الأربعاء، 26 أغسطس 2020

06 - قصة انشغال عاشق بقراءة كتب العشق في حضور معشوقه .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح  د. إبراهيم الدسوقي شتا

06 - قصة انشغال عاشق بقراءة كتب العشق في حضور معشوقه .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

قصة انشغال عاشق بقراءة كتب العشق في حضور معشوقه .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح  د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

قصة انشغال عاشق بقراءة كتب العشق ومطالعة رسائل العشق ،
في حضور معشوقه ، وعدم استحسان المعشوق لذلك ،
طلب الدليل عند حضور المدلول قبيح والاشتغال بالعلم
بعد الوصول إلى المعلوم مذموم
- كان أحدهم قد أجلسه حبيبه في محضره ، فأخرج رسالة وقرأها أمام حبيبه .
 
“ 135 “ 
 
- كانت تحتوي علي أبيات في المدح والثناء والشكوي والمسكنة وكثير الضراعات “ 1 “ .
- فقال المعشوق : إن كان هذا من أجلي وعند الوصول فهو تضييع للعمر .
 
1410 - أنا حاضر إلي جوارك وأنت قارىء للرسائل ، وليس في هذا أمارة العاشقين .
- فقال العاشق : إنك حاضر إلي جواري ، لكني لا أجد نصيبا منك جيداً
- وذلك الذي كنت أناله منك في السنة قبل الماضية ليس موجودا الآن وإن كنت أري الوصال .
- لقد شربت ماء زلالا من تلك العين ، وجددت قلبي وروحي من الماء الزلال .
- إنني أري العين ولكن لا ماء ، وكأن قاطع طريق قطع الماء علي .
 
1415 - قال : حسبك ، لست معشوقا لك ، أنا في البلغار ومرادك في “ قتو “ .
- إنك عاشق لحال ما “ يطرأ علي “ و “ الحال “ لا يدوم أيها الفتي .
- ومن ثم فلست مطلوبا لك بكليتي ، والجزء الذي تقصده مني كان لك في زمن ما .
- إنني منزل المعشوق ولست المعشوق “ نفسه “ ، والعشق يكون للنقد لا للصندوق .
- والمعشوق هو الذي يكون واحداً “ صمداً “ ، ويكون بالنسبة لك المبدأ والمنتهي .
 
1420 - وعندما تجده لا تظل منتظرا ، إنه يكون ظاهرا ويكون أيضا خفيا “ في الوقت نفسه “ .
..............................................................
( 1 ) ج / 7 - 170 : والبكاء والصراخ والحزن والألم الذي لديه ، وذله وهو انه علي الأقارب والأباعد 
- والألم والتعب في هجر الجيب ، وذكر من أرسلهم تفصيلا - وهكذا أخذ يقرأ لحبيبه ، ما يزيد عن الحد والحصر .


 
“ 136 “ 
  
- إنه أمير الأحوال لا يكون موقوفا علي حال ، بل يكون “ المرء “ عبدا لذلك القمر طوال الشهور والسنين .
- وعندما يتحدث يسيطر علي الحال كلية ، وعندما يشاء يجعل الأجساد أرواحاً .
- ولا يكون منتهي “ أمل “ ذلك الذي يكون موقوفا علي حال باحثا عنه 
- تكون يده بالنسبة “ للحال “ كأنها الكيمياء ، ويحرك اليد فيصير النحاس ثملا به .
 
1425 - وإذا شاء الموت يكون الموت حلوا “ بالنسبة له “ ، ويكون الشوك والحسك بمثابة النرجس والنسرين .
- أما الذي يتوقف علي الحال فهو مجرد إنسان ، حينا في الزيادة وحينا في النقصان .
- والصوفي وإن كان “ ابن الوقت “ علي سبيل المثال ، فإن الصافي فارغ من الوقت والحال .
- فالأحوال متوقفة علي عزمه وعلي رأيه ، حية من “ نفسه “ الذي يشبه نفس المسيح .
- إنك عاشق لحال ولست عاشقا لي ، وإنك لتدور حولي املا في حال ما .
 
1430 - وذلك الذي يكون لحظة كاملا ولحظة ناقصا ، ولا يكون محبوبا للخليل بل يكون أفلا .
- وذلك الذي يكون أفلا وحينا “ هذا “ وحينا “ ذاك “ لا يكون محبوبا لقائل “ لا أحب الآفلين “ .
- وذلك الذي يكون حينا طيبا وحينا قبيحا ، ويكون حينا ماء وحينا نارا ، 
- يكون برج قمر ولكن لا قمر ، ويكون صورة صنم ولكن لا حياة .
 
“ 137 “
 
- فالصوفي الباحث عن الصفاء هو ابن الوقت ، لقد تشبث بالوقت كأنه أبوه .
 
1435 - أما الصافي فهو غريق في نور ذي الجلال ، وليس ابنا لأحد بل هو فارغ من الوقت والحال .
- إنه غريق في نور من لم يولد ، ومن لم يلد ولم يولد هو الله .
- فامض وابحث - عن - مثل - هذا العشق إن كنت حيا ، وإلا فإنك عبد للأوقات المختلفة .
- فلا تمعن النظر في صورتك الحسنة أو القبيحة ، ولكن تمعن في العشق وفي مطلوبك .
- ولا تنظر إلي كونك حقيراً أو ضعيفا ، ولكن انظر إلي همتك أيها الشريف .
 
1440 - وداوم الطلب أيا - كان الحال الذي أنت - فيه ، داوم علي طلب الماء يا - جافَّ الشفة .
- وذلك لأن شفتك الجافة تدل علي أنك سوف تصل في النهاية إلي المنبع .
- إن جفاف الشفة رسالة من الماء الذي سوف يقضي يقينا علي هذا الاضطراب .
- فإن هذا الطلب حركة مباركة ، وهذا الطلب في طريق الحق مانع للهلاك .
- وهذا الطلب مفتاح لمطلوباتك ، وهو جيشك ونصرة لراياتك .
 
1445 - وهذا الطلب مثل الديك الذي يصيح ، إنه يصيح “ مبشرا “ بأن الصبح ات .
 
“ 138 “
 
- وحتى إن لم تكن تملك الوسيلة فاطلب ، فلا حاجة إلي الوسيلة في طريق الإله .
- وكل من تراه طالبا يا بني ، كن رفيقا له وطأطىء رأسك أمامه .
- فمن جوار الطالبين تصير طالبا ، وتحت ظلال الغالبين تصير غالبا .
- فإذا كانت نملة قد طلبت مرتبة سليمان ، فلا تنظر إلي طلبها هذا هونا .
 
1450 - وكان مالك من حرفة ومال ، ألم يكن طلبا وفكرا من البداية ؟ “ 1 “
 
حكاية ذلك الشخص الذي كان يدعوا ليل نهار في عهد داود عليه السلام قائلا : 
ارزقني رزقا حلالا دون تعب
 
- كان أحدهم في عهد داود النبي ، عند كل عالم وأمام كل غبي .
- يدعو بهذا الدعاء ملحا وقائلا : “ يا الله هبني ثروة دون تعب “ .
- فما دمت قد خلقتني كسولا بطيء الحركة والسعي .
- لا يمكن وضع أحمال الخيل والبغال ، علي الحمر جريحة الظهر .
 
1455 - وما دمت قد خلقتني كسولًا أيها الغني ، فارزقني أيضا عن طريق الكسل .
- فأنا كسول نئوم في ظل الوجود ، قد نمت في ظل هذا الفضل والجود .
- وأنت قد كتبت للكسالي النائمين في الظل رزقا علي شكل اخر ؟
- فكل من له قدم يبحث عن رزق ما ، فكن سلوي لكل من ليس له قد
- وسق الرزق نحو ذلك الحزين ، وسق السحاب دائما صوب كل أرض
..............................................................
( 1 ) ج / 7 - 172 : وإذا كان من النادر أن يجد أحدهم كنزا ، فإنه أن قعد عن الطلب فهو مقصر
- وكل من جد وجد ، ما دام قد أسرع في جده - فهيا ، لا تكن أيها السيد لحظة بلا طلب ، حتى تجد ما تريد دون تعب
- وفي النهاية من جد وجد ، ما دام في قد أسرع في الخدمة فكن جلدا في الطلب وهذا هو فتح الباب ، وداوم علي الطلب والله أعلم بالصواب .
 
“ 139 “
 
1460 - ولما لم يكن للأرض قدم “ تسعي بها “ ، فإن جودك يسوق السحاب إليها منحنيا “ طاعة “ .
- ولما لم يكن للطفل قدم فإن أمة تأتي وتصب رزقه فوق رأسه .
- أريد رزقا فجائيا دون سعي ، فليس لي من السعي سوي الطلب .
- وظل يردد هذا الدعاء مدة طويلة ، من النهار حتى الليل وطوال الليل حتى الضحي .
- فكان الناس يضحكون من قوله ، “ ويعذلونه “ علي طمعه الساذج وعلي إلحاحه .
 
1465 - قائلين : عجبا ، ماذا يقول هذا الأبله ؟ أتري قد دس له أحد حشيشا سالبا للعقل ؟
- إن طريق الرزق هو الكسب والسعي والتعب ، ولقد أعطي كل إنسان حرفة “ ووسيلة “ للطلب .
- “ اطلبوا الأرزاق من أسبابها : ادخلوا الأوطان من أبوابها “ “ 1 “ .
- بل إن الملك والسلطان ورسول الحق في زمامنا هذا هو داود النبي ذو الأفضال .
- ورغم كل هذا العز والألطاف الإلهية التي يعيش في ظلها ، بحيث اختارته العناية الإلهية .
 
1470 - ومعجزاته بلا حصر ولا عد ، وأمواج العطاء بالنسبة له متتالية في أثر بعضها .
- ولم يكن لأحد من بني ادم حتى الآن صوت كأنه الأرغنون .
- بحيث يميت في كل عظة مائتين ، فالله لم يجعل لأحد صوته الحلو .
- والأسد والغزال يجتمعان عند تذكيره هذا غافل عن ذاك .
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن .
 
“ 140 “
 
- والجبال والطير تؤوب من إنشاده ، كلاهما في وقت الدعوة صفي ونجي .
 
1475 - هذا وأضعاف - هذا مع المعجزات ، ونوره “ مطلق “ في - كل الجهات وبلا جهات .
- ورغم كل هذا التمكين ، فإن الله سبحانه وتعالي قد جعل رزقه موقوفا علي الكدح والسعي .
- فلا يأتيه رزقه دون صناعة للدروع وكدح مع كل ما له من نصرة “ إلهية “
- “ ثم يأتي “ مثل هذا المخذول المتروك العاجز المتعفن داخل داره “ كسلا “ والمطرود من الأرض والفلك .
- “ يأتي “ مثل هذا المدبر ويريد أن يملأ حجره بالربح دون تجارة ! !
 
1480 - يأتي مثل هذا الأبله ويجهر بالقول : أريد أن أصعد إلي الفلك دون درجات .
- فكان هذا يقول له ساخرا : لقد وصلك الرزق اذهب وخذه ، لقد جاء “ بهذا “ البشير .
- وكان ذاك يضحك قائلا : أعطينا مما أعطاكه “ الله “ هدية يا عين الأعيان ! !
- لكن كل هذا العذل والسخرية ، لم يكن يقلل من دعائة وتقربه بالدعاء .
- حتى صار معروفا وشهيراً في المدينة ، إنه يبحث عن الجبن من قربة فارغة .
 
1485 - صار ذلك الشحاذ مثلا في الطمح المحال ، لكنه لم يقلع عن هذه الرغبة .
 
“ 141 “

إسراع ثور إلى منزل ذلك الملح في الدعاء قال النبي عليه السلام :
إن الله يحب الملحين في الدعاء ، ذلك أن عين الطلب من الحق
وإلحاح الطالب أفضل مما يطلبه منه
 
- حتى حدث ضحي ذات يوم ، بينما كان هذا “ الرجل “ يدعو بنحيب وتأوه .
- أن أسرع ثور فجأة إلي داخل منزله ، ضرب الباب بقرنه فكسر المزلاج والقفل .
- وقفز الثور الهائج إلي المنزل ، فهب الرجل واقفا وقيد قوائمه .
- ثم ذبح ذلك الثور في التو واللحظة ، بلا تمعن ولا انتظار ولا إمهال .
 
1490 - وعندما ذبحه ذهب إلي القصاب ، “ ليأتي به “ فيسلخ إهابه في الحال .
 
اعتذار الناظم مطلب المدد
 
- يا أيها السائل ، إن ما يدور “ في الباطن “ من معان كالجنين ، فكيف تسألني أن أكمله لك ؟
- فسهل وأبد الطريق ووفق ، أو دعك من هذا السؤال لا تضعه علي كاهلنا .
- وكيف تسأل المفلس ذهبا ، ألا فلتهبن الذهب للسر أيها الملك الغني .
- وبدونك من الذي يجزؤ علي التفكر في النظم و “ حبك “ القوافي في الليل أو الفجر أو يدور في خاطره هذا ؟
 
1495 - فالنظم والتجنيس والقوافي أيها العليم عبيد لأمرك “ تلبيه “ خوفا وهلعا .
 
“ 142 “
 
- وما دمت قد جعلت كل شئ مسبحا ، سواء الذات المميزة وغير المميزة .
- ولكل منهما تسبيح من نوع مختلف ، يقوله وهذا غافل عما قاله ذاك .
- والإنسان ينكر التسبيح علي الجماد ، في حين أن ذلك الجماد أستاذ في العبادة .
- بل إن الاثنتين والسبعين ملة كل ملة منها لا تدري شيئا عن الأخري وتشك فيها .
 
1500 - وإذا كان الناطقون كل منهم غافل عن الآخر فما بالك بالجدار والباب ؟
- وما دمت غافلا عن تسبيح الناطق ، فكيف يعلم قلبي تسبيح الصامت .
- فللسني تسبيح خاص ، ولا مناص للجبري من تسبيح مخالف لهذا التسبيح .
- والسني غافل عن تسبيح الجبري ، والجبري بلا خبر عن تسبيح السنى .
- هذا يقول : ذاك ضال وتائه ، وغافل عن الحال وعن الأمر بالقيام .
 
1505 - وهذا يقول : أي علم لهذا ؟ وأوقع الله الحرب بينهما من قدره .
- وذلك حتى يظهر أصل كل منهما عيانا ، وحتى يكشف المستحق من غير المستحق .
- وكل امرئ يعرف القهر من اللطف ، عالما كان أو جاهلا خسيسا .
- لكن هناك لطفا مخفيا في القهر ، كما أن هناك قهرا أتي في قلب اللطف .
- وقليل من يعرف هذا إلا من كان ربانيا ، ذلك الذي يكون في قلبه محك روحاني .
 
1510 - والباقون يسيرون علي الظن فيما يتصل بهذين “ القهر واللطف “ ويطيرون نحو أعشاشهم بجناح واحد .
 
“ 143 “
 
بيان أن للعلم جناحين وللظن جناحا واحدا فالظن ناقص وأبتر في طيرانه
ومثال الظن واليقين في العلم
 
- للعلم جناحان وللظن جناح واحد ، فالظن ناقص في طيرانه وأبتر .
- والطائر ذو الجناح الواحد سريعا ما يسقط منقلبا ، ثم يطير لكن خطوتين أو أكثر .
- يمضي طائر الظن متعثرا بجناح واحد املا في “ الوصول “ إلي عشه .
- وعندما يتخلص من الظن يبدو علمه ، ويصير ذا جناحين هذا الطائر ذو الجناح الواحد ، ويفتح جناحيه .
 
1515 - وبعد ذلك يمضي مستقيما ، ليس علي وجهه مكبا أو سقيما .
- أو يطير بجناحين مثل جبريل ، بلا ظن ولا تردد أو قال أو قيل .
- ولو أن كل العالم قال له : إنك تمشي باستواء علي طريق الله والدين .
- فإنه لا يصير من قولهم أكثر حماسا ، وروحه المغردة لا تأتلف مع “ أرواحهم “ .
- ولو قيل له : إنك ضال تظن نفسك جبلا وأنت لا تعدو قشة .
 
1520 - فإنه لا يقع في الظن من سبهم ، ويصير متألما من طعنهم .
- ولو أن البحر والجبل جاءا إليه وقالا له : إنك قد صرت علي ضلال .
- فإنه لا يسقط مثقال ذرة من الوهم ، أو يصير مريض الحال من طعن الطاعنين .
 
مثال مرض الإنسان بوهم تعظيم الخلق رغبة الطلاب فيه وحكاية المعلم

- لقد رأي أطفال المكتب من الأستاذ ، عناء من الجد والاجتهاد .
 
“ 144 “
 
- فتشاوروا من أجل تعطيل الأمور ، وذلك حتى يقع المعلم في الاضطرار .
 
1525 - “ أخذوا يتساءلون “ : كيف لا يصاب بمرض علي الإطلاق حتى يبتعد عشرة أيام ؟
- وحتى نستريح من الحبس والضيق والعمل ، إنه مثل حجر الصوان ثابت في مكانه .
- فدبر أكثرهم حيلة تدبيرا وهو أن يقول : يا أستاذ مالك شاحب الوجه ؟
- خيرا ، إن لونك ليس علي ما يرام ، أهو من أثر الهواء أو من حمي ؟
- وهو بهذا الشكل يقع بالتدريج في الوهم ، وأنت أيها الأخ ساعدني علي هذا النحو .
 
1530 - عندما تدخل من باب المكتب قل : خيرا يا أستاذ ، ماذا جري لك ؟
- فيزداد وهمه قليلا قليلا ، فمن الوهم يصير العاقل مجنونا ! !
- والثالث والرابع والخامس علي نفس النمط ، يبدون بعدنا الأسي والتفجع !
- فإذا تواتر الخبر عند أطفال “ المكتب “ الثلاثين ، واتفقوا عليه يصير ثابتا .
- فقال له كل واحد منهم : بوركت أيها الذكي ، وليكن حظك مستندا علي العناية الإلهية .
 
1535 - واتفقوا وأخذوا بينهم موثقا ألا يغير أحدهم أو يبدل في الكلام .
- ثم جعلهم جميعا يقسمون علي ألا يشي واش بما اتفقوا عليه .
- إن رأي هذا الطفل قد تغلب علي آراء الجميع ، كان عقله يسير إلي الأمام من القطيع .
- وهذا هو التفاوت في عقول البشر والذي يكون بين الحسان في الصور .
- ومن هذا القبيل ما قاله “أحمد “ في بيانه : “ إن حسن الرجال يكون مخبوءا تحت اللسان “.
 
“ 145 “

عقول الخلق متفاوتة في أصل الفطرة وعند المعتزلة متساوية  
وتفاوت العقول من تحصيل العلم
 
1540 - إن اختلاف العقول موجود في الأصل ، وينبغي أن تسمع ذلك وفقا لأهل السنة .
- وهذا علي خلاف قول أهل الاعتزال ، وهو أن العقول متساوية في الأصل 
- والتجربة والعلم قلا أو كثرا ، يجعلان أحدهم أعلم من الآخر .
- وهذا باطل وإلا فإن رأي الطفل الذي لا تجربة له في طريق ما .
- قد انبثق فكرا من ذلك الطفل الصغير ، لم يدرك منه شيخ واسع التجربة النذر اليسير “ 1 “ .
 
1545 - وإن الزيادة التي تكون من الفطرة ، أفضل من الزيادة التي تكون من الجهد والفكرة .
- وقل أنت : هل تكون عطية الله أفضل ، أو أفضل منها أعرج يسير كما يسير العداء ؟

إلقاء الأطفال للأستاذ في الوهم

- وطلع النهار وجاء هؤلاء الأطفال إلي المكتب وقد وقرت الفكرة في نفوسهم .
- وقفوا جميعاً خارج المكتب منتظرين ، حتى يأتي في المقدمة ذلك الرفيق المصر .
- وذلك لأنه كان منبع هذا الرأي من البداية ، فالرأس دائما ما تؤم القدم .
..............................................................
( 1 ) ج / 7 - 197 : وإن رجال الأمر لتفيب عنهم الفكرة، ويعجزون عن العمل مضطرين.
 
“ 146 “
 
1550 - ويا أيها المقلد لا تطلب التقدم عليه ، “ فرأيه “ نابع من نور السماء .
- فدخل وقال : سلاماً أيها الأستاذ ، خيراً ، إنك شاحب الوجه .
- فقال الأستاذ : لا بأس علي ، أذهب ، اجلس “ مكانك “ ولا تهزل .
- لقد نفي الأمر لكن غبار الوهم السئ ، طرق قلبه فجأة وقليلا قليلا .
- فدخل اخر وكرر نفس القول ، فزاد الوهم قليلا لهذا الأمر .
 
1555 - وعلي هذا النمط “ فعلوا “ حتى قوي الوهم عنده ، وبقي في عجب شديد من حاله .

مرض فرعون أيضا بوهم تعظيم الخلق

- إن سجود الخلق من نساء وأطفال ورجال ، قد وقر في قلب فرعون فجعله مريضا .
- وخطاب كل إنسان له قائلا : أيها الملك الإله ، قد جعله متهتكا من الوهم .
- حتى جرؤ علي ادعاء الألوهية ، صار أفعي ولم يكن يشبع قط .
- فافة العقل الجزئي الوهم والظن ، وذلك أن موطنه في الظلمات .
 
1560 - ولو أن طريقا علي الأرض عرضه نصف ذراع ، فإن الإنسان الخالي من الوهم يسير عليه امنا .
- لكنك لو سرت علي جدار عال ، تسير مائلا ولو كان عرضه ذراعين .
- بل إنك تسقط من رعشة القلب بالوهم، فانظر جيدا إلي الخوف “ الناتج “ عن الوهم وافهمه.
 
مرض الأستاذ بالوهم

- لقد وهن الأستاذ من الوهم والخوف ، فقفز يتلفع بجبته .
- وغضب علي زوجته التي ضعف ودها له ، وأخذ يقول لنفسه : إنا علي هذه الحال وهي لم تسأل ولم تهتم .
 
“ 147 “
 
1565 - ولم تخبرني عن شحوب وجهي ، لا بد أنها تريد أن تتخلص من عيشتي النكدة .
- ولقد صارت مغترة بحسنها وهيئتها ، غافلة عن انكشاف أحوالي .
- فجاء إلي “ داره “ وفتح الباب بعنف ، والأطفال “ يجرون “ في أثر ذلك الأستاذ .
- فقالت المرأة : خيرا ؟ لماذا عدت سريعاً ؟ هل أصاب فضيلتك سوء لا قدر الله ؟
- فأجاب : هل أنت عمياء ؟ انظري إلي شحوبي وحالي ، إن الغرباء في حنين شفقة علي .
 
1570 - وأنت معي في منزل واحد ومن البغض والنفاق ، لا ترين حالي وأنا في احتراق .
- قالت المرأة : يا سيدي لا عيب فيك ، وما بك وهم وظن من لا شيء ولا معني لهما .
- قال لها : أيتها الفاحشة لا زلت في لجاج أفلا ترين هذا التغير والارتعاد ؟ !
- فإذا كنت قد صرت عمياء صماء فما ذنبنا ونحن في هذا الألم والحزن والابتلاء ؟
- فقالت : أيها السيد لتأت بمرأة ، حتى تعلم أنه لا ذنب لي .
 
1575 - قال لها امضي فلا كنت رفيقة لي ولا كانت مراتك ، فأنت دائما في حقد وبغض وعنت .
- فهيا ابسطي لي فراشي علي وجه السرعة ، حتى أنام فقد ثقلت رأسي .
- وتوقفت المرأة فصاح فيها الرجل : أسرعي أيتها العدوة فما أنا فيه خليق بك .
 
“ 148 “

سقوط الأستاذ في فراشه من الوهم وأنينه من وهم المرض
 
- فأحضرت المرأة الفراش وبسطته ، وهي تقول لنفسها : لا قدرة لي عليه وباطني مليء بالحرقة .
- فإذا أفصحت “ عن الحقيقة “ اتهمني ، وإذا سكت فسوف تنقلب الحكاية إلي جد “ لا هزل فيه “ .
 
1580 - فإن فأل السوء لا يزال يصيب بالمرض الإنسان الذي لا شئ به يشكو منه .
- ولا بد من أن تصدق قول الرسول عليه السلام “إن تمارضتم لدينا تمرضوا” “1”.
- فإذا تحدثت إليه “ بالحقيقة “ ، فسوف يظن بالتأكيد “ ويحدث نفسه “ بأن المرأة لا بد وأنها تريد الخلوة لفعل تفعله ؟
- ولا بد من أنها لا تريد وجودي في المنزل ، من أجل أن تخادن وتخدعني ؟
- فأعدت له الفراش وسقط الأستاذ ، وهو يطلق الصرخات والتأوهات .
 
1585 - وجلس الأطفال وهم يتمتمون بالدرس وقد تملكهم الحزن .
- كانوا يحدثون أنفسهم “ قائلين “ : لقد فعلنا كل ما فعلنا ولا زلنا سجناء ، كان بناء سيئا ونحن بناة سيئون “ 2 “
 
إيهام الأطفال الأستاذ ثانية قائلين : إن صداعك يزداد من قراءتنا للقرآن
 
- قال ذلك الذكي : أيها القوم المحمودون ، اقرءوا الدروس وارفعوا أصواتكم .
- وعندما أخذوا في القراءة قال ، أيها الأطفال : إن أصواتنا تضر بالأستاذ .
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن .
( 2 ) ج / 7 - 325 : هيا ولتفكر في شئ اخر ، حتى نجد الفرج سريعا من هذه المحنة .
 
“ 149 “
 
- إن هذا الضجيج يزيد من صداع الأستاذ ، فهل يستحق الأمر أن يتألم من أجل دانق ؟
 
1590 - قال الأستاذ : إنه ينطق بالصدق ، اذهبوا ، لقد زاد صداعي فأخرجوا .
 
“ خلاص الأطفال من المكتب بهذا المكر “
 
- فسجدوا شكر لله “ وصاحوا : يا كريم ، أبعد الله عنك المرض والبأس .
- ثم قفزوا خارجين إلي منازلهم ، وكأنهم الطيور في طلب الحب .
- فغضبت أمهاتهم وقلن لهم : اليوم يوم دراسة وأنتم تلهون .
- إن الأوان هو أوان الدرس والتحصيل ، وأنتم تهربون من الكتاب والأستاذ ؟ “1”.
 
1595 - فاعتذروا قائلين : يا أمهاتنا تمهلن ، فليس الذنب ذنبنا وليس التقصير منا .
- فقد شاءت إرادة الله أن يصبح أستاذنا مريضا سقيما مبتلي .
- قالت الأمهات : مكر وكذب ، إنكم تكذبون مائة كذبة طمعا في المخيض .
- وسنمضي نحن في الصباح إلي الأستاذ ، حتى نري أصل مكركم هذا
- فقال الأطفال : امضين باسم الله ، وقفن علي كذبنا أو صدقنا .
 
ذهاب أمهات الأطفال لعيادة الأستاذ
 
1600 - في الصباح ذهب أولاء الأمهات ، كان الأستاذ نائما وكأنه شديد المرض .
- كان قد تصبب عرقا من كثرة الأغطية ، وربط رأسه ولف وجهه في سجاف اللحاف .
- كان يطلق الآهات بوهن ، فأخذن جميعا يحوقلن قائلات .
- خيراً يا أستاذ ، هذا الصداع “ الذي ألم بك “ ، بحق روحك لم يكن لنا علم به ؟
..............................................................
( 1 ) هذا البيت زائد في نسخة استعلامي .
  
“ 150 “
 
- قال : أنا نفسي لم يكن لي علم به ، لكن أولاد الفواحش أخبروني به .
 
1605 - لقد كنت غافلا مشغولا بقال وقيل ، وكان في داخلي مثل هذا الألم التقيل .
- وعندما يكون المرء مشغولا بالجد ، فإنه يكون أعمي عن رؤية الألم “ الذي يحيق به “ .
- لقد صار يوسف سمرا بين نسوة مصر ، بحيث فقدن الوعي من انشغالهن به .
- ولقد قطعن أيديهن ومزقنها إربا ، وروح الواله لا تري قدامها أو وراءها .
- وما أكثر الرجال الصناديد في الحرب ، الذي يجرح الطعان منهم اليد أو القدم .
 
1610 - وهم منهمكون فيما هم فيه من النزال ، ظنا منهم أنهم صامدون في أماكنهم .
- ثم يدرك المرء منهم أن يده قد ضاعت في المعركة ، وأن دما كثيراً قد نزف منه دون علم منه .
 
في بيان أن الجسد هو بمثابة لباس للروح وأن هذه اليد هي كم ليد الروح
وأن هذا القدم حذاء للروح
 
- وذلك حتى تعلم أن الجسد كاللباس ، فاذهب وابحث عن اللابس ولا تلعق اللباس .
- وأفضل للروح توحيد الله ، غير ما يبدو في الظاهر توجد يد أخري وقدم أخري .
- إنك تري في النوم اليد والقدم “ تعملان “ في ائتلاف ، فاعلم أن هذا الأمر حقيقة ولا تعده من جزاف القول .
 
“ 151 “
 
1615 - فأنت الذي تكون بلا بدن تملك البدن ، ومن ثم لا تخف من خروج الروح من الجسد “ 1 “ .
 
حكاية ذلك الدرويش الذي كان قد اعتزل في جبل
وبيان حلاوة الانقطاع والخلوة والدخول في هذه المنقبة القائلة :
أنا جليس من ذكرني وأنيس من أستأنس بي
لو أنك مع الناس جميعا فأنت * بدونهم جميعا إذا كنت بدونى
 ولو أنك بدون الجميع فأنت * معهم جميعا إذا كنت معي” 2 “
 
- كان هناك أحد الدروايش قد أقام في جبل ، كانت الخلوة ضجيعا له ونديما
- ولما كانت الشمول تنصب له من الخالق ، فقد كان ملولا من أنفاس الرجال والنساء 
- وكما يكون الحضر سهلا بالنسبة لنا ، يكون السفر سهلا بالنسبة لقوم آخرين .
- وكما يكون أحدهم عاشقا للسيادة ، يكون اخر عاشقا للحدادة .
 
1620 - لقد خلق الله كل إنسان من أجل عمل ما وألقي الميل إلي هذا العمل في قلبه .
- ومتي تتحرك اليد والقدم دون ميل ؟ ومتي يمضي الشوك والقذي دون ريح وماء ؟
- فإذا كنت تري ميلك نحو السماء فافتح جناح الدولة كأنك طائر البُلَح .
..............................................................
( 1 ) ج / 7 - 333 : فللروح بدون البدن جلبة وشأن ، وو الطائر في القفص يكون شديد القلق 
- فإنتظر حتى يخرج الطائر من القفص ، حتى ترى الأفلاك السبعة مساكين أمامه
( 2 ) ج / 7 - 336 : ولا قصن عليك حكاية إن سمعتها ، لملت حقيقة إلى الحقيقة .
 
“ 152 “ 
 
- وإذا كنت تري ميلك نحو الأرض ، فأكثر النواح ولا تقعد عن التفجع .
- والعقلاء هم الذين يبادرون بالنواح ، لكن الجهال هم الذين يلطمون الخدود عند عواقب الأمور .
 
1625 - فانظر إلي عواقب الأمور من بدايتها ، حتى لا تصير نادما يوم الدين .
رؤية الصائغ لعاقبة الأمر وحديثه إلى مستعير الميزان وفقا للعاقبة
- جاء أحدهم إلي صائغ قائلا : أعرني ميزانك فسوف أزن ذهبا .
- قال الصائغ : اذهب فليس عندي غربال ، فقال : أعطني الميزان ودعك من هذه السخرية .
- قال : ليس عندي مكنسة في الدكان ، قال : كفاك كفاك وتوقف عن هذا الهزل .
- أعطني الميزان الذي أطلبه ، ولا تتظاهر بالصم وتنتقل من موضوع إلي موضوع .
 
1630 - قال : لقد سمعت كلامك ولست بالأصم ، وحتى لا تظن أنني أتحدث بكلام لا معني له .
- لقد سمعت ما تقول لكنك شيخ مرتعش ، تهتز يدك وجسمك ليس بالمنتعش .
- وذلك الذهب الذي لديك هو برادة ذهب حقيرة ولا قيمة لها ، ويدك ترتعش ، ومن ثم فسوف تسقط منك برادة الذهب .
- وسوف تقول : أيها السيد هات المكنسة ، حتى أبحث عن ذهبي في التراب .
  
“ 153 “
 
- وعندما تكنس التراب سوف تجمعه ، وتقول لي : أريد غربالا أيها الهمام “ 1 “ .
 
1635 - ومنذ البداية رأيت النهاية تماما ، فاذهب من هنا إلي مكان اخر ، والسلام “ 2 “ .


قصة ذلك الزاهد المعتزل في الجبل الذي كان قد نذر قائلا :
إنني لن أقطع ثمرة من شجرة جبلية ،
ولن أهز الشجرة ولن أطلب من أحد تصريحا أو كنابة أن يهزها ،
وما آكله هو ما تسقطه الريح من الشجرة” 3 “
 
- كان في ذلك الجبل أشجار وثمار ، وكانت الكمثري الجبلية في ذلك المكان لا تحصي ولا تعد .
- وقال ذلك الدرويش : يا رب إنني أتعهد أمامك ألا أقطف من هذه “ الثمار “ في أي وقت .
- “ ولن أقرب “ إلا تلك الثمار التي تسقطها الريح ، وفيما عدا ذلك لن أقطف من هذه الأشجار النضرة .
- وقد أو في بعهده فترة من الزمن ، حتى حلت به امتحانات القضاء .
 
1640 - ولهذا السبب قال تعالي أن “ استثنوا “ ، قولوا : إن شاء الله ثم عاهدوا .
- ذلك أنني في كل لحظة أضع في القلب ميلا ما ، وفي كل نفس اسم القلب بوسم مختلف .
..............................................................
( 1 ) ج / 7 - 342 : إن من يري البداية فحسب يكون أعمي ، وكل من يري العاقبة باله من صاحب معني 
- وكل من ينظر في بداية الأمر إلي نهايته ، لا يكون خجلا في نهايته 
- ولما كان الحكم قائماً علي العاقبة ، فإن المكولة عبدة للفقر الصوفي ، والناظرون إلي العاقبة هم أهل إشاد ، فانظر والله أعلم بالسداد .
( 2 ) ج / 7 - 342 : حتى أغربل التراب وأفصل عنه الذهب ، وحتى يكون غربال في محلي ؟ !
( 3 ) ج / 7 - 344 : هذا الكلام لا نهاية له فتحدث عن السر وقل قصة هذا الرجل الزاهد .
تمم الحديث الشيخ الفريد ، الذي كان عيشه في ذلك الجبل .


 
“ 154 “
 
- “ كل إصباح لنا شأن جديد : كل شيء عن مرادي لا يحيد “ 1 “ .
- وقد ورد من الحديث “ الشريف “ أن القلب مثل قشة في فلاة رهن بريح صرصر .
- فالريح تسوق القشة نحو كل صوب كيفما اتفق ، حينا ذات اليمين وحينا ذات اليسار وباختلاف شديد .
 
1645 - وورد في حديث اخر أن : اعلم أن هذا القلب كما يكون الماء الذي يغلي من النار في قدر .
- ففي كل لحظة يكون للقلب رأي مختلف ، وليس هذا منه بل من موضع اخر .
- إذن : لماذا تكون مطمئنا إلي رأي القلب ، وتتعهد ثم تصير خجلا في النهاية ؟
- إن هذا أيضا من تأثير الحكم والقدر ، أن تري البئر ولا تستطيع منه الحذر .
- وليس عجيبا من الطائر المحلق ألا يري الشراك ثم يسقط في العطب .
 
1650 - إن العجيب هو أن يري الشراك ويري الوتد، ويسقط فيه طوعا أو كرها.

- فهو مفتوح العين مفتوح الأذن والشراك أمامه ، لكنه يطير نحو ذلك الشراك بجناحيه .
- إنك تري ابنا لعظيم عاري الرأس مهلهلا في الأسمال ساقطا في البلاء .
- قد احترق في هوي بغي ، فباع ثيابه وأملاكه .
- صار فاقدا لكل أملاكه ذليلا سيىء السمعة ، تجري عليه مشيئة العدو كأي مدبر مشئوم .
..............................................................
( 1 ) في المتن بالعربية .
 
“ 155 “
 
1655 - فيري زاهدا فيصيح به : أيها العظيم ، همتك في الدعاء من أجلي لوجه الله الكريم .
- فلقد سقطت في هذا الإدبار القبيح ، وفقدت المال والذهب والنعم .
- همتك في الدعاء لعلي أنجو من هذا المصير ، وقد أقفز بقدمي خارج هذا الطين الكدر .
- ولا يفتأ يطلب الدعاء من العامي وممن هو من الخواص ، هاتفا :
الخلاص الخلاص الخلاص .
- فيده مطلقة ، وقدمه مطلقة ، ولا قيد ، ولا حارس فوق رأسه ولا أغلال من حديد تغله .
 
1660 - فمن أي قيد يا تري تريد “ يا هذا “ الخلاص ، ومن أي سجن تبحث عن الملاذ ؟
- إنه قيد القضاء والتقدير الخفي ، ذلك الذي لا تبصره إلا روح الصفي ! ! !
- فهو - وإن لم يكن الأمر ظاهرا - في ورطة ، أسوأ من السجن ومن الغل الحديدي .
- ذلك أن الأغلال الحديدية يحطمها الحداد ، كما أن الحفار يستطيع أن ينقب جدار السجن .
- فوا عجبا من هذا القيد الخفي الثقيل الذي يعجز الحدادون عن تحطيمه .
 
1665 - إن رؤية أمثال هذه القيود قد تيسرت لأحمد ، “ عندما أبصره “ علي حلق من عقدت حبلا من مسد .
- وقد أبصر علي ظهر زوجة أبي لهب ، حملا من الحطب فلقبها :
حمالة الحطب .
 
“ 156 “
 
- ولم تر الحبل أو الحطب عين سواه ، وذلك لأن كل خفي كان يظهر له .
- والباقون جميعا قد أولوا هذا الأمر ، وذلك لأنهم واعون بينما تبدو هذه الصورة مما وراء الوعي .
- لكن ظهره كان محنيا من تأثيره ، وكان شاكيا أمامك .
 
1670 - قائلا : همتك بالدعاء حتى أنجو ، وحتى أتخلص من هذا القيد الخفي .
- ذلك الذي يري هذه الأمارات عيانا ، كيف لا يعرف الشقي من السعيد .
- إنه يعرف لكنه يكتم بأمر ذي الجلال ، إذ لا يكون كشف سر أودعه إياه الحق من قبيل الحلال .
- وهذا الكلام لا نهاية له ، إن ذلك الدرويش قد ضعف من الجوع وانهد جسده
 
اضطرار الدرويش الذي نذر إلى قطع الكمثرى من الشجرة ،
ووصول عقاب الله على الفور
 
- ولم تسقط تلك الريح ثمرة واحدة من ثمار الكمثري طيلة خمسة أيام ، ومن نار الجوع فر الصبر منه .
 
1675 - وفي طرف غصن رأي عددا من ثمار الكمثري ، لكنه صبر وكبح جماح نفسه .
- وهبت الريح وانحني الغصن ، وأرغم الطبع علي أكل “ الثمار “ .
- فالضعف والجوع وقوة جذب القضاء ، جعل الزاهد يحنث بعهده .
- وعندما تدلت الثمار من شجرة الكمثري ، صار واهنا في نذره وعهده .

“ 157 “

- وأيضا وفي تلك اللحظة وصل عقاب الحق ، فتح عينيه وعرك أذنيه “ 1 “ .

اتهام هذا الشيخ مع اللصوص وقطع يده

1680 - كان ذلك المكان عشرون من اللصوص أو ما يزيد ، أخذوا يقسمون مسروقاتهم .
- وكان أحد “ البصاصين “ قد أخبر الشرطة ، فهجم رجال الشرطة سريعا .
- وفي نفس المكان بتروا أرجلهم اليسري وأيديهم اليمني وارتفع الضجيج والعويل .
- وقطعت يد الشيخ علي سبيل الخطأ ، وهموا أيضا بقطع رجله .
- ووصل في التو واللحظة فارس من المصطفين ، فصاح بالجلاد : تنبه أيها الكلب .
 
1685 - إن هذا الرجل هو فلان الشيخ من أبدال الله فلماذا قطعت يده ؟
- فمزق ذلك الجلاد ثيابه ، وجري إلي رئيس الشرطة ينبهه مضطربا .
- فتقدم الشرطي حافي القدم معتذرا قائلا : لم أعلم والله شاهدي .
- هيا اجعلني في حل من هذا العمل القبيح ، يا كريما ويا زعيما لأهل الجنة .
- قال الشيخ : إنني أعلم سبب هذا العقاب ، وأنا أعلم الذنب الذي “ به أخذت “ .
..............................................................
( 1 ) ج / 7 - 353 : والمخلصون دائما في خطر عظيم ، وهناك امتحانات في الطريق يا بني - فإما ألا تنذر ما لا تستطيع الوفاء به ، ولا تعقد في مواضع الخطر واقفز منها سريعاً .
- وينبغي الوفاء بالنذر في طريق الحق ، لكن الحق نفسه من يعطي السبق ، ولقد عاجدنا كثيراً في الأمور ، ونذرنا في السير مرار .
فأين تلك القوة لنفي بها ، ونحن عجزة غير مقتدرين مضطرون . وان لم يأخذ فضله بأيدينا ، فيا ويلنا . . . أية فضيحة تحيق بنا
- ولأعد إلي قصة الفقير عندما حنث بالعهد ، سقط أسيراً في التو وعاقبتة غيرة الحق سريعاً ، إذ قال : أوفوا بالعقود .
 
“ 158 “
 
1690 - لقد اعتديت علي حرمة إيمانه ، فلا شك أن محكمته قد حكمت بقطع يميني .
- لقد نكثت بالعهد وعملت أن هذا “ أمر “ سيىء ، حتى حاق شؤم جرأتي هذه بيدي .
- ولتكن أيدينا وأرجلنا وألبابنا وجلودنا فداء أيها الوالي لحكم الحبيب .
- كان هذا قدري وقد جعلتك في حل منه وسامحتك فيه ، فلم تكن تعلم ولن يصببك وبال .
- ومنفذ الأمر هو أعلم مني ومنك ، فأي موضع هنا للجدال مع الله .
 
1695 - ورب طائر محلق باحث عن الحب ، مزق حلقه ذاته حلقومه .
- ورب طائر بسبب معدته وشدة جوعه ، صار حبيسا في قفص قريب من السقف .
- ورب سمكة في أعماق الماء ، صارت فريسة للشص من حرص حلقها .
- ورب مخدرة عقيلة كانت في حجابها ، فضحها شؤم الفرج والحلق .
- ورب قاض حبر حسن الطوية ، اصفر وجهه من جراء حلقه ومن “ تعاطيه “ الرشوة .
 
1700 - بل إن هذا الشراب كان بالنسبة لهاروت وماروت مانعا من العروج إلي العرش .
- ومن أجل هذا احترز أبو اليزيد ، عندما رأي في نفسه كسلا في الصلاة .
- وفكر ذو اللباب ذاك في سبب هذا البلاء ، فرأي أن العلة هي شرب الكثير من الماء .
- قفال “ معاهدا “ : لن أشرب الماء ولمدة عام ، وبر بعهده فرزقه الله الاحتمال .
 
“ 159 “
 
- وقد كان هذا أقل جهد له في الدين ، فصار سلطانا للعارفين وقطبا لهم .
 
1705 - وعندما بترت اليد من جراء الحلق ، أغلق الرجل الزاهد باب الشكوي .
- وصار اسمه عند الخلق الشيخ الأقطع، وجعلته افات الحلق معروفا بهذه الصفة “1”.
 
كرامات الشيخ الأقطع وقيامه بجدل الزنبيل بكلتا يديه
 
- راه أحد الزائرين في عريشه ، وهو يجدل زنبيلا بكلتا يديه .
- فقال له “ الشيخ “ يا عدوا لروحك ، لقد جئت إلي كوخي وتجسست “ علي “ .
- فلماذا تسرعت هكذا “ وكأنك “ في سباق ؟ فأجابه : من فرط الحب والاشتياق .
 
1710 - فبش له قائلا : ادخل الآن ، ولكن أكتم عني هذا الأمر أيها العظيم المبجل .
- ولا تحدث أحداً بهذا الأمر حتى موتي ، قرينا كان أو حبيبا أو حقيراً .
- ثم أطل عليه قوم آخرون من كوة كوخه ، واطلعوا علي ما يقوم به من عمل .
- فقال “ مناجيا “ : إنك تعلم الحكمة في هذا يا ربي ، إنني أخفي وأنت تعلن .
- فجاءه الإلهام بأن الناس منذ فترة وهم ينكرون عليك هذه المحنة قائلين :
..............................................................
( 1 ) ج / 7 - 362 : وإذا أردت اسمه الأول ، فاعلم أنه أبو الخير التيناتي .

“ 160 “
 
1715 - ربما كان مرائيا في الطريق ، بحيث فضحه الله من بين أقرانه .
- وأنا لا أريد أن يكفر هذا القطيع ، ويمضون ضالين في ظن السوء .
- ومن هنا أظهرنا هذه الكرامة ، إننا نرد إليك يدك عندما تقوم بالعمل .
- حتى لا يرد هؤلاء المساكين سيئي الظن عن جناب السماء .
- ومن قبل أن أهبك هذه الكرامات ، كنت أهبك السلوي من ذاتي .
 
1720 - ومتى وهبتك هذه الكرامة من أجلهم ، ووضعت لك هذا المصباح لهذا السبب .
- وقد جاوزت أنت مرتبة أن تخشي من موت الجسد ومن تفرق أعضاء البدن .
- فالخوف من انفصال الرأس والقدم قد مضي عنك ، ورزقت درعا شديد العظم لدفع الوهم “ عنك “ .
 سبب جرأة سحرة فرعون على قطع أيديهم وأرجلهم
 
- ألم يهدد فرعون اللعين السحرة بالعقاب في الحياة الدنيا قائلا لهم :
- لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ، ثم لأصلبنكم ، ولن أعفيكم من هذا العقاب .
 
1725 - وكان يظن أنهم لا يزالون “ مقيمين “ علي نفس الوهم والخوف والوسواس والظن .
- وأنهم كانوا يرتعدون فرقا وهلعا من الأوهام وتهديدات النفس .
- لم يكن يدري أنهم قد نجوا ، وجلسوا علي كوة نور القلب .
- وميزوا بين ظلالهم وذواتهم فهم مسرعون نشطاء متحملون مرحون .
- فلو أن هاون الفلك قد دقهم ومزقهم إلي مائة قطعة في موطن الطين هذا !

“ 161 “
 
1730 - ما داموا قد رأوا أصل هذا التركيب ، فقد قل خوفهم من فروع الوهم .
- فهذه الدنيا حلم فلا تتوقف علي “ الحلم “ والظن ، فإذا بترت يد في حلم فلا بأس .
- وإذا بترت رأسك في الحلم ، “ فاعلم “ أن عمرك طويل ، ورأسك “ الحقيقية “ لا تزال في مكانها .
- وإذا رأيت نفسك في النوم مشطورا إلي نصفين ، فأنت إذا قمت تقوم صحيح الجسد ولست بالسقيم .
- والخلاصة أن نقصان البدن في النوم لا خوف منه حتى وإن تمزق إلي مائتي قطعة .
 
1735 - لقد قال الرسول عليه السلام : إن هذه الدنيا الموجودة بصورتها هي حلم نائم ، وقد صدقت هذا علي سبيل التقليد .
- أما السالكون فقد رأوا هذا الأمر عيانا ، حتى وإن لم يخبرهم به الرسول .
- وأنت نائم في رابعة النهار ، لا تقل ليس هذا بنوم ، إن الظل فرع ولا أصل إلا ضوء القمر .
- فاعلم أيها السيد السنة أن نومك ويقظتك يشبهان ما يراه النائم الذي غرق في النوم .
- لقد ظن وقال علي سبيل هذا الظن : إنني نائم الآن ، وهو غافل عن أنه في النوم الثاني .
 
1740 - والفخاري إذا كسر الإناء ، هو نفسه الذي يستطيع أن يصلحه ثانية .
- والأعمي يخشي من البئر في كل خطوة ، ويسير في الطريق بخوف لا نهاية له “ 1 “ .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : مع مائة ألف من أنواع الخوف .
 
“ 162 “
 
- والبصير يري عرض الطريق ، فيعلم أين تكون الحفر وأين يكون البئر
- ولا ترتعد قدماه وركبتاه في كل لحظة ، فمتي يعبس بوجهه من كل هم “ يلم به “ .
- فاستيقظ يا فرعون ، فنحن لسنا من أولئك الذين يتوقفون من جراء كل صوت وكل “ غول “ .
 
1745 - ومزق خرقنا فالحائك موجود ، وإلا فإن العري أفضل بالنسبة لنا .
- عراةً نكونُ وهذا المعشوق إلي جوارنا ، وهذا أمر نحبذه أيها العدو الفاسد .
- وليس هناك أجمل من التجرد من الجسد ومن الطبيعة ، يا فرعون الأبلة عديم الإلهام .
 
شكوى البغل للجمل قائلا : إنني أسقط كثيرا في الطريق
وأنت لا تسقط إلا نادرا

- قال البغل للجمل : أيها الرفيق الطيب ، إنك في المرتفعات والمنخفضات والطريق شديدة الضيق .
- لا تسقط علي رأسك وتسير بيسر ، فكيف أسقط أنا علي رأسي كالغوي ؟
 
1750 - إنني أنكب علي وجهي كل ان ، سواء في الأرض اليابسة أو الأرض المرطوبة .
- فقل لي ما هو السبب ، حتى أعلم بدوري كيف ينبغي العيش ؟
- قال “ الجمل “ إن عيني أقوي إبصاراً من عينيك ، ثم إنها ناظرة من عل
- وعندما أصعد فوق جبل عال فإنني أري اخر العقبة منتبها .
- إذن : فالإله هو الذي فتح عيني علي كل مرتفعات الطريق ومنخفضاته .
 
“ 163 “
 
1755 - فأخطو كل خطوة بتوجيه من الرؤية ، وأنجو من العثار والسقوط .
- وأنت لا تري أمامك إلا بخطوة أو خطوتين ، إنك تري الحب ولا تري عناء الفخ .
- “ يستوي الأعمي لديكم والبصير في المقام والنزول والمسير “ “ 1 “ .
- وعندما يهب الله الجنين الحياة في البطن ، فإنه يخلق في مزاجه جذب الأشياء .
- فيجذب الأجزاء من الطعام ، وينسج بها سدي جسده ولحمته .
 
1760 - وحتى سن الأربعين جعله الله حريصا علي جذب الأشياء من أجل أن يتم النمو .
- لقد علم الروح جذب الأشياء ، فكيف لا يعلم الملك الفرد جذب الأشياء ؟
- إن شمس الوجود جامعة لهذه الذرات ، وتستطيع أن تجذب أجزاءك خطفا دون غذاء .
- ففي تلك اللحظة التي يستيقظ فيها من النوم ، يستدعي الوحي والإحساس الغائبين سريعاً .
- حتى تعلم أنه لا يغيب عنه ، وأنه يعود عندما يأمره قائلا : عد .
 
اجتماع أجزاء حمار عزير بعد تحللها وجمعها معا
وتركيبها بإذن الله أمام بصر عزير
 
1765 - هيا يا عزير : أنظر إلي حمارك الذي تحلل وتبعثرت أعضاؤه إلي جوارك .
- ولنجمع أجزاءه أمام بصرك ، رأسه وذيله ورجله .
- فلا يد لكنه “ سبحانه “ يضع الجزء فوق الجزء ، ويمنح الأشتات
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن الفارسي .
 
“ 164 “
 
الاجتماع .
- فانظر إلي صنعة الرتق ، فهو الذي يرتق الشيء المهترىء دون سم خياط .
- فلا خيط ولا سم خياط عند الرتق ، وهو يخيط بحيث لا يظهر الرفو .
 
1770 - افتح عينيك وانظر إلي الحشر عيانا ، حتى لا يبقي لديك شك في يوم الدين .
- وحتى تري كيف أجمع “ الأجزاء “ بشكل تام ، وحتى لا ترتعد عند الموت من الهم .
- فهو كما تكون عند النوم امنا ، من فوت كل أحاسيس البدن .
- ولا ترتعد خوفا علي حواسك عند النوم ، بالرغم من أنها تتحرك وتتفرق .
 
عدم جزع أحد المشايخ على موت أبنائه
 
- كان فيما مضي أحد الشيوخ المرشدين ، كان شمعا سماويا فوق الأرض .
 
1775 - كان كالرسول بين أمته ، فاتحا لأبواب روضه دار الجنان .
- قال الرسول إن الشيخ الواصل ، يكون كالنبي بين قومه .
- وذات صباح قالت له زوجته : كيف تكون قاسي القلب يا طيب السجايا .
- إننا من موت أبنائك ورحيلهم ، ننوح وقد انقصمت ظهورنا .
- فلماذا لا تبكي أنت ولا تنوح ؟ أتري قلبك لا تحل فيه الرحمة أيها العظيم ؟
 
1780 - وإذا كان باطنك خاليا من الرحمة ، فأي أمل يكون لنا فيك الآن ؟
- ونحن علي أمل فيك أيها المرشد ، ألا تتركنا في العدم .
- وعندما يزينون العرش يوم الحشر ، فأنت نفسك شفيعنا في هذا اليوم العصيب .
 
“ 165 “
 
- ونحن في مثل ذلك اليوم والليل الذين لا أمان فيهما “ نحيا “ علي رجاء إكرامك .
- فأيدينا وأطراف ثوبك في ذلك الزمان ، الذي لا يكون فيه لمجرم أمان أبدا .
 
1785 - لقد قال الرسول عليه السلام : متي أترك المجرمين يوم الحشر يذرفون الدموع .
- فسوف أكون شفيعا للعصاة بكل ما وسعني ، وذلك حتى أنجيهم من العذاب الأليم .
- فأنجي العصاة وأهل الكبائر بكل جهد ، من عقاب نقضهم للعهد .
- أما علماء أمتي فهم أنفسهم فارغون من شفاعات يوم العقاب .
- بل تكون لهم هم أنفسهم شفاعات ، وتجري أقوالهم كأنها الحكم النافذ .
 
1790 - ولا يزر وازر قط وزر اخر ، ولست بالوازر هكذا رفعني الإله .
- ومن هو بلا وزر شيخ أيها الشاب ، هو في قبول الحق كما يكون القوس في اليد .
- ومن هو الشيخ ؟ أهو كبير السن أشيب الشعر ، فاعرف معني هذا الشعر يا ذا الأمل الباطل ! !
- إن الشعر الأسود هو وجوده ، ومعني الشيب ألا يبقي من وجوده مقدار شعرة واحدة .
- وما لم يبق من وجوده شيء فهو شيخ ، ولو كان أسود الشعر أو أشمط .

“ 166 “
 
1795 - فذلك الشعر الأسود هو صفات البشرية ، وليس المقصود به شعر الرأس أو شعر اللحية .
- فعيسي في المهد أطلق النفير قائلا : إنني أنا الشيخ والمرشد وأنا لم أبلغ الصبا بعد .
- لكن “ المرء “ إذا تخلص من بعض أوصاف البشر ، لا يكون شيخا بل يكون كهلا يا بني .
- وعندما لا تبقي فيه شعرة واحدة مما وصفناه انفا ، فهو شيخ ومقبول من الله .
- وإذا كان أشيب الشعر وكان مع ذاته فهو ليس بشيخ وليس من خاصة الله
 
1800 - وإذا بقي من وصفه مقدار طرف شعرة، فهو ليس من العرش بل من الآفاق “1 “.
 
اعتذار الشيخ على عدم بكائه على أبنائه
 
- قال لها الشيخ : لا تظني أيتها الرفيقة ، أنني خال من الرحمة والحنان وليس لي قلب شفيق .
- فإننا نحس بالرحمة حتى بالنسبة لكل الكفار ، بالرغم من أن أرواحهم جميعا كافرة بالنعمة .
- وعلي الكلاب مني رحمة وعطاء ، و “ دوما أتساءل “ لماذا ترمي دائما بالحجارة عقابا ؟
- إنني أدعو لذلك الكلب العقور ، قائلا : يا إلهي خلصه من هذه الخصلة .
 
1805 - فَحُل أيضا بين هؤلاء الكلاب وبين التفكير في العقر ، بحيث لا يتعرضون للحجارة من الناس .
..............................................................
( 1 ) ج / 7 - 377 - ونحن كلنا علي رجاء منك ، وجامعو - فتات - مائدة إحسانك - لكن مع كل هذا أنت بلا شفقة ، فلماذا تخلو من الرأفة علي أولادك - أو ربما لا يرق قلبك ، حدثنا يا شيخ عن أحوالك .
 
“ 167 “
 
- ومن أجل هذا أتي بالأولياء إلي الأرض ، وذلك لكي يجعل منهم رحمة للعالمين .
- إنهم يدعون الناس إلي العتبة الخاصة ، ويدعون الحق قائلين اجعل الخلاص وافرا .
- وهم يقومون بكل جهدهم في الدنيا من أجل الوعظ ، وعندما لا تؤثر عظاتهم يدعون قائلين : يا إلهي لا تغلق الأبواب .
- إن الرحمة الجزئية إنما توهب للعوام ، لكن الرحمة الكلية تذهب لأهل الهمة .
 
1810 - ذلك لأن رحمتهم الجزئية قد اتصلت بالرحمة الكلية ، ورحمة البحر تكون هادية للسبل .
- فجاهد لتجعل الرحمة الجزئية لديك متصلة بالكلية ، وانظر إلي الرحمة الكلية هادية وامض في سبيلك .
- وما دام المرء جزئيا فهو لا يعرف طريق البحر ، وكل غدير يجعله من أشباه البحر .
- إنه يتصل بالبحر عندما يسلك الطريق إلي البحر كما يفعل السيل والنهر .
 
1815 - وإذا كان يقوم بالدعوة فهو يقوم بها علي سبيل التقليد ، لا من العيان والوعي والتأييد .
- قالت الزوجة : “ إذن ما دمت تشعر بالرحمة تجاه الجميع، وأنت كالراعي حول هذا القطيع.
- فكيف لا تنوح جزعا علي أولادك ، عندما يخزهم فصاد الأجل بمبضعه ؟
- وإذا كانت دموع العين علامة علي الرحمة ، فلماذا “ أري “ عينيك خاليتين من البكاء والدموع .
 
“ 168 “

- فالتفت إلي المرأة قائلا : أيتها العجوز، لا يكون “ زمهرير “شهر ديماه مثل هجير“تموز“.
 
1820 - فسواء - كانوا جميعا أحياء أو أمواتا ، متي كانوا - غائبين عن عين القلب .
- وما دمت أراهم عيانا أمامي ، فلا سبب لكي أصك الوجه وأخمشه مثلك ؟
- إنهم وإن كانوا خارج دوران الزمان ، فإنهم حولي يلعبون .
- والبكاء يكون من الهجر أو من الفراق ، لكني مع أعزائي في وصال وعناق .
- إن الناس يرونهم في النوم ، لكني لا زلت أراهم في اليقظة عيانا .
 
1825 - إنني أخفي نفسي برهة من الزمان عن هذه الدنيا ، وأنفض أوراق الحس عن شجرة ( الوجود ) .
- وكما يكون الحس أسير اللعقل يا هذي ، اعلمي أن العقل بدوره أسير للروح .
- وقد غلت الروح يد العقل وقيدتها ، وجعلته معتادا علي الأمور المحدودة .
- والأحاسيس والأفكار فوق الماء الصافي ، تكون كالقذي فوق سطح الماء 
- لكن يد العقل تزيح هذا القذي دفعة واحدة ، فيظهر الماء “ صافيا “ أمام العقل .
 
1830 - فالقذي يكون متراكما فوق الجدول كالحباب، وعندما يزاح القذي جانبا يظهر الماء.
- وعندما لا يفتح الله علي قدرة العقل ، فإن القذي يزداد من الجو فوق مائنا .

“ 169 “
 
- إنه يجعل الماء مختفيا لحظة بعد أخري ، ويكون الجو ضاحكا بينما يكون العقل باكيا .
- وعندما تقيد التقوي يد الهوي ، فإن الحق يفك الأغلال عن كلتا يدي العقل .
- فتصير الحواس الغالبة طوع أمرك ، ما دام العقل قد صار سيدا ومخدوما لك .
 
1835 - إنه يجعل الحواس في نوم دون أن يكون هناك نوم ، حتى تطل الغيوب من الروح .
- فتري الأحلام في اليقظة ، وتتفتح الأبواب من الفلك .

قصة قراءة الشيخ الضرير في المصحف وهو أمامه
وعودة إبصاره إليه وقت القراءة

- رأي ذلك الشيخ الفقير في الأيام السالفة ، مصحفا في منزل شيخ ضرير .
- كان ضيفا عليه في هجير أيام تموز واجتمع الزاهدان عدة أيام .
- فقال لنفسه : عجبا ؟ لماذا يوجد المصحف هنا ؟ ما دام هذا الدرويش الصادق ضريرا ! !
 
1840 - وزاد تفكرا من هذا التساؤل ، إذ لم يكن سواه في ذلك المكان رائح أو غاد .
- إنه وحيد وقد وضع مصحفا “ في صومعته “ ، وأنا لست بالمجترىء علي السؤال أو المختلط عليه .
- حتى أوجه إليه السؤال ، لا ، صمتا ولأصبر ، حتى أصل إلي مرادي بالصبر “ 1 “ .
- فصبر وظل فترة في حرج ، ثم انكشف له الأمر ، فالصبر مفتاح الفرج .
..............................................................
( 1 ) ج / 7 - 399 : فالصبر كنز فاصبر يا بني ، حتى نجد الشفاء من دائك القديم . والصبر هو الرائد لكشف كل سر ، والصبر مر لكن ثمرة حلو .
 
“ 170 “

صبر لقمان عندما رأى داود عليه السلام يصنع الحلقات عن سؤاله  
بنية أن الصبر عن السؤال يوجب الفرج

- ذهب لقمان نحو داود الصفاء ، فرآه يضع حلقات من الحديد .
 
1845 - كان يوصلها كلها ببعضها ، “ وكان يصنعها “ من الفولاذ ذلك الملك رفيع الشأن .
- لم يكن قد رأي صنعة الزراد إلا قليلا ، فظل متعجبا وزاد وسواسه .
- “ وأخذ يتساءل بينه وبين نفسه “ ماذا يمكن أن يكون هذا ؟ فلأسأله : ماذا تصنع بهذه الحلقات المتداخلة ؟
- ثم قال لنفسه : إن الصبر أولي ، فإن الصبر أسرع في إبلاغ المقصود .
- وعندما لا تسأل تتكشف لك الأمور سريعا ، وطائر الصبر أسرع في طيرانه من بقية الطيور .
 
1850 - وإن تسأل يتأخر المراد في الحصول ، والسهل دون صبر منك يصير صعبا .
- وعندما سلم لقمان الأمر وفي نفس اللحظ ، كان داود قد أتم ما يقوم بصنعه .
- كان قد صنع درعا ولبسه أمام لقمان الكريم الصبور .
- وقال له : هذا لباس جيد أيها الفتي ، فهو مانع للجراح في الحرب والوغي .
- فقال لقمان : إن الصبر أيضا درع طيب ، فهو ملاذ ودافع للحزن في كل مكان .
 
1855 - ولقد قرن الصبر بالحق أيضا يا فلان ، فاقرأ اخر “ والعصر “ بوعي .
 
“ 171 “
 
- لقد خلق الحق مئات الآلاف من أنواع الكيمياء، لكن الإنسان لم ير كيمياء أفضل من الصبر.

بقية حكاية الأعمى والمصحف

- فصبر الرجل الضيف ، وفجأة انكشف أمامه حل المشكل في لحظة .
- ففي منتصف الليل سمع صوت “ تلاوة “ القران ، فاستيقظ قافزا من النوم وشاهد تلك العجائب .
- كان الأعمي يقرأ من المصحف قراءة صحيحة ، فنفد صبره وسأله عن سر “ ذلك الحال “ .
 
1860 - وقال له : عجبا ، كيف وأنت ذو عين ضريرة تقرأ ؟ وكيف تري السطور ؟
- إنك تقع “ ببصرك “ علي ما تقرأ ، وتقع يدك علي كلماته ؟
- وأصبعك في حركتها “ علي السطور “ تبين أنك تركز بصرك علي الألفاظ ؟
- فأجابه : يا من صرت مفصولا من جهل الجسد ، هل تتعجب في هذا من صنع الله ؟
- لقد طلبت من الحق ودعوته قائلا : يا مستعان إنني حريص علي التلاوة حرصي علي الروح .
 
1865 - ولست بالحافظ فهب عيني نوراً عند القراءة بلا أشكال .
- ورد عليّ بصري عندما أحمل المصحف حتى أقرأ عيانا ؟
- فهتف بي هاتف من الحضرة قائلا : يا رجل العمل ، يا من أنت راجيا فينا عند كل ألم .
- إن عندك حسن الظن والأمل الحلو الذي يقول لك في كل لحظة ارتفع واسم .
- فعندما تريد أن تقرأ ، أو تحتاج إلى التلاوة من المصحف .
 
“ 172 “
 
1870 - سوف أرد عليك بصرك في تلك اللحظة ، حتى تقرأ يا أيها الجوهر العظيم .
- وهكذا حدث ، وكلما تفتحت المصحف ، وطفقت أقرأ .
- فإن ذلك العظيم الخبير الذي لا يغفل عن أمر ، وذلك الملك الكريم رب “ العباد “
- يهبني بصري ثانية ذلك المليك الفرد في نوره ، ويصبح كأنه مصباح الساري .
- ولهذا السبب لا يكون عند الولي اعتراض ، وذلك أن كل ما يأخذه “ الله “ يرسل عوضا عنه .
 
1875 - فإن احترقت حديقتك يهبك كرمة ، وفي قلب المأتم يهبك عرسا .
- فيعطي ذلك الأكتع الذي لا يد له يدا ، ويهب منجم الهموم قلبا سعيداً .
- لا ، إننا نسلم وقد ذهب عنا الاعتراض ، ما دام العوض يأتي عن هذا المفقود عظيما .
- وما دامت الحرارة تصل إلينا دون وجود نار فنحن راضون حتى ولو جذبتنا النيران “ 1 “ .
- وما دام يهبك نوراً دون مصباح ، فلماذا تجأر بالشكوي إذا ضاع مصباحك ؟

.
* * * 
شرح قصة انشغال عاشق بقراءة كتب العشق ومطالعة رسائل العشق ،
في حضور معشوقه ، وعدم استحسان المعشوق لذلك ،
طلب الدليل عند حضور المدلول قبيح والاشتغال بالعلم
بعد الوصول إلى المعلوم مذموم
( 1407 ) الحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت باختلافات يسيرة في محاضرات الراغب الأصفهاني وأغانى أبى الفرج الأصفهاني ( ماخذ 99 / 100 ) ، والعاشق الذي يقرأ رسالة في حضور المعشوق أشبه بالواصل الذي يجد في طلب علوم الظاهر ( انظر البيت 1402 ) ، وهذا يدل على أنه حتى من بين رجال الحق
 
“ 477 “
 
من يوجد في سيره نوع من الآفة والعيب ، فالعاشق الذي خلا من ألام العشق هو الذي يتوسل بألفاظ تتحدث عن هذه الآلام . والعين الجافة هي العلاقة الظاهرية بالمعشوق والماء الزلال ، هو حقيقة العشق : وفي البيت 1415 ترد المعشوقة : حسبك . . إن ما بيننا هو بعد المشرقين ، كما يبتعد البلغار عن مدينة قتو ( في التركستان ) ، إن العاشق إنما يريد المعشوق كله ، ولا يريد حالة واحدة من حالاته وإلا كان عاشقا لهذه الحالة والحكاية شبيهة ( في أجزاء ) بحكاية أوردها سنائى في الحديقة ( الترجمة العربية . . . الأبيات 4736 - 4750 وشرحها ( عن الذي نهرته محبوبته لأنه رأى خالا في وجهها ولم يكن قد رآه من قبل مع أنها مولودة به ) ، والحال لا يبقى ، فهو مؤقت ، يقلبه مقلب الأحوال ، إن ذلك الجزء الذي تعشقه كان لك ، وجئت تطلبه ولم يعد لك ، إنك لست طالبا لي بأجمعى ، والآن وليس لدى هذا الخال فأنا كمنزل للمعشوق بلا معشوق وكخزانة لا مال فيها .
 
( 1419 - 1426 ) انتهت الحكاية ، ويحدثنا مولانا في المعرفة والتمجيد للمعشوق الفرد الصمد الذي لا تطرأ عليه الأحوال فهو المبدأ والمنتهى ، وإذا وصلت إليه فلن يكون بعد الوصل فصل ، وسوف تراه مهما تبدلت أحوالك ، فهو ليس في حالة وهو مسلط عليها والزمان عبد له ، ويستطيع حتى من الهواجس المادية في داخلنا أن يبعث روحا باحثة عن الله ، فهو المنتهى لأنه لو طرأت عليه الأحوال لما استطاع أن يكون المنتهى ، والمحدود هو الذي ينتظر حتى يوجد الله تعالى فيه حالا ، والمقيم على الحال هو الإنسان الذي تطرأ عليه أحوال مختلفة بإرادة الحق .
 
( 1427 - 1436 ) كما أن هناك إنسانا متوقفا على الحال ، فمن بين سالكى الحق من هو صوفي يلزم الوقت الذي يأتيه فيه الحال ومن ثم يقال عليه “ ابن الوقت “ العارف ابن الوقت أي أن ظاهره تبع لباطنه وباطنه تبع للحق ، لأن الله
 
“ 478 “
 
سبحانه وتعالى هو الذي يحرك باطنه أو يسكنه فيتحرك ظاهره ويسكن ، وهذا كما يكون الماء في لون الكأس ، فهناك وقت يجب فيه على العارف السكون ووقت يجب عليه فيه الاضطراب والحركة ووقت ينبغي فيه أن يشكو ، وحينا يصبر وحينا يشكو ، وحينا يختلط بالناس وحينا يعتزلهم “ شرح التعرف 4 / 142 “ لكن هناك من هو في مرتبة أعلى فلا حاجة به إلى الوقت ، أو إلى الحال وهو “ الصافي “ من صافاه الحب فهو صاف ومن صافاه الحبيب فهو صوفي والصفاء طبع والتصوف تكلف ، وليست صفة الصفاء مرتبطة بالأعمال والأحوال ، بل الصفاء سمة الأحباب وهم شموس بلا سحاب ، فالصفاء صفة المحبين ، والمحب هو الفاني في صفائه والباقي في صفات محبوبه ، ( كشف المحجوب ترجمة 41 - 44 ) والحكاية التي رواها السبزواري ( ص 208 ) مناسبة في هذا المجال : التقى صوفي مع صافي فسألة الصافي في أي مقام أنت ؟ قال :
في مقام التوكل وبعد فترة التقى به فسأله في أي مقام ؟ قال : في مقام الصبر ، ثم لقيه فسألة في أي مقام فقال : في الرضا فقال : كل عمرك مشغول بنفسك وإصلاح نفسك فمتى تشغل بالله والمقصود عدم رؤية العمل لا عدم العمل فالسير في الله والسير إلى الله والسير من الله كلها مطلوبة ، والصافي هو الواصل المسيطر على أحواله ، ومن أنفاسه التي تشبه أنفاس المسيح هناك أحوال مختلفة تتوالى عليه بعزمه ، الذي تتوقف عليه أحوال الصوفية وأوقاتهم ، وليس هو مثل ذلك المذكور في الحكاية السابقة ، إنه لا يمكن أن يكون معشوقا للخليل الذي قال : “ لا أحب الآفلين “ ، إن هؤلاء المتوقفين على الأحوال أشبه “ ببرج القمر “ ( صورة برج القمر في علم الهيئة ) دون نور القمر ، والصوفي ينتظر الوقت ليغتنمه ، لكن الصافي غريق في نور الجلال ، وهو ليس ابن الوقت أو ابن شئ اخر ، إنه غريق النور الذي لم يلد ولم يولد فهو أزلي أبدى ليس محدودا بمكان أو زمان .


“ 479 “


 
( 1437 - 1450 ) يدور الحديث حول العشق الذي يجعلك غريقا في نور ذي الجلال وينسيك “ أنيتك “ ولا يجعلك عبدا للأحوال المختلفة ، وشخصية كل امرئ يمكن معرفتها من مطلوبه وهمته ( الهمة هي التوجه الباطني للسالك ، وللمراد أو الشيخ قدرته ونفوذه الباطني ) ، وجاف الشفة هو ذلك الذي ترى فيه علامات الحاجة إلى السير إلى الله ، ويراها مولانا في كل حركات العبد في السير إلى الله ( انظر الأبيات 979 وما بعدها ) وفي مقابل السعي هناك الجذب ، السعي جالب للجذب لا محالة :
إذا كان الظمأى يبحثون عن الماء * فالماء يبحث عن الظمأى في العالم ( الكتاب الأول / بيت 171 ) وهذا الطلب هو الذي يقضى على كل مانع في الطريق ، والآلة في البيت 1446 مقصود بها الاستعداد الروحي من أجل سلوك الطريق وربما يقصد بها المرشد أيضا ، فلا حاجة في أمور الحق إلى الأسباب والعلل ، إن لم يكن لديك الة فابحث عن طلاب الحق والزمهم ومهما رأيت في نفسك من عدم جدارة أو استحقاق لو سلكت طريق الحق ، تستطيع أن تكون رفيق طريق رجال الحق ، فالنملة وجدت الطريق إلى حضرة سليمان عليه السلام والمعنى في ( سورة النمل / 18 - 19 ) .
 
( 1451 ) الحكاية التي تبدأ هنا من قصص القران ووردت في التفاسير المختلفة كما وردت في قصص الأنبياء للثعلبي ( ص 234 ) وفي تفسير أبى الفتوح الرازي ( ماخذ / 100 - 101 ) وواضح عند المقارنة بين الأصل وتناول مولانا جلال الدين أن مولانا لم يكن يأخذ من القصة إلا الجزء الخاص بالحادثة فيها ثم يضيف ويحذف بما ينفق مع هدفه في إرشاد السالكين والمريدين ، وتناول المعاني الصوفية العرفانية . . . والنبي داود عليه السلام هنا رمز للشيخ


“ 480 “
 
المراد ، والكسول الذي كان يريد رزقا بلا سعى رمز للمريد الذي أسلم نفسه لله دون ألة أو عدة أو استعداد ، اللهم إلا الإلحاح والضراعة في الدعاء وعن أبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنهما قال : إني أجدني أمقت الرجل يتعذر عليه المكاسب فيستلقى على قفاه ويقول : اللهم ارزقني ويدع أن ينتشر في الأرض ويلتمس من فضل الله والذرة تخرج من جحرها تلتمس رزقها . ( جعفري 7 / 179 ) ( 1475 ) المقصود أن نوره من نور الله لا من جهة الشرق أو من جهة الغرب ولذلك فهو في كل الجهات .
 
( 1485 ) حديث إن الله يحب الملحين في الدعاء ( الجامع الصغير 1 / 75 - البيهقي في شعب الإيمان ) .
 
( 1491 ) يترك مولانا استرساله في الحكاية ويجيب سائلا يستحثه في إتمام الحكاية وهل بيده أن يكمل الحكاية ؟ إن الحكاية ( العمل الفنى - العمل الأدبي ) كالجنين لا بد أن يأخذ دورته المحتومة لكي يولد . وهكذا كان مولانا يعتبر العمل الأدبي والفنى مخاضا وولادة معنوية قبل أن يشيع هذا التعبير بقرون ( انظر أيضا الكتاب الثاني - بيت 1 وشروحه ) هذا الجذب متأثر بإلهام الله سبحانه وتعالى مسير بقدرته ، ويتجه مولانا إلى الله تعالى طالبا منه العون . فهو قادر على أن يجعل لسانه يجرى بالنظم ، كقدرته على جعل الجماد مسبحا ( انظر تعليقات الأبيات 1013 - 1028 ) وليس بمستبعد أن ينكر الإنسان تسبيح الجماد ، وكل إنسان ينكر تسبيح الإنسان نفسه إذا لم يكن على مذهبه . مع أن التسبيح مهما اختلفت أشكاله وألفاظه موجه إلى ذات عليا واحدة هي الله سبحانه وتعالى . فالسنى والجبري مسبحان . لكن كلاهما ينكر تسبيح الآخر ، وكلاهما ينكر على الآخر أن يقوم ملبيا أمر الله تعالى لنبيه بأن “ قم “ ( سورة المدثر ) . وما هذا الخلاف إلا لكي يظهر الله سبحانه وتعالى حقيقة كل منهم ،
 
“ 481 “
 
فالله سبحانه وتعالى يضع القهر في صورة اللطف واللطف في صورة القهر امتحانا لعباده ، والناس يرون القهر قهرا واللطف لطفا ، اللهم إلا أولئك الذين وضع الله في قلوبهم محقا ربانيا ، أما أولئك الذين يسيرون على الظن فكأنهم طائر يطير نحو عشه بجناح واحد ماله الضلال والسقوط .
 
( 1511 - 1522 ) العلم المقصود هنا هو العلم الإلهى ، وفي مقابله يستخدم مولانا الظن والوهم وما إليها ، ومقصوده منها العلم الظاهري وأبحاث علماء الدرس الذين يسميهم أهل الحس أيضا ، وعلم أهل الحق متصل بالحق ومن ثم فهو قرين باليقين . وهو يقصد بهذه الأبيات أنه بعلوم هذه الدنيا أو علوم أهل الحس أو العلوم التقليدية والمدرسية غالبا ما يقع الإنسان في الظن والوهم ولا يصل إلى الحقيقة أو إلى الراحة التي تبعثها الحقيقة ( انظر المقلد والمحقق الأبيات 491 - 496 الكتاب الثاني ) وفي البيت 1515 يشير مولانا إلى الآية الكريمةأَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ( الملك / 22 ) .
 
وفي البيت التالي يقصد بالقال والقيل الجدل الموجود بين الفرق المختلفة . وفي الأبيات التالية يصف الإنسان الذي يصل إلى مرتبة التيقن : لا يغره الثناء ولا يؤيسه الذم ، إنه نسيج وحده ، لا يطير خلف كل ناعق ، ولا يهمه إن كان وحيدا في يقينه حتى وإن كان العالم كله على نقيضه ولا يؤمن بما يؤمن به . وهو أيضا لا يمرض بالوهم بطعن الطاعنين والبيت تمهيد للحكاية التالية .
 
( 1523 ) شخصية مريض الوهم من الشخصيات التي يقال إن الذي أدخلها إلى الأدب العالمي هو موليير في مسرحيته التي تحمل هذا الاسم ، لكن مريض الوهم الذي يقدمه مولانا جلال الدين أقدم من مريض موليير بقرون ، والقصة وردت مثلها في عيون الأخبار وألف ليلة وليلة وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ( ماخذ / 101 ) وفيها يتجلى فن مولانا في نسج القصة وحبكها ، ومن ثم فمثل كثير من القصص التي وردت في المثنوى أصبحت بعده جزءا من التراث
  
“ 482 “
 
الشعبي كمثل من الأمثال الشعبية يعتمد على هذه الحكاية ، يضرب لمريض الوهم الذي يظهر من التفجع ما يفوق مرضه فيقال له “ اخوند بدنباشى أو ملا بيمار مكن “ أي لا بأس عليك يا شيخ “ أو “ لا تجعل الملا مريضا “ ( انظر داستانهاى أمثال 13 و 421 ) والمعلم هنا نموذج لفاقد اليقين الذي يقع في الوهم والظن من كلام هذا وذاك .
 
( 1538 - 1539 ) تتفاوت العقول كما تتفاوت الصور ، والشطرة الثانية من البيت 1539 فيها إشارة إلى كلام منسوب إلى الإمام علي عليه السلام : تكلموا تعرفوا فإن المرء مخبوء تحت لسانه “ ويروى في بعض المصادر كحديث نبوي شريف ( استعلامى 3 / 287 ) . كما ينقل جلبنارلى ( 3 / 243 ) بعض الأحاديث الآخرى منها “ الجمال في الرجل اللسان “ .
 
( 1540 - 1546 ) غالبا ما يناقش مولانا المعتزلة ، وهو أقرب في فكره الكلامي إلى الأشاعرة ( مثل سنائى والعطار ) وقد مرت مناقشته لتأويلهم لتسبيح الجماد ، وناقشهم في الكتاب الثاني في مسألة رؤية الله تعالى بالأبصار وهنا يناقض قول المعتزلة في تساوى العقول ، ثم تفاوتها بتأثير التعليم والإرشاد ، ويرى مولانا أن كل الفضائل تنبعث من تأثير الأنبياء والأولياء كتجل للعناية الإلهية ، ومن هنا يرى أن اختلاف العقول موجود في الأصل وفي الجبلة ، فذكاء طفل المكتب أكثر ذكاء من كل أقرانه ، ويكاد رأى مولانا جلال الدين يكون مشهودا ، فما من مدرسة أو فصل واحد إلا وفيه الجاهل والعالم والذكي والخامل ، ومن هنا ، يخلص أن الذكاء الفطري أكثر أهمية من الذكاء الحاصل عن التعليم ، وفي البيت التالي يصف أهل المدرسة بأعرج يحاول أن يعدو .
 
( 1556 - 1562 ) في خلال القصة يعرج مولانا على نموذج لمريض اخر بالوهم ، إنه فرعون الذي أدى الألوهية من تعظيم الخلق له ( وكم من فرعون
 
“ 483 “
 
ينفخ فيه من حوله ! ) ، فالعقل الجزئي ( عقل البشر ) لأنه محدود في معرفته الحياة المادية مأخوذ بالوهم والظن . فهو نابع من ظلمات النفس والحس ، وخوف الوهم ، والوهم يولد الخوف . وانظر إلى الصورة فالذي يمشى على جدار عال عرضة للسقوط مهما كان الجدار عريضا ، لأن الخوف من السقوط موجود ، بينما يكون السائر على الأرض - الواقف على أرض صلبة متماسكة - امنا لو كان عرض الطريق نصف ذراع و ( 1580 ) مأخوذ من حديث منسوب إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلم : لا تمارضوا فتمرضوا ولا تحفروا قبوركم فتموتوا ( استعلامى 3 / 288 ) .
 
( 1606 - 1611 ) يترك مولانا القصة عندما يذكر الشيخ أنه كان منهمكا في القيل والقال وغافلا عن هذا الألم الموجود في داخله . وهكذا يرى مولانا أن الانشغال بالظاهر قد يجعل الإنسان يغيب عما يمكن أن يجرى له : فنسوة مصر قطعن أيديهن من النظر إلى يوسف عليه السلام ( يوسف 31 ) والمقاتل قد ينهمك في القتال دون أن يحس أن عضوا منه قد جرح .
 
( 1612 - 1615 ) يتحدث مولانا عن الجانب الباطني للوجود . وليس الجسم إلا رداء وغطاء للوجود الحقيقي ، ومن البله التعلق هكذا بالظاهر ( فما بالك بمن يتعلق بظاهر الظاهر أي بما يوضع على الجسم ) وأولى بالروح ذكر الله تعالى ، وفي البيت التالي يبرهن على فكرته بأنك ترى في النوم أنك تسعى بقدميك وتستخدم يديك ، في حين أن قدميك ، ويديك اللتين تعتبرهما حقيقتين - موجودتان في الفراش ، وإذا كنت هكذا وبدنك نائم تمتلك البدن فلماذا تعتبر إذن أن الموت هو موت البدن وتخشاه ؟
 
( 1616 - 1617 ) الحديث القدسي المروى في العنوان الذي يسبق هذين البيتين “ أنا جليس من ذكرني وأنيس من استأنس بي “ أصله موجود في الإتحافات السنية في الأحاديث القدسية : “ أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت
  
“ 484 “
 
شفتاه “ ويقول جعفري ( 7 / 336 ) أن مضمون العنوان راجع إلى خطبة لعلى رضي الله عنه في نهج البلاغة : اللهم إنك انس الآنسين لأوليائك وأحضرهم بالكفاية للمتوكلين عليك تشاهدهم في سرائرهم وتطلع عليهم في ضمائرهم وتعلم مبلغ بصائرهم ، فأسرارهم لك مكشوفة وقلوبهم إليك ملهوفة إن أوحشتهم الغربة انسهم ذكرك وإن صبت عليهم المصائب صبا لجأوا إلى الاستجارة بك علما بأن أزمة الأمور بيدك ومصادرها عن قضائك . كما أن البيت المذكور قبل البيت 1616 ليس في المثنوى وإنما هو من المنسوب للشاعر الصوفي الفارسي أبي سعيد بن أبي الخير . . . والمقصود بالحديث هنا الصوفي أبو الخير عباد بن عبد الله التيناتى الأقطع النيسابوري في بعض المصادر ، ويخلط صاحب المنهج بينه وبين صوفي اخر ورد في مقالات شمس الدين التبريزي ، ومن شيوخه هو أبو بكر سله باف التبريزي ، ( 134 ) وربما حدث هذا الخلط لأن مولانا نفسه نسج من حياة الشيخين حياة واحدة . وماذا في ذلك والأولياء كلهم كنفس واحدة وإن كان قد ذكر أيضا أن أبا الخير الأقطع كان يجدل السلال بيدين وأن الله كان يرد له يده المقطوعة عند قيامه بعمله كما سنرى .
وذكر العطار أنه نقل حكايته رواية عنه ( توفى أبو الخير بعد سنة 345 هـ
- بينما توفى العطار كما يقال في غزوة المغول سنة 616 هـ - ) ( ! ! )
على كل ينقل العطار عنه حكاية لا بأس بها فحواها أنه حدث ذات يوم أن ملكا كان يمر بجوار جبل وكان يعطى كل فقير دينارا وأخذ أبو الخير الدينار بظهر يده وألقى به ، وبعد ذلك قرأ القران ذات يوم دون أن يتوضأ ، في ذات يوم فقدت أموال في سوق المدينة واتهموا جماعة من الدراويش ومن بينهم أبو الخير ، وأقاموا الحد عليه وقطعوا يده وهو يقول : هذه اليد التي لمست أموال العسكر وحملت القران دون وضوء مستحقة للقطع . وكان يقول لامرأته وهي تنوح : ليتهم قطعوا هذا القلب ( تذكرة الأولياء للعطار أوفست عن ليدن 549 ) والحكاية عند مولانا جلال الدين
 
“ 485 “
 
أقرب إلى ما رواه ابن الجوزي في تلبيس إبليس ( ص 312 - ص 314 ) وواضح أن مولانا يركز في الحكاية على بعض الجزئيات التي تخدم الهدف من قصها .
وبعد البيتين 1616 - 1617 يترك مولانا الحكاية حتى البيت رقم 1636 ( 1618 - 1625 ) كل إنسان له ميله الخاص في الحياة ، ولقد خلق الله كل إنسان لعمل ، ويسره لهذا العمل “ اعملوا فكل ميسر لما خلق له “ ( 1622 ) :
ترجمت طائر “ الهما “ وهو طائر خرافي ورد في الأساطير الفارسية بطائر البُلَح ( بضم الباء وفتح اللام ) متابعة للزمخشري في أساس البلاغة ( ج 1 ص 61 ) والمقصود بالبيت أنك إذا كنت منبتا عن الأرض وكل ميلك نحو رجال الحق ونحو الأعمال الروحانية فإنك سوف تستطيع أن تصل إلى أعلى ما يحلق إليه طائر البُلَح ، وأن تتفوق على ملوك الأرض ، وفكر في المنتهى ، في حضرة الحق .
 
( 1626 ) الحكاية هنا فيما يرى استعلامى من الحكايات الشائعة في زمن مولانا ( 3 / 290 ) والواقع أنها من التراث الشعبي إذ يوجد مثيل لها في الأدب الشعبي المصري ويقصد أن الذكي يرى عواقب الأمور وهي لا تزال في بداياتها .
 
( 1636 - 1642 ) يواصل مولانا حكاية أبى الخير الأقطع ، ومن الواضح أن ما ورد هنا غير متطابق مع ما يروى عن قصة أبى الخير الأقطع ، وهو يتصل بعهد أخذه أبو الخير الأقطع على نفسه ، وهو عهد يبدو فيه أنه شق على نفسه ، و “ تنطع “ مع الله تعالى ، وهذا الجزء من الحكاية الخاص بالعهد ورد في شأن كثير من الصوفية الذين عاهدوا على أمور غير طبيعية ، ومن ثم فقد لحق بهم الامتحان الإلهى ، ذلك أنهم تركوا الاستثناء ، أي قولهم : “ إن شاء الله “ واعترفوا بالقوة والحول لأنفسهم دون استمداد من قوة الله تعالى ومن حوله ( انظر الأبيات 48 - 50 من الكتاب الأول ) فالله تعالى يحول القلوب كل لحظة ، وهو مقلبها ومحولهاكُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ( الرحمن / 29 ) .


“ 486 “
 
( 1643 - 1651 ) في هذه الأبيات إشارة إلى حديث نبوي “ إن هذا القلب كريشة بفلاة من الأرض يقلبها الريح ظهرا لبطن “ وحديث آخر هو “ لقلب ابن ادم أشبه انقلابا من القدر إذا اجتمعت غليا “ ( استعلامى 3 / 291 ) و “ شرح الأنقروى 3 / 266 - مولوى 3 / 231 “ والمقصود أن غليان القدر ليس منه بل من شئ اخر . إن رغائب القلب ليست نابعة منه لكنها نابعة من المشيئة الإلهية التي تجعل غزل الإنسان أنكاثا ، وقوة قضاء الحق هي التي تجعل كل نواياك بددا ، ولا سبيل إلا الاستثناء ، أي قول إن شاء الله .
 
( 1652 - 1672 ) ابن العظيم الحافي العاري الذي سقط في حب بغى فأفلسته وحطمته هو الإنسان ابن الخليفة الذي سقط في حب الدنيا فذرت كل تراثه الروحي ومكامن عظمته أدراج الرياح . إنه يطلب الدعاء من أهل الحق قائلا :
أدعو حتى يخلصني الله من هذا القيد . وتنظر إليه فلا تجد قيدا على قدميه أو على يديه . فأين إذن هذا القيد : انه قيد قضاء الحق الثقيل الذي يعجز كل حدادى العالم عن تحطيمه ، إنه قيد معنوي لا يتحطم إلا بهمة رجال الحق إذ لا يراه سواهم وهم أطباء القلوب . وزعيم أطباء القلوب هو محمد صلّى اللّه عليه وسلم إذ إنه هو وحده الذي رأى الحبل في جيد زوجة أبى لهبوَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ( 4 - 5 المسد ) فمتى كانت زوجة أبى لهب المنعمة المدللة تحمل الحطب ومن رأى سواه صلّى اللّه عليه وسلم الحبل على جيدها ؟ إنه هو الذي يستطيع أن يرى الأمراض المعنوية التي لا تنبىء منها هيئة المريض أو مظهره ، لم ير أحد الحبل فأولوا السورة - يقول يوسف ابن أحمد “ وأولوا سورة المسد بأنها تقصد جنون امرأة أبى لهب ، فلا يعقل وهي ابنة العز والحسب أن تحمل الحطب ، فأولوه بأنها تحمل حطب الأوزار وحطب النميمة التي تشعل نار الفتنة . . ولم يعلموا أن حملها للحطب حقيقة ومجاز ، وفي تفسير نجم الدين كبرى : في عنق كبرها حبل من ذلة فهو حبل معنوي ، وفسر نجم الدين ابن الداية ( امرأته حمالة
 
“ 487 “
  
الحطب ) أي الهوى المؤذى في أهل خاطر الهوى ( مولوى 3 / 233 - 234 ) وغضب الله عندما يحط على إنسان - والعياذ بالله - يكون دائم الشكوى وهو لا يعاني شيئا في الظاهر ، وغالبا ما يتعجب إنسان : مالفلان هذا دائم الشكوى وهو لا يعاني شيئا في الظاهر ، فلا هو يشكو مرضا في البدن أو نقصا في المال . . . لكنها القيود الربانية التي توضع حول النفس العاصية وتجعلها دائمة الشكوى . إن الذي يرى العلامات الباطنة هو رجل الحق ، والمصطفى صلّى اللّه عليه وسلم رأى الحبل ولم يره سواه . وهو الذي يعرف الشقي من السعيد لكنه لا يكشف سرا لذي الجلال .
 
( 1673 - 1701 ) يعود مولانا إلى قصة أبى الخير الأقطع : لقد مرت خمسة أيام وبلغ به الجوع مبلغه . وهذا أول امتحان من الله . فهذا الصوفي المنقطع جاع بعد خمسة أيام فقط في حين أن غيره من الصوفية كانوا يطوون ( يصومون صوما متواصلا ) أربعين يوما . فما باله لم يصبر سوى هذه الفترة ؟ لقد كان عهده جرأة ولم يكن يحسب فيه حساب المشيئة ، ولم يلبث الامتحان الثاني والعقاب الإلهى أن وصل إليه ، وهنا يختلف مولانا في رواية القصة عن منابعها ، فها هو في الجبل ويصل جماعة من اللصوص يقسمون المسروقات ، “ ويكبس “ عليهم الشرطة بعد بلاغ من أحد المخبرين ، “ ويقبض على أبى الخير وهو لا يتكلم ولا يدافع عن نفسه ، فهو يعلم الدرس جيدا ، وبعد أن تقطع يده ، يمد رجله لقطعها “ حد الحرابة “ فيصل فارس ( لعله من رجال الغيب ) وينقذ قدم الشيخ في اخر لحظة . ويقدم مولانا الدرس المستفاد على لسان الأقطع نفسه وهو يرد على اعتذار الوالي ( المقصود بالطبع رئيس الشرطة ) ويجعله في حل من يده : لقد نكث بالعهد ولم يحافظ على عهده أمام الله . . فأمرت محكمته بقطع يمينه . إنه شؤم الجرأة لقد رأى لنفسه حولا وطولا ولم يذكر حول الله وقوته ومن ثم فكل شئ فداء لحكم الحبيب . إن مولانا يقدم درسا في الأدب
 
“ 488 “
 
على لسان أبى الخير طالما قدمه الصوفية . قال الشبلي ذات مرة بين يدي الجنيد : لا حول ولا قوة إلا بالله . فقال له الجنيد : هذا ضيق صدر وضيق الصدر إنما يكون من عدم الرضا بالقضاء ، وقيل لرابعة : متى يكون العبد راضيا فقالت : إذا سرته المصيبة كما تسره النعمة ( مولوى 3 / 237 ) ويسوق مولانا تعليقه هو اخذا الأمثلة من الحياة التي تحيط به : هذا هو الطائر يحلق عاليا لكن طمعه في الحب يجعله يسقط في الشراك ، وطائر اخر مغرد يسقط في قفص الأسر من جراء طمعه ، والسمكة في أعماق الماء يأخذها الشص لحرصها وطمعها ، والسيدة العفيفة في حجابها قد تنهار وتبيع جسدها من جراء شهوة الفرج وشهوة الحلق . والقاضي العالم الحبر حسن السمعة قد يرتشى طمعا ويفتضح ، ولماذا نبتعد أليس هاروت وماروت قد حرما من ملكوت السماء من جراء الشهوة ؟ ( انظر شروح 471 و 797 ) .
 
( 1702 - 1704 ) الرواية الواردة عن أبي يزيد البسطامي هنا وردت في تذكرة الأولياء ص 184 ( 1707 - 7221 ) ذكر ياقوت الحموي عند حديثه عن بلدة تينات أن بها أبا الخير التينانى وهو يفعل بيد واحدة ما لا يمكن القيام به إلا بيدين ، لكن في كثير من مصادر الصوفية - ومن بينها هذه الأبيات - أن الله كان يرد إليه يده وقت العمل ، وبالطبع هذا أكثر مناسبة للمذاق الصوفي ، كان أبو الخير يخفى هذه الكرامة ، لكن الناس اطلعوا عليها ، فناجى ربه : يا إلهي إنك أنت الذي تعلن ويجيب الحق : إن هذا لكيلا يسئ الناس الظن بالحق . وحتى لا يردوا قانطين عن الأعتاب الإلهية . وإلا فبالنسبة لك تستوى الأمور ، فإن ضياع البدن لا يعنى عندك شيئا .
 
( 1723 - 1734 ) إن هذا هو السبب الذي لم يخف سحرة فرعون ( الذين امنوا بموسى ) من تهديد فرعون لهم بقطع أجسادهم ، كانوا قد تحرروا من
 
“ 489 “
  
الخوف وعرفوا القيمة الحقيقية للجسد ، إنه مجرد ظل وإن الوجود الحقيقي لله ، وإنه إذا انتفى الظل أصبح الطريق إلى الوجود الحقيقي مفتوحا ، فكان ما يعتبره فرعون موتا هو بالنسبة لهم حياة ، وما يعتبره هلاكا هو بالنسبة لهم وجود ونجاة ، إن اليد التي تبتر هنا إنما تبتر في حلم ما دامت الدنيا حلما ، ولا ضير إن بترت اليد في حلم فإنك إذا استيقظت سوف تجد يدك في مكانها ، بل إن الحلم ليدل على عكسه تماما ، فإن قطعت ( في سبيل الله بالطبع ) في هذه الدنيا . .
فتأويل ذلك أن عمرك خالد طويل ، وأنك في أتم صحة ( روحانية ) .
 
( 1735 - 1739 ) عن جابر قال : كنت مع النبي صلّى اللّه عليه وسلم إذا أتاه رجل أبيض الوجه فقال : يا رسول الله ما الدنيا ؟ قال عليه السلام : حلم النائم . فقال : كم ما بين الدنيا والآخرة ؟ قال عليه السلام : غمضة عين . فقال : كم القرار فيها .
قال عليه السلام : قدر التخلف عن القافلة . ثم ذهب الرجل فقال عليه السلام :
هذا جبريل أتاكم يزهدكم في دنياكم ( مولوى 3 / 242 ) ويقول جلبنارلى ( 3 / 245 ) أن المعنى ناظر إلى قول منسوب إلى علي رضي الله عنه “ الدنيا حلم والآخرة يقظة ونحن بينهما أضغاث أحلام “ يقول مولانا : لقد قبلت هذا القول على سبيل التقليد لكن أهل الله يرونه على سبيل التحقيق ، وحتى حياتنا عند اليقظة هي حياة على سبيل النوم . وعندما تنام تقول ها أنا سأذهب لأنام وأنت غافل عن أنك في النوم الثاني : فالنوم الأول هو حياتك في غفلة أما النوم الثاني فهو النوم البدني ، إنك تدرك معنى النوم الثاني عندما تدرك النوم الأول ، ويكون مطلعا على كل أعمالك خلال هذا النوم .
 
( 1740 - 1747 ) الفخارى هنا كناية عن الحق سبحانه وتعالى ، وهو الذي يستطيع أن يجبر كل كسورنا ويستر عوراتنا ، والأعمى هو الذي لا يملك البصيرة ويخشى من مشكلات الدنيا ويجعلها كل همه ومبلغ علمه ، أما رجل الحق فهو العالم بالطريق والعالم بحفره . . ومن ثم فهو مستبشر بالله تعالى .
  
“ 490 “ 
 
ويعود مولانا إلى الحديث على لسان السحرة : والمراد بتمزيق الخرقة تمزيق الجسد والعرى من الجسد أفضل فهو انطلاقه الروح من سجنها ، فالروح تحتضن المحبوب في عريها ، ومن الأفضل أن تكون بلا لباس والتحرير من المزاج والطبيعة أي التحرير من الجسد ومن الانشغال بنشاطه الفسيولوجى وهذه هي الحرية الحقيقة .
 
( 1748 - 1764 ) المثال الوارد هنا ورد بنصه في مقالات شمس الدين التبريزي في ثلاثة مواضع : ص 44 ، وص 241 وص 327 . . فالبغل كناية عن أعمى البصيرة المذكور فيما سبق ، والجمل رمز لمن يستشرف الدنيا من عل وهو الشيخ كامل النظر . ثم يتحدث مولانا عن أصحاب الرؤية الاستشراقية من ذوى البصيرة ، وفي البيت 1757 يشير مولانا إلى الآية الكريمةقُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَ فَلا تَتَفَكَّرُونَ( الأنعام / 50 ) ويعود إلى مثال الجنين : لقد علمه الله في مقامه هذا كيف يجذب غذاءه . ثم يظل مع الإنسان يعلمه جذب الأشياء فكيف لا يعلم الروح أيضا جذب الأشياء ، أليست الروح تتغذى كما يتغذى الجسد ؟ فكيف يهتم الله سبحانه وتعالى بالجسد وهو عارية ولا يهتم بالروح وهي الأصل ؟ ، بل إن الحق جامع لذرات هذا العالم . وهو الذي يرتق وجود الخليقة بهذه الذرات . ويستطيع ثانية أن يضمها إليه . ألست ترى هذا يحدث لك كل يوم عند النوم : أنت ترى أن كل إحساساتك تسلب منك عند النوم وعندما تستيقظ تستدعيها ثانية لتعود إليك . فكيف تشك أنها تضيع في النوم الأبدي ؟ أليس بقادر على أن يعيدها مرة ثانية ؟
 
( 1765 - 1773 ) لقد ضرب الله المثال على هذا بوضوح أكثر ودون لبس وراه غيرك بعين الحس ، فلماذا لا تراه أنت بعين الروح ؟أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ
 
“ 491 “
 
فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ( البقرة / 259 ) والقصة وردت باسم عزيز في قصص الأنبياء وفي البيتين 1772 - 1773 : يخاطب الحق عزيزاً لقد بينت لك هذا حتى تفهم فلا تخشى الموت وتعلم أنه كالنوم ، فمتى نقص بدنك من النوم ؟ .
 
( 1774 - 1790 ) يواصل مولانا الأمثلة والحكايات حول هذه الفكرة :
والحكاية المذكورة لها أشباه كثيرة في سير الصوفية ، فقد وردت في “ حلية الأولياء “ و “ الرسالة القشيرية “ و “ تذكرة الأولياء “ ، وفي المصدر الأخير ذكرت في موضعين الموضع الأول حكاية عن الفضيل بن عياض ، وأنه لم ير مبتسما إلا يوم أن مات له ولد ، والموضع الثاني حكاية عن ابن عطاء ، وكيف أن قطاع الطرق قد وقعوا عليه ومعه أبناؤه العشرة ، فأخذ اللصوص في قتل أبنائه وهو ينظر إلى السماء ويبتسم ، فعيره الابن العاشر بعدم شفقته وقسوة قلبه .
فقال له : إن من يفعل هذا لا يمكن الاعتراض عليه فهو يعلم ويرى ويستطيع .
ولو يشاء لحفظهم جميعا ( ماخذ / 105 - 106 ) وواضح أن مولانا وفق بين الحكايتين في حكاية واحدة . وفي البيت 1776 العبارة المذكورة على أساس أنها حديث نبوي ذكرت في كثير من المراجع على أساس أنها من مأثورات الصوفية
 
( استعلامى 3 / 297 ) أما البيت 1785 فهو إشارة إلى الحديث النبوي “ شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي “ ( ينظر شرح التعرف ج 2 ص 11 وما بعدها ) وفي رواية أخرى : أترونها للمطيعين ؟ لا بل هي لأصحاب الدماء والعظائم المتلوثين بالذنوب ، وقوله عليه السلام : وإني اختبأت شفاعتي لأمتي ، وتمام هذا الخبر أن الرسول قال : لكل نبي دعوة مستجابة واختبأت دعوتي لأمتي ، وعن عائشة الصديقة رضي الله عنها قلت لرسول الله صلّى اللّه عليه وسلم : أين أطلبك يا رسول الله ؟ ، قال : عند الحوض أسقى أمتي ، قلت : فإن لم أجدك ؟ قال : عند


“ 492 “
 
الميزان أثقل ميزان أمتي ، قلت : فإن لم أجدك ؟ قال : عند الصراط أقول رب سلم رب سلم ، قلت : فإن لم أجدك ؟ : قال : لا أخلو من هذه المواطن الثلاثة ما بقي من أمتي واحد . وشفاعة الرسول في كل موضع أما الشفاعة الكبرى فهي أن الناس عندما يخرجون من القبور يقفون أمامها ألف عام يتشفعون بالرسل فلا يرد عليهم أحد فيأتون محمدا عليه السلام وهو قدام العرش فيخر ساجدا فيقال : يا محمد ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع - ( ص 115 ج 2 شرح التعرف ) . ويعلق صاحب مناقب العارفين : عندما يكون السيف المهند قاطعا في غمده فقس أنت عليه عندما يُسّل ( 1 / 356 ) وفي البيت 1789 : صلحاء أمتي لا يحتاجون لشفاعتى ، وإنما لهم شفاعة في المذنبين ( استعلامى 3 / 298 )
وفي البيت 1790 : الشطرة الأولى إشارة إلى الآية الكريمة :وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى *( الأنعام / 164 ) والشطرة الثانية إشارة إلى الآية الكريمة :وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ( الشرح / 2 ) .
 
( 1791 - 1800 ) من كل ما سبق من إشارات قرانية ونبوية يشير مولانا : إن الذي لا وزر عليه هو “ الشيخ “ وكأنه قوس انطلق من يد الحق : إنه ليس شيخا بمعنى أنه أشيب الشعر ، بل بمعنى أنه لم يبق فيه مثقال شعرة من التعلق بالدنيا والأمل بالباطل هو المؤمل في الدنيا . ولا علاقة للمشيخة بالعمر .
فعيسى عليه السلام كان شيخا في المهد . والذي فنى عن أوصافه هو الشيخ أما الذي بقي من وصفه مقدار شعرة فهو “ افاقى “ وقد فسر استعلامى افاقى بأنه “ دنيوي “ ( 3 / 298 ) بينما ورد اللفظ نفسه في شرح التعرف بأن الآفاقي هو الذي يكلف برؤية الآيات في الآفاق وهي مرتبة دون رؤية الآيات في الأنفس الأولى للعامة والثانية للصلحاء والصديقين ( شرح تعرف 2 - 115 وما بعدها من طبعة لكهنو الكاملة دون تاريخ ) .
 
( 1806 - 1815 ) يخرج مولانا من سياق القصة ليتحدث عن تأثير الأولياء
 
“ 493 “
  
في نظام الكون وفي نسقه . . فالأولياء رحمة للعالمين وهو وصف اختص به محمد صلّى اللّه عليه وسلم ( الأنبياء 107 ) إلا أن مولانا يرى أن الأولياء ملحقون أيضا بهذا الوصف ، أما الرحمة الجزئية المذكورة في البيت 1809 فالمقصود بها عشر الرحمة الذي وزع على الخلق فيه يتراحمون ، أما الرحمة الكلية فهي تسعة أعشار الرحمة التي بقيت لله تعالى ( إن الله تعالى خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض فجعل منها في الأرض رحمة منها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض ، وأخر تسعا وتسعين فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة ) وفي رواية أخرى أن الله تعالى خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة وأرسل في الخلق كلها رحمة واحدة ، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة ولو يعلم المؤمن بالذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار ( جامع 1 / 70 ) والرحمة الجزئية هي السبيل إلى الرحمة الكلية . وإن وقف عليها الإنسان فهو يظن أن كل غدير بحر . وإذا كان هو نفسه أي صاحب الرحمة الكلية ( من الأولياء وغيرهم ) . ولا يدرى أين البحر فكيف يدل الناس على هذا البحر ؟ .
 
( 1819 - 1825 ) في جواب الشيخ على امرأته يشير مولانا إلى أن الشيخ يرى بنور الباطن ما لا نراه نحن ، ويقصد بالشطرة الثانية : أننا لسنا متساوين في الرؤية . إن من تظنهم قد غابوا تحت طيات الثرى يراهم هو حوله يلعبون ، لأن رؤيته فوق الزمان وفوق المكان . وبينما يراهم الآخرون في النوم يراهم هو في اليقظة ، لماذا ؟ ، لأنه يعطل الأحاسيس الدنيوية لحظة ويسقطها من شجرة الوجود . . . ومن ثم يكون حس العقبى وهو سلم لذلك العالم في قوته . . فيراهم ( انظر . حس الدنيا وحس العقبى - الكتاب الأول البيت 570 وما بعده ) .
 
( 1826 - 1836 ) ينتهى كلام الشيخ ليبدأ كلام مولانا . عن كيفية الخروج
 
“ 494 “
  
من سلطة الحس ، فكما أن الحس أسير للعقل ، ولا يحكم العقل إلا في منطقة الحواس ، وإطارها ، فهناك عقل أخر فوق هذا العقل ، وهو كالماء الصافي عليه على الحواس مشاهداتها فتحجبه عن المشاهدات السامية العليا ، ثم يأتي العقل الآخر ( الباحث عن الله ) فيزيح كل القذى ( المشاهدات الحسية ) عن هذا الماء وإلا فإن “ هوى النفس “ يأخذ كل من عالم الحس فيضعه على هذا الماء بحيث يصبح “ غورا “ ، ولا حل إلا أن تقيد يد الهوى بالتقوى ، ومن هنا تصبح الحواس المتسلطة الدنيوية مساعدة للعقل الباحث عن الله بدلا من أن تكون عقبة في طريقه ، ذلك أن غلبة العقل العارف تجعل هذه الحواس نائمة دون نوم ظاهر ، ويعدها يسطع نور معرفة الغيب في الروح ( استعلامى 3 / 300 ) .
 
( 1837 - 1856 ) وردت هذه القصة في الرسالة القشيرية عن زاهد ضرير يقال له أبو معاوية ( ماخذ 106 ) وفي خلال هذه الحكاية يورد حكاية أخرى في المجال نفسه عن لقمان وداود وردت في “ العقد الفريد “ لابن عبد ربه و “ قصص الأنبياء “ للثعالبي و “ إحياء علوم الدين “ للغزالي وتفسير أبى الفتوح الرازي ( ماخذ / 106 - 107 ) وإن كان يغلب أنه أخذها من مصدر قريب منه وهو مجمل التواريخ والقصص والمقصود بالبيت 1850 أنك أن تسرعت وسألت ولم تظفر بالإجابة الشافية فكأنك أضعت وقتا كان أولى أن تقضيه في الصبر ، ولذا فهو أسرع في التوصيل إلى المقصود وفي البيت 1854 عبارة شبيهة بعبارة وردت في مجمل التواريخ والقصص “ الصمت حكم وقليل فاعله ( ماخذ / 107 ) والصبر قرين للحق سبحانه وتعالى مصداقا لقوله وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ( العصر ) 
 
“ 495 “ 
 
( 1874 - 1879 ) يخلص مولانا من قصة الضرير والمصحف إلى نتيجة هي أن الولي لا اعتراض عنده ، لأنه على ثقة بالله تعالى ، وفي يقين من أمره وحكمه وأنه إن سلبه شيئا فسوف يعوضه أفضل منه ، وحتى إن قضى على الحياة نفسها وسلبها فإن العوض هو وصاله وهو الحياة الحقيقية ، وفي البيت 1876 إشارة إلى حكاية أبى الخير الأقطع ( انظر الأبيات 1707 وما بعدها ) ويقصد في البيت 1878 بتعبير “ بلا نار “ أي بترك الأسباب الدنيوية و “ تجذبنا ناره “ أي تقضى مصاعب طريق الحق على وجودنا المادي ( استعلامى 3 / 301 ) .
.
 
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: