الخميس، 27 أغسطس 2020

16 - الهوامش والشروح 497 - 778 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

16 - الهوامش والشروح 497 - 778 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

الهوامش والشروح 497 - 778 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

شرح حركة السيد نحو القرية
( 502 - 506 ) في هذه الأبيات العربية يستلهم مولانا القران الكريم أيضا ( انظر تعليقات 474 - 481 ) فأبناء الحضري فرحون ، لكن العقل الواعي بالحقيقة المنتبة إليها الذي بينه وبين القلب كوة ( وهو غير عقل الفلسفي الذي يعتمد على الظواهر ) يحذر من أن الفرح بغير الله ترح وبُعد عن الطريق ، وفي البيتين ( 504 - 505 )
 
اقتباس من الآية الكريمة لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ” القصص 76 “ في خطاب قوم موسى لقارون ، وفي البيت رقم 506 إشارة إلى الآية الكريمة لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ( الحديد / 23 )
 
 وفي هذا المعنى حديث روى عن الرسول - صلّى اللّه عليه وسلم - وكل ما ألهاك عن مولاك فهو دنياك “ ( استعلامى 3 / 245 ) .
 
“ 438 “ 

( 508 - 516 ) الاستدراج في مصطلح الصوفية هو الأمور الخارقة للعادة التي تبلغ الكرامة وتصدر عن المدعين بل والمنكرين والمرائين وينخدع بها السذج فيقعون في شراكهم ، وجلال الدنيا وعظمتها وشوكتها وملكها كلها من أمور الاستدراج ، ويفضل الحزن كل هذه الأمور ، لأن الحزن هو الذي يوصل إلى المليك . فحزن الروح هو الذي يجعلها تحن إلى أصلها ، وحزن الجسد هو الذي يحفز الروح على مقاومة النفس وأهوائها وكل هذا منه طريق النجاة ، ولا يقدر على هذا سوى الرجال ، أي رجال الطريق الذين يستمدون من رجولة الهمة والخلق وليس الجنس ، فرب امرأة في الطريق أفضل من مائة رجل ، أما الأطفال - وهم من لم يصلوا إلى مرتبة الرجولة في الطريق - فهم الذين يغريهم لهو الدنيا ولعبها وزينتها ، أما المقصود بصحراء القلب في البيت 514 فهو طريق معرفة الحق ، وفي مقابلها صحراء الطين ، إي الدنيا والحياة المادية - “ وسارية “ هو المذكور في رواية سيدنا عمر الشهيرة : “ يا سارية الجبل “ . ومن العجيب أن الشارح محمد استعلامى الذي يشرح  لا يقترب من هذا البيت وهذا الأسباب لا تخفى . . .
 
وهذه الكرامة لعمر رضي الله عنه وهي مشهورة وفحواها أن عمر سير الجيوش وعلى رأسها “ سارية “ وعلى المنبر أبصر بعيني القلب أن العدو كمن للمسلمين خلف الجبل فصاح من فوق المبنى يا سارية الجبل وسمعه سارية ، وأعجب منه شرح السبزواري ( الفيلسوف ) الذي فسره لفظيا فقال عن سارية إنه بعض ( الجماعة السارية ) ولم يذكر عمر ( ص 197 ) .
 
( 517 - 523 ) ينقل يوسف بن أحمد حديثين نبويين أولهما “ التوطن في القرى قبر للنهي “ والحديث الثاني “ ساكن الكفور كساكن القبور “ ( 3 - 87 ) كما أورد فروزانفر حديثا اخر هو “ من سكن في القرى يوما تحمق شهرا ومن
 
“ 439 “
  
سكن في القرى شهرا تحمق دهرا “ ( استعلامى 3 - 246 ) ، وفي معارف بهاء ولد ( والد مولانا جلال الدين ) 2 / 89 تحقيق فروزانفر - طهران - ظهورى - ط 1352 هـ - ش ) يقال الريف مقبرة العلم إذ يندرس فيها العلم ، وتجوع بطن الذئب ، ويكون الجو قبرا ، والقرية هنا كما يفسر مولانا نفسه في الأبيات التالية رمز للمكان الذي لا يحصل فيه المرء على بضاعة القلب ، كما سنرى في سياق القصة فيما بعد ، والعمى المذكور في البيت
( 521 ) هو عمى الباطن عن الحقائق ، والقرية أيضا هي الشيخ غير الواصل الذي يريد أن يبدي طريق الحق بالتقليد أو بالاستدلال وفي مناقب العارفين للأفلاكى ( 2 / 661 - أنقرة / 1961 ( قال ذات يوم أن مولانا عليكم بالسواد الأعظم يعنى بخدمة الشيخ الواصل وإياكم والقرى يعنى صحبة الناقصين ، وفي مقابلها يرى أن المدينة هي “ العقل الكلى “ المدرك للحقائق الإلهية ، لكن التقليد والحجة كحمار معصوب العين يدور في طاحون .
 
( 524 - 534 ) يترك مولانا سياق القصة لكي يفصل معانيه العالية التي تشبه حبات الدر عن حبات القمح ، إنه يوجه الحديث وهو يعلم أن من بين مريديه قد يوجد من لا يستطيع أن يفهم هذه المعاني فيقول لهم : دعوا الدر وخذوا القمح والدر هو باطن الحكاية أما القمح فهو ظاهرها ، والظاهر قد يقود إلى الباطن كما أن المجاز هو قنطرة الحقيقة ، فقد يوصل العشق الأرضي وهو مجاز إلى العشق العلوي وهو حقيقة ، والقصة ما هي إلا مخيم لكي يدعى الترك وتعنى اصطلاحا في الأدب الفارسي الحسان إليها والحسان هي الحقائق الإلهية . . . ويعود إلى القصة بعد أن يشرح هذه الفكرة ، وفي البيت رقم 533 إشارة إلى الحديث النبوي ( سافروا تصحوا وتغنموا ) ( ورد في الجامع الصغير 2 / 30 ) .
 
“ 440 “
 
( 535 ) عن الإمام الصادق رضي الله عنه ، قال في حكمة داود عليه السلام :
إن على العاقل ألا يكون ظاعنا إلا في تزود لمعاد أو مرقة لمعاش أو طلب لذة في غير محرم ( عن جعفري 6 / 347 ) .
 
( 539 - 561 ) يترك مولانا سياق القصة ليتحدث عن العشق ، ويسوق الأمثلة لكي يقرب المعنى من مريديه على جميع مستوياتهم ، فينتقل من فكرة مطروقة هي أن الحنظل من المعشوق يصير رطبا إلى أفكار منتقاة من الحياة من حوله : فالدار تعتبر مرجا من رفيقه الدار أو الزوجة ، وقد تصير جحيما أيضا ، وكل ما في الحياة من كدح في سبيل رفيقة محبوبة ، فالإنسان يتحمل الشوك في سبيل محبوب كالوردة ، فانظر إلى الحمال : لقد مزق ظهره من حمل الأحمال في سبيل ماذا ؟ في سبيل محبوب فاتن ، والحداد في عمله يصيبه دخان الكير فيسود وجهه . . . من أجل ماذا ، من أجل أن يقبل قمرية وجه ، والتاجر يجوب البحار ، كما يعود بعدها إلى جليسة منزل والنجار . . . وماذا ؟ والسيد المسمر في حانوته . . . لماذا سمر في حانوته لأن عشق معشوقة كالسرو قد مد جذوره في قلبه وعن جلبنارلى ( 3 / 116 ) أن هنا إشارة إلى المثل العربي شرف المكان بالمكين إن هذا العالم يحركه العشق ، فما بالك بعشق الحي الذي لا يموت ؟
 
وإذا كان كل ما أنست إليه قد مات ، فما بالك لا تأنس إلى الحي الذي لا يموت ؟
وإذا كانت مشاعر الحب ومشاعر الكراهية تنتهى . . . فلما ذا لا تتجه إلى العشق الذي لا ينتهى ؟ حتام تعلقك بالزيف وأنت تظن أنه ذهب ؟ وحتام غرامك بالظل والظل نفسه في أثر الشمس ، وحتام هيامك بالقناة وتركك للبحر إن الدنيا وكل ما هو فيها ما هي إلا جزء من شحم الإلية يوضع في الفخ كي يصيد الذئب ، فمتى يدرك الذئب هذا ، متى يدرك أنه لا يمكن أن يكون أصل الإلية فخا . . . له ؟
 
والفكرة مأخوذة عن مثل عربى جاء في مجمع الأمثال للميدانى وهو “ إليه في برية ما هي إلا لبلية “ وساقه في ذيل حكاية أن ثعلبا رأى إليه مطروحة في مغازة


" 441 "
 
فتخيل أنها ألقيت بحبالة فجاء إلى ذئب وقال له : ادخرت الأشياء لصداقتك فتقدم الذئب حتى جاء إلى الإلية فلما أراد حملها وقعت الحبالة في عنق الذئب وسقطت الإلية من الحبالة فتناولها الثعلب وقيل على لسانه ذلك المثل : ( عن ماخذ ص 76 في التعليق على البيتين 2722 و 2723 من الكتاب الثاني - كفافى 540 ). \
 
( 567 - 571 ) وردت الحكاية الصغيرة التي تبدأ بها هذه الأبيات قبل مولانا في تمهيدات عين القضاة الهمذاني وإحياء علوم الدين للغزالي وتفسير أبى الفتوح الرازي باختلافات يسيرة ( ماخذ ص 91 ) ومولانا مثل كل شعراء الصوفية يطوع الحكاية بحيث تكون صالحة لتبيان الفكرة التي تهدف إليها من نصها :
 
أحب لحبها السودان حتى * أحب لحبها لسود الكلاب ( 578 - 585 ) بما أن الكلب الذي انعكس عليه نور المحبوب ممكن أن يكون محبوبا ومعشوقاً ، يخلص مولانا إلى أنه إذا تجاوزنا التعلق بالصورة فإننا سوف نرى عالم المعنى وهو رياض في رياض ، والطريق هو تحطيم صورة “ النفس “ وإحراقها ومن ثم تكون صورة العالم ذليلة ولا قيمة لها ويكون تحطيم الصور في سهولة تحطيم عَلِىّ رضي الله عنه لباب خيبر ، ويخلص من الحديث عن خطر “ الصورة “ إلى القصة : إن هذا الحضري الساذج مثل طائر خدع بالحب فوقع في الفخ خدع أيضا بكلام القروي السقيم ، وفي البيت 585 : يقول إنه كل أفراحنا مدعاة للحزن فكلها ممتزجة بالخداع وأخشى أن أعددها لك أيها السالك فتقعد عن الطريق .
 
( 588 - 595 )  بالرغم ممن أن الحديث يدور حول رحلة السيد إلى القرية ، إلا أن الحديث يمكن أن يفهم على وجه أنه تنبيه عام للسالك ، فالحديث عن ضرورة المرشد ، فالذي يسير على العمياء لابد وأن يضل ، ولابد للأمور من
 
" 442 "
 
شكلها الطبيعي ، فالطريق يلزمه مرشد ، فمن النادر أن يظهر إنسان إلا من والدين مثل آدم وحواء وعيسى ، والمال موكول بالعمل ، ومن الأحوال النادرة أن يأتي بلا عمل وأن الرسول صلّى اللّه عليه وسلم - لم يكن له جسم بالمعنى المادي بل إن جسمه روح وعلاقته بالله بلا واسطة ، ومن ثم فقد علمه القرآن بلا واسطة من القلم من أجل أولئك الذين يريدون في أعمالهم الواسطة والآلة .
( 601 - 604 ) يصور مولانا وجه القروي في لقائه للحضرى بأنه وجه كله احتيال وشر ، من الوجوه التي يقف فوقها الشيطان كأنه الذباب ، مستعد كل لحظة أن تخرج كل الشيطانية من هذا الوجه لتقع في الإنسان الذي ينظر إليه ، إنه إنسان عدوانى “ بكل معنى الكلمة لا يطيق حتى النظر إليه فما بالك بالنزول في ضيافته ، هذه هي الوجوه التي قال فيها تعالى ( كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ) ( العلق / 15 ) .
( 610 )
 : ما أشبهه بالبيت العربي :
غير ارتضاء رضيت برك بي ، والجوع يغرى الأسود بالجيف .
( 613 ) في البيت إشارة إلى الآية الكريمةيَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ( عبس / 34 - 35 ) وأوجه نظر القارئ إلى الحوار في الأبيات التالية بين الحضري والقروي وكيف تقمص مولانا شخصية الريفي وأجرى على لسانه الحوار الجدير بشخصية تدعى التدين واعوجاج نفسيته فقدم صورة حية كثيرة الحركة .
 
( 615 ) : الشطرة الثانية إشارة إلى الإمام على رضي الله عنه :كل سر جاوز الاثنين شاع * كل علم ليس في القرطاس ضاع( جلبنارلى / 3 - 117 ) ( 623 ) ما أشبه بالبيت العربي :
وظلم ذوى القرى أشد مضافة على النفس من وقع الحسام المهند .

“ 443 “
 
( 638 - 644 ) يقول استعلامى : يتدخل مولانا معلقا داخل القصة :
فالحضرى والقروي كلاهما من أهل الدنيا ، لكن الحضري وهو أكثر وعيا كان عليه ألا يخدع بهذه السهولة وأن يأتي به طمعه ( ؟ ! ! ) إلى القرية ( 3 / 250 ) ، والواقع أن الحضري لم يطمع في القروي ولا انتظر منه خيرا ، بل جاء وهو ينتظر جزاء إحسانه سوءا . . الواقع أن الحضري ندم على فوت صحبة الكرام ورجال الله وتفضيل صحبة قروى جلف عليها ، والمقصود بملوك التراب ملوك الدنيا ، وأصوات الطبول أي كلمات جوفاء لا نتيجة منها ، والمقصود بالعقل هو العقل الباحث عن الله ، والغول إشارة إلى أهل الظاهر ، واختار النقل ، أي اعتمد على كلام أهل الظاهر .
 
( 651 ) ترجم المفسرون هذا البيت بأنه جسد ذئب وحيد أو متروك أو مهجور ويرى استعلامى ( 3 / 251 ) أن الأقرب إلى الصواب أن القروي جاء بتمثال الذئب لكي يقيم فخا للحضرى ، ولا أدرى كيف جاءه هذا التفسير ، خاصة وأن ذئبا لم يظهر قط بل كان جحش القروي كما سيبدو ، وذئب وحيد أو متروك أو متهافت أكثر إقناعا على أساس أن الحضري رأى الجحش في الظلمة كتمثال لذئب يبدو من وراء التل فأصماه .
 
( 667 - 680 )يرى استعلامى ( 3 - 251 ) أن هذه الأبيات من كلام مولانا ليست على لسان الحضري لكنها إفاضات مولانا ، والواقع أن هذه الأبيات على لسان الحضري نفهم منها أن القروي عندما كان يهرب من الحضري كان يتظاهر بأنه في حالة سكر وغيبة بحيث لا يعرفه والواقع أن كثيرا من الأبيات التالية وحتى البيت
 
( 710 ) يختلط الكلام الذي على لسان الحضري بالكلام على لسان مولانا . فالقروى الذي ادعى الغيبة وعدم معرفة رفيق عشرة سنوات استطاع أن يميز ضراط جحشة في الظلمات الثلاث فأي سكر هذا وأية غيبة هذه ؟ ويقدم مولانا خلال هذه الأبيات صورة كثيرة الحركة وشديدة السخرية لفئة
 
“ 444 “
 
من المتصوفة في عهده ( وفي كل عهد ) ليس لهم من التصوف إلا حفظ بعض المصطلحات والتفوه بها ، والتظاهر بالوجد والسكر والحال ، وكل منهم يحسب نفسه في مرتبة الجنيد ويا يزيد والقروي نفسه يخلط بين سكر العشق وسكر الخمر فيقول في البيت ( 670 ) أنا عاقل ومجنون بالحق واعذرنى عن غيبتي ثم يتحدث عن قاعدة فقهية عن بطلان طلاق الثمل أو عتقه أو بيعه ( ! ! ) ولأن الادعاء كثير فقد كان الامتحان أشد والفضيحة أفدح ، لأن هذا الصوفي الواجد الثمل الغائب قد فضحته ريح خرجت من دبر جحش ! ! فانظر إلى السخرية .
 
( 683 - 694 ) يتحدث مولانا عن امتحان الغيرة ، أو عن امتحانات الله سبحانه وتعالى التي يمتحن بها صدق عبده ، وليس الحق في حاجة إلى امتحان عبده بل يهدف سبحانه وتعالى إلى بيان الزيف من الحق وبيان المخلص من المرائي ، إن الأمر يشبه أن يدعى أحد أنه حائك ماهر فيلقى إليه أحد بأطلس فاخر ليخيط له فراجة . . . ومن هذا الامتحان الصعب يبرز له قرنان أي يصير مضحكة وسخرية للخلق ، وهكذا الله سبحانه وتعالى لا يرضى لعباده أن يكونوا صيدا للمرائين ، وقد يمد للمرائي أو العابد طمعا أو خوفا . . لكن تأتى لحظة الامتحان الأخيرة من حيث لا يدرى أو يحتسب ، هذه هي غيرة الله سبحانه وتعالى على عبيده ، فلو لم يكن الامتحان ، لظهر كل متنفج مدع كذاب مخنث في صورة رستم فالمعمعة هي التي تبديه على حقيقته ، ويهاجم مولانا الادعاء ، كيف يجعل المدعى من نفسه الحسين بن منصور الحلاج لكنه بدلا من أن ينظر إلى القطن في مخزنه فينفصل عنه البذر في التو واللحظة ( تذكرة الأولياء للعطار ص 566 ) يضرم هو النار في أقطان الرفاق .
 
( 695 - 700 ) بالرغم من أن الحديث يدور حول موضوع عام هو المدعين في الطريق ، وسخف قولهم ، وافتضاحهم ، إلا أن مولانا يشير بين الآن والآخر إلى القروي موضوع قصتنا . . . وفي البيت 695 يمكن أن تكون صفة “ يتبرزون في الطريق “ تشير إلى أهل الريف ويمكن أن تشير أيضا إلى من يلوثون الطريق


" 445 "
 
بفعالهم الدنيئة . والبيت ( 700 ) إشارة إلى بهلول وهو عارف مشهور قيل إنه كان في عهد هارون الرشيد ويعتبر استعلامى ( 3 / 253 ) أن إضافة كلمة “ القرية “ هنا لا لزوم لها بل جاءت فحسب للقافية ، والواقع أنها في محلها تماما وأن الإشارة هنا إلى القروي الذي ادعى أمام الحضري أنه عارف “ القرية “ .
 
( 701 - 709 ) يتحدث مولانا عن القرب ، والقرب أنواع ، وليس كل من وجد القرب بالذي يمكن أن يؤثر فيه هذا القرب ، وكثيرون هم الذين ينتفجون بالقرب على أساس أن الصانع قريب من المصنوع ، ونصيب كل من تشرق عليه الشمس منها ليس متساويا ، فهناك غصن غض يقبل إفاضاتها وغصن يابس يزداد تيبسا ، والمدعون كأشجار الصفصاف تشرق عليهم الشمس لكنهم لا يثمرون .
 
( 710 - 720 ) إن السكر الذي يجلب الندم هو السكر بالذات والغرام بها والسكر بهوى النفس ، هو السكر الذي يستطيع صيد الأسود لا صيد الفئران “ في استعلامى 3 / 253 “ هذا البيت بأن القط يصيد الفئران ، لكنه لا يستطيع أن يحلب الأسد ، والواقع أن ترجمة “ شير “ في الفارسية بمعنى لبن وبمعنى أسد لكن الترجمة لا تحتمل غير هذا المعنى ، وهكذا فسره يوسف بن أحمد ( 3 / 112 ) وهكذا ترجمه نيكلسون (III P . / 42) والمقصود بهذه الناحية أي الدنيا وتلك الناحية أي الآخرة والبيت رقم 716 متأثر ببيت لسنائى الغزنوي :
إنك لا تملك القدرة على الاستغناء فلا تهزل بأحاديث الدراويش ولا تملك وجها كوجوه العيارين فلا تقتلع روحك عبثا ( ديوان / 485 ) وفي البيت رقم 720 يشبه كل خيالات المدعين بأنها تشبه من يصنع أنية من
 
“ 446 “
 
الثلج في الشتاء ، أي أنها سوف تذوب عندما تسطع عليها الشمس .
 
( 721 - 731 ) بعد الحديث عن الادعاء ، يضرب مولانا الأمثال ، وحكاية ابن اوى ودن الصباغ من الحكايات الواردة في خرافات العرب ( ماخذ / 92 ) ، أو لعلها صورة أخرى في حكاية تقليد الغراب لمشية الحمامة من الحكايات المشهورة في كليلة ودمنة ، والقفز على المنبر في البيت رقم 728 مقصود به اغتصاب حق وعظ الخلق دون أحقية أو علم ، وفي البيتين ( 730 - 731 ) يعلق مولانا قائلا : إن الإقبال هو الأولياء الحق وليس لكل مدع مراء ، ويترك مولانا الحكاية ليعود إليها في البيت رقم 766 .
 
( 732 - 739 ) لا يزال مولانا ( يركز ) على موضوع الادعاء ، ويسوق حكاية أخرى في هذا المجال ، وإن كان فحواها يدل على أنها سيقت لتبرهن على أن المدعى وإن كان راضيا بمظهره إلا أن باطنه يلعنه ، وأن ضرر الادعاء لا يعود إلا على المدعى نفسه ، والحكاية المذكورة في هذا المجال فيما اتفق عليه الباحثون الإيرانيون من مبتكرات مولانا جلال الدين ، وأنها صارت مثلا ، فعندما يقال مثلا : في إيران تلك الشحمة سرقتها القطة “ فالمقصود أن مجال الاستفادة من شئ ما قد انتهى ( انظر داستانهاى أمثال : أمير قلى أميني 19 - 20 أصفهان 1351 ) وواضح من الحكاية أيضا أنها شائعة في المأثور الشعبي المصري ، وكالعادة يترك مولانا الحكاية ليعود إليها في البيت 474 ( 740 - 746 ) البيت 740 إشارة إلى الآية الكريمةهذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ( المائدة / 119 ) البيت 741 إشارة إلى الآية الكريمةفَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ( هود / 112 ) حتى ولو كان قد فتح عليك بالإفاضات الإلهية فلا تتحدث وذلك خوفا من أن تمتحن ، ويضيف أنه هو نفسه تعرض لمثل


“ 447 “
 
هذه الامتحانات .
 أما الشطرة الثانية في البيت 745 فهي إشارة إلى جزء من الآية 126 من سورة التوبةأَ وَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ.
 
( 747 - 765 ) بلعم بن باعوراء من زهاد بني إسرائيل وكان معاصرا لموسى وبالرغم من أنه أوتى من الآيات والعلم إلا أنه لم يؤمن بموسى وناصبه العداء ، ويضرب به المثل في المأثور الصوفي الفارسي على من يضله الله على علم وتأتى قصته دائما في تفاسير القران الكريم على الآية الكريمةوَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ( سورة الأعراف / 175 ) وفي البيت أيضا إشارة إلى إبليس على أساس أنه كان من أكثر الملائكة عبادة لكنه لم يوفق في الامتحان الأخير عندما طلب منه أن يسجد لآدم ومنعه كبرياؤه من ذلك ، وهذه القصة أيضا تناولها الصوفية من وجهات نظر عديدة أهمها أن على الصوفي ألا يأمن مكر الله فإنه لا يدرى من أين تأتيه الفتنة ولن يكون أكثر علماً من بعلم ابن باعوراء أو أكثر عبادة من عزازيل ، وعلى عكس ذلك أيضاً لا تنظر إلى كافر باحتقار فربما مات مسلما ( كتاب 6 / بيت 2541 )
 
وبقية الأبيات ابتداء من البيت 748 حتى 765 تكمله الرجل الذي كان يدهن شاربه بالإلية وفحوى الحكاية أو الهدف منها يرد في البيت رقم 571 وهو أن التنفج والادعاء يمنعان عنا كرم الإله أو كرم رجال الحق ، فأولى أن يظهر الإنسان حاجته حتى يعطف عليه المولى أو يبعث الشفقة في قلوب قوم يعطفون عليه .

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: