 »
 
وذنب الوجود هو الشركة في الوجود ، وغفره ستره بنور الوحدة لمحو ظلمة الإثنينية ، ويتم نعمته عليك وهو نور وحدانيته ، ويهديك صراطا مستقيما ، وينصرك الله نصرا عزيزا ببذل وجودك المجازي في وجوده العزيز الحقيقي . 
( مولوي 1 / 470 - 471 ) هذا هو المقام السليماني الوارد في الآية الكريمة "قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ، إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ" ( ص / 35 ) ، وأهل الظاهر يعتبرون هذا من قبيل الأنانية ، إذ كيف يمكن لسليمان عليه السلام وهو نبي أن يطلب من الله عطية تكون حكرا عليه ولا يكون مثلها لأحد من بعده ؟ ! لا . .
ليس الأمر كذلك ، إن دعاء سليمان عليه السلام من قبيل الشفقة على من يأتي من بعده من الأنبياء ، فكلما زادت القدرة زاد الخطر ، خطر الزلل ، وخطر القدرة نفسها ، ويرى مولانا أن السلطة مطوية على الخطر ، وأن في القدرة يكمن الزلل ، يقول في ديوان شمس :
إذا زاد الفضل والذهب فقد زاد الخوف والخطر ، فللملوك حمى الرعشة وهم على الحشايا الحريرية وشبيه به قول حافظ :
إن العظمة والتاج السلطاني يندرج فيهما خوف الروح * وهو قلنسوة جذابة ، لكنها لا تساوي التضحية بالرأس وكم يبدو هول موج البحر في البداية سهلا على أمل الربح * ولقد أخطأت فإن هذه العاصفة لا تساويها مائة جوهرة وأفضل لك أن تستر وجهك عن المشتاقين * فإن سرور امتلاك الدنيا لا يساوي شغب العسكر ( ديوان حافظ - تحقيق خلخالي - ط 4 تهران 1371 هـ . ش . ص 149 ) .


فملك الدنيا من هنا هو وجع الرأس ، أما وجع السر فيما فسره فروزانفر ( ص 1098 ) فهو المحيطون بك الذين يجعلون الباطن مشوشا مضطربا على الدوام بملقهم ومدحهم وانتفاعهم وتربحهم ، وكلها أمور بعيدة عن جادة الشرع ، وهذا هو ألم الدين وهذا هو وجع الدين ، وهنا إشارة إلى ما ورد في أول الآية المذكورة "وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ"

« 523 »
 
إشارة إلى ما جرى لسليمان عليه السلام نفسه من فقدانه لعرشه ( انظر تفصيلات هذا الحادث في الترجمة العربية للكتاب الرابع من المثنوي الأبيات 1150 - 1155 و 1262 - 1279 وشروحها حيث تفصيلات أكثر لما قدمه مولانا تفسيرا للآية هنا ) ، فالملك المطلوب في دعاء سليمان عليه السلام هو القدرة على مخالفة النفس وقمع الهوى والتجاوز عن ظواهر الملك ، والمعرفة اليقينية بأن الملك الحقيقي هو لله تعالى ، وكل من يصل إلى هذا الملك يكون في مرتبة سليمان وهذا الدعاء من إلهام الله تعالى له وليس لسليمان دور فيه ، وقد زاده الملك وزادته السلطة استغراقا في الله تعالى وليس لكل من لم تصل همته إلى درجة همة سليمان هذه القدرة على أن يكون له ملكه ويعيش عيشة الفقراء مثله ، إنه " معه " أي مقرون بشخصيته ، ومع هذا الشرح يرى مولانا أن هذه النقطة في حاجة إلى توضيح ، لكنه يرى أن من الأفضل العودة إلى حكاية الأعرابي وزوجته .
 
( 2628 - 2634 ) : ومع ذلك لا يعود مولانا إلى سياق القصة ، بل يخوض في مغزاها . فعلاقة الرجل بالمرأة هنا أشبه بعلاقة نفس الإنسان بعقله الباحث عن الكمال وهو غير العقل المحتال عقل المعاش ( انظر البيت 2046 و 1510 ) والعقل والنفس كلاهما لازم لتنظيم أمور هذه الدنيا ، ولا يستغني عن وجودهما معا إنسان ، فهما ضروريان ضرورة وجود الرجل والمرأة لبقاء النسل ، هذا وإن كان لكل منهما - أي النفس والعقل - منطقة نفوذه التي لا بد عليه ألا يتجاوزها ، فالنفس تدبر ، والعقل " عقل المعاد " في هم السمو والتعالي إلى البحث والسعي في طريق الله ( بحث مولانا علاقة النفس والعقل والسماء والأرض كعلاقة الرجل والمرأة ينظمها ويسيرها ويوجهها العشق وذلك في الكتاب الثالث . انظر الأبيات 4413 - 4423 وشروحها ) .
 
( 2635 - 2650 ) : ظاهر الحكاية في رأى مولانا هو الشبكة والحبوب التي تجذب الطيور " المريدين " إلى لباب القصة ، وفي موضع آخر من الجزء الثاني وغيره في الجزء الثالث شبه
 
« 524 »
 
ظاهر الحكاية بأنه القش وباطنها بالبُر . ويرى مولانا أن المعنى لا بد له من صورة ، وذلك من أجل قوام العالم ، حتى المعاني العالية لا بد وأن تبين في صور وأي شعور لا بد وأن يتحلى في صورة ، فالهدايا بين الأصدقاء دليل على المحبة ، ومحبة الله تتجلى في الصوم والصلاة ، والإحسان المتجلي في صور ظاهرية هو في الحقيقة تعبير عن المحبة لله سبحانه وتعالى ، فالإيمان ليس لفظا يقال لكنه عمل " ما وقر في القلب وصدقه العمل ونطق به اللسان " ( الفكرة مفصلة في الكتاب الخامس أنظر الأبيات 184 - 191 وشروحها ) . 
الأعمال شهود ، لكن الشاهد حينا يكون صادقا وحين يكون كاذبا ، والسكر قد يكون من الخمر وقد يكون من المخيض " اللبن المخمر " وحركات المثل متشابهة ، والصوم والصلاة قد يكونا رئاء الناس ، والله سبحانه وتعالى وصف مسجدا بأنه ضرار وكفر ، فمن أين لنا علم النية يا رب العالمين إلا بتمييز منك ترزقنا إياه ( فسر مولانا فكرة الشاهد الزور في الكتاب الخامس الأبيات : 192 - 200 ) ومن ثم كان الصوفية يدعون " اللهم أرنا الأشياء كما هي " و " اللهم أرنا الأشياء كما تريها صالح عبادك " ( أحاديث مثنوي / 45 ) ، هذا هو الحس المعتمد على نور الله وإن لم يكن الفعل ظاهرا وباديا بأثره ، فهناك أيضا السبب " بالسبب يدرك المسبب " ثم العشق وهو أوضح الوسائل ، فمن بلغ رتبة العشق ، لم يبحث عن سبب أو استدلال أو عن وسيلة فهو طريق مليء بالبلاء ، لكن العشق هو الدليل ، يعلمنا على أي وجه نمضي . .


هذه هي عين النور التي تحدث عنها سنائي الحديقة والتي لا حاجة بعدها إلى دليل ( أنظر الترجمة العربية لحديقة سنائى الأبيات 565 - 568 وشروحها ) ( 2651 - 2654 ) : يقول الصوفية عباد الجمال : نحن ننظر إلى المعنى في الصورة ، ولأوحد الكرماني ( المتوفى سنة 635 ه ) عدة رباعيات في هذا المعنى . ويبدو أن مولانا جلال الدين يرد عليه هنا . . يقول أوحد الدين :أتدري لما ذا أنظر في الصورة * لأنه لا يمكن إدراك المعنى إلا بالصورة
 
« 525 »
 
يقول مولانا : أجل المعنى يبدو في الصورة ، لكن الصورة على كل حال محدودة ، والمعاني لا حدود لها وتتجلى في صور عديدة ، وهما مختلفان في الماهيات ، اختلاف ماهية الشجرة عن ماهية الماء ، فبرغم أن الشجرة صوريا تنبت من الماء فهي شئ مختلف تماماً عن الماء ومن ثم مهما كانت الصورة دالة على المعنى ، إلا أن هناك بونا شاسعا بينهما . . . أو كان انعكاس المعنى في الصورة مثل انعكاس الشجرة في الماء . . . لكنك من انعكاس الشجرة لا تحصل على ثمر ، ولا تستطيع ان تنام في ظل . . . وكيف يمكن إدراك اللامتناهى في صورة المتناهى ؟ ! ! ( فروزانفر : شرح / 1110 - 1111 ) .
 
( 2657 ) : " حبك الشئ يعمى ويصم " ( أحاديث مثنوى / 25 ) ( 2660 - 2662 ) : انظر شروح الأبيات 1016 و 1243 من الكتاب الذي بين أيدينا ، والألواح في تفسير فروزانفر في رأى الصوفية أربعة لوح القضاء أو العقل الأول ، ولوح القدر أو النفس الناطقة ولوح النفس الجزئية السماوية ولوح الهوى في عالم الصورة ( شرح 1113 ) .
 
( 2665 - 2667 ) : إشارة إلى الحديث النبوي الشريف " لا تسعني أرض ولا سماء ويسعني قلب عبدي المؤمن " ( أحاديث مثنوى / 265 ) كما أن رجلا قال لأبي يزيد البسطامي : دلني على عمل أتوب إلى الله تعالى فقال : أحبب أولياء الله وادخل في قلوبهم فإن الله ينظر في قلوب العارفين كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة لعله ينظر إلى اسمك في قلبه فيغفر لك " ( انقروى 1 / 511 ) . ويشبه قول فيثاغورث : ليس لله تعالى في الأرض موضع أولى به من النفس الطاهرة " ( فروزانفر / 1114 ) فالحقيقة الإنسانية هي جامعة الحقائق ومرآة الحضرتين ( الغيب والشهادة ) ليس المقصود بالطبع عظم الإنسان ولحمه وشحمه ، بل قلبه العامر بالعشق المصفى بالرياضة مركز التجليات ومجمع العلوم ، والواقع بين إصبعين من أصابع الرحمن ( فروزانفر 1114 - 1115 ) .
 
 
« 526 »
 
( 2668 ) : «يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ، ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي» ( الفجر / 27 - 30 ) قال نجم الدين : " أيتها القوى النفسية المطمئنة المعرضة عن هواها المقبلة على مولاها ارجعي حين خروجها من قبل قالبها فادخلي في عبادي بعد التجاوز عن العظمة الكتؤد النفسانية وادخلي في جنة القلب المضافة إلى الرب لشرفها " . قال ابن عطاء :
النفس المطمئنة هي العارفة بالله التي لا تصبر عن الله " ( مولوى 1 / 481 ) . وقال المفسرون :
هذا ما ينادى به الملائكة على المؤمنين عند الموت والقيامة . ( فروزانفر / 1167 ) .
 
( 2669 - 2677 ) : والعرش مع نوره ، عندما يرى النفس المطمئنة عائدة إلى ربها يهتز ، ويتحرك من موضعه لكي يلقى هذه الروح الناجية من سجن التراب والتي ارتفعت إلى مرتبة الحضرة . . . إن العرش مجرد صورة ، والنفس المطمئنة معنى بل هي لب المعاني ، وما قيمة الصورة ولو عظمت إلى جوار المعنى ولو صغر ؟ ! ! ان الملائكة أنفسهم ليعشقون هذا التراب الذي خلق منه آدم ( الإنسان ) . . . كانت ألفتهم وميلهم إلى وجه الأرض ذلك لأن الله سبحانه وتعالى كان قد نثر من تراب آدم على الأرض فألفته الملائكة ( فروزانفر / 1118 ) وكانت الملائكة يتعجبون من ألفة النور بالظلمة والسماء بالأرض والنار بالتراب حتى خلق آدم فعرفوا أن هذه الألفة كانت من مجرد رائحة آدم ، جسد آدم ، ذلك ان جسد آدم هو المخلوق من تراب لكن نوره ( روحه - علمه ) ، وكانت هذه الروح هي التي تفوح من التراب وتحرك كل هذا العشق من الملائكة .
 
( 2678 - 2689 ) : المستفاد من الأبيات أن الملائكة الذين يخاطبون الله سبحانه وتعالى كانوا يسكنون الأرض مقيمين عليها عاكفين على أريج آدم الذي يفوح منها ، يهللون ويسبحون لا يفترون ، وأن اعتراضهم على خلق آدم وجعله خليفة في الأرض مرده إلى حنقهم من حرمانهم من متعة الانعكاس الإلهى في خلق آدم . . . ولقد تركهم الله تعالى يقولون كل ما لديهم من جراء
 
 
« 527 »
 
الانبساط ، أي عدم رعاية ما يليق من الحديث والانطلاق في القول ، وما تركهم الله أن يفعلون هكذا إلا رحمة منه ، ذلك أنه هو القائل في الحديث القدسي " سبقت رحمتي غضبى " ( أحاديث / 26 ) أي أنا الذي أظهر فيك موجبات الغضب حتى أجازيك بالرحمة ، وأضع الحديث الذي تفوح منه رائحة الاعتراض والشك والإنكار حتى أبدى لك حلمى الذي هو بمثابة الدر إذا كان حلم الأب صدفا ، فنحن بحار الحلم ، وحلم البشر بمثابة الزبد له ، قال صلى اللّه عليه وسلّم :
ما تقولون في رجل مات وهو لا يحسن الظن بالله فقام رجلان وقالا : لا نعلم إلا شرا وقال الباقون : النار ، فقال عليه السلام : بل عبد مذنب ورب غفور . وقال الله أرحم بعبده من الوالدة المشفقة بولدها . وروى أيضا عنه صلى الله عليه وسلّم انه كان جالسا في مسجده إذ سقط طير من جدار المسجد وفي منقاره قطعة طين فصاح صيحة عظيمة فضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له في ذلك فقال : ان هذا الطير يقول كما أن لا أكدر بحر الكلام بهذا الطين كذلك ذنوب أمتك لا تكدر رحمة الله ( مولوى 1 / 484 - 485 ) .
 
( 2690 - 2695 ) : يبدأ الحديث على لسان الأعرابي لزوجته ، فيقسم لها بحق الزبد ( حلم البشر ) وبحق البحر الصافي ( حلم الله ) أنه صادق في قوله من أنه قد خضع لرأيها ومال إلى قولها في طلب العيش ، وأن ذلك افتتان منه بها ، وخضوع لها ، وليس على سبيل الامتحان والاختبار لها .
ويقول لها : هيا أفصحى ما في قلبك حتى أفصح لك عما في قلبي ، ولا تخفى شيئا ، حتى لا يبقى شئ مخفيا لدى . . . وانظرى إلى جيدا لتدركى ما أنا قابل له وما أنا قادر على فعله .
 
( 2696 - 2700 ) : الخليفة في مصطلح الصوفية المستخلف بصفات من استخلفه ، ولا يشتم بالطبع من قول مولانا في وصف الخليفة على لسان زوجة الأعرابي ان وصفه هذا ينطبق على أي ملك أو أي خليفة . . . ويختلط وصف الخليفة بوصف الولي الأعلى الذي تعد نظرته كيمياء تبديل تبدل نحاس نفوس المريدين إلى ذهب مثلما جعلت نظرة المصطفى صلى اللّه عليه وسلّم

 
« 528 »
 
من أبى بكر عبد الله بن أبي قحافة صديقا ( عن مقام أبى بكر رضي الله عنه وهو ما خاض فيه الصوفية عموما ، انظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة ، الشروح ج 1 ، ص 279 - 281 ) والحديث عن الصحبة وقيمتها في تغيير المريد وتربيته وهي من أهم أسس الطريقة .
 
( 2703 - 2705 ) : إشارة إلى قول مجنون بنى عامر :يقولون ليلى بالعراق مريضة * فياليتنى كنت الطبيب المداوياوأيضا :يقولون ليلى بالعراق مريضة * فما لك لا تضنى وأنت صديق
سقى الله مرضى بالعراق فإنني * على كل مرضى بالعراق شفيق
فان تك ليلى بالعراق مريضة * فانى في بحر الحتوف غريق
أهيم بأقطار البلاد وعرضها * ومالي إلى ليلى الغداة طريق( فروزانفر : شرح / 1126 )
 
( 2706 - 2710 ) : إن الحق سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى حجة أو ذريعة أو وسيلة لكي نتصل به ، فإنه سبحانه وتعالى هو الذي ينادينا ويقول : قل تعالوا «قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ» ( الأنعام / 151 ) والدعوة وسيلة الجذب ، وهي الآلة التي لو كانت للخفاش لظهر في ضوء النهار وترد المرأة : وما هذا التفكير في الوسيلة ؟ ! ! إن الوسيلة في طريقة هي التسليم ، انعدام الوسيلة ، فما بالك تفكر في وجودك الوقتى أمام الوجود المطلق ( انظر الأبيات 833 - 872 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 2711 - 2715 ) : يقول الأعرابي : أين لي في هذه الرحلة بترك السبب ؟ ! ! ان ترك السبب وعدم التوسل بالأداة هي مرحلة الكمل من الواصلين ؟ ! ! 
ان الملك يريد شاهدا على إفلاسى وقلة حيلتي ، فدعينا من القيل والقال ومن اللون أي الأعمال الظاهرية أو ما يبدو على بالفعل

 
« 529 »
 
من أمارات الفقر وعلامات الاحتياج . . . فالقاضي يريد دليلا ملموسا ، وهذه الدلائل التي تذكرينها كلها دلائل مردودة ، فالكلام الصادق يلزمه أيضا دليل وإلا ظل مجرد كلام . ويفسر فروزانفر نقلا عن الأنصاري ان الصدق على ثلاثة درجات : صدق القصد وهو توجه القلب بتمام الهمة في سلوك الطريق مقترنا بجذب الحق دون غرض أو رياء ، والثانية : الحياة والعيش من أجل الحق وليس غيره والثالثة : أن يكون صادق الرؤية في معرفته ، موافقا لرضا الله . . . 
ويرى ابن العربى ان الصدق هو الشدة في الدين ، فالصفة حال إذا وصف بها العبد ومقام إذا وصف بها الرب . . .
وفي قرب النوافل يتصف العبد بصفات الرب . والصدق في رأى مولانا - على لسان المرأة - هو الفناء عن النفس والبراءة عن الجهد ( فروزانفر / 1131 - 1132 ) .
 
( 2720 - 2726 ) : ينقل مولانا من الحديث عن جرة الماء التي يريد حملها إلى الخليفة إلى " جرة الجسد " المليئة بماء الحواس المالح ، وهي ما ينبغي أن يقدمه العبد إلى الخالق . . . والخالق لا بد شاريها مصداقا لقوله تعالى : «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ» ( التوبة / 111 ) وهذا الشراء مجازى فكيف يشترى الله ما يملك حقيقة ؟ ! ! إنما يهب الجنة ثمنا لشق الإنسان على نفسه وتركه لهواها ، ومتابعته للحق بصدق . . .
ويتم ذلك عندما يطهر جرة الجسد ذات المنافذ الخمسة ( الحواس ) وتصير جديرة بان تحمل بالفعل إلى السلطان ، ولا يتم هذا إلا بتفريغها من هذا الماء المالح ، ووصلها بالبحر ( بحر المعنى ) حينئذ لا ينقطع ماؤها ، ويمكن حملها إلى السلطان ( عما يمكن حمله إلى السلطان أنظر لمعاني أخرى الكتاب الرابع 1564 - 1570 وشروحها ) فأقرأ «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ» ( النور / 30 ) أي أبصار الجسد عن المحارم وأبصار القلب عما سوى الله ( من تفسير للصوفى خير النساج ) ( انظر الترجمة العربية للحديقة 1 / 263 ) .
 
« 530 »
 
( 2728 - 2731 ) : ما أشبه كل ما تقدمه لله ( وهو الذي هداك إليه ) وما يقدمه الله لك في مقابله بتلك الجرة من ماء المطر التي كان الأعرابي يحملها إلى الخليفة إلى جوار نهر دجله ! ! ! ( 2751 ) : البيت ناظر إلى بيت المتنبي :كالشمس لا تبتغى بما صنعت * منفعة عندهم ولا جاها( فروزانفر / 1142 )
 
( 2756 - 2763 ) : السائل لازم للجواد لزوم الجواد للسائل ، والسائل يطلب الجواد كما يطلب الجواد السائل . ( الظامىء يقول أين الماء والماء يقول أين الظامىء ) والحياة لا تتم إلا بهذين . ومن ثم قيل للرسول «وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ» ( الضحى / 10 ) . ثم ينتقل مولانا إلى معنى أوسع : كما تبصر الحسناء وجهها في المرآة ، يبصر الجواد جوده في السائل ، وجود أي جواد قطرة من محيط جود الحق . ومن ثم فالمسئول في الحقيقة هو الله والعاطى في الحقيقة هو الله ، وإن سألت الله فإنك تسأل الجود المطلق . . . وإن سألت الناس وأنت موقن بأنك تسأل الله فأنت مظهر الجود ، وإن سألت الناس وأنت املٌ في الناس فأنت ميت . . . بل مجرد صورة على ستار ( جعلت ستاراً على الحق وتشبثت به ) ! !
 
( 2764 - 2768 ) : هناك فرق بين تكدى الدرويش السالك وتكدى الدرويش العاطل ( فسر مولانا هذا القول بشكل رائع في قصة الصوفي محمد سررزى الغزنوي في الكتاب الخامس . انظر الترجمة العربية ، الأبيات 2690 - 2785 وشروحها ) فثمة فرق بين الفقير بالله والفقير من الله فالفقير بالله يسأل لا عن حاجة بل عن امر ( حطاً لمقام النفس وصرفا عن القيمة ) والفقير عن الله هو طالب الدنيا الذي يريد أن يضع هم عيشه على الآخرين ويعيش عالة عليهم . وكان مولانا يمنع دراويشه من التكدى ( انظر مناقب العارفين ص 245 ) . والنصف الثاني من الفقراء هم فقراء
 
« 531 »
 
الحقائق ينبغي التخلي عنها ، مثلما يتخلى المرء عن ثيابه إن أراد أن يتجاوز مكان خلع الملابس ويدخل الحمام ! ! فلامكان للملابس ( للصورة والأجساد ) إلى هذا الطريق .
 
( 2792 ) : مقتبس من الحديث النبوي " اتقوا فراسة العبد المؤمن فإنه ينظر بنور الله " ( أحاديث مثنوى : 14 ) .
 
( 2797 - 2812 ) : المهم الفتوح وإن تكون العطية مقسومة للمرء ، فيقصد اليسير التافه فينال من هذا القصد الثمين الغافل ، فيكون قصده من الله وعطيته من الله ، وما أرسله الله في سبيل القصد اليسير إلا لينال العطية الغالية . ويضرب مولانا الأمثال : يذهب أحدهم يطلب ماء من البئر فيجد في البئر يوسف الحسن ( يوسف / 19 ) ويطلب موسى عليه السلام نارا من الطور فيجدها نورا ( طه / 10 - 14 ) ويساق عيسى إلى الصليب فيرفع إلى السماء الرابعة ويحط البازي على الشبكة من أجل حبة فيصاد ويدرب لكي يكون موضعه من بعد ذلك ساعد السلطان عند الصيد وسنبلة من القمح تجعل من آدم أبا للبشر . وعن إتيان البيوت من أبوابها يقول ابن الفارض :أتيت بيوتا لم تنل من ظهورها * وأبوابها عن قرع مثلك سعدت( سبزوارى / 90 ) ونفس المعنى في الغزلية التي مطلعها :
لمن يكون هذا الإقبال ؟ لمن يأتي إلى شاطىء جدول ليشرب الماء من الجدول فيجد انعكاس القمر .
ويذهب الطفل إلى الكتاب بعد إغراء والده بالحلوى ، فيرتقى في مدارج العلم ويرتقى به العلم إلى أن يكون وزيراً من الوزراء أو كبيراً من كبراء الدولة ، ويمضى العباس في عداوة للرسول صلى اللّه عليه وسلّم فلا يسلم إلا في السنة السابعة للهجرة لكي تكون الخلافة في ولده فترة طويلة من الزمن ، وكانوا يرون أن خلافتهم باقية أبد الدهر وفي بيعة السفاح قال : " إعلموا أن هذا الأمر فينا ليس بخراج منا حتى نسلمه إلى عيسى بن مريم " ( شروح فروزانفر 1164 ) وهكذا يصف الأعرابي نفسه ، ثم يعرج
 
 
« 532 »
 
إلى فكرة صوفية فيمدح نقباء الخليفة ( الخليفة رمز الخالق والنقباء رجاله ) على أنه خرج في سبيل القوت فإذا به - وهو لا يزال في أول الطريق - يقع على هذه الجنة . فلا عاد يفكر في خبز ولا قوت ، ولم يعد له من غرض إلا الطواف حول الباب - أي العشق في حد ذاته - فالطواف بلا غرض هو طواف العاشقين .
 
( 1813 - 2816 ) : الآية المذكورة في العنوان جزء من الآية 54 من سورة سبأ . ومثل الجدار وانعكاس الشمس والفكرة كلها فكرة الانصراف عن عشق الكل في سبيل عشق الجزء عبر عنها مولانا جلال الدين بشكل رائع في الكتاب الثالث ( انظر الأبيات 540 - 560 وشروحها ) .
 
( 2817 - 2826 ) : المثل المذكور في العنوان من الأمثال العربية السائرة والمقصود : إعشق بقدر همتك ( والمعشوق يكون بقدر همة العاشق ) فإذا كانت الدنيا ظل وأنت في أثرها فما أشبهك بصياد ينهك نفسه ويفرغ كنانته في أثر ظل طائر والطائر محلق في الهواء ( ذكر هذا المثل آنفاً في الأبيات 420 - 424 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ويرى جماعة من الصوفية أن عشق الجمال المجازى يقود إلى عشق الجمال الحقيقي ( عشق الجزء يقود إلى الكل ) ويرد مولانا : إذن فعليك بعشق الشوك بدلًا من الورد . . . إن العلاقة هنا علاقة من وجه واحد هي علاقة التعين ولا يصل السالك إلى المطلق إلا إذا محا التعينات تماما وكلية . . . وإلا لانمحت الحكمة من بعث الأنبياء ، ما دام الجزء مرتبطاً بالكل من كافة الجهات
 ( إنكار تام لفكرة وحدة الوجود التي يرى بعضهم إنها أساس فكر مولانا جلال الدين ! ! ! ) .
 
( 2831 - 2836 ) : « الناس على دين ملوكهم » ( أحاديث مثنوى / 28 ) و « كما تكونوا يول عليكم » ومثال الملك كالحوض وعما له كالأنابيب ورد في قول أفلاطون « الملك هو كالنهر الأعظم تستمد منه الأنهار الصغار ، فإن كان عذبا عذبت وإن كان مالحاً ملحت » 
وقال الإمام علي رضي الله عنه نفس المعنى ، ونسبه أبو نعيم الأصفهاني لأبى مسلم الخولاني كما نسبه العطار إلى شقيق
 
 
« 533 »
 
البلخي في موعظة لهارون كما روى في عبارة وجهها أحدهم إلى عمر بن عبد العزيز " قال عمر بن عبد العزيز لرجل قدم عليه من ناحية : كيف رأيت عمالنا فيكم ؟ ! فقال يا أمير المؤمنين إذا طابت العيون عذبت الأنهار " ( فروزانفر شرح 1172 - 1173 ) وفي خطاب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه " لو رتعت لرتعوا " فالحاكم هو النموذج والروايات الإسلامية في هذا الباب لا تعد ولا تحصى . 
كما قال صلى اللّه عليه وسلّم : القلب ملك إذا صلح الملك صلحت جنوده وإذا فسد الملك فسدت جنوده ، أنقروى 1 / 537 .
 
( 2837 - 2846 ) : كما أن للدولة ملكا يؤثر في أركان مملكة وحاشية ورعية ، فأن للجسد ملكاً هو الروح . وكل آثار اللطف في الجسد من الروح ، ثم هناك أيضاً الطاف العقل ( عقل المعاد ) التي يمد بها الجسد . 
والبيتان التاليان ناظران إلى البيتين العربيين :رأيت الدهر يرفع كل فدم * ويخفض كل ذي شيم شريفة
كمثل البحر يغرق كل در * وما ينفك تطفو فيه جيفةكما ورد المعنى في مقالات شمس ، ص 148 .
والعقل حسن الأصل وحسن النسب ( أي ليس من جنس الجسد بل مصدره من العلو ) وهناك أيضاً العشق ، والمرشد الكامل الأستاذ ، كل هذه قوى تؤثر في الجسد وتشرف عليه ، وبقدر ( تلمذة ) الإنسان على أحدهما يكون محصوله ، تماماً كعلوم الظاهر .
فالذي يدرس على أستاذ في الأصول يكون قد درس الأصول ، وعند عالم النحو تكون دراسة النحو ، كل علم يطلب من أستاذه ومن بابه ، وأهم من كل أولئك الأساتذة أستاذ الباطن ، معلم العشق يمدك بعلمين هما اللذين ينفعانك في آخرتك :
 المحو أي الفناء ( أنظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث ) والفقر .

« 534 »
 
( 2847 ) : من المحتمل أن الحكاية التي تبدأ بهذا البيت من مؤلفات مولانا وذكرت من بعده نثرا من شاعر القرن التاسع عن عبيد الزاكانى في لطائفه . وهناك حكاية مشابهة مروية في كتاب مناقب العارفين للأفلاكى ( ص 106 - 107 ) عن لغوى متنطع أيضا .
 
( 2852 - 2864 ) : يعرف المتأخرون المحو عدة تعريفات ويقسمونه عدة تقسيمات : محو أرباب الظاهر وهو رفع العادات الذميمة . ومحو أرباب السرائر : إزالة الآفات التي تعوق دون الوصول إلى الحقيقة ومحو الجمع أو المحو الحقيقي ويعنى فناء الكثرة في الوحدة ومحو المحو :
بقاء الحق بعد فناء الخلق ( شرح فروزانفر 1179 ) وفي مقالات شمس ( ص 620 ) لا يعرف نحو أحد إلا إذا كان محوا فوالله ما لم يمح لن يعرف شيئاً من النحو . إن هذا المحو هو الذي ينجيك من هذا البحر فالآنية الممتلئة تغرق والآنية الفارغة تطفو . فما بال هؤلاء العلماء المغرورين بظاهر من العلم يدعون الناس حميراً ، وهم إن خرجوا عما حفظوه ، ودرسوه عجزوا كحمير تسير على ثلج ، وإذا كانت الدنيا كلها إلى زوال فما قيمة علم الدنيا ؟ ! ! وألا يأتي علماءٌ في عصر ما فينقضون كل ما توصل إليه علماء قبلهم كانوا في عصورهم من الأعلام ؟ ! ! أليس هذا ما يعنيه مولانا من أن قيمتها في تنزل . وأي علم هذا الذي تدعيه وتقدمه لله ، تراك كهذا الأعرابي الذي حمل جرة من ماء المطر إلى دجلة ؟ ! ! ويقدم مولانا تفسيرا لرموز القصة : فجرة الماء علومنا أي علوم الظاهر . والخليفة هو الرجل الكامل ودجلة علوم الله ( وسبق أن قلنا إن الرجل الأعرابي هو العقل وزوجته هي النفس ) .
 
( 2871 - 2882 ) : انتقل من الرمز إلى الخليفة بالمرشد الكامل العالم بعلوم الله ، إلى الحديث عن الملك الوهاب الذي يقبل منا جهد المقل وهو الغنى عنا المعطاء لنا . والعالم كله بمثابة جرة الماء لا تساوى قطرة واحدة من دجلة جنته وبحر جماله . . . وهذه فكرة ما يرويه الصوفية " قال داود عليه السلام : يا رب لم خلقت الخلق ؟ قال : كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أُعرف فخلقت الخلق


 
 
« 535 »
 
كي أُعرف " والحديث له تفسيرات عديدة وتفسيره هنا بالتجلي تجلى الجمال الإلهى على كل ما في الكون من جمال ( أنظر لجرعة الحسن الإلهى التي صبت على كل شئ ، الترجمة العربية للكتاب الخامس ، الأبيات 372 - 379 وشروحها ) ولو رأى الأعرابي أو كل العالم علمه الإلهى وشاهدوا جماله لحطم هذه الجرة تحطيماً ( العالم بأجمعه ) فلا طاقة لأحد على تحمله ، إنه يرى الجمال فيغدو ذاهلا ( أنظر الكتاب الثاني ، الأبيات 1665 - 1669 ) الذهول والحيرة ، والرقص وغلبة الحال والوجد ، في هذا الإنكسار تكون السلامة « أنا عند المنكسرة قلوبهم » ، يفنى المرء عن نفسه وعما علم ( لا الجرة ظاهرة ولا الماء ) . والله أعلم بالصواب .
 
( 2883 - 2890 ) : دق باب المعنى كناية عن المجاهدة ومواصلة الطلب ، ومثلها خفقان جناح الفكر المحلق السامي عن المتطلبات الأرضية ، والصقر الملكي كنى به مولانا حينا عن الروح وحينا عن المرشد والولي الكامل . والمعنى عموماً أن من واصل القرع إنفتح له الباب . « من قرع بابا ولّجَّ وَلَج » و « من أدمن الاستفتاح فتحت له الأغلاق » ، ونظيره ما نسب إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ما دمت في صلاة فأنت تقرع باب الملك ومن يقرع باب الملك يفتح له » . وقول الشاعر :أخلق بذى الصبر أن يحظى بحاجته * ومدمن القرع للأبواب أن يلجأ( فروزانفر / 1187 ) والطين هو علائق الدنيا . . . فكل ما فيها من طين وإلى طين ، ومن لازمها بقي كالطين ملتصقا بالأرض وأكل الطين حرام على كل مسلم " من أكل الطين فكأنما أعان على قتل نفسه " ( حديث نبوي ، فروزانفر / 1188 ) ، لا سمو له وطيران ، وما دامت الدنيا جيفة فطلابها كلاب ، والجاهل يسعى في أثرها كالكلب الجائع فإن شبع تمرد وإن يكون المرء حينا ميتة ( ملتصقا بالطين ) وحينا كلبا يسعى في أثر الجيفة ، فمتى يقوم بالسير الروحاني في طريق الحق ، وكان يقال : مسكين ابن
.
« 536 »
 
آدم أسير الجوع صريع الشبع . وقال للحسن : يا أبا سعيد إذا جعت ضعفت وإذا شبعت وقع على الهر فقال : يا ابن أخي : هذه الدار ليست توافقك فأطلب داراً غيرها ( فروزانفر 1189 ) .
والحديث هنا يعتمد على كثير من المأثور العربي مثل جوع كلب يتبعك وسمن كلبك يأكلك ، ومثل قول الشاعر :كالكلب إن جاع لم يعدمك بصبصة * وإن ينل شبعة ينبح من الأشروالكلب في النهاية هو النفس الكلبية التي إن تمكنت طغت .
 
( 2892 - 2899 ) : على كل حال فإن الطرق والميول تتعدد في هذه الدنيا ، والمهم أن تكون عاشقاً ، فإن كنت كذلك فأي طريق تسير فيه ، وأي كلام تنطق به إنما تفوح منه رائحة العشق ، وألفاظ المرء تجلٍ ومظهر لروحه وفكره وكيانه ، وكلام العاشق مظهر لعشقه واشتياقه وذكره للعاشق ( أنظر في الكتاب السادس الحديث عن اللغة التي ابتدعتها زليخا والتي تشير إلى يوسف في كل تعبيراتها حتى ولو لم تذكره بالاسم ) وفي أبيات لابن العربى :وكذا السحب إذا قلت بكت * وكذا الورد إذا ما ابتسما
أو أنادى بحداة يمموا * بأنه الحاجر أو ورق الحمىحتى الفقيه ( الذي يراعى الظاهر في كلامه ) إن كان عاشقا لا بد أن أثرا من العشق يبدو في ثنايا حديثه ، وإن يقول أبو يزيد البسطامي " سبحانى ما أعظم شانى " أو يقول الحلاج " أنا الله " مما اعتبره بعضهم كفرا صراحا ، تفوح من هذا الكفر الصراح رائحة الدين ، وأن المعنى بحر ، واللفظ زَبَد ، وزبدُ كل بحر من جنسه ، فإن عرفت جنس البحر عرفت قيمة الزبد ، ألست ترى كلام الحبيب جميلا حتى ولو كان ظاهر هذا الكلام إساءة وسبا . وسبه أفضل من مدح المدعى لأن المهم هو القلب ، المهم أصل الكلام ومنبعه وعلى أي فكر يرتكز ، لا صورة الكلام .
 
« 537 »
 
( 2900 - 2905 ) : يضرب مولانا الأمثال في أن المهم هو أصل الشئ ومادته وليس صورته ، فما تطبخه من السكر على صورة الخبز هو في طعمه سكر وفي أساسه سكر ولا علاقة له بالخبز . والمؤمن لو يجد وثنا مصنوعا من الذهب هل يتركه ؟ ! ! المهم هنا ليس صورة الشئ بل مادته ، ولو نظر المؤمن إلى صورة الوثن ، ولم ينظر إلى الذهب لكان هذا عقبة في طريق نفعه ، فذات الذهب رزق من الله وعطاء من الله ، وصورته مجرد شئ مستعار ، فلا تضح بذات الإنسانية وأهدافها وقيمتها ومثلها من أجل أمور مستعارة وتافهة وليست ثابتة ، فهل تراك تحرق الكليم من أجل برغوث تسلل إليه ( مثل فارسي ) ولا تجلس عاطلًا وتضيع نهارك في ذب الذباب .
 
( 2906 - 2909 ) : إن عابد الصنم فحسب هو الذي يظل عاكفاً على صورة الصنم لأنه لا يعرف سواها ، ولأنه لا نصيب له من المعنى ، وأنت رجل معنى فلا تنظر إلى الصور ، وإذا كنت في طريقك إلى الحج فصاحب حاجا ، لا تنظر إلى لونه ولا جنسه ولا إلى أي قوم ينتمى ، فإن وحدة المقصد هي التي توحد بين البشر على اختلاف ألوانهم ، وإذا كان شريكك في المقصد أسود اللون فاعتبره أبيض لأن لون مقصده أبيض .
 
( 2910 - 2915 ) : لقد أطلت في هذه القصة فاعذرنى ، فهكذا دائماً حكايات العشق وحكايات العاشقين لا بداية لها ولا نهاية ، فهي من الأزل وإلى الأبد ، وهي مثل قطرات ماء الفيض يوصل أولها بآخرها في تسلسل وتزامن . وكل قطرة بداية لما بعدها ونهاية لما قبلها ووجود في حد ذاتها والحكاية التي رويتها ليست حكاية في الأصل بل هي حالنا - نحن الصوفية - الحاضر ، فلا علاقة لنا بالماضي أو المستقبل ، لكن أقوالنا ومواجدينا وسلوكياتنا كلها طبقا لوارادتنا القلبية ، والصوفي من ثم في جهاد دائم ( كر وفر ) ، تجد فينا كل ما في القصة : الأعرابي ( العقل ) والجرة ( الجسد ) والحلقة ( المرشد - الحق ) وكلنا مصداق للآية الكريمة (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) ( الذاريات / 9 ) أي يُرد من حكم عليه القضاء بأن يرد .

« 538 »
 
( 2916 - 2919 ) : يعود مولانا إلى التعليق على القصة : الزوج هو العقل ، والزوجة المنكرة على الزوج هي النفس ، وهي منكرة لهذا العقل الذي هو بمثابة الشمع ، واستمع منى الآن إلى أصل الإنكار : إن كل الموجودات وكل وجود العالم مركب من أجزاء مختلفة ، وهذا الاختلاف يقتضى التضاد والإنكار ، ومن ثم فالحديث هنا عن الجزء كجزء من كل ، لا عن الجزء في مواجهة الكل فالنفس والعقل والمقومات الأخرى للشخصية أجزاء تصنع " كل الشخصية " ، مثلما يكون في الورد ساق وورق وشوك وجذر وإلى جوارها أيضاً رائحة وكلها تكون مجموع الوردة .
ولطف البستاني جزءٌ من لطف الورود ( المفروض العكس ) وصوت البلبل جزء من البلبل ( استعلامى 1 / 272 ) والحق تعالى جل شأنه عن التعين والتجزؤ ، فالجزء والكل مصطلحات معنوية وليست مادية ولا علاقة لها بالكل والأجزاء التي تفهمها .
 
( 2920 - 2926 ) : ينبه مولانا إلى أنه يدخل في قضايا فلسفية ، وهذا ليس من نوع الخدمة التي يؤديها والتي ينبغي عليه أن يؤديها وهي أن يغيث المريدين الظمأى إلى إفاضاته بما يساعدهم ( في موضع آخر بعد مناقشة قضية كلامية اعتذر بنفس الاعتذار ) . . . فلو عن لك إشكال ، فاصبر والصبر مفتاح الفرج ( أنظر شرح البيت 96 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، ثم ينصح بالحمية من الأفكار ومن هجومها مثل الحمية من الطعام « الحمية رأس الدواء والمعدة بيت الداء » ( أحاديث مثنوى / 30 ) و « إنما أهلك الذين من قبلكم الجدل » ، فالأفكار بمثابة الوحوش التي ترتع في الآجام ، وما أشبه النبش في الأفكار بحك الجلد ، يزيد في الجرب ، فاجعل كلامي حلقة في أذنك ، ففي هذا تكون الرفعة لك ، فإنك إن أطعت المرشد تصل إلى مراحل من الكمال لا تدركها بالجدل والسعي وراء الأفكار ، وسمى المرشد صائغاً لأنه هو الذي يحول بأنفاسه نحاس المريد إلى ذهب ، ويصيغ من مادته شخصية سوية .
 
« 539 »
 
( 2927 - 2929 ) : الحروف الأبجدية مختلفة تؤدى كل منها صوتا مختلفا ، لكنها كلها معا تؤدى كلمات فهي جزء من باب ، إن كلا منها حرف مستقل ، وهي كل لأنها معاً تؤدى معاني الكلمات ، وقال ابن العربى : " إعلم أن الحروف أمة من الأمم مخاطبون ومكلفون ، وفيهم مرسل من جنسهم ، ولهم أسماء ، ولا يعرف هذا إلا أهل الكشف من طريقتنا ، وعالم الحروف أفصح لسانا وأوضح بيانا ( أنقروى 1 / 549 ) . وهكذا أيضاً أجزاء الوجود والحروف من وجه جد ، ( عند تأدية معاني الكلمات الجادة ) ، ومن وجه هزل عند تأدية معاني الكلمات الهازلة .
 
( 2930 - 2937 ) : وكل هذه الاختلافات مؤقتة تنتهى يوم العرض الأكبر ، وكل من لديه شئ يعرضه - فالمذنب ( الهندي أسود الوجه سيىء المعاملة ) يفتضح ككل المذنبين ، ويود الذين أذنبوا لو أنهم ظلموا في ليل العدم ، ولم تسطع عليهم ختلفة ، وهذا الاختلاف يقتضى التضاد والإنكار ، ومن ثم فالحديث هنا عن الجزء كجزء مالحشر ، وكأنهم أغصان وردة لا تحتوى إلا على الشوك يفضحها الربيع ، فطالما هي في الخريف تتساوى مع بقية الأغصان التي تحتوى على الورود . وهكذا الدنيا تبدو فيها الأمور متشابهة غثها وثمينها ( بل قد يتفوق الغث ) والقيامة هي المحك الحقيقي .
 
( 2938 - 2946 ) : البستاني هو المرشد الذي يعلم حتى في الخريف أن الشوك شوك والورد ورد ، والضال أبله ، لأنه يظن أن كل نجمة ( مريد ) قمر ( مرشد ) ، وعليه أن يعلم أن المريدين كلهم ما هم إلا نجوم حول قمر واحد ( المرشد ) ( استعلامى 1 / 374 - 375 ) . لكن الوصول إلى المعنى مع بقاء العكوف على الصورة غير متيسر ( مثلما لا تتجمع الثمرة ( المعنى ) مع البرعمة ( الصورة ) . فالذي ينتظر الربيع لا بد وأن يفنى صورته لكي يصل إلى معناه ، مثلما يهشم الخبز لكي يبعث على القوة ، ويعصر الكرم ليصير خمرا ، وتدق الهليلة لكي تصير دواءً ناجعا ( عن العمارة في الخراب أنظر الكتاب الرابع ، الأبيات 2341 - 2353 وشروحها ) .
 
« 540 »
 
( 2947 - 2971 ) : الخطاب من مولانا لحسن حسام الدين ( أنظر شروح مقدمة الكتاب الذي بين أيدينا ) ويخاطبه مولانا بلقب ضياء الحق ( يفسر اللقب في الكتاب الرابع ، أنظر الأبيات 16 - 20 وشروحها ، والكتاب الخامس البيت 1273 والعنوان الذي يسبقه ) ويفسر فروزانفر بأنه يسميه ضياءً ولا يسميه نوراً لأن النور مكتسب والضياء ذاتي مثل الشمس ( ص 1212 من شرح فروزانفر ) ويبدو أن حسام الدين كان يشكو من نحول وصحة دائمة الاعتلال من قسوته وشدته على نفسه في الرياضات كما يبدو من خطاب وجهه جلال الدين إليه ( شرح مثنوى شريف 1212 - 1213 ) ويرى مولانا أن النور يستمد من حسام الدين لأنه ضياء الشمس ، ويرى أنه هو المصباح والزجاجة التي يتألق فيها نور الله «اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ ، الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ ، الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ» ( النور / 35 ) وطرف الخيط ، أي طرف خيط المعاني ( المولوي طرف خيط المحبة 1 / 538 ) فهو المبدأ لما يجيش في قلب مولانا من معاني وهو الملهم لها ، ويطلب من حسام الدين أن يكتب عن أحوال الشيخ والمرشد وعن قيمته من أجل الطريق ، وهو منضج ثمار الخلق كما ينضج شهر تير " شهر الصيف " الثمار .
ولا تظن أنه شيخ بكبر السن ، ولكنه شيخ من عطية الله ومن إقباله ( عن هذا الوصف بالتفصيل ، أنظر الكتاب الرابع الأبيات 2160 - 2171 وشروحها وأصل المعنى في مقالات شمس ص 163 ) ، فالشيخ ليس مريدا ودليلا في الطريق بل هو الطريق نفسه ، وقلوب المريدين تستنير بالشيخ مثلما يستهدى السراة بالقمر ، وإياك إن تظن ان المشيخة بالعمر فالشيخ متصل بالحق ، والحق لا يعرف الزمان ، وهو كالخمر المعتقة قوى التأثير ، وخمره من لدن الحكيم الخبير ، ومن ثم فلا مناص من الشيخ ، ذلك أن الطريق صعب ووعر وملىء بالمخاطر والآفات ، وسيرك فيه وحيداً هو الخطر بعينه وفي هذا يقول شمس الدين ( مقالات 144 - 145 ) : " ومع كل هذا ، فما دام المريد لم يصبح كاملا بعد ، وحتى يكون بعيدا عن الهوى ، عليه ألا يبتعد عن نظر الشيخ ،

 
« 541 »
 
ذلك أن نفسه البارد يجعله باردا في التو واللحظة ، يكون سما كاملا ينفث حية ، يسود كل ما يصل إليه ، لكنه عندما يصبح كاملا فلا ضرر عليه من غيبة الشيخ " ! ! والحمار هو النفس العاصية الميالة إلى الشهوات ( المرج ) ، وقده نحو الشيخ ليصفيه وينقيه ويجعله جديرا بالطريق ، فهذه النفس حمار ، إفعل عكس كل ما تأمرك به وتقودك إليه " كيف يقود الحمار راكب الحمار " ويستعين هنا بحديث نبوي " شاوروهن وخالفوهن " ويرى أن الضمير هنا عائدٌ على الهوى والشهوات ووساوس النفس . . . 
وكلها تتحطم وتصير بددا مع رفاق الطريق تحت قيادة المرشد بالطبع . 
وهنا نقاش بين الصوفية ومخالفيهم حول ضرورة الشيخ ، وقد ذكر عبد الرحمن بن خلدون هذا النقاش في كتابه " شفاء السائل " بالتفصيل ونقل دلائل كل جماعه . 
ويرى ابن خلدون أن مجاهدات الصوفية على ثلاثة أنواع : 
مجاهدة النفوس وهي العمل بأحكام الشريعة ولا تحتاج إلى شيخ ، 
ومجاهدة الإستقامة أي إصلاح النفس وحفظها على التوسط دون إفراط أو تفريط ، والتحقق بالأخلاق الحسنة على ما جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ولا ضرورة فيها لشيخ أو مرشد ، 
ومجاهدة الكشف والمقصود بها كشف الحجب عن أسرار الخليقة وأسرار الشرع ومعرفة الله وهي نتيجة من نتائج مجاهدة التقوى والاستقامة ويجدها الصوفية في الخلوة ، 
وطريقها سكتت عنه الشريعة ، والصوفية هم الذين وضعوها ووضعوا مصطلحاتها ، 
وهي لا يمكن ان تتيسر دون مرشد أو شيخ ، ويرى فروزانفر أنه إذا كان علماء الظاهر يحتجون بأن علوم الصوفي والكشف لم تكن موجودة أيام الرسول صلى الله عليه وسلّم فالرد : وهل كانت كل العلوم التي يتشدق بها علماء الظاهر موجودة ؟!! ( شرح مثنوى شريف 1217 - 1220 ) .
 
( 2972 - 2982 ) : في العنوان يقتبس مولانا من الحديث النبوي الشريف : يا علي : إذا تقرب الناس إلى خالقهم في أبواب البر فتقرب إليه بأنواع العقل تسبقهم بالدرجات والزلفى عند الناس وعند الله في الآخرة " ( أحاديث مثنوى / 31 ) . ونقلها علي بن فضل الجيلاني بتصرف يسير عن
 
 
« 542 »
 
ابن سينا ، كما نقل مضمونها المحقق الكبير ميرداماد ( جعفري 2 / 4000 ) ويواصل مولانا الطرق إلى الله والوسائل إليه ، فالعقل هو " ما عبد به الرحمن وعرف به الديان ، ( عن تفصيلات عن العقل ودوره في الطريق ، أنظر الكتاب الرابع ، الأبيات 2178 - 2190 وشروحها ) لكن العقل أيضا لا يصل إلى مرتبة الشيخ ففي ظل الشيخ يكون الرجاء ، وطرق الطاعات كثيرة وأفضلها الاقتداء بالشيخ . . هذا إن قبلك الشيخ ، فإن قبلك استسلم له تماما ، وسلم له قيادك ، فإن مقامه في الأرض كمقام جبل قاف " الأرض - في المأثور الفارسي - يمسكها جبلان من الشرق ومن الغرب كلاهما كوتد الأرض " وروحه كأنها طائر العنقاء الخرافى يحلق في أعالي الأعالي ( العنقاء تسكن جبل قاف ، أو خلف جبل قاف فكأنها خارج العالم المادي ) ، والشمس التي تخفت في صورة إنسان كناية عن المرشد وكناية عن مرشده شمس الدين التبريزي وهو على كل حال لا يوصف .
 
( 2983 - 2993 ) : المرشد والرجل الصالح قد يعرف ما لا يعرفه الأنبياء . والدليل : موسى عليه السلام والعبد الصالح المذكور في سورة الكهف والذي يقول المفسرون أنه الخضر عليه السلام ، وموسى عليه السّلام لم يدرك الحكمة في ما فعله الخضر ، فقال له الخضر «هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ» ( الكهف 87 ) فخرق السفينة وقتل الغلام أمور جلت عن فهم موسى عليه السّلام لكن الخضر بعلمه من لدن الله يعلم ما ذا يفعل ، ان ما فعله فعله بيد الحق " كنت يده التي يبطش بها وقدمه التي يسعى بها ، وإن سألني أعطيته وإن استعان بي أعنته " والله سبحانه وتعالى نص على ذلك في بيعة الرضوان تحت الشجرة فقال «يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ» . وروح الولي خالدة لا يعتريها الفناء ، وعطية تصل إلى الغائبين عن محضره فما بالك بالحاضرين ( لا تزال عطية مولانا جلال الدين تصل إلينا ) فحتى الذي يقطع الطريق وحيداً إنما يقطعه بنفس الشيخ ومعونة الشيخ ، وكل هذا يحتاج منك إلى الجهد وإلى الجلد وإلى تحمل مشاق الطريق وصعابه وإلى قلب من حديد يتحمل طعنات الخلق . . . فإن هذه الطعنات هي التي تخلقك كما يخلق الصقل المرأة .
 
« 543 »
 
( 2994 ) : أول لطيفة من اللطائف التي يرويها مولانا جلال الدين في المثنوي ، حيث يجعل من الحكايات الهازلة ( وأحيانا الخارجة ) منطلقا إلى بيان معاني عالية وإرشادات سامية ، وأغلب هذه اللطائف من المأثور الشعبي الدارج ، ويصرح مولانا في أكثر من موضع أن أمثال هذه الحكايات جد في الباطن وإن كانت تبدو هزلا في ظاهرها ، ويقول بأن صورة الحكاية لمن يريدها ، ولبابها لمن يريده والحكاية التي بين أيدينا لا يوجد لها أصل قبل مولانا جلال الدين ، ولعلها من الحكايات الشعبية التي كانت رائجة في زمانه ، واختياره لأهل قزوين بالذات بالنسبة لعادة الوشم أمر غير مفهوم ، ولم تقتصر عليهم عادة الوشم بل كانت عادة منتشرة في مناطق عديدة من العالم ، إلا أن السخرية من أهل قزوين خاصة باب شائع في المأثور الفارسي ، وتفسير أحيانا بأنهم تعرضوا للسخرية من بقية أهالي إيران أيام كانت إيران سنية لتمسكهم بالمذهب الشيعي ، وهذا تخريج غير مقبول ، ومن الشائع أن أهل كل منطقة في إيران يسخرون ويطلقون النكات والفكاهات على أهل المناطق الأخرى من باب المزاح والمفاكهة ، وهي عادة شرقية شائعة كما توجد في بعض المجتمعات الغربية . والقزويني هنا - كما سنرى رمز لمن لا يقوى على متطلبات الطريق وصعابه فيترك بعضها الصعب ويتمسك بالسهل فيفقد الطريق كله . وتثير هذه الحكاية لدي شخصيا أنواعا من المقارنة عند بعض من يتناولون الإسلام في زماننا الحديث ، فينكرون الحدود والتعذير والحكم ، ويحللون الحرام ويحرمون الحلال ، لكي نجد في النهاية صورة أسد لم يخلق قط بلا ذيل ولا رأس ولا بطن ! ! ( 2997 ) : في النص " دلاك " وهو المدلك في الحمام ، ولعل دق الوشم كان من أعماله ، ولقد آثرت ترجمتها بالوشام .
 
( 3015 - 3021 ) : المستفاد من الحكاية : يخاطب المريد : لتصبرن يا أخي على مشاق الطريق ، حتى تنجو من النفس الكافرة المجوسية ومما تسببه من أذى لك ، وكل من تخلص من مظاهر
 
 
« 544 »
 
الوجود المادية صار مسجودا للشمس والقمر أي لم تؤثر فيه عوامل الطبيعة وتقلبات الزمن ، يصير الوجود كله منقادا له وتسير الدنيا وفق هواه ( لتفصيلات عن هذه الفكرة أنظر الكتاب الثالث الأبيات : 1886 - 1918 وشروحها ) وإذا كنت تريد مثلا فاقرأ (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ ، وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ) ( الكهف / 17 ) أليس هذا دليلا على أن الله سبحانه وتعالى يجعل مظاهر الطبيعة وفق هوى أوليائه وبحسب مصلحتهم ؟
 
( 3021 - 3025 ) : إما أن تكون أنت موجودا ، وإما أن يكون هو موجودا ، فوجودك حجاب على وجوده ، فإن أثبت لك وجودا فكأنه غير موجود ، ولكي يكون شوكك كله وردا عليك أن تضرم النار في مزرعة وجودك ، والتوحيد هو إسقاط الغير . . ولا غير . وجودك كله ليل ، فكيف تدرك الشمس النهار الساطعة ما لم يُمحَ هذا الوجود الذي كالليل . . وفي وجودك معدن رخيص ، نحاس لا قيمة له ، فأذبه في كيمياء التبديل التي يقدمها لك الشيخ ، ما بالك تقول أنا أنا ، طالما كانت " آنيتك " حاضرة ، فلا إدراك للك للذات العليا :بيني وبينك إني ينازعني * فارفع بنفسك إنيي من البين" وجودك - يا حافظ - هو حجابك " ( أنظر شروح البيتين " 2210 - 2211 من الكتاب الذي بين أيدينا . )
.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: