الأربعاء، 12 أغسطس 2020

07 - إنكار موسى عليه السّلام مناجاة الراعي المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

07 - إنكار موسى عليه السّلام مناجاة الراعي المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

07 - إنكار موسى عليه السّلام مناجاة الراعي المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

إنكار موسى عليه السّلام مناجاة الراعي
 
- رأى موسى عليه السّلام أحد الرعاة في الطريق ، كان يقول يا رب ، ويا الله ،
 
1725 - أين أنت حتى أكون تابعا لك ؟ أرتق نعلك وأمشط رأسك . « 1 »
- أغسل ثيابك ، وأقتل ما فيها من قمل ، وآتيك بالحليب أيها المحتشم .
- أقبل يدك اللطيفة ، وأدلك قدمك اللطيفة ، وعندما يحين وقت نومك ، أكتس مكانك الجميل .
- يا من فداؤك كل معزي ، ويا من على ذكراك صيحات وجدي وشوقي .
- وأخذ ذلك الراعي يجدف على هذا النحو ، فقال له موسى عليه السّلام : مع من تتحدث يا فلان ؟
 
1730 - قال : مع ذلك الشخص الذي خلقنا ، والذي أبدع هذه الأرض ، وهذا الفلك .
...............................................................
( 1 ) ج / 4 - 307 : - يا إلهي ، لتكن روحي فداك ، وكل أبنائي وملكي وأسبابي 
- أين أنت حتى أودي لك فروض الطاعة ، أخيط ثوبك وأرتقه .

 
« 155 »
 
- قال موسى عليه السّلام : انتبه ، لقد صرت شديد الإدبار ، لقد خرجت أصلا عن ملة الإسلام ، وصرت كافرا .
- أي هراء هذا ؟ وأي كفر وعته ؟ ألا فلتسد فمك هذا بالقطن .
- لقد أصاب نتن كفرك الدنيا بالنتن ، وجعل كفرك ديباج الدين خلقا .
- إن النعل والخف لائقان بك ، ومتى تليق مثل هذه الأشياء بشمس الشموس . ؟
 
1735 - فإن لم تسد حلقك عن هذا الهراء ، لشبت نار أحرقت الخلق .
- وإن لم تكن قد شبت ، فما هذا الدخان ؟ ولم اسودت الروح ، وطردت النفس ؟
- فإذا كنت تعلم أن الله هو الحكم ، فكيف يكون معتقدك هو الهراء والتوقح ؟
- إن الصداقة بلا عقل عداوة في حد ذاتها ، والله سبحانه وتعالى غني عن هذه العبادة .
- فمع من تتحدث هكذا ؟ ! مع عمك أو مع خالك ؟ ! أثمة جسم وحاجة في صفات ذي الجلال ؟ !
 
1740 - إنما يشرب اللبن من هو في نشوء ونماء ، وإنما يلبس النعل من هو في حاجة إلى قدم .
- وإن كنت تقول هذا في عبده ، الذي قال فيه الحق : " هو أنا وأنا هو " ،
- عندما قال : إني مرضت فلم تعدني ، أي مرضت لمرضه ولم يمرض هو وحده ،
- ذلك الذي صار مصداقا ل " بي يسمع وبي يبصر " ، حتى في حق هذا العبد ، يكون مثل هذا الكلام هراء .

 
« 156 »
 
- وإن الحديث بلا أدب مع خواص الحق ، يميت القلب ، ويسود الكتاب .
 
1745 - وإنك إن ناديت رجلا ب " يا فاطمة " ، بالرغم من أن الرجال والنساء جميعا من جنس واحد ، 
- فإنه يهم بسفك دمك إن استطاع ، حتى وإن كان طيب الخلق حليما وقورا .
- " وفاطمة " تكون مدحا في حق النساء ، وعندما تقولها لرجل ، تكون كطعن السنان .
- واليد والقدم تكون مدحا في حقنا ، وفي حق تنزيه الحق دنس وتلويث .
- واللائق به " لم يلد ولم يولد " وهو الخالق للوالد والمولود .
 
1750 - وكل ما كان جسما ، تكون الولادة وصفا له ، وكل من هو مولود يكون من هذه الضفة من الجدول .
- ذلك أنه مهين ، حادث من الكون والفساد ، ويريد محدثا على سبيل اليقين .
- قال : يا موسى ، لقد خطت فمي ، وأحرقت روحي ندما .
- ومزق ثيابه ، وأطلق آهة حرى ، وانطلق " هائما " في الصحراء ، ومضي .
 
عتاب الحق تعالى لموسى عليه السّلام من أجل الراعي
 
- وهبط الوحي على موسى عليه السّلام من قبل الله قائلا : لقد فصلت عبدنا عنا .
 
1755 - فهل تراك جئت من أجل الوصل ؟ أم تراك جئت من أجل الفصل ؟
- وما استطعت ، لا تسع قدما في الفراق ، " أبغض الأشياء عندي الطلاق " .
- فلقد وضعت لكل إنسان سيرة ، ولقد وهبت كل امريء مصطلحا .
 
« 157 »
 
- إنه بالنسبة له مدح ، وبالنسبة لك ذم ، وهو بالنسبة له شهد ، وبالنسبة لك سم . « 1 » 
- ونحن منزهون عن طهر " الطاهر " وعن نجس " النجس " على السواء ، وعن ثقيل الروح والجلد النشط معا
 
1760 - وأنا لم أقم بأمر لأتربح من أحد ، بل لكي أجود على العباد .
- ومصطلح الهند عند الهنود مدح ، ومصطلح السند عند أهل السند مدح .
- وأنا لا أصبح منزها طاهرا من تسبيحهم ، إنهم هم الذين يصبحون طاهرين ناثرين للدر .
- ونحن لا ننظر إلى اللسان أو إلى المقال ، نحن ننظر إلى الروح وإلى الحال .
- ونحن ناظرون إلى القلوب إن كانت خاشعة ، هذا وإن كان اللفظ يمضي غير مستقيم .
 
1765 - ذلك أن القلب هو الجوهر ، والقول عرض ، ومن ثم فإن العرض طفيلي ، والجوهر هو الغرض .
- فحتام هذه الألفاظ والإضمار والمجاز ؟ إنني أريد الحرقة ، أريدها ، ومع تلك الحرقة أتواءم .
- فلتضرم نارا من العشق في الروح ، واحرق الفكر والعبارة برمتها .
- ويا موسى ، إن هناك فرقا بين أولئك الذين يعرفون الأدب ، وبين أولئك الذين احترقت أرواحهم وأنفسهم .
...............................................................
( 1 ) ج / 4 - 327 : - إنه في حقه نور وفي حقك نار ، وفي حقه ورد وفي حقك شوك . 
- في حقّه حسن وفي حقك سئ ، في حقه قرب ، وفي حقك رد .
 
« 158 »
 
- وللعشاق قابلية للاحتراق في كل نفس ، ولا خراج ولا عشر على قرية خربة .
 
1770 - فإن تحدث خطأ لا تسمه خاطئا ، وإن كان شهيدا مضرجا بدمه لا تغسله .
- فإن دماء الشهداء أفضل من الماء ، وهذا الخطأ أفضل من مائة صواب .
- وفي داخل الكعبة ، لا تحر هناك للقبلة ، وأي حزن للغواص إن لم يكن لديه خف . ؟
- فلا تبحث ممن ثملت رؤوسهم عن دليل ، وما أمرك بالرفو لمن تمزقت ملابسهم
- وملة العشاق منفصلة عن كل الأديان ، فمذهب العشاق وملتهم هو الله .
 
1775 - فإن لم يكن على الياقوت ختم فلا بأس ، والعشق في بحر الحزن ، لا يكون حزينا .
 
وحى الله تعالى لموسى عليه السّلام بأن يعتذر للراعي
 
- ثم ألقى الله تعالى في سر موسى عليه السّلام ببعض الأسرار ، لا ينبغي البوح بها .
- وانصبت الكلمات على قلب موسى ، وامتزجت الرؤية بالقول .
- فغاب عن الوعي فترة من الزمن ، وعاد إليه فترة ، وطار فترة من الزمن من الأزل إلى الأبد .
- ولو فسرت بعد هذا يكون بلها ، لأن شرح هذا فيما وراء الوعي .
 
1780 - ولو تحدثت بها لاقتلعت العقول، ولو كتبتها لتحطمت الكثير من الأقلام. «1»
...............................................................
( 1 ) ج / 4 - 346 : - ولو قمت بشروح معتبرة حتى القيامة ، لكانت أيضا مختصرة . 
- فلا جرم أنني قصرت الكلام ، وإن أردت " شرحا " فاقرأه من داخلك .
 
« 159 »
 
- وعندما سمع موسى هذا العتاب من الحق ، أسرع في الصحراء بحثا عن الراعي .
- وسار مقتفيا آثار ذلك الشريد ، وهو ينفض التراب عن أعشاب الصحراء .
- وإن خطو المفتونين في حد ذاته ، ليتميز عن خطو الآخرين .
- فقدم كالرخ " في الشطرنج " هابطة من أعلى إلى أسفل ، وقدم كالفيل تمضي معوجة .
 
1785 - فهو حينا كالموج يكون رافعا للعلم ، وحينا كالسمكة ، يكون ماشيا على بطنه .
- وأحيانا يكتب على التراب حاله ، مثل رمال " يضرب " الرمل . « 1 »
- وفي النهاية ، وجده ورآه ، وقال له : البشرى ، فلقد صدر الأمر
- فلا تبحث بعد عن ترتيب الكلام أو أدب فيه ، وقل ما شاء أن يقوله صدرك الضائق .
- فكفرك دين ، ودينك نور الروح ، إنك آمن ، وفي أمان من الدارين .
 
1790 - فيا من عوفيت ب " يفعل الله ما يشاء " ، إمض ، وانطلق في القول بلا ترو .
- قال : يا موسى ، لقد تركت ذلك الأمر ، فأنا الآن غارق في دم القلب .
- ولقد جاوزت سدرة المنتهى ، وسرت مئات الآلاف من السنين في ذلك الصوب .
- لقد ضربتني بسوط ، فتحول جوادي ، ثم قفز وجاوز الأفلاك .
- فليكن اللاهوت مأذونا له بناسوتنا ، والثناء على يدك ، وعلى ساعدك .
...............................................................
( 1 ) ج / 4 - 346 : - أحيانا يقف ، وحينا يسرع ، وأحيانا يتدحرج كالكرة من الصولجان .
 
 
« 160 »
 
 
1795 - وحالي الآن خارج عن القول وعن المقال ، وما أقوله هذا لا يعبر عن أحوالي .
- وإن الصورة التي تراها في المرآة ، هي صورتك ، وليست صورة المرآة
- والنفخة التي نفخها عازف الناي في الناي ، هي جديرة بالناى ، وليست جديرة بالرجل .
- فانتبه ، انتبه ، سواء تحدثت بالحمد أو تحدثت بالشكر ، اعتبرهما مثل هراء ذلك الراعي .
- فإن كان حمدك وشكرك أفضل بالنسبة " لحمد " الراعي ، إلا أنه شديد النقص بالنسبة للحق .
 
1800 - فحتام تتحدث ؟ وعندما يكشف الغطاء ، " ترى " أن الأمر لم يكن مثلما يظنون .
- وقبول ذكرك هذا من قبيل الرحمة ، إنه كصلاة الحائض ، رخصة .
- فهي مع صلاتها ملوثة بالدم ، وذكرك ملوث بالتشبيه والكيفية .
- والدم نجس ويطهر بالماء ، لكن للباطن نجاسات .
- وهي لا تقل من باطن رجل الأمر إلا بماء لطف الحق .
 
1805 - وليتك تحول الوجه وأنت في سجودك ، وتعلم من " سبحان ربّي "
- قائلا : يا من سجودي مثل وجودي غير جدير بك ، جازني على الشر بالخير
- فهذه الأرض ذات أثر من حلم الحق ، بحيث تزيل النجس ، وتنبت الزهر
- بحيث تستر نجاساتنا ، وبدلا منها تنبت البراعم .
- ومن ثم فإن الكافر في العطاء والجود ، كان أقل من التراب ، وأقل قيمة .
 
 
« 161 »
 
1810 - إذ لم ينبت من ترابه زهر ولا ثمر ، ولم ينبثق من كل الطهارات إلا الفساد .
- وقال : لقد تقهقرت أو ان الذهاب ، " يا حسرتا ، ليتني كنت ترابا " .
- ليتني لم أختر السفر عن التراب ، ولكنت كالتراب ألتقط الحب .
- وعندما سافرت واختبرني الطريق ، أي شيء أهديته من هذا السفر ؟
- ومن ثم يكون ميله كله إلى التراب ، لأنه في السفر ، لم ير نفعا يتقدمه .
 
1815 - وإن تقهقره هو ذلك الحرص والبخل ، واتجاهه نحو الطريق هو الصدق والحاجة .
- وكل نبات يكون ميله إلى العلى ، يكون في زيادة وحياة ونماء .
- وعندما يولي وجهه نحو الأرض ، يكون في قلة وجفاف ونقص وغبن .
- وميل روحك يكون صوب العلى ، وعند التزايد ، يكون مرجعك هناك .
- وإن كنت مقلوبا ، يكون ميلك صوب الأرض ، تكون آفلا ، والحق لا يحب الآفلين .
 
سؤال موسى عليه السّلام الحق تعالى عن سر غلبة الظالمين

 
1820 - قال موسى : أيها الكريم مدبر الأمر ، يا من لحظة واحدة من ذكرك تساوى عمرا طويلا .
- لقد رأيت صورة شديدة الاعوجاج في الماء والطين ، وكما فعل الملائكة ، بدا في قلبي الاعتراض .
 
« 162 »
 
- فما هو المقصود يا ترى من تصوير الصورة ، ثم الإلقاء فيها ببذور الفساد ؟
- وإشعال نار الظلم والفساد ، وإحراق المسجد ومن يسجدون فيه ؟
- وتحريك الدم والصفراء لتغلي من أجل الضراعة والدعاء ؟
 
1825 - وإنني أعلم يقينا أن هذا هو عين الحكمة ، لكن هدفي هو العيان والرؤية .
- وذلك اليقين يقول لي : ألا فلتصمت ، وحرصي على الرؤية يقول لي :
ألا فلتثر .
- ولقد أبديت للملائكة سرك ، وأن هذا الشهد يساوي الوخز .
- وعرضت نور آدم عيانا على الملائكة ، فحلت المشاكل " التي عنت لهم " .
- وحشرك يقول ما هو سر الموت ، والثمار تبوح بسر الأوراق .
 
1830 - وسر الدم والنطفة هو حس الإنسان ، وكل زيادة ، إنما يسبقها نقصان .
- وإنما يمحو المرء اللوح في البداية دون توقف ، ثم يكتب عليه الحروف .
- ويجعل " هو " القلب دما ودمعا ذا ضراعة ، ثم يكتب " عليه " آنذاك الأسرار .
- وعند محو اللوح ، تلزم المعرفة ، أنه سوف يجعل منه سجلا للكتابة .
- وعندما يرسى أساس منزل ما ، إنما يحفر أساسه من البداية .
 
1835 - ويستخرج الطين أولا من قاع الأرض ، حتى يستخرج في النهاية الماء المعين .
- وإن الأطفال لينوحون باكين من الحجامة ، لأنهم لا يعرفون سر الأمر .
 
« 163 »
 
- والمرء بنفسه يدفع للحجام ذهبا ، ويرضى بالمبضع الذي يسيل الدم .
- ويسرع الحمال نحو الحمل الثقيل ، ويختطف هذا الحمل من الآخرين .
- وانظر إلى تشاحن الحمالين من أجل الحمل ، وانظر إلى مثل هذا الإجتهاد في العمل .
 
1840 - وما دام " تحمل " الأثقال هو أساس الراحة ، وأنواع المرارة تفضي إلى النعمة ،
- " وحفت الجنة بمكروهاتنا ، وحفت النار من شهواتنا " « 1 »
- وإن بذرة مادة النار غصن ندي ، والمحترق بالنار يكون قرينا للكوثر .
- وكل من هو في السجن رهين لمحنة ، إنما يكون ذلك من جراء لقمة وشهوة .
- وكل من هو في قصر قرين لدولة ، إنما يكون ذلك نتيجة لقتال و " تحمل " محنة .
 
1845 - وكل من تراه فردا في ذهبه وفضته ، اعلم أنه قد صبر في الإكتساب .
- ونافد الصبر إنما يرى ذلك بلا سبب ، وأنت المقيم على الحس ، استمع إلى السبب .
- وذلك الذي تكون روحه خارج الطبائع ، اعلم أن منصب خرق الأسباب يكون له .
- فترى عينه بلا سبب ينبوع معجزات الأنبياء ، لا من الماء والعشب .
- وهذا السبب مثله كمثل الطبيب والعليل ، وهذا السبب مثله كمثل المصباح والفتيل .
...............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن الفارسي .

 
« 164 »
 
1850 - فاجدل لمصباحك في الليل فتيلا جديدا ، واعلم أن مصباح الشمس منزه عن هذه الأمور .
- وامض ، واعجن الطين بالقش من أجل سقف الدار ، واعلم أن سقف الفلك في غنى عن الطين بالقش .
- آه ، فعندما صار حبيبنا محرقا للغم ، مضت خلوة الليل ، وطلع النهار 
- وليس إلا في الليل يكون تجل للقمر ، ولا تبحث عن مطلوب القلوب إلا بألم القلب .
- ولقد تركت عيسى ، وقمت بتربية الحمار ، فلا شك أنك كالحمار ، خارج الحجاب .
 
1855 - وطالع عيسى هو العلم والمعرفة ، ليس طالع الحمار ، يا من أنت على صفة الحمار .
- وإنك لتسمع شكوى الحمار فتعتريك الرحمة ، ولا تعلم إذن أن تأمر حمارك بأن يلزم حماريته .
- فارحم عيسى ، ولا ترحم الحمار ، ولا تجعل الطبع سيدا على عقلك .
- واترك الطبع ، حتى ينشج بالبكاء والعويل ، وخذ منه ، وأد دين الروح .
- ولقد قمت لسنوات برعاية الحمار ، فكفاك هذا ، ذلك أن المكاري يكون خلف الحمار .
 
1860 - والمراد من " آخروهن " هو نفسك ، إذ ينبغي أن تكون مؤخرة والعقل مقدما .
- ولقد صار في مزاج الحمار هذا العقل الدني ، وكل فكره هو : كيف أحصل على الطعام ؟
 
« 165 »
 
- وحمار عيسى ذاك اتخذ مزاج القلب ، واتخذ له منزلا في مقام العاقلين .
- ذلك أن العقل كان غالبا ، وكان الحمار ضعيفا ، ومن الفارس الضخم ، يصبح الحمار ضعيفا .
- ومن ضعف عقلك ، يا من قيمتك كحمار ، صار ذلك الحمار الواهن أفعى .
 
1865 - وأنت إن صرت من عيسى متألم القلب ، فمنه أيضا تصح ، فلا تتركه .
- فكيف أنت يا عيسى ويا صاحب نفس عيسى من التعب ؟ فما كان في الدنيا كنز بلا حية .
- وكيف أنت يا عيسى من رؤية اليهودي ؟ وكيف أنت يا يوسف من الماكر والحسود؟
- وأنت ليل نهار حكر على هؤلاء القوم الأدنياء ، ممد في عمرهم ، كأنك الليل والنهار .
- فكيف أنت من هؤلاء الصفراويين الفارغين من الفضل ؟ وأي فضل يتولد من الصفراء إلا وجع الرأس .
 
1870 - فافعل أنت ما تفعله شمس المشرق ، فمن " نحن " النفاق والحيلة واللصوصية والزيف .
- وأنت العسل ، ونحن الخل ، في الدنيا والدين ، وعلاج هذه الصفراء من مخلوط الخل بالعسل .
- ونحن زدنا في نسبة الخل ، نحن أهل الجحيم ، فزد أنت في العسل ، ولا تمنع عنا كرمك .
- وهذا هو الجدير بنا ، ما دام قد صدر منا ، وما ذا يزيد الرمل في العين إلا العمى ؟
 
« 166 »
 
- وذلك جدير بك يا كحل العزيز ، فإن كل من ليس بشيء ، يجد منك شيئا .
 
1875 - فقلبك شواء من نيران هؤلاء الظالمين ، وخطابك كله " اللهم اهد قومي " .
- وأنت منجم العود ، إن أضرمت فيك النيران ، لامتلأت هذه الدنيا بالعطر والريحان .
- ولست ذلك العود ، الذي ينقص من النار ، ولست تلك الروح التي تسقط أسيرة للحزن .
- والعود يحترق ، ومنبع العود بعيد عن الاحتراق ، ومتى تحمل الريح على أصل النور ؟
- فيا من منك الصفاء للسموات ، ويا من صفاؤك أفضل من الوفاء .
 
1880 - ذلك أن الجفاء إن صدر من العاقل ، يكون أفضل من الوفاء يصدر عن الجهال . « 1 »
- وقد قال الرسول صلى اللّه عليه وسلم " إن العداوة من العاقل أفضل من الحب الذي يبديه الجاهل " « 2 »
 
إزعاج أحد الأمراء لنائم كانت حية قد دخلت في فيه
 
- كان هناك أحد العقلاء يمضي راكبا جواده ، " فرأى " حية تتسلل إلى فم نائم .
...............................................................
( 1 ) ج / 4 - 375 : - والعاقل إنما يأتيك بالمعرفة ، والجاهل إنما يأتي بالمعرفة إلى الخسران .
( 2 ) ج / 4 - 375 : - والصداقة مع العاقل طيبة ، والعدو العاقل خير من الصديق الجاهل .
 
« 167 »
 
- ولما كان لديه مدد وافر من عقله، ضرب النائم عدة ضربات متتالية بهراوته. « 1»
 
1885 - ففزعته ضربة تلك الهراوة القوية ، وانطلق هاربا إلى ظل شجرة .
- وكانت الشجرة قد طرحت كثيرا من التفاح المهتريء ، فقال له : كل منه يا من تعلقت بالألم .
- وأخذ يطعمه التفاح بالرغم منه ، بحيث بدأ يتساقط من فمه .
- فأخذ يصيح به : أيها الأمير ، لماذا اعتديت عليّ آخرا دون أن ترى مني جفاء ؟
- فإذا كانت لك خصومة معي في الأصل ، فاضربني بالسيف ، واسفك دمي .
 
1890 - فيا لها من ساعة مشئومة تلك التي ظهرت فيها لك ، وما أسعده ذلك الذي لم يشاهد طلعتك " البهية " .
- وبلا جريمة ، وبلا ذنب صغيرا كان أو كبيرا ، لا يجوز هذا الظلم ، حتى على الملحدين .
- إن الدم ليسيل مع كلامي من فمي ، فيا إلهي ، جازه في النهاية شر الجزاء .
- وفي كل لحظة ، أخذ يسبه سبابا جديدا ، بينما الآخر يضربه ، قائلا :
أسرع في هذا الخلاء .
...............................................................
( 1 ) ج / 4 - 427 : - وعندما استيقظ النائم من النوم الثقيل ، رأى تركيا راكبا وفي يده هراوة . 
- عندما استيقظ النائم من ذلك الضرب المبرح ، صار حائرا متسائلا : ما ذا كان هذا ؟ 
- وعندما أخذ التركي يضربه بلا انقطاع بالهراوة الثقيلة ، أسرع جاريا أمامه .
 
« 168 »
 
- كانت ضربات الهراوة ، والفارس كأنه الريح ، وهو يسرع ، ثم يقع على وجهه .
 
1895 - كان ممتليء " البطن " نعسان واهنا ، وأثخنت يداه وقدماه بالجراح .
- وظل حتى المساء يجره ويطلقه ، حتى غلبه القيء من ألم المرارة .
- وخرجت من " جوفه " مأكولات قبيحة وحسنة ، ومع هذه المأكولات ، انطلقت الحية خارجا .
- وعندما رأى هذه الحية تخرج منه ، سجد لذلك المحسن .
- وعندما رأى هول تلك الحية السوداء الضخمة ، انصرفت عنه كل هذه الآلام .
 
1900 - وقال : هل أنت نفسك جبريل الرحمة ؟ أو أنك إله ، فأنت ولي النعمة .
- فيا لها من ساعة مباركة ، تلك التي رأيتني فيها ، كنت ميتا ، فوهبتني عمرا جديدا .
- كنت باحثا عني ، وكأنك الأم الرؤوم ، وأنا هارب منك ، وكأنني حمار .
- والحمار يفر من صاحبه من حماريته ، وصاحبه في أثره ، من حسن أصله .
- فإنه لا يبحث عنه من أجل نفع أو ضر ، لكن من أجل ألا يمزقه ذئب أو وحش .
 
1905 - فما أسعده ذلك الذي يرى وجهك ، أو يعبر فجأة بحيك .
- ويا صاحب النفس الطاهرة الممدوحة ، كم قلت لك من هراء وسقط قول .
- أيها السيد والمليك والأمير ، أنا لم أقله لك ، بل قاله جهلي ، فلا تؤاخذني .


« 169 »
 
- ولو كنت أعلم نبذة عن هذا الحال ، متى كنت أستطيع الحديث بهذر القول ؟
- ولوجهت لك الثناء يا حسن الخصال ، لو أنك حدثتني برمز عن الحال .
 
1910 - لكنك كنت صامتا تقوم بإثارتي ، وكنت تدق رأسي صامتا .
- فتحطم رأسي ، وفر عقلي منها ، خاصة من تلك الرأس التي تحتوي على مخ صغير .
- فاعف عني يا حسن الوجه حسن الفعال ، فما قلته قلته من الجنون ، فتجاوز عنه .
- قال : إنني إن كنت قد حدثتك بسر واحد من الأمر ، لمت هلعا وخوفا في تلك اللحظة .
- وإن كنت قد حدثتك بأوصاف الحية ، لحطم الخوف روحك تحطيما .
 
1915 - ولقد قال المصطفى صلى اللّه عليه وسلم : لو أنني تحدثت حديثا ضافيا عن ذلك العدو الموجود في أرواحكم ،
- لتمزقت قلوب الشجعان هلعا ، ولما سار أحد في الطريق ، ولما اهتم إنسان بعمل .
- ولا بقيت قدرة لقلب على الضراعة ، ولا قوة في جسده على الصوم والصلاة
- ولا نمحى ، مثل فأر أمام قط ، ولفقد اتزانه كجمل أمام ذئب .
- ولا بقيت عنده حيلة ولا سلوك ، ومن ثم كتمته من أجل هدايتكم .
 
1920 - فلأصمت ، مثلما فعل أبو بكر الربابي ، ولأشغل بالحديد ، مثلما فعل داود .
 
« 170 »
 
- حتى يصبح المحال من يدي حالا وعيانا ، ويصبح لذلك الطير المنزوع الريش جناحا .
- وما دامت يد الله فوق أيديهم ، وأنه تعالى قال : يدنا هي يده ،
- صارت لي يد طولى يقينا ، جاوزت السماء السابعة .
- وأبدت يدي الفضل على الفلك ، فاقرأ أيها المؤمن :انْشَقَّ الْقَمَرُ.
 
1925 - وهذه الصفة أيضا من ضعف القول ، فمتى يجوز شرح القدرة للضعفاء ؟
- إنك تعلم بنفسك ، عندما ترفع رأسك من النوم ، فقد تم الأمر ، والله أعلم بالصواب . « 1 »
- فلا كانت عندك قوة على الأكل ، ولا كان عندك طريق إلى القيء أو اهتمام به .
- كنت أسمع السب ، وكنت أمضي في عملي ، وكنت أهمس بدعاء " رب يسر " .
- ولم يكن عندي الأمر بالبوح عن السبب ، ولم يكن في مقدوري أيضا تركك .
 
1930 - وكل لحظة كنت أقول من دخان " الغضب " من داخلي ، اهد قومي ، إنهم لا يعلمون .
- وأخذ ذلك الناجي من الألم يكرر السجود ، قائلا : أيتها السعادة ، يا من أنت لي الإقبال والكنز ، 
- فلتجد الجزاء من الله أيها الشريف ، فليست هناك قوة على شكرك ، عند هذا الضعيف .
...............................................................
( 1 ) ج / 4 - 429 : - ولو كنت حدثتك بما جرى لمت في التو واللحظة .
 
« 171 »
 
- وليؤد لك الحق الشكر أيها الرائد ، فلا شفة لي ولا فك ولا صوت يليق به .
- وهكذا تكون عداوة العاقلين ، والسم يكون منهم بهجة للروح .
 
1935 - وصداقة الأبله ألم وضلال ، واستمع إلى هذه الحكاية كمثال .
 
الاعتماد على تملق الدب ووفائه
 
- كان تنين يبتلع دبا ، فذهب رجل شجاع وأغاثه .
- وشجعان الرجال هم في العالم على سبيل المدد ، في تلك اللحظة التي يصل فيها دعاء المظلومين .
- وحينما يسمعون صراخ المظلومين ، يسرعون إليهم ، وكأنهم رحمة الحق .
- إنهم بمثابة العمد لأنواع الخلل في الدنيا ، وهم أطباء الأمراض الخفية .
 
1940 - وإنهم يفعلون ذلك محض الحب والحكم والرحمة ، كما يفعلها الحق دون علة ودون رشوة .
- " فما هذا الذي تساعده دفعة واحدة ؟ قال : " من أجل حزنه ومسكنته " .
- وصارت الرحمة صيادا للرجل الشجاع ، وفي الدنيا ، لا يبحث عن الدواء إلا الداء . « 1 »
- فحيثما كان داء ، يسرع إليه الدواء ، وحيثما يوجد منخفض ، يسرع إليه الماء
- فإن كنت تريد ماء الرحمة ، إمض وكن متواضعا ، ثم احتس آنذاك خمر الرحمة ، وصر ثملا .
 
1945 - فهو رحمة في رحمة يا بني ، ولا تقنع برحمة واحدة يا بني .
...............................................................
( 1 ) ج / 4 - 465 : - وقلل البحث عن الماء ، واحصل أولا على الظمأ ، حتى يفور لك الماء من أعلى ومن أسفل وحتى يأتيك الخطاب بسَقاهُمْ رَبُّهُمْ، كن ظامئا ، والله أعلم بالصواب .
 
« 172 »
 
- وضع الفلك تحت قدمك ، أيها الشجاع ، واستمع من فوق الفلك ، إلى صوت السماع .
- وأخرج قطن الوسواس من الأذن ، حتى يأتي إلى أذنيك الضجيج من الفلك .
- وطهر العينين من الشعر والعيب ، حتى ترى بستان الغيب وسروره .
- وادفع الزكام عن الأنف والرأس ، حتى تأتي ريح الله في مشامك .
 
1950 - ولا تترك في داخلك أثرا من الحمى والصفراء ، حتى تجد من الدنيا طعم السكر .
- وتناول دواء الرجولة ، ولا تسع وأنت عنين ، حتى يخرج لك مائة من الحسان .
- واخلع نير الجسد عن قدم الروح ، حتى تطوف حول المحفل .
- وفك غل البخل عن اليد والعنق ، وأدرك الحظ الجديد في الفلك القديم .
- وإن لم تستطع ، فاحملها إلى كعبة اللطف ، واعرض المسكنة وانعدام الحيلة ، على صاحب الوسيلة .
 
1955 - والنواح والبكاء رأسمال قوي ، والرحمة الكلية حاضنة قوية .
- والحاضنة والأم تقوم بالذرائع كلتاهما ، وتتساءل : ترى متى يبكي ذلك الطفل ؟
- فلقد خلق فيكم طفل الحاجات ، حتى يبكي ، فيفور لبنه .
- ولقد قال : " ادعوا الله " فلا تكن بلا ضراعة ، حتى يفور لبن حنانه ومحبته .
- وإن هزيم الريح وانصباب السحاب بالمطر ، كلها في رعايتنا ، فاصبر برهة .
 
« 173 »
 
1960 - ولقد سمعتوَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْفكيف إذن التصقت بهذا المنخفض ؟
- فاعلم أن خوفك وقنوطك هما صوت الغول ، يجرك من أذنيك حتى قاع أسفل سافلين .
- وكل نداء يجذبك صوب العلا ، اعلم دوما أن هذا النداء قد وصل من العلا .
- وكل نداء يصيبك بالحرص ، اعلم أنه عواء ذئب يمزق البشر .
- وهذه الرفعة ليست رفعة من جهة المكان ، هذه الأنواع من العلو ، من القلب والروح .
 
1965 - وكل سبب جاء أعلى من أثره ، فالحجر والحديد ، يفوقان الشرر .
- ففلان ذاك فوق رأس ذلك الذي جلس إليه ، هذا بالرغم من أنه جلس إلى جواره .
- والفوقية في ذلك الموضع من ناحية الشرف ، ومكان البعيد عن صدر " المجلس " يدعو إلى الاستخفاف .
- والحجر والحديد لأنهما سابقان في العمل لائقان بالفوقية .
- وذلك الشرر ، من ناحية أنه المقصود ، هو أسبق كثيرا - من هذه الناحية - من الحجر والحديد .
 
1970 - فالحجر والحديد في البداية ، ثم الشرر ، لكن هذين الاثنين هما الجسد ، والشرر هو الروح .
- وذلك الشرر ، وإن كان في الزمان أكثر تأخرا ، هو في الصفة ، فائق على الحديد والحجر .

 
« 174 »
 
- والغصن أسبق من الثمر ، هذا من ناحية الزمن ، لكنه في الفضل يكون أكثر شرفا من الغصن .
- ولما كان الثمر هو المقصود من الشجر ، كان الثمر هو الأول ، وكان الآخر هو الشجر . « 1 »
- وعندما صرخ الدب من الأفعوان ، خلصه شجاع من بين براثنه .
 
1975 - فكلاهما : الحيلة والشجاعة تعاونا معا ، وبهذه القوة قتل الأفعوان .
- فالأفعوان لديه القوة، ولا حيلة لديه، وأيضا فمن فوق حيلتك، حيلة أخرى . «2»
- وما دمت قد رأيت حيلتك ، عد ، وانظر من أين أتيت ، وامض نحو المبدأ .
- وكل من هو في المنخفض ، جاء من العلا ، فركز عينيك حول العلا ، هيا .
- فإن النظر إلى العلا يهب النور ، وإن كان في البداية يصيب بالدوار ، أجل .
 
1980 - فعود العين على الضياء والنور ، وإن لم تكن خفاشا ، انظر نحو ذلك الصوب .
- وفي النهاية ، ترى أمارة نورك ، والشهوة التي أنت فيها ، هي في الحقيقة قبر لك .
- وفي النهاية ترى أن من رأى مائة لعبة ، ليس مثل ذلك الذي سمع عن لعبة واحدة .
...............................................................
( 1 ) ج / 4 - 466 : - ولنعد نحو الدب والأفعوان ، ذلك أنه يطول بنا الإضمار والمجاز .
( 2 ) ج / 4 - 467 : - والماكرون كثيرون ، ولكن انظر في القرآن إلىاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ *.
 
« 175 »
 
- وقد اغتر بهذه اللعبة الواحدة ، بحيث ابتعد عن الأساتذة كبرا وغرورا .
- ومثل السامري ، عندما رأى في نفسه ذلك الفضل ، أشاح بالوجه كبرياء عن موسى عليه السّلام .
 
1985 - لقد تعلم ذلك الفن عن موسى عليه السّلام ، لكنه أغمض عينيه عن المعلم .
- فلا شك أن أبدى موسى عليه السّلام لعبة أخرى ، بحيث اختطف ذلك اللاعب وروحه .
- وما أكثر المعرفة التي تسرع إلى داخل رأس " إمريء " حتى يصبح رئيسا ، ثم تطيع برأسه .
- وإن لم تكن تريد أن يطاح برأسك فكن قدما ، وكن في حمى قطب صاحب رأي .
- ولا تعتبر نفسك أعلى منه ، حتى وإن كنت ملكا ، ولا تقطف سوى نباته ، وإن كنت شهدا .
 
1990 - ففكرك صورة ، وفكره روح ، ونقدك زائف ، ونقده منجم .
- وهو ذاتك ، فابحث عن نفسك في ذاته ، وكن صوبه كالفاخته صائحا : كو . . كو " أين ، أين " . « 1 »
- وإن لم تكن تريد خدمة أبناء جنسك ، فأنت كالدب في فم الأفعوان .
- فلعل أستاذا يخلصك ، ويقوم بجذبك خارج الخطر .
- وزاول النواح والمسكنة ، ما دمت بلا قوة ، هيا ، وما دمت أعمى فلا تشح بالوجه عن مبصر بالطريق .
...............................................................
( 1 ) ج / 4 - 467 : - وإن كان سكر الرضا مر المذاق لديك ، فأنت كالدب في فم الأفعوان .
 
« 176 »
 
1995 - فهل أنت أقل من دب ؟ ألا تشكو من الألم ؟ لقد نجا الدب من الألم عندما استغاث .
- فيا اللّه ، اجعل صخرة القلب هذه شمعا ، واجعل أنينه طيبا جديرا بالرحمة .

قول سائل أعمى : لدي نوعان من العمى
 
- كان هناك ضرير لا يفتأ يقول : الرحمة ، فلدى من العمى نوعان ، يا أهل الزمان .
- إذن فارحمونى مرتين ، هيا ، فلدى نوعان من العمى ، وأنا بينهما .
- قال " أحدهم " : إنني أرى أحديهما ، فما هو ذلك العمى الآخر ؟ أبده لنا
 
2000 - قال : إن صوتي قبيح ومستهجن ، فصار قبح الصوت والعمى معا .
- فصوتى القبيح يصبح باعثا على الغم ، ومن صوتي يقل حدب الخلق علىّ .
- وحيثما ينطلق صوتي القبيح ، يبعث على الغضب والحزن والحقد .
- فعلى نوعين من العمى ، إجعلوا الرحمة مضاعفة ، وذلك الذي لا يطيقه مكان ، سعوه في مكان .
- ومن هذا العتاب ، نقص قبح الصوت ، فصار الخلق مجتمعين على رحمته .
 
2005 - وعندما باح بالسر ، جعل لطف صوت قلبه ، صوته لطيفا .
- وذلك الذي يكون صوت قلبه قبيحا أيضا ، يكون لديه ثلاثة أنواع من العمى ، ويكون مبعدا إلى الأبد .
- لكن أولئك الوهابين بلا علة ، ربما وضعوا أيديهم فوق قلبه القبيح .
 
« 177 »
 
- وعندما أصبح صوته حسنا ومظلوما ، لانت له القلوب القاسية ، وكأنها الشمع .
- ولما كان أنين الكافر قبيحا كأنه الشهيق ، فإنه لا يكون قرينا للإستجابة .
 
2010 - ويستجاب دعاؤه القبيح بقول " إخسئوا " ، ذلك الذي كان ثملا كالكلب بدماء الخلق .
- وإذا كان أنين الدب جالبا للرحمة ، لا يجمل بك ألا يكون أتيتك هكذا .
- فاعلم أنك قد قمت بالذئبية مع يوسف ، أو أنك شربت من دماء مظلوم .
- فتب ، وقىء ما أكلت ، وإذا كان جرحك قد قدم ، فاذهب وقم بكيه . « 1 »
 
تتمة حكاية الدب وذلك الأبله الذي كان قد اعتمد على وفائه
 
- والدب بدوره ، عندما نجا من الأفعوان ، ورأى ذلك الكرم من ذلك الرجل الشجاع .
 
2015 - صار ذلك الدب المسكين وكأنه كلب أصحاب الكهف ، ملازما في أثر ذلك الحمول .
- وذلك المسلم وضع رأسه من التعب ، ووقف ذلك الدب حارسا من تعلقه " به " .
- فمر أحدهم وقال له : ما هذا الحال ؟ يا أخي ، من يكون هذا الدب بالنسبة لك ؟
- فأعاد عليه القصة وحديث الأفعوان . فقال له : لا تعلق القلب بدب أيها الأبله .
...............................................................
( 1 ) ج / 4 - 503 : - وأقلع عن الذئبية أيها الثعلب العجوز ، واطلب النصرة من الحق ، فهو نعم النصير .

« 178 »
 
- وإن صداقة الدب أسوأ من العداوة ، فاطرده عنك بكل حيلة تعرفها .
 
2020 - قال : والله لقد قال هذا حسدا ، وإلا فماذا ترى من طبيعة الدب فيه ؟
أظر إلى حنانه .
- قال : إن حب البلهاء مانح للغواية ، وحسدى هذا أفضل من حبه .
- فهيا ، تعال معي ، واطرد هذا الدب عنك ، ولا تصطف دبا تاركا أبناء جنسك
- فقال : إذهب ، إذهب ، وانشغل بعملك أيها الحسود ، قال : كان هذا عملي ، ولم يكن رزقا لك .
- وأنا لست أقل من دب أيها الشريف ، فاتركه حتى أكون صديقا لك .
 
2025 - وإن قلبي ليرتعد من التفكير فيك ، فلا تذهب مع مثل هذا الدب إلى غابة
- وإن قلبي هذا لم يرتعد قط دونما سبب ، هذا هو نور الحق ، ليس ادعاء ولا نفاجا .
- فأنا مؤمن ، وهبت " ينظر بنور الله " ، فحذار ، حذار ، أهرب من هذا الأتون
- لقد قال كل هذا ، ووجد أذنا بها وقر ، وسوء الظن سد فظيع أمام المرء .
- وأمسك بيده ، لكنه سحبها منه ، فقال له : إني ذاهب ، فلست بالصديق الرشيد .
 
2030 - فقال له : إذهب ، ولا تحمل همى ، أيها الفضولي ، كفاك ادعاءا للمعرفة .
- فقال له ثانية : إنني لست عدوا لك ، ويكون لطفا منك أن تتبعني .
- قال : إنني نائم ، فاذهب واتركنى ، فقال له : إنقد للصديق آخرا .
- حتى تنام في حمى عاقل ، وإلى جوار صديق ، صاحب قلب .
 
 
« 179 »
 
- لكن الرجل إستنام إلى خياله ، فغضب بجد ، وأشاح بوجهه سريعا .
 
2035 - وقال في نفسه : ربما جاء بقصد هلاكى ، فهو مجرم ، أو أن به طمعا ، إنه متسول ملحاح " يجوب المستوقدات " .
- أو أنه تراهن مع أصدقائه على هذا الأمر ، أي أن يخوفنى من جليسى هذا . « 1 » 
- ولم يرد إلى خاطره ظن واحد حسن من خبث سريرته .
- كان ظنه الحسن بأجمعه منصرفا إلى الدب ، فربما كان من جنس الدب . « 2 »
- لقد إتهم عاقلا وذلك من طبيعته الكلبية ، واعتبر الدب من أهل الحب والعطاء .
 
قول موسى عليه السّلام لعابد العجل : إن هذا تفكير في خيال فأين حزمك ؟
 
2040 - قال موسى لأحدهم كان ثملا بالخيال ، يا سىء الفكر من الشقاء والضلال ،
- إن لديك مائة ظن في كونى نبيا ، مع مثل هذا البرهان والخلق الكريم
- ولقد رأيت منى مئات الآلاف من المعجزات ، فزادتك مائة خيال وشك وظن .
- وصرت في ضيق من الخيال والوسوسة ، فأخذت تطعن في نبوتي .
- ولقد أثرت الغبار من البحر عيانا ، حتى تخلصت من شر الفراعين .
...............................................................
( 1 ) ج / 4 - 510 : - أو أن لديه شعورا من الحسد من ود صديقي ، بحيث يجد هكذا في أموره .
( 2 ) ج / 4 - 510 : - كان سييء الظن أبله غير جدير ، ومن الشقاء كان مطيعا للجهل . 
- كان سئ العرق عنيدا شقيا إلى الأبد ، كان ضالا مغرورا أعمى ذليلا مردودا . 
- واختار الدب على صاحب كمال ، أسود الوجه ، هبائى الحاصل ، فاسد الخيال . 
- واتهم عاقلا من حماريته ، واعتبر الدب أهلا للحب والوداد .
 
 
« 180 »
 
2045 - ومن السماء وصلت الأطباق والمائدة طيلة أربعين سنة ، ومن دعائي انفجر نبع الماء من الصخر . « 1 »
- هذا ومائة ضعفه ، والعديد من أمثاله من حار وبارد ، ومنك أيها الغث ، لم يقل هذا التوهم .
- وصاح بك عجل من السحر ، فسجدت له قائلا : أنت ربي .
- وجرف السيل كل توهماتك هذه ، وذكاؤك الغث غلبه النوم .
- فلما ذا لم تصبح سئ الظن في حقه ؟ وكيف استسلمت هكذا يا قبيح الطوية ؟
 
2050 - ولما ذا لم يأتك الظن من تزويره ؟ ومن فساد سحره الذي يأخذ الحمقى ؟
- ومن يكون السامري في حد ذاته أيها الكلاب ، حتى يصبح الرب الأعلى في الدنيا ؟
- وكيف صرت ثابت القلب في تزويره هذا ؟ وصرت عاطلا وغائبا عن كل هذه الإشكالات ؟
- أيصح أن يكون عجل إلها على سبيل الادعاء ؟ فكيف خالفت فيما يتعلق برسالتي ؟
- ومن حماريتك سجدت أمام عجل ، وصار عقلك صيد السحر السامري ! !
 
2055 - وأشحت بالبصر عن نور ذي الجلال ، فهاك الجهل الوافر ، وهاك عين الضلال .
...............................................................
( 1 ) ج / 4 - 515 : - ولقد صارت العصا في يدي أفعى مهولة ، وصار الماء دما على العدو الذي لا يستحقه . 
- صارت العصا حية وصارت يدي شمسا ، وصارت الشمس من انعكاس نورها شهابا .

 
« 181 »
 
- ألا شاه ذلك العقل والتمييز الذي لديك ، ولما كنت منجم الجهل ، فقتلك جائز .
- لقد صاح العجل الذهبي ، فما ذا قال آخرا ؟ بحيث تفتحت لدى الحمقى كل هذه الرغبة ! !
- لقد رأيتم مني ما هو أعجب من هذا بكثير ، لكن متى يقبل كل خسيس الحق ؟
- وما ذا يختطف الباطلين ؟ ، إنه الباطل ، وما ذا يجمل لدى الباطلين ؟ إنه الباطل .
 
2060 - ذلك أن كل جنس يجتذب كل من هو من جنسه ، ومتى يتجه العجل نحو الأسد الهصور ؟
- ومن أين يكون للذئب عشق ليوسف ؟ اللهم إلا على سبيل المكر ، ولكي يأكله 
- وعندما يتخلص من الذئبية ، يصبح مأذونا له ، ويصبح من الآدميين ككلب الكهف . « 1 »
- وعندما شم أبو بكر رضى اللَّه عنه رائحة من محمد صلى الله عليه وسلم ، قال : هذا ليس وجه كاذب .
- ولما لم يكن أبو جهل من أصحاب الألم ، ورأى مائة شق للقمر ، أم يؤمن .
 
2065 - والمتألم الذي أفتضح ألمه ، أخفينا عنه الحق ، ولم يخف عليه .
- وذلك الذي يكون جاهلا ، وكان بعيدا عن ألمه ، أظهرناه له مرارا ، لكنه لم يره .
- وينبغي أن تكون مرآة القلب صافية ، حتى تستطيع أن تميز منها الصورة القبيحة من " الصورة " الحسنة 
 
ترك ذلك الرجل الناصح للمغتر بالدب بعد مبالغته في نصحه

 
- وذلك المسلم ، ترك الأبله ، وعاد سريعا وهو يهمس محو قلا :
...............................................................
( 1 ) ج / 4 - 516 : - وعندما رأى أبو بكر الصالح محمدا ، أدرك صدقه ، وقال : هذا صادق .
 
 
« 182 »
 
- لما كان الوهم يزداد عنده من جدي ونصحي جدلا منه ،
 
2070 - إذن فقد سد طريق الموعظة والنصيحة ، وحق عليه " قوله تعالى "أَعْرِضْ عَنْهُمْ.
- وما دام دواؤك يزيد الألم ، فعليك إذن أن تطرح الموضوع عن الطالب ، وأن تقرأ " عبس " .
- وما دام الأعمى قد جاءك طالبا للحق ، فلا ينبغي أن يضيق صدرك من جراء فقره .
- وأنت حريص على رشاد العظماء ، وحتى يتعلم العوام من الرؤساء .
- ويا أحمد ، لقد رأيت قوما من الأكابر يستمعون إليك ، فقلت : لعل وعسى .
 
2075 - ومن الأفضل أن يصبح هؤلاء الرؤساء من رفاق الدين ، فهم رؤساء على العرب والحبش .
- فيعبر هذا الصيت البصرة وتبوك ، لأن الناس على دين الملوك .
- ولهذا السبب توليت عن ضرير طالب للهداية ، وضقت به ذرعا .
- على أساس أنه قليلا ما تتوفر هذه الفرصة في مثل هذا الجو ، وأنت " أيها الأعمى " من الرفاق ، وأمامك متسع من الوقت .
- وإنك لتشق علىّ في فرصة ضيقة ، وأنا أنصحك ، لا عن غضب أو جدال .
 
2080 - ويا أحمد ، إن هذا الضرير عند الله ، أفضل من مائة قيصر ، ومائة وزير .
- فهيا تذكر الناس معادن ، وثم معدن أثمن قيمة من مائة ألف .

 
 
« 183 »
 
- ومعدن الياقوت والعقيق المكنون ، أقيم من مئات الآلاف من مناجم النحاس .
- ويا أحمد ، إن المال لا يجدي هنا نفعا ، بل ينبغي أن يكون الصدر مليئا بالعشق والألم والحرقة .
- فإن جاء أعمى مستضيء القلب ، لا تغلق الباب ، وعظه ، فالموعظة من حقه .
 
2085 - وإن أنكر عليك اثنان أو ثلاثة من البلهاء ، فمتى تحس بالمرارة ؟ إنك معدن الشهد .
- وإن اتهمك اثنان أو ثلاثة من البلهاء ، فإن الحق يشهد لصالحك .
- فقد قال : لا يهمني أن يعترف العالم كله بي ، وأي حزن يحس به ذلك الذي يكون . الحق شاهده .
- ولو كان للخفاش نصيب من الشمس ، لكان هذا دليلا على أنها ليست شمسا .
- ونفور الخفافيش مني يكون دليلا على أنني الشمس المشرقة الجليلة .
 
2090 - وإن رغب الجعل في ماء الورد ، لكان دليلا على أنه ليس ماء ورد .
- وإن صار زائف شاريا للمحك ، لوقر الشك في كونه قادرا على الحكم .
- واللص يريد الليل لا النهار ، واعلم هذا ، ولست أنا ليلا ، بل نهار أشع على الدنيا .
- وأنا الفارق والفاروق وكأنني الغربال ، بحيث لا يستطيع القش أن يعبر مني .
- وأنا أفرق بين الدقيق والنخالة ، حتى أبدي تلك النفوس مجرد نقوش .

 
« 184 »
 
2095 - وأنا مثل ميزان الله في الدنيا ، أميز بين الثقيل والخفيف .
- والعجل يرى أن الثور إله له ، فيا له من مشتر حمار ، ويا لها من بضاعة مناسبة له .
- ولست بالثور حتى يشريني العجل ، ولست بالشوك حتى يرعاني البعير .
- فهل يظن أنه جار عليّ ، لا . . . بل محا الغبار عن مرآتي .
 
تملق مجنون لجالينوس وخوف جالينوس
 
- قال جالينوس لأصحابه : أعطوني دواء كذا .
 
2100 - فقال أحدهم : يا ذا الفضائل ، إن هذا الدواء يتعاطى من أجل الجنون .
- ألا أبعد الله هذا عن عقلك ، لا تقل هذا ثانية . قال : لقد نظر إليّ أحد المجانين . .
- لقد تملى برهة في وجهي سعيدا ، وغمز لي بعينه ، ومزق كم ثوبي .
- فإن لم يكن هناك تجانس بيني وبينه ، فمتى كان هذا القبيح الوجه يقبل عليّ ؟
- وإن لم يكن قد رأى من هو من جنسه ، فمتى كان يأتي إليه ؟ ومتى كان يأتلف مع من هو من غير جنسه ؟
 
2105 - فإذا ما ائتلف شخصان ، فلا شك أن بينهما قدرا من المجانسة
- ومتى يطير طائر إلا مع من هو من جنسه ؟ وصحبة المرء لمن ليس من جنسه ، قبر ولحد .
 
سبب طيران طائر مع طائر ليس من جنسه والتقاطه الحب معه
 
- قال أحد الحكماء : لقد رأيت في الصحراء غرابا مع لقلق يسعيان معا .
 
 
« 185 »
 
- فتعجبت ، وتفحصت حاليهما ، حتى أجد أمارة عن قدر من المشاركة بينهما .
- وعندما اقتربت منهما حائرا مندهشا ، رأيت بنفسي أن كلا منهما كان أعرج .
 
2110 - هذا بخاصة إن كان ثم صقر ملكي منسوب إلى العرش مع بومة من أهل الخرائب .
- فأحدهما كان شمس عليين ، والآخر خفاش من سجين .
- أحدهما نور بريء من كل عيب ، والآخر أعمى متسول على كل باب .
- أحدهما قمر يطامن الثريا ، والآخر دودة تعيش في الروث .
- أحدهما ذو وجه كوجه يوسف ونفس كنفس عيسى ، والآخر ذئب أو حمار بجرس .
 
2115 - أحدهما محلق في اللامكان، والآخر "عاكف" على المزابل كالكلاب . «1»
- وبلسان معنوي يقول الورد للجعل : يا منتن الإبط ،
- إنك إن كنت هاربا من الروضة ، فإن هذا النفور كمال للروضة .
- وإن غيرتي لتدق على رأسك ، قائلة لك : إبتعد . . إبتعد أيها الخسيس عن هذا المكان .
- وإن إختلطت أنت - أيها الدني - بي ، ليظن " الناس " أنك من معدني . « 2 »
...............................................................
( 1 ) ج / 4 - 547 : - أحدهما سلطان عالي المرتبة ، والآخر في مزبلة وفي حداد . 
- أحدهما خلق من إكرامه في خجل ، والآخر في حزن من الإملاق . 
- أحدهما صار رئيسا لأهل الزمان ، والآخر مغمور تماما في تراب المذلة .
( 2 ) ج / 4 - 547 : - وأنه إن كان يخالطني فمن نقصاني ، ذلك أنه يظن أنه ملكي . 
- فإن خالطني ذلك الملئ بالسم ، فكما يخالط الفأر البحر والسمكة اليابسة .
 

« 186 »
 
2120 - وإن الرياض لتجمل بالبلابل ، وأفضل للجعل المرحاض وطنا .
- ولما كان الحق قد طهرني من الدنس ، فكيف يليق بي أن يبلوني بالدنس ؟
- ولقد كان في عرق منه فقطعه ، فأني يصل إليّ إذن هذا العرق الدني ؟
- لقد كانت إحدى أمارات آدم منذ الأزل ، أن يسجد الملائكة لمقامه " السامي " 
- وأمارة أخرى ألا يسجد له إبليس ، وأن يقول : أنا الملك ، وأنا الرئيس ! !
 
2125 - ومن ثم فإن كان إبليس قد سجد بدوره ، لما كان هو آدم ، بل لكان غير آدم .
- فإن سجود كل ملك معيار له ، كما أن جحود ذلك العدو برهان له .
- لقد كان دليله اعتراف الملائكة ، كما كان دليله أيضا كفر ان الكليب .
- وهذا الكلام لا نهاية له ، فعد ، لنر ما ذا فعل الدب بذلك الرجل الساذج .
 
تتمة اعتماد ذلك المغتر بتملق الدب
 
- لقد نام الرجل ، والدب يذب عنه الذباب ، ومن العناد عادت ذبابة " وحطت " سريعا .
 
2130 - وذبها عدة مرات عن وجه الشاب ، لكن تلك الذبابة كانت تعود سريعا .
- فغضب الدب على الذبابة ، وذهب فاقتلع صخرة ضخمة من الجبل .
- وجاء بالصخرة ، فرأى الذابة ثانية ، قد استقرت على وجه النائم واستراحت .
- فحمل تلك الصخرة - وهي كحجر الرحى ، وألقى بها على تلك الذبابة ، حتى تطير .
- فحطمت الصخرة وجه النائم تماما ، وشاع هذا مثلا في العالم كله .
 
2135 - وحب الأبله مثل حب الدب يقينا ، فحقده حب ، وحبه حقد 
- وعهده واه وخرب وضعيف ، وقوله ضخم ، ووفاؤه نحيل .
 
« 187 »
 
- فلا تصدقه ، حتى وإن أقسم ، فإن معوج الحديث يحنث بيمينه .
- وما دام كلامه بلا يمين كذبا ، فلا تنخدع بمكره ويمينه ، وتقع في المخيض .
- فنفسه أميرة " عليه " ، وعقله أسير ، فاستهن بقسمه على مائة ألف مصحف .
 
2140 - فإن كان بلا يمين يحنث بعهده ، فإن أقسم ، سيحنث به أيضا .
- ذلك أن النفس تزداد إضطرابا إن قيدتها بيمين مغلظة .
- وعندما يشد أسير وثاق الحاكم بقيد ، فإن الحاكم يمزقه ، وينطلق منه .
- ويدقه على رأسه غضبا بذلك القيد ، ويصفع وجهه باليمين .
- فاقنط من أن ينفذ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ، ولا تقل له احْفَظُوا أَيْمانَكُمْ .
 
2145 - وذلك الذي جعل الحق سندا له في أيمانه ، يجعل من جسده خيطا ، وينسج حوله .
.
* * *

شرح إنكار موسى عليه السّلام مناجاة الراعي

( 1725 ) : ورد أصل الحكاية المذكورة هنا فيما يرى فروزانفر ( مآخذ / 60 ) في كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه وفي شرح نهج البلاغة ، وفي كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة ، وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ، وإحياء علوم الدين للغزالي .
 
( 1741 - 1742 ) : [ إن الله عز وجل يقول يوم القيامة : يا ابن آدم مرضت فلم تعدني ، فيقول : يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ قال : أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده ؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده ؟ . يا ابن

 
« 413 »
 
آدم استطعمتك فلم تطعمني ، قال : يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟
قال : أما علمت أنه إستطعمك عبدي فلان فلم تطعمه ، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ؟ يا ابن آدم إستسقيتك فلم تسقني ، قال : يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين ؟ قال : إستسقاك عبدي فلان فلم تسقه ، أما أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي ] ( جلبنارلي : 2 / 229 )
 
( 1743 ) : [ لا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته ، كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، وقدمه التي يسعى بها ، ويده التي يبطش بها ] ( أحاديث مثنوي / 18 - 19 ) .
 
( 1747 ) بالطبع لأنه اسم فاطمة الزهراء رضي الله عنها .
 
( 1755 ) : [ ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق ] ( أحاديث مثنوي / 58 ) ( 1764 ) [ إن الله لا ينظر إلى صوركم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ] ( أحاديث مثنوي / 59 )
 
( 1770 ) أخطاء المحبين في التعبير بمثابة دماء الشهداء شرف لهم ، ودليل على حرقة القلب وصدق العبادة ، فالغائب الثمل لا ينمق العبارة ، وخطؤه هذا بمثابة دماء الشهيد التي ينبغي أن يكفن بها ، فهي شاهد له لا عليه [ ويبعث يوم القيامة ، واللون لون الدم ، والريح ريح المسك ] .
 
( 1773 - 1775 ) : لقد وصل الراعي إلى الكعبة « الكعبة هي القلب كما أشار مولانا في أكثر من موضع من ديوان شمس » فما فائدة التحري والسؤال عن القبلة ؟ وإذا وجدت الحرقة ، فما فائدد تنسيق الألفاظ ؟ ، الياقوت ياقوت سواء وجد عليه ختم أو لم يوجد .
 

 
« 414 »
 
( 1776 - 1780 ) : السر في مصطلح الصوفية مرتبة من المراتب الروحانية للكمال ، وكل وجود ترابي ينبغي له سبع مراتب : الطبع والنفس والقلب والروح والسر والخفي والأخفى . فالوحي للسر ، ولا علاقة للوحي بالروح أو القلب ، فلا يزال فيهما بعض آثار البشرية ، وفيهما الحقيقة ومشاهدة الحقيقة معا . هذه الحالة غير قابلة للتفسير ، فإذا كان موسى عليه السلام وهو نبي لم يتحملها ، فكيف بكم ؟ وأنا لو تحدثت عنها لما تحملتها العقول ، ولانكسرت الأقلام .
 
( 1783 - 1786 ) : المفتون الذي يمضي في الصحراء إلى غير غاية ، لا يكون خطوه مستقيما ، لأنه لا يهدف في مشيه إلى وجهة معينة ، بل يكون سيره كنقلات الفيل والرخ في الشطرنج ، حينا يكون خفيفا بحيث لا يترك أثرا على الرمل وكأنه موج ، وحينا يكون يائس الخطى بحيث يظهر أثره كله كأنه سمكة ، حينا يجلس ويخط خطوطا في الرمال ، وكأنه ضارب رمل .
 
( 1789 - 1790 ) : ليست هناك رعاية للتدابير والآداب لمن هو متصل بالحق إذ أنه « بين الأحباب تسقط الآداب » ، وإن نطقوا بالكفر فهو دين . فدين العاشقين يهب قلوبهم النور ، وعشاق الحق هم الملاذ في الدنيا ( أنظر : زلته في حكم الطاعة عند الحق في الكتاب الأول البيت 1598 ) ، إنك أصبحت معافا مرحوما أيها الراعي مصداقا لقولهيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ( إبراهيم / 27 ) .
 
( 1791 - 1794 ) : يرد الراعي : لم تعد المشكلة مشكلة تعبير وبيان ولسان ، المشكلة الآن في القلب الذي أصبح غارقا في الدم في طريق الفناء ، ذلك أني بما حدث لي من جذب ، جاوزت سدرة المنتهى ، ويسر لي المعراج الروحي ، لقد ضربتني يا موسى بسيف تأديبك فانطلق جواد روحي ، وقفز وجاوز الأفلاك
 

 
« 415 »
 
، ومع أني في الظاهر في الناسوت ، صرت أحد أسرار العالم الإلهي ، فالثناء على يدك .
 
( 1795 - 1804 ) : على كل حال فأنا لا أستطيع التعبير عن أحوالي ، وما تراه أو تحسه صورتك أنت ، وما تسمعه نفختك في الناى ، وكلاهما ليسا جديرين بالمرآة أو بالناي ، وحمدك وشكرك مهما نمقت فيهما ، فهما أشبه بهراء ذلك الراعي
[ لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك ]
لأن المقياس هنا ليس كلام الراعي ، بل قيمة المخاطب ، وكله سواء : قولك وقول الراعي وقول الخطباء والفصحاء ومديح الشعراء في جناب الحق ، كله لا يساوي شيئا ، وهذا تعرفه عندما يكشف الغطاء يوم القيامة ، فتعلم أن أوصافك دون الموصوف بكثير ، وأنه من قبيل الرحمة فحسب أن قبل منك هذا الذكر الناقص ، إنه يقبله كما تقبل صلاة الحائض فهي رخصة ، وهي ملوثة بالدم ، والذكر الذي تقوم به أنت فيه تشبيه وفيه حديث عن الكيفية ، ودم الحائض يطهر بالماء ، لكن نجاسات الباطن . . كيف تطهر ؟
إنما لا يطهرها شيء إلا لطف الخالق سبحانه وتعالى ورحمته .
 
( 1805 - 1808 ) : لا يزال الكلام لمولانا جلال الدين : ليتك تنتبه وأنت في سجودك إلى قولك سبحان ربي الأعلى ، إنه يعني : سجودي هذا كوجودي تماما غير جدير بك ، وهو شر مني ، لأني لست أدري معناه الحقيقي وهو تنزهت عن كل صفة يصفك بها البشر ، أو « سبح اسم ربي الأعلى تسبيحا عما لا يليق بشأنه » ( أنقروي / 2 - 296 ) ، وعلى هذا فذكري هذا شر ، لكنك تجازيني عليه بالخير حلما منك ، ذلك الحلم الذي شمل الأرض كلها ، تلقي عليها أيها الإنسان بخبثك فتستره ، وتمبت بدلا منه الزهور والبراعم .

 
« 416 »
 
( 1809 - 1819 ) : من هنا يعد الكافر من وجهة نظر العطاء والجود أقل من التراب ، وهذا بعكس الصوفي « لأنه كالأرض يطرح عليها كل قبيح ولا يخرج منها الاكل مليح » ( أنقروي / 2 - 296 ) ، والكافر لا محالة نادم على هذا ، يعلم أنه أقل من التراب يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ ، وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً ( النبأ / 40 )
إن ميله كله إلى التراب ، لأنه لم يحمل إلى الحضرة من سفره ما ينفعه ، فهو يتقهقر ، وبخله وحرصه هو سبب تقهقره ، وهو نبات يلتصق بالأرض ولا يسمق ولا ينمو ، ولا يطمح إلى العلا فيموت ، والروح ميالة إلى العلا ، فلا تحبسها في طين الأرض ، ولا تقلب طبيعة وجودك ، فلقد نزلت من السماء إلى الأرض ، أو على حد قول ملا هادي السبزواري ( شرح / 145 )
كل موجودات هذا العالم الأدنى ظلال وانعكاسات لموجودات العالم الأعلى ، وفي الحقيقة كل الموجودات ظلال للوجود الأحدي ، ومن ثم مطلوب منك أن تنظر دائما إلى موطنك ، لا أن تكون آفلا ، فالله لا يحب الآفلين .
 
( 1820 - 1829 ) : يقدم سيدنا موسى عليه السلام بعض الأسئلة إلى الخالق سبحانه وتعالى ( من قبيلها أيضا ما ورد في الكتاب الرابع الأبيات : 3001 - 3029 )
ويرى استعلامي ( 2 / 263 ) أن البحث الذي يدور هنا حول تفسير لحكمة الله تعالى في خلق الكفرة والعصاة مع سابق علمه تعالى بأنهم سوف يكونون من الكفرة والعصاة .
والواقع أن الأبيات تحتوي على أكثر من قضية من القضايا التي كان يحلو لمولانا جلال الدين الخوض فيها ، سؤال موسى عليه السلام : ما المقصود بكل هذا الإعوجاج الذي يسود العالم من حولنا ؟
غلبة الظلمة وأنين المظلومين ، وهذا التناقض الشديد الذي نراه ، وتلك المظاهر التي تثير الغيظ والثورة ، ثم ما هو السر في خلق الإنسان في أحسن تقويم ، ثم أفوله وشيخوخته
 

 
« 417 »
 
وموته ، ويتدارك موسى عليه السلام : إنه يعلم أن كل هذا لحكمة ، وهو لا يعترض ، إنه يسأل فحسب ، والملائكة عندما اعترضوا على خلق آدم ، أبدى لهم الله سبحانه وتعالى السر بعرضه لنور آدم عيانا ، وموسى عليه السلام يريد الجواب أيضا عيانا ، فالله سبحانه وتعالى هو كاشف الأسرار ، الحشر يكشف سر الموت ، والثمرة تبوح بسر الشجرة ، وهلم جرا .
 
( 1830 - 1845 ) : لكل شيء سر ، هذا أمر معلوم ومفهوم . حسن الإنسان هو سر الدم والنطفة ، وكل رحمة في الآخرة لا بد وأن يسبقها في الدنيا بلاء ومعاناة ، فكل زيادة يسبقها نقصان ، وكل بناء يسبقه هدم وإليك هذه الأمثال :
لوح الكتابة يغسل ويمحى في البداية ثم يكتب عليه ، والقلب يعاني العذاب ويصير دما حتى تكتب عليه أسرار الإله ، والمنزل عند بنائه يحفر أساسه ، والأطفال ينوحون من إبرة الحجام وفيها خيرهم ، والحمالون يتخاطفون الأحمال على ثقلها فكلما كانت أثقل كان نفعها أكبر ، واقرأ الحديث النبوي الشريف
[ حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات ]
ومن عكف على لذائذ الشهوات هنا ، صار إلى النار هناك ، ومن عانى مشقة الطريق وناره هنا ، مضى إلى الجنة هناك ، هذا البلاء الدنيوي إذن مقدمة للنعمة الأخروية ، وهذا هو ما تلاحظه حتى في الدنيا ، السجين سجين بسبب شهوته ، والعظيم عظيم بسبب تحمله المشاق وصبره على التكسب .
 
( 1846 - 1851 ) : وهناك صنفان من البشر : صنف نافذ البصر ، ينظر بنور الله ، يرى أن الأمر كله يرجع إليه ، وصنف مقيم على الحس يتوخى الأسباب . الأول روحه خارج الطبائع أي لا يعتبر الطبائع وانسجامها أو تنافرها سببا لكل شيء ، ومن ثم فهو المميز بخرق الأسباب ، أي لا يتوقف عند الأسباب
 

 
« 418 »
 
ولا يرى أنها تؤدي إلى نتائج حتمية ، فالطبيب سبب لكن ليس من المحتم أن يؤدي علاجه إلى الشفاء ، وهذا الصنف الآخر كالمصباح يحتاج إلى فتيل ، لكن هل تحتاج الشمس إلى فتيل؟ وسقف الدار في حاجة إلى طلاء، لكن هل يحتاج ذلك سقف السماء؟
 
( 1852 - 1865 ) : وقفة أخرى من وقفات مولانا : اغتنم الوقت الذي يكون فيه الحبيب معك في خلوة الليل فسرعان ما يطلع النهار وتعود إلى حالتنا اليومية .
والقمر لا يتجلى إلا ليلا ، فكن دائما على استعداد لهذا القمر ، ولا يكون هذا الاستعداد إلا بالبحث من أعماق القلب ، تربية عيسى ( الروح ) وإهمال حمار عيسى ( الجسد ) ، وانك لم تسمع « أخروهن » من الحديث النبوي »
[ أخروهن من حيث أخرهن الله ]
وربما تكون قد سمعته ، وفهمت منه أن المقصود من هذا الحديث النساء ، وسقت طويلا في هذه المعاني متناسياً النصوص التي توصى بهن ، ولم تدر أن المراد هو النفس وهي حمارية الطبع فأخرها ، واجعل العقل متقدما إياها ، لا تابعاً لمزاجها ، تراني شبهتها بحمار عيسى ؟ !
أبداً ، إنها حتى لا تصل إلى هذا المستوى ، فحمار عيسى كان منقاداً لعيسى متأثرا بقوته الروحية العظيمة منقادا لها ، ولا تحرن المطية إلا إذا كان الفارس ضعيفاً ، فإذا عز عليك الدواء لا تطلب الداء إلا منه ، والزمه ، فإنه هو القادر على علاج ما بك من ألم وضعف .
 
( 1866 - 1881 ) : حتى وإن كنت عيسى ، حتى وإن كانت لك روح قوية كروح عيسى عليه السلام وكان لك نفس يحيى الموتى كنفسه ، فالأمر منك في حاجة إلى جد واجتهاد ، فعيسى نفسه عانى من اليهود ، ويوسف عانى من الاخوة الماكرين الحسودين ، وأنت لا بد ستعانى من هؤلاء الحمقى الغاضبين

 
« 419 »
 
الصفراويين ، الذين يصبون حقدهم عليك فينقلب إلى ازعاج لك ووجع رأس ، فهل يقعدك هذا عن الطريق ؟ !
هل يمنعك عن إتمام الطريق ؟ ! هل يحول بينك وبين مجاهداتك ورياضاتك وتفردك العظيم ؟ ؟ !
إنك أنت العسل ، وهؤلاء الناس هم الخل ، وعلاج الصفراء الناجع بمخلوط العسل والخل ، وإن زاد أهل الجحيم هؤلاء في نسبة الخل فزد أنت في نسبة العسل ، قدم أنت الخير إن قدموا لك الشر ، وهم يفعلون ما هم جديرون به ، فافعل أنت ما أنت جدير به [ صل من قطعك واعط من منعك وأعف عمن ظلمك ] ،
وليكن تأسيك بمحمد صلى الله عليه وسلم ، تعرض لما لم يتعرض له بشر ، وكان رده الدائم : [ اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ] ،
 
 لتكن محترقا كالعود تنشر الأريج وأنت تحترق ، فإن احترق العود ، فإن منبع العود موجود وهو أصل النور ، وليكن صفوك دائما مع العاقل ، فجفاء العاقل خير من وفاء الأحمق الجاهل ، وهكذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : [ يا بنى إياك ومصادقة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك ]
( منسوبة في شرح نهج البلاغة إلى علي رضي الله عنه ومنسوبة في عيون الأخبار إلى عمر رضي الله عنه ورويت كحديث في اللؤلؤ المرصوع وقال إنه موضوع - فروزانفر : أحاديث / 60 - 61 ) .
 
( 1882 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت أورد فروزانفر ( مآخذ 61 - 62 ) حكايتين من فردوس الحكمة والفرج بعد الشدة قريبتين منها في بعض المواقع إلا أنهما لا ينطبقان عليها ، والواقع أن مولانا استفاد من حكاية قيىء لقمان للفاكهة المذكورة في الكتاب الذي بين أيدينا ، والعاقل هو المرشد والنائم الذي دخلت الحية في بطنه هو المريد الجاهل ، وما قام به المرشد من مكابدات مع النائم حتى يخرج
 

 
« 420 »
 
الحية ، كناية عن الجهود التي يقوم بها المرشد لتخليص المريد حتى وإن كان هو غافلا عنها .
 
( 1915 - 1919 ) : الحديث عن النفس الأمارة بالسوء [ أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك ] فضلا عن حديث آخر استفاد منه مولانا في وصفه [ لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلًا ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون لله تعالى ، لا تدرون تنجون أو لا تنجون ] ( أحاديث مثنوى : 61 ) .
 
( 1920 ) : عن أبي بكر الربابى ( أنظر شروح البيت 1577 من الكتاب الذي بين أيدينا ، والشطرة الثانية من نفس البيت إشارة إلى حكاية واردة في الكتاب الثالث ، الأبيات 1844 - 1856 ) .
 
( 1922 - 1925 ) : الكلام هنا على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم و يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ إشارة إلى بيعة الرضوان ، وتوارد " اليد الطولى " أي القوة التي لا يفهمها الضعفاء ، اليد القادرة بإشارة من طرف الإصبع على شق القمر .
 
( 1926 ) : من هنا حديث للعاقل مع النائم الذي أخرج الحية من بطنه .
 
( 1935 ) : مصدر الحكاية كما أورده فروزانفر ( مآخذ / 62 - 65 ) كتاب فرائد السلوك ، الذي انتهى تأليفه سنة 610 هـ
- والمصدر يذكر قرداً بدلًا من دب ويرى أن فحوى الحكاية ناظرٌ إلى قول الإمام علي رضي الله عنه : يا بنى إياك ومصادقة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك ، وقول عبد الله بن داود بن حربي : " كل صديق ليس له عقل أشد عليك من عدوك " وجاء في شعر صالح بن عبد القدوس :عدوك ذو العقل أبقى عليك * من الصاحب الجاهل الأخرقوضرب المثل بالحكاية في المأثور الشعبي الفارسي : فيقال ( دوستى خاله خرسه ) عداوة الخالة الدبة لصداقة الجاهل الغادر . وكتب محمد على جمالزاده الكاتب
 

 
« 421 »
 
المعاصر قصة مستخدماً المثل كرمز سياسي للصداقة المدعاة من قبل الروس لإيران في مرحلة من تاريخها ( أنظر مجموعة يكى بود يكى نبود ) .
 
( 1936 - 1942 ) : يتحدث مولانا هنا عن المسؤولية الاجتماعية عن العارفين :
ليس العارف معتزلًا ، همه أن ينقذ نفسه ، بل هو موكل بالدفاع عن المظلومين والمطحونين ، تحركهم الرحمة ، فهم جزء من الرحمة الكلية ، وهم ملح الأرض ، ودواء الخلل ، وهم الدواء الذي يبحث عن الداء والماء الذي يبحث عن الظامىء . وعند الأفلاكى 1 / 260 ذكر لبيت " أن المدد يكون لأسود لرجال . . . الخ " في معرض ما حدث من خراب لبلخ بعد خروج بهاء ولد منها ( أنظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الأول ) .
 
( 1934 - 1954 ) : الحديث عن الرحمة الإلهية ، ولكي تنزل عليك اعتبر نفسك وحياتك الدنيا هباءً ، حينذاك تنصب عليك المعرفة الإلهية التي تسترك ، ورحمة الله واسعة متصلة لا حدود لها ، فداوم على طلبها ، ولا تقنع بالقليل منها ، وفكر فيما وراء عالم المادة ، حينذاك تسمع الأنغام مما وراء العرش ، تخلص من كل ما يحول بينك وبين هذه المرتبة : طهر أذنك من الوسواس ، وعينيك من الشعر وأنفك من الزكام ، وداخلك من الحمى الصفراء ، ورجولتك من العنة ، وروحك من نير الجسد ، ويدك وعنقك من نير البخل ، تنال جزاء كل فعل ، تسمع ضجيج الفلك ، وترى بستان الله ، وتشم ريح الله ، وتحس بلذة الدنيا ، وتتزوج الحور العين ، وتطوف حول محفل الرجال .
 
( 1955 - 1958 ) : وإن لم تستطع أن تفعل ذلك ، فاحمل كل همومك إلى كعبة اللطف ، ونح وتضرع فهذه هي وسيلة الوعي وعامل اليقظة ( أنظر 630 و 832 و 1552 من الكتاب الأول ) وهو أحن عليك من الأم على طفلها ، وحاجتك طفل

 
« 422 »
 
لا بد أن يبكى حتى يفور ثدي الأم باللبن ( أنظر لتفصيل الفكرة الكتاب الخامس ، الأبيات 135 - 144 وشروحها وأنظر الكتاب الذي بين أيدينا البيتين 446 - 447 وشروحهما ) ألم يقل قُلِ ادْعُوا اللَّهَ ( الاسراء / 110 ) والدعاء لله هو بكاؤك وتضرعك .
 
( 1959 - 1964 ) : هزيم الريح وانصباب المطر من السماء هو الإجابة على دعائك ، وهذا هو معنىوَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ ( الذاريات / 22 )
والمعنى : إن التصاقك بالأرض لا معنى له إذا كان رزقك في السماء ، وخوف الفقر هو الذي يضلك الشيطان يخوفكم الفقر ويأمر بالفحشاء وفيك لمة من الملك ولمة من الشيطان ، لمة تدعوا إلى العلا ، ولمة تدعو إلى الحضيض ، ولست أقصد بالرفعة هنا رفعة المكان ، بل هي كمال العقل وكمال الروح التي تتصل بالملأ الأعلى .
 
( 1965 - 1974 ) : يوضح أن الرفعة ليست بالمكانة ، فمن المعروف أن الأسباب مقدمة في الظاهر على نتائجها ، لكن حتمية وجودها في أنها تسبب هذه الآثار ، والعظماء في الدنيا في مكانة أعلى ، لكن [ رب أشعث أغبر ] يكون في مكانة عند الله أفضل منهم جميعاً ، والأسباب مقدمة في العمل والنتائج مقدمة في الأثر .
 
( 1976 ) : الشطرة الثانية ناظرة إلى الآية الكريمةوَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ.
 
( 1977 - 1986 ) : حيلتك ومكرك مصدرها الخالق ، فعد إلى الخالق ، وكل ما هو موجود في منخفض ( الماء مثلا ) إنما هبط من السماء ، ونظرك إلى أعلى يهبك النور وإن كان يأتيك بالدوار في البداية ، وبعدها يتضح لك كل شئ : أمارة
 

 
« 423 »
 
النور تدرك أن في شهوتك مماتك ونهايتك ، وتدرك أن تجربتك محدودة ، وأنك مغرور بعمل قليل ، متمرد على أستاذك بهذا العلم القليل فيكون مصيرك كالسامري أضله علم قليل تعلمه من موسى عليه السلام وقضى عليه ( أنظر الكتاب الأول 2269 ) .
 
( 1987 - 1996 ) : المعرفة الناقصة تردى صاحبها ، تجعل منه رئيسا ثم تطيح برأسه ، فكن في حمى شيخ كامل " قطب " واستفد منه ، فعملتك مزيفة ، وعملته صحيحة ، وكمال ذاتك بهمتك ، فكن كالقطا باحثا عنه متسائلًا في كل مكان : كو كو : أين . . . أين ؟ ؟
ولكي تكون مستعدا لخدمة البشر ينبغي أن تلزمه في البداية ، وإلا كنت كالدب في فم الأفعوان ، وأكرر عليك ، التضرع والبكاء هما الوسيلة والشيخ هو واسطة العناية ، فزاول الأنين كما أن الدب ، لكن كن في أنينك خاشعاً طيباً حسن الصوت وإلا كنت كمن سأروى لك حكايته .
 
( 1997 ) : أرجع فروزانفر الحكاية التي تبدأ بهذا البيت إلى محاضرات الراغب الأصفهاني ، كما وردت الحكاية في شرح نهج البلاغة ، وأشار شاعرٌ إلى هذا بقوله :اثنان إذا عدا * حقيقٌ بهما الموت
فقير ماله زهد * وأعمى ماله صوت( مآخذ / 65 )
 
( 2004 - 2014 ) : إن اعتراف الأعمى قبيح الصوت بما فيه من عيب ، أبدى قلبا رقيقاً حساساً انعكس على صوته فجعله حلوا ، وإلا فإن أسود القلب الذي لا يرى عيبه يكون صوت قلبه ايضاً قبيحاً ، فيكون ذا ثلاث عاهات لا عاهتين ، وربما كان قلب ذلك الأعمى قد تعرض للطف أحد المشايخ المرشدين فرقق قلوب المحسنين عليه ، ومن هنا يدعو الكافر فلا يستجاب له بل يستجاب عليه ب
 

 
« 424 »
 
اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ( المؤمنون / 106 ) ، وفي البيت 2014 إشارة إلى المثل العربي : " آخر الدواء الكي " .
 
( 2040 ) : عودة إلى قصة السامري وعجله الذهبي وموسى عليه السلام ( انظر 2269 من الكتاب الأول ) ويرى فروزانفر أن الأفكار المذكورة هنا ناظرة إلى بيت لسنائى الغزنوي :
العوام يؤمنون بألوهية العجل * لكنهم لا يؤمنون برسالة نوح ( ديوان / 498 ) ( عن مآخذ / 65 ) ( 2043 ) : إشارة إلى معجزة شق البحر بالعصا ( البقرة / 50 ) .
( 2045 ) : إشارة إلى المن والسلوى في تيه بني إسرائيل وانبجاس الماء من الصخر ( البقرة 57 و 60 ) .
 
( 2070 ) : أَعْرِضْ عَنْهُمْ ( السجدة / 30 ) .
( 2071 - 2079 ) : عَبَسَ وَتَوَلَّى . أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى . وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى . أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى . أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى . فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى . وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى . وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى . وَهُوَ يَخْشى . فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ( عبس / 1 - 10 ) ،
 
والإشارة إلى مجىء ابن أم مكتوم ، وكان ضريراً وقوله للرسول صلى الله عليه وسلم أثناء جلوسه مع وجوه قريش ( عتبة بن ربيعة ، وأبى جهل ، والعباس ، وأمية ) : علمني مما علمك الله ، وإشاحة الرسول صلى الله عليه وسلم بوجهه عنه ، ثم نزول الآيات ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يهش في وجهه بعدها كلما رآه ويقول له : أهلا بمن عاتبني فيه ربى ، ( مولوى 1 / 450 ) .
 
وفي تعليق للسبزواري ( شرح ص 146 ) أن هذه لم تكن معصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن العبوس والتهلل في وجه الأعمى يستويان .
 
( 2081 ) : [ الناس معادن خيارهم في الجاهلية ، خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ]

 
« 425 »
 
( أحاديث مثنوى / 61 - 62 ) وعند جلبنارلى ( 2 / 258 ) رواية أخرى عن الجامع الصغير : [ الناس معادن والعرق دساس وأدب السوء كعرق السوء ] .
 
( 2099 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت ، قال فروزانفر ( مآخذ / 66 ) أنها مأخوذة عن حكاية وردت في قابوس نامه عن محمد بن زكريا الرازي ( المتوفى سنة 320 ه ) وذكر استعلامى انها تكررت في مصادر عديدة قبل مولانا ، ووردت في بعض المصادر القديمة عن أبو قراط .
 
( 2106 ) : هناك مثل فارسي يقول :
كل طائر يطير مع جنسه * الحمامة مع الحمامة والبازي مع البازي وفي المثل العربي " كل طير يطير مع شكله " ( 2107 ) : المثل الذي يبدأ بالبيت مأخوذ فيما يرى فروزانفر ( مآخذ / 66 ) عن المجلد الثاني من إحياء علوم الدين للغزالي .
 
( 2116 - 2120 ) : وإذا أتتك مذمتي من ناقص ، فهي الشهادة لي بأنى كامل .
( 2144 ) : إشارة إلى الآية الأولى من سورة المائدة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، والآية 89 من نفس السورة وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ.
.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: