الأربعاء، 26 أغسطس 2020

03 - قصة آكلي ولد الفيل من الحرص .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

03 - قصة آكلي ولد الفيل من الحرص .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

قصة آكلي ولد الفيل من الحرص .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

قصة آكلي ولد الفيل من الحرص وترك نصيحة الناصح
 
- هل سمعت أن أحد العلماء رأي في الهند جماعة من الأصدقاء .
 
70 - كانوا جياعا عراة بلا زاد ، وصلوا من سفر طويل .
- ففاض العالم محبة لهم ، وهش لهم وبش وتهلل وجهه كروضة الورد .
- وقال : “ أعلم أن المتاعب قد تجمعت عليكم من الجوع ومن وعثاء الطريق في هذه المفازة المهلكة “ “ 2 “ .
- لكن ناشدتكم الله . . . ناشدتكم الله أيها الأجلاء ، ألا يكون قوتكم من وليد الفيل .
- فهناك فيلة في هذه الناحية التي تسيرون إليها فلا تذبحوا وليد الفيل . . .
واسمعوا .
 
75 - إن جراء الفيلة في طريقكم ، وصيدها محبب جدا إلي قلوبكم .
- وهي شديدة الضعف واللطف والسمنة ، لكن لها أما تترصدكم في مكمنها .
..............................................................
( 1 ) ج / 6 - 101 : ويبُعد من كل هذه النعم ، ولا يستطيع أن يأكل إلا الدم . 
والطمع عندك في لذة هذه الدنيا ، صار حجاباً على تلك اللذة الخالدة 
- والطمع في هذه الحياة المليئة بالغرور ، أبعدك عن حياتك الحقيقية . . . 
فاعلم أن الطمع يجعلك أعمى ، ويخفى عنك اليقين بلا شك : ويبدي لك الحق الباطل ومن الطمع ، يصير عماك مائة عمى ، فضق من الطمع مثل الصادقين 
- حتى تضع قدمك هذه العتبة - فعندما تدخل من هذا الباب تنجو وتخرج من الحزن والسرور . تضاء عين روجك فترى الحق ، ويصبح نور الدين خاليا من طلام الكفر فاستمع إلى نصيحة المشايخ بإخلاص - حتى تنجو من الخوف وتصبح في أمان 
- واسمع الان إلى قصة مثلا حتى تجد في الحقيقة نور الحبيب .
( 2 ) حرفيا : في كريلاء هذه .
 
“ 33 “

- وهي في سبيل وليدها تقطع طريقا يبلغ مائة فرسخ ، وهي في تأوه وحنين .
- ومن خرطومها ينطلق الدخان والنار ، . . . فحذار من وليدها البريء هذا . .
حذار .
- والأولياء هم أطفال الحق يا بني ، وهم علي علم به في الغيبة والحضور .
 
80 - فلا تظنن أن الغيبة من نقص فيهم ، إنه ينتقم من أجل أرواحهم .
- لقد قال : إن هؤلاء الأولياء هم أطفالي ، وهم في غربتهم منفردون خالون من الأبهة والعظمة ( الظاهرة ) .
- وهم أذلاء يتامى ابتلاء لهم ، لكنهم داخل سري أصدقاء ندماء .
- إن ألوان عصمتي ظهير لهم جميعا ، وكأنهم أنفسهم أجزاء منى .
- فانتبهوا جيدا ، إن لابسي الخرقة الذين يخصونني ، هم مئات الألوف “ عددا “ لكنهم وجود واحد .
 
85 - وإلا متي يتأتي لموسي بقطعة من الخشب ذات الفضل أن يجعل عالي فرعون سافله ؟ .
- وإلا متي كان يتأتى لنوح أن يجعل الشرق والغرب غريقا في طرفانه بلعنة واحدة ؟
- ولما اقتلع دعاء من لوط العظيم ، مدينة بأكملها من المحرومين ( من رحمه الله ) ؟ ! 
- فصارت مدينتهم التي تشبه الفردوس نهرا من الماء الأسود ، فأذهب وانظر إلي الآثار .
- هذه الآثار وهذه الدلائل ناحية الشام ، تراها وأنت مار في الطريق إلي القدس .
 
90 - ومئات الآلاف من الأنبياء عبدة الحق كانوا في حد ذاتهم عقوبة في كل قرن .


“ 34 “

- ولو تحدثت عنهم لطال هذا البيان ، فأي شيء يكون الكبد “ الذي يتحمل “ والجبال تصير دما .
- تصير الجبال دما وتتجمد ، وأنت لا تري تحولها إلي دم عمي ونكرانا .
- فما أعجبه من أعمي بعيد النظر حاد البصر ، لكنه لا يري من الجمل سوي الوبر .
- والإنسي يري كل الأمور شعرة بشعرة محض الحرص ، لكنه يرقص بلا هدف كأنه الدب “ 1 “ .
 
95 - فارقص حيثما تحطم نفسك “ التي بين جنبيك “ ، وتنفض القطن عن جرح الشهوة .
- إنهم يرقصون ويجولون في الميدان ، لكن الرجال يرقصون في دماء ذواتهم .
- وعندما يتخلصون من سيطرة ذواتهم عليهم يصفقون ، وعندما يبرءون من نقائص “ النفس “ يرقصون .
- ومطربوهم من الداخل ينقرون علي الدفوف، وترغي البحار وتزيد وجداً معهم “2”.
- إنك لا تري “ هذا “ لكن إنصاتا لهم ، حتى الأوراق علي الأغصان تقوم بالتصفيق .
 
100 - إنك لا تري تصفيق الأوراق ، إذ يلزمك أذن القلب لا إذن البدن هذه .
- فسد أذنيك اللتين في رأسك عن الهزل والباطل ، حتى تبصر مدينة الروح ذات ضياء “ 3 “ .
- وإن أذن “ محمد “ لتجذب السر ( مما وراء ) الكلام ، ومن أجل هذا يقول الحق في القرآن “ هو أذن “ .
..............................................................
( 1 ) ج / 6 - 136 : والانسان يرى الأمور شعره بشعره من من حرصه ، ورقصه خال من الخير ملىء بالشر .
( 2 ) ج / 6 - 136 : وأنك لا ترى الأوراق مع الأغصان راقصة من تحريك الصبا .
( 3 ) ج / 6 - 136 : - هيا وسد فمك عن الهزل يا عماه ، ولا تتحدث إلا عن وجهه .

 
“ 35 “

- فهذا النبي كله أذن وعين ، هو حاضنة لنا متهللة الوجه ونحن الصبيان .
- وهذا الكلام لا نهاية له ، فسق ثانية إلي أهل الفيل وعودا علي بدء .
 
بقية قصة المعتدين على جراء الفيلة

105 - إن الفيل يشم كل فم ، ويحوم حول معدة كل إنسان .
- وما إن يجد رائحة شواء وليده في مكان ما ، حتى يبدي انتقامه وقوته .
- إنك تأكل لحوم عبيد الله وتغتابهم ، لا بد أن تنال الجزاء .
- فحذار إن الذي يشم رائحة أفواهكم هو الخالق ، فمن الذي ينجو بروحه إلا من هو صادق ؟
- وويلاه لذلك المخدوع الذي يكون من يشم رائحته في القبر منكر ونكير .
 
110 - فلا قدرة علي إخفاء الفم عن هذين العظيمين ، ولا إمكان أيضا علي تغيير رائحة الفم بأي معالجين .
- فلا عطاء هناك للمداهنة والرياء ، وليس للعقل والفهم من طريق إلي الحيلة .
- فكثيرا ما تسقط ضربات مقامعهم علي رأس كل عابث مهذار وعلي دبره .
- فانظر إلي اثار مقامع عزرائيل ، وإن لم تر خشبا أو حديدا مصهورا .
- بل إنه يظهر بصورته في بعض الأحيان ، ومن هنا فإن المريض يكون علي وعي به .
 
115 - ويقول هذا المريض : أيها الأصدقاء ما هذا السيف الذي يعمل فوق مفرقي ؟ “ 1 “ .
- ونحن لا نري فتقول : ربما يكون خيالا ، أي خيال هذا ؟ إنه ارتحال .
- أي خيال هذا فإن هذا الفلك المتقلب ، صار مرتعدا الآن رعبا من هذا الخيال .
..............................................................
( 1 ) ج / 6 - 153 : - وعندما لا يرى أحد من رفاقه يجيبون قائلين : يا عماه ! !
 
“ 36 “
 
- لقد صارت المقامع والسيوف محسوسة أمام المريض فنكست رأسه .
- إنه يري أن هذا “ الأمر “ من أجله هو ، وانغلقت عين العدو عن هذا وعين الصديق .
 
120 - لقد ذهب عنه حرص الدنيا وقوي بصره ، واستضاءت عيناه فقد أن أوان سفك الدم .
- وصارت عينه طائرا مغردا في غير أوان نتيجة لكبريائه وغضبه .
- ومن الواجب إذن قطع رأس ذلك الطائر الذي يؤذن في غير أوان .
- وفي كل لحظة يكون النزع لجزء من روحك ، فانظر إلي نزع روح إيمانك .
- وعمرك شبيه بكيسة الذهب ، والليل والنهار شبيهان بمن يعد الدنانير .
 
125 - إنهما يعدان الدنانير وينفقانها بلا توقف ، حتى يخلو الكيس ويحل الخسوف .
- ولو أنك تأخذ من جبل دون أن تحفظ “ ما تأخذه “ في موضع ما ، فإن هذا الجبل يخسر من هذا العطاء .
- إذن فعليك أن تضع عوض كل لحظة في مكانه ، حتى تجد الغرض من قوله تعالي :وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ.
- ولا تكن كثير السعي هكذا في كل الأمور ، لا تسع إلا في أمر يكون في سبيل الدين .
- وإلا فإنك سوف تمضي في النهاية ناقصا ، أعمالك بتراء وخبزك لم ينضح بعد .
 
130 - وعمارة القبر واللحد لا تكون بالحجارة ولا بالخشب والبرص الكثير .
- بل عليك أن تحفر قبرا لنفسك في الصفاء ، وتقوم بدفن أنيتك في أنيته .

“ 37 “

- تصير ترابا مدفونا في الاهتمام به ، حتى يجد نفسك الإمدادات من نفسه .
- فالمقابر والقباب والشرف ، لا تتأتي كلها من أصحاب المعني .
- وانظر الآن إلي الحي الذي يلبس الديباج ، فهل يوجد ديباج يأخذ بيد الفهم ؟
 
135 - إن روحه تلك تكون في عذاب بئيس ، وعقرب الغم “ تلدغ “ قلبه الذي هو وعاء للغم .
- وعلي ظاهره من الخارج زينة ونقوش ، لكن أفكاره في الباطن في ألم مقيم .
- أما ذلك الذي تبصره في الخرقة القديمة ، فهو في فكر حلو كسكر النبات وحديثه كالشهد .

عودة إلى حكاية الفيل

- قال الناصح : استمعوا إلي نصيحتي هذه ، حتى لا تمتحن قلوبكم وأرواحكم .
- اقنعوا بالأعشاب وأوراق “ الأشجار “ والهويني في صيد جراء الفيلة .
 
140 - لقد وضعت عن كاهلي دين النصح ، ومتي كانت عاقبة النصح إلا السعادة ؟
- لقد أتيت فحسب لإبلاغ الرسالة ، حتى أنجيكم من الندم .
- فحذار أن يقطع الطمع طريقكم ، ويقلعكم الجشع في الزاد من جذوركم .
- هكذا قال وتمني لهم الخير ومضي في سبيله ، فاشتد القحط والجوع في طريقهم .
- وفجاة رأوا علي جانب من الطريق ، جرو فيل سمين حديث الميلاد .
 
 
“ 38 “
 
145 - فهجموا عليه كالذئاب الهائجة ، وأتوا عليه ثم غسلوا أيديهم .
- لكن واحدا منهم لم يأكل وقدم إليهم النصح ، فقد كان يتذكر حديث لدرويش .
- ومنعه ذلك للحديث من أكل الشواء ، فإن الإقبال الجديد يهبك عقلا محنكا مجربا .
- ثم سقطوا جميعا نياما بينما بقي ذلك الجوعان كراع في قطيع .
- فرأي فيلا ضخما يقترب منهم ، وبادر الحارس فأسرع إليه .
 
150 - وأخذ يتشمم فمه ثلاث مرات ، فوجد أن فمه لا يفوح برائحة غير محببة ( إليه ) .
- فطاف حوله عدة مرات ومضي في سبيله ، ولم يؤذه ذلك الفيل الضخم ، المهلول .
- وتشمم فم كل نائم ، وكانت الرائحة تفوح منه .
- إذ كان قد أكل من شواء وليد الفيل ، فمزقه الفيل وقتله علي وجه السرعة .
- وفي برهة من الزمان أخذ يمزق تلك الجماعة فردا فردا دون أن يلقي إلي أحد منها بالا .
 
155 - أخذ يقذف بكل واحد منهم في الهواء غير عابيء به ، وعندما كان يصل إلي الأرض كان ينشطر شطرين .
- فيا شارب دماء الخلق ارجع عن هذا الطريق ، حتى لا تأتي بك دماؤهم إلي الوطيس .
- فاعلم أن مالهم هو دمهم علي وجه اليقين ، ذلك أنهم يحصلون علي المال بشق الأنفس .
- إن أم وليد الفيل ذاك تشعر بالحقد ، فتقتل أكل وليدها عقابا له .
- وأنت تأكل وليد الفيل يا أكل الرشوة ، فإن خصمك الفيل يوردك موارد الدمار .

“ 39 “

 
160 - إن الرائحة قد فضحت ذلك الذي يفكر في المكر ، والفيل يعرف رائحة وليده .
- وذلك الذي يشم رائحة الحق من اليمن ، كيف لا يشم رائحة الباطل مني ؟
- وكيف شم المصطفى الرائحة من الطريق البعيد ولا يشم رائحة البخر من أفواهنا ؟
- إنه يشمها لكنه يستر علينا ، والرائحة الطيبة والسيئة كلتاهما تصعدان إلي السماء .
- إنك تنام لكن رائحة ذلك الحرام تفوح فوق السماوات الزرقاء .
 
165 - إنما تصاحب أنفاسك السيئة حتى تمضى إلي أولئك الذين يشمون الرائحة فوق الفلك .
- ورائحة الكبر ورائحة الحرص ورائحة الطمع ، تفوح عن الحديث كأنها البصل .
- وحتى إذا أقسمت قائلا : متي أكلت هذا “ البصل “ ؟ لقد تجنبت البصل والثوم .
- فإن هذا القسم نفسه ينم عليك ، ويفوح أمام أنوف جلسائك .
- ومن هنا لا يستجاب الدعاء من رائحته ، ويبدو خبث القلب على اللسان .
 
170 - ويستجاب الدعاء منه بكلمة “ اخسئوا “ ، وتكون عصا الطرد جوابا لكل خبيث .
- وإذا كان حديثك معوجا وكان معناه صادقا ، فإن اعوجاج اللفظ يكون مقبولا عند الله “ 1 “ .
..............................................................
( 1 ) ج / 6 - 1172 : وإن كان المعنى معوجا واللفظ حسنا ، فاعلم أن ذلك المعنى لا يساوى ربع دائق .

“ 40 “

“ بيان أن خطأ المحبين يكون أفضل عند المحبوب
من فصاحة الغرباء “ 
- كان بلال الصدق ذاك عند الأذان ، ينطق كلمة “ حي “ “ هي “ مخبتا .
- فقالوا : “ أيها الرسول : ليس هذا الخطأ من المستحسن الآن ونحن في أول البناء .
- يا نبي الله ويا رسول الخالق ، ائت لنا بمؤذن أكثر فصاحة .
 
175 - فمن العيب في أول الدين والصلاح ، أن ينطق لفظ “ حي علي الفلاح “ “ لحنا “ .
- فغضب الرسول غضبا شديدا ، وقال رمزا أو رمزين من العنايات الخفية .
- أيها الأخساء إن “ هي “ بلال عند الله ، أفضل من مائة “ حي “ و “ خى “ وتفاصح منكم .
- لا تعكروا صفوي وإلا أفشيت أسراركم “ وحدثتكم “ عن مبدئكم ومنتهاكم .
- وإذا لم يكن لديك نفس حسن في الدعاء ، فإذهب وداوم علي طلب الدعاء من إخوان الصفاء .
 
“ أمر الحق لموسى : ادعني بفم لم تذنب به “
“ 1 “
 
180 - قال : يا موسي الجأ إلي داعيا بفم لم تذنب به .
- قال موسي : أنني لا أملك هذا الفم قال : ادعني بأفواه الآخرين .
- فمتي تكون قد أذنبت بأفواه الآخرين ، تضرع بألسنة الآخرين قائلا :
يا الله .
..............................................................
( 1 ) ج / 6 - 199 : من أجل هذا قال الله لموسى عليه السلام ، وقت حاجة القلب في الدعاء به .
  
“ 41 “

- وهكذا فافعل حتى تدعو لك الأفواه في الليل والنهار .
- “ ليكن ذلك إذن “ من الفم الذي لم ترتكب به ذنبا ، واعتذر بذلك اللسان الذي هو لسان الغير .
 
185 - وإلا فطهر فمك ، وانض عن روحك أثقالها .
- فذكر الحق طاهر وعندما يحل الطاهر ، يجمع الدنس حوائجه وينصرف خارجا .
- فإن الأضداد تفر من الأضداد ، ويفر الليل عندما يبزغ الضياء .
- وعندما يحل الاسم الطاهر في الأفواه ، لا الدنس يبقي ولا الذنوب .

“ بيان أن قول المتضرع يا الله هو عين قول الحق لبيك “
 
- كان أحدهم يهتف يا الله ذات ليلة ، حتى يحلى شفتيه بذكره .
 
190 - فقال له الشيطان : أخر الأمر أيها الثرثار . . أين ( لبيك ) لكل هذا التضرع بيا الله “ 1 “ .
- إنه لا يتأتي جواب من أمام العرش ، وأنت لا زلت تكرر يا الله ، يا الله بوجه ملحاح ؟ .
- فانكسر قلبه وطأطأ رأسه ، فرأي في منامه الخضر يتمشي في الخضرة .
- فقال له : “ انتبه ! ! كيف انصرفت عن الذكر ، وكيف ندمت علي دعائك ؟ “ .
- فقال : لا يأتي جواب بلبيكم ، ومن هنا أخاف أن أكون مردودا عن الباب “ 2 “ .
..............................................................
( 1 ) ج / 6 - 203 : لقد قلت الله كثيرا من العتو أين لبيك لنداء واحد منك .
( 2 ) ج / 6 - 203 : قال له : لقد قال لي الله، اذهب إليه وقل ، أيها الممتحن.
 
“ 42 “
 
195 - قال : “ إن الله “ منك هي نفسها “ لبيك “ منا ، وتضرعك وألمك وحرقتك هي الرسول إلينا “ 1 “ .
- وإن جهدك وسعيك جذب لنا ، وهما “ في الوقت نفسه “ فك لقدميك .
- وليست روح الجاهل إلا بعيدة عن هذا الدعاء فليس عنده الإذن بأن يقول : “ يا رب “ .
- وعلي فمه وفوق قلبه قفل وقيد ، حتى لا يشكو أمام الله عندما يحل به أذي .
 
200 - لقد وهب فرعون مئات من الأملاك والأموال ، بحيث ادعي العز والجلال .
- لكنه لم يشك طوال حياته صداعا ، حتى لا يتضرع أمام الله ذلك السييء الأصل .
- لقد أعطاه تلك الدنيا بأسرها ، ولم يهبه الحق الألم والتعب والهموم .
- فالألم أفضل من ملك الدنيا ، وذلك حتى تدعو الله في السر .
- ودعاء الله بلا ألم من موت القلب ، ودعاؤه بألم من عبودية القلب .
 
205 - وإن وضع الهمس تحت اللسان ، هو تعريف للمبدأ والبداية .
- وهكذا صار الصوت صافيا وحزينا ، عندما يقول : يا اللّه ويا مستغاث ويا معين .
- وأنين القلب في طريقة ليس خاليا من الجذبة ، وذلك أن كل راغب أسير لمانع .
- مثل كلب أهل الكهف الذي تخلص من الجيفة ، فجلس في صدر موائد الملوك .
- وحتى القيامة يشرب أمام الغار ، ماء الرحمة كالصوفية بلا كأس .
 
210 - وما أكثر من يرتدون جلود الكلاب ولا أسماء لهم ، لكنهم وراء الحجاب لم يحرموا من تلك الكأس .
..............................................................
( 1 ) ج / 6 - 203 : وألست أنا الذي أدخلتك في هذا الامر ، وألست أنا الذي جعلتك مشغولا بالذكر .

“ 43 “
- فضح بروحك من أجل تلك الكأس يا بني ، فمتي يكون ظفر بلا جهاد .
- أو اصبر ولا حرج في الصبر من أجل هذا ، فاصبر فإن الصبر مفتاح الفرج .
- وبلا صبر وحزم لم ينج أحد من هذا الكمين ، فالصبر هو يد الحزم وقدمه .
- كن حازما عن الطعام فهو نبات مسموم ، والحزم هو قوة الأنبياء ونورهم .
 
215 - ويكون قشة ذلك الذي يقفز عند كل ريح ، ومتي يعطي الجبل للرياح وزنا ؟
- وفي كل ناحية هناك غول يناديك قائلا : “ يا أخ تريد طريقا . . هيا تعال “ .
- “ إنني أدلك علي الطريق وأكون لك رفيقا ، فأنا المرشد في هذا الطريق الدقيق “ .
- ولا هو بالمرشد ولا هو بالذي يعرف الطريق ، فيا يوسف قلل الذهاب نحو من فيه طبيعة الذئب ذاك .
- والحزم هو ألا يخدعنك دسم هذه الدار ولا عسلها ولا فخاخها .
 
220 - فلا دسم لديها ولا عسل عندها ، إنها تتلو سحرا وتنفثه في أذنيه .
- قائلة : “ تعالي يا ضيفنا يا أيها النور ، الدار دارك وأنت لنا “ .
- والحزم هو أن تقول “ إنني متخم . . أو إنني ملول سقيم في هذا القبر “ :
- أو قل “ إن رأسي تؤلمني فعالج صداعي ، أو : لقد دعاني من قبل ابن الخال “ .
- ذلك أنها تعطيك جرعة من العسل مع كثير من الوخز ، وعسلها يغرس فيك الجراح .
 
“ 44 “ 
 
225 - وعندما تعطيك الذهب سواء أعطتك خمسين أو ستين ، فإنها تضع لك اللحم في الشص أيتها السمكة .
- وإذا أعطت ، فأي شيء تعطيه لك كثيرة الاحتيال هذي ، إن قول الخبيث جوز متعفن .
- وصوت كسر ( ذلك الجوز المتعفن ) يسلب لبك ، ولا يعتبر مئات الآلاف من العقول “ في قيمة “ عقل واحد .
- إن صديقك هو عيبتك وكيسك ، فإن كنت “ رامين “ فلا تبحث إلا عن “ ويس “ الخاص بك .
- و “ ويس “ المعشوق الخاص بك هو ذاتك ، وكل ما هو خارجك فهو افات لك .
 
230 - إن الحزم أنهم عندما يدعونك هو ألا تقول : “ إنهم مفتونون بي عاشقون لي “ .
- واعلم أن دعوتهم هي بمثابة الصفير للطائر ، يقوم به الصياد وهو مترصد في مكمنه .
- يضع أمامه طائرا ميتا علي أنه هو الذي يغرد ، ويطلق هذا الصوت والحنين .
- فيظن الطائر أنه من جنسه ، فيتجمع حوله فيقوم الصياد بسلخ جلده .
- هذا فيما عدا الطائر الذي وهبه الله الحزم ، بحيث لا ينخدع بهذا الحب والملق .
 
235 - وعدم الحزم هو الندم يقينا ، واستمع إلي هذه الحكاية في شرح هذا المعني “ 1 “ .
..............................................................
( 1 ) ج / 6 - 205 : - ذلك أن عدم الحزم يفضى إلى الشقاء ، يفقد الإنسان الدين ويصيبه بالصداع 
- واستمع إلى هذه الحكاية في شرح هذا ، حتى تصبح حازما من أجل حفظ الدين .

“ 45 “

“ خداع الريفي للحضرى ودعوته له بضراعة وإلحاح شديدين “
- فيما مضى ، كان هناك يا أخي حضرى قد تعرف علي ريفى .
- وعندما كان الريفي يأتي إلي المدينة ، كان يحط رحاله في الحي الذي يسكن فيه ذلك الحضري .
- كان ينزل عليه ضيفا شهرين وثلاثة شهور ، كان ملازما لمتجره ولمائدته .
- وكلما كانت تعن له حاجة في ذلك الزمان ، كان الحضري يقضيها له بالمجان .
 
240 - فالتفت إلي الحضري وقال : “ أيها السيد ، ألن تأتي إلي القرية أبدا متنزها ؟
- بالله ، هلا أتيت بكل أبنائك في هذا الوقت الذي تكون فيه الرياض في بداية الربيع .
- أو تعال في الصيف أوان الثمر ، حتى أعقد الحزام في خدمتك .
- أقبل بخيلك وولدك وأهلك ، وامكث في قريتنا ثلاثة شهور أو أربعة .
- ففي أوقات الربيع تكون القرية جميلة ، والمزارع وزهور الشقائق تشرح الصدر .
 
245 - وكان الحضري يعده تهدئة لحاله ، حتى مر علي الوعد ثماني سنين .
- كان كل عام يقول له : “ متى تتحرك فإن الشتاء “ 1 “ قد حل “ ؟ .
- فكان الحضري يتعلل قائلا : “ هذا العام سوف يأتينا ضيف من مكان كذا “ .
- وفي العام المقبل إذا فرغنا مما يهمنا ، فسوف نسرع إلي ذلك المكان “ .
- قال “ القروي “ : إن أهلي في انتظار أبنائك يا أهل البر “ “ 2 “ .
 
250 - ثم يعود في كل عام كطائر اللقلق لكي يقيم في قبة “ مسجد “ المدينة .
..............................................................
( 1 ) حرفيا شهر ديماه وهو من الشهور الإيرانيه ويوافق ديسمبر ويناير .
( 2 ) ج / 6 - 231 : ثم كان يعود إليه في كل عام طامعا ، ويضرب خيمتة في منزل الحضري .
 
“ 46 “
 
- وكان السيد في كل عام ينفق عليه من ذهبه ومن ماله ويبسط عليه جناحيه .
- وفي المرة الأخيرة مدله هذا الجواد الموائد لثلاثة شهور في الإصباح والإمساء .
- ومن الخجل كرر “ الريفي القول للسيد “ حتام الوعد ؟ وحتام التعلل ؟ .
- فقال السيد : إن جسدي وروحي طالبان للوصل ، لكن كل حركة في حكمه سبحانه وتعالي .
 
255 - والإنسان كأنه السفينة والشراع ، والرياح توجه الشراع حيثما تشاء .
- ثم أقسم عليه ثانية قائلا : أيها الكريم هات ابناءك وتعال ، فانظر النعيم .
- فأخذ بيديه ثلاث مرات معاهدا وقائلا : ناشدتك الله أن تسعي وتأتي سريعا “1“.
- وعلى هذا المنوال مرت عشر سنوات ، وكل سنة “ تتكرر “ مثل هذه التضرعات والوعود الحلوة .
- فقال أبناء السيد له : يا أبانا إن القمر والسحاب والظلال تسافر أيضا .
 
260 - لقد أثبت عليك الحقوق ، وتحملت أنت كثيرا من المشاق في سبيل أعماله .
- وهو يريد أن يؤدي بعض حقوقك عليه عندما تنزل عليه ضيفا .
- وكم أوصانا هو في الخفاء قائلا : “ اجذبوه إلي القرية بإلحاحكم “ .
- فأجاب : “ كل هذا حق لكن يا من أنت في فصاحة سيبويه اتق شر من أحسنت إليه “ .
- إن الصداقة هي بذرة النفس الأخير ، وأخشي ما أخشاه عليها الفساد .
..................................................................
( 1 ) . . .
 
“ 47 “
 
265 - فهناك صحبة كأنها السيف البتار ، وكأنها زمهرير “ 1 “ الشتاء في البساتين والحقول .
- وهناك صحبة كأنها فصل الربيع ، منها العمران والدخل الذي لا يحصى ولا يعد .
- والحزم هو سوء الظن ، حتى تفر وتنجو من السوء .
- الحزم هو سوء الظن ، هكذا قال الرسول ، فاعتبر كل خطوة فخا أيها الفضولي .
- ووجه الصحراء ممهد وواسع ، وكل قدم فيها فخ فقلل الانطلاق بتهور .
 
270 - وذلك الماعز الجبلي يسرع قائلا : أين الفخ ؟ وعندما يجري يأخذ الشراك بحلقه .
- هذا هو ما كنت تتساءل عن مكانه فانظر إليه ، كنت تري الصحراء ولا تري الكمين .
- وبلا كمين أو شبكة أو صياد أيها العيار، متي يكون الدسم موضوعا وسط المزرعة؟
- وأولئك الذين ساروا علي الأرض مرحا انظر إلي عظامهم وجماجمهم .
- وعندما تمضى إلي الجبانة أيها المرتضي ، اسأل عظامهم عما مضى .
 
275 - حتى تري رأي العين كيف سقط هؤلاء السكاري العميان في بئر الغرور .
- فإذا كانت لك عين لا تمش كالعميان، وإذا لم تكن لك “ عين “ فامسك بيدك عصا.
..............................................................
( 1 ) حرفيا : شهر ديماه .
 
“ 48 “

- وهذه العصا هي الحزم والاستدلال ، اجعلها لك دليلا علي الدوام إن لم تكن مبصرا .
- وإذا لم تكن عصا الحزم والاستدلال ، لا تقف علي مفترق كل طريق بلا صاحب عصا .
- وأخط كما يخطو الأعمي ، حتى تخلص قدميك من الكلب ومن البئر .
 
280 - إنه يسير مرتعشا بخوف وبحذر حتى لا يتخبط .
- يا من فررت من دخان فسقطت في نار ، وبحثت عن لقمة فصرت فريسة لحية .
 
قصة أهل سبأ وكفرانهم النعمة
 
- إنك لم تقرأ قصة سبأ ، أو أنك قرأتها ولم تدرك منها إلا ظاهرها .
- إن ذلك الجبل لا علم له بالصوت ذاته ، فلا طريق للب الجبل إلي المعني .
- إنه يردد الصوت بلا أذن ولا عقل ، وعندما تصمت يصمت هو أيضا .
 
285 - لقد وهب الله أهل سبأ كثيرا من الرفاهية ، مئات الآلاف من القصور والإيوانات والبساتين .
- لكن هؤلاء الأشرار لم يؤدوا حق شكرها ، وكانوا في الوفاء أقل من الكلاب .
- فالكلب عندما تصله لقمة خبز من باب ما ، يلزم خدمة هذا الباب “ 1 “ .
- يصبح حارسا علي الباب وخفيرا ، مهما جري عليه من جور وشدة .
- يصير ذلك الباب مقره ومستقره ، ويري اختيار غيره من قبيل الكفر .
 
290 - وإذا أتي كلب غريب في ليل أو نهار ، فإن تلك الكلاب تأدبه في التو واللحظة .
- قائلة : اذهب إلي ذلك المكان الذي هو منزلك الأول ، فهي مقيمة بقلوبها علي حق تلك النعمة .
..............................................................
( 1 ) . . .
 
“ 49 “

- إنها تعضه قائلة : اذهب إلي مكانك ، وكفاك نكرانا لحق تلك النعمة .
- وطالما شربت أنت ، من باب القلوب وأهل القلوب ، ماء الحياة وتفتحت عيناك .
- وكثيرا ما تناولت غذاء السكر والوحد والانسلاخ عن الذات من باب أهل القلوب .
 
295 - ثم تركت هذا الباب من الحرص ، وأخذت تطوف أمام دكان كدب “ اللاعب بالدب “ .
- وعلى أبواب أولئك المنعمين المترفين ، تسرع من أجل الثريد الذي لا قيمة له .
- فاعتبر المكان الذي تربي فيه الروح هو “ موضع “ الدسم ومن الخير هنا أمر القانط .
 
“ تجمع أصحاب العاهات كل صباح علي باب صومعة
عيسى عليه السلام هادفين طلب الشفاء بدعائه “
 
- إن صومعة عيسى هي مائدة أهل القلوب ، فانتبه أيها المبتلي ولا تترك هذا الباب .
- كان الخلق يجتمعون من كل صوب ، من ضرير وأعرج ومشلول وفقير .
 
300 - كانوا يجتمعون علي باب صومعة عيسى كل صباح ، حتى يخلصهم بأنفاسهم من الجُناح .
- عندما كان يفرغ من أوراده ، كان يخرج في الضحى إليهم ذلك الطيب المذهب .
- فكان يري جماعة من المبتلين المساكين ، قد جلسوا علي بابه في رجاء وانتظار .
 
“ 50 “

- فيقول : يا أصحاب الآفة ، إن حاجتكم جميعا مقضية من الله سبحانه وتعالي .
- هيا سيروا بلا ألم وعناء ، إلي غفران الله وإكرامه .
 
305 - وجميعهم كالإبل التي عقلت قوائمها ، ثم يفك العقال عن رُكَبِها ، 
- كانوا يسيرون مسرعين مسرورين نحو منازلهم ، يعدون علي أقدامهم “ ببركة “ دعائه “ 1 “ .
- لقد عانيت أنت أفاتك كثيرا ، وظفرت بالعافية من ملوك الدين هؤلاء .
- وكم صار عرجك إسراعا في السير ، وكم صارت روحك بلا حزن أو أذى .
- فيا أيها المغفل اعقد خيطا علي قدمك ، حتى لا تضل عن نفسك أيضا أيها الغوي .
 
310 - ذلك أن جحودك ونسيانك ، لا يذكرانك بشربك العسل .
- فلا جرم أن أغلق هذا الطريق أمامك ، عندما تعبت قلوب أصحاب القلوب منك .
- فالحق بهم سريعا واستغفر لذنبك ، وابك نائحا كأنك السحاب .
- حتى تتفتح رياضهم أمامك ، وتتساقط الثمار الناضجة عليك .
- وطف أيضا حول ذلك الباب ، ولتكن أقل من كلب ، إذا كنت قد أصبحت تابعا لكلب لأهل الكهف .
 
315 - وهذا مثل الكلاب التي تنصح الكلاب الأخري بأن تلزم قلوبها المنزل الأول .
- فذلك الباب الأول الذي أكلت منه العظام ، تمسك به جيدا وابق مؤديا لحقه .
..............................................................
( 1 ) ج / 6 - 250 : كانوا جميعا بلا وجع أو ألم أو تعب ، أصحاء مسرورين محترمين ، 
- يسرعون إلى بيوتهم ، من النفس الميمون لذلك السلطان .
 
“ 51 “
 
- إنها تعضه حتى يذهب أدبا إلي ذلك المكان ، ويصير مفلحا في مقامه الأول .
- تعضه قائلة : أيها الكلب الجحود امض ولا تبغ علي ولي نعمتك .
- وكن ملازما لذلك الباب كأنك حلقته ، وكن حارسا جلدا متحفزا .
 
320 - ولا تكن صورة لنقض الوفاء عندنا ، ولا تفش الغدر دون داع .
- ولما كان الوفاء شعارا للكلاب ، امض ولا تجلب العار وسوء السمعة للكلاب .
- ولما كان الغدر عارا علي الكلاب ، فكيف تجيز أنت الغدر وتبديه ؟
- لقد فخر الله سبحانه وتعالي بالوفاء فقال : “ من أوفي بعهده من الله “ .
- واعتبر الوفاء للغادر نقضا لوفاء الحق ، ولا يسبق “ حق “ أحد حقوق الحق “ 1 “ .
 
325 - وقد صار حق الأم في المقام الثاني ، لأن ذلك الكريم يحملها غرم كونك جنينا .
- وصورك داخل جسدها ، وأعطاها السكينة في الحمل والتعود عليه .
- فرأتك كجزء متصل بها ، وجعل تدبيره المتصل منفصلا .
- لقد صنع الحق ألافا من الصنائع والفنون ، حتى شملتك الأم بحنانها .
- ومن هنا فحق الله سابق علي حق الأم ، وكل من لا يعرف ذلك الحق فهو حمار .
 
330 - فهو الذي خلق الأم والثدي واللبن ، وجعلها قرينة للأب فلا تفترض أن هذا منها هي .
..............................................................
( 1 ) ج / 6 - 251 : وكن نورا مع النور وناراً مع النار وكن وردا في موضع الورد وشوكا في موضع الشوك .

“ 52 “
 
- فيا إلهي يا قديما إحسانك ، إن ما أعلمه وما لا أعلمه هو لك .
- لقد أمرت بأن أكر الحق ، قائلا : إن حقي لا يصير قديما .
- فاذكر اللطف الذي أبديته ذلك الصباح ، عندما حفظتكم في سفينة نوح .
- وقد أعطيت نطف أجدادكم ذلك الزمان الأمان من الطوفان .
 
335 - كان ماء ناري الطبع قد أحاط بالأرض ، وكان موجه يختطف قمم الجبال .
- وقد حفظتكم في وجود أجداد أجدادكم ، ولم أطردكم “ عن بابي “ .
- فكيف أضربك علي قدميك عندما صرت رأسا ؟ وكيف أضيع صنعي ؟
- وكيف تصير ضحية للغادرين ، وتمضي من ظنك السييء إلي الوجهة الأخري ؟
- وأنا بريء من السهو ومن الغدر ، ثم تأتى نحوى وأنت تظن في السوء ؟
 
340 - فاحمل ظن السوء إلي ذلك المكان الذي تتقدم فيه إلى عاجز منحنٍ مثلك .
- وكثيرا ما اتخذت أصدقاء ورفاق سوء ، وإذا سألتك أين هم قلت : لقد تولوا .
- لقد مضى رفيقك الطيب فوق الفلك الأعلي ، وذهب صديق فسقك إلي قاع الأرض .
- أما أنت فقد بقيت بينهما كنار بقيت من قافلة ولا تجد المدد .
- فتشبث بطرف ردائه أيها الصديق الهمام ، فهو منزه عن الفوق والتحت .
 
345 - فهو ليس مثل عيسى الذي يسمو إلي الفلك ، ولا مثل قارون الذي تميد به الأرض .
 
قصة آكلي ولد الفيل من الحرص وترك نصيحة الناصح
“ 53 “
 
- وهو بلا مكان لكنه معك في كل مكان ، عندما تنفصل عن دارك وعن متجرك .
- إنه هو الذي يستنبط الصفاء من الكدر ، ويعتبر وفاء كل ما قدمته من جفاء .
- وعندما تجفو يرسل إليك من يعرك أذنيك ، حتى تتقدم من النقصان نحو الكمال .
- وعندما كنت تترك وردا في السلوك ، يأتيك فيض من الألم والحمى “ 1 “ .
 
350 - وهو تأديب معناه : لا تقم بهذا الفعل ، لا تتحول أبدا عن العهد القديم .
- وذلك قبل أن يكون هذا القبض مستمرا كالغل الحديدى ، ويكون هذا الذي يقبض القلب غلا في القدم .
- فإن ألمك المعنوي قد صار محسوسا علي الملأ ، حتى لا تهمك هذه الإشارة .
- فأنواع القبض في المعاصي تنبعث في القلب ، وبعد الموت قد صارت أنواع القبض أغلالا .
- وذلك مصداقا لقوله تعالىوَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى.
 
355 - وعندما يسرق اللص أموال الناس ، يَخِزُ القبض والاكتئاب قلبه .
- فيتساءل عجبا ! ما هذا القبض ؟ ! ، إنه قبض ذلك المظلوم الذي يبكى من شرك .
- وعندما يقلل اهتمامه بهذا القبض ، فإن ريح الإصرار تنفخ في ناره .
..............................................................
( 1 ) ج / 6 - 252 : تترك وردا وفي التوف اللحظة ، يأتيك القبض والظلام ، اعلم هذا جيدا .
 
“ 54 “
 
- وانقلب قبض القلب إلي قبض العسس ، وصارت تلك المعاني محسوسة علي الملأ .
- انقلبت إلى غصص السجن والتعذيب ، فالغصة كأنها الجذر والجذر ينبت فروعا .
 
360 - والجذر الذي كان مخفيا صار سريعا معلنا وواضحا ، فاعتبر القبض والبسط جذرين داخليين .
- وعندما يكون الجذر سيئا اقتلعه سريعا ، حتى لا ينبت الشوك القبيح في الرياض .
- وعندما تحس بقبض عالج هذا القبض ، وذلك لأن كل القمم تنمو من الجذور .
- وعندما تحس ببسط قم بري بسطك ، وعندما تنمو ثماره هبها للأصدقاء .
 
بقية قصة أهل سبأ
“ 1 “
- كان أهل سبأ من أهل الجهل والغفلة ، كانوا سذجا ، وكان ديدنهم مع الكرام كفران النعمة .
 
365 - ويكون كفران النعمة علي سبيل المثال ، أن تدخل مع المحسن إليك في جدال .
- قائلا : إن هذا الإحسان لا يلزمني ، وأنا منه في ألم فلماذا تشق علي نفسك .
..............................................................
( 1 ) ج / 6 - 285 : ها هي قصة أهل سبأ تعود ، فأعد فيها القول لأقول لك مرحبا .

“ 55 “
 
- فالطف بي ، وابعد عني هذا الإحسان ، أنا لا أريد عينا فاجعلني أعمي علي وجه السرعة .
- ومن ثم قال أهل سبأ “ باعد بيننا ، “ شيننا خير لناخذ زيننا “ “ 1 “ .
- ونحن لا نريد هذا الإيوان ولا هذا البستان ، ولا النساء الحسان ولا الأمن والفراغ .
 
370 - إن المدن القريبة من بعضها شيء سييء ، وتلك الصحراء جميلة ففيها توجد “ الوحوش “ .
- “ يطلب الإنسان في الصيف الشتا ، فإذا جاء الشتا أنكر ذا .
- فهو لا يرضي بحال أبدا ، لا بضيق لا بعيش رغدا .
- قتل الإنسان ما أكفره ، كلما نال هدي أنكره “ 2 “ .
- والنفس علي هذا المنوال ومن هنا صارت جديرة بالقتل ، ولذا قال هذا السني “ اقتلوا أنفسكم “ .
 
375 - إنها شوك ثلاثي الأطراف أينما وضعته يخز فمتي تنجو من وخزه ؟
- فاضرم نار ترك الهوي في الشوك ، وتشبث بكلتا يديك بالمحسن .
- وعندما جاوز أهل سبأ الحد قائلين : إنما يستوي لدينا الصبا والوبا .
- أقبل الناصحون ينصحونهم ، وأخذوا يمنعونهم عن الكفر والفسوق .
- هموا بالاعتداء علي الناصحين وقتلهم ، وطفقوا يغرسون بذور الفسوق والكفر .
..............................................................
( 1 ) في الأصل باللغة العربية .
( 2 ) في الأصل باللغة العربية .
  
“ 56 “
 
380 - وعندما يحم القضاء تضيق هذه الدنيا، ومن القضاء تصير الحلوي ألما للفم.
- لقد قيل : إذا جاء القضا ضاق الفضا ، تحجب الأبصار إذ يأتي القضا .
- وعندما يحم القضاء تعمي الأبصار ، بحيث لا تري العين كحل العين .
- إن مكر ذلك الفارس هو أنه أثار الغبار، وذلك الغبار هو الذي أبعدك عن الاستغاثة.
- فامض نحو الفارس ولا تمض نحو الغبار ، وإلا أطبق عليك مكر ذلك الفارس .
 
385 - لقد قال الحق لذلك الذي أكله الذئب : إنك رأيت غبار الذئب فكيف لم تستغث ؟
- وكيف قام بالرعي مع هذا القدر من العلم ؟ إنه لم يكن يميز غبار الذئب .
- فالخراف تعرف رائحة الذئب المفترس ، وتثب في كل صوب .
- وأدراك الحيوان يميز رائحة الأسد فتغادر المرعى .
- ولقد شممت رائحة أسد الغضب فعد ، وكن منهمكا في المناجاة والحذر .
 
390 - وتلك الجماعة لم ترجع من غبار الذئب ، فأتاهم ذئب المحنة القوى من بعد الغبار .
- ومزق غاضبا تلك الخراف التي أشاحت بأبصارها عن الراعي العاقل .
- لقد دعاهم كثير من الرعاة ولم يرجعوا، وأخذوا يحثون غبار الغم في عيون الرعاة.
 
“ 57 “
 
- قائلين لهم : اذهبوا إننا أكثر منكم علما بفن الرعي ، وكيف نكون تبعا وكل منا رئيس .
- لنكن فريسة للذئاب ولا نكون رفقاء لكم ، ولنكن حطبا للنار ولا هذا العار .
 
395 - كانت حمية جاهلية موجودة في الرؤوس ، ونعق غراب الشؤم علي دمنهم .
- كانوا يحفرون من أجل المظلمومين بئرا ، فسقطوا هم في البئر وأخذوا يتأوهون .
- كانوا يشقون سترات من هم أمثال يوسف ، وكل ما عملوه وجدوه “ حاضرا “ عملا بعمل .
- فمن هو يوسف ذاك ؟ إنه قلبك الباحث عن الحق وهو كالأسير مقيد في موطنك .
- لقد ربطت جبريل “ روحك القدسية “ علي جذع ، وجرح جناحاه وقوادمه في مائة موضع .
 
400 - وقدمت إليه عجلا حنيذا لتجذبه به ، فهلا أتيت به إلي مستودع التبن ؟
- قائلا له : كل هذا وهو لنا الدسم واللحم ، وليس له من قوت إلا لقاء الله .
- ومن هذا التعذيب والامتحان الذي يتعرض له ذلك المبتلى ، يحمل شكواه منك إلي الله .
- قائلا : يا الله ، المستغاث من هذا الذئب العجوز ، فيقول له : لقد قرب الفرج فاصبر .
- سوف أنال حقك من كل غافل ، ومن يعطى الحق إلا الله العادل .
 
“ 58 “
 
405 - فيظل يقوله له : لقد نفد صبري من فراق وجهك يا ربنا .
- إنني “ أحمد “ سقط في أيدي اليهود ، وأنا صالح ابتلي بسجن ثمود .
- يا واهب السعادة لأرواح الأنبياء ، اقتلنى أو ادعني إليك أو تعالى إلي .
- ففي فراقك لا صبر حتى للكفار ، فالكافر يقول “ يا ليتني كنت ترابا “ .
- هذا هو حاله وهو ليس في طريقك وضال عنك، فكيف يكون امرؤ بدونك وهو لك؟
 
410 - فيقول الحق : نعم أيها النزيه ، لكن . . صبرا والصبر أفضل لك .
- والصبح قريب فكفاك صياحا ، وسوف أسعى في سبيلك فلا تسع أنت “ 1 “ .
 
بقية قصة ذهاب السيد بدعوة الريفي إلى القرية
- حجاوز الأمر حده ، هيا عد أيها الصديق العظيم ، وانظر إلى ريفي حمل سيدا إلي بيته .
- ونح قصة أهل سبأ جانبا ، وتساءل كيف جاء السيد إلي القرية .
- لقد برع الريفي في فن الملق ، حتى جعل حزم السيد بددا .
 
415 - لقد ضل من رسائله المتتالية ، بحيث صار حزم السيد كدرا وكان كالماء الزلال .
- حتى وهم لا يزالون في موطنهم أخذ أولاده يتغنون سعداء ب - “ نرتع ونلعب “ .
..............................................................
( 1 ) ج / 6 - 287 : والصبح قريب ، فصمتا ، قلل الصياح ، وأنا أجاهد فلا تجاهد أنت ، وسعيي أفضل من سعيك ، ومري أفضل من حلواك . 
هيا ، تحمل ، وامض فاصمت ، حرك لسانك قليلا وكن أذنا واعلم أن حيلته ومكره وتلبيسه ألعوبة ، وكل ما يبعدك عن رفيقك . 
 
“ 59 “
 
- مثل يوسف الذي ويا للعجب ، أخذنه “ نرتع ونلعب “ من كنف الأب .
- فهي ليست لعبة بل هي تضحية بالروح ، إنها حيلة ومكر وتفنن في النفاق .
- وكل ما يبعدك عن رفيقك لا تستمع إليه فهو خسارة في خسارة .
 
420 - حتى ولو كان نفعا لا تعتبره نفعا خالصا ، ومن أجل الذهب لا تبتعد عن كنز الفقير .
- واستمع إلي الله تعالى قد زجر كثيرا ، وتحدث إلي أصحاب النبي بالأخضر واليابس .
- ذلك أنهم من أجل أصوات الطبول في سنة قحط ، أبطلوا الجمعة دون إبطاء .
- وذلك حتى لا يشتري الآخرون البضاعة بثمن بخس ، لقد قالوا في أنفسهم : إنهم سوف يشترون أرخص منا .
- وبقي الرسول عليه السلام وحيدا في الصلاة ، ومعه اثنان أو ثلاثة من الفقراء ثابتي الإيمان ممتلئي الضراعة .
 
425 - فقال : كيف يقطعكم طبل ولهو وتجارة عن الربانية ؟
-” فانفضضتم نحو قمح هائما * ثم خليتم نبيا قائما “ “ 1 “
- ومن أجل القمح غرستم بذور الباطل * وتركتم رسول الحق ذاك 
- وصحبته خير من اللهو والمال ، فانظر من خليت وحك عينيك .
- ألم يكن لديكم في حرصكم هذا اليقين ، إنني أنا الرزاق وخير الرازقين ؟
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن .
 
“ 60 “
 
430 - وذلك الذي يهب القمح رزقا من لدنه . . . متي جعل توكلك ضائعا .
- بحيث إنك من أجل القمح ، فارقت ذلك الذي أرسل القمح من السماء .دعوة البازي البط من الماء إلى الصحراء
- يقول البازي للبط . . . اقفز من الماء حتى تري الصحاري التي تفيض بالشهد .
- فيقول له البط العاقل : أيها البازي ابتعد ، فإن الماء بالنسبة لنا حصن وأمن وسرور .
- والشيطان كالبازي فانتبه أيها البط ، ولا تخرج من حص الماء .
 
435 - وقل اللبازي : امض امض وارجع عنا، وأرفع يدك عن رؤسنا أيها العظيم.
- نحن أبرياء مما تدعونا إليه فدعوتك مردودة عليك ، ونحن لا نستمع إلى وسوستك أيها الكافر .
- إن الماء بالنسبة لنا شهد وليكن موضع الشهد لك ، وأنا لا أريد هديتك فخذها فهي لك .
- وما دامت الروح موجودة فإن الدسم لا يكون قليلا ، وعندما يكون الجيش لا تقل الأعلام .
- وكم اعتذر ذلك السيد الحازم ، وكم تعلل مع ذلك الشيطان المريد .
 
440 - قال : لدى أعمال مهمة الآن ، وإذا جئت فسوف تتعطل .
- لقد كلفني الملك بمهمة دقيقة ، وفي انتظار “ إنجازها “ لا ينام الملك الليل .

“ 61 “
 
- ولا جرأة لدي علي إهمال أمر الملك ، ومن المحال أن يصفر وجهي أمامه .
- وفي كل صباح ومساء يصل إليَّ منه رسول خاص يطلب مني الحلول “ لمشاكله “ .
- فهل تجيز أن أتي إلي القرية ، واجعل الملك يستشيط علي غضبا ؟
 
445 - ومن بعدها كيف أعالج أنا غضبه ؟ هل أدفن نفسي حيا أنذاك ؟
- وعلي هذا النمط كرر الكثير من الأعذار ، لكن الحيل لا تجدي مع حكم الله .
- ولو احتالت كل ذرات العالم ، فكل احتيالها هباء مع قضاء السماء .
- وكيف تهرب هذه الأرض من السماء ؟ وكيف تخفي نفسها عنها ؟
- وكل ما يأتي من السماء صوب الأرض ، لا مفر منه ولا مناص ولا ملاذ .
 
450 - فالشمس تمطرها بالنار ، وهي أمام نارها تطأطيء رأسها .
- ولو نزل عليها المطر كالطوفان ، فحطم كل ما عليها من عمران .
- فإنها تسلم كأنها أيوب ، قائلة : إنني أسيرة لك فهات ما تشائين .
- ويا من أنت جزء من هذه الأرض لا تتمرد ، وعندما تتعرض لحكم الله لا تعاند .
- وما دمت قد سمعت “ خلقناكم من تراب “ فإذا طلب منك أن تكون ترابا لا تشح بوجهك .
 
455 - فانظر “ أيها الإنسان “ لقد زرعت بذرة في التراب، وفعلت ما يفعله التراب فرفعتها.
- فاحترف الترابية مرة أخري ، حتى أجعلك أميرا علي كل الأمراء .
 
“ 62 “
 
- إن الماء ينزل من أعلي إلي أسفل ، ثم يصعد من بعدها من أسفل إلي أعلي .
- والقمح بُذِرَ من عَلٍ في التراب ، ثم استطال علي سوقه وصار سنابل .
- وبذرة كل ثمرة كانت في الأرض ، ثم أطلت برأسها من مدفنها .
 
460 - وأصل كل النعم “ هبط “ من الفلك إلي الأرض ، جاء من أعلي إلي أسفل غذاء للروح .
- وعندما هبطت من الفلك إلي الأرض تواضعا ، صارت جزءا من الإنسان الحي الشجاع .
- ثم اكتسب هذا الجماد صفات الإنسان ، فسما سعيدا إلي أعلي العرش .
- قائلا : لقد جئت من العالم الحي منذ البداية ، وهأنذا قد عدت من أسفل إلي أعلي .
- وجملة الأجزاء متحركة كانت أو ساكنة ، ناطقة “ إنا إليه راجعون “ .
 
465 - وذكر الأجزاء الخفية وتسابيحها ، أقامت ضجة في السماء .
- وعندما مارس القضاء النيرنجات والحيل ، جعل حضريا مغلوبا لريفي .
- وبالرغم من ألاف أنواع الحزم التي لديه ، فإن السيد قد غلب وصار في تلك الرحلة معرضا للآفات .
- كان اعتماده علي ثباته ، وبالرغم من أنه كان جبلا فإن نصف سيل قد اختطفه .
- وعندما يطل القضاء برأسه من الفلك، فإن العقلاء جميعا يصيرون صما وعميانا. 
 
“ 63 “
 
470 - وتخرج الأسماك من البحار ، ويأخذ الفخ بالطائر المحلق مهيض الجناح .
- ويصير الجني والشيطان في زجاجة واحدة ، بل ويمضي هاروت إلي بابل .
- وليس سوي ذلك الذي فر من القضاء إلي القضاء من لا يستطع أي تربيع “ للكواكب “ أن يسفك دمه .
- وليس سوي الهروب من القضاء إلي القضاء من حيلة أخرى تنجيك منه .
 
قصة أهل ضروان واحتيالهم حتى يقطفوا حدائقهم
دون إزعاج من الفقراء
 
- هل قرأت قصة أهل ضروان ؟ إذن لماذا بقيت في شرك الاحتيال ؟ .
 
475 - أخذ عدد من العقارب اللادغة في الاحتيال ، كيف يسلبون حق عدد من الفقراء .
- وكانوا طوال الليل يمكرون وهم متواجهون ، ذلك العدد ممن كانوا يستمون بعمرو وبكر .
- كانوا يتناجون فيما بينهم هؤلاء الأشرار “ زاعمين “ أن ذلك “ خوفا “ من أن يعلم الله ما يبيتون .
- وهل يمكر الطين على داهن الطين ، وهل تقوم اليد بالعمل خفية عن القلب ؟
- لقد قال :” ألا يعلم نجواك من خلق * إن في نجواك صدقا أم ملق
 
480 -كيف يغفل عن ظعين قد غدا * من يعاين أين مثواه غدا ؟
-أينما قد هبطا أو صعدا * قد تولاه وأحصى عددا ““ 1 “
..............................................................
( 1 ) الأبيات بين الأقواس بالعربية في النص ، وبعده ( ج / - 324 ) : كانوا يتناجون بالأسرار خفية عن الله ، تلك الكلاب العمياء ، من جلها وعماها . واستمع الأن إلى حديث السيدة كيف ذهب إلى القرية ونال جزاءه .
 
“ 64 “
 
- فطهر الأذن من الغفلة الآن واستمع إلى هجر هذا المحزون “ 1 “
- واعلم أنها زكاة تلك التي تعطيها للمحزون ، عندما ترهف السمع إلى بثه .
- فاستمع إلى أحزان متعبي القلوب ، فإن فاقة الروح الشريفة من الماء والطين .
 
485 - إن له منزلا مليئا بالدخان فهو واحد ممن يحتالون كثيرا ، فافتح له عليها كوة من الإصغاء .
- فتصير أذنك بالنسبة له كطريق للتنفس ، وينقشع دخان المرارة عن منزله قليلا .
- وقدم لنا السلوى أيها السالك ، إذا كنت تمضي صوب الرب الأعلى .
- فهذا التردد حبس وسجن ، يمنع الروح عن المضي نحو جهة ما .
- يجذبها هذا إلى هذه الجهة وذاك إلى تلك ، وكل منهما قائل له : أنا طريق الرشد .
 
490 - إن هذا التردد عقبة في طريق الحق ، فما أسعد ذلك الذي يكون مطلق القدم ! .
- إنه يمضى بلا تردد في الطريق المستقيم ، وإذا كنت تعرف الطريق فابحث عن “ أثر “ خطواته .
- فتتبع الغزال وامض سالما معافى ، حتى تصل من “ أثر “ خطو الغزال إلى نافجته .
- ومن هذا السير تمضى إلى الأوج الأنور ، أيها الرفيق حتى إن كنت تسير على النار .
- ولا تخف من البحر ولا من الموج ولا من الزبد ، وما دمت قد سمعت الخطاب ب “ لا تخف “ .
..............................................................
( 1 ) ج / 6 - 324 : وأية بلايا حلت به ومحن ، في طريق القرية ، عندما هجر مدينته ! 
 
“ 65 “ 
 
495 - واعلم أن : “ لا تخف “ من الحق ما دام هو الذي أعطاك الخوف ، إنه يرسل الخبز ما دام قد أرسل إليك الطبق .
- فالخوف يكون لذلك الشخص الذي لا يخاف ، والحزن لذلك الشخص الذي لا طواف له هنا .
.
* * *
شرح قصة آكلي ولد الفيل من الحرص وترك نصيحة الناصح
( 69 ) مصادر القصة التي تبدأ بهذا البيت كثيرة ، فقد رويت في حلية الأولياء لأبى نعيم الاصفهاني ( الجزء العاشر ) عن نذر أبى عبد الله القلانسي إن أنجاه الله من سفينة عصفت بها الرياح ألا يأكل من لحم الفيل ، ثم انكسرت السفينة ووقعوا على الساحل فإذا بولد فيل أكله رفاقه وناموا ، ثم جاءت الفيلة تطلب ولدها حتى انتهت إلى عظامه فشمت أفواه أكليه ومزقتهم شر ممزق ولم تجد رائحة من القلانسي ، فمكنته من ركوبها ونقلته إلى العمران ، ثم نقلت من
 
“ 421 “
 
حلية الأولياء في أكثر من مصدر منها حياة الحيوان للدميري ( مجلد 2 ) كما نسب ابن بطوطة هذه الحكاية لابن خفيف الشيرازي ، نقلتها أنا ماريا شميل في سيرة ابن خفيف ( أنظر سيرة الشيخ الكبير ص 275 - من الترجمة العربية لكاتب هذه السطور ص 276 القاهرة 1977 ) بديع الزمان فروزانفر : ماخذ قصص وتمثيلات مثنوى تهران 1333 ه - ش ص ص 87 - 88 بعد ذلك يذكر ماخذ فقط ) كما ترجمت الزميلة المرحومة الدكتورة إسعاد قنديل هذه القصة تحت عنوان “ قصة أكلى ولد الفيل مع بعض التعليقات “ .
 
( 79 - 84 ) يبدو أن مولانا يقصد في هذه الأبيات الحديث النبوي “ الخلق كلهم عيال الله “ فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله “ ( مروى في الجامع الصغير عن ابن مسعود ) وهم أطفال الله لأنهم وكلوا أمرهم كله الله ، ولو وكلوا لأنفسهم في رأى نجم الدين كبرى “ كانوا يعملون السيئات ( مولوى / 3 - 20 ) ،
لأن الولي في غيبته أو حضوره أو في سكره وصحره لا يغفل عن الله طرفة عين ، ومن ثم فمهما بدوا في أعين الخلق أذلاء حقراء إلا أنهم “ أولياء “ الله في حفظة . . . وهم ( كنفس واحدة ) ( انظر البيت 35 وتعليقاته ) .
 
( 85 - 91 ) ومن ثم فإن كل معجزات الأنبياء هي من هذه الولاية ، وهي بيان عملي من الله على قدرتهم وعظمتهم ويجرد الآيات القرانية فالبيت 85 مستند على الآيات
 
( 56 - 72 ) من سورة طه ، و 86 مضمون سورة نوح الآيات ( 14 - 15 ) من سورة العنكبوت و 87 قصة عاد ولعنة لوط ، ويقصد في البيتين ( 88 - 89 ) خرائب مدينة لوط وهي بالقرب من بيت المقدس ، أما البيت 90 فيرى أن معجزات الأنبياء من هذا القبيل كثرة وهي موجودة في كل قرن من القرون الماضية .
 
“ 422 “
 
( 93 ) الأعمى الحاد النظر هو الإنسان الذي يشاهد كل ما يدفعه إليه حرصه لكنه لا يرى ما وراء ذلك .
 
( 97 ) ينقل فروزانفر ( أحاديث مثنوى / 180 ) من روضات الجنات خبرا عن الإمام الرضا رضي الله عنه “ إن لله تبارك وتعالى شراباً لأوليائه إذا شربوا سكروا وإذا سكروا طربوا وإذا طربوا ذابوا وإذا ذابوا خلصوا وإذا خلصوا وصلوا وإذا وصلوا اتصلوا وإذا اتصلوا لا فرق بينهم وبين حبيبهم “ ايضاً جلبنارلى ثالث / 41 ) .
 
( 102 ) ( 1 ) إشارة إلى الآية 61 من سورة التوبة عندما كان الكفار يؤذون النبي ويقولون “ هو أذن “ أي يسمع كل ما يقال ويصدقه ، لكن مولانا هنا يستخدم الآية استخداما اخر وهو أنه كان يسمع كلام المنافقين دون أن ينطقوه ( مولوى / 3 - 25 ) .
 
( 123 ) يرى مولانا أن كل لحظة في عمر الإنسان عمر مستقل يولد فيه الإنسان ويموت ( إن لك في كل لحظة موتا وبعثا - الكتاب الأول / بيت 1150 ) .
 
( 127 ) إن كل لحظة تمضى لا عوض عنها إلا السجود والاقتراب والعبادة فإن هذا يجعل العمر قربة إلى الله تعالى وهذا هو العوض الوحيد عن ضياع العمر .
 
( 138 ) الناصح هنا هو أبو عبد الله القلانسي أو ابن خفيف الشيرازي ( انظر 690 ) .
 
( 140 ) دين الناصح : على أساس أن كل مسلم مدين بالنصح لجميع المسلمين .


“ 423 “
 
( 158 ) المقصود بأم وليد الفيل ذاك قدرة رجال الحق “ استعلامى / 3 - 232 “ .
 
( 161 ) إشارة إلى ما روى عن الرسول أنه قال وهو في المدينة “ إني لأجد ريح الرحمن من قبل اليمن “ يقصد أويس القرني ( مولوى 3 / 35 ) .
 
( 169 - 170 ) : في الدعاء الذي علمه الإمام على رضي الله عنه لكميل بن زياد المعروف باسم دعاء كميل “ اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء “ وفي وصيته رضي الله عنه بعد أن ضربه ابن ملجم “ لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فيولى عليكم شراركم فتدعون فلا يستجاب لكم “ ( جلبنارلى - ثالث - ص 44 ) .
 
( 171 ) اللفظ لا يهم في الدعاء إلى الله المطلع على ما في القلوب إنه يتجاوز الاعوجاج في اللفظ وعدم حسن التعبير إن صحت النية ، ولمولانا جلال الدين في هذا المجال معالجة أكثر تفصيلا في الكتاب الثاني في قصة “موسى والراعي“ (الكتاب الثاني - الأبيات من 1620 إلى 1774).
 
( 172 - 179 ) يضرب مولانا مثلا على عدم أهمية مخارج الألفاظ إذا صحت النية وصلح القلب - أو عدم أهمية الظاهرة إذا صلح الباطن عموما - أو أن خطأ المحبوب أفضل من صواب غير المحبوب بهذه القصة عن بلال ، وهي في الظاهر مأخوذة عن حديث موضوع هو “ سين بلال عند الله شين “ كما ورد نظيرها في تذكرة الأولياء لفريد الدين العطار عن الحسن البصري ، الذي صلى وراء الصوفي حبيب العجمي ولما راه يقرأ الحمد ( الهمد ) انصرف عن الصلاة خلفة ، فعاتبه الله تعالى في نومه قائلا : “ إن هناك فرقا كبيراً بين تقويم اللسان وتقويم القلب “ ( مأخذ / 88 - 89 ) وإخوان الصفا 179 ليس مقصودا به الجماعة التي تحمل هذا الاسم .
 
“ 424 “
 
( 180 - 186 ) الرواية الواردة في الأبيات مبنية على ما ورده الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره ، قال عليه السلام : ادعوا الله بألسنة ما عصيتموه بها ، قالوا يا رسول الله ومن لنا بتلك الألسنة قال يدعو بعضكم لبعض لأنك ما عصيت بلسانه وهو ما عصى بلسانك ( ماخذ 89 ) وفي الجامع الصغير ، دعاء المرء المسلم مستجاب لأخيه بظهر الغيب ، عند رأسه ملك موكل فكلما دعا لأخيه بخير قال الملك أمين ولك بمثل ذلك “ و “ دعوتان ليس بينهم وبين الله حجاب ، دعوة المظلوم ودعوة المرء لأخيه بظهر الغيب “ جلبنارلى - ثالث - ص 107 - ص 108 .
 
( 189 - 197 ) نقل يوسف بن أحمد عن نجم الدين كبرى أن الذكر هنا يحتوى على فاء التعقيب معناه أذكركم فاذكروني كما قال رضي الله عنهم ورضوا عنه ويحبهم ويحبونه ( مولوى / 3 - 38 ) ، ويفسر مولانا هنا فكرة طالما تناولها في المثنوى وفحواها أن الله هو الذي يلهم الدعاء ، وهو الذي يجيب ، والدعاء والاستجابة من الله ، أو كما يعبر هنا : يا الله هي لبيك ، وواضح في البيت 196 أن مولانا يقصد أن الخوف من الله وحب الله كلاهما جذب من قبل الله ، وهو دائما ما يستجيب لتضرع الصادق ورجل الحق “ في الكتاب الأول “ يا رب واحد منه مقابلها ستون لبيك بيت 1588 ) .
 
( 198 - 201 ) وكما أن الدليل إلى الدعاء هو جذب من الله تعالى أنه يسد باب الدعاء أمام من ختم على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم ، فلا إذن لهم يقول “ يا رب “ ، ويصل الأمر ألا يبتلى من لم يؤذن له بالدعاء ، “ وإذا أحب الله عبداً ابتلاه “ فكان البلاء هنا عطية من الله تعالى لأنه يدفع للدعاء المقرون بالاستجابة .
 
( 205 - 210 ) والمخلوقات الأخرى ، حتى المخلوقات التي يقال إنها نجسة كالكلاب ( وتعاطف مولانا جلال الدين مع هذه المخلوقات مشهود في مواضع
 
“ 425 “
 
عديدة من المثنوي كما سنرى ) ليست محرومة من الدعاء ، لأن كل راغب أسير لمانع ، فإن خلص قد نجا ( مولوى / 3 - 41 ) وكما يصل الإنسان بالدعاء والتقرب إلى الخروج من الطبيعة الإنسانية وكذلك بإرشاد المرشد ، فإن الكلب يستطيع ذلك ، والمثال كلب ال الكهف ، وهو مثال يتكرر عند الصوفية كثيراً عن الرياضة والسلوك والعبادة التي يمكن أن تغير من الطبيعة ، فهو مع الملوك أي أصحاب الكهف في الغار ، وهو يشرب ماء الرحمة بلا كأس ، لأنه متى يسع هذا الماء المعنوي كأس ؟ أما الذين يرتدون جلود الكلاب فهم الذين تزدريهم العين لقبح منظرهم أو لسوء هندامهم ، هم الشعث الغبر الذين لو أقسموا على الله لأبرهم .( 211 - 218 ) ينتقل مولانا جلال الدين إلى فكرة أخرى يقرنها بالدعاء ، فالدعاء في حاجة أيضا إلى عمل وجهاد مع النفس وصبر على مصاعب الطريق وعدم الشكوى من صعوبة الطريق . . . وحسن اختيار المرشد ، فإن المرشد المزيف الذي لا يعرف الطريق ويدعى أنه يعرفه أكثر خطورة من الذئب ، وهو أشبه بالغول أو بإخوة يوسف .
 
( 228 - 235 ) إن العيبة أي “ الخُرج “ هي الزاد المعنوي والتقوى ، ويشير في الشطرة الثانية إلى قصة شهيرة من قصص تراث الأدب الفارسي هي قصة العاشق ويس والمعشوقة رامين ، وقد نظمها شعرا فخر الدين أسعد الجرجاني ، إن المعشوق إذن هو ذاتك ، فكن باحثا عن حقيقة هذه الذات ، وكل ما هو سواها مانع . فمن عرف نفسه عرف ربه ، وإلى جوار الصبر والجهاد هناك الحزم وبعد النظر وعدم الاغترار بدعوة أهل الدنيا الذين يجعلون المرء يحيد عن الطريق ، فهي كصفير ذلك الصياد الذي يقلد صوت الطائر لكي يخدع الطيور فتقع في الفخ ( انظر الكتاب الأول بيت 318 ) وفي البيت 234 الطائر الدى أعطاه الله الحزم أي العبد الذي لا تخدعه الدنيا ولا تلهيه مغرياتها .
 
“ 426 “
 
( 236 ) القصة التي تبدأ بهذا البيت ورد شبيه لها في كتاب البخلاء للجاحظ وهي قصة المروزي الذي كان ينزل بمنزل العراقي فيكرمه أشد الكرم فيلح على العراقي بزيارته لرد بعض جميلة ، وفي النهاية تعن للعراقي حاجة في مرو ، لكن المروزي ينكره تماما ( طبعة صادر ص / 16 )
( ماخذ / 89 - 90 ) ويجعل مولانا من هذه القصة بين الخضري والقروي كعادته في التعامل مع قصصه مجرد خلفية لإرشاد المريدين والخوض في الأفكار السامية العالية ، ويشك استعلامى في كتاب البخلاء كمصدر للحكاية ( 3 ص 235 ) ويرى أنها تقدم نموذجا بشريا للجحود والنكران والخداع يتكرر في كل عصر وفي كل بيئة ، وربما قرأها مولانا في كتاب اخر أو سمعها من شيوخه أو رفاقة أو نقلها اقتباسا واستحياء من الحديث النبوي الذي ذكره في الأبيات من 518 إلى 523 ، عن تأثير القرية في العقل وسيرد في حينه ، والقصة اية في فن القص سواء من ناحية الحبكة أو من ناحية السرد أو من ناحية الحوار أو من ناحية مطابقة الحوار للشخصية ، وتسودها روح ساخرة ترجح الرأي القائل باستنادها إلى الحكاية المروية عند الجاحظ ، وقد عرض الزميل الفاضل الدكتور رجاء جبر للقصة في كتابه “ في الأدب المقارن دواسة في المصادر والتأثيرات لثلاثة من الأعمال الأدبية العالمية “ ( القاهرة - مكتبة الشباب 1966 - ص 137 - 176 )
وحللها تحليلا عظيما وترجم بعض أبياتها أثناء تحليلها ويرى الزميل الدكتور رجاء أن الرحلة إلى القرية ترمز إلى كل ما هو مضاد للمعرفة والعقل والدين ، ودعوة القروي للمدنى هي دعوة إلى الجهالة والانسياق وراء خداع الشكل والظاهر ( ص 160 ) ،
 
وفي تفسير اخر ليوسف أبن أحمد أن القروي هو النفس والحضري هو العقل والأبناء هم الحواس ، ولا شك أن المفسرين القدامى لجلال الدين كانوا يحاولون ربط كل ما ورد في المثنوى بأفكار جلال الدين العرفانية ، وسوفى تنبئ القصة أثناء تحليلها هنا عن معان أخرى كثيرة .
 
“ 427 “
 
( 250 ) طائر اللقلق من الطيور التي تهاجر في فصل الشتاء ثم تعود في بداية الدفء ، وتقيم عادة بأعلى المآذن أو قباب المساجد ، ومن ثم يسمى “ حاجى لقلق “ وانظر إلى سخرية جلال الدين وهو يصف تردد الريفي على المدينة في موعده وأنه طائر “ اللقلق “ ، فضلا عن أن تصور الريفي طائر اللقلق بساقيه الرفيعتين وريشه المتهدل ووقار مظهره يضيف صوراً فنية عديدة إلى هذا المعنى .
 
( 263 ) يخاطب الحضري ابنه بلقب “ سيبوبه “ ويقصد به طبعاً النحوي المشهور أبا بشر عمرو بن عثمان البيضاوي مؤسس علم النحو المتوفى سنة 183 ه - أو سنة 185 ه - ، وذلك لأنه “ استفاض “ في محاولة إقناع أبيه بالسفر إلى القرية ، ومن المستبعد بالطبع ما ذهب إليه استعلامى ( 3 / 235 ) من أن مولانا استخدم الكلمة استخداما لغويا ، ويقصد أن ينادى ولده “ يا تفاحتى الصغيرة “ ، والشطرة الثانية مثل مشهور أورده الميداني كمثل من أمثال العرب ، كما ينسب أيضاً إلى الإمام على رضي الله عنه ويرى جلبنارلى ( ثالث / 109 )
 أن قول الإمام على هو “ احذروا صولة الكريم إذا جاع واللئيم إذا شبع “ والمعنى بعيد ، ويعلق مولانا بحديث عن الصداقة فيرى أنها بذرة النفس الأخير ، أي من الذخائر التي يعدها المرء لأخريات حياته وليس من اليسير بمكان أن يهب صداقته لأي إنسان ، بل يجب أن يبحث عن صحبة كالربيع لا صحبة كالشتاء القارس في المزارع ، وينبئ الحضري هنا بحسه الداخلي عن عدم استراحته للسفر إلى الريف وعدم حسن ظنه بالريفى “ فسوء الظن من حسن الفطن “
 وقد نسبه إلى الرسول صلّى اللّه عليه وسلم ، وورد في الجامع الصغير ، لكنه ورد أيضاً في مجمع الأمثال للميدانى منسوبا إلى أكثم بن صيفي ، ويقدم مولانا جلال الدين في الأبيات التالية ،
درسا عن الطريق : فحذار للسالك من أن يظن الطريق ممهدا ، فالصحراء تبدو ممهدة مستوية ، لكن كل قدم منها تحته
 
“ 428 “
 
فخ على السالك أن يحذره ولا يكون كالماعز الجبلي الذي لا يرى الفخ فيقع فيه من جهله وغفلته وعدم حزمه ، بل إن الظواهر نفسها تدلنا على الفخاخ ، فهل يوجد الشحم والدسم في المزرعة ؟ إنه إن وجد فلا بد أنه لفخ ويشير مولانا أيضاً في هذا المثال إلى أنه لا يوجد “ غذاء معنوي “ في المزرعة “ الريفية “ فإن وجد ( تظاهر الريفي ) فلابد أنه زيف وشبكة صياد وفخ .
 
( 276 ) إن كانت لك بصيرة ربانية فامض في الطريق ، وإن لم تكن لك بصيرة فاستعن بعصا ( مرشد ) وإن لم تكن لك هذه العصا ، فهناك عصا أخرى تعتمد على العقل والطهارة الأخلاقية ( الحزم والاستدلال ) .
 
( 281 ) الصورة تكررت في الكتاب السادس الأبيات 4093 - 4095 .
 
( 282 ) القصة التي تبدأ بهذا البيت معتمدة على قصة سبأ كما وردت في القرآن الكريم ( أنظر سورة سبا الآيات 15 - 19 ) ، ويبدأ مولانا القصة هنا ثم يتركها غير كاملة لأن الاسترسال في موضوعات إرشادية يقطع سياق القصص عنده دائما ولكنه يعود إليها ثانية ابتداء من البيت 364 والبيت 2602 - لكنه يتخذ من هذه القصة منطلقا لتقديم تصوير حي للقصص الديني عن طريق المناقشات التي تجرى بين الأنبياء الذين أرسلوا لسبأ وعددهم ثلاثة عشر ( أنظر البيت 2671 ) وهذا في حوار حي مفعم بالنقاط العرفانية .
 
( 293 - 297 ) ينتقل مولانا من الصور التي يأخذها من الحياة ، ومن الحوار بين “ الكلاب “ إلى أوج بيانه العرفاني ، فها هو يخاطب الناكص عن “ أبواب القلوب “ من أهل الحق والعارفين بعد أن نال غذاءه الروحاني من ماء الحياة ( الماء المذكور في الأساطير الفارسية أن من يشربه يعيش إلى الأبد ، وهو ماء الحياة وماء الإسكندر وماء الخضر وماء الحيوان ) ، والمقصود بالانسلاخ عن الذات الخلاص من نوازع النفس ، والدب بالطبع لا يطوف على


“ 429 “
 
باب كل دكان ولكن المقصود هنا هو اللاعب بالدب “ الذي يطوف بدبه بين الدكاكين ليتكدى به “ . . . وفي رقم 296 يرى أن الدسم الحقيقي هو “ دسم “ الروح من المعاني والإرشادات ومن الأفضل هنا أمر القانط ، أي أن القانط من رحمة الله عليه أن يلزم هذه الأبواب ، أهل الروح وأهل المعنى ، أو خير للإنسان هنا أن يقنط مما في أيدي الناس .
 
( 299 - 306 ) يضرب بعيسى عليه السلام المثل على أبواب أهل القلوب المفتوحة أمام مكدودى الدنيا ومرضاها ومتعبيها على ما ورد في القرآن الكريم ، والمقصود بالطبع أنه إذا كان باب عيسى قد أغلق ، فإن من رحمة الله سبحانه وتعالى على خلقه ألا يغلق باب هذه الرحمة ، وأن يوجد في كل عصر من أهل القلوب والأولياء وأبدال الحق من يقومون في عصورهم بما كان يقوم به عيسى عليه السلام في عصره .
 
( 307 - 322 ) يتوجه مولانا جلال الدين بالحديث إلى المريدين الذين ينكصون عن عهد الشيوخ وميثاقهم ويضلون عنهم تمهيدا لأن يضلوا عن أنفسهم أيضاً فالمنكر لشيخه غالبا ما ينكر ذاته ويتخبط في متاهات الدنيا ، ثم يعود في الأبيات
( 314 - 322 ) إلى الحوار الذي يجرى بين الكلاب الوفية والكلاب الجحودة وزجرها إياها عن التحول عن “ الباب الأول “ و “ الجرى بين الأبواب “
 ( أنظر أبيات ( 291 - 292 ) ويضرب المثل أيضا بكلب أهل الكهف ( أنظر الأبيات 406 - 409 من الكتاب الأول وشروحها ) .
 
( 323 - 330 ) إن الوفاء بالعهد من الأهمية بمكان بحيث يفخر به الله سبحانه وتعالىوَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ( التوبة / 111 ) لكن الوفاء لا يليق مع غادر لعهد الله تعالى ، لأن حقوق الله دائما سابقة على حقوق البشر ، ويضرب المثل بحق الأم وهو مقدم على كل حقوق البشر ، لكنه لا يقدم على حق الله تعالى ، لأن الله تعالى هو الذي وضع “ الأمومة “ في طبعها وجبلتها ، فلا
 
“ 430 “
 
تفترض أن هذا الأمر منها هي .
 
( 331 - 337 ) يناجى مولانا جلال الدين الله سبحانه وتالي : يا قديم الإحسان ، أي يا من إحسانك علينا منذ الأزل “ الحق سبحانه وتعالى عند الحكماء فاعل بالعناية وعند العارفين الشامخين فاعل بالتجلي ( سبزوارى / 193 ) يا من حفظك لنا قديم قدم العهد حتى قبل أن تأتى بنا إلى عالم الصورة ، منذ أن أخذتنا من ظهورنا ، وأشهدتنا بالربوبية وهذا المعنى في سورة ( الأعراف / 173 ) فكل الوجود منك حتى الذكر فإنك أنت الذي أمرتنا بالذكر ، وحفظتنا مرة ثانية كنطف في ظهور أجدادنا عندما كنا في سفينة نوح - وفي البيت 335 يذكر الماء النارى الطبع إشارة إلى ما يروى من أن طوفان نوح قد بدأ من تنور عجوز في الكوفة ، وإنه انبعث من هذا التنور ما يشبه البركان ( استعلامى 3 / 238 ) .
 
( 348 - 363 ) إن هذا الحفظ الإلهى في حاجة إلى شكر من الإنسان ، لكن الإنسان الذي لا يؤدى حق المنعم بشكر نعمته يتعرض للعذاب ليس في الآخرة فحسب بل وفي الدنيا أيضا ، ويؤكد مولانا جلال الدين كثيرا على هذه الفكرة أن العذاب ليس في الآخرة فحسب ، بل إن الله سبحانه وتعالى لكي يحمل عبده سبحانه وتعالى على الجادة ، يرسل إليه من المشاعر الداخلية والأحوال ما يخزه في هذه الدنيا .
 
وكأني بمولانا جلال الدين كان يرى في ذلك العصر المبكر أن المجرم هو أول من يعاقب نفسه ، وقد وردت الفكرة عن سنائى أيضا : إذا فاتتك صلاة فانظر إلى نفسك تصير من المرضى “ سنائى ديوان 436 “ وإن العقاب على الجريمة ليس من اللازم أن يأتي من الخارج ( الفكرة التي قامت عليها رواية الجريمة والعقاب لديستيوفسكى ، وكثير جدا من الأعمال الأدبية المعاصرة ) ،
ويعبر مولانا عن هذا العقاب الداخلي بمصطلح القبض ( الانقباض ، الاكتئاب ، الحزن بلا سبب ظاهر ) ، إنه - أي مولانا - يخاطب المريد الناكص الجاحد على شكل الاستجواب ألم يحس المريد بقبض لأنه ترك وردا من أوراده ؟ إن هذا
 
“ 431 “
 
القبض يستمر ثم يصير كالغل الحديدى ، أليس هذا يعنى أن بعض أمراض الجسد يبدأ من أمراض النفس ؟ وبدلا من أن يكون واردا ( وقتيا ) يثبت ويعلن على الملأ ، وهذه هي المعيشة الضنك التي أوعد الله سبحانه وتعالى بها من أعرض عن الذكر ( طه / 124 ) ،
ثم ينتقل ابتداء من البيت 355 إلى مثال حي اخر : إن اللص عندما يسرق مال الناس يحس بهذا القبض ( الانقباض ) ويتساءل بينه وبين نفسه لماذا ؟ ويجيب مولانا . . . إن حزن ذلك المظلوم الذي تعرض لأذاك ، ولا يلبث أن ينقلب “ قبض “ القلب إلى “ قبض “ الشرطة والعسس ، ينقلب ككل شعور يرسخ إلى “ عمل “ ظاهر معلن على الملأ ، ومن ثم فعلى المرء أن يتتبع مشاعره فهي أشبه بجذور إن لم تقتلع فإنها سريعا ما تؤتى أوراقها وثمارها وتنتشر من القلب “ على الملأ “ ، وعلى العكس فإن “ بسط “ القلب وسروره أيضا في حاجة إلى متابعة مباشرة حتى يؤتى ثمار الروح التي يمكن إن تؤثر بها الأصدقاء .
 
( 368 ) المقصود ما ورد في الآية الكريمةرَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا( 19 سبأ ) يقول يوسف بن أحمد : يروى أنه كان بين سبأ والشام أربعة آلاف قرية عامرة ، فطلب أغنياؤهم من الله أن يجعلها فيافى وقفارا حتى يتطاولوا على الفقراء بركوب المطايا وحمل الزاد . ( مولوى 3 / 66 ) .
 
( 371 - 372 ) يرى استعلامى أن مضمون الأبيات العربية شبية بشعر نسب إلى امرئ القيس هو :يتمنى المرء في الصيف الشتا * فإذا جاء الشتا أنكره
فهو لا يرضى بحال واحد * قتل الإنسان ما أكفره !وواضح من صياغة هذا الشعر ومن لغته أنه لا يمكن أن يكون لامرئ القيس .
 
( 374 ) إن النفس شبيهة بهذا الإنسان الكفور ، ومن ثم فهي جديرة بالقتل .
 
“ 432 “
 
ومن هنا قال موسى عليه السلام :وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ” يفسر نجم الدين كبرى الآية بما يذهب إليه مولانا جلال الدين : ارجعوا إلى الله بالخروج عما سواه ولا يمكنكم إلا بقتل النفس بقمع الهوى لأنه هو حياتها “ ( مولوى 3 / 66 ) وفسرها يوسف بن أحمد : أي ليقتل البرئ المجرم ( مولوى 3 / 66 ) .
 
( 380 - 389 ) يعود مولانا إلى فكرة يؤكد عليها كثيرا ( انظر الكتاب الأول 1264 - 1271 ) وهي أن القضاء الإلهى يمحو كل قدرة أخرى نراها في الوجود وينقل جلبنارلى ( ثالث - ص 111 ) حديثا نبويا هو “ إذا أراد الله انفاذ قضائه وقدره سلب ذوى العقول عقولهم حتى ينفذ فيهم قضاؤه وقدره ، فإذا قضى أمره رد إليهم عقولهم ووقعت الندامة “ ، وكحل العين ، في البيت 382 هو قدرة الحق القريبة من الأبصار قرب الكحل من العين ، وفي 383 - 384 الفارس هو القضاء الإلهى والقدرة الإلهية ونحن أسارى لمظاهرها واثارها ولا نرى من الفارس إلا الغبار ( استعلامى 3 / 240 ) ويرى يوسف بن أحمد أن الفارس هو الله والغبار أسباب الدنيا ( 3 / 67 ) والفارس هو الحقيقة والغبار هو غبار الطبع والأغراض والأمراض التي تخفى وجه الحقيقة ، وكعادة مولانا في تكرار الصور
 ( المثنوى كتاب تعليمي في الحقيقة كتب ليعلم المريدين ، فانظر كيف كان المريدون يتعلمون منذ ثمانية قرون ) يكرر هذا المعنى في صورتين : الذئب والأسد ، ويضرب بالذئب مثلا للقدرة الإلهية خاصة عند القهر والغضب .
 
( 390 - 397 ) ينتقل مولانا جلال الدين من الحديث العام إلى الموضوع الذي يتناوله وهو موضوع أهل سبأ فالذئب هو القهر الإلهى والخراف هم الضالون الذين يغمضون العين عن راعى العقل “ أو في حالة أهل سبأ ينصرفون عن أنبياء الله الذين أرسلوا لهدايتهم ، وتمسكوا بالحمية حمية الجاهلية ، ظلموا الأنبياء ومزقوا صدورهم .
“ 433 “
 
 
( 398 - 411 ) يتحدث مولانا عن تعرض القلب والروح للظلم في سجن الجسد ، إن القلب “ الباحث عن الحق “ مقيد في “ حي النفس “ ، إنك تعامله كالحيوان ، تحاول أن ترضيه بمنافع الدنيا ، تحضر له عجلا حنيذا كي يشبع “ ويسمن “ وأولى بك أن تحمل هذا العجل إلى مستودع التبن فإن قوت الروح هو رؤية الله ومشاهدته إنه - أي القلب الباحث عن الحق - يستغيث بالله في هذا البلاء ويرجو منه العون على هذا الذئب العجوز ( النفس ) ، إنه أي القلب الباحث عن الحق يشبه نفسه في إسار الجسد بالأنبياء في إسار الكفار : محمد صلّى اللّه عليه وسلم في تعامله مع اليهود ، وصالح عليه السلام في سجن ثمود ، فكما وهب الله تعالى السعادة لأرواح الأنبياء تطالب الروح بالسعادة ، تطالب الروح بأن يدعوها إليه ، أما تعال : فلا تعنى المجئ بل تعنى في رأى ليوسف بن أحمد : تجل بجمالك واقطعنى عمن سواك ( 3 / 70 )
فالكافر نفسه لا يستطيع أن يصبر عن الرؤية ، إنه القائل يوم القيامة عندما يرى حرمانه من الرؤية والمشاهدة ( يا ليتني كنت ترابا ) ( النبأ / 40 ) ، ثم يخاطب الله سبحانه وتعالى الروح بلطف طالبا منها أن تتجمل بالصبر ، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يسعى من أجلها ، يعمل في جذبها برسن اللطف إلى حضرته ، وفي الكتاب الأول :
إنه يبدي نفسه للقلوب وهو الذي يخيط خرق الدراويش ( بيت 685 ) .
 
( 419 - 432 ) الرفيق المذكور في البيت 419 المقصود المقصود به أهل الله والرفاق في الطريق أما كنز الفقير فهو المرشد ورجل الحق فهو في الظاهر معدم لكنه خازن خزانة الله في الحقيقة ، وفي الأبيات من 421 فما بعدها أسباب نزول الآية الكريمةوَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ( الجمعة / 11 ) وحوار البازي والبط فيما يقول زرين كوب ( سرني 1 / 300 ) مأخوذ عن نظامى دون تحديد .
 
“ 434 “
 
( 453 - 464 ) ينتقل من الحديث عن الأرض إلى الحديث عن “ الأرض “ أي الإنسان ، إذ كانت الأرض مستسلمة لحكم القضاء ، ومن هذا الاستسلام يكون لها الزرع والثمر والرياض والبساتين فأولى بالإنسان وهو من تراب هذه الأرض أن يستسلم ، وقد ورد هذا الربط في شعر لسعدى :
لقد خلقك الإله الطاهر من تراب * إذن فتواضع أيها العبد كالتراب ( بستان - كليات ص 408 طهران 1351 ه - ش )
فكما تستسلم البذرة فتنبت حبا وسنابل سامقات ، على الإنسان أن “ يسلم “ ، وفي هذا التسليم علو له ، فكما ينزل كل شئ من أعلى ، ثم يصعد إلى أعلى مرة ثانية ، فقوسا الصعود والهبوط ليسا خاصين بالسير العلوي الإنسانى ، بل هي قاعدة إلهية تجرى على كل المخلوقات : فكلهم رجعتهم إليه ، وكل شئ هالك إلا وجهه .
 
على السبزواري على قوله كل الأجزاء سواء في تحرك أو سكون : إن الأشياء إذا كانت ساكنة من جهة فهي متحركة من جهات وطالبة للحركة واتجاهها إلى المطلوب ، فالنباتات ساكنة في المكان لكنها ذات حركة في المقدار اللهم إلا في وقت الوقوف وكذا كل شئ يبدو ساكنا ( ص 196 ) .
 
( 466 - 473 ) يعود ثانية إلى قصة الحضري والقروي ، وكيف أن القضاء يجعل القوى مغلوبا للضعيف ، يسلبه لبه ، يستطيع سليمان أن يحبس الجنى والشيطان في زجاجة ويلقيها في اليم ، ويمضى هاروت نحو الفتنة والضياع والسجن في بابل ، ( مضامين سبق لمولانا تناولها : انظر الكتاب الأول الأبيات 1202 ، من 1236 - 1242 ، 1242 - 1271 )
 
هنا تلميح إلى قول منسوب إلى الإمام على أنه عندما سمع قول أفلاطون إن العالم كرة والأرض نقطة والأفلاك قسى والحوادث سهام والمواليد أهداف والله كالرامي : قال ففروا إلى الله ( سبزوارى ص 196 ) ولا حيلة إلا الفرار من القضاء إلى القضاء ، فلن ينجو


“ 435 “
 
إلا من يلجأ إلى الله ، ولا يستطيع “ تربيع “ أي طالع سوء أن يجد سبيله إليه ، والتربيع في اصطلاح علم الهيئة اسم نقطتين في مسير القمر حول الأرض بحيث يبدو نصف القمر مظلما ، وفي علم التنجيم يعنى وقوع نجمتين في منطقة البروج بحيث يكون بينهما برجان ، وينظر أحدهما إلى الآخر في الخانة الرابعة ، ويعتبر المنجمون هذا الوضع من طوالع النحس ( استعلامى 3 / 243 - 244 ) .
 
( 474 - 481 ) ضروان موضع في اليمن على بعد فرسخين من صنعاء ووردت قصة أهل ضروان في القران الكريم في قوله تعالى :إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ * وَلا يَسْتَثْنُونَ * فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ * فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ * أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ * فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ( القلم 17 - 27 ) في رواية كان أبوهم أهل خير وإنفاق فلما مات بخلوا بحق الفقراء ، فأرسل الله على مزارعهم نارا بليل أحرقتها عن أخرها ( ماخذ / 169 - 170 )
ومن الواضح أن مولانا سيترك القصة بعد عدة أبيات . . . إلى أن يعود إليها في الكتاب الخامس ، والشطرة الأولى من البيت 479 مقتبسة من الآية الكريمةأَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ( الملك / 14 ) ،
وفي البيت 481 اقتبس الشطرة الثانية من الآية الكريمة ( وأحصى كل شئ عددا )
( الجن 28 ) واقتباس الآيات القرآنية في أشعار الشعراء الفرس الكبار ظاهرة ملحوظة عند سعدى وحافظ وجلال الدين ، ولعلهم كانوا ينقلون عن القران الكريم خوفا من اللحن عند الكتابة بالعربية .
 
( 482 - 487 ) يترك مولانا قصة أهل ضروان ، ليتحدث عن هجر المحزون
 

“ 436 “
 
أي إلى بث الروح التي تتألم من ألم الهجر ( انظر ترجمة أغنية الناى في الأبيات الأولى من الكتاب الأول وفي كتاب فصول من المثنوى للدكتور عبد الوهاب عزام ) ، وانظر إلى قول مولانا في البيت التالي : إنها زكاة تلك التي تؤديها للمحزون باستماعك إليه يبث شكواه ، إن مجرد البث والشكوى راحة للمحزون وسلوى له ، فالروح شريفة نزلت في منبت الشرف ومن النفخة الإلهية وحبست في الماء والطين “ أي الجسد “ ، ويشبه الإصغاء لهذا البث والشكوى كأنه “ كوة “ تخرج الدخان من قلب المكلوم أو المحزون . . . ويطلب من السالك أو من عابر السبيل أن يقدم هذا الإصغاء .
 
( 488 - 496 ) تتناول الأبيات شكوى الروح ، أو شكوى ذلك الإنسان الذي يحس بهذه الروح وبترددها بين الجنوح نحو موطنها ومنبتها الأول وبين سجن الجسد والطين ، وهو ميدان الصراع عند الصوفي أو السالك ، أو القضية الأولى في جدلية العرفان إذا جاز لنا التعبير ، ويدق عليها مولانا كثيرا ، ويتركها ويعود إليها في مواضع كثيرة وقد عبر مولانا سنائى عن هذه الجدلية في بيت واحد :
ما ذا أفعل بالجسد ولست من الطين ؟ * وما ذا أفعل بالروح ولست من عليين ( ديوان سنائى - تهران 1362 ه - ش . ط 3 ص 385 ) .
 
إن هذا التردد عقبة لأنه لا يزال يجذب الإنسان نحو الماء والطين ، ولا حل كما يعبر مولانا في هذه الأبيات إلا التعلق بمن يعرف الطريق والسير في أثره أو كما عبر عنه مولانا سنائى : “ التعلق بأهداب سرج صاحب دولة أو مقبل “ ديوان سنائى 486 “ . أما السير على النار فهو يعنى السير في الطريق الصوفي المحفوف بالمخاطر والملئ بالعقبات ، ولا ينجو فيه إلا من حرره الله تعالى من الخوف ، وخاطبه كما خاطب موسى عليه السلامقُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى
 
“ 437 “
 

( طه / 68 ) ، غير أن هذا الخوف هو السبيل إلى جذب رحمة الحق ، على المرء أن يخاف ويحس بالقلق إن لم يحس في قلبه بالخوف ، وفي هذا الموضع روايات كثيرة عن الصوفية أبرزها ما قاله السرى السقطي “ إني لأنظر في المرأة في اليوم سبعين مرة مخافة أن يكون قد اسود وجهي “ ويعلق صاحب شرح التعرف على هذا القول “ وهذا لأن الرسول - صلّى اللّه عليه وسلم - قال وجه المؤمن مراة قلبه ووجه الكافر مراة قلبه “ . وقالوا إن بياض وجه المؤمن يوم القيامة هو نور إيمان قلبه وروى عن السرى أيضا : لا أحب أن أموت حيث أعرف مخالفة ألا تقبلني الأرض وكل هذه الأمور نابعة من أن تكون العبادة عن رياء أو خوف أو طمع ( شرح التعرف لإبراهيم بن المستملى البخاري 2 / 8 - 9 ) ويطول الكلام في هذا المجال ، أي أن تكون عبادته رياء وعجبا ويشعر بالزهو من تعظيم الخلق “ وسوف يرد هذا المعنى “ فيسود الوجه ، فغير الخائف لا إذن له بالطواف حول هذا المحل .
.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: