الأربعاء، 12 أغسطس 2020

19 - هوامش وشروح 2614 - 3037 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

19 - هوامش وشروح 2614 - 3037 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

19 - هوامش وشروح 2614 - 3037 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

شرح إيقاظ إبليس لمعاوية قائلا : استيقظ فهذا وقت الصلاة
( 2614 ) الحكاية التي تبدأ بهذا البيت فيما يرى فروزانفر ( مآخذ / 72 - 73 ) ورد أصلها في قصص الأنبياء للثعلبي " ويروى أن رجلا كان يلعن إبليس كل يوم ألف مرة ، فبينما هو ذات يوم نائم ، إذ أتاه شخصٌ فأيقظه وقال قم فإن الجدار ها هو يسقط ، فقال : من أنت الذي أشفقت عليّ هذه الشفقة ؟ فقال له : أنا إبليس ، قال : كيف وأنا ألعنك في اليوم ألف مرة ؟
قال : هذا لما علمت من محل الشهداء عند الله تعالى فخشيت أن تكون منهم فتنال ما ينالون " كما أورد فروزانفر ما يشبهه نقلا عن البيان والتبيين للجاحظ ، وحديثا عن حلية الأولياء ولا علاقة لكليهما بالحكاية . ومعاوية هنا شخصية ثابتة الإيمان ، متضرعة إلى الله ، به مسحة روحانية ، وعنده معرفة بخداع النفس مما دفع الشراح الشيعة إلى الاعتراض ( ! ! ) ( استعلامي / 2 / 295 - 296 وجعفري 5 / 202 ) .
 
( 2622 - 2623 ) : إشارة إلى الحديث النبوي الشريف [ عجلوا الصلاة قبل الفوت ، وعجلوا التوبة قبل الموت ]
 
( 2626 - 2640 ) : عن إبليس في أوان عبادته وطاعته : قيل عبد الله ستمائة سنة حتى سمي طاووس الملائكة ، وكان خازن الأرض والسماء ، وفي حديث عن ابن عباس رضي الله عنه
[ جُعل إبليس ملك سماء الدنيا ، وكان يسوس بين الناس ، وبين السماء والأرض ] ( أنقروي 2 / 408 ) .
 
« 447 »
 
( 2645 - 2647 ) : ينظر مولانا إلى الحديث القدسي [ إنما خلقت الخلق ليربحوا عليّ ، ولم أخلقهم لأربح عليهم ] ( أحاديث مثنوي / 58 ) .
 
( 2650 - 2651 ) : يصور مولانا إبليس على أنه لا يزال يطمع في الرحمة ، فالقهر حادث واللطف قديم ، والحادث لا يتغلب على القديم ، وفي الحديث القدسي : [ رحمتي سبقت غضبي ] .
 
( 2652 - 2654 ) : يصور إبليس هنا عدم سجوده لآدم عليه السلام بأن ذلك غيرة على الله تعالى من أن يسجد لسواه ، وقد ورد هذا الجواب في حديث دار بين إبليس وأحد الصوفية ، ورد عليه الصوفي بأن هذا نفاق ظاهر لأن المحب يطيع أمر محبوبه . ويفسر إبليس بأن الغيرة شرط من شروط المحبة ، مثلما يشترط أن تقول للعاطس " عافاك الله أو أبقاك الله ، وفي حديث نبوي [ إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله رب العالمين وليُقل له : يرحمك الله ] ( مولوي 2 / 530 ) .
 
( 2655 - 2660 ) : يتوسل إبليس بحيلة جبرية ، لقد كانت نقلة واحدة ، إمتناعي عن السجود ، ولم يكن أمامي سواها ، كانت في تقديره ولوحه المحفوظ فيما كتب عليّ منذ الأزل ، كتب علي أن أهزم وأن أحصر في هذه المباراة بيني وبين آدم ، كان عليّ أن ألعب دور إبليس وقد لعبته ، ومن ثم كان هذا العصيان في الأصل طاعة له ، لا زلت أتلذذ بها ، ولا أستطيع أن أتخلص منها . . أكان عصياني إذن مني ؟ بل منه العصيان والطاعة .
 
( 2662 ) : أي كل ما تقوله صحيح - وهو بالطبع ليس كذلك - لكن دورك فيما تسميه لعبة ليس إلا الفساد والإفساد والكفر والفسوق والعصيان .
( 2666 ) : فاذهب فإنعَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ.
( 2668 - 2670 ) : أنظر الكتاب الأول البيت 318 .
 
« 448 »
 
( 2671 - 2680 ) : يضرب معاوية الأمثلة بمن أضلهم إبليس من الأمم السالفة :
قوم نوح ( الأعراف / 64 ) وقوم عاد ( الحاقة / 6 وانظر البيت 858 من الكتاب الأول ) وقوم لوط ( النمل / 58 وهود / 82 ) والنمرود الذي أعلن الحرب على الله ، ( أنظر آخر الكتاب الخامس ) وفرعون وأبي لهب وأبي الحكم الذي تحول من جرائك إلى أبي جهل و " إلا من عصم " إشارة إلى قوله تعالىلا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ( هود / 42 ) .
 
( 2682 - 2687 ) : يدافع إبليس عن نفسه : إنني أنا المحك الذي يفرق بين الصالح والطالح ( الضرورة الإبليسية أو ضرورة وجود إبليس تعد بابا من أبواب الأدب العالمي الحديث ، ولعل مولانا بأبياته ، هذه كان أول من أثار هذه النقطة على نطاق واسع ) ، غير أن إبليس هنا ينفي عن نفسه تهمة الوسوسة والتوقيع في الشر ، وأنه لو كان منتصرا على طول الخط ، لما كان هناك خير ، ولما كان هناك صالحون ، والمهم هو الإنسان ، إنه عندما يهزم داخل الإنسان ، لا يأمر إلا بالخير ، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم [ أسلم شيطاني على يدي فلا يأمرني إلا بخير ] ( مولوي 2 / 537 ) . ثم يقول : إنني مجرد عارض ، أعرض الشر ولا آمرك بعلمه ، وإنما يقوم كل امريء باختيار ما يتوافق مع ميله وطبيعته .
( ألم يقل أنه يزينه ويلح فيه ؟ ) .
 
( 2690 - 2696 ) : ويواصل إبليس : من يقول أن قوام العالم يقوم على الخير فحسب " اللطف الإلهي " ، إنك إن نظرت نظرة متفحصة تجده يقوم على الخير والشر ، فالخير والشر والجميل والقبيح كلاهما تجل للحق ( أنظر البيت 2545 من الكتاب الذي بين أيدينا وانظر الكتاب الخامس الأبيات 575 - 581 وشروحها ) ، والنفس تطلب العشب والعظام ، والروح تطلب قوتها من العلم

« 449 »
 
والفيض ، ثم يقول : إنني مجرد مرآة ، كل إنسان يرى فيّ صورته ، فإن كان خيرا نبذني ، وإن كان قبيحا قبلني ، وأنا لست خالق الشر على كل حال .
 
( 2697 - 2698 ) : المثال الوارد في البيتين فيما يقول فروزانفر ( مآخذ / 74 - 75 ) ورد في حديقة سنائي ( أنظر الترجمة العربية الأبيات 4035 - 4038 وشروحها ) ، كما ورد حديث مفصل عن الموضوع في مقالات شمس ( أنظر الكتاب الأول الأبيات 3550 - 3557 وشروحها ) .
 
( 2701 - 2709 ) : يخوض إبليس في قضايا فقهية : إنه مجرد شاهد ، شاهد على الجمال وشاهدٌ على القبح ، ثم يدعي أنه يقوم بتربية الغصن المثمر ، أي أن صلاح الصالحين يزداد ومقدرتهم على الطريق تتشكل بمقاومتهم له ، هو في الحقيقة بستاني يتعهد الأشجار المثمرة بالرعاية ، بينما لا تستحق الأشجار العجفاء منه إلا القطع ، الشر ليس إذن منه ، لكنه من طبع الشرير .
 
( 2719 ) : أنظر البيت 1223 من الكتاب الأول .
( 2721 ) : أنظر البيت 1490 من الكتاب الأول .
( 2732 - 2734 ) : أنظر لتفصيل الفكرة الكتاب الثالث الأبيات : 269 - 274 و 561 وشروحها .
 
( 2735 ) : [ حبك الشيء يعمي ويصم ] ( أحاديث مثنوي / 25 ) .
( 2737 ) إبليس يعتذر بأنه ارتكب ذنبا واحدا ، نعم واحدٌ عددا ، لكنه أصل الذنوب والخطايا : الامتناع عن تنفيذ الأمر الصريح ، والكبر ، والحسد ، وتحدي الإله .
 
( 2745 ) : المعنى ناظرٌ إلى الحديث الشريف [ دع ما يربيك إلى ما لا يربيك ، فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة ] ( بأسانيده في أحاديث مثنوي / 65 ) .
 
« 450 »
 
( 2755 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت مستندة على حديث نبوي أورده فروزانفر دون إسناد [ القاضي جاهل بين عالمين ] ( أحاديث / 65 ) .
 
( 2764 ) : [ وأما الرشاء في الأحكام يا عمار فهو كفر بالله العظيم ] و [ أيما وال احتجب عن حوائج الناس ، احتجب الله عنه يوم القيامة وعن حوائجه ، وإن أخذ هدية كان غلولا ، وإن أخذ رشوة فهو شرك ] وردت في المكاسب للشيخ مرتضى الأنصاري ( عن جعفري 5 / 275 - 276 ) .
 
( 2822 - 2826 ) : المتحدث عن الجهات هو الذي يقول بالدلائل والآثار الظاهرية ، والخارج عن الجهات هو الذي عبر هذه المرحلة وأدرك الحقيقة ، وبالنسبة لمن تحقق من رجال الحق ، فإن الآيات والبينات لا ضرورة لها ولا أثر ، وهناك ثلاث مراحل من التكامل الروحاني : فالواصلون في ذات الحق غرقى في الذات ، وأولئك الذين لم يبلغوا الوصال لكن لديهم المعرفة سعداء بمعرفتهم الصفات ، وأولئك المحجوبون عن الصفات يحبون صنع الحق ومخلوقاته ، ومن وصل إلى المرحلة الأولى ثم اهتم بالمرحلتين الأخريين ، يكون كالغريق في الماء ، ثم يصعد لكي يبحث عن صفة الماء ولون الماء ، ومن ثم ينزل عن درجته . ( استعلامي / 2 - 302 ) .
 
( 2827 - 2835 ) : ولكل مرتبة وظائفها ، والله ينتظر الكثير من عباده الكمل ، ومن ثم قيل [ حسنات الأبرار سيئات المقربين ] ( تعامل على أنها حديث نبوي ، واعتبرها صاحب اللآليء المصنوعة من الموضوع ، ونسبت في إتحاف السادة المتقفين إلى الصوفي أبي سعيد الخراز - أحاديث / 65 ) والبيت 2829 ناظر إلى الآية الكريمةإِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ( الرعد / 11 ) ثم يقول مولانا : إنما يذنب المرء فيحيق به البلاء فينسب هذا إلى الجبر
 
« 451 »
 
جهلا ( أنظر الكتاب الأول الأبيات 1473 - 1510 وشروحها ) فلما ذا لم تقل بالجبر حين كنت مكرما ومعززا بطاعتك ؟
 
( 2836 ) : القصة التي تبدأ بهذا البيت قائمة على الآيات الكريمات : وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ ، وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى . وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ، لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً ، لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ، فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ، أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ ، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ، لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ( التوبة / 107 - 110 ) ،
 
ذكر ابن هشام ( السيرة النبوية / 2 - 530 ) أنهم إثنا عشر شخصا وذكر أسماءهم ، وذكر غيره أنهم كانوا خمسة عشر شخصا من المنافقين ، بنوا المسجد ليستقدموا إليه أبا عامر الراهب من الشام ليعظهم فيه ، وليلقوا بالفرقة بين جموع المسلمين ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتجهز لتبوك ، فلما دعوه إلى المسجد ، أمهلهم إلى عودته عليه السلام من الغزو ، ثم نزلت الآيات الكريمات وفضحتهم . ودمر المسجد ، مسجد الضرار ( جلبنارلي / 2 - 379 ) ليبين أن الأساس هو المعنى والنية والقصد ، وليس البناء السامق المزين ( وكم من المساجد تعد تحفة للناظرين بنيت على طول العالم الإسلامي وعرضه الآن لترويج النفاق والصد عن سبيل الله ) ، ومسجد الضرار في المصطلح الصوفي هو النفس التي تزين كل قبيح وتلبسه أبهى صورة .
 
( 2851 ) : [ إياكم وخضراء الدمن ، قيل ومن خضراء الدمن يا رسول الله ؟
قال : المرأة الحسناء في المنبت السوء ] ( أحاديث / 65 ) .

« 452 »
 
( 2855 - 2858 ) : التجربة هي المحك ، ولا شجاعة قبل الحروب ، وظاهر القول خداع ، وبالخطب لا تكسب المعارك ، والجبان المتشدق بالشجاعة أخطر على أمته من الجبان الصامت ( أنظر لتعبير آخر عن الفكرة الكتاب الثالث الأبيات 4022 - 4037 وشروحها ) .
 
( 2865 - 2867 ) :النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ( الأحزاب / 60 ) وفي الحديث الشريف [ أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فمن توفي من المؤمنين فترك دينا فعليّ قضاؤه ، ومن ترك مالا فلورثته ] و [ مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها ، أنا آخذٌ بحجزكم عن النار ، وتفتنون من بعدي ] ( بأسانيدهما في أحاديث مثنوي / 66 ) .
 
( 2870 ) : لينظر مولانا اليوم ، ولير إسلاميين يأتيهم التوجه من اليهود والنصارى ، ويهود ونصارى يستشهدون بآيات القرآن ، ومسلمين بالاسم يجعلون النصارى واليهود قبلتهم ، وكنائس تعد كمنابر إسلامية لترويج الإسلام الأمريكي ، ومدارس تفتتح ، وميزانيات ترصد ، لتربية المسلمين بالاسم ، ليعودوا فيقومون بمهاجمة الوحي والحدود والشريعة مما يطول شرحه ، ولا يغيب هذا عمن تفتحت قلوبهم ، والذين يشاهدون مساجد الضرار تُبنى كل يوم .
 
( 2873 ) : المقصود أبو عامر الراهب ، وسماه الرسول صلى الله عليه وسلم بالفاسق وهو أبو حنيظلة غسيل الملائكة ( أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي : دلائل النبوة ج 5 - ص 259 - بيروت 1985 )
 
( 2880 ) : كانت جماعة المنافقين قد لحقت بالرسول صلى الله عليه وسلم في تبوك ، وأثناء عودته عليه السلام تآمروا على اغتياله في العقبة ، إلا أن الله سبحانه وتعالى أطلعه على
 
« 453 »
 
أسرارهم ونجاه من مكرهم ( أنظر التفاصيل في دلائل النبوة ج 5 صص 256 - 260 ) وفي النص : " جمعهم رسول الله وهم إثنا عشر رجلا ، الذين حاربوا الله ورسوله وأرادوا قتله ، فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهم ومنطقهم وسرهم وعلانيتهم ، وأطلع الله عز وجل نبيه على ذلك بعلمه ، ومات الإثناء عشر منافقين محاربين لله ورسوله ، وذلك لقوله عز وجلوَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُواالتوبة / 74 " ( دلائل النبوة / 5 - 259 ) .
 
( 2882 - 2884 ) : المستعد للقسم دائما ، مستعد أيضا للحنث به . والمعنى ناظر إلى الآية الكريمةاتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ، فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ( المجادلة / 16 ) .
 
( 2887 ) :وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ( المنافقون / 1 ) ( 2892 - 2896 ) :خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ( البقرة / 7 ) ويقارن مولانا بين صوتين : صوت الحق وما له من قوة حتى وإن كان هامسا ، وصوت الباطل وما فيه من ضعف وإن كان صاخبا ، والذين يصدون عن سبيل الله حجتهم داحضة مهما أوتوا من بلاغة الأسلوب ( أنظر في الكتاب الأول حكاية الوزير اليهودي الذي كاد للنصارى ) ، يظل في أسلوبهم وفي بيانهم شيء ما يقول أنه مأجور " مثل الثوم في حلوى اللوز ومثل الإبر في الخبز " ويشبه مولانا صوت الحق الذي يسمعه الرسول صلى الله عليه وسلم بشأن المنافقين بوضوح الصوت الذي سمعه موسى عليه السلام عند الشجرة المقدسة في طور سيناء ( طه / 10 - النمل / 7 - القصص / 29 ) .
 
( 2899 - 2904 ) : هذا الجزء من قصة مسجد الضرار لم أجد له سندا . وربما يكون من إضافات مولانا جلال الدين كي يخوض بعده في الحديث عن أولئك
 
« 454 »
 
الذين يغترون بالمظهر ، فإن ذلك الصحابي المعترض لم يكن لديه دليل إلا أن هؤلاء المنافقين من أهل الشيب والوقار " مثلما يقال عن بناة مساجد الضرار اليوم أنهم من العلماء وأصحاب الكتب وحملة الدكتوراه والمتعلمين في أوروبا " .
 
( 2906 - 2910 ) : مثلما يحدث كثيراً ، ويقصه مولانا في المثنوى يأتي الجواب لأهل الإيمان عن طريق الرؤيا الصادقة ( أنظر حكاية الملك والجارية المريضة في الكتاب الأول وحكاية الذي قيل له أن هناك كنزا ينتظره في مصر في الكتاب السادس على سبيل المثال لا الحصر ) .
 
( 2911 - 2921 ) : أهل المجاز هم أهل الظاهر وأهل الاستدلال . ويقارن مولانا بين بناة مسجد الضرار وبين أبرهة الذي قصد هدم الكعبة . ( سورة الفيل ) ويناقش مولانا قضية أن بعض الصحابة أيضا خدعوا ببناة مسجد الضرار وظاهر تقواهم ، إلا أن كلا منهم إقتنع بواقعة من الواقعات أي مشاهدة من المشاهدات ،
ثم يجمع مولانا كل هذه المشاهدات في تعبير واحد : حكمة القرآن ، وهي ضالة المؤمن ( أنظر 1673 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 2922 - 2934 ) : فاقد الناقة ذلك المؤمن الذي يعلم أنه مرتبط بمبدأ الخليقة متصل بها ، وهو لا يزال يبحث عن حقيقة الوجود ، والحكمة هنا هي العلم بالقرآن ، وهي هاربة منك وراء الحجب أي الدنيا وعلائقها المادية وهوى النفس ،
 
والقافلة : هي السائرون في طريق الحق والسالكون ، وصاحب الناقة الضالة لا يزال يبحث بكل الوسائل والسبل حتى يعثر على ضالته وينضم إلى القافلة ، وكل خسيس أي كل جاهل غير عارف بالطريق يرسله إلى جهة ما على العمياء ، إنه يتحدث عن الأمارات لكنه لا يتحدث عن الحقيقة ، وهو عاكف على الإمارات ، ينفق عليها ويدفع في سبيلها ( استعلامى 2 / 306 ) والقصة في الحقيقة على ما لم

« 455 »
 
يفطن إليه الشراح قائمة على مثل شعبى هو " شتر ديدى . . . نديدى " رأيت الجمل . . . لا لم تره " ، وهو منسوب إلى حكاية حدثت لسعدى الشيرازي الشاعر المشهور الذي وصف إمارات جمل ضال لصاحبه دون أن يراه وعلى مظاهر بدت منه ( أمير قلي أميني ، داستانهاى أمثال ص 291 - 292 ، أصفهان 1351 هـ . ش ) : والحكاية ذات أصل عربى ويضرب مثلا على الفراسة .
 
( 2935 - 2947 ) : أولئك الذين يذكرون الأمارات ( وقد تكون صادقة ) دون رؤية ، يسوقون مولانا إلى أولئك الذين يعتدون على الأمارات في معارفهم :
الفلاسفة والفقهاء والمتكلمون الذين حرموا ( الرؤية ) واعتمدوا على ( الأمارة ) ، ثم يعود مولانا فيقول أنه لا يوجد زيف ليس فيه حقيقة ، فالزيفُ يُقبل على أنه حقيقة ، ولو لم يكن الزيف ، لما كانت الحقيقة ( أنظر الكتاب الخامس ، الأبيات 575 - 581 وشروحها ) ،
الأمور تظهر بأضداها ، ويفصح مولانا : لا خيال هناك في العالم دون حقيقة ، وإنما تختفى الحقيقة في الخيالات إختفاء ليلة القدر بين الليالي فليس معنى أنها مختفية أنها ليست موجودة ، وليس معنى وجودها بين الأيام ، أنها مثل كل الأيام ، ( الفكرة تشبه تماماً فكرة اختفاء الإمام الغائب عند الشيعة الإثنى عشرية ، بين البشر ، ليس معنى أنه غير معروف أنه غير موجود )
 
( 2948 - 2957 ) : من هنا فالمطلوب الامتحان والمحك ( الميزان هو الشيخ والمرشد ، فمن بين لابسي الخرق الذين تزدريهم الأعين قد يكون هناك سلطان حقيقي من سلاطين الدين ، وفي شرح السبزواري ( ص 163 ) بعض الأولياء ضنائن الله فهم مستورون عن نظر الخلق لا يظهرون كأولياء ومعرفتهم صعبة ، وفي الحديث « إن الله خبأ ثلاثة في ثلاثة : رضاه في طاعاته ، فلا تستحقرن شيئا من طاعاته ، فلعل رضاه فيه ، وخبأ سخطه في معاصيه فلا
 
« 456 »
 
تستحقرن شيئا من معاصيه ، فلعل سخطه فيه ، وخبأ أولياءه تحت خلقه ، فلا تستحقرن أحدا فعله هو الولي . وقدرة التمييز من صفات المؤمن « المؤمن كيس فطن » ( أحاديث مثنوى / 67 )
الخير موجود مهما كان الشر غالباً ، وهكذا سوق الدنيا ، ملىء بالتجار المختلفين : التجار الأنبياء الذين يتاجرون في البضاعة الغالية « سلعة الله غالية ، ألا إن سلعة الله هي الجنة » ، أما التجار الآخرون فيبدون الحية مالًا ، " المال حية والجاه أضر منها " ، وإذا كنت تريد أن تعرف حقيقة هذه التجارة ، فأنظر لمن تبعوا الأنبياء ،قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ
( أنظر الكتاب الثالث ، الأبيات 420 - 428 وشروحها ) ، ثم أنظر إلى خسر فرعون وثمود ( أنظر الأبيات 867 و 2521 من الكتاب الأول والأبيات 2044 من الكتاب الذي بين أيدينا ) والله سبحانه وتعالى قد قال لكارْجِعِ الْبَصَرَ.
 
( 2958 - 2972 ) : يفسر مولانا ما ورد في البيت 2957 استنادا على القرآن الكريمالَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ ، فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ ، ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ( الملك / 3 - 4 ) .
فإذا كان قد قال هذا بشأن السماء المنيرة فما بالك بالأرض الكدرة ؟ !
تخيل كم من الجهود ينبغي علينا أن تقوم بها حتى تميز الصافي من الكدر ، وبخاصة أن الله سبحانه وتعالى قد أقام عماد هذه الدنيا على كثير من الظواهر المتناقضة ، شتاء وصيف وربيع ، رياح وسحب وبروق ، تراب بداخله معادن ثمينة سرقها هذا التراب وتخرجها شرطة الحق بالوعد والوعيد ، والتخويف والترغيب ، واللطف والقهر
( أنظر الأبيات 1899 - 1905 من الكتاب الأول ) ، وهكذا أيضا باطن الإنسان تتوالى عليه هذه الظواهر
 
« 457 »
 
( أنظر 1906 من الكتاب الأول في داخلك خريف وربيع لحظة بلحظة ) ، ويكون من نتيجته توالى القبض والبسط عليك ، كآية لا تدري لها سببا ، وسرور لا تدري له باعثا ( أنظر الكتاب الثالث ، الأبيات 348 - 363 و 1651 - 1667 وشروحها )
 
( 2973 - 2979 ) : وهكذا يتوالى القبض والبسط على المجاهد ( في الطريق ) ، وذلك لأن الأبدان سارقة لضياء الأرواح ومن ثم تنصب البلايا على الجسد ، ابتلاءً من الواحد الأحد وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ( البقرة / 155 ) . 
و لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ ( آل عمران / 141 ) و وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ ( آل عمران / 154 )
 
( 2980 - 2983 ) : موسى عليه السلام هو العبد المستعد للهداية ، والمعنى مستند إلى ما ورد في القرآن الكريم وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ ، فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي ، إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ( القصص / 7 ) .
ومثلما رضع موسى اللبن من أمه ، فميزه عمن قبله ، رضع المؤمن حلاوة الإيمان في يوم العهد والميثاق ، فهو يعرفه ، ويحن إليه ، ويبحث عنه ، ويميزه من بين ألبان الحواضن ذوات الجبلة السيئة والطينة الدنسة ، وهو بالفعل ناقته الضالة ، يعرفها ويعرف سماتها ، ولا يقعد حتى يجدها ويعثر عليها ، ويقر عيناً بها .
 
( 2984 - 2996 ) : عودة إلى قصة صاحب الناقة الضالة أو الإيمان والعهد ، والصلة بمبدأ الوجود ، وحقيقة الهدف الإنسانى ، وحيثما وجدها فهو أحق بها [ الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها ] ( أنظر البيت 1673 والبيت 2922 ) ، وإن المؤمن في بحثه هذا ليصادف الكثير من العقبات والصعاب :
 
« 458 »
 
المقلدين الذين لا يحسون بالفقد لكن مع ذلك يبحثون ، أولئك الذين يعرفون الأمارات لكنهم لا يعرفون الحقيقة نفسها ، وأولئك الذين يطمعون منك في الأجر على إرشاد خاطىء ، وأولئك الذين يريدونك أن تبحث أنت ويتظاهرون بأنهم يساعدونك أملا في مشاركتك فيها ، وأولئك الذين يطعمون في الناقة نفسها أو يدعون أنهم هم أيضا فقدوا نوقا ، إنهم جميعا يعتمدون على أقوالك أنت وأمارتك أنت ، فإن حدثته بالقرآن حدثك به ، إنه يريد أن يصل على أكتافك أنت .
 
( 2997 - 3020 ) : تظل التجربة هي المحك الحقيقي : إن صاحب الناقة الضالة ( الحكمة ) يقول للمدعى : هيا تقدم ، إنك تعلم حقيقة ما أنا أبحث عنه ، لكن ما في هذا المدعى ليس إلا مجرد انعكاس لما في باطن صاحب الناقة الحقيقي ، إنه يصل إلى نتيجة ما : أن كل هذا السعي والجدية والبحث الموجود عند صاحب الناقة الحقيقي لا يمكن أن يكون قائما على خواء ، فيصبح المتبوع تابعاً في الحقيقة ، لا حق له في الناقة ، إلا أنه يبحث عن شئ ضاع منه ولا يدريه ، والباحث ( تقليدا ) إن إقترن بباحث ( حقيقة ) ، فإنه يصل أيضا إلى مطلوبه ، عند البحث في الصحراء يجد ناقته أيضا ، ويتذكر أنها ملكه ، وانقلب من مقلد إلى محقق ، لم يعد في حاجة إلى انعكاس من آخر ، أو إلى تقليد ، ويسأله ذلك المحقق : لما ذا تركتني ؟
 
فيرد : من تقليدك توصلت إلى التحقيق ، ومن الكذب انتقلت إلى الصدق، صرت شريكا لك في الألم ، باحثا عن ناقتي الحقيقية ( جعفري 5 / 372 - 373 ) :
وهكذا الإنسان عموما ، إنه يبدأ من التقليد فيصل إلى التحقيق ، ومن المجاز فيصل إلى الحقيقة ، وأي سعى مهما كان متكلفاً ، إنما يصل إلى البحث الحقيقي ، [ إبكوا فإن لم تبكوا فتباكوا ]
وكل هذا إنما يكون من رفقة الصالحين الصادقين ، هذا هو معنى تبديل السيئات إلى حسنات ، فصدقٌ
 
« 459 »
 
يؤدى إلى البحث ، وبحثٌ يؤدى إلى الصدق ، وهذا هو الطريق بالكسب ، بالسعي وبالجد حتى وإن كان هذا السعي وهذا الجد تقليداً .
 
( 3022 - 3026 ) : يخاطب مولانا المريدين : إن كنت فاترا في الطريق غثا مقلدا ، ومتكلفا ، فلا أقل من أن تكون متحمسا ، وبذلك تصل ، تنزل عليك جذبات الحق ، وجذبة من جذبات الحق تعادل الثقلين ، ففاقد الناقة على الحقيقة ، وفاقد الناقة تكلفاً ، كلاهما يصل إلى ناقته ، وكلاهما حقيقة واحدة . ويتوقف مولانا أمام إحدى مشكلاته المتكررة : التعبير الذي لا يساوى المعنى : ( من كثرة القول صمت ، الكتاب الأول : بيت 1770 )
ومن ثم فأنا أقول لك : من عرف الله كل لسانه ( ذكره استعلامى 2 / 310 على أنه حديث نبوي بناء على نص مولانا وعند صاحب كشف المحجوب ، قول مسند إلى الصوفي الجنيد البغدادي ، ترجمة كاتب هذه السطور ص 429 ، وللواسطي : من عرف الله انقطع بل خرس وانقمع ، كشف ص 329 ، ولمحمد بن واسع : من عرف الله قل كلامه ودام تحيره ، كشف ص 328 )
واللسان ما هو إلى اصطرلاب يرصد حركة الأنجم ، لكنه لا يدرى شيئا عما يجرى في أقطار سماوات الروح ، وفلك الأرواح ، وشمس الحقيقة العليا التي تعتبر الشمس بمثابة الذرة منها .
 
( 3027 - 3037 ) : عودة إلى قصة مسجد الضرار ( أنظر شرح البيت 3826 )
لقد جرى على مسجد الضرار كل ما ينبغي أن يجرى على أي مكان ظاهر الزينة لكنه فاسدٌ من أساسه ، والمقصود بصاحب المسجد " أبو عامر الراهب ورفاقه من المنافقين " ، ووعظه فخ ، واللحم الذي يقدمه إنما يكون مثل اللحم الذي يوضع في الشص يأخذ بحلوق الأسماك ، لقد كان المسجد المقصود بالمنافسة هو مسجد قباء ( مسجد أسس على التقوى ) ، ولم يجز أمير العدل محمد
 
« 460 »
 
صلى الله عليه وسلم أن يجرى هذا الحيف والظلم على جماد ، فأضرم النار في مسجد الضرار ، وانظر إلى المعنى هنا : المسجد حقيقة إسلامية ، هو بيت المؤمنين ، ودار العبادة والفتوى والحكم ، ومع ذلك فقد أضرم الرسول صلى الله عليه وسلم النار في مسجد ، لأنه كان مجرد بناء قصد به الفرقة والتآمر والدس ، ومن ذلك فاعلم أن الحقائق متفاوتة ، وعالم المعنى يختلف عن عالم المجاز ، فالحياة فيه غير الحياة ، والقبر فيه غير القبور ، والموت فيه غير الموت ، والتفرقة صعبة إلا بهمة المرشد ، فخذ مرشداً ، فهو المحك ، واعرض عليه فعلك ، وإلا بنيت مسجداً يكون مسجد ضرار وكفر وتفريق وصد عن سبيل الله ، وتكون ساخراً من المنافقين لكنك في الحقيقة منهم .

.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: