الخميس، 27 أغسطس 2020

22 - الهوامش والشروح 3132 - 3567 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

22 - الهوامش والشروح 3132 - 3567 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

الهوامش والشروح 3132 - 3567 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

شرح قصة نجدة الرسول عليه السلام لقافلة من العرب هدها الظمأ وقلة الماء
واستسلمت للموت وقد تدلت ألسنة الخلق والإبِل من أفواههم

( 3132 ) وردت هذه الحكاية التي تبدأ بهذا البيت قبل المثنوى في دلائل النبوة وصحيح البخاري وصحيح مسلم ( ماخذ 118 - 119 ) .
 
( 3152 - 3154 ) كانت قربة الماء مجرد دريئة - مجرد حجة ظاهرية ، أما الذي روى الظامئين وملأ القرب فهو الفضل الإلهى ، “ وأمره “ أي الإلهى والبحر الأصلي هو عالم الغيب ثم يقول : إن الحرارة تجعل من الماء بخارا وتجعل البرودة من البخار ماء ، لكن الحديث ليس عن العلل والمعلولات فإنه خارج علم هذا العالم فإن قدرة التكوين من العدم الموجودة عن الحق هي التي أوجدت الماء .
 
( 3155 - 3164 ) إن الأسباب هي العلل الظاهرية للأمور والأحداث ، والتعلق بها من الطفولية وعدم النضج فالنضج يتأتى من الطريق ، فالأسباب تشغل عن المسبب ، وتعلق المرء بالدريئات ، أي بالأمور الظاهرية التي يأتي بها
  
“ 550 “ 
 
الله لإخفاء أمور باطنية ، وأنت بسبب هذه الأسباب تجأر بالصياح إلى الله سبحانه وتعالى ، ويسأل الله تعالى : ماذا حدث حتى تذكرت قدرة الله ؟ ! ما دمت تذكرتنى من صنعي ولم تتذكرنى لذاتي إمض إذن إلى هذه الأسباب .
فيقول العبد : إنني لن أخدع ثانية بالأسباب ، فيجيب الله : إنك مثل الكافرين “ ولو رُدوا لعادوا لما نُهُوا عنه وإنَّهم لَكَاذِبُون “ لكني مع ذلك أرحم - وأعطيك كلما دعوت وفي البيت 3163 عودة إلى الحكاية : وفي البيت 3164 : أغرقت العرب والكرد : أي أغرقت من عرفوك ومن لم يعرفوك “ .
 
( 3191 - 3205 ) يعرج مولانا من حديث العبد الأسود مع صاحبه إلى الحديث عن مسألة عرفانية ، فاللون هنا يرمز إلى قيود الحياة الدنيوية وأماراتها وهو من الأمور العارضة في عالم اليقين ، وفارغة من اللون : أي الروح التي لا تجعلها المطالب المادية والحياة الصورية غافلة عن الله ، والأركان هي العناصر الأربعة في عالم المادة ، والعارفون بالجسد هم الذين لا يعرفون عن الأشياء إلا تعينها المادي ، وبدلا من أن ينظروا إلى الماء ينظرون إلى القربة ، وأولئك الذين يشربون الماء هم أولئك الذين يدركون حقيقة الوجود ، والعالمون بالروح هم أولئك الذين على علمهم بشاربى الماء ، والعدد من سمات عالم الصورة والتعين الذي يستمد أيضا “ عالم الكثرة “ وفارغون من الأعداد كفار غين من الألوان تماما ، فمن عنده علم بحقيقة الوجود هو وجود واحد بلا كيفية ولا عديدة وهو غريق البحر 
وفي البيت 3194 صِرْ روحا أي خلص نفسك من العلائق المادية واعلم الروح أي اعلم حقيقة الوجود أو ذات الحق ، وهذا ممكن عن طريق الله تعالى . هذا عن طريق الرؤية وليس عن طريق القياس ، وفي البيت 3195
  
“ 551 “ 
 
يصعد مولانا إلى أفق أعلى من عالم المادة فمنشأ العقل ومنشأ الملائكة واحد ولكن مشيئة الحق شاءت أن يخرج من منشأ واحد تجليان مختلفان 3196 ، فالملك يطير من الناسوت والملوت أما العقل فقد أخذ المجد الباطني 3198 ادم هنا إشارة إلى سيدنا آدم عليه السلام وإشارة إلى كل إنسان 3199 ، وكما أن العقل والملك من منشأ واحد فالنفس ( عند الإنسان ) والشيطان من منشأ واحد أيضا ، 3200 ومن هنا لم ير الشيطان من آدم إلا الطين بينما رأى فيه الملائكة الآخرون نور الحق ، وفي الأبيات التالية يتحدث مولانا عن عجزه عن هذا الحديث لعمقه ولعدم وجود من يمكن أن يفهمه ، إذ لو استطاع أحد أن يفهمه لنطق له الحجر والمدر ولشرحا له أسرار الوجود .
 
( 3206 - 3221 ) يواصل مولانا نفس الفكرة : أن الجماد ليتحدث مع الخبير بأسرار الغيب ، إنه يعتبر الجدارة نوعا من الضراعة وإن الخليقة هي مجموعة من الاحتياجات والضراعات والضرورات والآية المذكورة 62 من سورة النمل ، ولب الكلام إنه عندما يبدي العبد الاضطرار والضراعة فإن الله سبحانه وتعالى ينجده ويغيثه فلولا موقف مريم عليها السلام لما نطق عيسى في المهد مبرئا إياها : والمعنى أنه نتيجة للحاجة والاضطرار فإن أجزاءنا تتحدث عنا ، وهذا الحديث حديث خفى لا هو باللسان ولا هو بالحنجرة ، 


وفي البيت رقم 3208 تشير الشطرة الأولى إلى شهادة الأيدي والأرجل علينا ( يس 62 ) “ انظر تعليقات 247 “ ، ومن ثم يسأل في الشطرة الثانية : إذن لماذا تستخدم يديك وقدميك في طريق الكفر والإنكار وليس الأمر هكذا فحسب بل إن وجود كل شئ هو نتيجة الحاجة إليه ، فإذا كنت تريد الماء أي جواب الحق فأظهر الظمأ أي الاضطرار
 
“ 552 “ 
 
والحاجة ، والمضي إلى الأعلى والأسافل هي مصاعب الحياة أو مشكلات المجاهدة عند السالكين ، ورهينا للحرارة : أي مأخوذا بعقبات هذا الطريق والمقصود زنبور الهواء الرعد ، وهو علامة المطر يقول مولانا : إن هذه الآلام تعرفك بأثار الحق وأمارات عناية الحق ، ونفس هذه الآلام تجعل الصعب عليك سهلا كما أن صوت الرعد يجعل تحمل الظمأ سهلا على أمل الماء ، وكما يحتاج الزرع إلى الماء ، ينبغي حقيقة أن تكون محتاجا حتى تدرك الحقائق ، وفي مزارع أرواحنا يختفى جوهر المعرفة بدلا من حبوب الزرع والمطر الذي ينبغي أن يمطر على هذه المزرعة هو سحاب الرحمة الملىء بماء الكوثر ( المعرفة )
 وفي البيت 3221 إشارة إلى الآية 21 من سورة الدهر ( الإنسان )وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً وفي تعليق للأفلاكى أن عطاء الشيخ بقدر ضرورات المريد وضراعاته واحتياجاته . . معانينا على قدر همم الطالبين . . الاضطرار يوجب الاستحقاق 1 / 200 “ .
 
( 3222 - 3239 ) الرواية الواردة في هذه الأبيات لم ترد بنصها في سيرة الرسول ، لكن الاسم الوارد فيها يذكر برواية وردت في مسند أحمد بن حنبل رضي الله عنه ، وفحواها أن خيثمة بن عبد الرحمن روى أن أباه عندما كان طفلا صحبه أبوه إلى رسول الله فسأله عن اسمه فقال : عزيز فقال رسول الله : بل سمه عبد الرحمن ( استعلامى 3 / 361 ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
 
جاءت امرأة بصبي ولم يتكلم قط فقال النبي : من أنا يا غلام قال : أنت رسول الله . فقال عليه السلام : صدقت بارك الله فيك ( منهج 3 / 427 ) . وواضح أن الحكاية كلها تأكيد لما ورد من أن الله يعطى العبد قدر حاجته حتى لو أنطق
 
“ 553 “
  
الطفل “ عيسى “ تبرئة لأمه ، وأنطق الطفل هنا لكي يبرئ نفسه من الكفر ، ولكي يعرف بالرسول ، لأن الأنبياء معروفون من الله سبحانه وتعالى ، وقد يدفع الحجر والمدر إلى الحديث تصديقا بهذا التعريف .
 
( انظر تعليق الأبيات 3195 - 3200 ) ( 3240 - 3256 ) وردت الرواية المذكورة هنا قبل المثنوى في دلائل النبوة ، وأحياء علوم الدين ، والدعوات الكبيرة ، وقد نقلها يوسف بن أحمد : روى عن ابن عباس رضي الله عنه : كان رسول الله أراد الحاجة يوما وذهب فقعد تحت شجرة فنزع خفيه ثم لبس أحدهما فجاء طائر فأخذ الخف الآخر وطار به إلى السماء وقلبه فسقط منه أسود سالخ فقال النبي ) : هذه كرامة أكرمني الله بها :
اللهم إني أعوذ بك من شر من يمشى على رجليه وأعوذ بك من شر من يمشى على بطنه ( مولوى 3 / 427 ) ، 
والعقاب يتحدث هنا في الحكاية اعتذار للرسول ) وإظهار استبعاد ألا يكون الرسول - عليه السلام - لم يدرك أن في نعله حية ، بل إن العقاب يذكر أنه ما رأى الحية في النعل إلا في الانعكاس النوراني لوجهه الكريم .
 
( 3257 - 3267 ) هذه الأبيات تعليق على الحكاية السابقةفَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً( الشرح / 5 ) إذ لا ينبغي أن يشكو المرء من البلايا والمصائب فالمؤمن حقا هو الضاحك عند البلاء ذلك أن يعلم أن هذا البلاء ربما حول عنه بلايا عديدة ، إنه يعلم أنه ما يسميه الآخرون “ عقابا “ من الله تعالى إنما هو “ عقاب “ اختطف الحية
  
“ 554 “ 
 
من النعل . والعبارة المذكورة لأحد الصوفية ولم أجد لها أصلا وإن كان يوسف ابن أحمد قد ربط بينها وبين عبارتين إحداهما للجنيد ( التصوف الكون مع الله بلا علامة ) والأخرى للشبلى “ : “ التصوف الجلوس مع الله بلا هم “ ( مولوى 3 / 430 ) ، ثم مضمون الآية الكريمةلِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ( الحديد / 23 ) .
 
( 3268 ) الحكاية التي تبدأ بهذا البيت جديرة بالسياق الذي مر : أي الفرج عند البلاء والنزول على حكم القضاء ، فإن القضاء وإن بدا سيئا هو الذي يحول بلايا كثيرة عن المرء هي أفدح وأعظم ، وبينما يجاهد العبد في أن يحول عن نفسه القضاء “ بدعاء نبي “ أو “ بتدبيره “ فإنما يساعد في أن يغرس في صدره سهم البلاء ، إنه يدعو البلاء إلى نفسه بينما هو فرح مختال فخور بأنه حول القضاء ، أو مغتم لنزول القضاء بساحته ، وهذا من نقص معرفته وظلمه وجهله إذ يرى الخسارة الحاضرة ولا يرى النفع الآجل ، ويحاول أن يشارك الله في علمه . 
وبالرغم من أن الحكاية لم ترد في مصدر قبل المثنوى بكل تفصيلاتها ، لكنها تشترك في معناها مع حكاية وردت في الكتاب الثاني عن شخص أصر على عيسى - عليه السلام - أن يعلمه اسم الله الأعظم لذي به يحيى الموتى ، فلما تعلمه مر على عظام رميمة فقرأ عليها الاسم ، فانقلبت إلى أسد هصور افترسه ، كما أنها شبيهة من حيث المعنى بقصة ذلك الذي نظر إليه عزرائيل في السوق نظرة لم تعجبه ، فتوسل إلى سليمان عليه السلام ، أن يأمر الريح بحمله إلى الهند فأمرها فحملته ، وفي اليوم التالي سأل سليمان - عليه السلام - عزرائيل لم نظر إلى الرجل هذه النظرة ؟ فقال : لقد كنت مأمورا
 
“ 555 “
  
بقبض روحه في نفس ذلك اليوم في الهند ولما رأيته حيث هو تعجبت وقلت بيني وبين نفسي : ترى بأية وسيلة سوف يكون في نفس اليوم في الهند ، لقد أسلم نفسه للقضاء بفراره من القضاء تماما كبطل حكايتنا هذه ( انظر الكتاب الأول الأبيات 956 - 970 ) .
 
( 3274 ) الإنسان حريص على ما منع وهو مثل معروف وروى أيضاً كحديث نبوي ( استعلامى 3 / 363 ) .
 
( 3282 - 3287 ) إن أحد فوائد انعدام القدرة ألا يستطيع الإنسان فعل الشر ، ومن هنا يفتخر الأنبياء بالفقر وبه فخر خير المرسلين “ الفقر فخرى “ ومن عيوب القدرة أنها تقضى على خير الإنسان وحلمه ، وإن الشهوات التي لا لزوم لها هي التي توقع الإنسان في هوى النفس ويظل دائما وراء أهوائه وشهواته ما دام قادرا عليها وعابدا للدنيا ، أي أن أكل الطين لا يستطيع أن يعتاد على شرب المسكر أو أكل الحلوى ( أي لا يجد وقتا أو لزوما لتعلم الحقائق الإلهية ) .
 
( 3288 - 3301 ) يأمر الله سبحانه وتعالى موسى بأن يعلمه قليلا من لسان الطير ، وأن يعطيه فرصة الاختيار ( بين لسان الطير ) ويجدها مولانا فرصة للحديث عن الاختيار ، فالاختيار هو ملح العبادة . إن العمل في حد ذاته ليس هو معيار الأجر ، لأن العمل قائم على المشيئة الإلهية لكن عند الحساب فإن الخير والشر منوطان باختيارنا ونيتنا ، هل رجحنا الخير على الشر ؟ أم الشر على الخير ؟ فإذا كنا قد اخترنا الخير فهو من “ فضلنا “ فالعالم كله يسبح طوعا
  
“ 556 “
  
أو كرها ، فإذا أعطى الاختيار فيمكن له أن يقول إن كان في طريق الحق أم لا ، والاختيار هو سر التكريم فيوَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ( الإسراء / 70 ) فالملاك خير بطبعه والشيطان شرير بطبعه ، والذي يستطيع أن يكون ملاكا أو شيطانا باختياره هو الإنسان . لكن المؤمن مثل نحل العسل يمتص عصارة النباتات كلها لكن لا يخرج منه إلا العسل والشهد ، فالمؤمنون يشربون من عين الحياة التي لا يموت من شربها ، وما يشربه أهل النفس هو “ سم الموت “ فهو موت في عالم المعنى - ولنترك عالم المعنى إلى عالم الصورة : إن مدحنا للمحسن وذمنا للمسىء هو دليل على أن لدينا اختيارا وأننا مسؤولون عن أعمالنا ، وفي السجن إن لم يسئ المسىء فلا فضل له ، بل تظهر شخصية الإنسان على حقيقتها عندما تكون له حرية الاختيار ، فاشتغل وقت القدرة في عبادة الله - ومن هنا فالإنسان بعناية الله وكرمه مختار إذا أدرك كيف يستغل هذا الاختيار .
 
( 3315 ) موت الحمار عرس الكلاب مثل في الفارسية والعربية والتركية ( جلبنارلى 3 / 350 ) .
 
( 3334 ) يقول الديك : لو وُضِعْنا تحت طست نستطيع في الظلمة أن نعرف مشرق الشمس ، لأن هذه الشمس تشرق من باطننا ، وهنا يشير مولانا أنه يتحدث عن أمور أخرى فوق إدراك الديك وبعض البشر ، فيتحدث في البيت التالي .
 
( 3335 ) عن شمس الحقيقة التي يعرف الأولياء طلوعها .
 
( 3336 - 3339 ) إن الله قد خلقنا معشر الديكة من أجل إخبار الناس
  
“ 557 “ 
 
بوقت الصلاة ، وهناك حديث في هذا المعنى : لا تسبوا إليك فإنه يوقظ للصلاة ، وفي الروايات الدينية أن الديك يسمع أصوات الملائكة فيصاحبها في التسبيح ومن هنا يقال للديك أبو يقظان ، فإن أذن بلا وقت حل دمه ( في اللغة الفارسية خروس بي هنگام وخروس بي محل تطلق على الشخص الذي يبدي الفضول في أمور لا شأن له بها ) . والديكة قد يؤذن بلا وقت اللهم إلا ذلك الديك الذي هو روح أولياء الحق فهو على علاقة بالوحي ( استعلامى 3 / 366 ) .
 
( 3351 - 3363 ) يخرج مولانا من سياق الحكاية لكي يتحدث مع المريدين فالرياضة الصوفية التي وإن كانت مشقة على الجسد إلا أن الروح الباحثة عن الله تجد البقاء والخلود بها ، ومن هنا فإن السالك يتحمل الرياضة لأنه يرى فيها بقاءه بعد الفناء ، وكذلك التضحية بالمال والروح في سبيل الله ذات مقابل ، ومن يضحى يرى العوض كما أن ولى الحق يتخلق بخلق الله ، وتفرغ روحه من هذه الدنيا وتعلقاتها ،وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ )( محمد / 38 ) والفقير هو كل إنسان يعطى على أمل العوض ، والدنيا كلها قائمة على الأعواض : كما يسلم الطفل البصلة المتعفنة ( الآدمي والدنيا ) على أمل التفاح ( في الجنان ) ، إن الكل يفكرون في الأعواض والدنيا كلها بمثابة سوق ، في المثل العامي الفارسي “ فلا أحد يلقى سلاما على أحد دون أن يكون في هذا السلام رائحة طلب نفع أو فائدة ، هذا اللهم إلا “ سلام الحق “ أي عناية الحق لنا واهتمامه بنا ، فهو لا يطلب لها جزاء ولا شكورا ، وهذا السلام تستطيع أن تسمعه من إنسان تكون رائحة الحق قد عطرت مشامه وإنني “ مولانا “ لأسمع سلام الناس أي لأعاشر الناس على أمل أن أسمع من أحد سلام الحق ، ولا يتأتى
 
“ 558 “
 
هذا السلام إلا من إنسان يكون قد أفنى نفسه في الحق، وبعدها يبقى لأنه يتصل بوجود الحق .
 
( 3374 ) إن من لديه عقلا مدركا للمعارف يرى عن طريق القلب عاقبة كل أمر ، أما الذي يراها في نهايتها فهو قليل المعرفة ، ومضمون البيت الأخير من كلام - الإمام على - رضي الله عنه - ( انظر تعليقات 2198 - 2199 ) ( 3389 ) إشارة إلى ما روى عن الشبلي أنه رأى في النوم بعد مصرع الحلاج ما يشبه القيامة وسمع خطاب الحق ، “ فعلت به ذلك إذ أفشى أسرارنا أمام غيرنا “ ( استعلامى 3 / 368 ) .
 
( 3396 ) منزل سر “ لدينا محضرون “ أي الحضرة الإلهية ، والمعنى مقتبس من الآية الكريمة ( وإن كل لما جميع لدينا محضرون ) .
 
( 3397 - 3400 ) يتحدث مولانا عن عدم الأسى على ما فات ( انظر 3267 و 3342 ) ويستنتج منها نتيجة معنوية هي لزوم الرياضة ، ومهما كان فيها من مشاق وصعاب على السالك فينبغي أن يسلم ، فإنه لم يقم بالرياضة باختياره ، لكنها كتبت عليه بأمر الله .
 
( 3401 - 3420 ) الحكاية المذكورة هنا ذات أصول من أحاديث نبوية ورد في الجامع الصغير عن أبي موسى : إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته قبضتم ولد عبدي فيقولون نعم فيقول : قبضتم ثمرة فؤاده فيقولون : نعم ، فيقول : ما ذا قال عبدي ؟ فيقولون : حمدك واسترجع فيقول الله تعالى ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد ( منهج 3 / 444 ) . وفي البيت 3408
  
“ 559 “
 
إشارة إلى الحديث القدسي “ قال الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر “ والشطرة الثانية إشارة إلى الآية 35 من سورة النور مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وللشاعر العربي أبى تمام :لا تنكروا ضربي له من دونه * مثلا شرودا في الندى والباس
فا قد ضرب الأقل لنوره * مثلا من المشكاة والنبراس وهذا هو ما قصده مولانا : أي تشبيه هذا ؟ إننا نشبه الجنة “ التي ليس كمثلها شئ “ بهذا المثل كما شبه الله سبحانه وتعالى لنوره من المشكاة وأين المثل من الممثول ؟ لقد كان لطف الحق فوق تحمل هذه المرأة ، والنص المذكور في البيت 3411 هو بيت الحمد المذكور في الحديث النبوي الشريف ، إن المرأة عندما ترى في نومها هذا النعيم تخاطب الحق : افعل بي ما شئت وصب البلاء فوق رأسي واسفك منى الدم ، وفي البيت التالي إشارة إلى الآية الكريمةوَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ( الطور / 21 ) وفي البيت التالي مضمون الشطرة الأولىما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ( النحل 96 ) ، وعينا الغيب : بصيرة العارف بعالم الغيب ووعيه ، فالله تعالى لا يفعل إلا الخير بعبده ، فإن سال من أنفه دم كثير فقد كفاه مئونة الفصد ونجاه من الحمى ، فحتى البلايا تنجى
 
“ 560 “
 
الإنسان من الشر الكثير . وكل ما يملكه الإنسان إنما يملكه من سيره إلى الحق ومن تسامى روحه وتعاليها .
 
( 3421 - 3446 ) إن أولياء الله تعالى يرون الموت ( نقلا ) من دار إلى دار أرحب وأفضل ، ويرون الحياة قشرا والموت هو اللب والدليل هذه الحكاية عن سيدنا حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه - ، لقد كان في أخريات حياته يدخل الحرب دون ترس أو مجن ، وقد اعتبر بعضهم هذا الأمر من قبيل إلقاء النفس في التهلكة وذكروه بالآية الكريمةوَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ( البقرة / 195 ) وها هو ذا حمزة رضي الله عنه يرد على أولئك المتهمين الغافلين الذين لا يدركون أفكار حمزة - رضي الله عنه - عن الموت : إنني عندما كنت شابا أهتم بأن أظل حيا لأنى كنت أعتبر الموت وداعاً لهذه الحياة لكني الآن وببركة الإسلام ومن فيض محمد - لم أعد أخاف فخارج هذه الدنيا الفانية أنظر إلى “ معسكر “ الحق وأرى الجند الذين هم نور الحق ، فأين الخطر هنا وأين الموت ؟ إنني بعون الله وفي حماه أمن من التفكير في الموت ، إنما ينبغي أن يأخذ الآية الكريمة على ظاهرها ذلك الذي يرى في الموت “ هلاكا “ ( في الكتاب الأول البيت 3437 تفسير اخر على لسان الإمام على - رضي الله عنه - لنفس الآية الكريمة ) ، لكن الذي يرى الموت فتحا للباب ، فتحا لباب الحياة الأبدية الخالدة فهو يعمل بالآية الكريمة وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ( آل عمران / 133 ) إن كل من رأى الموت في جمال يوسف قد فداه بروحه ، لكن من راه ذئبا قد ارتد عن الهدى وظن أن الموت هو نهاية المطاف ، فالموت يبدو في “ لون “ كل إنسان هو يبدو حبيبا لأحباء
 
“ 561 “
 
الله وأوليائه ويبدو عدوا لأعداء الله ، إنه كالمراة لا تبدى إلا ما ينعكس فيها ( انظر الكتاب الأول بيت 3981 - 3982 ) . في ديوان شمس تبريز “ إعلم أنك تساوى ما ترتعد من أجله “ ومن هنا فقلب العاشق أعلى من العرش . ص 262 . وفي حديقة سنائى :
الموت لهذا هلاك ولذاك مئونة * والسم لذاك غذاء ولذا موت ( ترجمة حديقة سنائى البيت 460 ) .
إنه مرتبط أيضا بخلفية الروح عندنا ، فمن هو في شوك إنما هو في شوك من أحواله الباطنة ومن هو في خزى فقد نسج هو الخزي حول نفسه ، إنما مصيرك مراة لنفسك .
 
( 3447 - 3476 ) لكن جزاء أعمال الإنسان لا يتشابه مع هذه الأعمال مثلما تكون الصورة في المرأة ، فعملنا عرض من أعراض وجودنا لكن الجزاء ثابت لأنه من لدن الحق ، كما لا تتشابه الخدمة مع المكافأة ، فالخدمة التي يقدمها الفعلة كلها عنت وعرق ، لكن الأجر عليها طعام لذيذ . فإذا اتهمت بشئ ما فلابد أنك ظلمت أحدا ودعا عليك ، ليس المهم أن تكون اتهمته بما ليس فيه فاتهمت بما ليس فيك ، المهم أنك وضعت بذرة الظلم ، ومتى كانت البذرة متشابهة مع غرسها ؟ انظر إلى جزاء الأعمال متى كان يشبهها ؟ متى كان الجلد كالزنا ؟ إنك لم تضرب أحدا فلماذا تجلد وإنه ليس جزاء الزنا إنه بلاء لا يتشابه الذنب والعقاب ، فأي تشابه للعصا مع الحية ؟ وأي تشابه لقطرة المنى مع الوليد الذي يتحول إلى شخص سنى وإن الجزاء من جنس العمل لكنه لا يشبهه ؟ متى
  
“ 562 “
 
يشبه حمدك وثناؤك على الخالق الطير ؟ ( إشارة إلى حديث نبوي : من قال لا إله إلا الله خلق الله من كل كلمة منها طيرا منقاره من ذهب وريشه من مرجان ) إن التشابه هنا غير موجود في الظاهر فإن نطفه الطائر من الهواء ( في اعتقاد القدماء أن أنفاس الطيور تؤثر في سفادها ) فحمدك وتسبيحك هما أنفاسك تلد هذه الطيور الفردوسية . ومتى تشبه الزكاة الأشجار المورقة في الجنة ؟ وأي شبه لحبك وحنانك وحدبك على الناس بأنهار اللبن في الجنة ؟ فهي جزاء من الحب والحدب ؟ ومتى يشبه شوقك وهيامك بالله أنهار الخمر التي هي جزاء هذا الشوق والحب ؟ إنها أسباب : الصبر والحنان والود ولذة الطاعة والسكر والشوق كلها أسباب للأنهار الأربعة في الفردوس ، فإذا كنت متصفا بها في الدنيا دانت لك الأنهار الأربعة في الآخرة ، إنها أبناؤك كما يسير ابنك خلفك قائلا لك : أنا جزء منك ، وهكذا أيضاً أعمالك الشريرة فإنها ( تترجم ) في الحياة الأخرى إلى الجحيم وحيات وعقارب وأشجار زقوم ، إنها الترجمة الفعلية لطبعك النارى .
 
( 3478 - 3495 ) يوجه مولانا الحديث إلى المريدين الذين لا يقبلون الهداية ويجعلون الأولياء منتظرين ، إن هذا سوف يترجم يوم القيامة إلى انتظار للعقاب الإلهى تحت شمس القيامة المحرقة ، أن هذه هي نتيجة التسويف ، إن غضبك هنا ( من النار ) هو بذور السعير فأطفئه هنا في الدنيا قبل أن يستعر جحيما في الآخرة ، ولا يطفأ إلا بأنوار الأولياء طبقا لما روى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم - : “ تقول النار للمؤمن يوم القيامة ، جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبى “ ( مولوى 2 / 295 - 3 / 453 ) . “ وانظر الأبيات 1250 فما بعده من الكتاب الثاني “ ، ولا فائدة للتغلب على الغضب بدون عون من أولياء الحق فهذا يكون من قبيل
 
“ 563 “
 
التكلف ، فإن نارك تكون موجودة لكنها تحت الرماد . سر إذن نحو هذه الطيور المائية : أي الأولياء الغارقين في بحر الجلال حتى يهدوك إلى عين ماء الحياة الحقيقية ، وإياك أن تخطىء فإن الأولياء والبشر العاديين متشابهون في الظاهر والشكل لكنهم لا يمتزجون كالماء والزيت : كما أن الوسواس الشيطانية والوحي كلاهما في عداد المعقولات لكنهما ليسا سيين . ورد في الجامع الصغير عن ابن مسعود - رضي الله عنه - “ إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة ، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق ، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله ومن وجد الأخرى فليعذ بالله من الشيطان “ ( مولوى 3 / 455 ) ثم يقول مولانا : كلاهما يعمل من أجل ترويج بضاعته ، فينبغي على “ صراف القلب “ الذي يعلم الغث من الثمين أن يقيم بين البضاعتين ليختار الأمثل والأثمن ، وإن لم تعلم التفريق بينهما فتمهل ، وامنح نفسك فرصة التفكير وقل “ لا خلابة “ .
 
( 3496 - 3499 ) الحكاية القصيرة الواردة هنا لها أصل في أصول الحديث شكا أحد الصحابة إلى الرسول أنه يغبن في البيع والشراء ، فقال له رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلم - : إذا بايعت فقل لا خلابة ولي الخيار ثلاثة أيام . ماخذ 118 ، أي على شرط ألا يكون هناك غبن ولى حق الفسخ إلى ثلاثة أيام . والبيت 3499 إشارة إلى الحديث النبوي : التأنى من الرحمن والتعجل من الشيطان “ وبقية الأبيات حتى البيت 3518 عن أهمية أن يلزم المريد التأنى لكيلا يصير من المنبتين فشرط المداومة على الطلب في الطريق هو أن يطلبه المريد بتأن وصبر وعدم تسرع .
 
“ 564 “
 
( 3519 - 3528 ) لا يزال مولانا يتحدث مبينا أن موت الأولياء هو من قبيل الانتقال والرواية التي وردت هنا بشأن بلال رضي الله عنه وردت قبل مولانا في معظم مصادر الصوفية ومن بينها الرسالة القشيرية وحلية الأولياء ، ففي الرسالة القشيرية ، “ ولما حضر بلالا الوفاة قالت امرأته : واحرباه “ أي وامصيبتاه “ فقال بل وطرباه غدا نلقى الأحبة محمدا وحزبه “ ولكن الرواية في حلية الأولياء وردت بشأن الربيع بن خيثم ( ماخذ / 119 ) . إن كل من لم ينور قلبه بالإيمان ونور الحق كان يرى بلالا مجرد عبد أسود “ كما كان إبليس يرى آدم مجرد مخلوق من طين “ ، لكن إنسان العين أسود وهو مركز الرؤية والبصيرة ، وفي البيت 3525 فما بعده والإنسان الذي لا بصيرة له أي إنسان العين الذي لا يرى الظاهر فحسب هو أعمى ، أما الإنسان العين أو من في منزلة إنسان العين ، أو المبصر بنور الله هو مراة لنور الله سبحانه وتعالى ، وإنه لا يرى الباطن في الدنيا إلا ذوو العيون البصيرة أصحاب الكمال ، إنه لم ير بلالا حقيقة إلا “ إنسان عين المؤمنين “ محمد ، ومن سواه عندما ذكروا بلالا إنما ذكروا صفاته السامية على سبيل التقليد لا التحقيق .
 
( 3529 - 3536 ) ليس الموت فراقا بل هو وصال ، ليس غربة بل هو عودة إلى الوطن ، عودة من الدنيا القصيرة إلى خاصة أهل اللهفِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ( القمر / 55 ) هي في أعلى في السمو ، لا في الأدنى أو الأحقر ( الحياة الدنيا ) إنك تنظرين إلى خراب المنزل ، لكن انظرى إلى ما وراء السحاب تجدين القمر ، وانظرى إلى ما وراء الخراب تجدين العمران ، فالقوم “ الروح “ عظيمة ومتسعة ورحبة ، لا بد أن نخرب منزل الجسد لكي نجد عالمها الذي تحن
  
“ 565 “
 
إليه مثلما يحن الناى إلى منبته . ( انظر الكتاب الأول - الأبيات الأولى ) . وهذه الفكرة عبر عنها مولانا تعبيرا رائعا في ديوانه شمس الدين التبريزي :
موتنا هو عرس الأبد * وسر ذلك في قل هو الله أحد إن الشمس لتفرق بين النوافذ * وانغلقت النوافذ وذهب العدد وتلك الكثرة التي كانت في حبات العنب ليست في العصارة التي تنقطر من العنب .
وكل من هو حي بنور الله * يكون من الموت المدد لروحه ( غزلية 833 ص 338 ) ويوضح هذه الفكرة أكثر :
عندما يحملونى في نعشى يوم وفاتي * لا تظن أنني أهتم بهذه الدنيا فلا تبك من أجلى ولا تنح قائلا واسفاه واسفاه * إن سقوطك في حبال الشيطان هو مدعاة الأسف وعندما ترى جنازتى لا تقل الفراق الفراق * فذاك زمان الوصل واللقاء بالنسبة لي وعندما أودع في قبرى لا تقل وداعا وداعا * فإن القبر هو الحجاب على مجمع الجنان
 
“ 566 “
 
لقد رأيت الأفول فانظر إلى الشروق * فمتى كان أفول الشمس أو غياب القمر خسارة لهما إنه يبدو لك غروبا لكنه شروق * ويبدو اللحد كالسجن لكنه خلاص للروح فأي حبة غرست في الأرض ولم تنبت * فكيف يكون ظنك هذا بحبة الإنسان ؟
( غزلية 911 ص 367 ) .
 
( 3537 - 3553 ) فيما يبدو يجرى الكلام على لسان بلال لكنه حديث مولانا على لسانه يقول : لقد كنت محزونا في هذه الدنيا كادم عليه السلام .
كانت منفى لي كما كانت منفى له لكن روحي الآن تشرف على العالم بأكمله ، كنت في هذا الجب “ كيوسف “ ثم أصبحت الآن ملكا ، والملك في حاجة إلى قصر ، إن الدنيا لم تكن أنس الأنبياء لأن أنسهم لا يتم إلا بالله سبحانه وتعالى ، وإن لم تكن الدنيا ضيقة فلماذا هذا الكدح والعناء والمشقة فيها ولماذا ينحنى من يعمرون فيها وما هذا النواح للروح في قفص الجسد ؟ ولماذا تتحرر الروح عند النوم من علائق الجسد ؟ ولماذا يتحرر الظالم من ظلمه ، ولماذا لا يحس السجين عند نومه بوطأة السجن عليه ؟ كيف يصير هذا العلم الواسع الرحب ( عالم المعنى ) ضيقا بحيث تجوب الروح فيه ؟ وانظر البيت 3552 أليس يورد تشبيها شاع في العالم كله الآن على أنه مثل غربى : ما ذا يجدينى اتساع العالم
 
“ 567 “
 
إذا كان حذائى ضيقا ؟ وهو يشير في البيت 3553 إلى مفارقة ظاهر الجبار الظالم مع باطنه إنه في موكبه وفي زينته يبدو متهللا سعيدا لكنه في باطنه في عذاب من جراء ظلمه للخلق .
 
( 3555 - 3567 ) إن النوم هو ملك الأولياء ( نوم العالم عبادة ) لأنهم في النوم يتخذون طريقهم إلى عالم المعنى ، والنوم هنا مجاز وإلا فإنهم يرون في اليقظة ما يراه غيرهم في النوم ويدلفون إلى عالم المعنى بغير باب “ من النوم أو الموت “ وإنه إنما يخرب جسده “ بالرياضة “ عامدا لكي يترك المجال لروحه للطيران سواء في النوم أو اليقظة ، وعندما يتم للروح كمالها مثلما يتم للجنين كماله ، يترك تعلقه بالرحم الضيق “ الدنيا “ ( ما شبهت خروج المؤمن من الدنيا إلا مثل خروج الصبى من ذلك الغمر والظلمة إلى روح الدنيا ) “ حديث نبوي - استعلامى 3 / 374 ) ولولا هذا المخاض ( هذه الرياضة ) لبقيت رهين المحبس بين الظلمات الثلاثة . 
وكما تشق الطبيعة المادية طريقا للوليد ( حتى في الحيوانات ) وربما تموت الأم لتخرج الروح مثل الحمل من الشاة ، فإن الطبيعة الروحية تساعد الروح لكي تخرج من سجن الجسد ، مهما كان العناء ، فالعناء على الوالدة في المخاض ، لكن الجنين مستبشر ، هذه هي سنة الحياة ، ليست في الأحياء فحسب بل في الأمهات ( العناصر : التراب والماء والهواء والنار ) وإن لم يكن لها علم بهذا ( هي مجبرة على هذا ) إلا إذا كان لها سير إلى الله ( السير إلى الله من تكريم الله للإنسان فحسب ) . 
وأولئك الذين لا ينظرون إلى الظاهر “ شكل الجنة “ يظلون تواقين إلى الأسرار .
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: