الأربعاء، 26 أغسطس 2020

04 - حركة السيد نحو القرية .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

04 - حركة السيد نحو القرية .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

حركة السيد نحو القرية .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

حركة السيد نحو القرية
- بدأ السيد في العمل وأعد الزاد ، وساق طائر عزمه سريعا نحو القرية .
- وأعد الأهل والأبناء عدتهم للسفر ، ووضعوا حاجياتهم علي ثور العزم .
- وأسرعوا سعداء نحو القرية ، قائلين : أبشروا فإننا لآكلون الثمار من القرية .
 
500 - فإن مقصدنا مرعى حسن ، وصديقنا هناك كريم بشوش .
- لقد دعانا بألاف من أنواع الترغيب ، ومن أجلنا غرس غرسا كريما .
- ثم نعود من عنده صوب المدينة ، بذخيرة القرية للشتاء الطويل .
- ويؤثرنا عليه بحديقته ، ويجعل لنا موضعا في سويداء روحه .
- “ عجلوا أصحابنا كي تربحوا “ ، وكان العقل يقول من الباطن “ لا تفرحوا “ .
 
505 -” من رياح الله كونوا رابحين * إن ربي لا يحب الفرحين “
-” افرحوا هونا بما أتاكم * كل أت مشغل ألهاكم ““ 1 “ .
- كن فرحا منه ولا تكن فرحا من غيره، فهو الربيع وغيره زمهرير الشتاء “ 2 “ .
..............................................................
( 1 ) ما بين الأقواس باللغة العربية في المتن .
( 2 ) حرفيا : شهر “ دى “ .
 
“ 66 “
 
- وكل ما سواه استدارج لك ، مهما كان بالنسبة لك عرشا وملكا وتاجا .
- وكن فرحا من الحزن هو شراك اللقاء ، والرفعة من التواضع في هذا الطريق .
 
510 - فالحزن كنز وألمَكُ معدنه ، لكن متي يكون هذا بذي تأثير في الأطفال .
- فالأطفال عندما يستمعون إلى اسم اللعبة، يصيرون جميعا في سرعة حمار الوحش.
- ويا أيتها الحمر الضريرة في هذه الناحية فخاخ ، وهنا سفاحون مترصدون في هذه الناحية .
- وهنا قوس خفي يطلق السهام من الغيب، ويصيب الشباب منه مائة سهم من الشيب.
- وليكن خطوك في صحراء القلب ، ففي صحراء الطين لا يوجد فتح .
 
515 - والقلب عمران أمن أيها الأصدقاء ، فيه عيون ورياض في رياض .
- “ عج إلي القلب وسر يا سارية ، فيه أشجار وعين جارية “ “ 1 “ .
- ولا تذهب إلي القرية فالقرية تجعل المرء أحمق ، وتجعل العقل بلا نور أو رونق .
- وأستمع إلي قول الرسول أيها المجتبي ، “ وفحواه “ أن مقبرة العقل في الريف .
- وكل من يقيم في القرية شهرا كاملا صباح مساء لا يكون عقله كاملا .
 
520 - وحتى شهر لا يكون عقله كاملا ، فماذا يحصد من القرية إلا عشب القرية .
- وكل من يبقي شهرا في الريف ، تكون الأيام لديه جهلا وعمي .
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن .
 
“ 67 “
 
- وماذا تكون القرية سوى شيخ لم يصل ، تعلق بيديه بالحجة والتقليد .
- وهذه الحواس أمام مدينة العقل الكلي ، كالحمر المعصوبة “ تدور “ في الطاحون .
- فدعك من هذا وتعلق بظاهر الحكاية ، اترك حبات الدر وخذ حبات القمح .
 
525 - وإذا لم يكن لك طريق إلى الدر فانتبه وخذ القمح ، وإذا لم يكن لك طريق إليه أيضا فامض صوب تلك الناحية .
- وخذ بظاهرة بالرغم من أن الظاهر مضل ، لأن الظاهر يحمل إلي الباطن في النهاية .
- وبداية كل إنسان في الصورة ذاتها ، ثم بعد ذلك “ تنفخ “ الروح التي هي جمال السيرة .
- وما أول كل ثمرة إلا صورتها ، ثم بعد ذلك “ تأتي “ اللذة التي هي معناها .
- إنهم يقيمون مخيما ومعسكرا ، ثم يدعون بعد ذلك الترك إلي الضيافة .
 
530 - فاعلم أن المخيم هو صورتك والمعنى هو الترك ، واعتبر المعنى بالنسبة لك كالملاح والصور كالفلك .
- واترك هذا من أجل الحق برهة واحدة ، حتى يحرك حمار السيد الجرس .
 
ذهاب السيد وقومه نحو القرية
 
- أعد السيد وأولاده جهازا ، وعلي مطاياهم اتجهوا نحو القرية .
- ساقوا فرحين نحو الخلاء ، وأخذوا يرددون “ سافروا كي تغنموا “ .
- فمن الأسفار يصير القمر بدرا تام البهاء ، وبلا أسفار متى صار القمر بدر تمام ؟
  
“ 68 “ 
 
535 - ومن الأسفار يصير بيدق “ الشطرنج “ حصانا ، ومن السفر وجد يوسف الصديق مائة مراد .
- فأحرقوا الوجوه نهارا في ضوء الشمس ، وليلا كانوا يهتدون بالنجم في طريقهم .
- لقد صار الطريق الوعر سهلا أمامهم ، وفرحا بالقرية صار الطريق كأنه الجنة .
- فالمر يصير حلوا “ إذا صدر “ عن ذوى الشفاء الحلوة ، والشوك يصير شارحا للقلوب في الرياض .
- ومن المعشوق يصير الحنظل رطبا ، وتصير الدار مرجا من رفيقة الدار .
 
540 - وما أكثر المنعمين الذين يحملون الشوك ، أملا في محبوب قمري الوجه وردي الوجنة.
- وما أكثر الحمالين الذين صاروا ممزقي الظهور، من أجل محبوباتهم الفاتنات ذوات الوجوه كالأقمار .
- وذلك الحداد سود وجهه الجميل ، حتى يقبل القمر عندما يجن الليل .
- والسيد مسمر في حانوت حتى الليل ، ذلك أن “سروة“ ممشوقة القوام قد مدت بجذورها في قلبه .
- وتاجر ما يمضي في البر والبحر ، لكي يسرع بحب نحو قعيدة منزل .
 
545 - إن لكل واحد منهم شهوة مع ميت ، أملا فيمن عنده ملامح حي .
- فذلك النجار اتجه نحو الخشب ، أملا في الحضور بين يدي حسناء فاتنة الوجه .
- فكن مجتهدا علي أمل الحي الذي لا يتحول بعد يومين إلي جماد .
- ولا تختر خسيسا مؤنسا ، فالأنس من خسيس يكون شيئا مستعارا .
- فأين أنسك مع أبيك ومع أمك، إذا كان هناك وفاء عند مؤنسيك جميعا سوى الحق.
 
 
“ 69 “
  
550 - وماذا جري لأنسك مع الحاضنة والمربي ، إذا كان لأحد غير الحق أن يكون لك عضدا .
- لم يبق أنسك مع اللبن ومع الثدي ، ولم يبق أيضا نفورك من أول مدرسة .
- كان ذلك شعاعا علي جدارهم، وعادت تلك العلامة نحو الشمس ( الساطعة )!!
- وكلما يقع هذا الشعاع علي شيء ، تقوم أنت بعشقه أيها الشجاع .
- وعشقك لكل ما هو في الخليقة ، هو بالنسبة لصفة الحق كان طلاء ذهب .
 
555 - وعندما ذهب الطلاء الذهبي إلى حال سبيله وبقي النحاس مل منه الطبع وطلقه .
- فاسحب قدمك خارجا من صفاته ذات الطلاء الذهبي ، وكفاك قولا من الجهالة أن الزيف حلو .
- فإن تلك السعادة في الزيف عارية ، وتحت الزينة مادة بلا زينة .
- فالذهب من فوق الزيف يمضى إلي معدنه ، فامض أنت أيضا نحو المعدن حيثما يمضى .
- ويمضى النور من الجدار نحو الشمس ، فامض أنت أيضا نحو الشمس الجديرة بالمعنى .
 
560 - ومن ذلك الوقت فصاعدا خذ الماء من السماء ، ما دمت لم تر وفاء من القناة .
- وأصل “ الإلية “ لا يكون فخا لذئب ، فمتى يعلم الذئب المهول أصلها ؟
- لقد ظنوا أن الذهب معقود في سلكه، فأخذ هؤلاء المغرورون يسرعون نحو القرية.
 
“ 70 “
 
- وهكذا أخذوا يمضون ضاحكين راقصين ، وأخذوا يدورون حول هذه الساقية .
- وعندما كانوا يرون طائرا يطير نحو القرية ، كان صبرهم “ينفد“ ويمزق ثوبة “ 1 “.
 
565 - بل إن كل من كان يأتي من ناحية القرية نحوهم كانوا يقبلون وجهه .
- قائلين له : لقد رأيت وجه حبيبنا ومن ثم فأنت روح للروح وبصيرة لنا .
 
ملاحظة المجنون لذلك الكلب الذي كان في حي ليلى
 
- وهذه يشبه المجنون الذي كان يلاطف كلبا ، كان يقبله ويذوب “ رقة “ أمامه .
- كان يطوف حوله خاضعا ، وكان يسقيه محلول السكر صافيا “ 2 “ .
- فقال له فضولي : أيها المجنون الساذج : ما هذا الخبال الذي لا تزال تبديه ؟
 
570 - إن فم الكلب دائما ما يأكل النجس ، كما أنه ينظف مؤخرته بفمه .
- وعدّد عيوب الكلب الكثيرة ، والذي يعد العيوب لا يظفر بالنذر اليسير عن علام الغيوب .
- فقال له المجنون : إنك بأجمعك صورة وجسد ، فتقدم وانظر إليه بعيني 
- إنه هو الطلسم المعقود بالمولي ، وهو أيضا حارس حي “ ليلي “ .
- فانظر إلي همته وقلبه وروحه ومعرفته ، وانظر أي مكان اختاره مقاما له ! ! .
..............................................................
( 1 ) ج / 6 - 347 : - وكل نسيم كان يهب في ناحية القرية ، كأنه كان يرى منهم النفس والروح .
( 2 ) ج / 6 - 365 : - كان يطوف حوله خاضعا ، كما يطوف الحاج حول الكعبة صادقا . 
- كان يقبل رأسه وقدمه وسرته ، وكان يسقيه الجلاب صافيا .
  
“ 71 “ 
 
575 - إنه كلب كهفي مبارك الوجه ، بل هو شريكي في الألم وشريكي في اللهفة .
- وذلك الكلب الذي يكون مقيما في حيها ، متي أعطي شعرة واحدة منه في مقابل أسود ؟
- فيا من تكون الأسود غلمان كلابه ، لا إمكان للقول فصمتا والسلام .
- وانكم أن تجاوزتم الصورة أيها الرفاق ، توجد الجنة ورياض في رياض .
- وعندما تحطم صورة “ الذات “ وتحرقها ، فقد تعلمت إذن أن تحطم الصورة الكلية
 
580 - وبعد ذلك تستطيع أن تحطم كل صورة ، وتكون مثل “ حيدر “ تقتلع باب خيبر .
- لقد صار ذلك السيد السليم ضحية لصورة، إذ أخذ يسعي نحو القرية “ مخدوعا “ بقول سقيم.
- “ وأخذ يمضي “ نحو فخ ذلك المرائي سعيدا ، مثل طائر نحو “ حب “ الابتلاء .
- لقد اعتبر تلك الحبة من الكرم ، وذلك العطاء هو غاية الحرص وليس جودا .
- والطيور المسكينة - طمعا في تلك الحبة -طائرة مسرعة نحو ذلك الاحتيال فرحة.
 
585 - فلو أنني أخبرك بمقدار فرح السيد ، فإنني أخاف أيها السالك أن أضلك .
- ومن هنا اختصرت ، وعندما ظهرت القرية ، لم تكن القرية المقصودة إذا اختار طريقا أخر .
- فأخذوا يتنقلون من قرية إلي قرية قرابة شهر ، وذلك لأنهم لم يعرفوا طريق القرية جيدا .
 
“ 72 “
 
- وكل من مضي في الطريق بلا دليل ، يكون الطريق الذي يستغرق يومين هو طريق مائة عام .
- وكل من يسير نحو الكعبة بلا دليل ، يصير ذليلا مثل هؤلاء الضالين .
 
590 - وكل من يحترف مهنة بلا أستاذ ، يصير أضحوكة الحضر والريف .
- وليس إلا نادرا في الخافقين أن يخلق أدمي إلا من والدين .
- ويجد المال ذلك الذي يعمل ، ومن النادر أن يظهر كنز .
- فأين المصطفى الذي يكون جسمه روحا ، لكي يعلمه الرحمن القرآن .
- لقد علم كل أهل الجسد بالقلم ، ونشر الواسطة في بذل الكرم .
 
595 - وكل حريص محروم يا بني فلا تسرع كالحريصين ، وامش الهويني .
- وفي ذلك الطريق كابدوا المشاق والحمي ، كما يكابد الطائر البري العذاب في الماء .
- فضاقوا بالقرية وبالريف ، ومن صب ذلك ليس بأستاذ “ لحديث “ كالسكر .
 
وصول السيد وقومه إلى القرية وتجاهل
القروي لهم وإنكاره إياهم
 
- وعندما وصلوا بعد شهر إلي ذلك المكان ، كانوا بلا زاد وكانت المطايا بلا علف .
- فانظر إلى الريفي من سوء نيته ، ماذا يفعل بعد ما قدمه من وعود “ 1 “ .
 
600 - فهو يخفي عنهم وجهه نهارا ، حتى لا يمدوا أفواهم نحو حديقته .
- ومثل ذلك الوجه الذي كله احتيال وشر أولي بأن تخفيه عن المسلمين .
..............................................................
( 1 ) حرفيا بعد اللتيا والتي أي بعد التفاصح والفيهقة في تقديم الوعود .
 
“ 73 “
 
- وهناك وجوه تقف فوقها الشياطين كالذباب وكأنها حرس عليها .
- فعندما تنظر إلي مثل هذا الوجه تقع فيك ، فإما ألا تري هذا الوجه وأما إن رأيته الا تضحك سعيدا .
- وفي مثل هذا الوجه الخبيث العاصي ، قال الله تعالىلَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ.
 
605 - وعندما سألوا ووجدوا منزله ، أسرعوا إلي الباب كأنهم الأهل .
- فأغلق أهل منزله الباب ، وجن جنون السيد من هذا الاعوجاج .
- لكن الوقت لم يكن وقت الغلظة ، وما دمت قد سقطت في البئر فماذا تجديك الحدة ؟
- فبقوا علي بابه خمسة أيام ، في برودة الليل ولفح الشمس في النهار .
- لم يكن البقاء من الغفلة أو الغباء ، كان من الاضطرار والفاقة .
 
610 - فالكرام يرتبطون باللئام اضطرارا ، والأسد تأكل الجيف من الجوع الشديد .
- لقد كان يراه ويلقي عليه السلام ، قائلا له : أنا فلان . . أنا أسمي كذا .
- فيرد عليه قائلا : وهو كذلك فأي علم لي من أنت . . هل أنت شرير أو قرين للطهر ؟ “ 1 “ .
- فقال “ السيد “ هذه اللحظة صارت شبيهة بالقيامة ، حتى إن الأخ ليفر من أخيه .
- وأخذ يفسر له : إنه أنا ذلك الذي أكلت “ الطعام “ الدسم علي مائدته مثني و “ ثلاث “ .
..............................................................
( 1 ) ج / 6 - 379 : - انني واله ليل نهار في صنعه وليس عندي أدنى اهتمام بعده .
- وليس لي أدنى خبر بذاتى ، وليس لي من وجودي مقدار شعرة .
- وليس عند لبى معرفة إلا بالحق ، وليس في قلب المؤمن سوى الله .
  
“ 74 “
 
615 - وفي يوم كذا اشتريت منك ذلك المتاع ، وكل سر جاوز الاثنين شاع .
- وسر الحب بيننا قد سمعه كل الخلق ، ويستحي الوجه عندما يأكل النعمة الحلق .
- فأخذ “ الريفي “ يقول له : ما هذه الترهات التي تتفوه بها ؟
إنني لا أعرفك ولا أعرف اسمك أو مسكنك .
- وفي الليلة الخامسة تلبدت السماء بالسحب وأمطرت ، بحيث كانت السماء نفسها تتعجب من مطرها .
- وعندما بلغت السكين العظم ، دق السيد حلقة الباب صائحا : استدعوا “ السيد العظيم “ .
 
620 - وعندما جاء بعد إلحاح شديد إلي الباب ، قال : ما الأمر أخرا يا روح أبيك ؟
- قال “ السيد “ : لقد تركت كل هذه الحقوق ، وأقلعت عن كل ما كنت أفكر فيه .
- لقد ذقت كبد خمس سنوات في خمسة أيام ، وروحي مسكينة في هذه الحرارة والاحتراق .
- وجفاء واحد من الأهل وذوي القربى في ثقله كأنه مضاعف آلاف الأضعاف “1”.
- ذلك أن القلب لم يألف جورا أو جفاء من ذلك الذي اعتادت روحه علي لطفه ووفائه .
 
625 - وكل ما هو “ جار “ علي الناس من بلاء وشدة ، أعلم يقينا أنه علي خلاف العادة .
- ثم قال : أيتها الشمس وحبك إلي زوال ، لو أنك سفكت دمي فهو لك حلال .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : كأنه ثلاثمائة ألف
  
“ 75 “
 
- إن الليلة ممطرة فأعطنا ركنا نأوي إليه ، و “ جازاك الله “ بأن تجد الزاد يوم القيامة .
- فقال الريفي : هناك ركن وهو للناطور ، وهو حارس “ الحديقة “ وهناك ذئب .
- ففي كفه سهم وقوس من أجل الذئب ، حتى يقتله إذا أتي ذلك الذئب المفترس .
 
630 - فإذا “ قبلت “ أن تقوم بهذه المهمة فالمكان لك ، وإلا تفضل وابحث عن مكان أخر .
- فقال “ السيد “ : بل أقوم بمائة مهمة ، فقط أعطني مكانا ، وضع هذا القوس والسهم في يدي .
- ولن أنام بل سأقوم بحراسة الكرم ، وإذا أتي الذئب أصبت رأسه بالسهم .
- فبحق الله لا تتركني هذه الليلة أيها القاسي ، ماء المطر ينصب فوق رأسي وقدمي في الطين .
- فأخلي الركن وذهب إليه مع عياله وهو مكان ضيق لا سعة فيه .
 
635 - فركبوا كأنهم الجراد بعضهم فوق بعض ، “ وانكمشوا “ خوفا من السيل في ركن من الغار .
- وظلوا جميعا طوال الليل يقولون : يا الله . . . هذا هو جزاؤنا . . . هذا هو جزاؤنا . . هذا هو جزاؤنا .
- هذا هو جزاء من يصادق الأخساء ، أو يقدم الإحسان لمن ليس أهلا له .
- هذا هو جزاء من يترك في سبيل طمع لا يتحقق محضر تراب الكرام .
- وإن لعق تراب الأطهار وجدرانهم ، أفضل من العوام وكرمهم ورياضهم .
 
640 - وأن تكون عبدا لامريء مستنير القلب ، أفضل لك من أن تصير علي مفرق الملوك .
 
“ 76 “
 
- ومن ملوك التراب لن تجد يا رسول السبل “ المتفرقة “ إلا أصوات الطبول .
- إن أهل الحضر أنفسهم أشبه بقطاع الطرق بالنسبة للروح ، وماذا يكون الريفي إلا أحمق بلا فتوح .
- هذا جزاء ذلك الذي دون تدبير من العقل ، أتاه صوت “ الغول “ فاختاره نقلا .
- وعندما ينتقل الندم من القلب إلي الشغاف ، فلا جدوي من ذلك الوقت فصاعدا من الاعتراف .
 
645 - كان ذلك القوس والسهم في يده ، و “ ظل “ باحثا عن الذئب طوال الليل من ناحية إلي أخري .
- ولما كان الذئب مسيطرا عليه كأنه الشرر ، فقط ظل باحثا عن الذئب غافلا عن “ ذئبه “ الذي بين جنبيه .
- وصارت كل بعوضة وكل برغوث مثل ذئب ، وأخذوا في لدغهم في تلك الخرابة .
- ولم تكن هناك فرصة حتى يطرد البعوض ، رعبا من هجوم الذئب الضاري .
- فما لم يأت الذئب ويجندل قتيلا ، فإن الريفي سوف يقتلع لحية السيد .
 
650 - وهكذا ظلوا حتى منتصف الليل تصطك أسنانهم ، حتى بلغت الروح منهم الحلقوم .
- وفجأة أطل تمثال لذئب هزيل من فوق تل .
- فأطلق السيد سهمه من القوس ، وضرب ذلك الحيوان حتى جندله ذليلا ،
 
“ 77 “
 
- وعند سقوط الحيوان أفلتت منه حبقه “ 1 “ ، فصاح الريفي ضاربا كفا بكف .
- “ وصاح قائلا “ : أيها الفدم إنه جحشي ، فقال : لا بل هو ذئب كأنه الشيطان .
 
655 - وفيه أمارات الذئبية ظاهرة ، كما أن شكله ينبيء عن ذئبيته .
- قال الريفي : لا وإن الريح التي انطلقت من مؤخرته ، أعرفها كما أعرف الماء من الخمر .
- لقد قمت بقتل جحشي في الرياض ، فلا كان لك أبدا بسط من الانقباض .
- قال “ الحضري “ : من الأفضل أن تتحري الأمر ، فالوقت ليل والشخوص في الليل محتجبة عن الناظر .
- إن الليل يحدث كثيرا من الشبهات ويبدل كثيرا ، وليس لكل امريء نظر صائب في الليل .
 
660 - وهي سواء الليل والغيوم والمطر المنهمر ، هذه الظلمات الثلاث تتسبب في أخطاء كثيرة .
- قال : إنها بالنسبة لي كالنهار المنير ، فأنا أعلم بحبق جحشي .
- وأنا أعرف هذه الريح من بين مائة ريح كما يعرف المسافر زاده .
- فقفز السيد وتقدم غير هياب وأمسك بخناق الريفي .
- قائلا له : أيها الأبله اللص المخادع ، يا من قد تعاطيت الحشيش والأفيون معا .
 
665 - إنك في الظلمات الثلاث تعرف ريح الحمار ، فكيف لا تعرفني يا دائر الرأس .
..............................................................
( 1 ) حبقه : أي ضرطة .
  
“ 78 “
 
- وذلك الذي يعرف “ الجحش “ “ 1 “ في منتصف الليل ، كيف لا يعرف رفيق عشر سنوات ؟
- إنك تجعل من نفسك عارفا ووالها ، بينما تحثو عين المروءة بالتراب ! ! 
- ولا تفتأ تقول : أنا لا علم لي بنفسي . . ولا مجال في قلبي إلا لله ، 
- وما أكلته بالأمس لا أذكره ، وهذا القلب “ الذي لي “ لا يسعد إلا بالحيرة .
 
670 - إنني عاقل ومجنون بالحق فاذكر ذلك ، واعذرني في غيبتي هذه عن نفسي .
- وذلك الذي يأكل الميتة أي النبيذ ، فاسلكه أيها الشرع في عداد المعذورين .
- وليس للمثل أو من هو في غيوبة الحشيش من طلاق وبيع ، فهو كالطفل معاف ومعتق .
- والسكر الذي يتأتي من عبير الملك الفرد ، لا يفعل مائة دن خمر فعله في الرأس واللب .
- فكيف إذن يجوز علي “ من يعانيه “ التكليف ، لقد سقط الجواد وصار بلا أقدام أو قوائم .
 
675 - وفي الدنيا من الذي يضع حملا فوق جحش ؟ ومن الذي يقوم بتعليم “ أبي مرة “ ( إبليس ) الفارسية ؟
- إنهم ينزلون الحمل من “ فوق الدابة “ عندما تصاب بالعرج ، ولقد قال الحق” لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ “ *.
- “ إنك لا تفتأ تقول “ صرت أعمي أمام نفسي وبصيرا بالحق ، إذن فأنا معافي من القليل والكثير .
..............................................................
( 1 ) في النص العجل وذلك لكي يوفق مولانا صنعه الجناس ومن الأوفق للسياق أن يكون الجحش .
 
“ 79 “
 
- وتثرثر عن الفقر والانسلاخ عن الذات ، وعندك صيحات وجد سكاري الإله .
- وتظل تقول : لا أعرف الأرض من السماء ، فإذا بغيره “ الإله “ تقوم بامتحانك أي امتحان ! !
 
680 - وهكذا فضحتك ريح جحش ، وقامت بإثبات “ ما ادعيته “ من نفي ذاتك .
- وهكذا يفضح الحق المحتال ، وهكذا يأخذ الصيد الهالع .
- وهناك مئات الآلاف من أنواع الامتحان أيها الأب “ ومع ذلك “ فكل واحد يقول لقد أصبحت حاجب الباب .
- وإذا لم يكن العوام يعرفونه “ علي حقيقته “ من الامتحان ، فان الناضجين يبحثون عن أمارات إلي طريقه .
- وعندما يدعي أحد مهنة الحياكة ، فإنه يلقي أمامه بأطلس من النوع الفاخر .
 
685 - قائلا له : اصنع من هذا فراجة واسعة ، ومن الامتحان يبرز له قرنان .
- وإذا لم يكن هناك امتحان لكل شرير ، لكان كل مخنث بطلا في الوغي كرستم .
- فافترض أن المخنث مدرع من الحديد ، لكنه عندما يري الطعان يسقط كأنه الأسير .
- وكيف يصير ثمل الحق مفيقا من ريح الدبور ؟ إنه ثمل الحق لا يفيق ولو بنفخ الصور .
- وخمر الحق تكون حقا ولا تكون باطلا ، لقد شربت المخيض شربت المخيض شربت المخيض .
 
690 - وجعلت من نفسك الجنيد وبايزيد، قائلا امض عني إنني لا أعرف الطبر من المفتاح.
 
“ 80 “
 
- فكيف تجعل خبث الجبلة والكسل والحرص والطمع مختفية بالمكر أيها الأفاق ؟ !
- أتجعل من نفسك منصورا الحلاج ، ثم تضرم النيران في أقطان الرفاق ؟
- وأنت لا تفتأ تقول : لا أعرف عمر من أبي لهب ، “ ثم تقول “ أعرف ربح جحشي في منتصف الليل .
- أيها الحمار ومن يصدقك يكون حمارا ، ويجعل نفسه أصم وأعمي من أجلك .
 
695 - فكفاك اعتبار نفسك من السالكين ، إنك رفيق لمن يتبرزون في الطريق ، فلا تتحدث بالهذر .
- وطر ثانية من المكر تجاه العقل سريعا ، فمتي يحلق في السماء جناح المجاز ؟
- لقد ادعيت أنك عاشق للحق ، لكنك مارست العشق مع الشيطان الأسود .
- والعاشق والمعشوق يشدان معا يوم القيامة بحل واحد ويساقان بعنف زوجا زوجا .
- فماذا إظهارك لنفسك ذاهلا فاقد الوعي ؟ وأين دم الكرم وقد شربت دماءنا .
 
700 - وتقول : “ امض فأنا لا أعرفك وانصرف عني ، إنني أنا العارف الذاهل وأنا بهلول القرية “ .
- وكل ما تتوهمه عن القرب من الحق ، أن صانع الطبق لا يكون بعيدا عن الطبق .
- ولا تري أن قرب الأولياء ، فيه مائة كرامة وشأن وأبهة .
 
“ 81 “
 
- فالحديد يصير من داود كأنه الشمع ، والشمع في يدك يكون مثل الحديد .
- فالقرب من حيث الخلق ومن حيث الرزق عام للجميع ، والقرب من وحي العشق لهؤلاء الكرام .
 
705 - فالقرب علي أنواع أيها الأب ، والشمس تشرق علي الجبل وعلي الذهب .
- لكن هناك قربا للشمس مع الذهب ، لا يكون الصفصاف علي علم به .
- والغصن اليابس والأخضر كلاهما قريب من الشمس ، ومتي توارت الشمس عن كليهما بالحجاب .
- لكن أين تلك القربة للغصن الأخضر الذي تأكل أنت منه الثمار الناضجة ؟ !
- من قربة الغصن اليابس من تلك الشمس ؟ قل له اظفر بشيء غير الإسراع نحو التيبس ! ! “ 1 “ .
 
710 - فلا تكن ثملا إلي ذلك الحد أيها المجنون الذي يجعلك تندم عندما تعود إلي وعيك .
- بل كن مثل أولئك السكاري الذين تتحسر العقول الناضجة منهم عندما يثملون .
- ويا من أنت كالقط لم تصد سوي فأر عجوز ، لو أنك بهذه الخمر تستطيع أن تصيد أسدا فصد أسدا .
- ويا من احتسيت من خيال الكأس هباء ، لا تغرب كسكاري الحقائق .
- إنك تتمايل هذه الناحية وتلك الناحية كالثمل ، فيا من أنت من هذه الناحية ليس مسموحا لك بتلك الناحية .
..............................................................
( 1 ) ج / 6 - 383 : انظر إلى الغصن اليابس في قرب الشمس ، هل ينال غير الجفاف شيئا آخر .
 
“ 82 “ 
 
715 - فلو وجدت الطريق إلي تلك الناحية بعد ذلك ، تمايل برأسك حينا إلي هذه الناحية وحينا إلي تلك الناحية .
- وإنك بجملتك منسوب إلي هذه الناحية فلا تثرثر عن تلك الناحية ، وما دمت لا تملك الموت فلا تقتلع روحك عبثا .
- وذلك الذي روحه كالخضر بحيث يهلع منه الموت ، يجوز له ألا يعرف مخلوقا .
- وإنك لتجعل الفم حلوا من لذة متوهمة ، وتقوم بالنفخ في قربتك فتجعلها ضخمة .
- ثم تفرغها من الريح بإبرة واحدة ، فلا كانت مثل سمنة الجسد هذه ( نصيبا ) لعاقل .
 
720 - وإنك لتصنع أنية من الثلج في الشتاء ، فمتي تفي لتلك الآنية عندما تري الماء .
 
سقوط ابن آوى في دن صباغ وتلونه وادعاؤه
الطاووسية بين أبناء آوى
 
- سقط ابن أوي في دن صباغ ، ومكث في ذلك الدن برهة من الزمن .
- ثم خرج وقد تلون جلده قائلا : لقد صرت طاووس عليين .
- لقد وجد شعرا ملونا ذا رونق حسن ، وجعلت الشمس تلك الألوان تلمع
- لقد رأي نفسه أخضر وأحمر وأزرق وأصفر ، فعرض نفسه علي أبناء أوي .
 
725 - فصاحوا جميعا : يا أُبين أوي ما الخبر ؟ إن الانتشاء قد تضاعف
 
“ 83 “
 
في رأسك .
- وابتعدت اختيالا ومرحا عنا . . فمن أين أتيت بهذا الكبرياء ؟
- وتقدم أحد أبناء أوي منه قائلا : يا فلان : أهذا مكر أم صرت من سعداء القلوب؟
- هل مكرت حتى تصعد علي المنبر، حتى تصيب هؤلاء الخلق بالحسرة من نفاجك؟
- لقد سعيت كثيرا فلم تجد قبولا ، ثم أظهرت التوقح من مكرك .
 
730 - إن القبول للأولياء والأنبياء ، والتوقح هو ملاذ كل مراء محتال .
- وذلك لكي يجذبوا انتباه الخلق إليهم قائلين : نحن أطهار وهم في الباطن في غاية الشر “ 1 “ .
 
دهان رجل نفاج لشاربه وشفتيه كل صباح بجلدة إليه وخروجه
 قائلا بين أصدقائه : أكلت كذا وكذا
 
- وجد شخص متواضع الحال جلد ألية خروف ، فكان كل صباح يدهن شاربه به .
- ثم يمضي فيجلس بين المرفهين قائلا : لقد أكلت لحما سمينا في المحفل .
- ويضع يده فوق شاربه متهللا ، إشارة تعني : انظروا إلى الشارب .
 
735 - هذا هو دليل صدق قولي ، وهذه أمارة أكل الدسم والحلو .
- وكانت بطنه تقول له بلا صوت : أباد الله كيد الكائدين .
- إن تنفجك قد وضعنا على النار ، ألا اقتلع اللّه شاربك المدهون .
..............................................................
( 1 ) ج / 6 - 407 : وليس إلا الحيلة والمكر والعناد ، جهاز لمن اسودت وجوههم .
 
“ 84 “
 
- فإن لم يكن تنفجك القبيح أيها الشحاذ ، لرحمنا أحد الكرماء .
- ولو أظهرت العيب وقللت الاعوجاج ، لصنع له أحد الأطباء دواء .
 
740 - لقد قال الحق لا تحرك الأذن والذيل باعوجاج، إذ “ينفعن الصادقين صدقهم“.
- فلا ترقد باعوجاج أيها الجنب ، وأبد ما لديك و “ استقم “ .
- وإن لم تعترف بعيبك مرة اصمت ، ولا تقتل نفسك من التظاهر ومن الرياء “ 1 “ .
- وإذا وجدت شيئا حاضرا فلا تفتح فمك ، ففي الطريق أحجار الامتحان .
- وقبل أحجار الامتحان أيضا ، هناك امتحانات في أحوالك .
 
745 - لقد قال الله تعالى : إنهم من الميلاد إلي الحين “ الوفاة “ ، يفتنون في كل عام مرتين .
- وهناك امتحان فوق امتحان أيها الأب ، فحذار ولا تثر نفسم بأقل امتحان “ 2 “ .
 
اطمئنان بلعام بن باعوراء الذي امتحنه الحق كثيرا
وخرج موفقا أبيض الوجه
 
- لقد صار بلعم بن باعوراء وإبليس اللعين مهانين من الامتحان الأخير “ 3 “ .
- فذاك “ الرجل النفاج المدعي “ كان يدعي ميل الحظ إليه ، بينما تقوم معدته بلعن شاربه .
..............................................................
( 1 ) ج / 6 - 409 : ولا تعتمد كثيرا على شاربك المدهون ، فإن القط سرق الالية صامتا .
( 2 ) ج / 6 - 409 : ولا تكن آمنا من امتحانات القضاء ، وخف من الفضيحة ، يا رفيقا في العبودية ! !
( 3 ) ج / 6 - 4286 : كانا آمنين من مكر الله على ، فقد اجتازا امتحانات ثم افتضحا في النهاية ولعلك سمعت حديثهما .
 
“ 85 “
 
- قائلة : اللهم ابد ما يخفيه وافضحه فقد قضي علينا وأحرقنا .
 
750 - فكل أجزاء جسده خصوم له ، فهو يدعي أنه في الربيع وهي في زمهرير الشتاء .
- وإن الادعاء يقتلع عطايا الكرم ، كما أنه يجتث غصن الرحمة من جذوره .
- فتحدث بالصدق أو فاصمت ، وأنذاك انظر إلي الرحمة وارتو منها .
- وذلك الذي بطنه في خصومة مع شاربه ، رفعت أكف الدعاء في السر قائلة :
- يا إلهي افضح تنفج اللئام هذا ، حتى تتحرك نحونا رحمة الكرام .
 
755 - فاستجاب الله لدعاء تلك البطن ، وكشفت حرقة الحاجة الأمر علي الملأ .
- إذ قال الحق : حتى ولو كنت فاسقا وعابد صنم ، فإنك عندما تدعوني استجب لك .
- فالزم الدعاء جيدا وابتهل ببكاء ، وهو في النهاية سوف ينجيك من برائن الغول .
- وعندما سلمت البطن أمر نفسها لله ، جاء قط وسرق جلد تلك الإلية .
- وطاردوا القط لكنه هرب ، وهرب لون الطفل خوفا من عقاب أبيه .
 
760 - فجاء وسط المجلس ذلك الطفل الصغير ، وأذهب ماء وجه الرجل المتنفج .
- وقال : إن تلك الشحمة التي كنت تدهن بها شفتيك وشاربك كل صباح .
- قد جاء قط فجأة وسرقها ، وقد جريت خلفه كثيرا دون نتيجة تذكر .
- فأغرق الحاضرون في الضحك متعجبين ، ثم تحركت شفقتهم عليه .
 
“ 86 “
  
- فدعوه وأشبعوه ، وغرسوا بذور الرحمة في أرضه .
 
765 - وعندما رأي لذة الصدق من الكرام ، صار عبدا للصدق بلا كبرياء “ 1 “ .
 
ادعاء ابن آوى الذي وقع في دن الصباغ الطاووسية
 
- جاء ابن أوي الملون ذاك وهمس في أذن اللائم قائلا له :
- “ انظر إليّ اخر الأمر وإلي لوني ، فليس هناك وثني لديه وثن بهذا الجمال “ .
- لقد صرت كالروضة جميلا ذا مائة لون ، فاسجد لي ولا تتمرد علي .
- وانظر إلي الأبهة والعظمة وإلي الرواء والحسن ، وادعني فخر الدنيا وركن الدين .
 
770 - لقد صرت مظهرا للطف ، وصرت لوحا يشرح الكبرياء الإلهي .
- يا أبناء أوي : حذار من مناداتي بابن اوي، فمتي كان لابن اوي كل هذا الجمال؟! 
- فتجمع أبناء اوي حوله ، كما يتجمع الفراش حول الشمع .
- قائلين : إذن فماذا تناديك . . قل أيها العظيم ، فأجاب : “ نادوني “ الطاووس الفحل كأنه كوكب المشتري .
 
775 - فقالوا له : إن طواويس الروح تتجلي في الرياض .
- فهل تتجلي أيضا ؟ قال : لا فكيف أتحدث عن مني وأنا لم أذهب إلي البادية ؟
- فقالوا له : إذن فهل تصدح كالطواويس ؟ قال : لا قالوا لست بطاووس يا سيد أبا العلا .
..............................................................
( 1 ) ج / 6 - 433 : واجعل الصدق ديدنك على الدوام ، حتى تصبح حسن السمعه في الدارين .
 
“ 87 “
 

- إن خلعة الطاووس هبة من السماء ، فكيف تبلغها أنت باللون والادعاء ؟
.
* * *
شرح حركة السيد نحو القرية
( 502 - 506 ) في هذه الأبيات العربية يستلهم مولانا القران الكريم أيضا ( انظر تعليقات 474 - 481 ) فأبناء الحضري فرحون ، لكن العقل الواعي بالحقيقة المنتبة إليها الذي بينه وبين القلب كوة ( وهو غير عقل الفلسفي الذي يعتمد على الظواهر ) يحذر من أن الفرح بغير الله ترح وبُعد عن الطريق ، وفي البيتين ( 504 - 505 )
 
اقتباس من الآية الكريمةلا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ” القصص 76 “ في خطاب قوم موسى لقارون ، وفي البيت رقم 506 إشارة إلى الآية الكريمةلِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ( الحديد / 23 )
 
 وفي هذا المعنى حديث روى عن الرسول - صلّى اللّه عليه وسلم - وكل ما ألهاك عن مولاك فهو دنياك “ ( استعلامى 3 / 245 ) .
 
“ 438 “ 


( 508 - 516 ) الاستدراج في مصطلح الصوفية هو الأمور الخارقة للعادة التي تبلغ الكرامة وتصدر عن المدعين بل والمنكرين والمرائين وينخدع بها السذج فيقعون في شراكهم ، وجلال الدنيا وعظمتها وشوكتها وملكها كلها من أمور الاستدراج ، ويفضل الحزن كل هذه الأمور ، لأن الحزن هو الذي يوصل إلى المليك . فحزن الروح هو الذي يجعلها تحن إلى أصلها ، وحزن الجسد هو الذي يحفز الروح على مقاومة النفس وأهوائها وكل هذا منه طريق النجاة ، ولا يقدر على هذا سوى الرجال ، أي رجال الطريق الذين يستمدون من رجولة الهمة والخلق وليس الجنس ، فرب امرأة في الطريق أفضل من مائة رجل ، أما الأطفال - وهم من لم يصلوا إلى مرتبة الرجولة في الطريق - فهم الذين يغريهم لهو الدنيا ولعبها وزينتها ، أما المقصود بصحراء القلب في البيت 514 فهو طريق معرفة الحق ، وفي مقابلها صحراء الطين ، إي الدنيا والحياة المادية - “ وسارية “ هو المذكور في رواية سيدنا عمر الشهيرة : “ يا سارية الجبل “ . ومن العجيب أن الشارح محمد استعلامى الذي يشرح  لا يقترب من هذا البيت وهذا الأسباب لا تخفى . . .
 
وهذه الكرامة لعمر رضي الله عنه وهي مشهورة وفحواها أن عمر سير الجيوش وعلى رأسها “ سارية “ وعلى المنبر أبصر بعيني القلب أن العدو كمن للمسلمين خلف الجبل فصاح من فوق المبنى يا سارية الجبل وسمعه سارية ، وأعجب منه شرح السبزواري ( الفيلسوف ) الذي فسره لفظيا فقال عن سارية إنه بعض ( الجماعة السارية ) ولم يذكر عمر ( ص 197 ) .
 
( 517 - 523 ) ينقل يوسف بن أحمد حديثين نبويين أولهما “ التوطن في القرى قبر للنهي “ والحديث الثاني “ ساكن الكفور كساكن القبور “ ( 3 - 87 ) كما أورد فروزانفر حديثا اخر هو “ من سكن في القرى يوما تحمق شهرا ومن
 
“ 439 “
  
سكن في القرى شهرا تحمق دهرا “ ( استعلامى 3 - 246 ) ، وفي معارف بهاء ولد ( والد مولانا جلال الدين ) 2 / 89 تحقيق فروزانفر - طهران - ظهورى - ط 1352 ه - ش ) يقال الريف مقبرة العلم إذ يندرس فيها العلم ، وتجوع بطن الذئب ، ويكون الجو قبرا ، والقرية هنا كما يفسر مولانا نفسه في الأبيات التالية رمز للمكان الذي لا يحصل فيه المرء على بضاعة القلب ، كما سنرى في سياق القصة فيما بعد ، والعمى المذكور في البيت
( 521 ) هو عمى الباطن عن الحقائق ، والقرية أيضا هي الشيخ غير الواصل الذي يريد أن يبدي طريق الحق بالتقليد أو بالاستدلال وفي مناقب العارفين للأفلاكى ( 2 / 661 - أنقرة / 1961 ( قال ذات يوم أن مولانا عليكم بالسواد الأعظم يعنى بخدمة الشيخ الواصل وإياكم والقرى يعنى صحبة الناقصين ، وفي مقابلها يرى أن المدينة هي “ العقل الكلى “ المدرك للحقائق الإلهية ، لكن التقليد والحجة كحمار معصوب العين يدور في طاحون .
 
( 524 - 534 ) يترك مولانا سياق القصة لكي يفصل معانيه العالية التي تشبه حبات الدر عن حبات القمح ، إنه يوجه الحديث وهو يعلم أن من بين مريديه قد يوجد من لا يستطيع أن يفهم هذه المعاني فيقول لهم : دعوا الدر وخذوا القمح والدر هو باطن الحكاية أما القمح فهو ظاهرها ، والظاهر قد يقود إلى الباطن كما أن المجاز هو قنطرة الحقيقة ، فقد يوصل العشق الأرضي وهو مجاز إلى العشق العلوي وهو حقيقة ، والقصة ما هي إلا مخيم لكي يدعى الترك وتعنى اصطلاحا في الأدب الفارسي الحسان إليها والحسان هي الحقائق الإلهية . . . ويعود إلى القصة بعد أن يشرح هذه الفكرة ، وفي البيت رقم 533 إشارة إلى الحديث النبوي ( سافروا تصحوا وتغنموا ) ( ورد في الجامع الصغير 2 / 30 ) .
 
“ 440 “
 
 
( 535 ) عن الإمام الصادق رضي الله عنه ، قال في حكمة داود عليه السلام :
إن على العاقل ألا يكون ظاعنا إلا في تزود لمعاد أو مرقة لمعاش أو طلب لذة في غير محرم ( عن جعفري 6 / 347 ) .
 
( 539 - 561 ) يترك مولانا سياق القصة ليتحدث عن العشق ، ويسوق الأمثلة لكي يقرب المعنى من مريديه على جميع مستوياتهم ، فينتقل من فكرة مطروقة هي أن الحنظل من المعشوق يصير رطبا إلى أفكار منتقاة من الحياة من حوله : فالدار تعتبر مرجا من رفيقه الدار أو الزوجة ، وقد تصير جحيما أيضا ، وكل ما في الحياة من كدح في سبيل رفيقة محبوبة ، فالإنسان يتحمل الشوك في سبيل محبوب كالوردة ، فانظر إلى الحمال : لقد مزق ظهره من حمل الأحمال في سبيل ماذا ؟ في سبيل محبوب فاتن ، والحداد في عمله يصيبه دخان الكير فيسود وجهه . . . من أجل ماذا ، من أجل أن يقبل قمرية وجه ، والتاجر يجوب البحار ، كما يعود بعدها إلى جليسة منزل والنجار . . . وماذا ؟ والسيد المسمر في حانوته . . . لماذا سمر في حانوته لأن عشق معشوقة كالسرو قد مد جذوره في قلبه وعن جلبنارلى ( 3 / 116 ) أن هنا إشارة إلى المثل العربي شرف المكان بالمكين إن هذا العالم يحركه العشق ، فما بالك بعشق الحي الذي لا يموت ؟
 
وإذا كان كل ما أنست إليه قد مات ، فما بالك لا تأنس إلى الحي الذي لا يموت ؟
وإذا كانت مشاعر الحب ومشاعر الكراهية تنتهى . . . فلما ذا لا تتجه إلى العشق الذي لا ينتهى ؟ حتام تعلقك بالزيف وأنت تظن أنه ذهب ؟ وحتام غرامك بالظل والظل نفسه في أثر الشمس ، وحتام هيامك بالقناة وتركك للبحر إن الدنيا وكل ما هو فيها ما هي إلا جزء من شحم الإلية يوضع في الفخ كي يصيد الذئب ، فمتى يدرك الذئب هذا ، متى يدرك أنه لا يمكن أن يكون أصل الإلية فخا . . . له ؟
 
والفكرة مأخوذة عن مثل عربى جاء في مجمع الأمثال للميدانى وهو “ إليه في برية ما هي إلا لبلية “ وساقه في ذيل حكاية أن ثعلبا رأى إليه مطروحة في مغازة


" 441 "


 
فتخيل أنها ألقيت بحبالة فجاء إلى ذئب وقال له : ادخرت الأشياء لصداقتك فتقدم الذئب حتى جاء إلى الإلية فلما أراد حملها وقعت الحبالة في عنق الذئب وسقطت الإلية من الحبالة فتناولها الثعلب وقيل على لسانه ذلك المثل : ( عن ماخذ ص 76 في التعليق على البيتين 2722 و 2723 من الكتاب الثاني - كفافى 540 ). \
 
( 567 - 571 ) وردت الحكاية الصغيرة التي تبدأ بها هذه الأبيات قبل مولانا في تمهيدات عين القضاة الهمذاني وإحياء علوم الدين للغزالي وتفسير أبى الفتوح الرازي باختلافات يسيرة ( ماخذ ص 91 ) ومولانا مثل كل شعراء الصوفية يطوع الحكاية بحيث تكون صالحة لتبيان الفكرة التي تهدف إليها من نصها :
 
أحب لحبها السودان حتى * أحب لحبها لسود الكلاب ( 578 - 585 ) بما أن الكلب الذي انعكس عليه نور المحبوب ممكن أن يكون محبوبا ومعشوقاً ، يخلص مولانا إلى أنه إذا تجاوزنا التعلق بالصورة فإننا سوف نرى عالم المعنى وهو رياض في رياض ، والطريق هو تحطيم صورة “ النفس “ وإحراقها ومن ثم تكون صورة العالم ذليلة ولا قيمة لها ويكون تحطيم الصور في سهولة تحطيم عَلِىّ رضي الله عنه لباب خيبر ، ويخلص من الحديث عن خطر “ الصورة “ إلى القصة : إن هذا الحضري الساذج مثل طائر خدع بالحب فوقع في الفخ خدع أيضا بكلام القروي السقيم ، وفي البيت 585 : يقول إنه كل أفراحنا مدعاة للحزن فكلها ممتزجة بالخداع وأخشى أن أعددها لك أيها السالك فتقعد عن الطريق .
 
( 588 - 595 )  بالرغم ممن أن الحديث يدور حول رحلة السيد إلى القرية ، إلا أن الحديث يمكن أن يفهم على وجه أنه تنبيه عام للسالك ، فالحديث عن ضرورة المرشد ، فالذي يسير على العمياء لابد وأن يضل ، ولابد للأمور من
 
" 442 "


 
شكلها الطبيعي ، فالطريق يلزمه مرشد ، فمن النادر أن يظهر إنسان إلا من والدين مثل آدم وحواء وعيسى ، والمال موكول بالعمل ، ومن الأحوال النادرة أن يأتي بلا عمل وأن الرسول صلّى اللّه عليه وسلم - لم يكن له جسم بالمعنى المادي بل إن جسمه روح وعلاقته بالله بلا واسطة ، ومن ثم فقد علمه القرآن بلا واسطة من القلم من أجل أولئك الذين يريدون في أعمالهم الواسطة والآلة .
( 601 - 604 ) يصور مولانا وجه القروي في لقائه للحضرى بأنه وجه كله احتيال وشر ، من الوجوه التي يقف فوقها الشيطان كأنه الذباب ، مستعد كل لحظة أن تخرج كل الشيطانية من هذا الوجه لتقع في الإنسان الذي ينظر إليه ، إنه إنسان عدوانى “ بكل معنى الكلمة لا يطيق حتى النظر إليه فما بالك بالنزول في ضيافته ، هذه هي الوجوه التي قال فيها تعالى ( كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ) ( العلق / 15 ) .
( 610 )
 : ما أشبهه بالبيت العربي :
غير ارتضاء رضيت برك بي ، والجوع يغرى الأسود بالجيف .
( 613 ) في البيت إشارة إلى الآية الكريمةيَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ( عبس / 34 - 35 ) وأوجه نظر القارئ إلى الحوار في الأبيات التالية بين الحضري والقروي وكيف تقمص مولانا شخصية الريفي وأجرى على لسانه الحوار الجدير بشخصية تدعى التدين واعوجاج نفسيته فقدم صورة حية كثيرة الحركة .
 
( 615 ) : الشطرة الثانية إشارة إلى الإمام على رضي الله عنه :كل سر جاوز الاثنين شاع * كل علم ليس في القرطاس ضاع( جلبنارلى / 3 - 117 ) ( 623 ) ما أشبه بالبيت العربي :
وظلم ذوى القرى أشد مضافة على النفس من وقع الحسام المهند .


“ 443 “
 
( 638 - 644 ) يقول استعلامى : يتدخل مولانا معلقا داخل القصة :
فالحضرى والقروي كلاهما من أهل الدنيا ، لكن الحضري وهو أكثر وعيا كان عليه ألا يخدع بهذه السهولة وأن يأتي به طمعه ( ؟ ! ! ) إلى القرية ( 3 / 250 ) ، والواقع أن الحضري لم يطمع في القروي ولا انتظر منه خيرا ، بل جاء وهو ينتظر جزاء إحسانه سوءا . . الواقع أن الحضري ندم على فوت صحبة الكرام ورجال الله وتفضيل صحبة قروى جلف عليها ، والمقصود بملوك التراب ملوك الدنيا ، وأصوات الطبول أي كلمات جوفاء لا نتيجة منها ، والمقصود بالعقل هو العقل الباحث عن الله ، والغول إشارة إلى أهل الظاهر ، واختار النقل ، أي اعتمد على كلام أهل الظاهر .
 
( 651 ) ترجم المفسرون هذا البيت بأنه جسد ذئب وحيد أو متروك أو مهجور ويرى استعلامى ( 3 / 251 ) أن الأقرب إلى الصواب أن القروي جاء بتمثال الذئب لكي يقيم فخا للحضرى ، ولا أدرى كيف جاءه هذا التفسير ، خاصة وأن ذئبا لم يظهر قط بل كان جحش القروي كما سيبدو ، وذئب وحيد أو متروك أو متهافت أكثر إقناعا على أساس أن الحضري رأى الجحش في الظلمة كتمثال لذئب يبدو من وراء التل فأصماه .
 
( 667 - 680 )يرى استعلامى ( 3 - 251 ) أن هذه الأبيات من كلام مولانا ليست على لسان الحضري لكنها إفاضات مولانا ، والواقع أن هذه الأبيات على لسان الحضري نفهم منها أن القروي عندما كان يهرب من الحضري كان يتظاهر بأنه في حالة سكر وغيبة بحيث لا يعرفه والواقع أن كثيرا من الأبيات التالية وحتى البيت
 
( 710 ) يختلط الكلام الذي على لسان الحضري بالكلام على لسان مولانا . فالقروى الذي ادعى الغيبة وعدم معرفة رفيق عشرة سنوات استطاع أن يميز ضراط جحشة في الظلمات الثلاث فأي سكر هذا وأية غيبة هذه ؟ ويقدم مولانا خلال هذه الأبيات صورة كثيرة الحركة وشديدة السخرية لفئة


 
“ 444 “
 
من المتصوفة في عهده ( وفي كل عهد ) ليس لهم من التصوف إلا حفظ بعض المصطلحات والتفوه بها ، والتظاهر بالوجد والسكر والحال ، وكل منهم يحسب نفسه في مرتبة الجنيد ويا يزيد والقروي نفسه يخلط بين سكر العشق وسكر الخمر فيقول في البيت ( 670 ) أنا عاقل ومجنون بالحق واعذرنى عن غيبتي ثم يتحدث عن قاعدة فقهية عن بطلان طلاق الثمل أو عتقه أو بيعه ( ! ! ) ولأن الادعاء كثير فقد كان الامتحان أشد والفضيحة أفدح ، لأن هذا الصوفي الواجد الثمل الغائب قد فضحته ريح خرجت من دبر جحش ! ! فانظر إلى السخرية .
 
( 683 - 694 ) يتحدث مولانا عن امتحان الغيرة ، أو عن امتحانات الله سبحانه وتعالى التي يمتحن بها صدق عبده ، وليس الحق في حاجة إلى امتحان عبده بل يهدف سبحانه وتعالى إلى بيان الزيف من الحق وبيان المخلص من المرائي ، إن الأمر يشبه أن يدعى أحد أنه حائك ماهر فيلقى إليه أحد بأطلس فاخر ليخيط له فراجة . . . ومن هذا الامتحان الصعب يبرز له قرنان أي يصير مضحكة وسخرية للخلق ، وهكذا الله سبحانه وتعالى لا يرضى لعباده أن يكونوا صيدا للمرائين ، وقد يمد للمرائي أو العابد طمعا أو خوفا . . لكن تأتى لحظة الامتحان الأخيرة من حيث لا يدرى أو يحتسب ، هذه هي غيرة الله سبحانه وتعالى على عبيده ، فلو لم يكن الامتحان ، لظهر كل متنفج مدع كذاب مخنث في صورة رستم فالمعمعة هي التي تبديه على حقيقته ، ويهاجم مولانا الادعاء ، كيف يجعل المدعى من نفسه الحسين بن منصور الحلاج لكنه بدلا من أن ينظر إلى القطن في مخزنه فينفصل عنه البذر في التو واللحظة ( تذكرة الأولياء للعطار ص 566 ) يضرم هو النار في أقطان الرفاق .
 
( 695 - 700 ) بالرغم من أن الحديث يدور حول موضوع عام هو المدعين في الطريق ، وسخف قولهم ، وافتضاحهم ، إلا أن مولانا يشير بين الآن والآخر إلى القروي موضوع قصتنا . . . وفي البيت 695 يمكن أن تكون صفة “ يتبرزون في الطريق “ تشير إلى أهل الريف ويمكن أن تشير أيضا إلى من يلوثون الطريق


" 445 "
 
بفعالهم الدنيئة . والبيت ( 700 ) إشارة إلى بهلول وهو عارف مشهور قيل إنه كان في عهد هارون الرشيد ويعتبر استعلامى ( 3 / 253 ) أن إضافة كلمة “ القرية “ هنا لا لزوم لها بل جاءت فحسب للقافية ، والواقع أنها في محلها تماما وأن الإشارة هنا إلى القروي الذي ادعى أمام الحضري أنه عارف “ القرية “ .
 
( 701 - 709 ) يتحدث مولانا عن القرب ، والقرب أنواع ، وليس كل من وجد القرب بالذي يمكن أن يؤثر فيه هذا القرب ، وكثيرون هم الذين ينتفجون بالقرب على أساس أن الصانع قريب من المصنوع ، ونصيب كل من تشرق عليه الشمس منها ليس متساويا ، فهناك غصن غض يقبل إفاضاتها وغصن يابس يزداد تيبسا ، والمدعون كأشجار الصفصاف تشرق عليهم الشمس لكنهم لا يثمرون .
 
( 710 - 720 ) إن السكر الذي يجلب الندم هو السكر بالذات والغرام بها والسكر بهوى النفس ، هو السكر الذي يستطيع صيد الأسود لا صيد الفئران “ في استعلامى 3 / 253 “ هذا البيت بأن القط يصيد الفئران ، لكنه لا يستطيع أن يحلب الأسد ، والواقع أن ترجمة “ شير “ في الفارسية بمعنى لبن وبمعنى أسد لكن الترجمة لا تحتمل غير هذا المعنى ، وهكذا فسره يوسف بن أحمد ( 3 / 112 ) وهكذا ترجمه نيكلسون (III P . / 42) والمقصود بهذه الناحية أي الدنيا وتلك الناحية أي الآخرة والبيت رقم 716 متأثر ببيت لسنائى الغزنوي :
إنك لا تملك القدرة على الاستغناء فلا تهزل بأحاديث الدراويش ولا تملك وجها كوجوه العيارين فلا تقتلع روحك عبثا ( ديوان / 485 ) وفي البيت رقم 720 يشبه كل خيالات المدعين بأنها تشبه من يصنع أنية من
 
“ 446 “
 
الثلج في الشتاء ، أي أنها سوف تذوب عندما تسطع عليها الشمس .
 
( 721 - 731 ) بعد الحديث عن الادعاء ، يضرب مولانا الأمثال ، وحكاية ابن اوى ودن الصباغ من الحكايات الواردة في خرافات العرب ( ماخذ / 92 ) ، أو لعلها صورة أخرى في حكاية تقليد الغراب لمشية الحمامة من الحكايات المشهورة في كليلة ودمنة ، والقفز على المنبر في البيت رقم 728 مقصود به اغتصاب حق وعظ الخلق دون أحقية أو علم ، وفي البيتين ( 730 - 731 ) يعلق مولانا قائلا : إن الإقبال هو الأولياء الحق وليس لكل مدع مراء ، ويترك مولانا الحكاية ليعود إليها في البيت رقم 766 .
 
( 732 - 739 ) لا يزال مولانا ( يركز ) على موضوع الادعاء ، ويسوق حكاية أخرى في هذا المجال ، وإن كان فحواها يدل على أنها سيقت لتبرهن على أن المدعى وإن كان راضيا بمظهره إلا أن باطنه يلعنه ، وأن ضرر الادعاء لا يعود إلا على المدعى نفسه ، والحكاية المذكورة في هذا المجال فيما اتفق عليه الباحثون الإيرانيون من مبتكرات مولانا جلال الدين ، وأنها صارت مثلا ، فعندما يقال مثلا : في إيران تلك الشحمة سرقتها القطة “ فالمقصود أن مجال الاستفادة من شئ ما قد انتهى ( انظر داستانهاى أمثال : أمير قلى أميني 19 - 20 أصفهان 1351 ) وواضح من الحكاية أيضا أنها شائعة في المأثور الشعبي المصري ، وكالعادة يترك مولانا الحكاية ليعود إليها في البيت 474 ( 740 - 746 ) البيت 740 إشارة إلى الآية الكريمةهذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ( المائدة / 119 ) البيت 741 إشارة إلى الآية الكريمةفَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ( هود / 112 ) حتى ولو كان قد فتح عليك بالإفاضات الإلهية فلا تتحدث وذلك خوفا من أن تمتحن ، ويضيف أنه هو نفسه تعرض لمثل


“ 447 “
 
هذه الامتحانات .
 أما الشطرة الثانية في البيت 745 فهي إشارة إلى جزء من الآية 126 من سورة التوبةأَ وَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ.
 
( 747 - 765 ) بلعام بن باعوراء من زهاد بني إسرائيل وكان معاصرا لموسى وبالرغم من أنه أوتى من الآيات والعلم إلا أنه لم يؤمن بموسى وناصبه العداء ، ويضرب به المثل في المأثور الصوفي الفارسي على من يضله الله على علم وتأتى قصته دائما في تفاسير القران الكريم على الآية الكريمةوَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ( سورة الأعراف / 175 ) وفي البيت أيضا إشارة إلى إبليس على أساس أنه كان من أكثر الملائكة عبادة لكنه لم يوفق في الامتحان الأخير عندما طلب منه أن يسجد لآدم ومنعه كبرياؤه من ذلك ، وهذه القصة أيضا تناولها الصوفية من وجهات نظر عديدة أهمها أن على الصوفي ألا يأمن مكر الله فإنه لا يدرى من أين تأتيه الفتنة ولن يكون أكثر علماً من بعلم ابن باعوراء أو أكثر عبادة من عزازيل ، وعلى عكس ذلك أيضاً لا تنظر إلى كافر باحتقار فربما مات مسلما ( كتاب 6 / بيت 2541 )
 
وبقية الأبيات ابتداء من البيت 748 حتى 765 تكمله الرجل الذي كان يدهن شاربه بالإلية وفحوى الحكاية أو الهدف منها يرد في البيت رقم 571 وهو أن التنفج والادعاء يمنعان عنا كرم الإله أو كرم رجال الحق ، فأولى أن يظهر الإنسان حاجته حتى يعطف عليه المولى أو يبعث الشفقة في قلوب قوم يعطفون عليه .

 

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: