السبت، 29 أغسطس 2020

02 - ديباجة مولانا الدفتر الخامس .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

02 - ديباجة مولانا الدفتر الخامس .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

ديباجة مولانا الدفتر الخامس .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

[ الدفتر الخامس ]
( النص )
“ 44 “
[ ديباجة الدفتر الخامس ]
( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ )
*وبه نستعين ، وعليه نتوكل ، وعنده مفاتيح القلوب ، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وصحبه أجمعين .
هذا هو المجلد الخامس من دفاتر المثنوي والتبيان المعنوي في بيان أن الشريعة كالشمع تبدي الطريق ، ودون أن تحصل على الشمع لا تصبح سالكا للطريق ، وعندما تسير في الطريق ، فسيرك هذا هو الطريقة ، وعندما تصل إلى المقصود ، تكون الحقيقة . 


ومن هنا قيل : لو ظهرت الحقائق بطلت الشرائع ، فلو كان النحاس قد تحول إلى ذهب ، أو كان المعدن ذهبا في الأصل ، لما كانت به حاجة إلى علم الكيمياء الذي هو بمثابة الشريعة ، أو أن يعرض على هذا العلم ، وعرضه هذا هو الطريقة ، كما قيل : [ طلب الدليل بعد الوصول إلى المدلول قبيح ، وترك الدليل قبل الوصول إلى المدلول مذموم ] . . .


الخلاصة أن الشريعة بمثابة تعلم علم الكيمياء من أستاذ أو من كتاب ، والطريقة هي استخدام الأدواء وتعريض النحاس للكيمياء ، أما الحقيقة فهي تحول النحاس إلى ذهب .


وعلماء الكيمياء فرحون قائلون : نحن نعلمها ، والعاملون في علم الكيمياء فرحون قائلون : ونحن نمارسها ، ومن وجدوا الحقيقة سعداء بالحقيقة قائلون : لقد صرنا ذهبا وتحررنا من علم الكيمياء أو العمل به ، فنحن عتقاء اللهكُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ *. . . 
أو أن مثل الشريعة كمثل تعلم الطب ، ومثل الطريقة كمثل التطبب والتوقي على مقتضى الطب ، والحقيقة هي إدراك الصحة الأبدية والفراغ من التعلم والممارسة ، وعندما يمضي المرء عن هذه الحياة ، تنقطع عنه الشريعة والطريقة وتبقى الحقيقة ، فإذا كانت لديه الحقيقة فهو لا يفتأ يصيحيا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي، وإن


“ 45 “
 
 لم يدركها صاح يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ ، وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ ، يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ ، ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ فالشريعة علم ، والطريقة عمل ، والحقيقة هي الوصول إلى الله ، فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ ، فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً ، وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً .
وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وعترته وسلم تسليما .
 
“ 46 “ 
  
01 - إن الملك حسام الدين وهو نور الأنجم ، طالبٌ لبدء السفر الخامس .
- يا ضياء الحق ، ويا حسام الدين العظيم ، يا أستاذا لأساتذة الصفاء .
- لو لم يكن الخلق محجوبين مدنسين ، ولو لم تكن الحلوق ضيقة ضعيفة ؛
- لأعطيت الكلام حقه في مدحك ، ولتفوهت بغير هذا المنطق .
 
05 - لكن طعام البازي لا يكون لتلك الصعوة ، وما من حلٍ الآن سوى أن يمزج الماء بالزيت .
- وإن شرح أحوالك مع أهل الدنيا يكون من قبيل الغبن ، فلأكتمه في داخلي كأنه سر العشق .
- فالقيام بمدحك مع السجناء إهدارٌ له ، فعليّ أن أنطلق في هذا المديح في محفل أهل الروح .
- وما المدح إلا تعريف وكشف للحجاب ، والشمس في غنى عن التوضيح والتعريف .
- ومادح الشمس هو في الحقيقة مادح لنفسه . . . كأنه يقول : إن عينيّ مبصرتان وليستا بالرمداوين .
 
10 - وتوجيه الذم إلى شمس الكون هو ذم للنفس ، كأنك تقول : عيناي عمياوان مظلمتان كليلتان .
- ولتلتمس العذر لإنسان يكون في هذا الكون حاسدا للشمس المضيئة .
- فهل استطاعت عين قط أن تخفيها بأن تغمض " أمامها " ، أو هل قدرت على منعها من منح النضرة للأشياء المهترئة .
- أو أن تقلل من نورها الذي لا حدود له ، أو أن تنهض منكرة سطوتها وجاهها ؟
 
“ 47 “
 
- إن من يكون حاسدا للكون ، يكون هذا الحسد له بمثابة الموت الأبدي .
 
15 - لقد جاوز قدرك إدراك العقول ، وكل ما يبديه العقل في تفسير أحوالك ، مجرد فضول .
- فإذا كان العقل عاجزا عن البيان ، وجبت الحركة بعجز في هذا المجال .
- " إن شيئا كله لا يدرك ، إعلموا أن كله لا يترك " . “ 1 “
- فإذا كان لا يمكن شرب طوفان السحاب ، فكيف يمكن ترك شرب الماء ؟ “ 2 “
- وإذا كنت لا تستطيع أن تعبر عن السر في بيان ، فهيا جدد المدارك من مجرد قشوره .
 
20 - إن أنواع المنطق بالنسبة لك كلها قشور ، لكنها بالنسبة للآخرين لباب طيب 
- والسماء بالنسبة للعرش شديدة الدنو ، لكنها بالنسبة لأكداس للتراب شديدة العلو
- وأنا أتحدث واصفا إياك ليسلكوا الطريق ، قبل أن تأخذنهم الحسرة من فواته .
- فأنت نور الحق ، وأنت حقيقة جاذب الروح ، والخلق " تائهون " في ظلمات الوهم والظن .
- ولكي يصير هذا النور الطيب مكحلة للعميان ، عليهم في البداية أن يقوموا بتعظيمه .
25 - وإنما يجد النور ذلك المستعد حاد السمع ، ذلك الذي لا يكون عاشقا للظلام وكأنه الفأر .
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن الفارسي .
( 2 ) ج 11 / 120 - محمد تقي جعفري - تفسير ونقد وتحليل مثنوي جلال الدين محمد مولوى - مجلد 11 - ط 11 - تهران 1363 هـ ش . : 
وإذا لم يكن في الإمكان شرب ماء البحر ، يمكن لك أن تشرب منه بقدر ما يسد ظمأك .
 
“ 48 “
 
- وضعاف البصر الذين يتجولون ليلا ، متى يمكن لهم الطواف حول مشعلة الإيمان .
- والنكات المشكلة دقت على فهم رهين الطبع ، ذلك الذي عمي " بصره " عن الدين .
- والعين لا تستطيع أن تحملق في ضوء الشمس، ما لم يزين الفضل سداها ولحمتها.
- وذلك الذي حفر الأرض جحورا كأنه الفأر ، لا يستطيع أن يتسامق بفروعه كأنه النخل .
 
30 - وهناك أربعة أوصاف ضاغطة على قلوب البشر ، والعقل قد صار مصلوبا على هذه الأربعة .
 
.
* * *
شرح [ الدفتر الخامس ]
( النص )
[ ديباجة الدفتر الخامس ]
( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ )
[ شرح الأبيات ]
( 1 - 3 ) : بالنسبة لحسن حسام الدين وحياته وموقعه من مولانا جلال الدين الرومي ودوره في تأليف المثنوى ينظر : مقدمة الترجمة العربية للكتاب الأول لكاتب هذه السطور ، ويرجع أيضاً إلى الكتاب الأول الأبيات : 2947 - 2950 والكتاب الثاني الأبيات 3 و 1127 و 2290 والكتاب الثالث أيضاً البيت 2110 والرابع الأبيات 1 و 754 و 2075 و 3423 و 3824 والكتاب السادس الأبيات 183 و 1202 و 1991 و 2010 .

( 5 - 7 ) : مزج الماء بالزيت كناية عن إخفاء لباب الحقيقة في قشور الكلام ، والسجناء هم سجناء الحس والطبع والنفس البهيمية .


( 17 ) : ما لا يدرك كله لا يترك كله ، قول سائر ، منسوب في تمهيدات عين القضاة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
( 24 ) : استفادة المريد من الشيخ شرطها الأدب والتعظيم الشيخ . قال أبو عثمان : " إذا صحت المحبة تأكد على المحب ملازمة الأدب " . وقال أبو علي الدقاق ، إنما قال أيوب عليه السّلام :
( أنى مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) ولم يقل ارحمني لحفظ الأدب في الخطاب . وقال عيسى عليه السّلام : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك ) ولم يقل لا تعذبهم وقال أيضاً : ( إن كنت قلته فقد 
“ 433 “
  
علمته )
ولم يقل : لم أقل لحفظ الأدب ، ومولانا يدق كثيرا على نقطة أن المستمع الواعي المنتبه المتيقظ القائم بشرط التعظيم هو الذي يمكن له أن يستفيد من المرشد وأن يجعل النقاط العظيمة تنهمر من فم المرشد بعكس المستمع البليد الذي يجعل حافظة الشيخ تنام . انظر مثنوى 3 / 3604 وما بعده .


( 30 ) : إشارة إلى الآية الكريمة :وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ، قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ، قالَ : بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ، قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( البقرة / 260 ) .
 
وتناول مولانا جلال الدين لتفسير الآية وجعله الطيور رموز الصفات أقرب إلى ما ورد في تفسير نجم الدين كبرى : " إنك محجوب بها عنى فأنت بحجاب صفاتك عن صفاتى محجوب ، وبحجاب ذاتك عن ذاتي ممنوع ، فإن مت عن صفاتك تحيا بصفاتى ، وإذا فنيت عن ذاتك بقيت ببقائى ، فخذ أربعة من الطير وهي الصفات الأربعة التي تولدت منها العناصر الأربعة التي خمرت طينة الإنسان منها وهي التراب والماء والنار والهواء ، فتولدت مع ازدواج كل عنصر مع قرينة صفتان ، فمن التراب وقرينه هو الماء تولد الحرص والبخل وهما قرينان حيث وجد أحدهما وجد قرينه ، ومن النار وقرينها وهو الهواء تولد الغضب والشهوة وهما قرينا يوجدان معا ، ولكل واحد من هذه الصفات زوج خلق منها ليسكن إليها كحواء وآدم ، ويتولد منها صفات أخرى ، فالحرص زوجه الحسد والغضب زوجه الكبر ، وليس للشهوة اختصاص بزوج معين بل هي كالمعشوقة بين الصفات يتعلق بها كل سفيه ، فمن كان الغالب على صفته فيها يدخل النار بذاك الباب ، فأمر الله خليله بذبح هذه الصفات وهي الطيور الأربعة فلما ذبح الخليل بسكين الصدوق وحده هذه الطيور ، وانقطعت منه متوالداتها ما بقي له باب يدخل به النار ( مولوى 5 / 11 ) .


وفي رواية أبى الفتوح الرازي أن المفسرين اختلفوا في أمر هذه الطيور ، فقال عبد الله بن عباس : هي الطاووس والنسر والغراب والديك ، وقال مجاهد
  
“ 434 “
 
وعطاء وابن يسار وابن جريج هي الغراب والديك والطاووس والحمامة ، وقال أبو هريرة :
هي الطاووس والديك والحمامة وطائر يقال له الفرنوق ( الغرنوق ؟ ! ) .
وقال عطاء الخراساني :
أوحى له تعالى أن يأخذ أربعة طيور : بطة خضراء وغرابا أسود وحمامة بيضاء وديكا أحمر ، وقال أهل الإشارة أن هذه الطيور حددت لأن الطاووس طائر جميل والغراب طائر حريص والديك شهوانى والنسر طويل العمر والحمامة أليفة ( هي الآن خمسة ! ! )


قالوا اخذ هذه الطيور الأربعة بمعانيها واقتلها وبقتلها يقتل هذه المعاني الأربعة في نفسك : اقتل النسر واقطع الطمع في طول العمر واقتل الطاووس واقطع الطمع في زينة الدنيا ، واقتل الغراب واقطع حلق الحرص ، واقتل الديك تقتل من طائر الشهوة الجناح والقوادم واقتل الحمامة واقطع الألفة من الدنيا كلها .
 
( عن مآخذ قصص وتمثيلات مثنوى ، بديع الزمان فروزانفر ، ص 159 ) ،
كما وردت الفكرة في حديقة الحقيقة لسنائى ، إن الطباع الأربعة في البدن طيور أربعة فاقطع رؤوسها كلها من أجل الدين ثم أصمها هي الأربعة بإيمان العشق ودليل العقل ، مثلما فعل الخليل ( حديقة / الأبيات : 11370 - 11375 ) .


كما وردت الفكرة في مرصاد العباد لنجم الدين بن الدايه ( الباب الرابع ) عن طيور إبراهيم الأربعة وبتفسير مشابه عن مراتب النفس ( استعلامى 5 / 211 - تهران 1370 هـ . ش ).
.
* * *

* * *

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: