الاثنين، 31 أغسطس 2020

18 - الهوامش والشروح 1975 - 2361 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

18 - الهوامش والشروح 1975 - 2361 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

الهوامش والشروح 1975 - 2361 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

شرح الملك إياز ومعنى أرنا الأشياء كما هي  ومعنى لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا 

( 1974 - 1984 ) : في العنوان : اللهم أرنا الأشياء كما هي ، دعاء منسوب إلى الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم ( أحاديث مثنوى / 45 ) ، ولمولانا جلال الدين : وإذا كانت الرؤية الصحيحة بالأمر الهين فمتى كان الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم يطلبها من الله ، 
أما العبارة الثانية : " لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا " ، فمنسوبة إلى الإمام على رضي اللّه عنه والبيت المذكور في العنوان لمولانا جلال الدين " والدرجة العوجاء تلقى ظلا أعوج " من الأمثال الفارسية ، 
يقول مولانا : أيها العبيد تعلموا العبادة الصحيحة من اياز ، إن الدنيا لم تبصره ، فعبادته من أجل الحق لا من أجل المنفعة ( مثلما كانت عبادة عزازيل ) ، إنه ديك يعلم الفجر الصادق ( الآخرة ) ولا يخدعه الصبح الكاذب ( الدنيا ) ، ذلك الذي أهلك القوافل ، وإياك أن تقول عنه انه كاذب منافق مرائي فإنك بهذا تصف نفسك ، وتنظر في مرآتك ، وسوء الظن من سوء الفعل ، 
ولعل مولانا في هذا المعنى ناظر إلى البيت العربي :
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه * وصدق ما يلقاه من توهم
والمثل الدارج الفارسي : " الكافر يظن أن الناس جميعا على دينه " . 
والأمر ليس ببعيد ، لقد سمى الكفار الأنبياء بالسحرة والكهنة ، واعتبر أولئك الضالون الأنبياء من الضالين ، ويعود مولانا إلى قصة اياز ، هكذا كان ديدن هؤلاء الأمراء مع إياز وهذا هو سر ظنهم باياز ، إنهم يظنونه مثلهم .
 
( 1989 - 1998 ) : بالرغم من أن الحديث يدخل في إطار قصة إياز إلا أن الذي يجرى على لسان الملك أدخل في باب آداب الطريق ( الصوفي ) ذلك أن الملك هنا يحس بوحدة مع اياز ( وحدة المشاعر والأحاسيس بين الشيخ والمريد أو بين الحقيقة العليا والدنيا ) ، انه يتساءل : تراه سوف يضيق من هذا البلاء ، لا ، لن يضيق . . . إنه وقور ثابت كالجبل ، وسوف يتلقى هذا البلاء كما ينبغي ، إنه بلاء من الحبيب فهو لطف وليس قهرا ، إنه سوف يفسر هذا الأمر بنفس السهولة التي فسر بها سيدنا يوسّف عليه السّلام رؤى صاحبي السجن ( انظر يوسف / 41 ) ، والكلام الذي يجرى على لسان الملك يشبه أن يكون كلام الخالق في الولي الصالح ، والبيت 1996 لعل فيه إشارة إلى ما مر في الكتاب
 
“ 523 “ 
 
الرابع عن ضرب المريدين لأبى يزيد البسطامي بالمدى ( انظر الكتاب الرابع ، الأبيات 2102 - 2134 وشروحها ) ، ويقرر بعدها أن اياز هو هو : أنا من أهوى ومن أهوى أنا ، في الحب تسقط الأثنينية ، ويكون استخدام الضميرين أنا وأنت من قبيل الإشراك ، وهذا الاتحاد ليس مشاركة في الوجود لان كل ما هو في الوجود له تحققه العيني ، كما أنه لا يعنى اشتراكا في الجنس واشتراكا في السمات أو في سائر الظواهر والخواص ، لأن البشر كلهم مشتركون فيها ، وهناك علاقات كثيرة تقوم فيما بينهم منها العشق كما أنه ليس مشاركة في الأفكار والمثل ، الذي يصل إلى أن يكون انمحاءً كاملا في شخصية المعشوق بحيث تعبر عنه تعبيرا حقيقيا الحكاية التالية ( جعفري 11 / 597 - 599 ) .
 
( 1999 - 2019 ) : يقدم مولانا عالم العشاق الحقيقيين ، عشاق الحق ، فعاشق الحق لا يعتبر لنفسه وجودا غير وجود الحق ، ولا يعتبر للكائنات كلها وجودا ، بل هو ذائب في العشق الإلهى ذوبانا تاما ، 
ويقول في العنوان : إن العاشق والمعشوق قد يكونان متناقضين تناقض الاحتياج والاستغناء ، أي قد يكون أحدهما مستغنيا والآخر محتاجاً لكن كلا منهما منجذب إلى الآخر ، هما في الحقيقة واحد كالمرآة والصورة المنعكسة فيها ، والعاقل تكفيه هذه الإشارات ، فما الحاجة إلى القول بأنى أرد بهذا الكلام على من يزعمون أنه من المحال أن يكون هناك عشق إلهي ، لأنه كيف يعشق المحتاج إلى ما لا نهاية المستغنى إلى ما لا نهاية ، ناهيك عن عشق المستغنى بلا نهاية إلى المحتاج إلى ما نهاية ، " يحبهم ويحبونه " ، وهذا الخبر عن الجنون لم يهتم أحد بالبحث عن مصدر له ، وقد يكون من وضع مولانا جلال الدين ، لقد اشتكى المجنون مرضا هو من الهجر والفراق ، فوصف له الطبيب الفصد ، لكن المجنون أبدى خوفه من أن يفصد ، وسأله الطبيب : مم الخوف ، أليست الوحوش تحيط بك دون أن تؤذيك ، أن العشق الذي من وجودك يفيض حتى على الحيوانات من حولك " يشير مولانا جلال الدين إلى أنه من الممكن للحيوان والوحش أن ينسى طبيعته الحيوانية ، إذا أحس بالحب وهو أمر يعرفه مروض الوحوش المحدثون جيداً "
( ويعود ويقدم تفسيرا آخر في الكتاب الذي بين أيدينا ، الأبيات 2721 - 2727 فارجع إليها وإلى شروحها ) . 
ولماذا نبتعد ، انظر إلى كلب أهل الكهف ، نعم ، الكلاب تعرف العشق والحيوانات تعرف العشق ، فمن تم ذلك الذي ينكر العشق ، يكون أقل من الكلب وأقل من الوحش ، ولا تقل أنه كلب واحد ذلك الذي تبع أهل الكهف ، ونام في كهفهم وبعث
 
“ 524 “
 
معهم ، وذكر معهم في القرآن ، هناك كلاب كثيرة ، تعرف معنى هذا العشق لكنها ليست مشهورة ، ومثالها ما رواه عند الرحمن الجامي في نفحات الأنس : أن سعد الدين الحموي وكان مريدا لنجم الدين كبرى عبر بخاطره ذات يوم سؤال وهو : هل في هذه الأمة من تؤثر صحبته في الكلاب ؟
وأدرك الشيخ فنهض ووقف على باب الخانقاه فمر كلب بالخانقاه ووقف وأخذ يهز ذيله ، فنظر الشيخ إليه فوصلته العطية ، وتحير وغاب عن الوعي ، وأدار وجهه إلى المدينة ، وذهب إلى الجبانة ، رأوا أنه حيثما كان يسير كان تحيط به حلقة من الكلاب تبلغ خمسة وستين كلبا وتقف في احترام ، ثم مات فأمر الشيخ بان يدفن وأن يقيموا على قبره نصبا ( انقروى 5 / 454 ) 
وبالطبع هذه الروايات رويت قبل أن يتم تدريب الكلاب على أعمال كثيرة قد لا يتقنها البشر ، وهذا التدريب يتم بوسائل عديدة من أهمها أيضاً الرعاية والحب ، وأنك إن أنكرت ذلك فلأنك منكر بطبعك ، فأنت لا تعلم شيئا عن قلوب من هم من جنسك فكيف تعلم شيئا عن قلوب الحيوانات ، إنك لا تأنس إلى البشر وتحاول فهمهم ، فكيف تأنس إلى الوحوش وتحاول فهمها
( انظر من أجل العشق الساري في كل الكون إلى الكتاب الثالث ، الأبيات 4395 - 4423 وشروحها ) ،
ويظل مولانا جلال الدين منطلقا في تداعياته حول موضوعه المحبب : العشق ، انظر إلى عماد هذه الحياة ، إنه كله قائم على العشق ، حتى تناولك للخبز يكون من ميلك إلى هذا الخبز ، الميل إذن هو الذي يحول هذا الخبر " الميت " إلى روح ، كما أنه أيضا يجعل الروح خالدة ، ويعود مولانا جلال الدين إلى هذا الخبر المروى عن المجنون ، إنه لا يخشى الفصد من أجل نفسه ، بل يخشى على ليلى لأنه يحس أنه ممتلئ بليلى امتلاءً تاما ومن ثم يخشى أن يخز المبضع ليلى ، وإلا فإنه - أي المجنون - عاشق للجراح ، يسعى إليها ، ففي البلاء يكون النعم .
 
( 2020 - 2030 ) : البيت المذكور في العنوان ، قال عبد الباقي ( 333 / 5 ) ، واستعلامى ( 5 / 315 ) ، أنه لسنائى ومن الحديقة وأضافا بأنهما لم يعثرا عليه في الحديقة ، كما لم أعثر عليه في الحديقة ، بل عثرت عليه في منظمة سير العباد إلى المعاد لسنائى ( انظر سير العباد إلى المعاد ضمن مثنويات حكيم سنائى ، ص 208 ، سطر 10 ، تحقيق محمد تقي مدرس رضوى ، انتشارات دانشكاه طهران ، تهران 1348 ه . ش ) . ومرآة اليقين يعنى بها قلب العبد المؤمن الذي لا يشوب إيمانه بالله تعالى أدنى شك ولا يريد دليلا أو برهانا ،
 
“ 525 “ 
 
والسطر الأخير : أخرج بصفاتى إلى خلقي من رآك رآني ومن قصدك قصدني ، وارد في معراج أبى يزيد البسطامي ، وفيه روايات مختلفة . ( انظر انقروى 5 / 457 ) ، وانظر من أجل الاختبار الكتاب الثالث ، الأبيات 743 - 746 وشروحها ، والاختبار جائز عند الوصال وليس في أي وقت آخر ( انظر الكتاب الرابع ، الأبيات عن امتحان المرشد 374 - 389 وشروحها ) ، 
وعن فناء قطرة الخل في العسل ، انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 3670 - 3675 وشروحها ) ، وامتلاء الحجر بالشمس وتحوله إلى ياقوت وخروجه عن صفات الحجرية من أفكار سنائى ( انظر ديوان سنائى ، ص 376 ) ، وزاد مولانا على الفكرة بأن الحجر الذي يتحول إلى ياقوت يكون كل ما فيه محبا للشمس ، وحتى حبه لذاته هو حب للشمس ، ولا فرق هناك بين حبه لنفسه وحبه للشمس ، فكله من الضياء من المشرق ، الضياء الإلهى .
 
( 2031 - 2042 ) : إنه أي الياقوت أو الحجر الذي تحول إلى الياقوت ، أو العاشق الذي أشرقت عليه شمس العشق فبدلته من حجر إلى ياقوت ، إن لم يتحول إلى ياقوت بالفعل ، فان ذلك الحجر يصبح عدوا لنفسه ، ذلك أنه أنية منفصلة عن الضوء نافرة منه ظلمانية ، ومن ثم فإنه إن أحب نفسه ، وهو لا يزال على حجريته هذا ، فإن هذا يكون من قبيل الكفر ، لا يليق به أن يعترف بأن لنفسه وجودا ، فأي وجود للحجر ، ما أشبههه إذن بفرعون
الذي قال : أنا ربكم الأعلى ، فأذله الله سبحانه وتعالى ، بواسطة موسى عليه السّلام ، وإن كنت تريد أن تعرف الفرق ، فانظر إلى الحلاج الذي قال " أنا لله " ومع ذلك فقد نجا بها وصار رأسا للأولياء ، لأنه كان فانيا في صفات الله 
( انظر لتفصيلات الكتاب الرابع الأبيات 2102 - 2134 وشروحها ) ، والفكرة فيما يرى استعلامى ( 5 / 316 ) واردة في معارف برهان محقق ، وتكررت هذه المقارنة في المثنوى كثيرا ( انظر الكتاب الثاني الأبيات : 307 و 2531 و 2532 وشروحها ) ،
 
إذا أردت مثالا على الحجر فخذه من فرعون فلم يكن يحق له أن يقولها ، وإذا أردت مثالا عن الياقوت فخذه من المنصور وما كان له أن يقولها إلا بعد أن امتلأ وجوده بالنور ، لم يكن حلولا كما ظن بعضهم ، لكنه كان امتلاء بهذا النور الإلهى ، وأنا أقول لك أيها المريد ، جاهد ، فمن جهادك هذا يمكن للحجر الكامن فيك أن يتحول إلى ياقوت ، هذا هو البقاء في الفناء الذي تشاهده في كل لمحة ، حينذاك تمضى عنك العلائق الدنيوية ، أما السكر فالمقصود به الانسلاخ عن الذات والحيرة من العشق الإلهى والنشوة التي تصيب المرء من إدراك العوالم الإلهية .
 
“ 526 “ 
 
( 2043 - 2049 ) : والطريق إلى هذا الأمر إنما يكون بان تتحول بأجمعك إلى أذن سامعة لرجل من رجال الحق يأخذ بيدك ويدلك على الطريق ويعدك لنور الشمس الساطعة ، فتتجلى بها وبمعارفها وكأنما ألبست أذنك قرطا من الياقوت ، وداوم على إخراج تراب العلائق الدنيوية والانغماس فيها من بئر وجودك هذا إذا كنت ترى نفسك إنسانا جديرا بأن تمحو عن النفخة الإلهية كل ما يعلوها من تراب ، وإن الله سبحانه وتعالى إن رآك جادا في الطلب منصرفا إليه بكل روحك وكيانك ، فإن جذبة واحدة من جذباته وهي تساوى عمل الثقلين ( مولوى 5 / 298 ) سوف تجعل ماء المعرفة الزلال ينبثق من وجودك ( انظر البيت 4786 من الكتاب الثالث ) ، وذلك أن من جد وجد وسعد وأتاه الإقبال من الإله الأوحد ، ومن قبيل الجد في العمل أن تداوم على الصلاة فإنها قرع على باب الوجود مصداقا لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم : [ أدم قرع باب الملكوت بالركوع والسجود ] ( استعلامى 5 / 317 وانظر الكتاب الثالث ، البيت 4785 ) ، والإقبال هو العناية الإلهية وبابها العمل .
 
( 2050 - 2056 ) : لا يزال مولانا جلال الدين يركز كثيرا في عناوين أشعاره على أن ايازا هنا مجرد رمز عن العبد الصالح المقرب إلى الله " السلطان " ، وإلا فأية صلة بين اياز مملوك السلطان محمود الغزنوي والأنبياء والأولياء حتى يقرن بهم ؟ !
وها هو يعود إلى القصة التي بدأها في البيت 1857 وعاد إليها عدة مرات للإيهام بأنه يتحدث عن اياز ومحمود والواقع انه يتخذ منها تكئة نحو الانطلاق في إفاضاته عن العشق ، الموضوع الأول والخيط الجامع للمثنوى المعنوي بأجزائه الستة ،
 
وفي البيت 2053 أن إيازا كان أضن بسره هذا بحيث جعل الحجرة فعلا تبدو وكأنها تحتوى على كنز ثمين ، وهكذا ، قلوب الرجال فهي قبور الأسرار ، وكان أيضاً يعلم أن " العوام " ، يسيئون الظن به ، فمنهم من يعتبره محظيا للسلطان ومنهم من يعتبره مشعوذا ومحتالا ، وهكذا يكون صاحب الهمة - هكذا يعلق مولانا - إنه أضن بأسرار قلبه ، ولابد أن يحفظها عن العوام ، وهذه الأسرار عند ملوك الطريق تقدم فداء للروح .
 
( 2058 - 2065 ) : لا يتابع مولانا أحداث القصة إلا في بيتين اثنين ويدخل في حديث عن الحرص ، إن حرص هؤلاء الذين هاجموا حجرة اياز كان يسرع بهم نحو سراب ، ومهما أخذ العقل يحذر ، فإن الحرص قد غلب ، فلا نصح نفع ، ولا تحذير أجدى ، ( عن الحرص وآفاته ، انظر الكتاب الذي بين أيدينا ، الأبيات 518 - 522 وشروحها ) ،
 
“ 527 “
 
والحريص يزداد حرصا كلما زيد تحذيرا لكنه عندما يسقط ويكتشف أن حرصه أراده " وكل حريص محروم " ، تكون النتيجة المؤكدة أن النفس اللوامة " وهي الروح الإنسانية التي انتهت إلى خطاياها ( مرصاد العباد لنجم الدين بن الداية ، ص 351 ) تسيطر عليه ولا تفتأ تلومه ، إنه - أي الحريص - لا يفيق إلا إذا اصطدم بجدار البلاء ، إنه مجرد طفل ، والأطفال يقبلون على حلوى اللوز المصنوعة من الجوز " وفي نسخة أخرى اللوز " ، ولا يستمعون النصح ، إلا عندما تظهر القروح ( لم أعرف العلاقة بين أكل حلوى اللوز وبين ظهور القروح ، ولم يشر أحد من الشراح إلى هذا الأمر ) ، ولعل الأمر يرمز إلى أن أطفال الدنيا ، وأولئك الذين لا يعتبرون من " رجال " الطريق ينهمكون في لذائذ الدنيا ، ولا ينتصحون إلا عندما تكون نتيجة هذا الإنهاك قروح وآلام تظهر على أجسادهم ، لكن المطابقة هنا لا تتم ، فلابد أن تكون من نتيجة أكل الأطفال للحلوى بالجوز بعض المتاعب ولعلها كانت من أنواع الحلوى الشائعة في أسواق قونية والتحذير من أكل حلوى السوق عموما .
 
( 2066 - 2079 ) : عودة إلى قصة إياز : لقد أعماهم الحرص فتهافتوا على الحجرة الخالية تهافت الهوام على المخيض ، أو تهافت الذباب على الشراب ، إنها تسقط فيه مندفعة ، فلا هي تستطيع أن تأكل ولا هي تستطيع أن تطير ، وهكذا أولئك الذين كانوا يفتشون غرفة اياز ، لا هم يجدون شيئا ، ولا هم يستطيعون الانصراف ، فالحجرة الخالية زادتهم شكا وريبة ، والحذاء والسترة ، وهما كل ما في الحجرة ، أصبحا سببا في زيادة الشك والريبة ، وهكذا الحريص مهما منى بالخيبة في طريق حرصه فإنه لا يعود بل يزداد حرصا وطمعا ، إنهم ينقبون الجدران ، ويحفرون الأرض ، ويدمرون ، وكلما ازدادت خيبتهم ازدادوا تدميرا ، وسرعان ما اكتشفوا أي خطا وقعوا فيه ، لكنهم مع ذلك لا يستطيعون تدارك هذا الخطا ، فالجدران والحفر تشهد عليهم ، ولا حل إلا العودة إلى المليك والاعتذار له ، والاعتراف بالخطا ، وإبداء التوبة .
 
( 2080 - 2085 ) : لا يزال مولانا يركز في العناوين انه لا يتحدث عن اياز كشخص بل عن الأنبياء والأولياء عموما ، والآيات الموجودة في العنوان :يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ، وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ( آل عمران / 106 ، 107 ) ،
 
“ 528 “
  
أما الآية الثانية فهي :وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ، أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ( الزمر / 60 ) ، وفي البيت 2080 يسألهم السلطان قاصدا أو ساخرا : هه . . . كيف الحال . . . أين الذهب والأموال ، ثم ينتقل مولانا إلى فكرة دق عليها في أكثر من موضع في المثنوى : أن سيماء الوجه تفضح ما هو موجود في الباطن ، إذا حاول الإنسان كتمه أو حاول أن يظهر غيره مصداقا لقوله تعالى :سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ( الفتح / 29 ) ، وبالطبع السيماء هنا من أثر الخيبة والاحباط ، وفكرة الجذر الموجود في القلب الذي يثمر بما تمليه طبيعته على الوجه وردت في الكتاب الثالث ( انظر الأبيات 360 - 365 وشروحها ) ، أما فكرة الذي يتظاهر بما ليس في باطنه فقد مرت في الكتاب الرابع ( انظر الأبيات 1740 - 1755 وشروحها ) .
 
وفي البيت 2085 إشارة إلى الآية الكريمة 65 من سورة يس :الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.
 
( 2087 - 2095 ) : حمل السيف والكفن من العادات القديمة عند الإقرار بالذنب أو بالدم ، أي إن شئت فاقتص وإن شئت فاعف ، وفي البيت 2091 إشارة إلى الآية الكريمةقُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ( الإسراء / 84 ) ، وفي البيت 2015 إشارة إلى الحديث الذي تكرر في أكثر من موضع من المثنوى : " المؤمنون كنفس واحدة " ( أكثر التفسيرات تفصيلا لهذا الحديث موجودة في الكتاب الثالث ، الأبيات 84 - 91 والكتاب الرابع ، الأبيات 1651 - 1653 ) .
 
( 2096 - 2108 ) : إن العبد الذي تتجه إليه الاتهامات عليه أن يسعد بها وبخاصة وأنه يعلم أن ساحته بريئة أمام الخالق ، وما دام بريئا فأي ضرر يصاب به من جراء هذه التهم الباطلة ، إنها فرصة له لكي يستخدم " حلمه " ، ويضاعف أجره من جراء هذا الحلم والبيت 2097 تكرار لمضمون البيت 1184 من الكتاب الرابع : إن الدنيا لا تساوى عند الله جناح بعوضة ، ولو كانت كذلك لما سقى منها الكافر شربة ماء ، فليس إقبال الدنيا دليلا على رضا الله ،وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ، إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ( إبراهيم / 42 - 43 ) .
 
وأن هذا الحلم هو الشفيع لكل البشر فإنه يعلم بعلمه ويستر بحلمه سبحانه وتعالى ، والذي يستر بحلمه في الدنيا ، قادر بنفس هذا الحلم أن يفغر ، حلمه هذا هو "
 
“ 529 “ 
 
العاقلة " التي تتحمل الدية ( العاقلة عند الإمام الشافعي هم قبيلة القاتل خطا وعشيرته ، وهم عموما أقرباء أب القاتل وإن كان من أهل الديوان فعاقلته عند الحنفية أهل الديوان ) ، وهل تجرؤ النفس على ارتكاب الخطا إلا إذا كانت معتمدة على هذا الحلم ، هذا هو الحلم الإلهى ، والحلم الإنسانى من نوع آخر ، فكما أن الحلم صفة مستحبة عند الخالق ، فهو صفة مستحبة أيضاً عن المخلوق ، وإن كان الانغماس فيه يجعل الشيطان يجد فرجة إلينا ، فالاعتماد على حلم الخالق يجعل النفس تستنيم إلى فعل المعصية ، فيجد الشيطان السبيل إليها ، ويخدعها ويضلها ، وآدم نفسه رغم انه كرم بالعلم وأنه مسجود الملائكة ، لكنه عندما استنام في الجنة إلى الحلم ، استطاع الشيطان أن يجد الطريق إليه ، فلا تعتمدن على حلم الله ، انه ستار لكنه أيضاً يعاقب ( انظر الكتاب الرابع الأبيات 164 - 171 وشروحها ) .
 
( 2109 - 2112 ) : يدافع مولانا عن حد القصاص في القتل ، وكأنه كان يتوقع أن يأتي زمان ينادى فيه بأن المجرم مريض ويبغى أن يعالج وأن الحياة منحة من الله لا ينبغي أن يستردها سواه سبحانه وتعالى ، وتلغى أحكام الإعدام ، وتقام السجون " الفخمة " ، ليوضع فيها القتلة والسفاحون ، ناسين أن في قتل القاتل حفظا لحياة الآلاف ، ومن ثم جاء في الآية الكريمةوَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ( البقرة / 179 ) وهناك تلك القاعدة الحدية التي تقول أكثروا القتل فإن القتل يقتل القتل ، وأيضاً القتل أتقى للقتل ، ( انقروى 5 / 417 ) ،
 
هيا يا اياز أنت صاحب الحق فاحكم باحتراز ، وحذار ولا تجعل غضبك لذاتك ولشخصك ولما لحق بك يجعلك تميل إلى الهوى ، هذا بالرغم أنني خبرتك في العمل مرات عديدة ، وكم امتحنتك وخرجت من كل امتحان موفقا طاهرا نقيا ، وبرغم أن الخطاب من الملك إلى إياز في صيغة المخاطب إلا أن البيت 2112 في صيغة الغائب لأنه مدح مباشر في اياز ولا يصح أن يخاطب به في وجهه ، إن هذا البحر - اي اياز - ليس مجرد علم ، وهذا الجبل ليس مجرد حلم أي هناك أشياء كثيرة يحتاجها البحر سوى العلم وهناك أشياء عديدة يحتاجها الجبل سوى الحلم .
 
( 2113 - 2120 ) : هنا نتيجة من نتائج هذه الحكاية ، وها هو جواب اياز : إنني أيها الملك لست شيئا ولا أساوى شيئا دون عطائك فأنا لست شيئا سوى هذا الحذاء وهذه السترة ( في رواية العطار :
 
“ 530 “
 
في اليوم الأول عندما فتح هذا الباب أمامى * كانت هذه السترة فوق كتفي مصيبت نامه ، ص 139 ، بتحقيق د . نوراني وصال ، تهران ، 1338 ) ثم يلتقط مولانا جلال الدين طرف الحديث ويبدأ في إفاضاته : أتدري ما هو المقصود بالحذاء ، إنه النطفة ، أما الدم فهو سترة الراعي ، أنت نطفة ودم ، أصلك نطفة ودم ، وما عدا ذلك فعطاؤه ( ما هذا ؟ النطفة والدم عطاؤه أيضاً ) ، ومن هنا فإن الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم قال :
 
[ من عرف نفسه فقد عرف ربه ] ، ( منسوبة أيضاً إلى الإمام على رضي اللّه عنه وإلى سقراط ، من عرف نفسه بالعبودية عرف ربه بالربوبية ومن عرف نفسه بالعجز عرف ربه بالقدرة ، ومن قدرته انه جعل هذه النطفة وهذا الدم مدركة لعوالم الغيب عالمة متسلطة مسيطرة على الطبيعة ، خليفة لله في الأرض ، سيده على الخليفة وأنت وما تستحق ، بقدر جهدك وعملك وكفاحك وجهادك يجعل منك ، لقد أعطاك هذه العطية " النطفة والدم " ، كمجرد نموذج على ما في ملكه تماما كما يعرض البستاني بضع ثمار البستان ولا يعرض البستان كله ، وكما يبين الأستاذ جانبا من علمه وكما يعرض الزارع كفا من القمح ليدلك على البيدر ، فإياك أن تظن أن هذا هو عطاؤه فحسب ، فكأنك أخذت تستقل خزائن ربك التي لا تنفدهذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ( ص / 39 ) ، وإن قلت أن هذا هو ما عند الله فحسب صرت من المبعدين .
 
( 2121 - 2127 ) : يتعجل الملك " إياز " ، في الحكم على من دسوا عنده ، هيا فاحكم بهذا العدل الإلهى الذي يختلف عن العدل الدنيوي الوهى ، لكنه لا يلبث أن يقول : إن الذين أجرموا في حقك يستحقون القتل ، مع أنه لا قتل إلا في قتل ، إذن فربما فسر الأمر على أن " الفتنة أكبر من القتل " ، لكنهم مع ذلك يرجون عفوك ، وكلا الأمرين وارد ، الناس حينا يرون أن القصاص واجب وحينا آخر يرون أن العفو واجب ، والله سبحانه وتعالى سبقت رحمته غضبه ( الترغيب هنا في الرحمة والعفو ) .
 
وبهذين الحبلين يجذب الحلق منذ اليوم العهد والميثاق ، منذ أن أخرج ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا : بلى ، فهناك موضع يصلح فيه الكوثر ( العفو ) وموضع آخر يصلح فيه اللهب ( الانتقام ) حتى لفظ " ألست " ، هو أيضاً يحمل الضدين : النفي والإثبات ، هو استفهام للإثبات ، وإن كان لفظ " ليس " ، موجودا فيه ، أي نفى وأي إثبات
 
“ 531 “ 
 
تخوض فيه ، أترك هذا كله فلا يجوز أن تناقش هذه الموضوعات أمام العوام ، إنها من موضوعات الخواص .
 
( 2128 - 2133 ) : يعود مولانا إلى الفكرة التي يدق عليها كثيرا وهي أن الأمور نسبية ، وطبقا للجذب ، فالحق يجذب الحق والباطل يجذب الباطل كما يجذب المعناطيس الحديد ، وكما يجذب الكهرمان القش ، وكما تجذب المعدة الجديرة بالحلو الحلو إليها ، وكما تجذب المعدة المريضة إليها الخل ، كما يقضى الفراش البارد على الحرارة والفراش الحار على البرودة ، وكما تفيض رحمة ومودة وبشرا عندما ترى الصديق وبغضا وسطوة عندما ترى العدو ، أنت وطبيعتك وعملك وفعلك ، ثم يعود إلى خطاب الملك إلى اياز : هيا وافصل في الأمر فإن الانتظار في حد ذاته نوع من الانتقام ، العدالة ينبغي أن تكون سريعة .
 
( 2134 - 2140 ) : في العنوان : " الانتظار هو الموت الأحمر " . . . والموت الأحمر في معجم الصوفية له عدة معان منها تحمل اذى الخلق ، الموت في الجهاد ، وتحدث المولوي عن أربعة من أنواع الموت : موت أحمر وهو تحمل الجفاء وكف الأذى وموت أصفر وهو الجوع والاصطبار على الإعسار وموت أبيض وهو العزلة وموت أسود وهو مخالفة النفس والهوى ( مولوى : 5 / 411 ) .
 
وروى صاحب تذكرة الأولياء عن حاتم الأصم أنه قال : على من يدخل هذا الطريق أن يذوق ثلاث ميتات : موتا أبيض وهو الجوع وموتا أسود وهو الاحتمال وموتا أحمر وهو لبس المرقع ( تذكرة الأولياء / 201 ) ،
 
والذي يناسب السياق هنا هو تفسير الموت الأحمر بمعناه اللفظي أي القتل . يجيب اياز بأن الأمر كله متروك للملك ، والبيت 2135 يكاد أن يكون ترجمة لبيت النابغة الذبياني :فإنك شمس والملوك كواكب * إذا طلعت لم يبد منهن كوكبويرى اياز أنه هو الذي أثار شكهم وريبتهم ، فلو انه كان قد نسي ماضيه وأصله ، ذلك أن [ كل ذي نعمة محسود ] ،
وما دام المرء مقيما على غير ما درج عليه الناس فهو عرضة لاتهامهم [ والمخلصون على خطر عظيم ] ، إنني أنا بكتمى هذا السر ، ووضعي الأقفال على الحجرة المسؤول عن كل هذا الموقف لقد أدى إلى الشك في أنا الذي اعتبر معدنا للوفاء ومثالا له ، وما كان بحثهم عن الغدر منى إلا كباحث عن مدرة جافة في قاع جدول ، أو عن سمكة خارج الماء ، أي كان بحثهم عن غدرى وخيانتى من قبيل البحث عن المحال .
 
“ 532 “ 
 
( 2141 - 2149 ) : من هنا يترك مولانا القصة ويدخل في حكايات وموضوعات غيرها حتى البيت رقم 3250 عندما يعود إليها . . . يقول : إن حديثي عن الوفاء أمام من جبلوا على الغدر والخيانة هو إلقاء بالمشقة عليهم ، كيف يمكن أن يتحدث أحد عن اللباب أمام من وقفوا عند القشور ، وذلك أن للقشور صوتا يعجب الآذان ، إذن فاعلم أن للباب أيضاً له صوت ، وصوت حسن ، أفضل كثيرا من خشخشة القشور التي تعجب بها ، لأنها تدلك على أن هناك لبا ، فتذهب وتسطو عليه ، لكن صوت اللب ليس مبذولا لكل أذن ، فالقشر هو ظاهر الإنسان واللب هو باطنه الذي ينبغي أن يستمع إليه بأذن الروح ، والطريق إلى فتح أذن الروح وتمكينها من العمل يكمن في أن تسد أذن الجسد وشفة الجسد ، وتصمت ، وتصبر ، وتطلب أن تنزل عليك عطايا الله ، ويطلب مولانا من نفسه أن يقوم بهذه التجربة ، لقد جربت كثيرا من النظم والنثر ، فجرب لمدة يوم واحد أن تكون صامتا ، تراه لم يصمت حتى ليوم واحد ؟ !
أغلب الظن انه فعل ، لكنه يخاطب نفسه أحيانا بما كان ينبغي أن يخاطب به المريدين .
 
( 2150 - 2162 ) : المن نوع من الحلوى المشهورة في إيران وهو حلو ، لكن مولانا افترض أن هناك منا مراً ، وحريفا ورمز للكلام والحديث بالمن المر والحريف وللصمت بالمن الحلو ، وفكرة كتاب اليمين وكتاب الشمال مرت في الكتاب الذي بين أيدينا ، الأبيات 1806 - 1826 ، وفكرة النظر في الكتاب مرت في الكتاب الرابع ، الأبيات 15640 - 1677 وفكرة التبديل تبديل السيئات إلى حسنات مرت أيضاً في الكتاب الذي بين أيدينا ، الأبيات 1847 - 1858 .
 
( 2163 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت ، تجاهل كل المفسرين القدامى والمحدثين تأصيلها ، وهي تبدو من الحكايات الشعبية أيضا ، وفيها غير قليل من الهزل آثرت ترجمته لكي يكتمل النص وكما فعلت في الحكايات المشابهة ، كما ناقشت عند تعليقى على قصة السيدة والحمار موضوع الجنس في التراث الإسلامي عموماً ( انظر تعليقى على البيت 1333 من هذا الكتاب ) ، والآية المذكورة في العنوان :وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ *( لقمان / 25 ) .
 
والحكاية قائمة على من يكذب حاله مقاله وهو من الموضوعات المحببة عند مولانا جلال الدين ( مثالها الواضح قصة ذلك الشاعر الذي لم يأخذ صلة من الممدوح ، الواردة في الكتاب الرابع ، الأبيات 1739 - 1765 ) ،
  
“ 533 “ 
 
وفي الحكاية أيضاً قاعدة فقهية لم ينتبه إليها المفسرون وفحواها أن جماع ملك اليمين لا يتم إلا بإذن من الزوجة وليس أمرا مباحا على الإطلاق ، واستخدام الزاهد هنا سخرية من الزهاد المرائين ، وهم كالصوفية المتظاهرين ، كانوا موضعا لسخرية مولانا جلال الدين وهجومه .
( 2166 - 2167 ) : لفكرة أنه إذا جاء القضا ضاق الفضا ، وإذا حل القدر عمى البصر وإذا حلت التقادير بطلت التدابير ، انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 380 - 389 وشروحها ) .
( 2175 ) : الاتصال الجنسي عندما يتم برغبة وشوق من الطرفين يكون اتصالا للروح بالروح ، وليس مجرد امتزاج جسدين بشكل حيواني ناهيك عمن يعتبره حتى وإن تم في إطار شرعي أمرا مكروها .
 
( 2179 - 2190 ) : هناك فرق كبير بين عبادة الخوف وعبادة العشق ، فالعارف العاشق يمكن له في لحظة واحدة أن يقطع من الطريق أضعاف أضعاف ما يقطعه العابد بتأثير الخوف ، أو كما يقول يحبى بن معاذ الرازي : الزاهد سيار والعارف طيار ( عن استعلامى 5 / 323 ) ،
 
فالعارف يستطيع في اطراقة واحدة أن يصل إلى اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة مما تعدون ، وإياك أن تحاول أن تزن أمور العارف بالعقل ، فهي خارج العقل وخارج الوهم ، فخوف الزاهد لا يساوى شيئاً إلى جوار عشق العارف ، وأين تلك الصفة التي يوصف بها الله سبحانه وتعالى أي صفة العشقيُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، إلى جوار تلك الصفة التي لا يوصف بها إلا الإنسان وهي صفة الخوف ، ولا يمكن أن يوصف الإله العظيم بها ، إنني مهما تحدثت عن العشق يظل الأمر ناقصا ، فنحن الناقصون المتحدثون بالأحاديث الناقصة ، وقبل ذلك قلت لي عندما كنت أتحدث عن العشق : إنني لو شرحت هذه الأمور لصار المثنوى ثمانين مجلدا
 
( البيت 4445 من الكتاب الثالث ) وقلت أيضاً : أن آفة الإدراك هو ذلك المقال والحال ( البيت 4370 من الكتاب الثالث ) وأضيف هنا أنني حتى ولو تحدثت عن العشق دائما لقامت مائة قيامة ( لمرت أعمار على أساس انه إذا مات ابن آدم فقد قامت قيامته ) ويؤكد هذا قوله في البيت التالي أن القيامة محدودة بزمان ، لكن خالق القيامة ، وهو الموضوع الأول للعشق ليس محدودا بزمان ومن ثم لا يحد عشقه بزمان .
  
“ 534 “
  
( 2191 - 2196 ) : يواصل مولانا إفاضاته عن العشق : إن العارف لا يقطع هذه المسافات والأزمنة بحوله وطوله ، بل بواسطة تلك الأجنحة التي يملكها العشق والتي تمتد من أعلى العرش إلى الثرى ، ومن هنا فالزاهد بمثابة من يمشى على قدميه ، إنه مهتم بالدنيا ، إن زهده فيها موقف منها ، وهو دائما في قيد ما يجوز ولا يجوز ، لكن العاشق لا يهتم بالدنيا أو بالآخرة إنه يريد وجه الله ، فهو فان فيه ، ومن ثم أصبح سريانه في الموجودات كسريان الحقيقة ، وأسرع من الهواء ومن البرق ، ومن هنا فمشاغل الزهاد كثيرة ، والخائف غالبا ما هو مشغول بما هو خائف منه ، أما العشاق فقد جعلوا همهم واحدا ، ومن ثم أصبحت السماء دانية لهم وكأنها الأرض ، والعناية الإلهية فحسب هي التي تستطيع أن تجعل الزاهد والخائف عاشقا ، وتقول له : انطلق . . . دعك من ذلك السير الأرضي ودعك من كل أوهامك ، وكل رؤاك ، وكل قيلك وقالك ، فهذا القيل والقال بمثابة مناقشة أهل المدرسة للجبر والاختيار ، أي جبر وأي اختيار ، يكفى العاشق فخرا أنه فان في الله منطلق كالصقر الملكي " الروح " .
 
( 2205 - 2210 ) : عودة إلى مناقشة كتاب الأعمال التي تمت مناقشته في الأبيات 2151 - 2156 ، وفي هذه الأبيات مضمون الآية 25 من سورة لقمان ، وقد مر الحديث عنها في شرح الحديث 2163 .
 
( 2211 - 2220 ) : الأبيات هنا ناظرة إلى قوله تعالى : وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ، حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ، وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ( فصلت / 19 - 21 ) ، ( انظر أيضاً الكتاب الثالث ، الأبيات 2457 - 2467 وشروحها ) . 
إذن فليست أقوالك هي التي تشهد لك ، أفعالك هي التي تشهد لك ، والإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل ، وهذه الأعضاء تشهد عليك لأنها بمثابة العبد منك أيها السيد هي تابعة لك وغير مسؤولة عما ارتكبت .
 
( 2220 - 2227 ) : على كل حال فإن الفرصة لم تفلت منك بعد ، فباب التوبة مفتوح ما لم تغرغر وتبلغ روحك الحلقوم ( عن باب التوبة ، انظر الكتاب الرابع ، الأبيات 2503 - 2508 وشروحها ) ، روّ جذور العمر بماء التوبة وهو بمثابة ماء الحياة الذي يجعل هذه الشجرة التي جففتها الذنوب خضراء مورقةأَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها
 
“ 535 “ 
 
كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهافأي ماء هذا الذي يجعل حتى تلك السيئات التي قمت بها تتبدل إلى حسنات ، إنه أشبه بكيمياء التبديل مصداقا لقوله تعالىإِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً( الفرقان / 70 ) ( وعن التبديل انظر أيضاً ، الأبيات 1835 - 1854 من الكتاب الذي بين أيدينا ) فهياتب هذه التوبة النصوح ، وأنا أعلم انك قد ملت إلى التوبة فجدد ميلك إليها .
 
( 2228 ) : تعبير طريف ذلك التعبير الذي يقدمه مولانا عن التوبة : كاللبن يخرج من الثدي ولا يعود إليه ثانية ، والتوبة ألا تذكر الذنب ، وفي رواية أخرى ألا تفتأ تذكر ذنبك ، لكن مولانا حدد : الذكر بميل ، ولا شك أن الذكر بكراهة يقوى التوبة ، فكلما ازداد كراهية لذنبه كان ذلك دليلا على أنه وجد لذة القبول ، وأن لذة القبول هي التي حلت محل لذة الذنب القديم إذ لا يقضى على عشق إلا عشق آخر ( انظر 880 - 883 وشروحها من الكتاب الرابع ) ،
 والبيت المذكور ( ليس لمولانا كما اعتبره الشارحون وإلا لما قال :
كما قالوا ، وقد يكون لأبى سعيد ) ، أما الآيات الكريماتفَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى ، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى ، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى ، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى( الليل / 5 - 10 ) ، ونصوح هذا اسم شخص وليس صفة كما وردة في الآية الكريمة :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً( التحريم / 8 ) ، ويرى عبد الباقي أن الخيال الشعبي هو الذي حول نصوح من صفة إلى شخص ( 370 / 5 ) في حين أن الرواية وردت قبل مولانا في إحياء علوم الدين للغزالي ، وفي مقالات شمس ، وأغلب الظن أن مولانا أخذها عن مقالات شمس ، لأن مضمونها أقرب إلى روايته ، كما ذكرها مولانا أيضاً في المجالس السبعة ( مآخذ 175 - 176 ) .
 
( 2235 - 2241 ) : إن الإنسان ليتوب ، لكن النفس الكافرة الأمارة بالسوء ما تنفك توسوس له حتى يعود ، وقد تتحقق التوبة عن طريق أحد رجال الله ودعائه " همم الرجال تزيح الجبال " ، لقد عرف الولي ما يجول في خاطره وقرأ سر ضميره لكنه ستر عليه ، فهو متخلق بأخلاق الله ، ومن أخلاق الله سبحانه وتعالى الحلم على خلقه والستر عليهم فهو الحليم الستار ، وما أكثر ما يعرفه هؤلاء الأولياء لكن الشفاه صامتة ليس ضنا بالعلم ولكن سترا على الخلق ، والبيت 2238 قريب من قول حافظ الشيرازي :
 
“ 536 “
  
لا أدرى من يوجد داخلي أنا المعذب القلب * فأنا صامت وهو ملىء بالضجة والصخب ( ديوان حافظ / 83 ) فليس كل البشر مهيئين لفهم كل الأسرار ، وقد روى عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قوله : [ إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا أهل المعرفة بالله فإذا نطقوا به لم يجهله إلا أهل الاغترار بالله عز وجل ولم يتحمله إلا أهل الاعتراف بالله عز وجل ، فلا تحقروا عالما آتاه الله علما فإن الله لم يحقره إذ آتاه إياه ] وفي خطبة لأمير المؤمنين على رضي اللّه عنه : اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية " الحبال " ، في الطوى " الآبار " ، البعيدة ، وقال أيضا : إن هاهنا لعلما جما لو أصبت له حمله ، وفي أبيات لعلى زين العابدين السجاد رضي اللّه عنه :إني لأكتم من علمي جواهره * كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا
وقد تقدم في هذا أبو حسن * إلى الحسين ووصى قبله الحسنا
يا رب جوهر علم لو أبوح به * لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
ولاستحل رجال مسلمون دمى * يرون أقبح ما يأتونه حسناقام في بنى عليه السّلام : إن عيسى بن مريم عليه السّلام وعن الصادق رضي الله عنه قال : قال إسرائيل فقال : يا بنيى إسرائيل لا تحدثوا بالحكمة الجهال فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم " ، ومن ثم يوصى المريدون بعدم إفشاء الأسرار ( جعفري : تفسير ونقد وتحليل مثنوى جلال الدين محمد ، ج 12 ، ط 10 ، تهران ، اسلامى 1363 ، صص 96 - 102 ، بعد ذلك جعفري / 12 ) .
 
 وطالما يحدث مولانا جلال الدين نفسه في المثنوى ، أصمت كفاك حديثا ، إن تحدثت سوف تأخذ الغيرة بأذنيك وهلم جرا .
 
( 2242 ) : العارف الواصل " الحق " مستجاب الدعاء ، وهذه الفكرة أن فعل الولي من فعل الله تكررت في المثنوى ( انظر الكتاب الثالث ، البيت 2222 ) والحديث المذكور في العنوان : [ من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشئ أحب مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها ] . 
قال الشيخ الأكبر : ولابد من إثبات عين العبد في الفناء في الله وحينئذ يصح أن يكون الحق سمعه
.
* * *
* * *
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: