الخميس، 27 أغسطس 2020

15 -  الهوامش والشروح 69 - 496 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

15 - الهوامش والشروح 69 - 496 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

 الهوامش والشروح 69 - 496 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

شرح قصة آكلي ولد الفيل من الحرص وترك نصيحة الناصح
( 69 ) مصادر القصة التي تبدأ بهذا البيت كثيرة ، فقد رويت في حلية الأولياء لأبى نعيم الاصفهاني ( الجزء العاشر ) عن نذر أبى عبد الله القلانسي إن أنجاه الله من سفينة عصفت بها الرياح ألا يأكل من لحم الفيل ، ثم انكسرت السفينة ووقعوا على الساحل فإذا بولد فيل أكله رفاقه وناموا ، ثم جاءت الفيلة تطلب ولدها حتى انتهت إلى عظامه فشمت أفواه أكليه ومزقتهم شر ممزق ولم تجد رائحة من القلانسي ، فمكنته من ركوبها ونقلته إلى العمران ، ثم نقلت من
 
“ 421 “
 
حلية الأولياء في أكثر من مصدر منها حياة الحيوان للدميري ( مجلد 2 ) كما نسب ابن بطوطة هذه الحكاية لابن خفيف الشيرازي ، نقلتها أنا ماريا شميل في سيرة ابن خفيف ( أنظر سيرة الشيخ الكبير ص 275 - من الترجمة العربية لكاتب هذه السطور ص 276 القاهرة 1977 ) بديع الزمان فروزانفر : ماخذ قصص وتمثيلات مثنوى تهران 1333 ه - ش ص ص 87 - 88 بعد ذلك يذكر ماخذ فقط ) كما ترجمت الزميلة المرحومة الدكتورة إسعاد قنديل هذه القصة تحت عنوان “ قصة أكلى ولد الفيل مع بعض التعليقات “ .
 
( 79 - 84 ) يبدو أن مولانا يقصد في هذه الأبيات الحديث النبوي “ الخلق كلهم عيال الله “ فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله “ ( مروى في الجامع الصغير عن ابن مسعود ) وهم أطفال الله لأنهم وكلوا أمرهم كله الله ، ولو وكلوا لأنفسهم في رأى نجم الدين كبرى “ كانوا يعملون السيئات ( مولوى / 3 - 20 ) ،
لأن الولي في غيبته أو حضوره أو في سكره وصحره لا يغفل عن الله طرفة عين ، ومن ثم فمهما بدوا في أعين الخلق أذلاء حقراء إلا أنهم “ أولياء “ الله في حفظة . . . وهم ( كنفس واحدة ) ( انظر البيت 35 وتعليقاته ) .
 
( 85 - 91 ) ومن ثم فإن كل معجزات الأنبياء هي من هذه الولاية ، وهي بيان عملي من الله على قدرتهم وعظمتهم ويجرد الآيات القرانية فالبيت 85 مستند على الآيات
 
( 56 - 72 ) من سورة طه ، و 86 مضمون سورة نوح الآيات ( 14 - 15 ) من سورة العنكبوت و 87 قصة عاد ولعنة لوط ، ويقصد في البيتين ( 88 - 89 ) خرائب مدينة لوط وهي بالقرب من بيت المقدس ، أما البيت 90 فيرى أن معجزات الأنبياء من هذا القبيل كثرة وهي موجودة في كل قرن من القرون الماضية .
 
“ 422 “
 
( 93 ) الأعمى الحاد النظر هو الإنسان الذي يشاهد كل ما يدفعه إليه حرصه لكنه لا يرى ما وراء ذلك .
 
( 97 ) ينقل فروزانفر ( أحاديث مثنوى / 180 ) من روضات الجنات خبرا عن الإمام الرضا رضي الله عنه “ إن لله تبارك وتعالى شراباً لأوليائه إذا شربوا سكروا وإذا سكروا طربوا وإذا طربوا ذابوا وإذا ذابوا خلصوا وإذا خلصوا وصلوا وإذا وصلوا اتصلوا وإذا اتصلوا لا فرق بينهم وبين حبيبهم “ ايضاً جلبنارلى ثالث / 41 ) .
 
( 102 ) ( 1 ) إشارة إلى الآية 61 من سورة التوبة عندما كان الكفار يؤذون النبي ويقولون “ هو أذن “ أي يسمع كل ما يقال ويصدقه ، لكن مولانا هنا يستخدم الآية استخداما اخر وهو أنه كان يسمع كلام المنافقين دون أن ينطقوه ( مولوى / 3 - 25 ) .
 
( 123 ) يرى مولانا أن كل لحظة في عمر الإنسان عمر مستقل يولد فيه الإنسان ويموت ( إن لك في كل لحظة موتا وبعثا - الكتاب الأول / بيت 1150 ) .
 
( 127 ) إن كل لحظة تمضى لا عوض عنها إلا السجود والاقتراب والعبادة فإن هذا يجعل العمر قربة إلى الله تعالى وهذا هو العوض الوحيد عن ضياع العمر .
 
( 138 ) الناصح هنا هو أبو عبد الله القلانسي أو ابن خفيف الشيرازي ( انظر 690 ) .
 
( 140 ) دين الناصح : على أساس أن كل مسلم مدين بالنصح لجميع المسلمين .


“ 423 “
 
( 158 ) المقصود بأم وليد الفيل ذاك قدرة رجال الحق “ استعلامى / 3 - 232 “ .
 
( 161 ) إشارة إلى ما روى عن الرسول أنه قال وهو في المدينة “ إني لأجد ريح الرحمن من قبل اليمن “ يقصد أويس القرني ( مولوى 3 / 35 ) .
 
( 169 - 170 ) : في الدعاء الذي علمه الإمام على رضي الله عنه لكميل بن زياد المعروف باسم دعاء كميل “ اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء “ وفي وصيته رضي الله عنه بعد أن ضربه ابن ملجم “ لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فيولى عليكم شراركم فتدعون فلا يستجاب لكم “ ( جلبنارلى - ثالث - ص 44 ) .
 
( 171 ) اللفظ لا يهم في الدعاء إلى الله المطلع على ما في القلوب إنه يتجاوز الاعوجاج في اللفظ وعدم حسن التعبير إن صحت النية ، ولمولانا جلال الدين في هذا المجال معالجة أكثر تفصيلا في الكتاب الثاني في قصة “موسى والراعي“ (الكتاب الثاني - الأبيات من 1620 إلى 1774).
 
( 172 - 179 ) يضرب مولانا مثلا على عدم أهمية مخارج الألفاظ إذا صحت النية وصلح القلب - أو عدم أهمية الظاهرة إذا صلح الباطن عموما - أو أن خطأ المحبوب أفضل من صواب غير المحبوب بهذه القصة عن بلال ، وهي في الظاهر مأخوذة عن حديث موضوع هو “ سين بلال عند الله شين “ كما ورد نظيرها في تذكرة الأولياء لفريد الدين العطار عن الحسن البصري ، الذي صلى وراء الصوفي حبيب العجمي ولما راه يقرأ الحمد ( الهمد ) انصرف عن الصلاة خلفة ، فعاتبه الله تعالى في نومه قائلا : “ إن هناك فرقا كبيراً بين تقويم اللسان وتقويم القلب “ ( مأخذ / 88 - 89 ) وإخوان الصفا 179 ليس مقصودا به الجماعة التي تحمل هذا الاسم .
 
“ 424 “
 
( 180 - 186 ) الرواية الواردة في الأبيات مبنية على ما ورده الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره ، قال عليه السلام : ادعوا الله بألسنة ما عصيتموه بها ، قالوا يا رسول الله ومن لنا بتلك الألسنة قال يدعو بعضكم لبعض لأنك ما عصيت بلسانه وهو ما عصى بلسانك ( ماخذ 89 ) وفي الجامع الصغير ، دعاء المرء المسلم مستجاب لأخيه بظهر الغيب ، عند رأسه ملك موكل فكلما دعا لأخيه بخير قال الملك أمين ولك بمثل ذلك “ و “ دعوتان ليس بينهم وبين الله حجاب ، دعوة المظلوم ودعوة المرء لأخيه بظهر الغيب “ جلبنارلى - ثالث - ص 107 - ص 108 .
 
( 189 - 197 ) نقل يوسف بن أحمد عن نجم الدين كبرى أن الذكر هنا يحتوى على فاء التعقيب معناه أذكركم فاذكروني كما قال رضي الله عنهم ورضوا عنه ويحبهم ويحبونه ( مولوى / 3 - 38 ) ، ويفسر مولانا هنا فكرة طالما تناولها في المثنوى وفحواها أن الله هو الذي يلهم الدعاء ، وهو الذي يجيب ، والدعاء والاستجابة من الله ، أو كما يعبر هنا : يا الله هي لبيك ، وواضح في البيت 196 أن مولانا يقصد أن الخوف من الله وحب الله كلاهما جذب من قبل الله ، وهو دائما ما يستجيب لتضرع الصادق ورجل الحق “ في الكتاب الأول “ يا رب واحد منه مقابلها ستون لبيك بيت 1588 ) .
 
( 198 - 201 ) وكما أن الدليل إلى الدعاء هو جذب من الله تعالى أنه يسد باب الدعاء أمام من ختم على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم ، فلا إذن لهم يقول “ يا رب “ ، ويصل الأمر ألا يبتلى من لم يؤذن له بالدعاء ، “ وإذا أحب الله عبداً ابتلاه “ فكان البلاء هنا عطية من الله تعالى لأنه يدفع للدعاء المقرون بالاستجابة .
 
( 205 - 210 ) والمخلوقات الأخرى ، حتى المخلوقات التي يقال إنها نجسة كالكلاب ( وتعاطف مولانا جلال الدين مع هذه المخلوقات مشهود في مواضع
 
“ 425 “
 
عديدة من المثنوي كما سنرى ) ليست محرومة من الدعاء ، لأن كل راغب أسير لمانع ، فإن خلص قد نجا ( مولوى / 3 - 41 ) وكما يصل الإنسان بالدعاء والتقرب إلى الخروج من الطبيعة الإنسانية وكذلك بإرشاد المرشد ، فإن الكلب يستطيع ذلك ، والمثال كلب ال الكهف ، وهو مثال يتكرر عند الصوفية كثيراً عن الرياضة والسلوك والعبادة التي يمكن أن تغير من الطبيعة ، فهو مع الملوك أي أصحاب الكهف في الغار ، وهو يشرب ماء الرحمة بلا كأس ، لأنه متى يسع هذا الماء المعنوي كأس ؟ أما الذين يرتدون جلود الكلاب فهم الذين تزدريهم العين لقبح منظرهم أو لسوء هندامهم ، هم الشعث الغبر الذين لو أقسموا على الله لأبرهم .( 211 - 218 ) ينتقل مولانا جلال الدين إلى فكرة أخرى يقرنها بالدعاء ، فالدعاء في حاجة أيضا إلى عمل وجهاد مع النفس وصبر على مصاعب الطريق وعدم الشكوى من صعوبة الطريق . . . وحسن اختيار المرشد ، فإن المرشد المزيف الذي لا يعرف الطريق ويدعى أنه يعرفه أكثر خطورة من الذئب ، وهو أشبه بالغول أو بإخوة يوسف .
 
( 228 - 235 ) إن العيبة أي “ الخُرج “ هي الزاد المعنوي والتقوى ، ويشير في الشطرة الثانية إلى قصة شهيرة من قصص تراث الأدب الفارسي هي قصة العاشق ويس والمعشوقة رامين ، وقد نظمها شعرا فخر الدين أسعد الجرجاني ، إن المعشوق إذن هو ذاتك ، فكن باحثا عن حقيقة هذه الذات ، وكل ما هو سواها مانع . فمن عرف نفسه عرف ربه ، وإلى جوار الصبر والجهاد هناك الحزم وبعد النظر وعدم الاغترار بدعوة أهل الدنيا الذين يجعلون المرء يحيد عن الطريق ، فهي كصفير ذلك الصياد الذي يقلد صوت الطائر لكي يخدع الطيور فتقع في الفخ ( انظر الكتاب الأول بيت 318 ) وفي البيت 234 الطائر الدى أعطاه الله الحزم أي العبد الذي لا تخدعه الدنيا ولا تلهيه مغرياتها .
 
“ 426 “
 
 
( 236 ) القصة التي تبدأ بهذا البيت ورد شبيه لها في كتاب البخلاء للجاحظ وهي قصة المروزي الذي كان ينزل بمنزل العراقي فيكرمه أشد الكرم فيلح على العراقي بزيارته لرد بعض جميلة ، وفي النهاية تعن للعراقي حاجة في مرو ، لكن المروزي ينكره تماما ( طبعة صادر ص / 16 )
( ماخذ / 89 - 90 ) ويجعل مولانا من هذه القصة بين الخضري والقروي كعادته في التعامل مع قصصه مجرد خلفية لإرشاد المريدين والخوض في الأفكار السامية العالية ، ويشك استعلامى في كتاب البخلاء كمصدر للحكاية ( 3 ص 235 ) ويرى أنها تقدم نموذجا بشريا للجحود والنكران والخداع يتكرر في كل عصر وفي كل بيئة ، وربما قرأها مولانا في كتاب اخر أو سمعها من شيوخه أو رفاقة أو نقلها اقتباسا واستحياء من الحديث النبوي الذي ذكره في الأبيات من 518 إلى 523 ، عن تأثير القرية في العقل وسيرد في حينه ، والقصة اية في فن القص سواء من ناحية الحبكة أو من ناحية السرد أو من ناحية الحوار أو من ناحية مطابقة الحوار للشخصية ، وتسودها روح ساخرة ترجح الرأي القائل باستنادها إلى الحكاية المروية عند الجاحظ ، وقد عرض الزميل الفاضل الدكتور رجاء جبر للقصة في كتابه “ في الأدب المقارن دواسة في المصادر والتأثيرات لثلاثة من الأعمال الأدبية العالمية “ ( القاهرة - مكتبة الشباب 1966 - ص 137 - 176 )
وحللها تحليلا عظيما وترجم بعض أبياتها أثناء تحليلها ويرى الزميل الدكتور رجاء أن الرحلة إلى القرية ترمز إلى كل ما هو مضاد للمعرفة والعقل والدين ، ودعوة القروي للمدنى هي دعوة إلى الجهالة والانسياق وراء خداع الشكل والظاهر ( ص 160 ) ،
 
وفي تفسير اخر ليوسف أبن أحمد أن القروي هو النفس والحضري هو العقل والأبناء هم الحواس ، ولا شك أن المفسرين القدامى لجلال الدين كانوا يحاولون ربط كل ما ورد في المثنوى بأفكار جلال الدين العرفانية ، وسوفى تنبئ القصة أثناء تحليلها هنا عن معان أخرى كثيرة .
 
“ 427 “
 
( 250 ) طائر اللقلق من الطيور التي تهاجر في فصل الشتاء ثم تعود في بداية الدفء ، وتقيم عادة بأعلى المآذن أو قباب المساجد ، ومن ثم يسمى “ حاجى لقلق “ وانظر إلى سخرية جلال الدين وهو يصف تردد الريفي على المدينة في موعده وأنه طائر “ اللقلق “ ، فضلا عن أن تصور الريفي طائر اللقلق بساقيه الرفيعتين وريشه المتهدل ووقار مظهره يضيف صوراً فنية عديدة إلى هذا المعنى .
 
( 263 ) يخاطب الحضري ابنه بلقب “ سيبوبه “ ويقصد به طبعاً النحوي المشهور أبا بشر عمرو بن عثمان البيضاوي مؤسس علم النحو المتوفى سنة 183 ه - أو سنة 185 ه - ، وذلك لأنه “ استفاض “ في محاولة إقناع أبيه بالسفر إلى القرية ، ومن المستبعد بالطبع ما ذهب إليه استعلامى ( 3 / 235 ) من أن مولانا استخدم الكلمة استخداما لغويا ، ويقصد أن ينادى ولده “ يا تفاحتى الصغيرة “ ، والشطرة الثانية مثل مشهور أورده الميداني كمثل من أمثال العرب ، كما ينسب أيضاً إلى الإمام على رضي الله عنه ويرى جلبنارلى ( ثالث / 109 )
 أن قول الإمام على هو “ احذروا صولة الكريم إذا جاع واللئيم إذا شبع “ والمعنى بعيد ، ويعلق مولانا بحديث عن الصداقة فيرى أنها بذرة النفس الأخير ، أي من الذخائر التي يعدها المرء لأخريات حياته وليس من اليسير بمكان أن يهب صداقته لأي إنسان ، بل يجب أن يبحث عن صحبة كالربيع لا صحبة كالشتاء القارس في المزارع ، وينبئ الحضري هنا بحسه الداخلي عن عدم استراحته للسفر إلى الريف وعدم حسن ظنه بالريفى “ فسوء الظن من حسن الفطن “
 وقد نسبه إلى الرسول صلّى اللّه عليه وسلم ، وورد في الجامع الصغير ، لكنه ورد أيضاً في مجمع الأمثال للميدانى منسوبا إلى أكثم بن صيفي ، ويقدم مولانا جلال الدين في الأبيات التالية ،
درسا عن الطريق : فحذار للسالك من أن يظن الطريق ممهدا ، فالصحراء تبدو ممهدة مستوية ، لكن كل قدم منها تحته
 
“ 428 “
 
فخ على السالك أن يحذره ولا يكون كالماعز الجبلي الذي لا يرى الفخ فيقع فيه من جهله وغفلته وعدم حزمه ، بل إن الظواهر نفسها تدلنا على الفخاخ ، فهل يوجد الشحم والدسم في المزرعة ؟ إنه إن وجد فلا بد أنه لفخ ويشير مولانا أيضاً في هذا المثال إلى أنه لا يوجد “ غذاء معنوي “ في المزرعة “ الريفية “ فإن وجد ( تظاهر الريفي ) فلابد أنه زيف وشبكة صياد وفخ .
 
( 276 ) إن كانت لك بصيرة ربانية فامض في الطريق ، وإن لم تكن لك بصيرة فاستعن بعصا ( مرشد ) وإن لم تكن لك هذه العصا ، فهناك عصا أخرى تعتمد على العقل والطهارة الأخلاقية ( الحزم والاستدلال ) .
 
( 281 ) الصورة تكررت في الكتاب السادس الأبيات 4093 - 4095 .
 
( 282 ) القصة التي تبدأ بهذا البيت معتمدة على قصة سبأ كما وردت في القرآن الكريم ( أنظر سورة سبا الآيات 15 - 19 ) ، ويبدأ مولانا القصة هنا ثم يتركها غير كاملة لأن الاسترسال في موضوعات إرشادية يقطع سياق القصص عنده دائما ولكنه يعود إليها ثانية ابتداء من البيت 364 والبيت 2602 - لكنه يتخذ من هذه القصة منطلقا لتقديم تصوير حي للقصص الديني عن طريق المناقشات التي تجرى بين الأنبياء الذين أرسلوا لسبأ وعددهم ثلاثة عشر ( أنظر البيت 2671 ) وهذا في حوار حي مفعم بالنقاط العرفانية .
 
( 293 - 297 ) ينتقل مولانا من الصور التي يأخذها من الحياة ، ومن الحوار بين “ الكلاب “ إلى أوج بيانه العرفاني ، فها هو يخاطب الناكص عن “ أبواب القلوب “ من أهل الحق والعارفين بعد أن نال غذاءه الروحاني من ماء الحياة ( الماء المذكور في الأساطير الفارسية أن من يشربه يعيش إلى الأبد ، وهو ماء الحياة وماء الإسكندر وماء الخضر وماء الحيوان ) ، والمقصود بالانسلاخ عن الذات الخلاص من نوازع النفس ، والدب بالطبع لا يطوف على


“ 429 “
 
باب كل دكان ولكن المقصود هنا هو اللاعب بالدب “ الذي يطوف بدبه بين الدكاكين ليتكدى به “ . . . وفي رقم 296 يرى أن الدسم الحقيقي هو “ دسم “ الروح من المعاني والإرشادات ومن الأفضل هنا أمر القانط ، أي أن القانط من رحمة الله عليه أن يلزم هذه الأبواب ، أهل الروح وأهل المعنى ، أو خير للإنسان هنا أن يقنط مما في أيدي الناس .
 
( 299 - 306 ) يضرب بعيسى عليه السلام المثل على أبواب أهل القلوب المفتوحة أمام مكدودى الدنيا ومرضاها ومتعبيها على ما ورد في القرآن الكريم ، والمقصود بالطبع أنه إذا كان باب عيسى قد أغلق ، فإن من رحمة الله سبحانه وتعالى على خلقه ألا يغلق باب هذه الرحمة ، وأن يوجد في كل عصر من أهل القلوب والأولياء وأبدال الحق من يقومون في عصورهم بما كان يقوم به عيسى عليه السلام في عصره .
 
( 307 - 322 ) يتوجه مولانا جلال الدين بالحديث إلى المريدين الذين ينكصون عن عهد الشيوخ وميثاقهم ويضلون عنهم تمهيدا لأن يضلوا عن أنفسهم أيضاً فالمنكر لشيخه غالبا ما ينكر ذاته ويتخبط في متاهات الدنيا ، ثم يعود في الأبيات
( 314 - 322 ) إلى الحوار الذي يجرى بين الكلاب الوفية والكلاب الجحودة وزجرها إياها عن التحول عن “ الباب الأول “ و “ الجرى بين الأبواب “
 ( أنظر أبيات ( 291 - 292 ) ويضرب المثل أيضا بكلب أهل الكهف ( أنظر الأبيات 406 - 409 من الكتاب الأول وشروحها ) .
 
( 323 - 330 ) إن الوفاء بالعهد من الأهمية بمكان بحيث يفخر به الله سبحانه وتعالىوَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ( التوبة / 111 ) لكن الوفاء لا يليق مع غادر لعهد الله تعالى ، لأن حقوق الله دائما سابقة على حقوق البشر ، ويضرب المثل بحق الأم وهو مقدم على كل حقوق البشر ، لكنه لا يقدم على حق الله تعالى ، لأن الله تعالى هو الذي وضع “ الأمومة “ في طبعها وجبلتها ، فلا
 
“ 430 “
 
تفترض أن هذا الأمر منها هي .
 
( 331 - 337 ) يناجى مولانا جلال الدين الله سبحانه وتالي : يا قديم الإحسان ، أي يا من إحسانك علينا منذ الأزل “ الحق سبحانه وتعالى عند الحكماء فاعل بالعناية وعند العارفين الشامخين فاعل بالتجلي ( سبزوارى / 193 ) يا من حفظك لنا قديم قدم العهد حتى قبل أن تأتى بنا إلى عالم الصورة ، منذ أن أخذتنا من ظهورنا ، وأشهدتنا بالربوبية وهذا المعنى في سورة ( الأعراف / 173 ) فكل الوجود منك حتى الذكر فإنك أنت الذي أمرتنا بالذكر ، وحفظتنا مرة ثانية كنطف في ظهور أجدادنا عندما كنا في سفينة نوح - وفي البيت 335 يذكر الماء النارى الطبع إشارة إلى ما يروى من أن طوفان نوح قد بدأ من تنور عجوز في الكوفة ، وإنه انبعث من هذا التنور ما يشبه البركان ( استعلامى 3 / 238 ) .
 
( 348 - 363 ) إن هذا الحفظ الإلهى في حاجة إلى شكر من الإنسان ، لكن الإنسان الذي لا يؤدى حق المنعم بشكر نعمته يتعرض للعذاب ليس في الآخرة فحسب بل وفي الدنيا أيضا ، ويؤكد مولانا جلال الدين كثيرا على هذه الفكرة أن العذاب ليس في الآخرة فحسب ، بل إن الله سبحانه وتعالى لكي يحمل عبده سبحانه وتعالى على الجادة ، يرسل إليه من المشاعر الداخلية والأحوال ما يخزه في هذه الدنيا .
 
وكأني بمولانا جلال الدين كان يرى في ذلك العصر المبكر أن المجرم هو أول من يعاقب نفسه ، وقد وردت الفكرة عن سنائى أيضا : إذا فاتتك صلاة فانظر إلى نفسك تصير من المرضى “ سنائى ديوان 436 “ وإن العقاب على الجريمة ليس من اللازم أن يأتي من الخارج ( الفكرة التي قامت عليها رواية الجريمة والعقاب لديستيوفسكى ، وكثير جدا من الأعمال الأدبية المعاصرة ) ،
ويعبر مولانا عن هذا العقاب الداخلي بمصطلح القبض ( الانقباض ، الاكتئاب ، الحزن بلا سبب ظاهر ) ، إنه - أي مولانا - يخاطب المريد الناكص الجاحد على شكل الاستجواب ألم يحس المريد بقبض لأنه ترك وردا من أوراده ؟ إن هذا

 
“ 431 “
 
القبض يستمر ثم يصير كالغل الحديدى ، أليس هذا يعنى أن بعض أمراض الجسد يبدأ من أمراض النفس ؟ وبدلا من أن يكون واردا ( وقتيا ) يثبت ويعلن على الملأ ، وهذه هي المعيشة الضنك التي أوعد الله سبحانه وتعالى بها من أعرض عن الذكر ( طه / 124 ) ،
ثم ينتقل ابتداء من البيت 355 إلى مثال حي اخر : إن اللص عندما يسرق مال الناس يحس بهذا القبض ( الانقباض ) ويتساءل بينه وبين نفسه لماذا ؟ ويجيب مولانا . . . إن حزن ذلك المظلوم الذي تعرض لأذاك ، ولا يلبث أن ينقلب “ قبض “ القلب إلى “ قبض “ الشرطة والعسس ، ينقلب ككل شعور يرسخ إلى “ عمل “ ظاهر معلن على الملأ ، ومن ثم فعلى المرء أن يتتبع مشاعره فهي أشبه بجذور إن لم تقتلع فإنها سريعا ما تؤتى أوراقها وثمارها وتنتشر من القلب “ على الملأ “ ، وعلى العكس فإن “ بسط “ القلب وسروره أيضا في حاجة إلى متابعة مباشرة حتى يؤتى ثمار الروح التي يمكن إن تؤثر بها الأصدقاء .
 
( 368 ) المقصود ما ورد في الآية الكريمةرَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا( 19 سبأ ) يقول يوسف بن أحمد : يروى أنه كان بين سبأ والشام أربعة آلاف قرية عامرة ، فطلب أغنياؤهم من الله أن يجعلها فيافى وقفارا حتى يتطاولوا على الفقراء بركوب المطايا وحمل الزاد . ( مولوى 3 / 66 ) .
 
( 371 - 372 ) يرى استعلامى أن مضمون الأبيات العربية شبية بشعر نسب إلى امرئ القيس هو :يتمنى المرء في الصيف الشتا * فإذا جاء الشتا أنكره
فهو لا يرضى بحال واحد * قتل الإنسان ما أكفره !وواضح من صياغة هذا الشعر ومن لغته أنه لا يمكن أن يكون لامرئ القيس .
 
( 374 ) إن النفس شبيهة بهذا الإنسان الكفور ، ومن ثم فهي جديرة بالقتل .
 
“ 432 “
 
ومن هنا قال موسى عليه السلام :وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ” يفسر نجم الدين كبرى الآية بما يذهب إليه مولانا جلال الدين : ارجعوا إلى الله بالخروج عما سواه ولا يمكنكم إلا بقتل النفس بقمع الهوى لأنه هو حياتها “ ( مولوى 3 / 66 ) وفسرها يوسف بن أحمد : أي ليقتل البرئ المجرم ( مولوى 3 / 66 ) .
 
( 380 - 389 ) يعود مولانا إلى فكرة يؤكد عليها كثيرا ( انظر الكتاب الأول 1264 - 1271 ) وهي أن القضاء الإلهى يمحو كل قدرة أخرى نراها في الوجود وينقل جلبنارلى ( ثالث - ص 111 ) حديثا نبويا هو “ إذا أراد الله انفاذ قضائه وقدره سلب ذوى العقول عقولهم حتى ينفذ فيهم قضاؤه وقدره ، فإذا قضى أمره رد إليهم عقولهم ووقعت الندامة “ ، وكحل العين ، في البيت 382 هو قدرة الحق القريبة من الأبصار قرب الكحل من العين ، وفي 383 - 384 الفارس هو القضاء الإلهى والقدرة الإلهية ونحن أسارى لمظاهرها واثارها ولا نرى من الفارس إلا الغبار ( استعلامى 3 / 240 ) ويرى يوسف بن أحمد أن الفارس هو الله والغبار أسباب الدنيا ( 3 / 67 ) والفارس هو الحقيقة والغبار هو غبار الطبع والأغراض والأمراض التي تخفى وجه الحقيقة ، وكعادة مولانا في تكرار الصور
 ( المثنوى كتاب تعليمي في الحقيقة كتب ليعلم المريدين ، فانظر كيف كان المريدون يتعلمون منذ ثمانية قرون ) يكرر هذا المعنى في صورتين : الذئب والأسد ، ويضرب بالذئب مثلا للقدرة الإلهية خاصة عند القهر والغضب .
 
( 390 - 397 ) ينتقل مولانا جلال الدين من الحديث العام إلى الموضوع الذي يتناوله وهو موضوع أهل سبأ فالذئب هو القهر الإلهى والخراف هم الضالون الذين يغمضون العين عن راعى العقل “ أو في حالة أهل سبأ ينصرفون عن أنبياء الله الذين أرسلوا لهدايتهم ، وتمسكوا بالحمية حمية الجاهلية ، ظلموا الأنبياء ومزقوا صدورهم .


“ 433 “
 
 
( 398 - 411 ) يتحدث مولانا عن تعرض القلب والروح للظلم في سجن الجسد ، إن القلب “ الباحث عن الحق “ مقيد في “ حي النفس “ ، إنك تعامله كالحيوان ، تحاول أن ترضيه بمنافع الدنيا ، تحضر له عجلا حنيذا كي يشبع “ ويسمن “ وأولى بك أن تحمل هذا العجل إلى مستودع التبن فإن قوت الروح هو رؤية الله ومشاهدته إنه - أي القلب الباحث عن الحق - يستغيث بالله في هذا البلاء ويرجو منه العون على هذا الذئب العجوز ( النفس ) ، إنه أي القلب الباحث عن الحق يشبه نفسه في إسار الجسد بالأنبياء في إسار الكفار : محمد صلّى اللّه عليه وسلم في تعامله مع اليهود ، وصالح عليه السلام في سجن ثمود ، فكما وهب الله تعالى السعادة لأرواح الأنبياء تطالب الروح بالسعادة ، تطالب الروح بأن يدعوها إليه ، أما تعال : فلا تعنى المجئ بل تعنى في رأى ليوسف بن أحمد : تجل بجمالك واقطعنى عمن سواك ( 3 / 70 )
فالكافر نفسه لا يستطيع أن يصبر عن الرؤية ، إنه القائل يوم القيامة عندما يرى حرمانه من الرؤية والمشاهدة ( يا ليتني كنت ترابا ) ( النبأ / 40 ) ، ثم يخاطب الله سبحانه وتعالى الروح بلطف طالبا منها أن تتجمل بالصبر ، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يسعى من أجلها ، يعمل في جذبها برسن اللطف إلى حضرته ، وفي الكتاب الأول :
إنه يبدي نفسه للقلوب وهو الذي يخيط خرق الدراويش ( بيت 685 ) .
 
( 419 - 432 ) الرفيق المذكور في البيت 419 المقصود المقصود به أهل الله والرفاق في الطريق أما كنز الفقير فهو المرشد ورجل الحق فهو في الظاهر معدم لكنه خازن خزانة الله في الحقيقة ، وفي الأبيات من 421 فما بعدها أسباب نزول الآية الكريمةوَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ( الجمعة / 11 ) وحوار البازي والبط فيما يقول زرين كوب ( سرني 1 / 300 ) مأخوذ عن نظامى دون تحديد .
 
“ 434 “
 
( 453 - 464 ) ينتقل من الحديث عن الأرض إلى الحديث عن “ الأرض “ أي الإنسان ، إذ كانت الأرض مستسلمة لحكم القضاء ، ومن هذا الاستسلام يكون لها الزرع والثمر والرياض والبساتين فأولى بالإنسان وهو من تراب هذه الأرض أن يستسلم ، وقد ورد هذا الربط في شعر لسعدى :
لقد خلقك الإله الطاهر من تراب * إذن فتواضع أيها العبد كالتراب ( بستان - كليات ص 408 طهران 1351 ه - ش )
فكما تستسلم البذرة فتنبت حبا وسنابل سامقات ، على الإنسان أن “ يسلم “ ، وفي هذا التسليم علو له ، فكما ينزل كل شئ من أعلى ، ثم يصعد إلى أعلى مرة ثانية ، فقوسا الصعود والهبوط ليسا خاصين بالسير العلوي الإنسانى ، بل هي قاعدة إلهية تجرى على كل المخلوقات : فكلهم رجعتهم إليه ، وكل شئ هالك إلا وجهه .
 
على السبزواري على قوله كل الأجزاء سواء في تحرك أو سكون : إن الأشياء إذا كانت ساكنة من جهة فهي متحركة من جهات وطالبة للحركة واتجاهها إلى المطلوب ، فالنباتات ساكنة في المكان لكنها ذات حركة في المقدار اللهم إلا في وقت الوقوف وكذا كل شئ يبدو ساكنا ( ص 196 ) .
 
( 466 - 473 ) يعود ثانية إلى قصة الحضري والقروي ، وكيف أن القضاء يجعل القوى مغلوبا للضعيف ، يسلبه لبه ، يستطيع سليمان أن يحبس الجنى والشيطان في زجاجة ويلقيها في اليم ، ويمضى هاروت نحو الفتنة والضياع والسجن في بابل ، ( مضامين سبق لمولانا تناولها : انظر الكتاب الأول الأبيات 1202 ، من 1236 - 1242 ، 1242 - 1271 )
 
هنا تلميح إلى قول منسوب إلى الإمام على أنه عندما سمع قول أفلاطون إن العالم كرة والأرض نقطة والأفلاك قسى والحوادث سهام والمواليد أهداف والله كالرامي : قال ففروا إلى الله ( سبزوارى ص 196 ) ولا حيلة إلا الفرار من القضاء إلى القضاء ، فلن ينجو


“ 435 “
 
إلا من يلجأ إلى الله ، ولا يستطيع “ تربيع “ أي طالع سوء أن يجد سبيله إليه ، والتربيع في اصطلاح علم الهيئة اسم نقطتين في مسير القمر حول الأرض بحيث يبدو نصف القمر مظلما ، وفي علم التنجيم يعنى وقوع نجمتين في منطقة البروج بحيث يكون بينهما برجان ، وينظر أحدهما إلى الآخر في الخانة الرابعة ، ويعتبر المنجمون هذا الوضع من طوالع النحس ( استعلامى 3 / 243 - 244 ) .
 
( 474 - 481 ) ضروان موضع في اليمن على بعد فرسخين من صنعاء ووردت قصة أهل ضروان في القران الكريم في قوله تعالى :إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ * وَلا يَسْتَثْنُونَ * فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ * فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ * أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ * فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ( القلم 17 - 27 ) في رواية كان أبوهم أهل خير وإنفاق فلما مات بخلوا بحق الفقراء ، فأرسل الله على مزارعهم نارا بليل أحرقتها عن أخرها ( ماخذ / 169 - 170 )
ومن الواضح أن مولانا سيترك القصة بعد عدة أبيات . . . إلى أن يعود إليها في الكتاب الخامس ، والشطرة الأولى من البيت 479 مقتبسة من الآية الكريمةأَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ( الملك / 14 ) ،
وفي البيت 481 اقتبس الشطرة الثانية من الآية الكريمة ( وأحصى كل شئ عددا )
( الجن 28 ) واقتباس الآيات القرآنية في أشعار الشعراء الفرس الكبار ظاهرة ملحوظة عند سعدى وحافظ وجلال الدين ، ولعلهم كانوا ينقلون عن القران الكريم خوفا من اللحن عند الكتابة بالعربية .
 
( 482 - 487 ) يترك مولانا قصة أهل ضروان ، ليتحدث عن هجر المحزون
 


“ 436 “
 
أي إلى بث الروح التي تتألم من ألم الهجر ( انظر ترجمة أغنية الناى في الأبيات الأولى من الكتاب الأول وفي كتاب فصول من المثنوى للدكتور عبد الوهاب عزام ) ، وانظر إلى قول مولانا في البيت التالي : إنها زكاة تلك التي تؤديها للمحزون باستماعك إليه يبث شكواه ، إن مجرد البث والشكوى راحة للمحزون وسلوى له ، فالروح شريفة نزلت في منبت الشرف ومن النفخة الإلهية وحبست في الماء والطين “ أي الجسد “ ، ويشبه الإصغاء لهذا البث والشكوى كأنه “ كوة “ تخرج الدخان من قلب المكلوم أو المحزون . . . ويطلب من السالك أو من عابر السبيل أن يقدم هذا الإصغاء .
 
( 488 - 496 ) تتناول الأبيات شكوى الروح ، أو شكوى ذلك الإنسان الذي يحس بهذه الروح وبترددها بين الجنوح نحو موطنها ومنبتها الأول وبين سجن الجسد والطين ، وهو ميدان الصراع عند الصوفي أو السالك ، أو القضية الأولى في جدلية العرفان إذا جاز لنا التعبير ، ويدق عليها مولانا كثيرا ، ويتركها ويعود إليها في مواضع كثيرة وقد عبر مولانا سنائى عن هذه الجدلية في بيت واحد :
ما ذا أفعل بالجسد ولست من الطين ؟ * وما ذا أفعل بالروح ولست من عليين ( ديوان سنائى - تهران 1362 ه - ش . ط 3 ص 385 ) .
 
إن هذا التردد عقبة لأنه لا يزال يجذب الإنسان نحو الماء والطين ، ولا حل كما يعبر مولانا في هذه الأبيات إلا التعلق بمن يعرف الطريق والسير في أثره أو كما عبر عنه مولانا سنائى : “ التعلق بأهداب سرج صاحب دولة أو مقبل “ ديوان سنائى 486 “ . أما السير على النار فهو يعنى السير في الطريق الصوفي المحفوف بالمخاطر والملئ بالعقبات ، ولا ينجو فيه إلا من حرره الله تعالى من الخوف ، وخاطبه كما خاطب موسى عليه السلامقُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى
 
“ 437 “
 

( طه / 68 ) ، غير أن هذا الخوف هو السبيل إلى جذب رحمة الحق ، على المرء أن يخاف ويحس بالقلق إن لم يحس في قلبه بالخوف ، وفي هذا الموضع روايات كثيرة عن الصوفية أبرزها ما قاله السرى السقطي “ إني لأنظر في المرأة في اليوم سبعين مرة مخافة أن يكون قد اسود وجهي “ ويعلق صاحب شرح التعرف على هذا القول “ وهذا لأن الرسول - صلّى اللّه عليه وسلم - قال وجه المؤمن مراة قلبه ووجه الكافر مراة قلبه “ . وقالوا إن بياض وجه المؤمن يوم القيامة هو نور إيمان قلبه وروى عن السرى أيضا : لا أحب أن أموت حيث أعرف مخالفة ألا تقبلني الأرض وكل هذه الأمور نابعة من أن تكون العبادة عن رياء أو خوف أو طمع ( شرح التعرف لإبراهيم بن المستملى البخاري 2 / 8 - 9 ) ويطول الكلام في هذا المجال ، أي أن تكون عبادته رياء وعجبا ويشعر بالزهو من تعظيم الخلق “ وسوف يرد هذا المعنى “ فيسود الوجه ، فغير الخائف لا إذن له بالطواف حول هذا المحل .
.
* * *

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: