الأربعاء، 12 أغسطس 2020

05 - اختبار الملك لذلكما الغلامين اللذين اشتراهما حديثا المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

05 - اختبار الملك لذلكما الغلامين اللذين اشتراهما حديثا المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

05 - اختبار الملك لذلكما الغلامين اللذين اشتراهما حديثا المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

اختبار الملك لذلكما الغلامين اللذين اشتراهما حديثا
 
- اشترى أحد الملوك غلامين بثمن رخيص ، وتبادل حديثا عابرا مع واحد منهما .
- فوجده ذكي القلب حلو الجواب ، وماذا يتأتى من الشفتين اللتين كالسكر ؟ الماء الممزوج بالسكر .
- والإنسان مخبوء تحت اللسان ، وهذا اللسان حجاب على عتبة الروح .
- وعندما تهز ريح ما الستار ، فإن سر صحن الدار يصير لنا واضحا .
850 - وهل في هذه الدار جواهر أو قمح ، هل بها كنز من الذهب أو أن كلها حيات وعقارب .
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 395 : - إذن فالفقير هو الذي يعطي نفسه ، ماء الحيوان ليبقى إلى الأبد .
 
 
« 91 »
 
 
- أو أن فيها كنزا إلى جوار حية ، ذلك أنه لا يوجد كنز ذهب بلا حارس .
- كان يتحدث دون تمهل حديثا يقوله الآخرون بعد تأمل طويل .
- وكأن في باطنه بحرا ، وكل البحر جوهر فصيح القول .
- ونور كل جوهرة تشع منه ، كان يصبح فرقانا بين الحق والباطل .
 
855 - ونور الفرقان كان يفرق من أجلنا ، الحق والباطل ذرة ذرة ، كلا على حدة .
- ولو كان نور الجوهر نورا لأعيننا ، لكان السؤال والجواب كلاهما منا .
- ولقد اعوجت منك العين ، فرأت قرص القمر قرصين ، وهذه النظرة كأنها سؤال ، عن في إشكال .
- فاجعل العين مستقيمة في ضوء القمر ، حتى ترى قمرا واحدا ، هذا هو الجواب .
- واجعل فكرك على ألا تنظر باعوجاج وتنظر جيدا ، حينذاك يكون لك نور ذلك الجوهر وشعاعه .
 
860 - وكل جواب يتأتى من الأذن إلى القلب ، تقول العين : اسمع مني ودعك من هذا .
- والأذن دلالة ، والعين أهل للوصال ، والعين من أصحاب الحال ، والأذن من أصحاب المقال .
- وفي سمع الأذن تبديل للصفات ، وفي عيان الأبصار تبديل للذات .
- وإذا صار علمك بالنار عن طريق الكلام فقد وصلت إلى علم اليقين ، فاطلب النضج ، ولا تتوقف عند اليقين .
- وما لم تحترق ، فليس هذا عين اليقين ، وإذا أردت هذا اليقين ، فادخل في النار .
 
« 92 »
 
865 - وعندما تصير الأذن نافذة ، تصير عينا ، وإلا لبقيت " قل " في الأذن فحسب .
- وهذا الكلام لا نهاية له ، فعد " لنر " ماذا حدث للملك مع غلاميه .
 
صرف الملك لأحد هذين الغلامين وسؤاله الآخر
 
- عندما رأى ذلك الغلام الصغير من أهل الذكاء ، أشار إلى الغلام الآخر قائلا له : تقدم .
- إن استخدام التصغير وصفا للغلام ، ليس حطا من شأنه ، وعندما يقول الجد يا بني ، ليس تحقيرا .
- وعندما اقترب ذلك الغلام الثاني من الملك ، كان أبخر ، أسود الأسنان .
 
870 - وبالرغم من أن الملك لم يستحسن منه الكلام ، إلا أنه بحث عن أسراره وتفحص عنها .
- وقال : مع هذا الشكل والبخر ، إجلس بعيدا ، لكن لا تبتعد كثيرا .
- فأنت أهل لإنفاذ الأمر إليك كتابة وعن طريق الرقع ، وما كنت جليسا أو حبيبا ، أو من نفس البقعة .
- وحتى نقوم بعلاج فمك هذا ، فأنت حبيب ، ونحن أطباء ، لدينا الكثير من الفنون .
- ولا يليق إحراق كليم جديد من أجل برغوث ، ومن ثم لا يليق إهمالك .
 
875 - ومع ذلك ، اجلس وحدثنا في موضوع أو موضوعين ، حتى أرى صورة عقلك جيدا .
- ثم أرسل ذلك الذكي في أمر ما ، أرسله إلى الحمام قائلا : اذهب واغتسل وحك جسدك .
- ثم قال للآخر : حسنا ، أنت ذكي ، وأنت مائة غلام في الحقيقة ، ولست غلاما واحدا .
 
 
« 93 »
 
- ولست ما أبداه عنك رفيقك ، لقد كان ينفرنا منك ، ذلك الحسود .
- لقد قال عنك : إنه لص ومعوج وسئ السلوك ، ومخنث وليس برجل ، وأمثال هذا الكثير .
 
880 - قال : لقد كان دائما صادق القول ، ولم أر أنا مثله صادقا « 1 »
- وهو مجبول على الصدق ، وكل ما يقوله ، لا أقول عنه كلام فارغ .
- وأنا لا أعتبر طيب الفكر ذاك معوجا ، لكني أنهم وجودي نفسه .
- وربما يرى مني عيوبا أيها الملك لا أراها في نفسي .
- وكل من يرى عيب نفسه من قبل ، متى قعد فارغا عن إصلاح نفسه ؟
 
885 - وهؤلاء الخلق غافلون عن أنفسهم أيها الأب ، فلا جرم أنهم يتحدثون عن عيوب بعضهم .
- وأنا لا أرى وجهي يا عابد الصنم ، بل أرى وجهك أنت ، وترى أنت وجهي .
- وذلك الذي يرى وجه نفسه ، يزيد نوره عن نور الخلق .
- وإن مات تظل رؤيته باقية ، ذلك أن بصيرته هي بصيرة الحق .
- وليس نورا حسيا ذلك النور . الذي يستطيع به الإنسان أن يرى وجهه أمامه .
 
890 - قال : تحدث الآن عن عيوبه ، مثلما تحدث هو عن عيوبك .
- حتى أعلم أنك حريص على مصلحتى ، وأنك قيم على ملكي وأمرى .
- قال : أيها الملك ، سأتحدث عن عيوبه ، بالرغم من أنه رفيق طيب لي .
- إن عيوبه هي الوفاء والمحبة والإنسانية ، والصدق والذكاء والإخلاص .
- وأقل عيوبه السخاء والعطاء ، ذلك السخاء الذي يصل به إلى بذل الروح .
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 451 : - فعنده صدق وحسن نية مع حياء ، مع حلم وتدين وإحسان وسخاء
 

« 94 »
 
895 - إن الله سبحانه وتعالى قد جاد بمئات الآلاف من الأرواح ، وأي سخاء يكون ممن لم ير هذا الأمر ؟
- وإذا كان قد رآه ، فأي موضع يكون عنده للبخل ؟ ومن أجل روح واحدة ، كيف يكون مغتما هكذا ؟
- وعلى حافة الجدول إنما يبخل بالماء ، من يكون أعمى عن جدول الماء .
- ولقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : كل من يعلم يقينا جزاءه يوم الدين .
- وان الحسنة تعود عليه بعشر أمثالها ، يتولد منه في كل لحظة جود مختلف .
 
900 - والجود بأجمعه هو رؤية العوض ، ومن ثم فرؤية العوض ضد الخوف .
- والبخل هو عدم رؤية العوض ، ورؤية الدر تسعد الغواص .
- ومن ثم لا يوجد في العالم بخيل قط ، ذلك أن أحدا لا يخسر شيئا دون بديل
- ومن هنا فالسخاء ناتج من العين لا من اليد ، ومن الرؤية يتأتى العمل ، ولم ينج إلا البصير
- " وواصل الغلام " : وعيبه الآخر أنه ليس مغرورا ، وطالما هو موجود ، يبحث عن عيوب نفسه .
 
905 - إنه متحدث عن عيوبه ، باحث عن عيوبه ، وهو طيب مع الجميع ، سئ مع نفسه .
- قال الملك : لا تبالغ في مدح الرفيق ، ولا تمدح نفسك من خلال مدحك إياه .
- ذلك أني سوف أمتحنه ، وفي النهاية سوف يعتريك الخجل .
 
قسم الغلام على صدق رفيقه ووفائه بسبب طهارة باطنه
 
- قال : لا والله ، وبالله العظيم ، مالك الملك ، وبالرحمن الرحيم .
- ذلك الإله الذي أرسل الأنبياء ، لا على سبيل الحاجة ، بل بفضله وكبريائه .
 
910 - ذلك الإله الذي من التراب الذليل ، خلق أولياء أجلاء .
 
  « 95 » 
 
- وطهرهم من مزاج المخلوقين من تراب ، وجعلهم يسبقون سير الملائكة .
- ونجاهم من النار وجعل منهم نورا صافيا ، ثم هجم بهم على كل الأنوار .
- إنه سنا البرق ذلك الذي سطح على الأرواح ، حتى وجد آدم المعرفة من ذلك النور .
- تلك التي نبعت من آدم عليه السلام وجناها شيث عليه السلام ، فرآها آدم فيه وجعله خليفة له .
 
915 - وعندما نال نوح نصيبا عليه السّلام من ذلك الجوهر ، صار حاملا للدر من هواء بحر الروح .
- وروح إبراهيم عليه السّلام . من تلك الأنوار الصافية ، دخلت بلا حذر بين لهيب النيران .
- وعندما سقط إسماعيل عليه السّلام في جدولها ، وضع رأسه أمام الخنجر الحاد .
- وروح داود عليه السّلام صارت حارة من شعاعها ، ولان الحديد له عند قيامه بنسجه .
- وعندما صار سليمان عليه السّلام رضيعا لوصالها ، صار الشيطان عبدا مطيعا لأوامره .
 
920 - وعندما استسلم يعقوب عليه السّلام للقضاء ، استضاءت عيناه من رائحة الابن .
- وعندما رأى يوسف عليه السّلام قمري الوجه تلك الشمس ، صار يقظا هكذا في تعبير المنام .
- وعندما سقيت العصا الماء من يد موسى عليه السّلام ، ابتلعت ملك فرعون في لقمة واحدة . « 1 »
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 461 : 
- وعندما وجدت روح جرجيس من مجدها السر ، ضحى بالروح سبع مرات وبعث حيا .
- وعندما كان زكريا يتحدث عن عشقها ، ضحى بالروح في جوف الشجرة .
- وعندما وجد يونس جرعة من تلك الكأس ، وجد السكينة في قلب الحوت .
- وعندما صار يحيى ثملا من السوق إليها ، وضع الرأس في الطست الذهبي من لذتها . 
- وعندما صار شعيب عارفا بهذا الارتقاء ، خسر عينيه من أجل هذا اللقاء .
- وشكر أيوب الذي صبر سبع سنوات على البلاء ، عندما رأى آيات الوصال .
- وعندما تحدث الخضر وإلياس عن خمرها ، وجدا ماء الحيوان وازدادا منه .
 

 
« 96 »
 
- وعندما وجد عيسى عليه السّلام سلما منها ، أسرع إلى ما فوق السماء الرابعة .
- وعندما وجد محمد صلى الله عليه وسلم ذلك الملك والنعيم ، شطر قرص القمر في لحظة واحدة إلى نصفين .
 
925 - وعندما صار أبو بكر رضي الله عنه آية للتوفيق ، صار صاحبا وصديقا لمثل ذلك السلطان .
- وعندما صار عمر رضي الله عنه مفتونا بذلك المعشوق ، صار فاروقا بين الحق والباطل ، مثلما يكون القلب .
- وعندما صار عثمان عينا لذلك العيبان ، كان نورا فائضا ، وأصبح ذا النورين .
- وعندما صار المرتضى رضي الله عنه ناثرا للدر من رؤيته لوجهه ، صار أسدا لله في مرج الروح . « 1 »
- وعندما رأى الجنيد من جنده ذلك المدد ، زادت مقاماته في حد ذاتها عن العدد
 
930 - ورأى أبو اليزيد في مزيده الطريق ، فسمع اسم قطب العارفين من الحق
- وعندما رأى الكرخي حارسا على حرمه ، صار خليفة للعشق ، ورباني النفس .
- وساق ابن أدهم مركبه نحو ذلك الطريق سعيدا ، وصار سلطانا لسلاطين العدل
- وشقيق ، ذلك الذي شق ذلك الطريق العظيم ، صار شمسا للرأي وقاطعا للنظر . « 2 »
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 362 : - وعندما استضاء السبطان من نورها . كانا للعرش درين وقرطين .
- وعندما فرغ السبطان من سرها . صارا قرطين للعرش الرباني .
- فضحى أحدهما بروحه بالسم ، وألقى الآخر برأسه في طريقها ثملا .
( 2 ) ج / 3 - 363 : -
- صار الفضيل مرشدا في الطريق بعد قطع الطرق ، عندما تعرض للحظة للطف الملك .
- وبشر بشر الحافي بالأدب ، فيمم نحو صحراء الطلب .
- وعندما جن ذو النون من امتحانه بها ، صار نضر الروح كأنه مخزن السكر .
- وعندما صار السري بلا رأس في طريقها ، صار جاهه على سرير الرؤساء .
 
  « 97 » 
 
- وهناك مئات الألوف من الملوك الأخفياء ، هم رافعو الرؤوس من ذلك الطرف من العالم .
 
935 - بقيت أسماؤهم خفية غيرة من الحق ، فلا يردد أسماءهم كل شحاذ .
- وبحق ذلك النور وأولئك النورانيين ، الموجودين في ذلك البحر كالأسماك .
- وإن سميته بحر الروح أو روح البحر ، لا يليق ، وأنا أبحث له عن اسم جديد .
- وبحق ذلك الذي هذا وذاك منه ، ومن تكون الألباب بالنسبة له قشورا .
- إن صفات رفيقي في العبودية وصديقي ، هي مائة ضعف لما قلته .
 
940 - وما أعلمه من وصف هذا النديم ، لا تصدقه ، فما ذا أقول أيها الكريم ؟
- قال الملك : الآن تحدث عن نفسك ، فحتام تتحدث عن هذا وذاك ؟
- ما ذا لديك أنت ؟ وماذا أتيت به ؟ ومن قعر البحر أي در تستخرجه ؟
- ويوم الموت يبطل حسك هذا ، فهل لديك در الروح ليكون رفيقا للقلب ؟
- وفي اللحد ، عندما تحشى هذه العين بالتراب ، هل لديك ما يضيء اللحد ؟
 
945 - وذلك الزمان الذي تنفصل فيه عنك اليدان والقدمان ، هل لك جناح وقوادم حتى تطير بها الروح ؟ « 1 »
- وذلك الزمان الذي لا تبقى فيه الروح الحيوانية ، ينبغي أن يكون لك روح باقية تحل محلها .
- وشرط من جاء بالحسنة ، ليس في فعلها فحسب ، بل حمل هذه الحسنات إلى الحضرة .
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 463 : ونور القلب يكون من الروح يا صديق الغار ، فلا تظنه مستعارا يا ثملا بالعار .
 

« 98 »
 
- ألديك جوهر من الإنسان أو من الحمار ؟ وما دامت هذه الأعراض قد فنيت ، كيف تحمل هذه الحسنات ؟
- وهذه الأعراض من صلاة ومن صوم ، ما دامت لا تبقي زمانين ، فقد انتفت .
 
950 - ولا يمكن نقل الأعراض ، لكنها نتفي عن الجوهر الأمراض .
- حتى يتبدل الجوهر من هذا العرض ، مثلما يزول المرض من الحمية .
- والعرض كالحمية يتبدل إلى جوهر بالجهد ، والفم المر يصير من الحمية كالشهد .
- ومن الزراعة تحول التراب إلى سنابل ، ومن دواء الشعر ، صار الشعر كالسلسلة .
- ونكاح المرأة كان عرضا ، ثم انتهى ، وصار جوهر الابن حاصلا منه .
 
955 - وسفاد الخيل والجمال عرض ، والجوهر هو ميلاد المهر والفصيل ، وهذا هو الغرض .
- وغرس هذا البستان عرض ، ومحصول البستان جوهر ، وهو الغرض .
- واعتبر استخدام الكيمياء من قبيل العرض ، وإن صار ثم جوهر من استخدام الكيمياء ، إيت به .
- والصقل يكون عرضا أيها المليك ، ومن هذا العرض ، يتولد الصفاء من جوهر الإفرند .
- إذن فلا تقل : لقد قمت بالأعمال ، وأظهر حاصل تلك الأعراض ولا تخف .
 
960 - وهذا الوصف عرض ، فاصمت ، ولا تذبح ظل ماعز كأضحية .
- قال : أيها الملك ، إن قولك إنه لا نقل للعرض ، لا يتحقق ، وإلا أصاب العقل القنوط .
- أيها الملك ، ان كان للعرض ذهاب بلا إياب ، فليس في هذا إلا يأس العبيد .
 
 
« 99 »
 
- وإن لم يكن للعرض نقل وحشر ، لكانت الأفعال باطلة والأقوال جزافا .
- ونقل هذه الأعراض صار من لون آخر ، وحشر كل فان يكون كونا آخر .
 
965 - ونقل كل شيء لائق به ، ويليق بكل قطيع سائقه .
- وفي وقت الحشر ، هناك صورة لكل عرض ، ولصورة كل عرض نوبة
- وانظر إلى نفسك ، ألم تكن عرضا ؟ في حركة زوج وزوجة ذات غرض ؟
- وانظر إلى المنزل وإلى الإيوان ، ألم تكن في ضمير المهندس مجرد أساطير ؟
- ومنزل فلان الذي رأيناه جميلا وطيبا ، متناسق الصفة والسقف والأبواب ،
 
970 - هو عرض من المهندس وأفكار ، وجاءت الحرف بالآلات والأعمدة .
- وما أصل كل حرفة ومادتها ، اللهم إلا خيال وعرض وفكرة ؟
- وانظر إلى أجزاء الدنيا بلا غرض ، لا نتيجة منها إلا العرض .
- كانت في البداية فكرة ، ثم أتت آخرا في العمل ، واعلم أن بنية العالم على هذا منذ الأزل .
- والثمار كانت في فكر القلب في البداية ، وتبدو في العمل ، وتصل إلى تمام نضجها .
 
975 - وما دمت قد عملت ، فقد زرعت الشجر ، وفي النهاية ، قرأت حروف البداية .
- وبالرغم من أن أغصانها وأوراقها وجذورها تكون في البداية ، إلا أنها جميعا تكون مرسلة من أجل الثمرة .
- ومن ثم ، فقد كان هناك لب لتلك الأفلاك ، أنه كان في النهاية سيد " لولاك " .
- وهذا البحث والمقال هو نقل للأعراض ، ونقل الأعراض أيضا هو الحكايات كحكاية الأسد وابن آوى .

« 100 »
 
 
- والعالم بأجمعه كان عرضا ، حتى نزلت " هل أتى " في هذا المعنى .
 
980 - وهذه الأعراض ، من أين تتولد ؟ من الصور ، وهذه الصور بدورها من أين تتولد ؟ من الفكر .
- وهذه الدنيا فكرة واحدة صادرة عن العقل الكلي ، والعقل كالمليك ، والصور رسل .
- والعالم الأول هو عالم الامتحان ، والعالم الثاني جزاء هذا وذاك .
- وعندما يرتكب تابعك أيها المليك جرما ، وهو عرض ، يتبدل إلى القيد والسجن .
- وعبدك عندما يقوم بخدمة عظيمة وهي أيضا عرض ، ألا يظفر في مقابلها بخلعة ؟
 
985 - وهذا العرض والجوهر مثالهما كالبيضة والطائر ، هذه تتولد من ذاك وذاك من هذه في توال .
- قال الملك : فلنفترض هذا ، المراد أن أعراضك هذه لم تنتج جوهرا .
- قال : لقد أخفاها العقل ، حتى تصبح هذه الدنيا غيبا بخيرها وشرها .
- ذلك أنه لو كانت أشكال الفكر ظاهرة ، لما لهج الكافر والمؤمن سوى بالذكر .
- ولكانت هذه عيانا وليست غيبا أيها المليك ، ولكانت صورة الإيمان والكفر موجودة على الجبين .
 
990 - ومتى كان يظهر في هذا العالم الصنم أو ناحته ؟ وكيف كان أحد يجرؤ على السخرية ؟
- ولكانت دنيانا هذه قيامة ، ومن الذي يقوم بجرم أو خطأ في القيامة ؟
- قال الملك : لقد أخفى الحق جزاء السوء ، لكن عن العامة ، لا عن خواصه .
- فإن قمت أنا بإيقاع أحد الأمراء في ورطة ما ، فإنني أخفي هذا عن الأمراء لا عن الوزير .
 
 
« 101 »
 
 
- والحق قد أبدى لي إذن جزاء العمل ، ومن صور الأعمال مئات الآلاف .
 
995 - فاذكر لي أمارة " شيء ما " أعرفه تماما ، فالغمام لا يغطي القمر أمامي .
- قال : إذن ما هو المقصود من قولي ؟ ما دمت تعلم ما هو الذي قد كان ؟
- قال الملك : الحكمة هي إظهار العالم ، وأن يخرج كل ما علمه عيانا .
- وما لم يظهر كل ما كان يعرفه ، لما وضع على الدنيا ألم المخاض والأوجاع .
- وإنك لا تستطيع أن تجلس لحظة واحدة عاطلا ، أو لا يصدر منك خير أو شر .
 
1000 - وهذه المطالبات بالعمل تكون من أجل ذلك ، ولقد صارت موكلة بك ليصبح سرك عيانا .
- إذن ، فمن أين يصير الجسد المتحير ساكنا ، ما دام طرف خيط الضمير يجره ؟
- واضطرابك صار دليلا على هذا الجذب ، بحيث تكون البطالة عليك كأنها نزع الروح .
- وهذه الدنيا وتلك الدنيا في ولادة إلى الأبد ، وكل سبب أم ، في أثره ولد .
- وعندما تولد الأثر صار بدوره سببا ، حتى تتولد منه آثار عجيبة .
 
1005 - وهذه الأسباب موجودة نسلا بعد نسل ، لكن ينبغي أن تكون البصيرة مقترنة بالنور تماما .
- ووصل الملك معه بالحديث إلى هذا الموضع ، وإما أنه رأى منه دليلا أو لم ير .
- فإذا كان ذلك الملك البحاثة قد رأى ، فليس ذلك عليه ببعيد ، لكن لا إذن لنا بذكر ما رأى .
 
 
« 102 »
 
 
- وعندما جاء ذلك الغلام من الحمام ، استدعاه إليه ذلك الملك الهمام .
- وقال له : صحة لك ونعيم دائم ، يا لك من لطيف طريف حسن الوجه . « 1 »
 
1010 - لكن وأسفاه ، لو لم يكن فيك ذلك الذي يفتأ يذكره فلان فيك ، 
- لسر كل من رأى وجهك ، ولسادت رؤيتك ملك الدنيا .
- قال : اذكر لي نبذة منه أيها الملك ، من ذلك الذي قاله فاسد الدين ذاك .
- قال : لقد وصفك من البداية بأنك ذو وجهين ، ظاهرك دواء ، وباطنك ألم .
- وعندما استمع من الملك إلى خبث رفيقه ، ثار بحر غضبه في لحظة .
 
1015 - وأزيد ذلك الغلام واحمر وجهه ، حتى جاوز موج هجائه الحد .
- وقال : إنه منذ أول لحظة رافقني فيها ، كان ككلب في مجاعة ، أكثر أوقاته يأكل الخبث .
- وعندما استمر في هجوه كأنه الجرس ، ووضع الملك يده على شفته قائلا :
كفاك .
- وقال : لقد ميزت بينك وبينه ، فاعلم أن النتن يفوح من روحك ، بينما يفوح من فمه .
- فاجلس أنت إذن بعيدا يا نتن الروح ، حتى يكون هو الأمير وأنت المأمور . « 2 »
 
1020 - ولقد جاء في الحديث أن التسبيح رياء ، اعلم أنه كخضرة على مستوقد أيها العظيم .
- واعلم إذن أن الصورة الجميلة الطيبة ، لا تساوى مع الخصال السيئة ربع دانق
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 525 :
- ثم صرف الآخر نحو أمر من الأمور ، حتى يصبح على علم برفيقه .
- وأجلسه أمامه بلطف شديد وكرم ، وقال له : يا من أنت شبيه بالقمر من الظلم .
- أنت قمري الوجه متموج الشعر مسكي الرائحة ، إنك حسن الطبع ، حسن الطبع ، حسن الطبع .
( 2 ) ج / 3 - 525 :
- من أجل هذا قال الأكابر في الدنيا : " راحة الإنسان في حفظ اللسان " .

 
« 103 »
 
- وإن كانت الورة قبيحة مرذولة ، فمت في عكوفك عليها ، عندما يكون صاحبها ذا خلق حسن .
- والصورة الظاهرة تصير إلى فناء ، واعلم أن عالم المعنى يبقى إلى الأبد .
- فحتام تمارس العشق مع صورة الجرة ، دعك من صورة الجرة ، وابحث عن الماء . « 1 »
 
1025 - ولقد رأيت صورته وأنت غافل عن المعنى ، فاختر الدر من الصدف ، إن كنت عاقلا .
- وهذه الأصداف قوالب في الدنيا ، بالرغم من أنها كلها حية ببحر الروح .
- لكن ليس في كل صدفة يوجد الدر ، فافتح عينيك ، وانظر في قلب كل منها .
- وما ذا يملكه ذاك ، وما ذا يملكه هذا ، وداوم على الاختيار ، ذلك أن ذلك الدر الثمين نادر الوجود .
- وإذا كنت تمضي إلى الصورة ، فإن الجبل بمهابته ، يبلغ مائة ضعف ما فيه من الياقوت .
 
1030 - ويداك وقدماك وشعرك من ناحية الصورة ، تبدو مائة ضعف لصورة عينيك .
- ولكن لا يخفى عليك ، أن العين تفضل كل الأعضاء .
- ومن فكرة واحدة تبدو من الباطن ، ينقلب مائة عالم في لحظة واحدة .
- وجسد السلطان وإن كان يبدو في الصورة واحدا ، فإن هناك مئات الآلاف من العسكر يسرعون خلفه .
- ثم إن شكل الملك الصفي وصورته ، تكون محكومة بفكرة خفية .
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 525 : - وحتام تظل عاشقا للصورة ؟ قل ، فكن طالبا للمعنى ، واطلبه بجد .
 
 
« 104 »
 
1035 - وانظر إلى خلق لا نهاية له صار من فكرة واحدة ، كأنه سيل جار على الأرض .
- وذلك الفكر يبدو أمام الخلق هينا ، لكنه كسيل اجتاح العالم ، والتهمه .
- وما دمت ترى إذن أنه من فكرة واحدة ، قامت في الدنيا كل حرفة .
- والمنازل والقصور والمدن والجبال والصحارى والأنهار .
- والأرض والبحر والشمس والفلك ، حية منه مثل السمك في البحر .
 
1040 - لماذا إذن من بلهك يكون الجسد أمامك أنت الأعمى مثل سليمان والفكر كنملة ؟
- ويبدو الجبل أمام عينيك عظيما مهابا ، والفكر كالفأر والجبل كالذئب .
- والعالم في عينيك عظيم مهول ، ومن السحاب والرعد ترتعد وتخاف .
- ومن عالم الفكر يا من أنت أقل من حمار ، آمن وغافل عنه وبلا دراية كالحجر ؟
- ذلك أنك صورة ، ولا نصيب لك من العقل ، ولست في طبع الإنسان ، بل أنت جحش .
 
1045 - وترى ظل المرء ومن الجهل ، أصبح ذلك الشخص سهلا في نظرك بمثابة الألعوبة . « 1 »
- فانتظر يوما يفتح فيه ذلك الفكر والخيال الجناح والقوادم بلا حجاب .
- فترى الجبال قد صارت كالصوف الناعم ، وصارت هذه الأرض الباردة والحارة عدما .
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 527 : والآن هناك من الغيب مظهر للزينة ، هو من اللطف كالهواء شارح للقلب . 
- وإذا لم يلتصق المرء الدنس بالجسم ، يكون البصر عالما بذلك اللطيف . 
- ثم إنه زائد عند الأثر ، من آلاف المطارق والسيوف والطبر .
 

« 105 »
 
- ولا سماء ترى ، ولا كوكبا ، ولا وجودا ، " لا ترى " إلا الله الحي الودود .
- وقصة ما قد تكون صادقة أو كاذبة ، وذلك حتى تلقي الحقائق بضيائها .
 
حسد الحشم لغلام مقرب
 
1050 - كان أحد الملوك قد اصطفى عبدا بكرمه عن كل الحشم .
- كان مقرره وراتبه ما يساوى أربعين أميرا ، ولم يكن وزير قط يظفر بعشر قدره .
- ومن كمال الطالع والإقبال والحظ ، كان كإياز والسلطان " محمود " زمانه .
- كانت روحه مع روح الملك في أصلها ، ذات صلة وقربى قبل أن توجد في عالم الأجساد .
- وما ينفع هو ما كان قبل أن تخلق الأجساد ، فدعك منها ، فهي جديدة حادثة .
 
1055 - والأمر يكون للعارف الذي لا يكون أحول ، فعينه تكون دائما على الغراس الأول .
- سواء كان ما زرعوه قمحا أو شعيرا ، عينه مرهونة به من هناك ، ليل نهار .
- وما يكون الليل حاملا به لا يلد سواه ، وأنواع الحيل والمكر ريح وهباء .
- ومتى يجعل قلبه راضيا بالحيل الجميلة ، ذلك الذي يرى حيلة الحق فوق رأسه ؟
- إنه يكون داخل الشراك ويضع شراكا آخر ، وبحق روحك لا يكون ناجيا من هذا وذاك .
 
1060 - هذا وإن نبت مائة نبات أو تساقط ، فلا ينجو في النهاية إلا ما زرعه الله .
 
« 106 »
 
 
- وغراس الزارعين حديثا يكون على الغراس الأول ، والغراس الثاني فان ، والأول هو الصحيح .
- والبذرة الأولى كاملة ومنتقاة ، والبذرة الثانية فاسدة ومهترئة .
- وأمام الحبيب لتلق بتدبيرك بعيدا ، حتى وإن كان تدبيرك هذا هو تدبيره .
- وإنما ينفع ما رفعه الحق ونماه ، وينبت آخرا ما زرعه هو أولا .
 
1065 - وكل ما تزرعه ، ازرعه من أجله ، ما دمت أسيرا للحبيب أيها المحب .
- ولا تطف حول النفس اللصة وحول عملها ، فكل ما هو ليس من عمل الحق هباء ، هباء .
- هذا من قبل أن يصير ظاهرا يوم الدين ، ويفتضح لص الليل عند المالك .
- والمتاع المسروق بتدبيره وفنه ، يبقى يوم الجزاء في عنقه .
- ومئات الآلاف من العقول تثب معا ، حتى تضع شبكة غير شبكته .
 
1070 - فتجد شبكته فحسب أكثر إحكاما ، وأية قوة للقذى أمام الريح ؟
- وإذا قلت : ما هي فائدة الوجود ؟ في سؤالك نفسه فائدة أيها العنود .
- وإن لم يكن في سؤالك هذا فائدة ، فماذا نسمعه ؟ عبث لا فائدة من ورائه ؟
- وإذا كان في سؤالك فوائد كثيرة ، فلماذا تكون الدنيا بلا فائدة آخرا ؟
- وإذا كانت الدنيا من جهة بلا فائدة ، فهي من جهات كثيرة ذات عائد جم .
 
1075 - وإذا كانت فائدتك لا فائدة فيها بالنسبة لي ، ما دامت فائدة لك ، لا تتوقف عن إتيانها .
- لقد كان حسن يوسف عليه السّلام فائدة لعالم بأجمعه ، بالرغم من أنه كان بالنسبة لإخوانه عبثا بلا عائد .
- واللحن الداودي كان محبوبا إلى ذلك الحد ، لكنه كان بالنسبة للمحروم صوت " دق " أخشاب .

 
« 107 »
 
- وكان ماء النيل أعظم خاصية من ماء الحياة ، لكنه بالنسبة للمحروم والمنكر ، كان دما .
- والشهادة بالنسبة للمؤمن حياة ، لكنها بالنسبة للمنافق موت واهتزاء .
 
1080 - وقل لي : أية نعمة موجودة في العالم لم تحرم منها أمة كاملة ؟
- وآية فائدة للبقر والحمر في السكر ؟ إن لكل حي قوتا مختلفا .
- لكن إن كان هذا القوت عارضا عليه ، فنصحه آنذاك يكون ترويضا له .
- مثل إنسان من مرضه أحب الطين ، برغم أنه يظن أنه قوته في الأصل .
- ولقد نسي قوته الأصلي ، واتجه إلى قوت المرض .
 
1085 - وترك العسل ، وتجرع السم ، وجعل قوت العلة كأنه الدسم .
- والقوت الأصلي للبشر هو نور الله ، ولا يليق به قوت الحيوان .
- لكن من العلة ، سقط القلب بحيث يأكل ليل نهار من هذا الطين .
- وأين أصفر الوجه ضعيف القدم خفيف القلب ، من غذاءوَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ؟
- إنه غذاء خواص الدولة ، وأكله يكون بلا حلق ولا آلة .
 
1090 - ولقد صار غذاء الشمس من نور العرش ، وللحسود والشيطان " غذاء " من دود الأرض .
- ولقد قال الحق في حق الشهداء أنهم يرزقون ، ولا فم لذلك الغذاء ولا طبق .
- والقلب يأكل من كل حبيب غذاء ، والقلب يحمل من كل علم صفاء .
- وصورة كل إنسان مثل الوعاء ، والعين حساسة بمعناه .
- ومن لقاء كل امريء تأكل شيئا ، ومن اقترانك بكل قرين تأخذ شيئا .
 
1095 - وعندما صار كوكب قرينا لكوكب ، يتولد " شيء " بلا جدال من هذا الاقتران .
 
« 108 »
 
- مثلما يتولد من قران الرجل والمرأة البشر ، ومن قران الحجر والحديد الشرر
- ومن قران التراب مع الأمطار ، الثمار والخضرة والرياحين .
- ومن قران ألوان الخضر مع الإنسان ، السرور وانفراج الهم والسعادة .
- ومن قران السعادة مع القلوب ، تتولد الطيبة وألوان الإحسان .
 
1100 - وعندما ننال مبتغانا من التنزه ، تصير أجسادنا قابلة للطعام .
- واحمرار الوجه يكون من قران الدم ، والدم يكون من الشمس الحلوة المتوردة
- وأفضل الألوان هو اللون الأحمر ، وهو لون الشمس ، ومنها يصل
- وكل أرض تكون قرينة مع زحل ، تصبح بورا ، ولا تبقى موضعا للزرع .
- والقوة تتأتى بالفعل من الاتفاق ، مثل قران الشيطان مع أهل النفاق .
 
1105 - وهذه المعاني لها من الفلك التاسع ، كبكبة ودبدبة ، بلا أي أبهة وبهاء .
- كبكبة ودبدبة هي بالنسبة للخلق عارية ، لكنها بالنسبة للأمر ماهية .
- ومن أجل الكبكبة والدبدبة يتحملون الذل ، وعلى أمل العز " يعانون " الذل .
- وعلى أمل عز يدوم أياما عشرة ، هم في اضطراب وقلق ، جعلوا رقابهم من الغم " في نحول " المغزل .
- فكيف لا يأتون إلى هذا المكان الذي أنا فيه ؟ ، فأنا في هذا العز شمس مشرقة
 
1110 - ومشرق الشمس برج مظلم ، وشمسنا خارجة عن المشارق .
- ومشرقها هو ما تنتسب إليه ذراتها ، وذاتها لا شروق لها ولا غروب .
- ونحن الذين نعد بقايا ذراتها ، نعد من بين الدراويش شمسا لا ظل لها .

« 109 »
 
- أأطوف ثانية حول الشمس ؟ يا للعجب ، إن كل هذا بسبب مجد الشمس .
- والشمس تكون مطلعة على الأسباب ، ومنها أيضا تتقطع حبال الأسباب .
 
1115 - ومئات آلاف المرات قطعت الأمل ، ممن ؟ من الشمس ، فهل تصدقون هذا ؟
- فلا تصدقني إن قلت إنني أصبر عن الشمس ، أو أن السمكة تصبر عن الماء .
- وإن صرت قانطا ، فقنوطي ، هو عين صنع الشمس ، يا حسن .
- وكيف ينفصل عين الصنع عن نفس الصانع ؟ وكيف يكون هناك موجود قط يرعي من غير الوجود ؟
- وكل الموجودات ترعى من هذه الروضة ، سواء البراق أو الخيول العربية ، بل والحمير .
 
1120 - لكن الجواد الأعمى يرعى بعمى ، ولا يرى الروضة ، فهو لهذا مردود .
- وذلك الذي لم يقم بالأسفار في هذا البحر ، يتجه في كل لحظة إلى محراب جديد .
- وهو يشرب الماء المالح من البحر العذب ، حتى أصابه الماء المالح بالحمى .
- ويقول له البحر : اشرب بيدك اليمنى من مائي أيها الأعمى ، حتى تسترد البصر .
- واليد اليمنى هنا هي الظن الحسن ، فهو الذي يعلم من أين " يتأتى " الخير والشر .
 
1125 - واللاعب بالحراب هو الذي يقومك حينا أيتها الحربة ، ويحنيك حينا
 

 
« 110 »
 
- ونحن من عشق شمس الدين بلا أظفار ، وإلا فإننا نجعل الأعمى مبصرا 
- فهيا يا ضياء الحق ، يا حسام الدين ، قم سريعا بعلاجه ، برغم أنف الحسود .
- بتلك التوتياء الإلهية سريعة التأثير ، وذلك الدواء الماحي للظلمة من عنيد الفعل .
- من تلك التي لو وضعت في عين الأعمى ، لمحت ظلمة دامت مائة سنة .
 
1130 - فعالج كل العميان إلا الحسود ، الذي يقوم من الحسد بإنكارك وجحودك .
- ولا تهب الروح لحسودك ، حتى وإن كان أنا ، حتى أعاني نزع الروح على ما أنا فيه .
- وذلك الذي يكون حسودا للشمس ، وذلك الذي يتأذى من وجود الشمس ، 
- هو أعمى ذو آلام بلا علاج ، فهاك من سقط إلى الأبد في قاع البئر .
- فهل أجاز نفي شمس الأزل ؟ ومتى يتأتى مراده ؟ قل لي .
 
سقوط البازي أسيرا بين البوم في خرابة
 
1135 - إن البازي الحقيقي هو الذي يعود إلى الملك ، والبازي الأعمى هو الذي ضل الطريق .
- لقد ضل الطريق وسقط في خرابة ، سقط البازي في خرابة بين البوم .
- وهو بأجمعه نور من نور الرضا ، لكن قائد القضاء قد أعماه .
- لقد حثا عينيه بالتراب وأضله عن الطريق ، وأودعه الخرابة بين البوم .
- وهو على الرأس ، والبوم آخذة في ضربه على رأسه ، واقتلاع جناحيه وقوادمه الرقيقة .
 
 
« 111 »
 
1140 - وقد وقعت ضجة بين البوم ، فهي تصيح : الحذر ، لقد جاء البازي ليأخذ منا مكاننا .
- فهي مثل كلاب الحي غاضبة محتدة ، وقعت في ثياب رجل غريب .
- ويقول البازي : أية لياقة لي مع البوم ؟ إنني أهب مائة مثل هذه الخرابة للبوم .
- وأنا لن أقيم هنا ، بل سوف أمضي ، وسوف أعود صوب الملك .
- فلا تقتلوا أنفسكم أيها البوم ، فأنا لست مقيما ، بل ماض صوب الوطن .
 
1145 - وهذا الخراب عامر في أعينكم ، وإلا فإن ساعد السلطان بالنسبة لي ، مكان مرفه .
- قال البوم : ها هو يحتال ثانية ، حتى يقتلعكم من دياركم ، ومن بين أهليكم 
- إنه يستولي على ديارنا بمكره ، ويقتلعنا من وكرنا بزيفه .
- وهو يبدي الشبع هذا المحتال ، وو الله إنه لأسوأ من كل الحريصين .
- إنه من الحرص يأكل الطين وكأنه الدبس ، فلا تضعوا أيها الأصدقاء الإلية أمانة لدى الدب .
 
1150 - وإنه ينفج بالحديث عن الملك ويد الملك ، حتى يضلنا نحن السذج عن الطريق .
- وكيف لطويئر أن يكون متجانسا مع الملك ، لا تستمع إليه إن كنت عاقلا ، أقلل السمع .
- فهل هو من جنس الملك ؟ أو من جنس الوزير ؟ وهل يكون الثوم لائقا قط باللوز ؟
- إنه يقول ما يقول من المكر والحيلة ، ويقول : السلطان مع حشمه يبحثون عني .

« 112 »
 
- فهاك هو الهوس الذي لا يقبل ، وهاك هو النفاج الساذج ، والشبكة التي تصيد السذج .
 
1155 - وكل من يصدق هذا ، يكون من البله ، فأي تناسب بين طويئر ضئيل وملك ؟
- وأقل بومة إن ضربته على رأسه ، فأنى يكون العون من الملك له ؟
- قال البازي : إنهم إن نزعوا ريشة واحدة مني ، لاقتلع الملك أرض البوم من أساسها .
- وما ذا يكون البوم ؟ وإن ضايقني بازي أو قسا على ، 
- لحشد الملك حشدا من كل منخفض ومرتفع ، ومئات الآلاف من الجند المجند .
 
1160 - وحرسي هو عناياته ، وحيثما أمضي ، يمضي الملك في أثري .
- وخيالي مقيم في قلب السلطان ، وبدون خيالي يكون قلب السلطان سقيما .
- وعندما يطلقني الملك طائرا في تجوالي ، أطير على أوج القلب ، كأنني شعاع له .
- فأظل أطير مثل قمر وشمس ، وأمزق أستار السماوات .
- وضياء العقول من فكرتي ، وانفطار السماوات من فطرتي .
 
1165 - وأنا بازي ، وإنما يحار في طائر البلح ، وما ذا يكون البوم حتى يعرف سرنا ؟
- ومن أجلي تذكر المليك السجن ، فأطلق سراح مئات المقيدين بالأغلال .
- وجعل مني لحظة واحدة قرينا للبوم ، وجعل البوم من أنفاسي كالبزاة .
- وما أسعدها من بومة ، تلك التي فهمت من إقبالها سري ، وذلك من طيراني .
 
 
« 113 »
 
- فتعلقوا بي حتى تصيروا منعمين ، وتصبحون صقورا ملكية ، بالرغم من أنكم بوم .
 
1170 - وذلك الذي يصير حبيبا لمثل هذا المليك ، كيف يكون غريبا حيثما يقع ؟
- وكل من يكون الملك دواء لألمه ، لما كان بلا زاد ، وإن كان كالناي .
- وأنا مالك الملك ، ولست بالشره الأكول ، والمليك يدق طبل رجوعي من جواره .
- وطبل رجوعي هو نداء " ارجعي " ، والحق شاهدي برغم المدعي .
- ولست أنا من جنس المليك ، جل شأنه وعلا ، لكن لدي نورا منه عند التجلي .
 
1175 - وليس التجانس على سبيل الشكل والذات ، والماء كان في النبات من جنس التراب .
- والهواء كان من جنس النار في قوامها ، والمدام صارت في النهاية متجانسة مع الطبع .
- ولما كان جنسنا ليس من جنس مليكنا ، فإن أنيتنا فنت في أنيته .
- وعندما فنيت أنيتنا بقي هو فردا ، وصرت أمام قدم جواده كأنني الغبار .
- وصار التراب روحا ، وآثارها عليه ، وعليه آثار أقدامها .
 
1180 - فكن ترابا لقدمه من أجل هذا الأثر ، حتى تصبح تاجا على رؤوس الأبطال .
- فاشرب نقلي قبل أن تسمع نقلي ، وذلك حتى لا يخدعنك شكلي .
- ورب شخص قطعت عليه الصورة السبيل ، واتجه إلى الصورة ، وجادل الله .
- والخلاصة أن هذه الروح قد اتصلت بالجسد ، فهل هناك شبه قط بين هذه الروح وهذا الجسد ؟

 
« 114 »
 
- وشعاع نور العين مقترن بشحمة ، ونور القلب مخبوء في قطرة دم .
 
1185 - والسرور في الكلية ، والغم في الكبد ، والعقل مثل شمعة داخل مخ الرأس .
- وهذا الارتباط بلا كيف وشكل ، والعقول ضعيفة حائرة في معرفة الكيفية .
- والروح الكلية اتصلت بالروح الجزئية ، وأخذت منها درة وضعتها في جيبها .
- مثل مريم ، حملت روحها من ذلك الذي اتصل بجيبها مسيحا فاتنا .
- لكن ليس ذلك المسيح الذي يسير على الماء واليابسة ، بل ذلك المسيح الذي يعلو على كل المساحة .
 
1190 - ومن ثم عندما حملت الروح من روح الروح ، تصبح الدنيا حاملا من مثل هذه الروح .
- ثم تلد الدنيا دنيا أخرى ، وهذا الحشر يبدي محشرا آخر .
- وإن تحدثت أنا إلى القيامة وعددت ، أكون قاصرا عن شرح هذه القيامة .
- وهذه الكلمات بمعناها هي نفسها " يا رب " ، والكلمات شبكة تصيد الكلام من " حسناء " حلوة الشفة .
- فكيف تقصر ؟ ثم كيف تستسلم ؟ ما دامت لبيك تصل له من " يا رب " ؟
 
1195 - ولبيك هذه التي لا تستطيع أن تسمعها ، تستطيع أن تذوقها من قمة الرأس إلى أخمص القدم . « 1 »
 
إلقاء ظمآن المدر من فوق الجدار في جدول الماء
 
- لقد كان هناك جدار عال على حافة جدول ، وفوق الجدار ظمآن متألم . « 2 » 
- وكان ذلك الجدار يمنعه عن الماء ، وكان من أجل الماء متضرعا كأنه السمكة
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 572 : - ولقد أتيتك بمثال حتى تفهم ، وتكون ذا نصيب من " لبيك " هذه الخفية .
( 2 ) ج / 3 - 597 : - والظمآن المستسقي نحيل ومسكين ، عاشق ثمل غريب بلا قرار .

 
 
« 115 »
 
 
- وفجأة ألقى في الماء بقطعة من المدر ، وجاء صوت الماء إلى مسمعه كأنه الخطاب  
- كأنه خطاب الحبيب حلو لذيذ ، وأسكره صوت الماء وكأنه النبيذ .
 
1200 - ومن صفاء صوت الماء ، فإن ذلك الممتحن ، صار مقتلعا قطع المدر ، راميا بها .
- وكان الماء يصيح بما يعني : " هه . . . أية فائدة تتأتى لك من إلقائي بالطوب ؟
- فقال الظمآن : أيها الماء ، لي فائدتان ، ولن أقلع عما أقوم به أبدا .
- الفائدة الأولى هي سماع صوت الماء ، وهو بالنسبة للظامئين كصوت الرباب .
- لقد صار صوته مثل صوت إسرافيل ، يتحول الميت منه إلى الحياة .
 
1205 - أو أنه كهزيم الرعد في أيام الربيع ، يجد البستان منه كثيرا من الحسان .
- أو أنه بالنسبة للفقير أيام الزكاة ، أو بالنسبة للسجين رسالة النجاة .
- مثل نفس الرحمن الذي كان من اليمن ، يصل صوب محمد صلى اللّه عليه وسلم بلا فم .
- أو كأنه عبير أحمد المرسل صلى الله عليه وسلم ، الذي يصل إلى العاصي شفاعة .
- أو كأنه ريح يوسف الجميل اللطيف ، يهب على روح يعقوب النحيل . « 1 » 
 
1210 - والفائدة الأخرى أن كل لبنة أنزعها من هذا الجدار ، تقرب من مجيئي صوب الماء المعين .
- فمن تقليل الطوب يصير الجدار العالي أكثر انخفاضا كلما اقتلعت منه .
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 597 : - أو نسيم روضة دار السلام ، تصل إلى العاصي حاملة الانتقام . 
- أو ككيمياء التبديل صوب النحاس الأسود ، توصل إليه الرسالة قائلة : أيها الأبله قم 
- أو أنه مثل ليلى تسمع من المجنون الكلام ، أو كأنه ويس يرسل إلى رامين السلام .
 
 
« 116 »
 
- وانخفاض الجدار يصير قربى ، وفصله يكون من أجل الوصل .
- والسجود على مثال الطين اللزب ، موجب للقرب مصداقا لاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ.
- وما دام هذا الجدار الشامخ بعنقه مانعا لطأطأة الرأس ،
 
1215 - لا يمكن السجود على ماء الحياة ، ما لم أجد من هذا الجسد الترابي النجاة .
- وعلى رأس الجدار كل من هو أكثر ظمأ ، يقتلع أسرع الطوب والمدر .
- وكل من هو أكثر عشقا لصوت الماء ، فإنه ينتزع من الحجاب طوبا أضحم .
- وهو من صوت الماء ممتلئ بالخمر حتى العنق ، ولا يسمع الغريب إلا صوت الخرير .
- وما أسعده ذلك الذي يغتنم أيام الشباب ويسدد دينه .
 
1220 - في تلك الأيام التي تكون لديه فيها القدرة ، والصحة وقوة القلب وقوة الجسد .
- فذلك الشباب مثل بستان أخضر نضر ، يوصل دون انقطاع الثمر والزاد .
- وعيون القوة والشهوة الجارية ، تخضر منها أرض الجسد .
- والمنزل معمور وسقفه عالي العماد ، والأركان معتدلة ، لا تخليط فيها ولا انسداد .
- وذلك قبل أن تصل أيام الشيخوخة ، ويعقد حول عنقك حبل من مسد .
 
1225 - يصبح أرضا بورا واهية تتساقط أوراقها ، ولم ينبت نبات حسن من أرض بور قط .
- وماء القوة وماء الشهوة منقطعان ، فلا هو ينقطع بنفسه ولا بالآخرين‌ز 
- والحاجبان كعرقل الدابة متدليان ، والعين أصابها القطر وأظلمت .
 
 
« 117 »
 
- ومن الغضون أصبح الوجه كظهر الضب ، وضاع النطق والطعم ، وعجزت الأسنان عن الأعمال . « 1 » 
- وتأخر اليوم ، والدابة هرمة عرجاء ، والطريق طويل ، والمصنع خرب ، وفقد العمل نظامه .
 
1230 - وجذور الخصال السيئة تأصلت وقويت ، والقوة على إقتلاعها صارت قليلة .
.
* * *
شرح اختبار الملك لذلكما الغلامين اللذين اشتراهما حديثا


( 846 ) : لم يورد فروزانفر أصلا للحكاية التي تبدأ بهذا البيت ، كما لم يورد زرين‌كوب ( بحر در كوزه ) لها أصلًا ، وقال استعلامى ( 2 / 219 ) إنها من الممكن أن تكون اقتباسا من حكايات عديدة .
 
( 848 ) : « تكلموا تعرفوا ، فإن المرء مخبوء تحت لسانه » قول أسنده فروزانفر ( أحاديث مثنوى / 51 ) إلى الإمام علي رضي الله عنه ، وفي الحديث النبوي الشريف : " المرء بأصغريه لسانه وقلبه " وفي الأقوال المأثورة : اللسان ترجمان القلب .
 
( 854 - 859 ) :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ ، يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً( الأنفال / 29 ) ، وهذا الفرقان هو النور الإلهى لو نورت به أعيننا ، لكان السؤال منا ولكان الجواب منا أيضا ، أي لظهرت الأمور ووضحت بحيث يبدو أن عين

 
« 372 »
 
السؤال منها هو عين الجواب ( جعفري / 3 - 448 ) ، والمثال المذكور عن الأحول الذي رأى القمر فوق كبد السماء قمرين ، مأخوذ من حديقة سنائى ( أنظر الترجمة العربية لكاتب هذه السطور ، الأبيات 412 - 414 وشروحها ) .
 
( 860 - 865 ) : يفرق مولانا هنا بين نوعين من المعرفة : معرفة أهل الظاهر ومعرفة أهل المعنى ، أي ما يراه الإنسان بعين الباطن ، بين ما يتعلمه المرء عن طريق السماع من المعلم والمرشد والكتاب وبين النور الذي يستقر في القلب ، بين أهل المقال وأهل الحال ( عن الحال والمقال أنظر البيتين 555 و 2223 من الكتاب الأول وشروحهما ) ، إن معرفة السمع قد تغير الصفات ، ولكن معرفة القلب تغير كل الوجود ، إنك من الممكن أن تسمع عن النار ولا تعرفها ، إنما يعرفها من " رأى " إحراقها وإنضاجها ، ومن ذاق عرف ، وهناك ثلاثة مراتب للمعرفة ، يصل السالك في البداية إلى علم اليقين ثم يصل إلى عين اليقين أو حق اليقين ( أنظر 3507 من الكتاب الأول ) وإلا بقي مجرد أذن وصاحب أذن أسيرا للفظ فحسب . ( استعلامى 2 / 220 ) : و " علم اليقين ما يحصل عن الفكر والنظر ، وعين اليقين ما يحصل عن العيان ، وحق التيقن ما يحصل عن اجتماعهما معا " ( مولوى / 2 - 221 ) .
 
( 872 ) : إن هذا الإبعاد ليس حطا من شأنك ، فهكذا درجتك ومنزلتك أن ترسل إليك الأوامر والتوقيعات كتابة ، لا أن تكون جليسا ونديماً .
 
( 875 ) : إحراق الكليم من أجل برغوث مثل دارج فارسي يضرب للتضحية بالشئ الثمين من أجل نقص تافه فيه ( جلبنارلى 2 / 152 : تستخدم أيضا في التركية ) .
 
( 882 ) :وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي ، إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ
 
 
« 373 »
 
( 884 - 885 ) : " طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله ووسعته السنة ولم يعد منها إلى البدعة " ( حديث نبوي ، الجامع الصغير 2 / 55 ) .
 
( 886 - 888 ) : أصدق حالاتك هي ما يراك الآخرون عليها لا ما ترى أنت نفسك عليه ، فانتظر ما يقوله الناس عنك ، لا ما تقوله أنت عن نفسك ، فإنك لن تبصر نفسك إلا بنور من الخالق ، وهو ليس نوراً حسيا و " المؤمن ينظر بنور اللّه " أنظر 1340 و 2646 و 2792 و 3534 من الكتاب الأول وشروحها .
 
( 895 - 903 ) : إن الله سبحانه وتعالى وهب البشر أرواحا عديدة ، ومن أدرك هذا كان بذل روح واحدة امرا هينا عنده ، ولما ذا يبخل الإنسان والحسنة تعود عليه بعشرة أمثالها ،مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ( الأنعام / 161 ) وهناك حديث نبوي هو " من أيقن بالخلف جاد بالعطية " وأنكر فروزانفر كونه حديثا نبويا ( أحاديث / 51 ) وأرجعه إلى أقوال الإمام علي رضي الله عنه ، وورد عند الأنقروى " من تيقن بالخلف جاد في السلف " ( عن جلبنارلى 2 / 152 ) ، والسخاء من رؤية جود الخالق وعوضه لا من اليد ، ومن ثم فالجواد بصير والبخيل أعمى .
 
( 923 ) : السماء الرابعة هي موطن عيسى عليه السلام ، حبس عن بقية السماوات فيما يروى المأثور الصوفي لأنه وجد في خرقته من متاع الدنيا إبرة يرتق بها هذه الخرقة .
 
( 929 ) : الجنيد هو أبو القاسم الجنيد الزجاج أو القواريري ، نسبة إلى صنعة أبيه ، نهاوندى ولد في العراق ، يسمى عند المولوية بسيد الطريقة لأنه نسبة الخرقة المولوية ترجع إليه . توفى سنة 297 ه ( 909 - 910 م ) ودفن في بغداد
 
 
« 374 »
 
( جلبنارلى ، الترجمة الفارسية 2 / 154 ) ، ( أنظر 128 و 129 و 412 و 413 من الكتاب الأول ) .
 
( 930 ) : بايزيد هو أبو اليزيد طيفور بن عيسى البسطامي مؤسس مدرسة " السكر " في التصوف الإسلامي والمتوفى سنة 261 ه . ( أنظر الأبيات 128 و 129 و 412 و 413 من الكتاب الأول وأنظر تعليقات جلبنارلى على البيت 2284 من الكتاب الأول ) .
 
( 931 ) : معروف بن فيروز الكرخي من متصوفى القرن الثاني ، توفى سنة 200 ه .
 
( 932 ) : إبراهيم بن أدهم ، توفى سنة 161 ه ، يضرب به المثل لترك ملك الدنيا لسلوك طريق العرفان ، ورويت عنه أكثر من حكاية في المثنوى .
( 933 ) : شقيق البلخي من طبقة إبراهيم بن أدهم - استشهد في المولتان سنة 174 ه ، ( جلبنارلى 2 / 154 ) .
 
( 934 - 938 ) : الكلام من البيت 908 يجرى على لسان الغلام وفيض النور الإلهى الذي غمر الأنبياء وانتقل منهم إلى الخلفاء ثم الأولياء والصوفية ثم يضيف : وهم أكثر من هذا بكثير لكنهم أخفياء وذلك مصداقا للحديث القدسي :
أوليائي تحت قبابى - أو تحت قبائى - لا يعرفهم غيري ، والإخفاء هنا من غيرة الحق عليهم ، فليس كل إنسان جديرا بمعرفتهم ( أنظر عن الغيرة الأبيات 1722 و 1755 و 3910 من الكتاب الأول )
ويعتقد العرفاء أيضا أنه من الممكن لرجال الحق ألا يعرف كل منهم الآخر ، وأحياناً يكونون من المحو في الحق في درجة لا يعرفون معها مرتبتهم ( استعلامى 2 / 223 ) فكأنهم أسماك في ذلك البحر ، بحر الروح أو روح البحر ( عند احمد الغزالي الرحلة تتم في بحر الحقيقة ) وليست كل هذه التعبيرات إلا قشور إلى جوار هذا اللباب .
 
« 375 »
 
( 947 ) : لجزاء الحسنة بعشرة أمثالها ينبغي أن تكون الحسنة خالصة لله تعالى .
 
( 948 - 951 ) : ينبغي أن تكون حسنات الإنسان صادرة من جوهره ( حقيقته وذاته وقلبه وروحه ) لا من عرضه ( جسده وكيانه الجسدي ) ثم يدخل مولانا في بحث عن الجوهر والعرض ، فجوهر الإنسان هو قيمته المعنوية والباطنية ، وأعراضه هي آثار وجوده المادية ، وحتى الصلاة والصوم والعبادات أعراض لأنها محدودة بزمان خاص وينتفى وجودها ، وهي تنفع في هذا العالم للتزكية ، لكن قيمتها الحقيقة ونتيجتها المادية تظهر في العالم الآخر ، كما أنها ذات هدف في هذا العالم هو جوهرها ، جاء في نهج البلاغة " فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك ، والصلاة تنزيها عن الكبر ، والزكاة تسبيبا للرزق ، والصيام ابتلاء لإخلاص الخلق ، والحج تقربة للدين ، والجهاد عزاً للإسلام ، والأمر بالمعروف مصلحة للعوام ، والنهى عن المنكر ردعا للسفهاء ، وصلة الرحم منماة للعدد ، والقصاص حقنا للدماء ، وإقامة الحدود اعظاما للمحارم ، وترك شرب الخمر تحصينا للعقل ، ومجانبة السرقة إيجابا للعفة ، وترك الزنا تحصينا للنسب ، وترك اللواط تكثيرا للنسل ، والشهادات استظهارا على المجاهدات ، وترك الكذب تشريفا للصدق ، والسلام أمانا من المخاوف " ( نهج البلاغة - ترجمة سيد جعفر شهيدى ، ص 402 ) . وكما أن الحمية تزيل المرض ، فإن جوهر الآدمي يتبدل ويتغير من أعراض العبادة .
 
( 952 - 960 ) : العرض يصير بالجهاد جوهراً ، فالزرع عرض يتحول إلى سنابل ، والنكاح عرض يتحول إلى ولد ، واستخدام كيمياء تحويل المعادن عرض ، لكن كن منتبهاً إلى النتيجة ، وصقل النفس عرض مثلما يصقل الحديد فيصير سيفا باترا ، لا تقل إذا لقد قمت بكذا بل قدم نتيجة عملك ، وقال الملك
 
 
« 376 »
 
ردا على الغلام : إذن فهذه الأوصاف كلها عرض ، فدعك منها ، وحدثني عن جوهر الغلام ، ما دمت تقول أن الأعراض لا تنقل .
 
( 961 - 964 ) : يقول الغلام : إن لم تنقل الأعراض لكان هذا موجبا لقنوط الخلق ، فإن السائرين في طريق الحق يعتبرون هذه الأعراض وسيلة لوصال الحق ، وينبغي ان تنقل هذه الأعمال العرضية إلى العالم الآخر وتقيم وإلا كان كل عمل نقوم به باطلا ، وكل قول هذيانا ، فلهذه الأعمال والأعراض حشر يوم القيامة لك ليس بصورها الحالية لكن بصورة أخرى .
 
( 966 - 977 ) : تماما مثلما تكون الأعمال هنا صورا ثم تكون أفعالًا ، أنت نفسك كنت مجرد غرض " من النكاح " والمنزل كان صورة في ضمير المهندس ، كل حرفة وكل مهنة تكون خيالا وفكرة في ذهن صاحبها ، والعالم كله كان مجرد فكرة ثم أصبح عملا ، والثمار غرض ، ثم يأتي الشجر ، وتكون الثمرة أيضا نهاية الشجرة ، والفكرة هنا ترجمة لعبارة ذكرها ناصر خسرو في خوان الإخوان منسوبة إلى ابن قتيبة " أول الفكر آخر العمل " .
وهناك غرض من خلق كل هذا العالم هو محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وذلك تطبيقا لحديث قدسي يرويه الصوفية " لولاك لما خلقت الأفلاك " ،
والحديث لم يرد بهذه الصورة إلا في كتاب متأخر نسبياً هو كتاب شرح التعرف على مذهب أهل التصوف لإبراهيم بن المستملى البخاري " لولا محمد ما خلقت الدنيا والآخرة ولا السماوات والأرض ولا العرش ولا الكرسي ولا اللوح ولا القلم ولا الجنة ولا النار ولولا محمد ما خلقتك يا آدم " ، وقال مؤلف اللؤلؤ المرصوع : لم يرد بهذا اللفظ بل ورد : لولاك ما خلقت الجنة ولولاك ما خلقت النار وعند ابن عساكر : لولاك ما خلقت الدنيا ( عن أحاديث مثنوى : 172 ) .
 
 
« 377 »
 
( 978 - 985 ) : يوافق مولانا رأى الغلام " بطل الحكاية " من أن الأعراض تقبل النقل ، فكل هذه الأقوال من قبيل النقل ، مثل نقل حكاية ابن آوى والأسد في كليلة ودمنة ، والآية الكريمة هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ( الإنسان / 1 )
في حد ذاتها دليل على أن العالم بأجمعه ليس إلا عرضاً ، لكنه ينتقل بعدها إلى عالم آخر . هذه الأعراض تتولد كلها من الصور ( بقول استعلامى 2 / 226 ) إن الصور هنا بمعنى الوجود المادي والظاهري أو بوجودها المثالي في الفكر الأفلاطونى ، هذه الصور بدورها تتبع من الفكر الذي هو منبع كل شئ . ثم يتحدث مولانا عن فكرة أقرب إلى فكرة الفيض الأفلوطينى ( وقد سبقه إليها سنائى ، أنظر حديقة الحقيقة ، الفصول الخاصة بالعقل الكلى والنفس الكلية ) .
والعقل الكلى وهو أول فيض هنا متمثل صورا في الرسل والأنبياء ، ثم يعود مولانا إلى سورة الإنسانإِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِفالمجىء إلى العالم هو امتحان وابتلاء ، ثم ينتقل الإنسان ( وهو عرض ) إلى العالم الثاني ، فينال جزاءه من خير أو شر . فكل عمل له وقوع عرضى ونتيجة ، والجواهر والأعراض تتولد من بعضها كالطائر وبيضة الطائر .
 
( 986 - 992 ) : يسأل الملك : لنفرض أن الأمر هكذا ، فأي جوهر إذن وأية نتيجة وصلنا إليها من كل كلامك عن رفيقك ؟ ! ويجيب الغلام : إن العقل الكلى لا يظهرها في عالم الوجود ، فلو كانت الحقائق ظاهرة ، لكان الكافر ذاكراً لله قبل المؤمن ، ويظهر إيمان المؤمن وكفر الكافر على جبينه ، ولما كان هناك غيب ، ولا أصنام ، ولا عباد أصنام ، ولما كانت الدنيا دنيا ، بل كانت قيامة ولا تنفى الخطأ ولصار الناس جميعا بأجا واحداً .
 
( 993 - 1005 ) : قال الملك : لقد أخفى الله جزاء السوء على العوام لا على
 
« 378 »
 
خاصته ، فأنا إن أخذت أحد الأمراء بجرم أخفى الأمر عن بقية الأمراء لا عن الوزير كاتم السر . فأنا أعلم جزاء الأعمال ، كما أعلم كثيراً من صور الأعمال التي تستوجب هذا الجزاء ، فأظهر لي أنت أيضاً - وأنت تعلم جزاء الأعمال - بعضها لي . ويجيب الغلام : إذا كنت تعلم فما الفائدة التي ستجنيها من قولي ؟ !
ويجيب الملك : من أجل الإظهار ، من أجل أن يخرج كل ما عمله عياناً ، ولولا ذلك لما كانت الدنيا دائما في مخاض ، وعالم الأعراض في الحقيقة هو إظهار العلم الإلهى ، والمخاض دلالة على الميلاد المستمر في الدنيا ، وأنت مطالب بالعمل لكي يظهر سرك على الملأ ، فالأعمال بيان للأفكار ، والأسباب أساس لميلاد الآثار ، والآثار بدورها تتحول إلى أسباب وهلم جرا . وأين العين البصيرة التي تكون مقترنة بالنور بحيث تدرك كل هذه الأمور ؟ ! !
( 1020 ) : " نعمة الجاهل كروضة في مزبلة " من الأقوال المنسوبة إلى الإمام علي رضي الله عنه ( استعلامى 2 / 227 ) .
 
( 1030 - 1031 ) : العين برغم أنها عضو صغير جداً في الجسم إلا أنها تفضل كل الأعضاء ، " الإنسان رؤية " هذا ما يقوله مولانا جلال الدين .
 
( 1032 - 1034 ) : هذا عن العين فما بالك بعالم الفكر ومركزه ، المخ ، إن فكرة واحدة قد تقلب العالم رأسا على عقب ، وعالم الباطن هذا بمثابة السلطان :
يبدو في الصورة جسدا واحداً ، لكن مئات الآلاف من العسكر والجند وعمال الدولة يدورون في فلكه ، والمثل وارد في معارف بهاء ولد ، ص 236 ، ومع ذلك فإن هذا السلطان قد يحكم بفكرة واحدة تسيطر عليه سيطرة تامة رغم سيطرته هو على دولة بأكملها .
 
( 1035 - 1036 ) : وهذه المخلوقات كلها منبعها فكرة واحدة ، هذه الفكرة تبدو
 
 
« 379 »
 
امام الناس هينة ، لكنها ابتلعت العالم كله واجتاحته ، وقد سكت الشراح عن هذه الفكرة تماماً ، العالم كله فكرة عند الخالق سبحانه وتعالى ، ثم قال له : كن فكان ، الفكرة كلها هينة عند الخالق ، وإن بدى أمره هذا مجتاحا العالم كله جارفا إياه كالسيل .
 
( 1037 - 1045 ) : إذن ما دام قد ثبت لك أن أصل كل ما في العالم هو الفكر ، لما ذا يبدون لك الجسد في عظمة سليمان والفكر في حجم النملة ؟ ! يبدو لك الجسد كالذئب والفكر كالحمل ؟ ! ذلك لأنك جاهل محض ، مجرد صورة خالية من الفكر ولا نصيب لها من العقل والمعرفة ، إنما يلتبس عليك الشخص وظله ، فتظن أنه من السهل معرفة هذا الشخص .
 
( 1046 - 1049 ) : وإن كنت لا تصدق أن العالم كله مخلوق بفكرة منه ، وأن أصله الفكر ، فانتظر زوال العالم والخليقة بأمر منه لتعرف أنكُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ( القصص / 88 ) وهذه القصة التي قصصتها قد تكون صادقة وقد تكون كاذبة ، لكن ذلك من ظاهرها ، فإنها يمكن أن تكون مظهرة لك بعض الحقائق ، معلمة إياك بعض المعارف .
 
( 1050 ) : القصة التي تبدأ بهذا البيت فيما يقوله استعلامى ( 2 / 228 ) لم ترد بعينها في كتاب قبل المثنوى ، والظن الأغلب أن مولانا وفق بين بعض جوانب ما روى عن إياز غلام السلطان محمود الغزنوي المقرب ، والحكيم وقصة لقمان ثم قدم هذه القصة ، والواقع أن مولانا ترك القصة بعد أبيات أربعة ولم يعد إليها إلا من البيت 1566
 
( 1053 - 1067 ) : وجودنا قبل أن يظهر في عالم التعين ويتمثل في القالب الترابى ، موجود في العلم الإلهى ( أنظر 169 من الكتاب الذي بين أيدينا
و
 
« 380 »
 
2954 من الكتاب الأول ) وهذا الوجود الترابى حادث ولذا فهو غير ثابت ، ولكن وجود تلك الأعيان الثابتة متصل بوجود الحق ومن هنا فهو خالد ، ومتصف بالوحدة ، وما خلق في الأزل واحد ، ويتجلى في صور عديدة في هذا الكون .
 
والعارف ( الذي نجا من الحول ) هو الذي حين ينظر يبصر هذه الوحدة عياناً ، والكون كله وحدة في عدد من التجليات ، ومن ثم فهو أقدر على التفرقة بين الغث ( الشعير ) والثمين ( القمح ) حتى عند غراسه ، إنه ناظر إلى ما استتر في عالم ليل الأسرار الأزلية ، لا يأبه بكل ما يتوسل به الناس من حيل ومكر ، يعرف أن الليل لا يلد إلا ما هو حامل به ( مثل مستخدم في اللغات الإسلامية الثلاثة ، الفارسية والتركية والعربية ) ،
وللشاعر العربي :أحسن ما صفة الليل وجد * الليلة حبلى ليس يدرى ما تلد .إن هذه الحيل نوع من الشراك والفخاخ ، تزين الحياة الدنيا ، وهو أصلا لا يأبه بزينة الحياة الدنيا ، يعلم أنها فانية ، وإن الثابت فيها ما غرسه الله في الغراس الأول ( التدبير الإلهى ) وكل تدابيرنا هي من قبيل الغراس الثاني ، والذي ينفع هو ما غرسه الله تعالى ، وغراس البشر لا نفع فيه ، ولا طائل من ورائه ، وحتى إن كان من المسلم به أن تدابيرنا أيضا من فعل الله ، إلا أنه من الواجب عليك أن تلقى بكل تدابيرك أمام تدابيره ، " فالتصوف هو ترك التدبير " ، وليكن غراسك كله من أجله ، ما دمت أسيرا لعشقه ، وانظر في فعلك أنه فعل الحق .
 
( 1066 - 1068 ) : إن النفس لصة ( أنظر الأبيات 378 - 380 من الكتاب الأول وشروحها ) وهي تسرق بليل ، إلا أن سرقتها تفتضح أماممالِكِ يَوْمِ الدِّينِيوم القيامة ، وتأتى إلى الملك وما سرقته معلق في عنقها وهو متاع الدنيا ولذتها التي يسرع اللص خلفها ، إلا أن مولانا يرى في موضع آخر أن
 
 
« 381 »
 
متاع هذه الدنيا إن كرس لخدمة الدين ، فلا عيب في امتلاكه ( أنظر 584 و 989 من الكتاب الأول ) ( استعلامى 2 / 229 ) .
 
( 1069 - 1087 ) : كلنا تحت سيطرة الإرادة الإلهية ، ولا يتأتى من تدابيرنا شئ ، فالتدبير الإلهى بالمرصاد ، ( أنظر لتفصيلات الكتاب الثالث ، الأبيات 969 و 1094 - 1098 وشروحها ) . وكل ما في الكون خلق لحكمة . فإن لم تكن ثم فائدة للوجود فما قيمة سؤالك عن حكمة وجوده ؟ ! !
وإذا كان حتى سؤالك المنكر ذا فائدة ، فكيف تكون الدنيا بلا فائدة ؟ !
وإذا كانت الدنيا من وجهة نظرنا بلا فائدة ، أي بالنسبة لنا ( والتعبير وارد في معارف بهاء ولد ، ص 119 )
بالنسبة لي أو بالنسبة لك والأمثلة كثيرة : حسن يوسف بين أبيه وإخوته ، لحن داود بالنسبة للمؤمن وبالنسبة للمحروم ، ماء النيل بالنسبة لآل موسى وآل فرعون ، الشهادة بالنسبة للمؤمن وبالنسبة للكافر ، السكر بالنسبة للبشر وبالنسبة للدواب ، وعند ابن الفارض :
فلا عبث والخلق لم يخلقوا سدى * وإن لم تكن أفعالهم بالسديدة
( انقروى 2 / 175 )
ولكل امرئ قوته ، وما يكون عارضا على قوته غريب عنه ، ينبغي نصحه فيه ، كآكل الطين ، يظن أن الطين قوته ، فيبغى نصحه ، ففي الحديث الشريف " من أكل الطين فكأنما أعان على قتل نفسه " ( جلبنارلى 2 / 157 والحديث وارد في الجامع الصغير ) ، والطين هو شهوات الدنيا .
 
( 1088 - 1104 ) : من سار في أثر الطين نال جزاءه ، ومن سار في أثر الغذاء الحقيقي للإنسان وهو نور السماء ذات الحبك ، صار خفيفا حاذا حكيما حاذقا ، فهو طعام الخواص ، وهو بلا حلق ولا آلة ( عن الحلوق والطعام ، أنظر
 
 
« 382 »
 
الكتاب الثالث ، الأبيات 17 - 68 وشروحها ) والشمس ( الرسول ) يتغذى مباشرة من نور الله ، بينما تتغذى شياطين الإنس والجن من دخان هذا العالم ونجسه ، هذا الغذاء الروحي والمعنوي له طرق عديدة ، فالعشق يغنى القلب ، والمحبة بين البشر غذاء ، والعلاقات الروحية الطيبة القائمة على الود غذاء ، وصورة كل إنسان كالوعاء تشرب منه ما يفيض عنه : إن حباً فحب وإن بغضاً فبغض ( خمر قيس كانت موجودة في وعاء وجه ليلى : أنظر الكتاب الخامس ، الأبيات 3288 - 3308 وشروحها ) ، وكل نوع من الاقتران له نتيجة : الشرر نتيجة اقتران الحديد بالحجر ، البشر من قران الزوج والزوجة ، الثمار والخضر من قران المطر مع التراب ، السرور من قران الخضرة والإنسان ( ثلاثة يذهبن الحزن ، الماء والخضرة والوجه الحسن ) وقران الشمس ( الأنبياء والأولياء ) بما تحت الجلد يولد الحمرة ، قران الأرض مع زحل ( كوكب النحس ) يولد البوار ، انتقال القوة إلى الفعل إن كان ثم اتفاق ، كقران الشيطان تماما مع أهل النفاق .
 
( 1105 - 1112 ) : وهذه المعاني التي أنقلها إليك تتقاطر مظاهرها من الفلك التاسع ، وكل مظاهر وكوكبة ودبدبه تراها في الخلق كلها عارية ، بل يظهر فيها التناقض الحاد ، فالناس على أمل عز الدنيا يتردون إلى هاوية الذل ، ومن خوف الفقر في فقر ومن خوف الموت في موت ، فلما ذا لا يأتون إلىّ ، إلى هذا الموضع الذي أنا فيه ؟ ! وأنا في عز الاستغناء ، وبهاء التجرد كالشمس المشرقة ، ولم لا ؟ ! أليست شمسنا
 
( شمس الدين التبريزي ) خارجة عن المشارق ، علاقتها مع أجزاء العالم مستمرة لا مغيب فيها ولا أفول ، ونحن أقل ذراتها ، ومع ذلك فنحن شمس مشرقة على الدوام ، لا يلقى شئ بظله علينا .
 
« 383 »
 
( 1113 - 1117 ) : ثانية ذكرى شمس ؟ ! ! مع كل ما نلته من صحبة شمس ؟ ! ! وأنا ذرة لا قيمة لها أمام هذه الشمس ، ومع ذلك ، أطوف حولها ، وهذا من عطيتها ، حينا توصل الأسباب وحينا تقطع الأسباب ، فهل تصدقون أنني قطعت الأمل مرات ثم لحقتني عناية الحق ؟ !
وأنا إن قلت لك : لقد سلوت شمساً فلا تصدقني ، أو تصبر السمكة عن الماء ؟ !
إن هذا القنوط عطية أيضا من الله ، ولا فراق بعده ولا انفصال ، فهل يستطع الصنع أن ينفصل عن الصانع ، وهل ثمة موجود يكون خارج الوجود ؟ ! !
 
( 1119 - 1125 ) : كل موجود في ظل الحق ، وفي حمى وجوده ، مهما كان إحساسه بهذا الوجود وبهذا الموجد ، لكن ثمة موجودات عمياء تخطىء الأصل والأساس ، ولا تزال تنتقل من سيد إلى سيد ، ومن محراب إلى محراب ( ومن تيار فكرى إلى تيار فكرى ) تتردد بين المياه المالحة ولا ترتوى من بحر الحقيقة العذب ، فتزداد عمى ، ويناديه البحر العذب : اغرف بيمينك من مائي ( خذ كتابك بيمينك ) ويمينك هو ظنك الحسن بخالقك ( أنا عند حسن ظن عبدي بي ) وأنت كالحربة وهو كاللاعب بالحراب .
 
( 1126 - 1134 ) : ولو كان عشق شمس الدين قد ترك لي قدرة ، لحولت كل تلك الحيوانات التي ترعى على العمياء إلى مبصرين ، فهيا أنت يا حسام الدين عالج أولئك المرضى ، فأنت حلال المشكلات ( أنظر الأبيات 3 - 9 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحها )
عالجهم يا حسام الدين بذلك الدواء الذي يمحو الظلمات المتراكمة ، والعميان كلهم قابلون لعلاجك ، اللهم إلا الحسود الذي ينكر قدرتك وينكر علاجك ، ولا تهب هذا الدواء حتى لي إن كنت حاسدا :
فكل العداوة قد ترجى مودتها * إلا عداوة من عاداك عن حسد
 
 
« 384 »
 
ودعني أعانى نزع الروح ، وأي علاج لذلك الذي سقط في قاع الهاوية ، وقطع ما بينه وبين شمس الأزل ، وأنكرها فلا مراده يتأتى ولا هو ينجو :
مت حتى تنجو أيها الحسود فهذا ألم * لا تخلص من مشقته إلا بالموت ( عن جعفري 3 / 569 ) ( 1135 ) : المثل الموجود هنا من الواضح أنه من إبداع مولانا جلال الدين ( وشبيه به المثل المذكور في الكتاب الخامس ، ابتداء من البيت 834 عن حبس غزال في حظيرة الحمير ) ويريد مولانا أن يقول أن في كل إنسان استعدادا للهداية وإدراك الحقيقة لكن الانشغال بهذه الدنيا يعمى العين الناظرة إلى الحقيقة ويصبح كالبازى الأعمى ( الروح ) الذي يفر من ساعد المليك ( الله ) ليقع في خرابة ( دنيا ) البوم ( أهل الدنيا ) .
 
( 1137 ) : ما حدث للبازى إنما حدث له أيضاً في القضاء ، وإذا جاء القضا ضاق الفضا - من الأفكار التي ترددت كثيرا عند مولانا جلال الدين ، وهو بأجمعه نور من نور الرضا ، أي أن الجانب الروحي غالب عليه .
 
( 1157 - 1161 ) : الأنبياء والأولياء دائما في حمى الله ، وإنما يرسل الله على من يؤذونهم عذابه ونكاله انتقاما لهم وبيانا لأقدارهم عند الله تعالى ، وهي فكرة تكررت كثيرا في المثنوى ( أنظر قصة صالح عليه السلام في الكتاب الأول 2521 - 2581 وشروحها على سبيل المثال لا الحصر ) .
 
( 1162 - 1165 ) : من الواضح أن الحديث هنا عن الولي الكامل ( البازي الملكي ) الناظر بنور الله التابع في فعله لمشيئة الله ، فهو ناظر إلى ما وراء الحجب ، مضىء للعقول الباحثة عن الحق بنوره ، وإن خلقة رجال الحق موجبة لشق أستار السماوات وكشف أسرارها ، فالإنسان هو الجدير فحسب بحمل الأمانة
 
 
« 385 »
 
( الأحزاب / 72 ، وأنظر البيت 1021 من الكتاب الأول ) ، وهو وإن كان بازيا إلا أنه أقوى في تأثيره من طائر البُلح ( ترجمة هُما الفارسية ، كما ترجمها الزمخشري وهو طائر مبارك كل من أظله صار ملكا ويلتبس على المترجمين مع طائر السيمرغ أو العنقاء ) .
 
( 1166 - 1173 ) : ولطف الله سبحانه وتعالى من جراء هؤلاء الأولياء ينصب على سجناء التراب فيخلصهم من سجن الدنيا ، ومن هنا يسمح للبازى بأن يكون سجينا مع البوم ، ففي ذلك عز البوم ومجدهم ، وهو مع البوم ليس غريبا ، فمتى يحس من أعزه الله بالغربة ، إنه كالناى ينفخ الله فيه أنغامه وألحانه ، وعشق الحق زاده ، وأذنه دائما على طبول العودة يدقها له المليك ، وفي ديوان شمس :
لما ذا لا يعود البازي قافلا نحو السلطان ، عندما يسمع نداءارْجِعِيمن الطبل وما يقرعه ( غزل 1353 / ص 525 ) هذا النداء هويا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً( الفجر / 28 ) ( أنظر 572 و 2668 وشرحيهما ) .
 
( 1174 - 1180 ) : في البيت 1165 يسأل البوم : أي تجانس بين الملك والبازي ؟ ! وهنا يرد البازي على السؤال : إنني لم أدع أنني والمليك واحد ، جل شأنه عن ذلك وعلا ، لكن مع ذلك ففىّ قبس منه يتجلى على ( أنظر 1086 و 1111 من الكتاب الذي بين أيدينا )
والتجانس أي الخاصية المشتركة بين المتجانسين ( أنظر الأبيات 623 - 625 من الكتاب الأول ) ليست مرتبطة بالشكل أو حتى بالذات ، وإلا أي تجانس بين النبات والتراب ؟ !
وأي تجانس - من هذه الوجهة - بيننا وبين المليك ونحن فانون وهو الباقي ؟ !
وأي تجانس في الأصل ما بين النار والهواء وهما عنصران مختلفان ؟ !
إن التراب الذي يبقى بعد
 
« 386 »
 
فنائنا دليلٌ على بقاء مليكنا ، وعلى ترابنا آثار فعله ، وهذا التراب ، وإن كان ترابا إلا أنه أولى بأن يكون تاجا على رؤوس جبارى الدنيا ، ليعملوا أنهم إلى فناء ويخففوا من غلوائهم ، ويقللوا من طغيانهم .
 
( 1181 - 1195 ) : كما أن العلاقة بين التراب والنبات علاقة تجانس غير ظاهر ولا يتم ظهور النبات إلا بفناء التراب ، فإن العلاقة بين الإنسان والله لا صلة لها بالشكل أو بالصورة والظاهر ، فلا تغرنكم صورتي ، واستمعوا إلى قولي ( المرء مخبوء تحت لسانه ) ، ورب إنسان قطعت عليه الصورة طريق الحقيقة ، وجادل الرب ( بإهانة أوليائه ) ، وانظروا إلى أنفسكم لتبصروا شواهد عديدة على قولي : الروح المتصلة بالبدن : فهل ثم تجانس بينهما ، والنور الصادر من شحمة هي العين ( من أقوال الإمام علي رضي الله عنه : ينظر بشحمة ويسمع بعظمة ) والقلب قطرة من دم ، والكلية مصدر السرور ، والكبد مصدر الغم ( في الطب القديم لارتباطهما - في رأى جلبنارلى 2 / 158 بجريان الدم )
والعقل كشمعة داخل مخ الرأس ، والفكر وما يتصل به : الوهم والإلهام والإرادة ، واتصال الروح الجزئية بالروح الكلية والنتائج التي حصلتها الروح الجزئية من هذا الارتباط ، مثلما حملت مريم من اتصال الروح بها ( عن طريق جيب ثوبها - فيما تقول بعض التفاسير - في حين أن النص الإسلامي يقول أنه تمثل لها بشرا سوياً ) ،
ومن هذا الاتصال كان المسيح ، ليس مسيح الجسد الذي شهدتم معجزاته ، بل المسيح الذي كانت روحه أكثر عظمة من أن يستوعبها هذا الكون ، والتي ينصرف تأثيرها إلى الدنيا بأكملها ( تصبح الدنيا حاملًا ) ،
فعندما تحمل الروح الإنسانية بالمعرفة الإلهية تستطيع أن تجعل الدنيا حاملا وتشع أنوار المعرفة على العالم كله ، ومن هذا الحمل تنتج دنيا أخرى وعلى هذا العالم
 
 
« 387 »
 
الترابى تولد دنيا أخرى من المعرفة ، وتقوم قيامته ، وهذا الحمل والميلاد دائمان ، والناس يرون قيامة بعد قيامة ، قيامة لا يمكن وصفها ولا يمكن بيانها ، إن ما أقوله مجرد ذكر لتلك الحسناء مقدسة الجمال ، ووسيلة تجعلنا نناجيها ، فلما ذا الصمت والدعاء هو عين الإجابة
( لتفصيلات الفكرة ، أنظر الكتاب الثالث ، الأبيات 189 - 198 وشروحها )
حتى ولو تسمع الإجابة بلبيك فإنك تستطيع أن تحس بها . كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا قال العبد يا رب يقول الله تعالى لبيك عبدي سل تعط .
وفي الخبر الصحيح أن موسى عليه السلام قال في بعض مناجاته : قال الله تعالى لبيك يا موسى ، فقال موسى عليه السلام : أنت أنت يا ربي ، فمن أنا حتى أجبت بالتلبية ؟
فقال الله تعالى : يا موسى إني كتبت على نفسي إذا دعاني عبد من عبادي بالربوبية أجبته بالتلبية ، فقال موسى عليه السلام : يا رب هذا لكل عبد طائع ، فقال تعالى : بل لكل عبد مذنب ، فقال موسى عليه السلام ، أما الطائع فبطاعته ، فما بال المذنب ؟ !
فقال الله تعالى :
يا موسى إني إذا جازيت المحسن بإحسانه ومنعت المسىء بإساءته فأين جودي وكرمى ؟ ! ( أنقروى 2 / 193 ) .
 
( 1196 - 1203 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت لم يبحث لها فروزانفر عن أصل ، فهي مجرد مثل " إلباس المعاني لباس الحكاية " وقد تكررت بتغير طفيف في الكتاب الرابع ( أنظر الأبيات 745 - 759 وشروحها ) ويرى استعلامى ( 2 / 236 )
 
أن الحكاية تمثيل لعلاقة الإنسان بالله ، فالإنسان ظمآن إلى رؤية الحق والحياة المادية جدار ، والماء هو الحقيقة وعالم الغيب ، والخطاب المذكور في البيت 1198
هو الخطاب الإلهى الذي يدرك بالذوق ولا يسمع بالأذن :
وصوت الماء بالنسبة للظمآن كصوت الرباب ، واختيار الرباب هنا ليس لمجرد
 
 
« 388 »
 
حبك القافية ، فلقد فصل مولانا في إحدى غزليات ديوان شمس ما يثيره في نفسه صوت الرباب من معان ( غزل 304 / ص 159 ) ، وانظر ترجمته في أخبار الأدب العدد 87 ، 11 مارس 1995 ص 16 ) :-
ألست تدرى ما ذا يقول الرباب * عن دمع العين والأكباد الحرى ؟
 
- كنت جلدا وفصلت عن اللحم * فكيف لا أئن من الفراق والعذاب ؟
- وتقول خشبة الأوتار : كنت غضنا أخضر وتحطمت عقدي وتمزق ذلك الركاب
- نحن غرباء في فراق أيها الملوك * فاستمعوا إلينا ، إذ إلى الله المآب
- لقد نبتنا في البداية في الدنيا من الحق ونمضى إليه أيضا منقلبين
- وأصواتنا كالأجراس في القافلة * أو كالرعد عندما يزجى السحاب
فكأن أنين الرباب هنا من قبيل أنين الناى المذكور في افتتاحية المثنوى .
 
( 1204 - 1209 ) : يذكر مولانا أمثلة على الأصوات المبشرة بقرب الوصول إلى الحقيقة : صور إسرافيل الذي يحيى الموتى ، هزيم الرعد الذي يبشر بقرب سقوط المطر ، موسم الزكاة بالنسبة للفقير ، رسالة النجاة بالنسبة للسجين ، أو كأنه نفس الرحمن القادم إلى أنف الرسول من اليمن " ألا إن الإيمان يمان والحكمة يمانية وأجد نفس ربكم من قبل اليمن " و " إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن " .
( مع أسانيدها ، أحاديث مثنوى / 73 ) والمقصود أويس القرني ومما يروى أنه لم ير الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنه كان يدرك كل أحواله عن بعد ، ( استعلامى 2 / 237 ) .
وهو عند الصوفية رمز للذي يصل دون أن يحضر على الشيخ بجسده ، وما أشبه صوت الماء هنا برائحة قميص يوسف التي هبت على يعقوبإِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ( يوسف / 94 ) .
 
( 1210 - 1218 ) : الفائدة الثانية من نزع طوب الجدار ( نزع شهوات الدنيا

 
« 389 »
 
شهوة بعد شهوة ) إنها تقرب من زوال هذا الجدار من أجل الوصول إلى الماء ، ومن هنا تكون القربى ، وما أشبهه بالسجود ، السجود تجرد عن الطين ، والجسد ، ومقرون بالقربوَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ( العلق / 19 ) ، كما قال عليه الصلاة والسلام : أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد ، وكما روى عن ثوبان رضي الله عنه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : عليك بكثرة السجود فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها الله درجة وحط عنك بها خطئيه .
 
( أنقروى 2 / 195 ) . والجسد الترابى هو المانع لماء الحياة ( العشق والمعرفة ) ، والعاشق إنما يسرع في التجرد ، والطوب الذي ينتزعه من الجدار أضخم ، لكن من لم يثمل بالعشق لا يدرك من هذا الاقتلاع إلا الصوت .
 
( 1219 - 1230 ) : يترجم مولانا هنا الحديث النبوي " اغتنم خمسا قبل خمس ، حياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك ، وغناك قبل فقرك " . ( الجامع الصغير 1 / 48 ) : فاقتلاع الجدار يريد قوة وفتوة وجلدا ومن ثم ينبغي أن تبدأ به في أوان شبابك ، حيث تكون شهوات الدنيا في فورانها ، وإلا فما قيمة أن تقاوم الدنيا بعد أن تكون قد أدبرت عنك وأعطتك ظهرها وخمد أوارها ؟ ! فضلا عن أن العادات السيئة إن تركتها تأصلت فيك وكان اقتلاعها صعبا عليك ( النفس كالطفل ) .
.
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: