الأحد، 30 أغسطس 2020

05 - مثال لعالم الوجود الذي يبدو عدما وعالم العدم الذي يبدو وجودا .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

05 - مثال لعالم الوجود الذي يبدو عدما وعالم العدم الذي يبدو وجودا .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مثال لعالم الوجود الذي يبدو عدما وعالم العدم الذي يبدو وجودا .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

مثال لعالم الوجود الذي يبدو عدما وعالم العدم الذي يبدو وجودا
- لقد أبدى العدم وجودا شديد الاحترام ، وأبدى الوجود على شكل العدم .
- لقد أخفى البحر وجعل لك الزبد ظاهرا ، وأخفى الريح وأبدى لك الغبار .
- " أبداه لك " كمئذنة من التراب الملتف المتصاعد ، فكيف يصعد التراب من تلقاء نفسه ؟
- لكنك ترى التراب متصاعدا أيها العليل ، ولا ترى الريح إلا بتعريف الدليل .
 
1030 - ترى الزبد رابيا من كل صوب وناحية ، والزبد لا يتحرك دون وجود البحر .
- إنك ترى الزبد بالحس والبحر بالدليل ، والفكر خفي ، وما هو واضح هو القال والقيل .
- ولقد كنا نظن النفي إثباتا ، وكانت لنا عيون ترى ما ليس موجودا .
 
“ 138 “
 
- وذلك الذي ظهر لنا في نوم ونعاس ، ماذا يمكن أن يكون إلا خيال ، وليس برؤية حقيقية ؟
- فلا جرم أننا صرنا دائري الرؤوس من الضلال ، وعندما اختفت الحقيقة ، ظهر الخيال .
 
1035 - وعندما وضع هذا العدم أمام النظر ، كيف أخفى تلك الحقيقة عن البصر ؟
- فالثناء عليك ، أيها الأستاذ الساحر ، الذي أبديت الكدر للمعرضين صفاءً .
- إن السحرة يقيسون على وجه السرعة ضوء القمر أمام التاجر ، ويقبضون الذهب ربحا .
- ويختطفون الفضة على هذا النسق أكداسا أكداسا ، وضاعت الفضة من اليد ، ولا كرباس هناك .
- وهذه الدنيا ساحرة ونحن تجار ، نشترى منها ضوء القمر الذي تم قياسه
 
1040 - إنها تقيس على وجه السرعة خمسمائة ذراع من الكرباس ، وبشكل ساحر ، من ضوء القمر .
- وعندما سلبت فضة عمرك أيها السالك ، هل تحولت الفضة إلى كرباس ؟ لا ، والكيس فارغ .
- وينبغي لك أن تقرأقُلْ أَعُوذُأيها الأحد ، هيا أبد شكواك من النفاثات في العقد .
- إن أولئك الساحرات ينفثن في العقد ، فالغياث أيها المستغاث من سوء المآل .
- لكن فلتقرأ أيضا بلسان العقل ، فإن لسان القول لسان واهن ، أيها العزيز .
 
1045 - وهناك ثلاثة رفاق لك في العمر ، أحدهم وفي والآخران غادران . 
 
“ 139 “ 
 
- أحدهما صحبتك ، وثانيهما متاعك ومالك ، وثالثهما الوفي هو حسن فعالك .
- إن المال لا يخرج معك من القصور ، ويأتي معك الصاحب حتى " باب " القبر
- ذلك أنه في يوم مماتك يقول لك ذلك الصاحب بلسان حاله :
- لست رفيقا لك أكثر من هذا ، ولأقف برهة على قبرك .
 
1050 - لكن فعلك هو الوفي فالزمه ، فهو الذي يدخل معك إلى قاع اللحد .
 
في تفسير قول المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم : لابد من قرين يدفن معك وهو حي
وتدفن معه وأنت ميت ، إن كان كريما أكرمك ، وإن كان لئيما أسلمك ،
وذلك القرين عملك ، فاصلحه ما استطعت . صدق رسول الله
 
- ومن هنا قال الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم : من أجل هذا الطريق ، ليس هناك من رفيق أوفى من العمل .
- فإن كان طيبا ، يكون رفيقا لك إلى الأبد ، وإن كان سيئا ينقلب عليك حية في اللحد .
- وهذا هو العمل والكسب في طريق السداد ، ومتى يمكن فعله أيها الأب دون تعليم من أستاذ ؟
- وأدنى حرفة تجرى في هذه الدنيا ، لا تكون أبدا دون إرشاد أو أستاذ .
 
1055 - إن أولها علم ومن بعدها يأتي العمل ، حتى تعطي الثمر من مهلة أو أجل .
- " استعينوا في الحرف يا ذا النهى ، من كريم صالح من أهلها
 
“ 140 “ 
 
- أطلب الدر أخي وسط الصدف ، واطلب الفن من أرباب الحرف - إن رأيتم ناصحين أنصفوا ، بادروا التعليم ، لا تستنكفوا " “ 1 “
- وإن لبس المرء الملابس الخلقة عند قيامه بصنعة الدباغة ، فإن ذلك لا يقلل من سيادته ، إن كان سيدا .
 
1060 - وعند النفخ " في الكور " إن لبس الحداد الملابس الممزقة ، فإن احترامه لم يقل أمام الخلق .
- فاخلع إذن لباس الكبر عن الجسد ، وعند التعلم ، إلبس لباس الذل .
- والطريق إلى تعلم العلم هو القول ، لكن تعلم الحرفة يكون عن طريق عملي .
- وإن كنت تريد " علم " الفقر فهو قائم بالصحبة ، فلا لسانك يعمل " لاكتسابه " ولا يدك . “2"
- إن معرفته تتلقاها الروح من الروح ، لا عن طريق الكتاب ولا عن طريق اللسان .
 
1065 - وإن كان موجودا في قلب السالك بشكل غامض ، فليس عند السالك معرفة بالرموز بعد .
- حتى يشرح قلبه ذلك الضياء ، ومن هنا قال تعالى :أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ.
- أي أننا أعطيناك الشرح داخل الصدر ، ووضعنا نحن الشرح داخل صدرك .
- لكنك لا زلت تطلبه حتى الآن من خارجك ، وإذا كان لديك اللبن ، فكيف تحلبه من آخرين ؟
..............................................................
( 1 ) ما بين القوسين بالعربية في المتن الفارسي .
( 2 ) ج / 11 - 337 : - والمعرفة أنوار في أرواح الرجال ، لا عن طريق الدفتر والقيل والقال .
  
“ 141 “ 
 
- وهناك عين لبن في داخلك بلا ضفاف ، فكيف تطلب ذلك اللبن " المصبوب في قدر ؟
 
1070 - وإن لديك منفذا إلى البحر يا طالب السقيا ، فاشعر بالعار من طلبك الماء من الغدير .
- فمن " ألم نشرح " لا شرح لك بعد ، ما دمت باحثا عن الشرح متكديا إياه
- فانظر إلى شرح القلب من داخلك ، حتى لا يأتينك الوصف ب " لا تبصرون " .
 
تفسير وَهُوَ مَعَكُمْ
 
- هناك سلة مليئة بالخبز فوق رأسك ، وأنت لا تفتأ تتكدى كسرة خبز من باب إلى باب .
- فعرج على رأسك ، ودعك من دوار الرأس ، وامض ، واطرق باب القلب ، لماذا أنت على كل باب ؟
 
1075 - إنك واقف في جدول ، ماؤه يصل إلى ركبتيك ، وغافل عن نفسك ، وباحث عن الماء من هذا وذاك .
- فالماء أمامك وخلفك ، وذو مدد ، لكن العيون من بين أيديها سد ، ومن خلفها سد .
- فالجواد موجود تحت الفخذ ، والفارس باحثٌ عن الجواد ، وإن " سئل " :
ما هذا ؟ قال : جواد ، ولكن أين الجواد ؟


“ 142 “
 
- انتبه ، أليس هذا الذي يبدو تحتك جواد ؟ قال : نعم ، لكن من رأى جوادا قط ؟
- إنه ثمل بشيء ، وأمام وجهه ذلك الشيء ، وهو غافل عنه ، وغافل عن تفصيلاته أيضا .
 
1080 - وهو ثمل شوقا إلى الماء وهو أمام وجهه ، إنه في الماء ، لكنه غافل عن هذا الماء الجاري .
- كالدر في البحر ويتساءل : أين البحر ؟ وذلك خيال ، لأن ، الصدف جدار أمامه " دون البحر " ! !
- وتساؤله هذا يصبح حجابا له ، يصبح سحابا على شعاع شمس " حقيقته " .
- إن عينه الرمداء المريضة هي ختم بصره ، إن ما ينبغي أن يرفع السدود من أمامه ، صار سدا له .
- إن لبه نفسه قد صار ختما على سمعه ، فليكن لبك مع الحق ، يا حائرا في آلائه .
 
في تفسير قول المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم : من جعل الهموم هما واحدا ،
كفاه الله سائر همومه ، ومن تفرقت به الهموم ، لا يبالي الله في أي واد أهلكه
 
1085 - لقد وزعت لبك على " كثير " من الجهات ، بينما لا تساوى شروى نقير “ 1 “ تلك الترهات .
- وكل جذر لشوكة يمتص ماء لبك ، ومتى يصل ماء لبك إلى الثمار ؟ “ 2 “
..............................................................
( 1 ) حرفيا : فجلة واحدة .
( 2 ) ج / 11 - 348 : - إن كل نبات لا قيمة منه يجذب الماء منك ، ومتى يصل ماء ذهنك إلى الإله . 
 
“ 143 “ 


- هيا فلتقطع ذلك الغصن السيء ولتقم بتقضيبه ، ولترو هذا الغصن الحسن الطيب ، ولتجعله نضرا .
- إن كليهما أخضر في هذه اللحظة ، لكن أنظر إلى العاقبة ، فإن ذلك يذوى ، ومن هذا تنمو الثمار .
- وماء البستان لهذا حلال ولذاك حرام ، وسوف ترى الفرق في آخر الأمر ، والسلام .
 
1090 - وما هو العدل ؟ ؟ إنه سقيا هذه الأشجار ، وما هو الظلم ؟ إنه إهدار الماء على تلك الأشواك .
- إن العدل هو وضع النعمة في موضعها ، لا أن تكون ساقيا لكل جذر يكون .
- وما هو الظلم ؟ إنه وضع الشيء في غير موضعه ، وهذا في حد ذاته لا يكون إلا منبعا للبلاء .
- فأعط نعمة الحق للروح والعقل ، لا إلى الطبع كثير الهموم كثير العقد .
- ولتجعل أحمال الحزن كلا على " كاهل " جسدك ، ودعك من وضعها على كاهل الروح ، فإنها تحطم روحك
 
1095 - لقد وضع " أحدهم " على أم رأس عيسى " الروح " حملا ثقيلا ، بينما يبرطع حمار " الجسد " في المروج .
- وليس من المعقول وضع الكحل في الأذن ، وليس من المعقول أن تطلب من الجسد أعمال القلب .
- فإذا كنت قلبا تبختر وتدلل ولا تتحمل الذل ، وإذا كنت جسدا ، لا تتلذذ بالسكر ، وتذوق السم .
- فالسم نافع للجسد ، لكن السكر ضار له ، ومن الأفضل للجسد أن يبقى بلا مدد .
 
“ 144 “
 
- إن الجسد هو حطب جهنم ، فلتصبه بالنحول ، والحطب إن نبت ، إذهب واقتلعه .
 
1100 - وإلا صرت حطبا وحمالا للحطب ، في الدارين مثل زوج أبي لهب .
- ولتميزن بين غصن سدرة " المنتهى " وبين الحطب ، وإن كان كلاهما أخضر ، أيها الفتى .
- فأصل ذاك الغصن هو السماء السابعة ، وأصل هذا الغصن من النار والدخان
- وهما يتشابهان في الصورة أمام الحس ، فإن عين الحس تخطئ النظر ، وهذا ديدنها .
- لكن الفرق شديد الوضوح أمام عين القلب ، وجاهد " ولو " جهد المقل ، وتعال نحو القلب .
 
1105 - وإن لم يكن لك قدم ، فحرك نفسك ، حتى ترى كل قليل وكل كثير . “ 1 “
 
في معنى هذا البيت : إن مضيت في الطريق ، فإنهم يفتحون لك الطريق
وإن صرت عدما ، يتجهون بك إلى الوجود “ 2 “
 
- إذا كانت زليخا قد غلقت الأبواب من كل طرف ، فإن يوسف عليه السّلام وجد من الحركة المنصرف .
- فانفتح القفل والباب ، واتضح الطريق ، عندما توكل يوسف عليه السّلام وتحرك .
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 349 : - فإن هذه الحركة قد صارت مفتاحا للبركة ، ومن الحركة تستفيد أيها القلب .
( 2 ) العنوان عند جعفري " 11 - 356 " : في معنى هذه الرباعية ، ثم بيت لإكمال الرباعية بعد البيت المذكور :
وإن تواضعت لا يسعك العالم ، وآنذاك يبدونك لنفسك دون نفسك .
 
“ 145 “
 
- وإن لم تكن فرجة واحدة ظاهرة وموجودة ، فينبغي السعي على العشواء ، كما فعل يوسف عليه السّلام .
- حتى يفتح القفل ، ويبدو الباب ، ويصبح لك منفذٌ إلى اللامكان .
 
1110 - لقد جئت إلى هذه الدنيا أيها الممتحن ، فهل تراك رأيت قط الطريق الذي جئت منه ؟
- لقد جئت من مكان ما ومن موطن ما ، فهل علمت طريق المجيء قط ؟ أبدا ، على الإطلاق .
- وإذا كنت لا تعلم ، وحتى لا تقول : لا طريق ، فإن من هذا الطريق الذي لا طريق فيه ، ذهابنا .
- إنك في النوم تمضي سريعا إلى اليسار وإلى اليمين ، فهل تعلمن على الإطلاق أين هذا الميدان الذي " تركض فيه " ؟
- فلتغمض هذه العين ، ولتسلم نفسك ، حتى ترى نفسك في تلك المدينة القديمة .
 
1115 - وكيف تغلق عينيك ومائة عين ذات خمار ، هي غرورا سد أمام عينيك من هذه الناحية .
- وأنت شديد القلق والانتظار عشقا لأولئك الذين يشترون " ما تعرض " وأملا في العظمة والسيادة .
- وإن نمت ، فإنك ترى أولئك المرجوين في النوم ، ومتى تحلم بومة النحس إلا بالخرائب ؟ !
- إنك تريد من يشترى منك كل لحظة ، وفي غاية السعي والقلق ، وماذا لديك لكي تبيع ؟ لا شيء على الإطلاق ! !
- فلو كان لقلبك خبزٌ أو أُدم ، لفرغت تماما من أولئك المشترين . “ 1 “
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 356 : وإن كان ثم خبز في كيسك ، لفرغت تماما من مشتريي قلبك .
 
 
“ 146 “
 
[ حكاية ذلك الشخص الذي كان يدعي النبوة ]
قصة ذلك الشخص الذي كان يدعي النبوة ، فقالوا له : ماذا أكلت حتى صرت أحمق تهذى ؟ فقال : لو وجدت شيئا آكله ، لما تحولت إلى أحمق ، ولما هذيت ، فإن أي كلام طيب لو قيل لغير أهله يكون من قبيل الهذيان ، وإن كانوا مأمورين بقول هذا الهذيان
 
1120 - طفق أحدهم يقول " إنني رسول الله ، وأنا أكثر فضلا من كل الرسل والأنبياء .
- فقيدوا عنقه ، وأخذوه إلى الملك ، وقالوا : إن هذا يقول إنه رسول من الإله .
- وتجمع عليه الخلق ، كالنمل والجراد ، قائلين : ما هذا المكر ؟ ما هذا الاحتيال ؟
وما هذا الكيد ؟
- فإن كان رسولا ذلك الذي يأتي من العدم ، فنحن كلنا رسل وفي غاية الاحترام
- لقد جئنا كلنا من هناك ، ونحن هنا كلنا غرباء ، فلماذا خصصت أنت بها ، أيها البليغ المفوه ؟ “ 1 “
 
1125 - ألم تأتوا أنتم إلى هنا كالأطفال النائمين ، وكنتم غافلين عن الطريق ، وعن المنازل .
- لقد مررتم بالمنازل نياما ثملين " بالنعاس " ، غافلين عن الطريق ومرتفعاته ومنخفضاته .
- لكننا غذونا السير في اليقظة سعداء " منتبهين " ، مما وراء " الحواس " الخمسة و " الجهات الستة " حتى أرضها وموضعها .
- ورأينا المنازل من الأصل والأساس ، مثل الأدلاء الخبراء العارفين بالطريق .
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 363 : وأجابهم ذلك الرسول الطيب قائلا : يا جماعة من العمى والجهال وأرباب الفضول . 
- إنكم لم تعلموا أيها القوم أنه قد قضي عليكم بالوصول إلى هنا ، وهذا من عماكم .
 
“ 147 “
 
- فقالوا للملك : قم بتعذيبه ، حتى لا يقول أحد على شاكلته هذا الكلام أبدا .
 
1130 - فرآه الملك شديد النحول والضعف ، بحيث يموت من صفعة واحدة ، ذلك المسكين - فكيف يمكن تعذيبه أو ضربه ؟ وبدنه كان قد صار كالزجاج .
- " وقال في نفسه " : علىّ أن تحدث إليه بالحسنى ، وأسأله : لماذا أنت آخذ في التجديف بالعصيان والكفر ؟
- فإن الشدة لا تجدى هنا نفعا ، وبالحسنى واللين ، تطل الحية برأسها من جحرها .
- وأبعد الناس من حوله . كان ملكا رقيقا ، ديدنه اللطف والملاينة .
 
1135 - فأجلسه ، ثم سأله عن موطنه ، ومن أين يتعيش ؟ وإلى أين يلجأ ويأوى ؟
- قال : أيها الملك ، إنني من دار السلام ، وجئت من الطريق إلى هنا ، دار الملام .
- وأنا لا دار لي ، ولا جليس واحد أجالسه ، ومتى تتخذ السمكة من اليابسة مسكنا ؟ !
- ثم سأله الملك مازحا : إذن ماذا أكلت ؟ وبم ائتدمت ؟
- وهل تشتهي شيئا ؟ وماذا أكلت هذا الصباح ، بحيث إنك منتش إلى هذا الحد ، كثير النفاج شديد الكبرياء ؟
 
1140 - أجاب : لو كان عندي خبز ، جافا كان أو طريا ، فمتى كان لي أن أدعي النبوة ؟
- إن ادعاء النبوة مع هذا القبيل من الناس ، أشبه بطلب القلب من صخر أو من جبل .
 
“ 148 “
 
- ولم يطلب أحد من جبل أو من صخر عقلا وقلبا ، ولم يسأله عن فهم نكتة من النكات أو ضبطها .
- فإن كل ما تتفوه به يردده الجبل بعينه ، يردده ترديد الرقية هازئا مازحا .
- فأين هؤلاء القوم من الرسالة ؟ ومن الذي يكون عنده رجاء الروح في جماد ؟
 
1145 - فلو أنك جئت إليهم برسالة عن النساء والأموال ، لطأطأوا كلهم رؤوسهم طاعة أمامك ، ولسلموك أموالهم .
- ولو قلت لأحدهم إن في موضع كذا حسناء تدعوك ، فقد صارت عاشقة لك ، يعترف بك آنذاك .
- ولو أنك أتيت برسالة من الله كأنها الشهد ، داعيا : تعال إلى الله ، يا طيب العهد ،
- وامض من دنيا الموت نحو الزاد ، وإذا كان البقاء ممكنا ، لا تصر فانيا
- فإنهم يهبون سعيا لسفك دمك وقطع رأسك، لا حمية للدين ، ولا غيرة على الفضل.
 
سبب عداوة العوام لأولياء الله الذين يدعونهم إلى الحق وإلى ماء الحياة الأبدية . .
وعيشهم غرباء عنهم
 
1150 - بل إن ذلك يكون من التصاقهم بالمال والأهل ، ويكون سماع هذا البيان مرا بالنسبة لهم .
- إن خرقة قد التصقت التصاقا شديدا بجرح الحمار ، وعندما تريد أن تنزعها منه قطعة قطعة ، - فإن ذلك الحمار يرفس بقدميه يقينا من الألم ، وما أفضل من اتقاه وابتعد عنه .
 
“ 149 “
 
- خاصة إذا كان هناك خمسون جرحا ، وفي كل موضع خرقة ، ملتصقة برأسه ، غارقة في العرق .
- وإن الأهل والأملاك كالخرقة ، وهذا الحرص هو الجرح ، وكلما ازداد الحرص ، ازدادت الجراح .
 
1155 - إن الأهل والأملاك بمثابة بومة " ملازمة " للخراب فحسب ، فهي لا تسمع أوصاف بغداد وطبس .
- ولو أن بازيا سلطانيا عاد من الطريق ، وأتى بمائة خبر لهذا البوم عن المليك
- وتحدث مفصلا عن دار الملك والبساتين والأنهار ، إذن لسخر منه آنذاك مائة عدو .
- قائلين : لقد أتى لنا البازي بأساطير الأولين ، وإنه يختلق الكلام هاز لا مجدفا .
- والأساطير القديمة هي هم ، وهم المهترئون إلى الأبد ، وإلا فإن ذلك الحديث من البازي ، يجعل القديم جديدا .
 
1160 - إنه يهب الروح للموتى الذين ماتوا منذ زمن ، ويهب تاج العقل ونور الإيمان .
- فلا تسرق القلب من الفاتن الذي يهب الروح ، فهو الذي يجعلك تمتطي ظهر الجواد الأصيل . “ 1 “
- ولا تسرق الرأس من الرفيع العظيم الذي يهب التاج ، فهو الذي يفك مائة عقدة من حول قدم القلب .
- ومع من أتحدث ؟ فأين حي واحد في القرية ؟ وأين ساعٍ واحد نحو ماء الحياة ؟
..............................................................
( 1 ) حرفيا : رخش وهو اسم جواد رستم .
 
“ 150 “
 
 
- إنك بذلة واحدة هارب من العشق ، وماذا تعرف من العشق سوى الاسم ؟
 
1165 - وإن للعشق مائة دلال واستكبار ، واليد لا تحصل عليه إلا بعد تدلل كثير منه .
- ولأن العشق وفي ، فإنه يشترى الوفي ، ولا ينظر أبدا إلى الرفيق الغادر .
- فالإنسان بمثابة الشجرة ، وجذورها العهد ، وينبغي للجذور أن تُتعهد بالرعاية ، وبجهد .
- وإن العهد الذي يكون فاسدا جذر مهترىء ، قد انقطع عن الثمار ، وعن اللطف .
- وبرغم أن فروع النخلة وأوراقها خضراء ، لا نفع فيها ، ما دام جذرها فاسدا .
 
1170 - وإن لم تكن فيها أوراق خضراء وجذرها موجود ، فإنها في النهاية تخرج مئات الأوراق .
- فلا تكن مغرورا بالعلم وابحث عن العهد ، فالعلم بمثابة القش ، والعهد بمثابة لبه .
 
في بيان أن الرجل الطالح عندما يتمكن في الشر ، ويرى آثار إقبال الطيبين ، ينقلب إلى شيطان ، ويصبح مانعا للخير من الحسد مثل الشيطان الذي احترق بيدره ، يريد أن يكون جميع الخلق محترقي البيادر ( أَ رَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى * عَبْداً إِذا صَلَّى )
 
- وعندما ترى الأوفياء قد حازوا النفع ، تصبح آنذاك حسودا كالشيطان .
- وكل من ساء مزاجه ووهن طبعه ، لا يريد لأحد قط أن يكون صحيح الجسد .
- فإن لم تكن تريد أن يكون لديك حسد إبليس ، فتعال من باب الدعوى إلى عتبة الوفاء .
 
“ 151 “
 
1175 - وما لم يكن لديك وفاء لا تتحدث ، فإن أغلب حديث الادعاء مكون من " أنا " و " نحن " .
- وهذا الكلام الموجود في الصدور بمثابة الدخل للألباب ، ومن ثم ففي الصمت مائة نماء للب الروح .
- وعندما يتفوه به اللسان ، فقد صار إنفاقا من اللب ، فقلل الإنفاق حتى يبقى اللب ألمعيا .
- ولمن قل كلامه ذهن عبقري ، وعندما زاد قشر الكلام ، فقد ضاع اللب .
- ذلك أنه عندما يزيد القشر يقل اللب ، ويرق القشر عندما يكتمل اللب ويتضخم .
 
1180 - فانظر إلى هذه الثمار الثلاثة فقد نجت من الفجاجة : الجوز واللوز والفسدق .
- وإن كل من يعصى يكون شيطانا ، ويكون حسودا لدولة الأخيار وإقبالهم .
- وما دمت قد وفيت بعهد الله ، فإن الله تعالى من كرمه يحفظ عهدك .
- وأنت مغمض العينين عن وفاء الحق ، ولم تسمع ( اذكروني أَذْكُرْكُمْ) .
- وأنصت ، واستمع إلى (أَوْفُوا بِعَهْدِي) حتى تأتي (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) من الحبيب .
 
1185 - فأي عهد وأي قرض منا نحن أيها الحزين المسكين ، إنه من قبيل وضع الحبة المتيبسة في الأرض .
- لا يكون منها للأرض ضياءٌ أو نعمة ، ولا لرب الأرض منها الدخل والغنى .
- اللهم إلا أن يتضرع إلى الله قائلا : يا إلهي ينبغي لي دخل من هذه الحبة ، فقد أعطيت أنت أصلها من العدم .
 
“ 152 “
 
- لقد أكلت أنا " من المحصول " وأتيت بهذه الحبة كدليل ، فقد سقت هذه النعمة إلينا فسقها ثانية .
- فدعك إذن من هذا الدعاء الجاف الذي لا معنى له ، واعلم أن إلقاء البذرة في التراب يريد شجرة .
 
1190 - وإن لم تكن لديك حبة ، فإن الله سبحانه وتعالى من هذا الدعاء ، يهبك نخلا ، فنعم سعيك الذي سعيت .
- مثل مريم البتول ، كان لديها الألم ، ولم يكن لديها حب ، لكن صاحب الفضل ، جعل لها تلك النخلة خضراء .
- وذلك لأن تلك السيدة العظيمة كانت وفية ، فأعطاها الله مائة مراد ، دون أن تطلب .
- وتلك الجماعة التي كانت ذات وفاء ، زادهم الله في كل شيء عمن هم من جنسهم .
- لقد صارت البحار مسخرة لهم والجبال ، والعناصر الأربعة عبيد أيضا عند تلك الجماعة .
 
1195 - إن هذا الإكرام في حد ذاته بمثابة الدليل ، حتى يراها أهل الإنكار عيانا بيانا .
- لكن كراماتهم الخفية لا تدركها حواس ، ولا يعبر عنها بيان .
- إن هذا هو ديدنه ، ويكون هذا إلى الأبد ، على سبيل الدوام ، لا ينقطع ولا يسترد . “ 1 “
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 431 : - بل يبقى لحظة بعد لحظة في رقي ، ذلك أن واهبها صاحب كرم وعطاء .
 
“ 153 “
مناجاة
 
- يا واهب القوت والتمكين والثبات ، ألا فلتخلصن الخلق يا إلهي من عدم الثبات هذا .
- وعلى ذلك الأمر الذي ينبغي الثبات عليه ، اجعل النفس مقيمة ، فهي نزاعة إلى الهوى .
 
1200 - وامنحهم - يا الهي - الصبر وكفة الميزان الثقيلة ، وخلصهم - يا إلهي - من فن من يصورون لهم السوء .
- واشرهم ثانية من الحسد أيها الكريم ، حتى لا يتحول كل منهم من الحسد إلى شيطان رجيم .
- وفي النعيم الفاني للمال والجسد ، لا يفتأون يحترقون جميعا من الحسد .
- فانظر إلى الملوك الذين يجرون الجيوش ويسوقونها ، ويقتلون أقاربهم من الحسد .
- والعشاق للحسان المليئات بالقذر والدنس، أخذوا يسعون في دماء بعضهم البعض وأرواحهم.
 
1205 - فأقرأ " ويس ورامين " و " خسرو وشيرين " ، وماذا فعل من جراء الحسد أولئك البلهاء .
- ولقد فنى العاشق كما فنى المعشوق ، فهم ليسوا بشيء ، وهواهم ليس بالشيء الذي يذكر .
- والإله الطاهر الذي يضرب العدم ببعضه ، هو الذي يجعل العدم عاشقا للعدم .
- ومن القلب الذي ليس بقلب تطل أنواع الحسد ، وهكذا يجعل العدم مضطرا إلى أن يبدو وجودا .


“ 154 “


- وهؤلاء النساء اللائي هن أكثر شفقة ، أليس من الحسد تأكل إحداهما الأخرى عندما تكون ضرة لها ؟
 
1210 - فما بالك بالرجال وهم بطبعهم قساة القلوب، ترى في أي منزل هم من منازل الحسد؟
- ولو لم يقدم من الشريعة رقية تلطف " هذا الجحيم " لمزق كل خصم جسد خصمه .
- فإن الشرع يشير بالرأي من أجل دفع الشر ، ويحبس الشيطان في قارورة الحجة .
- فلا يزال بالبرهان والأيمان والنكوص " عن الادعاء " ، حتى يدخل شيطان الفضول في القارورة .
- مثل الميزان الذي يجمع رضا الضدين ، على سبيل اليقين في الجد وفي الهزل .
 
1215 - فاعلم أن الشرع بمثابة الميزان والمكيال على وجه اليقين ، فبه ينجو الخصمان من القتال ومن الحقد .
- وإن لم يكن ثم ميزان ، فمتى كان الخصم من الجدال ، يتخلص من وهم أنه " قد تعرض " للحيف والاحتيال .
- ومن هنا ففي هذه الجيفة القبيحة التي لا وفاء عندها ، يوجد كل هذا الحسد وكل هذه الخصومة وكل هذه القسوة .
- إذن فمن أين يكون فيها إقبالٌ ودولة ، والجنى والإنسي ماضيان في الحسد ؟
- وأولئك الشياطين أنفسهم حسودون قدماء ، وهم لا يتوقفون لحظة واحدة عن قطع الطريق .
 
“ 155 “
 
1220 - وأولئك الآدميون الذين زرعوا العصيان ، تحولوا بدورهم من الحسد إلى شياطين .
- فاقرأ من القرآن أن شياطين الإنس ، قد صاروا من مسخ الإله لهم ، من نفس جنس الشياطين .
- وعندما يصبح الشيطان عاجزا عن الفتنة ، فإنه يطلب العون من هؤلاء الإنس
- قائلا لهم : أنتم أعوان لي ، فالعون العون ، وأنتم إلى جانبي ، فقدموا لي المساعدة والتأييد .
- وإن قُطع الطريق على أحد في الدنيا ، فإن هذين النوعين من الشياطين يهبان فرحين .
 
1225 - وإن نجا أحد بروحه ، وصار عاليا في الدين ، فإنهما ينوحان ، كلا الحاسدين .
- وكلاهما يصر على أسنان الحسد ، على كل من وهبه الله العقل .
 
سؤال الملك مدعي النبوة هذا عن الرسول الصادق وماذا يكون معه يهبه لأتباعه
وماذا يجدونه في حضرته وصحبته غير النصيحة التي يقولها بلسانه
 
- فسأله الملك : بماذا أوحى إليك ؟ وأي نفع يتأتى أصلا من ذلك الذي يكون نبيا ؟ “ 1 “
- قال : قل لي أنت ما الذي لم ينزل به الوحي بعد ؟ وأية دولة بقيت ، ولم يصل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إليها ؟
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 447 : - وأي شيء يهبه للمرء في حديثه ؟ غير النصح وغير الأوامر والنواهي .
- وأي نفع من محضرة وصحبته ، وفي أي رتبة ودرجة يكون من يتبعه ؟
 
“ 156 “
 
- ولنفرض أن الوحي الذي نزل عليّ ليس هو وحي الرسول خزانة " المعرفة " ، إنه ليس أقل من الوحي الذي نزل على النحل .
 
1230 - وعندما نزلت (أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) ، جعل منزل وحيه مليئا بالشهد .
- وهو بنور وحى الحق عز وجل ، جعل عالما مليئا بالشمع والعسل .
- وذلك الذي نزلت في حقه (كَرَّمْنا) ، وهو يمضي إلى أعلى عليين ، متى يكون وحيه أقل من وحي النحل
- وألم تقرأ أنت (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) ، إذن فلماذا بقيت جافا متيبسا ظمآنا ؟
- أو ربما كنت أنت فرعون ، والكوثر كالنيل ، قد تحول من أجلك إلى دم كدر أيها العليل .
 
1235 - فهيا، تب، وكن ضائقا نفورا من كل عدو ، ليس لديه ماء الكوثر في وعائه .“1“
- وكل من رأيته أحمر الوجه من ماء الكوثر ، فهو في طبع محمد صلّى اللّه عليه وسلّم قد تطبع بطبعه .
- حتى تأتى في حساب [ أحبه الله ] ، فإن معه تفاحا من الشجرة المحمدية .
- وكل من تراه ظاميء الشفة من الكوثر ، عاده كأنه الموت أو كأنه الحمى . “ 2 “
- حتى ولو كان أباك ولو كان أمك ، فإنه في الحقيقة شاربٌ لدمك .
 
1240 - وتعلم هذه السيرة من إبراهيم الخليل عليه السّلام ، فقد صار في البداية ضائقا من أبيه ، نفورا من " مسلكه " .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : قرعته .
( 2 ) ج / 11 - 447 : - فقد صار لك كأبي جهل وأبي لهب ، إبتعد عنه حتى لا تسقط في الكرب .
 
“ 157 “
 
- حتى تكون أمام الحق ممن قيل فيهم [ ابغض الله ] ، حتى لا يصيبنك حسد العشق بالنحول والسل .
- وما لم تقرأ " لا " و " إلا الله " ، فإنك لن تجد منهاج هذا الطريق .
 
قصة ذلك العاشق الذي أخذ يعدد لمعشوقه أنواع إخلاصه ووفائه والليالي الطويلة ليالي ( تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ )
وقلة الزاد وظمأ الكبد في الأيام الطويلة .
وأخذ يقول : لا أعرف وفاءً إلا هذا ، فإن كانت هناك خدمة أخرى وطاعة أخرى أرشدني إليها فأنا مطيع لكل ما تأمر به سواء كان الدخول في النار كالخليل عليه السّلام أو السقوط بين فكي الحوت كيونس عليه السّلام أو العمى
من البكاء كشعيب عليه السّلام أو التعرض للقتل سبعين مرة مثل جرجيس عليه السّلام ،
ولا حد لوفاء الأنبياء وتضحياتهم ولا حصر . . .
وجواب المعشوق عليه - أخذ أحد العشاق يعدد أمام معشوقه ، أحواله وأموره والطاعات التي قام بها له .
 
- قائلا : لقد فعلت من أجلك كذا وكذا ، وتعرضت للسهام والرماح في هذه الموقعة .
 
1245 - وذهب المال وهدت القوة وفقدت السمعة ، وكم من الخسائر حاقت بي من عشقك .
- لم يرني صبح قط ضاحكا أو نائما ، ولم يرني مساء قط مستقرا ساكنا .
- وأخذ يعدد له ما احتساه من أجله من ألم وكدر ، واحدا واحدا وبالتفصيل .
- لا من أجل أن يمنن عليه ، بل كان يقدم على صدق محبته مائة شاهد .
- والعقلاء تكفيهم إشارة واحدة ، ومتى يذهب ظمأ العاشقين منها ؟
 
“ 158 “
 
1250 - فهو يكرر القول بلا ملال ، وبإشارة واحدة متى يكتفي الحوت من الماء الزلال .
- ولقد أسهب في القول عن هذا الألم القديم ، وما زال يشكو قائلا : لم أنطق بكلمة واحدة ! !
- كان يحس بنار لم يكن يعلم كنهها ، لكنه كان يبكي من لهيبها وكأنه الشمع . “ 1 “
- قال المعشوق : لقد فعلت كل هذا ، لكن افتح أذنيك تماما وافهم جيدا :
- إنك لم تفعل أصل أصل العشق والولاء ، وكل ما فعلته هو مجرد فروع .
 
1255 - قال له العاشق : قل لي ، ما هو هذا الأصل ؟ قال : إن أصله هو أن تموت وتتحول إلى عدم .
- لقد فعلت كل هذا ولم تمت ، وما زلت حيا ، فهيا مت أيها الحبيب المضحي بالروح . “ 2 “
- فاستلقى في التو واللحظة وأسلم الروح ، وقامر برأسه كأنه الوردة ضاحكا وسعيدا .
- فصارت هذه الضحكة وقفا عليه إلى الأبد ، مثل عقل العارف وروحه بلا نصب ولا كبد .
- ومتى يتلوث نور القمر ، وإن سطع هذا النور على الصالح والطالح إلى الأبد .
..............................................................
( 1 ) ج : 11 / 451 - 452 وبعد أن بكى قال : كل هذا مضى ، لكن أرشدني الآن يا صديقي الطيب . 
- إنني ممتثل بروحي لكل ما تأمر به ، إنني وفق أمرك ، فقد ألقيت بالرأس والقدم . 
فإن كان ينبغي على أن أمضي إلى النار كالخليل ، أو أن أجعل دمي مسفوكا مثل يحيى . 
- أو أن أصير أعمى من البكاء مثل شعيب ، أو أمضي إلى فم الحوت كيونس . 
أو ترسلني كيوسف إلى الجب والسجن ، أو تجعلني كعيسى بن مريم في فقره . 
- فإنني لا أحول الوجه عنك ولا أرجع ، فإن روحي وجسدي من أجل أمرك .
( 2 ) ج / 11 - 452 : عندما سمع ذلك العاشق المنسلخ عن ذاته ، أطلق آهة حزينة من روحه وقلبه .
 
“ 159 “
 
1260 - إنه يعود صوب الإله بريئا طاهرا منهم جميعا ، كأنه نور العقل ونور الروح .
- وتظل صفة الطهر وقفا على القمر ، وإن كان سطوعه على أقذار الطريق .
- ومن نجاسات الطريق والأوضار الموجودة فيه ، لا فساد هناك يحصل للنور .
- ولقد سمع نور الشمس نداء " ارجعي " ، فعاد إلى أصله على وجه السرعة .
- فلا بقي عليه عار من المزابل التي " سطع عليها "، ولا بقي عليه لون من الرياض . “1 “
 
1265 - وعاد نور العين إلى منبع الضياء ، وبقيت الصحارى والوديان في ولهها عليه .
..............................................................
( 1 ) هنا بيت زائد عن جعفري "11 - 452" وهو في رأيه ليس خاليا من الإبهام "11 - 457"

وإن كنت أراه شديد الوضوح : وعندما عاد نوره من الأرض الخراب ، ظل منتظرا عودته إليها ، أي أن سطوع النور على المزابل لا يجعله ينفر منها بل يظل مشتاقا إلى العودة إليها .
سأل أحدهم عالما عارفا : إن بكى أحدهم في الصلاة بصوت مسموع وتأوه ونام ، فهل تبطل صلاته ؟
فأجاب : إن اسمه ماء العين وهو مرتبط بما رآه الباكي ، فإن كان قد رأى الشوق إلى الله سبحانه وتعالى ، أو بكى ندما على الذنب ، فإن صلاته لا تبطل بل تكتمل إذ لا صلاة إلا بحضور القلب ، وإن كان قد تذكر تعب البدن أو فراق الولد تبطل صلاته ، فأصل الصلاة ترك الجسد وترك الابن مثل إبراهيم عليه السّلام الذي كان يضحي بابنه من أجل تمام الصلاة وأودع جسده نار النمرود ، وقد أمر المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم بهذه الخصال في قول الله تعالى (اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) وقوله (كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ)
 
- سأل أحدهم أحد المفتين في خلوة : هل إذا بكى أحدهم نائحا في الصلاة ،
- ترى هل تبطل صلاته ؟ أو تكون كاملة ومقبولة ؟
- قال : فلماذا سمي إذن ماء العين ؟ أنظر إلى ما قد رآه ثم بكى ! !
- ماذا رآه ماء العين في باطنه ؟ حتى صار هكذا سيالا من مآقيه ؟ “ 1 “
 
1270 - فإذا كان قد رأى تلك الدار ذلك الممتلىء ضراعة ، فإن تلك الصلاة تجد رونقها من النواح .
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 458 : - فإذا كان يبكي طويلا من شوق إلى الحق ، أو يبكي في الصلاة ندما على الذنب . 
- أو كان البكاء خوفا من الحق فهو مستحب ، ذلك أن دمعك هذا ماءٌ دافعٌ للنار . 
- فلا شك أن صلاته تزدان بالكمال ، ولا جدال في أنه يجد القرب في طريق الحق .


“ 161 “
 
- وإذا كان ذلك البكاء من أجل تعب في بدنه أو حداد عنده ، فقد تقطع الخيط وانكسر المغزل . “ 1 “


دخل مريد في خدمة شيخ ، ولا أقصد بالشيخ كبير السن بل شيخ العقل والمعرفة ، وإلا فإن عيسى عليه السّلام كان شيخا في المهد ويحيى عليه السّلام كان شيخا في مكتب الأطفال ،
ووجد المريد الشيخ باكيا ، فوافقه وبكى ، وعندما انتهى وخرج ، خرج خلفه مريد آخر كان أكثر فهما لحال الشيخ مسرعا بسبب غيرته على الشيخ ، وقال له : يا أخي يجب أن أقول لك ، ناشدتك الله ألا تفكر وتقول : ما دام الشيخ يبكي فأنا أيضا أبكي ، إذ تلزم ثلاثون سنة من الرياضة التي لا رياء فيها ، وينبغي عبور عقبات وبحار مليئة بالتماسيح وجبال قاحلة مليئة بالأسود والنمور ، حتى تصل أو لا تصل إلى ذلك البكاء للشيخ ، فإن وصلت فكرر شطر " زويت لي الأرض كثيرا " .
 
- لقد جاء أحد المريدين إلى الشيخ ، وكان الشيخ في بكاء وفي نواح .
- وعندما رأى ذلك المريد الشيخ باكيا ، بكى بدوره وسال الدمع من عينيه .
- والسميع يضحك مرة واحدة ، لكن الأصم يضحك مرتين ، وعندما يقص أحد الناس فكاهة لرفيقه ،
 
1275 - فإنه يضحك للمرة الأولى تقليدا وكما تملي عليه نفسه ، لأنه يرى القوم جميعا يضحكون .
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 458 : -
- وإذا كان ينوح من فراق الابن ، لأن قلبه وروحه في ألم حداد عليه .
- فإن تلك الصلاة لا تساوي حبتي شعير ، وذلك لأنه يسلم قلبه إلى الأغيار .
- فإن صلاته تبطل بلا شك ، ولكان بكاؤه أيضا بلا فائدة .
- ذلك أن ترك الجسد هو أصل الصلاة ، وترك النفس ، وترك الولد ، هذه هي الضراعة .
- فتعلم من خليل الله وضح بالولد ، واجعل جسدك معرضا لنار النمرود .
- والخلاصة حتى تعلم أيها العظيم ، أن هناك فرقا بلا حد بين بكاء وبكاء .
 
“ 162 “
 
 
- فهو وإن كان يضحك مثلهم جميعا في تلك اللحظة ، إلا أنه يكون غافلا عن حال الضاحكين .
- ثم يعود فيسأل : مم كان الضحك ؟ ويضحك ثانية بعد أن يسمع بأذنه .
- ومن هنا فالمقلد مثل الأصم ، في مثل ذلك الفرح والسرور الذي في رأسه .
- فالشيخ هو الشعاع والشيخ هو المنهل ، وفيض السرور لا يكون من المريدين ، بل من الشيخ .
“ 1 “
1280 - مثل سلة في الماء ونور على زجاج ، إذا اعتبراهما من ذاتيهما ، فهذا من الغفلة .
- وعندما ينفصل عن النهر يعلم ذلك العنود ، أن الماء العذب كان فيه من الجدول .
- وتعلم الزجاجة أيضا من غياب القمر “ 2 “ أن تلك اللمع كانت داخلها من القمر المنير الطيب .
- وعندما يفتح الأمر ب " قم " عينيه ، يضحك إذن كالفجر للمرة الثانية .
- ثم يضحك من ضحكته الأولى تلك ، التي كانت تأتيه على سبيل التقليد .
 
1285 - ويقول : لقد كانت هذه الحقيقة وهذه الأسرار والرموز من عدة طرق نائية وبعيدة وطويلة 
- وكيف كنت أنا في ذلك الوادي ، أقوم على البعد بإبداء السرور على العمياء ومن محض الحماس .
- وبأي شيء كنت أربط الخيال ، وماذا كان ذلك ؟ إن إدراكي الواهن كان يبدي صورة باهتة .
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 462 : - إن الشعاع هو الشيخ نفسه ، وما كان يفعله تقليد الشيخ ، إذ أنه يرى السرور من تأييد الشيخ .
( 2 ) حرفيا : الغروب .
 
 
“ 163 “
 
- فأين لطفل الطريق فكرة الرجال ، وأين خياله من الحقيقة الصحيحة ؟ !
- وإن فكر الأطفال يكون في المرضعة أو الرضاع أو الزبيب والجوز ، أو البكاء والصياح .
 
1290 - وذلك المقلد يكون كالطفل العليل ، حتى وإن كان له بحث عميق ودليل
- وذلك التعمق في الدليل والبحث في الإشكالات ، يسوقه بعيدا عن بصيرة " القلب " .
- لقد أضاع المادة التي تكون كحلا " لبصيرة " سره ، وقصر عمله على الحديث عن الإشكالات .
 
1293 - فعد أيها المقلد عن بخارى " العلم الظاهري " ، وامض صوب الذلة حتى تصير أسد الرجال .
- حتى ترى بخارى أخرى في باطنك ، وأولئك الذين يشقون الصفوف ، " لا يفقهون " في محفلها .
 
1295 - والرسول مهما كان على الأرض سريع الخطو ، عندما يذهب إلى البحر يكون خائر القوى مقطوع العرق .
- إنه إنما يتبع " حملناهم في البر " فحسب ، وجدير بأن يسمى رجلا ذلك المحمول في البحر ، فحسب .
- وإن الملك ليجزل له عطاءً غير ممنون ، يا من صرت رهنا للتصور والوهم .
- لقد كان ذلك المريد الساذج يبكي أيضا ، لكن بكاءه كان وفقا لبكاء ذلك " الشيخ " العزيز .
- لقد كان يتصرف تقليدا كالرجل الأصم ، كان يرى البكاء ، ولم يكن يعرف سببه .
 
“ 164 “
 
1300 - وعندما بكى كثيرا ، أدى فروض الاحترام ومضى ، فخرج في أثره سريعا مريد من خواص " الشيخ
- وقال له : يا باكيا كالسحاب بلا علم ، ووفقا لبكاء شيخ النظر ،
- ناشدتك الله مرار أيها المريد الوفي ، بالرغم من أنك مستفيد من التقليد ،
- ألا تقول : رأيت هذا الملك يبكي ، وأنا بكيت مثله ، فهذا منكر .
- فبكاؤك مليء بالجهل والتقليد والظن ، وليس مثل بكاء ذلك المؤتمن .
 
1305 - ولا تقم بقياس بكاء على بكاء ، فمن هذا البكاء إلى ذلك طريق طويل وبون شاسع .
- فإنه حتى بعد ثلاثين سنة من الجهاد ، لا يستطيع العقل أن يصل إلى حيث يكون .
- فإن بينه وبين تلك الناحية من العقل مائة منزل ، فلا تعتبرن العقل واقفا على تلك القافلة .
- وإن بكاءه ليس من الحزن وليس من الفرح ، وتعلم الروح ذلك البكاء ، إنه من الأمور النادرة الطريفة .
- وبكاؤه وضحكه نابعان من تلك الناحية ، ومما يكون وهم العقل بريئا منه
 
1310 - ودمع عينه على مثال عينه ، ومتى تصبح العين التي لم تبصر عينا ؟ !
- وما يراه هو من المحال أن يمس ، لا عن طريق قياس العقل ولا عن طريق الحواس .
- والليل يفر هاربا عندما يرى النور من على البعد، فأي علم إذن لظلمة الليل بأحوال النور.؟!
 
“ 165 “
 
- وإن البعوضة لتهرب من الرياح ذات الدهاء ، فمن أين تعلم البعوضة إذن طعم الرياح ؟
- وعندما يعن القديم يتحول الحديث إلى عبث ، فأي علم للحديث إذن بالقديم ؟ !
 
1315 - وعندما يقع القديم على الحديث يصيبه بالذهول ، وما دام قد حوله إلى عدم فقد جعله من نفس لونه .
- وإذا أردت فإنك تجد مائة نظير " لهذه الأمثلة " ، لكني لا أجرؤ على قولها أيها الفقير .
- إن " ألم " و " حم " وهي مجرد حروف ، تصبح كعصا موسى عليه السّلام عندما تتصدى " لغيرها من الحروف " .
- والحروف كلها تشبه في ظاهرها هذه الحروف ، لكنها تكون مفتقرة إلى صفاتها .
- وكل من يمسك بعصا على سبيل الامتحان ، متى تكون مثل عصا موسى عليه السّلام عند البيان ؟
 
1320 - وهذا النفس العيسوى ليس مثل كل ريح ونفس ، يتأتى من فرح أو من حزن .
- و " ألم " و " حم " هذه أيها الأب ، قد جاءت من حضرة مولى البشر .
- ومتى تشبهها أي " ألف " وأي " لام " إذن ؟ فإن كنت صاحب روح ، لا تنظر إليها بعينيك هاتين .
- حتى وإن كانت في تركيبها مجرد حروف أيها الهمام ، فإن العوام أيضا يتشابهون في التركيب .
- وتركيب محمد صلّى اللّه عليه وسلّم أيضا من لحم وجلد ، وبالرغم من أن تركيب كل جسد يكون من جنسه ،
 
“ 166 “
 
1325 - يكون فيه لحم وجلد وعظام ، فإن هذا التركيب لا يشبهها في قليل أو كثير .
- ففي هذا التركيب ، حلت المعجزات التي تجعل كل الأجساد لا تقوى على عمل .
- كذلك تركيب " حم " في الكتاب ، إنها شديدة العلو والارتفاع ، والحروف الأخرى شديدة الدنو .
- ذلك أن الحياة تتأتى من هذا التركيب ، إنها مثل نفخ الصور ، تفعل فعلها في العجز .
- تتحول إلى أفعى وتشق البحر ، عندما تكون عصا " حم " من عطية الله .
 
1330 - وظاهرها يشبه بقية الظاهر ، لكن قرص الرغيف بعيد تماما عن قرص القمر .
- وإن بكاءه وضحكه ونطقه أمور ليست كلها منه ، إنها من خلق " هو " .
- وعندما أخذ الحمقى بالظاهر ، احتجبت عنهم تماما تلك الدقائق .
- فلا جرم أن حجبوا عن الوصول إلى الغرض ، فقد فاتت النقاط الدقيقة في موضع الاعتراض . “ 1 “
 
قصة تلك الجارية التي كانت تقضي وطرها مع حمار سيدتها وكانت قد دربته كما يدرب الماعز والدب على جماع الآدميين “ 2 “ ،
وكانت تضع قرعة في عضو الحمار حتى لا يجاوز الحد ، وعلمت السيدة ذلك ، لكنها لم تر النقطة الدقيقة الكامنة في القرعة . . .
فصرفت جاريتها بحجة ما إلى مكان بعيد ، واجتمعت بالحمار
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 467 : - وأقول لك حكاية على مثال هذا الأمر ، حتى تنال حصة من بياني هذا . - وهي قصة طويلة وعريضة ومخيفة ، إنها بعيدة الغور ، لكنها قريبة تماما .
( 2 ) عند يوسف بن أحمد " 5 / 303 " كما يدرب الماعز على الوقوف على قاعدة المصباح والدب على الرقص ، وكذا عند الأنقروى " 5 / 325 " .
 
“ 167 “
 
بلا قرعة ، وهلكت مفتضحة . وعادت الجارية فجأة وناحت عليها قائلة : يا روحي ويا نور عيني : رأيت القضيب ولم ترى القرعة . . .
رأيت الذكر ولم ترى الآخر . كل ناقص ملعون وإن كان الناقصون في عين الظاهر مرحومين وليسوا ملعونين ، فاقرأ :لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ *فهي قد نفت الحرج ونفت اللعنة ونفت الغضب .
 
- لقد استقلت جارية تحت حمار ، من فرط الشهوة ، ومرض الشذوذ ، والحرص " على الجماع " .
 
1335 - كانت قد دربت ذلك الحمار الفحل على مجامعتها ، وكان الحمار قد فهم جماع الآدمي .
- وكانت هناك قرعة وضعتها تلك المحتالة في ذكر الحمار ، من أجل الحد .
- ولقد وضعت القرعة في الذكر تلك الداهية ، حتى يولج نصف الذكر عند الإيلاج .
- ذلك أن ذكر الحمار إن أولج فيها بأجمعه ، لمزق رحمها وأمعاءها .
- كان الحمار يزداد نحولا ، وعجزت السيدة " عن فهم " لم صار هذا الحمار في نحول الشعرة ؟
 
1340 - وقد عرضته على البياطرة قائلة : ما بال هذا الحمار ؟ وما هي علته تلك ، التي أدت إلى نحو له هكذا ؟
- لكن علة لم تظهر فيه قط ، ولم يعرف أحد قط سر ذلك .
- فبدأت في تفحص الأمر بجد شديد ، صارت لحظة بلحظة مستعدة للتفتيش والبحث .
- وينبغي أن تكون الروح أمة للجد ، ذلك أن الباحث بجد ، يجد في النهاية .
- وعندما تفحصت وتجسست عن أحوال الحمار ، رأت تلك الجارية نائمة تحت الحمار .
 
“ 168 “
 
1345 - لقد رأت من فرجة الباب هذا الحال ، فتعجبت تلك العجوز كثيرا من ذلك الأمر .
- لقد كان الحمار يضاجع الجارية ، كما يفعل الرجال مع النساء ، بتعقل ونظام .
- فأحست نحوها بالحسد ، وقالت لنفسها : ما دام هذا الأمر ممكنا ، فأنا أولى ، فالحمار ملكي .
- لقد تهذب الحمار وصار مدربا ، والمائدة ممتدة ، والمصباح مضاء .
- وتجاهلت ما رأت ، ودقت باب الدار قائلة : أيتها الجارية ، حتام تنهمكين في كنس المنزل ؟
 
1350 - كانت تقول هذا الكلام على سبيل التعمية ، بما يعني : يا جارية ، لقد جئت ، فافتحي الباب .
- وصمتت ، ولم تفاتح الجارية ، وأخفت السر من أجل طمعها الخفي .
- ثم إن الجارية أخفت كل أدوات الفساد ، وتقدمت ، وفتحت الباب .
- وعبست بوجهها ، وعيناها مليئتان بالدمع ، وحكت شفتيها بما معناه : إني صائمة .
- وفي كفها مكنسة مبللة ، أي : لقد كنت أكنس الدار ، وأزيل عنها القذر .
 
1355 - وعندما فتحت الباب والمكنسة في يدها ، قالت السيدة هامسة لنفسها :
أيتها الأستاذة ، - عبست بوجهك ، والمكنسة في يدك ، فما هذا الحمار الذي عافت نفسه الطعام ؟
- لقد أتم نصف العمل ، والغضب باد عليه ، ينظر نحو الباب متحرك الذكر منتظرا إياك .
- لقد همست بهذا خفية عن الجارية ، وعاملتها بإعزاز كما يعامل الأبرياء .
  
“ 169 “


- ثم قالت لها : خذي طراحتك ، واذهبي إلى منزل كذا ، وبلغي عنى هذه الرسالة . .
 
1360 - هكذا قولي ، وهكذا فافعلي ، وكذاك ، لقد اختصرت أنا ثرثرة النساء .
- فخذ أنت لب ما هو مقصود . وعندما صرفتها السيدة العجوز ، - كانت شديدة الفرح من نشوة الشهوة ، فأحكمت رتاج الباب ، وأخذت تقول في تلك اللحظة :
- لقد ظفرت بخلوة ، فلأصرخ شاكرة ، لقد خلصت من جماع الرجال قويهم وضعيفهم .
- ومن الطرب ، صارت تلك المرأة كالماعز ، بل ألف ماعز ، لا يقر لها قرار في لهيب اشتهاء الحمار .
 
1365 - فيا لها من ماعز ، صادتها الشهوة صيد الماعز ، وليس من العجيب أن يصاد المذهول صيد الماعز 
- إن الميل إلى الشهوة يجعل القلب أعمى وأصم ، حتى ليبدى الحمار " في جمال " يوسف ، والنار نورا .
- وما أكثر الثملين بالنار الباحثين عن النار ، والذين يعتبرون أنفسهم نورا مطلقا .
- اللهم إلا أن يكون المرء عبدا لله ، فيوضع على الجادة بجذب الحق ، ويتحول المصير .
- حتى يعلم أن ذلك الخيال النارى ، ليس إلا من قبيل الشيء المستعار على الطريق .
 
“ 170 “
 
1370 - وإن الشره ليبدين القبائح طيبات ، ولا يوجد أسوأ من الشهوة ، من آفات الطريق .
- لقد جللت بالعار آلافا من ذوى السمعة الطيبة ، وجعلت مئات الآلاف من الأذكياء حمقى مذهولين .
- وإذا كانت قد أبدت حمارا في جمال يوسف المصري ، فكيف تبدى تلك اليهودية من هو في جمال يوسف 
- لقد جعل سحرها البعر لك شهدا ، فكيف تبدى الشهد نفسه وقت الالتحام ؟
- والشهوة من الطعام ، فقلل الطعام ، أو فعليك بالنكاح ، واهرب من الشر
 
1375 - فإنك إن أكلت تقوم بجرك نحو الحرم ، ولابد للدخل من نفقة .
- ومن ثم فإن النكاح مثل نطقك " لا حول ولا قوة إلا بالله " ، حتى لا يلقينك الشيطان في البلاء .
- وإذا كنت حريصا على الطعام ، عليك بالزواج سريعا ، وإلا أتى القط ، واختطف منك الشحمة .
- وضع الحمل الثقيل سريعا على ظهر الحمار الذي يقفز ويبرطع ، قبل أن يلقي بك من فوق ظهره .
- وإنك لا تعرف فعل النار أيها البرد ، فلا تحم حول النار بمثل هذه المعرفة .
 
1380 - وإن لم يكن لك علمٌ بالقدر والنار ، فلن تبقى القدر من النار ولا الحساء .
- فينبغي أن يكون الماء حاضرا وأيضا الدراية ، حتى يطبخ ذلك القدر ، ويخرج سالما من الغليان .
 
“ 171 “
 
- وما دمت جاهلا بفن الحدادة ، فإنك تحرق شعرك ولحيتك عندما تمر بحانوت الحداد .
- ولقد أغلقت تلك المرأة الباب ، وسحبت الحمار سعيدة ، فلا جرم أن لقيت جزاءها .
- فأتت به ساحبة إياه إلى باحة الدار ، ونامت تحت ذلك الحمار الفحل ، الذي يصيد الحمير .
 
1385 - وعلى نفس ذلك المقعد الذي رأت عليه الجارية ، لتقضى وطرها أيضا تلك البغي .
- ورفعت ساقيها ، فأولج الحمار فيها ، واشتعلت فيها النيران من قضيب الحمار
- لقد أولج الحمار المدرب في السيدة في التو واللحظة حتى خصيتيه ، فماتت السيدة على الفور .
- ولقد تمزق كبدها من طعنة قضيب الحمار ، وتفسخت أمعاؤها ، كل عن الأخرى .
- ولم نتبس تلك المرأة ، وأسلمت الروح في الحال ، وسقطت المرأة في ناحية ، والمقعد في ناحية أخرى .
 
1390 - وامتلأ صحن الدار بالدم ، والمرأة منقلبة ، لقد ماتت ، وسلب روحها ريب المنون .
- وبهذا الموت السيء المقترن بمائة فضيحة أيها الأب ، فهل رأيت قط شهيدا لقضيب حمار ؟
- فاستمع من القرآن إلى ( عذاب الخزي ) ، ولا تضح بالروح لمثل هذا العار .
- واعلم أن هذه النفس البهيمية حمارٌ فحل ، وأن يكون المرء تحتها خاضعا لها أشد عارا .
 
“ 172 “
 
- ولو مت في أنيتك عن طريق النفس ، اعلم حقيقة أنك مثل تلك المرأة .
 
1395 - إنه يجعل نفوسنا على صورة الحمار ، ذلك لأنه يجعل الصورة على وفق الطبع .
- وهكذا يكون إظهار السر في القيامة ، ناشدتك الله ، ألا فلتفر من الجسد الذي يشبه الحمار .
- لقد خوف الله سبحانه وتعالى الكفار من النار ، وقال هؤلاء الكفار : النار ولا العار .
- قال : بل إن هذه النار هي أصل أنواع العار ، إنها مثل تلك النار التي قضت على تلك المرأة .
- ومن حرصها لم تأكل لقمة مناسبة لها ، فغص حلقها بلقمة الموت السيئة .
 
1400 - فكل اللقمة المناسبة في حجمها أيها الرجل الحريص ، حتى ولو كانت اللقمة من الحلوى والخبيص .
- لقد أعطى الحق تعالى للميزان لسانا ، فانتبه واقرأ من القرآن سورة الرحمن .
- وهيا ، لا تترك الميزان من حرصك ، فإن الحرص والطمع خصمان مضلان لك .
- إن الحرص يبحث عن الكل ويتجاوز عن الكل ، فلا تعبد الحرص أيها المهين ابن المهين . “ 1 “ 
- وأخذت تلك الجارية تروح وتجيء صارخة : أواه ، لقد صرفت أيتها السيدة أستاذتك.
 
1405 - لقد أردت القيام بالعمل دون أستاذ ، وأردت أن تقامرى بالروح بجهل .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : أيها الفجل بن الفجل .
 
“ 173 “

- يا من سرقت مني علما ناقصا ، هل شعرت بالعار من السؤال عن أحوال الشراك ؟
- ولو كان الطائر قد التقط الحب من بيدره ، لما سقط " في الشراك " والحبل في عنقه .
- فقلل من أكل الحب ، ولا تقم برفو " الجسد " كثيرا " بالطعام " ، وما دمت قد قرأت ( كلوا ) فاقرأ ( لا تسرفوا ) .
- وما لم تأكل الحب ، لا تسقط في الشراك ، هذا هو ما يفعله العلم والقناعة ، والسلام .
 
1410 - وإن العاقل يأكل النعمة من الدنيا ، ولا " يتجرع " الأحزان ، والجهلاء قد بقوا محرومين " غرقى " في الندم .
- وما دام حبل الشراك قد أخذ بأعناقهم ، صار التقاط الحب حراما على الجميع 
- ومتى يلتقط الطائر الحب وهو ساقط في الشراك ، كما يفعل هؤلاء العوام في شراك الدنيا ؟
- ثم إن الطيور العاقلة الذكية ، قد منعت أنفسها عن الحب بشدة وحسم . “ 1 “
 
1415 - ففي هذه الشبكة حبوب مغموسة في السم ، وأعمى ذلك الطائر الذي طلب الحب من الشراك .
- وصاحب الشبكة قطع رؤوس البلهاء ، وأجلس " تلك الطيور " الظريفة في " صدور " المجالس .
- ذلك أن ما يفيد من تلك الطيور البلهاء هو لحومها ، أما ما ينفع من الطيور الذكية الأريبة ، فهو الغناء والتغريد .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : قيدت نفسها عن الحب بحبل شديد .
 
“ 174 “
 
- لقد دخلت الجارية من خوخة الباب ، فوجدت السيدة ميتة ، تحت الحمار .
- فصاحت : أيتها السيدة البلهاء، ما هذا بالذي كان يحدث، لو كان لك أستاذ أبدى لك الأمور.
 
1420 - لقد رأيت ظاهره وبقي سره خفيا عليك ، ودون أن تتقني الصنعة ، فتحت الدكان .
- لقد رأيت القضيب كأنه الشهد وكأنه الخبيص ، فكيف لم ترى تلك القرعة أيتها الحريصة ؟
- أو أنك كنت مستغرقة في عشق الحمار ، فبقيت تلك القرعة خفية عن ناظريك 
- لقد رأيت ظاهرا من الصنعة من الأستاذ ، فاحترفت الأستاذية فرحة سعيدة .
- ورب محتال مخدوع عديم فهم ، لم ير من طريق الرجال سوى الصوف .
 
1425 - وما أكثر الوقحاء من تعلم قليل واحتراف ، لم يتعلموا من ملوك " الطريق " إلا الثرثرة .
- وكل من في يده عصا ، صاح : إني موسى ، وآخر ينفخ في " وجوه " البلهاء قائلا : أنا عيسى .
- وآهٍ من ذلك اليوم الذي يطلب فيه منك حجر الامتحان صدق الصادقين .
- ولتسألن في النهاية عن الأستاذ الباقي ، فإن الحريصين كلهم عمىٌ وخرس .
- لقد بحثت عن الجميع وتخلفت عن الجميع ، وهذا القطيع الأبله صيد للذئاب .
 
1430 - ولقد سمعت صورة " كلام " فتحولت إلى ترجمان ، وأنت لا تفهم ما تقول ، وكأنك ببغاء .


“ 175 “ 
 
تمثيل تلقين الشيخ للمريدين والرسول للأمة التي لا طاقة لها لتلقين الحق ولا ألفة لها مع الحق بالببغاء الذي لا ألفة له مع صورة الآدمي
بحيث يلقن منه ، فالحق تعالى يضع الشيخ كما توضع المرآة أمام الببغاء ويلقنه من خلف المرآة ، مصداقا لقوله تعالىلا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَوإِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحىوهنا بداية مسألة لا نهاية لها ، بحيث أن تحريك الببغاء لمنقاره في المرآة والذي تسميه خياله هو بلا اختيار ولا تصرف منه فالصورة هي قراءة الببغاء من الخارج وهو المتعلم لا صورة ذلك المعلم ذلك المعلم الذي وراء المرآة ، فقراءة الببغاء الظاهرة تحت سيطرة ذلك المعلم . . . ومن ثم فهذا مثال لا مثل
 
- إن ذلك الذي يراه الببغاء في المرآة ، هو صورته هو وقد ظهرت أمامه .
- وخلف المرآة هناك مدرب خفي ، إنه يتحدث بلسان أديب حسن اللسان .
- ويظن الببغاء الصغير أن هذا الكلام الهامس ، هو كلام الببغاء الذي في المرآة
- ويظن أنه يتعلم الكلام من جنسه ، وهو غافل عن مكر ذلك الذئب العجوز .
 
1435 - فإنه يعلمه من وراء المرآة ، وإلا فإنه لا يتعلم إلا من جنسه .
- لقد تعلم الكلام من ذلك الرجل الفاضل المحنك ، لكنه غافل عن سره ومعناه .
- وأخذ منطقه من الإنسان كلمة كلمة ، وماذا يتعلم الببغاء الصغير من البشر سوى هذا .
- وكذلك ففي مرآة جسد الولي ، يرى المريد الممتليء " نقصا وأنية " نفسه
- لكنه متى يرى العقل الكلي عند الحديث والفعل كامنا خلف المرآة ؟
 
1440 - إنه يظن أن من يتحدث إليه بشر ، لكن الآخر سر وهو عنه بلا علم أو خبر .
- وهو يتعلم الحروف ، لكنه لا يعلم السر القديم الأزلي ، فهو ببغاء ، وليس بالنديم .


“ 176 “
 
 
- والخلق أيضا يتعلمون صفير الطير ، ذلك لأن هذا الأمر من فعل الحلق والفم
- لكنهم غافلون عن المعاني التي تدور في " أفكار " الطيور ، ومن يعلمه إلا سليمان عليه السّلام صاحب الإقبال الذي بلا نظير .
- ولقد تعلموا كثيرا من ألفاظ الدراويش ، وأضاءوا المحافل والمنابر بها .
 
1445 - فإما أن رزقهم قد اقتصر على تلك الألفاظ ، أو تحل بهم رحمة " الله " في النهاية فتبدى لهم الطريق .
 
رأى أحد أصحاب القلوب كلبة حبلى ، وكانت الجراء تنبح في بطنها ، فتعجب وقال لنفسه : إن الحكمة من نباح الكلاب هي الحراسة ، والنباح في بطن الأم ليس من قبيل الحراسة ،
كما أنه ليس طلبا للعون أو الرضاع أو ما إليها ولا شيء يوجد من هذه الفوائد قط .
وعندم عاد إلى وعيه نادى حضرة اللهوَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ فكوشف أن هذه حالة قوم لم يخرجوا من الحجاب ولم تفتح منهم أعين القلوب ، لكنهم يدعون البصيرة ، ويتحدثون بالمقالات ، فلا قوة ولا عون تصل إليهم ، ولا تصل إلى مستمعيهم هداية ولا يصل إليهم رشد
 
- كان أحدهم يرى فيما يرى النائم أثناء خلوة أربعينية ، أن ثمة كلبة حبلى في الطريق ،
- وسمع فجأة نباح جرائها ، وكانت الجراءً لا تزال في بطنها .
- فأصابه ذلك النباح بدهشة شديدة ، و " تساءل " : كيف نبحت الجراء في البطن ؟ يا الله .
- إن أحدا لم ير قط في الدنيا ، جراءً نابحة وهي لا تزال في بطن " أمها " .
 
1450 - وعندما استيقظ من النوم ، ونجا من الواقعة ، وعاد إلى وعيه ، أخذت حيرته تزداد لحظة بعد لحظة
- ومن يستطيع في الخلوة أن يفسر هذا الأمر المعضل اللهم إلا أن يتوجه إلى الحضرة الإلهية؟


“ 177 “
 
- قال : يا رب ، لقد عجزت عن ذكرك في الخلوة من هذا الإشكال ، ومن القيل والقال .
- فهيا ، أطلق جناحي يا الله حتى أحلق عليا ، وأمضي إلى روضة الذكر وحديقة التفاح .
- وفي التو واللحظة جاءه هاتف قائلا : إن هذا الأمر مثال على ثرثرة الجهال .
 
1455 - أولئك الذين لم يخرجوا بعد من الحجب والأستار ، ومع ذلك فهم متحدثون بالهذر ، مغمضو الأعين .
- فنباح الجراء في البطن عمل لا فائدة منه ، فلا هي طاردة لصيد ، ولا حارسة بليل .
- إنها لم تر ذئبا لتمنعه ، كما أنها لم تبصر لصا لتنبحه .
- وأولئك من الحرص واشتهاء الرئاسة، عندهم كلل في البصر ، وجرأة على الحديث والنفاج.
- وإن أحدهم من هواه في الأتباع والمريدين والمشجعين ثابت القدم في " إدعائه ونفاجه " .
 
1460 - وإنه ليعطي الأمارات العديدة عن القمر دون أن يراه ، وهو يضل الريفي الساذج بهذا الأمر . “ 1 “
- وهو من أجل " الطالب المتابع " المشترى ، يتحدث عن مائة أمارة عن القمر دون أن يراه ، ومحض الجاه .
- إن المشترى الذي فيه النفع واحد " أحد " ، لكنهم بالنسبة له ، في ريب وشك .
- ومن أجل مشتر لا قيمة له ولا قدر ، أذهبت هذه الجماعة المشترى " الحقيقي " أدراج الرياح .
..............................................................
( 1 ) ج / 11 - 478 : - وهو يقول مائة أمارة دون أن يرى طالبا واحدا ، ويهزل ويشرب المخيض مصفقا .
 
“ 178 “
- وإن المشترى لنا هو من ورد في الآية الكريمةإِنَّ اللَّهَ اشْتَرى، فهيا اسمُ واعلُ عن الهم من أجل أي مشتر .
 
1465 - وابحث عن المشترى الذي يبحث عنك ، والعالم بمبدئك ومنتهاك .
- وانتبه ، ولا تقم بجذب كل مشتر بيدك ، فإن ممارسة العشق مع معشوقتين أمر سئ .
- فإنك لن تجد من هذا المشترى نفعا وفائدة إذ يشتريك ، وليست له في حد ذاته قيمة العقل والنهى .
- وليس عنده أصلا ثمن فردة حذاء ، ومع ذلك تعرض عليه أنت الياقوت والعقيق .
- لقد أعماك الحرص ، ثم يصيبك بالحرمان ، ويجعلك الشيطان مثله رجيما .
 
1470 - كأصحاب الفيل وكقوم لوط ، جعلهم ذلك الممسوخ مرجومين مثله .
- لقد وجد الصابرون المشترى والطالب ، عندما لم يهرعوا إلى كل مشتر وطالب .
- لكن كل من حول وجهه عن ذلك المشترى " الفرد " ، قد بريء منه الحظ والإقبال والبقاء .

- وبقيت الحسرة للحريصين إلى الأبد ، مثل حال أهل ضروان " وما أصابهم " من الحسد .
.
* * *
شرح مثال لعالم الوجود الذي يبدو عدما وعالم العدم الذي يبدو وجودا
( 1016 - 1025 ) : عن أن العدم هو مصدر الوجود ، انظر الأبيات 1960 وما بعدها ومن هذا الكتاب وشروحها ، والأبيات 3096 و 3617 وما بعدها من الكتاب الثالث وشروحها .
وعرف السبزواري الإبداع بأنه إيجاد الشئ دون أن يسبق بمادة أو بمدة (سبزوارى / 356).
( 1030 ) : عن الكلام الظاهر والفكر المستتر ، انظر 1 / 1897 و 2 / 1284 .
 
( 1037 - 1038 ) : عن هذا السر انظر 3 / 1164 .
 
( 1045 - 1050 ) : [ يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى واحد ، يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله ] ( إحياء علوم الدين للغزالي ، ج 2 ، ص 143 ) ونقل فروزانفر روايات عديدة عن هذا المعنى عن الشيخ الصدوق وعن حلية الأولياء وعجايب نامه وفرائد السلوك ( مآخذ / 164 - 168 ) وكلها مجرد حكايات معتمدة على الحديث النبوي المذكور عاليه ، والحديث الذي جاء في العنوان الذي تلاه .
 
( 1072 ) :هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ، يَعْلَمُ
 
“ 470 “
 
ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ( الحديد / 4 ) .
( 1077 - 1078 ) : الجواد هو الروح ، يقوم كيان المرء بها ولا يزال يتساءل أين هي .
 
( 1080 - 1082 ) : ما أقرب هذه المعاني كلها إلى ما عبر عنه حافظ الشيرازي في بيتين اثنين :
لسنوات والقلب يطلب منا كأس جمشيد * وما فتىء يتمنى من الآخر ما هو موجود لديه إن تلك الجوهرة التي خرجت من صدفة الكون والمكان * تطلب ( الأشياء ) من التائهين على شاطىء البحر ( جامع نسخ حافظ غزل 201 ، ص 163 ) ( 1084 ) : ( من جعل الهموم هما واحدا كفاه الله سائر همومه ومن تفرقت به الهموم لا يبالي الله في أي واد منها هلك ) ، ورد في الأحياء مثيله ( 4 / 214 ) : ( من أصبح وهمه الدنيا شتت الله عليه أمره وفرق عليه ضيعته وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ومن أصبح وهمه الآخرة جمع الله همه وحفظ عليه ضيعته وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة ) .
 
\( 1086 - 1088 ) : الغصن السئ كناية عن الأفكار السيئة النابعة من النفس الأمارة بالسوء ، والغصن الحسن كناية عن الأفكار الحسنة النابعة من القلب وقد عبر مولانا عن نفس هذه الفكرة في الكتاب الثالث ، في جذور الأحزان في القلب التي تنبت الأشواك وجذور البسط التي تهتدى إلى الأحباب ، ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 360 - 364 وشروحها ) .
 
( 1089 - 1094 ) : لعله من أبسط التعريفات عن العدل : وضع الشئ في موضعه ،
 
“ 471 “
 
وبالتالي فالظلم وضع الشئ في غير موضعه ، ومن هنا فمن الظلم أن تضع أحمال البلاء على الروح ، لأنها هي الجديرة بكل نعم الله المعنوية .
 
( 1104 - 1108 ) : ذكر جلبنارلى أن الرباعية المذكورة في العنوان من رباعيات مولانا جلال الدين ووردت في الديوان الكبير ( جلبنارلى 5 / 197 ) لكن لم أعثر عليها في نسختي من الديوان الكبير ، ويقول مولانا جلال الدين إن على المرء أن يتحرك ويحاول ، وإن لم يكن الطريق ظاهرا له فإن الحركة هي التي تكشف الطريق ،وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا( العنكبوت : 69 ) ، المهم من المرء الحركة ومن الله البركة ، وزليخا قد تكون هنا رمزا للنفس الأمارة بالسوء ويوسف رجل الحق ، وقد غلقت زليخا الأبواب ، إلا أن يوسف وجد النجاة من الحركة .
 
( 1109 - 1113 ) : يدق مولانا على فكرة سبق الحديث عنها في الكتاب الثالث ، الأبيات 3292 وما بعده وشروحها ) والكتاب الرابع ( الأبيات 3060 ) وما بعده وشروحها ) كما عاد إليها بعد العنوان التالي وهي أن الإنسان قطع مراحل قوس النزول من الجمادية إلى النباتية إلى الحيوانية ثم إلى الإنسانية دون أن يدرى ما هي المنازل التي قطعها وما هي طبيعتها ، وهو في مرحلة ما بين المرحلتين هذه كأنه في النوم ، وإذا بدأ قوس الصعود بالموت فسوف ينتقل أيضاً في منازل لا يعلم عنها شيئا ، فهل درى من أين جاء حتى يدرى إلى أين سميضى ؟ !
 
( 1114 - 1118 ) : إنك إن أغلقت عينيك ترى في النوم من الأماكن والمدن ما لا يخطر لك على بال ، ثم إنك إن أغمضت عينيك عن هذه الدنيا سوف تفتحها على ما لم لا يخطر لك ببال ، لكنك لا تريد أن تغمضها ، إن هناك آلاف الأشياء التي تنظر إليها ، أهمها جاه الدنيا وإقبال البشر ( المشترين ) الذين تتوقعهم وتجذبهم إليك ، إنك لا تهتم إلا بالجاه والناس مثلما تتهم بومة النحس بالخرائب ، وبضاعتك هباء ، ولا قيمة لها ، ولو كان عندك قوت من النور
 
“ 472 “
 
الإلهى لما اهتمت أدنى اهتمام بإقبال الناس عليك .
 
( 1119 ) : بهذا البيت تبدأ قصة أخرى من القصص التي تجاهل فروزانفر البحث عن أصولها ، والقصة من التراث الشهير جدا بحيث انتقلت إلى الأدب الشعبي والخليفة المذكور في الروايات الشعبية هو هارون الرشيد .
 
( 1125 - 1129 ) : انظر شروح الأبيات 1109 - 1113 من نفس هذا الكتاب .
 
( 1135 ) : دار السلام قد تكون بغداد وقد تكون الجنة وهو الأرجح على أساس أن الإنسان هبط من الجنة ، وعلى أساس أن ما يقابلها بالفعل دار الملام أي الأرض .
 
( 1155 - 1159 ) : المثال هنا يشبه الحديث إلى الجنين الوارد في الكتاب الثالث ( الأبيات 54 وما بعده وشروحها ) والمنقول بدوره من إحياء علوم الدين للغزالي : " فنسبة عموم القيامة الكبرى إلى خصوص القيامة الصغرى كنسبة سعة فضاء العالم إلى سعة فضاء الرحم ، ونسبة العالم الذي يقدم عليه العبد بالموت إلى سعة فضاء الدنيا كنسبة فضاء الدنيا إلى الرحم بل أوسع وأعظم ، فقس الآخرة بالأولى فما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة . ( إحياء علوم الدين 4 / 64 ) .
 
( 1165 - 1170 ) : تناول مولانا هذه الفكرة بشكل مبسط في الكتاب الذي بين أيدينا ( الأبيات 174 - 182 ) ويعود إليها هنا على أساس أن العهد بالنسبة للإنسان هو بمثابة الجذر بالنسبة للشجرة ، وإن كانت الشجرة خضراء وجذرها فاسد فسرعان ما يختفى ، وربما إذا فسرنا هذا الأمر بلغة معاصرة نقول أن معيار الإنسانية بالشعور بالالتزام تجاه الخالق والرسالة الملقاة على عاتق الإنسان ، بأن يسعى إلى ربه سعيا فيلاقيه ، وأن يكون في الأرض جديرا بالنفس الإلهى الذي نفخ فيه ، وإن لم يحس الإنسان أنه مسؤول أمام من هو أعلى ، فإن طبيعته النزاعة إلى الشر سوف تجره إلى أسفل ، بل وتصير كل مجهوداته حتى العظيم والمتعالى منها مجرد غثاء لا جدوى منه ، قشور ، فإن التزام الإنسان أمام الله في سره وجهره وفي
 
“ 473 “
 
العلم الذي يقوم به وفي سعيه يمنح الإنسان تعاليا وتساميا في أهدافه ، ويهذب كثيرا من النفس البشرية النزاعة إلى الهوى وإلى الدم ، ويمنح كثيرا من نشاطاته جانبا يجعلها أكثر رأفة ورحمة بالإنسانية ، هذا الجانب في الالتزام الإلهى خصيصة إسلامية يسيطر على كل مناحى الحياة الإسلامية حتى الفكرية والاقتصادية منها ( انظر جعفري 11 / 410 - 418 ) .
 
( 1171 - 1179 ) : إذا كنت تريد أن ترى نموذجا حيا على فوائد الوفاء بالعهد ومضار الغدر فانظر إلى جزاء من أوفوا ، وإلى الشياطين الذين غدروا ، والوفاء بالعهد من صفات الله سبحانه وتعالى ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 324 وما بعده وشروحها ) وليكن اعترافك بالعهد مقرونا بالصمت ، فالأمر أمر عمل لا أمر شقشقة باللسان " فمن قل كلامه كمل عقله " كما قال الإمام على رضي اللّه عنه ، أو كما قال جعفر الصادق رضي اللّه عنه " قلب الأحمق في فمه وفم الحكيم في قلبه " ( جعفري / 11 - 432 ) .
 
( 1180 ) : يقول مولانا الحسد عصيان ، لأنه تدخل في ملكوت الله وفي عطائه ، وكان أول الحاسدين إبليس ، وجرد حسده إلى الشرك وإلى العصيان ، لأنه حسد آدم ، فأبى السجود واستكبر وطرد من ملكوت الله .
 
( 1181 - 1184 ) : وفاء العبد يقابله وفاء الحقوَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ( البقرة / 40 ) ، وللفكرة أكثر تفصيلا ، انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 324 وما بعده وشروحها ) .
 
( 1188 - 1192 ) : دعك من الدعاء باللسان وازرع في مزرعة الدنيا ما بقي من مالك ومن أعمالك وابذرها وانثرها في سبيل الله تعالى ، فإن كل بذرة تتطلب أن تكون شجرة ودعاؤك وتضرعك يهبك أشجار العناية الإلهية وحتى وإن لم تكن عندك بذورها ، فمتى تقف العناية الإلهية والقدرة الإلهية عند الأسباب ، مثل مريم البتول لقد كان لها الرطب الجنى لأنها هزت النخل اليابس بأمر الله ، وألم يكن سبحانه وتعالى قادرا على أن ينزل عليها الرطب بلا
 
“ 474 “
 
نخل ولا هز ؟ ! كان قادرا سبحانه وتعالى لكن الضراعة والألم ذات تأثير عظيم في استنزال رحمة الله سبحانه وتعالى ( انظر البكاء وتأثيره في استجلاب الرحمة في هذا الكتاب الأبيات 135 وما بعده وشروحها ) .
 
( 1196 - 1199 ) : هناك من الأمور من يجب الثبات عليه ، ويكون الثبات عليه أمرا صعبا ، ولا يدعو مولانا جلال الدين هنا الله بأن يهب الثبات في كل أمر ، بل في ما يجب من أمور : السلوك والطريق ، والعكوف على العلم ، والزهد في المادة في عالم أصبح يقيس كل شئ بالمادة ، والسير في طريق يراه الآخرون " غير مجز " ، و " غير مجد " ، ينظر الأخرون إليه بعجب ، ودهشة يحاولون إثناءه عن هذا الطريق الذي لا خير فيه ، في حين أن الإنسانية لم تتقدم إلا بأولئك الذين ساروا في طرق غير مسلوكة ، وعكفوا على تنمية النور الذي وضعه الله في القلب وفي العقل وفي الذهن ، وتحملوا سخرية الآخرين الذين يسيرون في الطرق المأهولة الموصلة إلى الغنى والثروة ويغيرونها كلما استدعت الحاجة ، أو كلما نزعت النفس إلى الهوى ، أولئك الذين يرون " الدنيا تجارة " ، فهم يغيرون معروضات محلاتهم طبقا " لرغبات الجماهير " ، و " آخر الواردات " ، هؤلاء الرجال " المعارض " ، لا يتأتى منهم جديد ، انهم ينتظرون الجديد فحسب .
 
( 1200 - 1207 ) : إن هذا التنقل والتغير وتغيير مجال العمل وأسلوب الحديث ( وأحيانا الأسرة والمعارف والأصدقاء ) منشؤه الأصلي هو الحسد ، يتحاسد الناس في سبيل ماذا ؟ ! السلطة والثروة والنساء ، فهل هي أمور ثابتة أو دائمة ؟ هل دامت لأحد ، هل تدوم السلطة أو الثروة ، وهل تدوم لحظات متعة الشهوة والجسد ، حتى أولئك الذين سارت الركبان بقصص حبهم وعشقهم ، يس ومعشوقته رامين وخسرو ومعشوقته شيرين ، أين هم الآن ، فنوا وفنى حبهم وعشقهم ومعشوقهم ، فما كان عشقهم عشقا وما كان معشوقهم بالذي يستحق كل هذا ، ضعف الطالب والمطلوب ، وفني العاشق والمعشوق . وكلهم عدم عاشق لعدم ،
 
“ 475 “
 
وما جعل الله العدم عاشقا للعدم ، إلا لكي يضرب العدم ببعضه ، فيحمى سوق الدنيا القائم على الغفلة ، وينقلب العدم إلى وجود ، فهذا التحاسد هو الوقود الذي يجعل هذه الدنيا تبدو ذات وجود حقيقي .
 
( 1210 - 1216 ) : لولا أن جعل الله من الشريعة عامل تلطيف في هذه الدنيا ، لفنى الناس تحاسدا وتباغضاً ، ولاشتعلت نيران الحسد في كل مكان ، ولاعتدى القوى على الضعيف ولأكل الغنى الفقير ولانقلب المجتمع إلى غابة ، والشريعة واضحة ، من خلالها يعلم كل إنسان حقه ، ولا محيص له من قبول ما تحكم به الشريعة لأنها من لدن لطيف خبير يعلم من خلق ، وليست من وضع إنسان ، يعرضها كل لحظة للتغيير والتبديل ، والذي لا يقبل الشرع يبقى شيطانا حسودا يملأ هذه الجيفة القبيحة المسماة بالدنيا حسدا وحقدا .
 
( 1216 - 1224 ) : هكذا عندما تغيب الشريعة عن مجتمع ما ، فإن الذي يسطر على هذا المجتمع شياطين الجن وشياطين الإنس ، فمن اليسير الاحتيال على قوانين الأرض ، لكن متى كان الاحتيال على قوانين السماء ، ويستوى شياطين الجن وشياطين الإنس في جعل الأرض على هذه الدرجة من السوء والتدنى والتباغض والتحاسد والتقاتل ، وسرعان ما تطبع الشياطين بني آدم بطابعها الذي يغلب عليه الحقد والحسدوَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً( الأنعام / 112 ) ،
وانظر إلى مجتمع غابت عنه الشريعة ، وترك الناس ينطلقون وفق أهوائهم وغرائزهم دون ضابط أو رابط ، كلهم ساقطون في حبال الشيطان ، يستعين بهم الشيطان يجعل منهم المحتال والنصاب والقواد والديوث ، ينقلب المجتمع إلى قطعة من جهنم حيث لا قيم ولا أخلاق ولا فضيلة ولا علم ولا فن ، بل تدن وسقوط وانهيار ، وغيبة للعقل والمنطق والوعي ، وسقوط للبشر يوما بعد يوم ، بحيث يحتاج بقاء المرء نظيفا إلى قوة فوق قوى البشر .
 
( 1226 - 1235 ) : عودة إلى قصة الخليفة ومدعى النبوة ، فالخليفة يسأله عن وحيه وعما
 
“ 476 “
 
نزل به هذا الوحي عليه ، ويجيب الرجل إجابة خليقة حقا بالعقل وبالإنسان ، ولعلها إجابة جلال الدين نفسه ، لتعرض أن الوحي النازل على محمد بن عبد الله صلّى اللّه عليه وسلّم قد انقطع بوفاته ، فهل يوجد إنسان بلا وحى ؟ ! هل الإنسان أقل من النحل ؟ ! الذي نزل فيهوَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ( النحل / 68 ) ،
أيكون الإنسان الذي نزلت فيه آيةوَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا( الإسراء / 70 ) ،
أيكون مثل هذا المخلوق أقل من النحل بحيث يوحى إلى النحل ولا يوحى إليه ؟ ! وكيف تقرأإِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ، وتبقى ناظرا لنفسك على أنك أقل من أن يوحى إليك ؟ !
أليس هذا الكوثر هو الخير مجموعا كله ، وهو أصل الخير ، وهل يمكن أن يختص محمد صلّى اللّه عليه وسلّم بالخير ، دون محبيه وتابعيه والمؤمنين بالنور الذي نزل عليه ، وهل يكون النص منقطعاً ؟
لا بل إن كل من ترى في وجهه سيماء الإيمان ونضرة الاتباع لابد أنه نال نصيبا من هذا العطاء سواء كان القرآن أو حوض الكوثر أو الخير الكثير ( شرح المثنوى للسبزواري 5 / 361 - جعفري 11 / 348 ) وإذا كان المرء مع من أحب ، وكان فيه صفة الإيمان ( والمؤمن إذا أحب أحب لله وإذا أبغض أبغض لله ) ( انقروى 5 / 303 ) ، ليس هذا فحسب ، وأنت إذا آمنت بالنبوة وحزت شرفها ووصلت إلى مرتبةوَلَقَدْ كَرَّمْنا، صار قلبك محل الوحي الإلهامى والإلهام إفهام القلب وما يلقى في الروع بطريق الفيض الإلهى فهناك بلا شك تقارب في المعنى ،
قال جامى : " اعلم أن الفيوضات من الحق تعالى على قلوب كل عباده على نوعين منها ما يفيض عليهم بواسطة الملك بعبارات محفوظة عن التغيير مرادة تلاوتها وهو القرآن المنزل على نبينا صلّى اللّه عليه وسلّم ومنها ما يفيض عليهم بغير واسطة وهي معاني صرفة وهذا النوع ليس مخصوصاً بالأنبياء بل يعم الأولياء وصالحي المؤمنين ( مولوى 5 / 178 ) .
 
( 1236 - 1241 ) : إذا أردت هذا الوحي ، فكن طالباً للكوثر ، وأين يطلب الكوثر إلا من
 
“ 477 “
 
محمد بن عبد الله صلّى اللّه عليه وسلّم وإلا عند من سبقوك إلى شرب هذا الكوثر ، لكن إن وجدت إنساناً لم يشرب من هذا الكوثر فاهرب منه ، إنه كالموت وإنه كالحمى ، يصيبك الجهل الذي عنده بموت الروح وهو أشر موت وإن كان الجسد حياً ، فر من مثل هذا الإنسان ولو كان أباك ، ولك في إبراهيم عليه السلام أسوة حسنةوَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ( التوبة 114 ) ،
وأنت دون علم بهذا الطريق ما لم توف سر " لا وإلا " أي " لا إله إلا الله " أي سر التوحيد ، فالتوحيد إفراد لله سبحانه وتعالى عما سواه أو فيما ذهب إليه السبزواري وأن " لا " نفى للتعيينات وسلب للماهيات والسرابات وإلا إثبات للذات وماء الحياة ( شرح مثنوى 5 / 361 ) وهذا هو المنهاج الواضح لهذا الطريق وسره الأول .
 
( 1242 ) : العنوان الوارد قبل البيت يحتوى على الآية الكريمةتَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ( السجدة 16 ) وجرجيس عليه السلام أحد الأنبياء ظهر في الفترة بين بعثة عيسى وبعثة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وورد في دائرة المعارف التركية أنه قد ولد في الرملة وتوفى سنة 303 ميلادية في نيقوميديا ، وكان مأمورا بدعوة حاكم الموصل ، واستشهد أربع مرات تحت تعذيب هذا الحاكم " وفي رأى لاستعلامي 5 / 276 سبعين مرة " ويسمى عند المسلمين سان جورج ، ولجرجيس بالذات وجود في المأثور الشيعي فقد وردت عنه حكايات كثيرة في بحار الأنوار للمجلسي ، وفي المأثور الشعبي الفارسي هناك مثل يقال عند تعرض المرء للكوارث دائماً " وكأن نبيه من بين الأنبياء هو جرجيس " ( انظر جلبنارلي 5 / 223 - 222 ) ورد فروزانفر الحكاية إلى ما ورد في إحياء علوم الدين " رأيت رجلًا متعلقاً بكم صبي وهو يتضرع إليه ويظهر له المحبة فالتفت إليه الصبى وقال له إلى متى هذا الالتفات الذي تظهره لي ؟ ! فقال : حتى تعلم الله أنى صادق فيما أورده حتى لو قلت لي مت لمت ، قال إن كنت صادقاً فمت قال : فتنحى الرجل وغمض عينيه فوجده ميتاً ( إحياء 4 / 340 ) ، كما ورد
 
“ 478 “
 
ما يشبه هذا في ألف ليلة وليلة وقائع الليلة السابعة بعد الأربعمائة ( مآخذ 169 ) وما أشبه هذا بما ورد عند ابن الفارض :وجانب جناب الوصل هيهات لم تكن * وها أنت حي ، إن تكن صادقا فمت( انقروى 5 / 307 ) .
 
( 1247 - 1251 ) : المفروض أن العاشق لا يتحدث كثيراً عن عشقه فهذا أمر بالعمل والفعل وليس بالكلام ، فضلًا عن أن لغة العشق هي الإشارة والإيماء ، لكن العاشق مع ذلك لا يمل الكلام عن عشقه ومعشوقه خاصة إذا كان هذا المعشوق مستحقاً لهذا العشق وليس من قبيل العشق الذي تكون عاقبته عاراً ، والعاشق لا يتحدث لكي يعدد أياديه على المعشوق ، بل لأنه بمجرد الحديث ( انظر عن الحديث أو الصمت في العشق الأبيات 4710 وما بعده من الكتاب الثالث وشروحها ) والنار الموجودة في داخل العاشق ولا يمكن التعبير عنها أشبه بما يقوله حافظ الشيرازي :
لا أدرى من يوجد في داخلي أنا المتعب القلب * فأنا صامت لكنه هو في صياح وعويل لعله السر الذي العاشق انه أصبح متواجداً به بحيث يصبح معه واحداً ( حافظ نامه لبهاء الدين خرمشاهي 1 / 198 ) .
 
( 1265 ) : الحكاية الواردة هنا ذات تشابه بما ورد عن محمد بن علي بن الحسن بإسناده عن منصور بن يونس أنه سأل الصادق رضي الله عنه عن الرجل يتباكى في الصلاة المفروضة حتى يبكى فقال قرة عين والله وقال إذا كان ذلك فاذكروني عنده " وبرواية أخرى عن أبي حنيفة قال سألت أبا عبد الله عن البكاء في الصلاة يقطع الصلاة فقال إن بكى لذكر جنة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة ، وإن كان ذكر ميتاً له فصلاته فاسدة .
 
( 1271 ) : زويت لي الأرض : إشارة إلى الحديث النبوي [ إن الله زوى لي الأرض أي
 
“ 479 “
 
جميعها فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي إلى ما زوى لي منها ] ( انقروى 5 / 313 ) ولم يتناول فروزانفر أصل الحكاية ، والواقع أنها ليست حكاية بالمعنى المفهوم ، بل مجموعة من الأفكار الصوفية وضع لها مولانا شخوصاً ، والأبيات تتناول مفهوماً شائعاً عن الوجد والتواجد ، فالوجد صفة الشيوخ ، والتواجد صفة المريدين ويصوره إبراهيم بن المستملى البخاري بصورة أدبية رائعة حيث إن التواجد يبدو في ظاهره كأنه السيل المندفع لكنه عندما يصل إلى البحر يضيع في خضمه ومن ثم فالتواجد صفة السالكين وعندما يصل السالك إلى الموطن لا يبقى التواجد ( شرح التعرف 4 / 31 ) والوجد خاص بكبار المشايخ لأنه بشارات الحق بالترقى إلى مقامات مشاهداته ، ومن ثم يكون التقليد من المريد مذموما ( شرح التعرف 4 / 26 )
وعند الهجويرى " من شعر بالوجد فإما أن يكون مضطربا بالشوق المحرق في حال الحجاب ، أو مستكينا بالمشاهدة في حال الكشف ، إما زفير وإما نفير ، إما حنين وإما أنين ، إما عيش وإما طيش ، إما كرب وإما طرب ، والتواجد هو تكلف الوجد بملاحظة نعم الله تعالى وآياته بالقلب والفكر في الاتصال والرغبة في أعمال الصالحين ، وبعضهم يتواجد على حسب الرسم ويقلدونهم بحركاتهم الظاهرة ، ومثل هذا التواجد حرام لكن بعضهم يفعلونه رغبة في الوصول إلى أحوال كبار الصوفية ومقاماتهم ومن تشبه بقوم فهو منهم ،
( كشف المحجوب : الترجمة العربية 499 - 501 ) والوجد هو أول درجات الخصوص وهو ميراث الصديق بالغيب في قول لأبى سعيد الأعرابي وأشبه بما ورد هنا ما روى عن ذي النون المصري من أنه سمع أبياتا من الشعر فقام وسقط على وجهه ثم قام رجل آخر فقال ذو النون : الذي يراك حين تقوم ، فجلس ذلك الرجل وكان ذاك إطلاعاً من ذي النون على قلبه انه متواجد متكلف ( إحياء علوم الدين 2 / 291 )
وواضح من السياق هنا أن مولانا جلال الدين لا يحبذ التكلف في إظهار الوجد من قبل المريدين الذين يقلدون الشيوخ تقليداً ، فإن الأمر هنا ليس بالتقليد بل بالذوق وعلى المريد أن يقتبس من نور الشيخ وألا يجد في نفسه القابلية


 “ 480 “
 
على تقليده حتى في الأمور الظاهرة .
 
( 1274 - 1282 ) : يقدم مولانا عدداً من الأمثلة والصور لكي يبين كيف أن المريد الساذج يظن وهو لا يزال في أول الطريق أنه قد بلغ مرحلة تتيح له أن يفعل ما يفعله الشيخ ، وما ذاك إلا لأن شعاعاً من الشيخ قد سطع عليه وهو يظن أن هذا الشعاع من نفسه هو ، إن هذا الذي يظن أن الشعاع منه هو قد يزل وقد يطغى وقد يلقى به غروره هذا في مهاوى النفاق والكفر ، فهو كالأصم الذي لا يسمع ما يقال ويرى القوم يضحكون فيضحك مثلهم ، وهو كالسلة في الماء تظن الماء فيها وهو خارجها ، وكالمشكاة التي يتلألأ فيها ضوء القمر ، وقد وردت هذه الفكرة في الكتاب الأول ( الأبيات 3237 - 3240 ) .
 
ويبين مولانا في نفس الموضع قصة كاتب الوحي ، الذي كان شعاع الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم ينعكس عليه ، فتجرى في بواطنه أنهار الحكمة التي يأتي بها الوحي ، فظن أنه يوحى إليه ، إلى هذا الحد قد يدير نفسه من يظن لنفسه جناحاً قبل أن ينبت له ريش .
 
( 1284 - 1296 ) : هناك مرحلتان لابد وأن يمر المريد بهما المرحلة الأولى هي مرحلة الوهم والظن والخيال والتقليد ، وهو في هذه المرحلة يميل إلى النقاش والفيهقة في الحديث والتعالم ، وما أشبهه في هذه المرحلة بالطفل الميال إلى الصخب الذي يظن بامتطائه الأعواد أنه يمتطى الخيول ويملأ حجره بقطع الفخار ويعتبرها ذهباً ( انظر كليات ديوان شمس غزل رقم 1353 ، ص 525 ) وعندما يصل إلى محفل الرجال ينظر إلى حياته الماضية نظرة إشفاق وسخرية ، ويدرك أنه مهما كان ماهراً فإنه عندما يصل إلى أولئك الذين يعيشون في البحار والمحيطات يدرك أن قدمه التي كان يسرع بها على البر كانت وسيلة متواضعة جداً وأن علمه المدعى كان يبتعد به عن العلم الحقيقي .
 
( 1300 - 1312 ) : مقابلة أخرى بين عالم المريد وعالم الشيخ ، وبين بكاء المريد وبكاء الشيخ ، وشتان ما بين هذين النوعين من البكاء ، فالمريد قد يبكى لكن بكاءه قد يكون من

“ 481 “
 
حزن وقد يكون من فرح ، ولا يعلم أن هناك أسباباً أخرى قد يبكى منها الشيخ الذي قد يكون بكاؤه وقد يكون ضحكه لأسباب لا تدور للمريد في خلد ، إن بكاءه مثله تماماً لا بد وأن يكون من نوع آخر ، هذه العين التي تبصر ما لا يبصره الآخرون كيف يكون دمعها نابعاً من أسباب كالأسباب التي يبكى منها الآخرون ؟ وكيف يمكن للمريد بوسائله القاصرة أن يدرك بكاءا لا هو بالعقل ولا هو بالحواس وكيف يقيس نفسه به ؟ كيف يقاس الليل بالنهار والبعوضة بالرياح ؟ ! ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 4630 وما بعده وشروحها ) .
 
( 1316 - 1332 ) : كم تتشابه أشياء كثيرة في المظهر لكنها في المخبر متباعدة ويوجد فيما بينها بعد المشرقين ، تتشابه كل الحروف ، لكن متى كانت كل الحروف ذات تأثير كتلك الحروف التي تجىء في فواتح السور ؟ ألم يقل ابن عباس إن لكل شئ لباباً ولباب القرآن الحواميم ؟ وألم يقل الشيخ الأكبر في الفتوحات حاء الحواميم سر الله في السور أخفى حقيقته عن رؤية البشر ( انقروى 5 / 321 )
لقد أخفى سر هذه الفواتح عن جبريل نفسه ، وإنما كان الله سبحانه وتعالى يريد أن يعلم الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم شيئا لا يريد أن يعلمه جبريل نفسه ، وقد روى في الأخبار أن جبريل عليه السلام لما نزل بقول الله تعالى كهيعص فلما قال كاف قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم علمت ، فقال ها فقال علمت ، فقال يا فقال علمت ، فقال عين فقال علمت ، فقال ص فقال علمت ، فقال جبريل كيف علمت ما لم أعلم ( مولوى 5 / 200 )
وانظر أيضا تفسير كهيعص في الدفتر الرابع ) هذا التفسير من الصوفية لفواتح السور يلتقى مع تفسيرهم للمعراج وللمرحلة التي وقف عندها جبريل وتقدم الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم هذا الاصطفاء ميراث من الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم للأولياء والمشايخ المرشدين ، فإياك أن تظنهم مثلك ويشبهونك ولا تقم بقياس حالك على أحوال الأطهار ، فهناك فرق شاسع بين كلمتي " شير " بمعنى أسد و " شير " بمعنى لبن وان كانت يكتبان في صورة واحدة وهذا من أوائل الموضوعات التي تحدث عنها مولانا جلال الدين في المثنوى ولا يفتأ يعود إليها بين الآن والآخر ( انظر الكتاب الأول الأبيات : 264 -
 
“ 482 “
 
277 وشروحها ) .
مثل هذا الدق الشديد على هذا الموضوع بين طبيعة نظرة مولانا جلال الدين التي تحاول أن تعرى النفاق والتقليد والوقوف على الظاهر والتظاهر ، إن الناس ينظرون نظرات سطحية ، يحبون ويبغضون ، يوافقون ويعترضون ، وفي موقف الاعتراض ، تضيع كثير من الأمور الدقيقة التي لا يدركها كل إنسان ، إنها في حاجة إلى ذوق ، وإلى مرشد ، وإلى معلم ، وكم من المصائب والكوارث يقع فيها الإنسان الذي يظن أنه أصبح كبيراً على المرشد وعلى المعلم ويريد أن يتظاهر بالإرشاد والتعليم ، فيورد نفسه موارد التهلكة .
 
( 1333 ) : بهذا البيت تبدأ واحدة من أكثر حكايات مثنوى مولانا جلال الدين إثارة للنقاش والاستهجان بحيث قال محمد تقي جعفري صراحة أن مثل هذا الحديث ومثل هذا الأسلوب لم يكن منتظراً من مولانا ولا كان يصح أن يصدر عنه ( محمد تقي جعفري مثنوى 11 / 475 ) ،
ومن ثم لم يشرح الحكاية ولم يعلق عليها والحكاية من الحكايات الشائعة في المأثور الشعبي ، ويقوم عليها مثل يقول " كير ديدى كدو نديدى " رأيت الذكر ولم تر القرعة " لمن يرى محاسن الشئ دون أن يرى مخاطره ،
وذكر استعلامى أن الحكاية لا مثيل لها قبل جلال الدين والواقع أنها موجودة في المأثور الشعبي المصري بكل تفصيلاتها وأذكر أنني سمعتها منذ وقت بعيد كما ذكر زرين كوب " سرني ، جلد 1 ، ص 325 ، ط 3 ، تهران علمي 1368 "
نقلًا عن نيكلسون أن القصة تذكر في بعض تفصيلاتها بالقصة اليونانية المسخ القائمة على ممارسة امرأة للجنس مع حمار كان إنساناً ومسخه أحد السحرة .
 
والواقع أن ثورة شراح المثنوى من المعاصرين على هذه الحكاية ليس له ما يبرره ، فأمثال هذه الحكايات عند مولانا تضرب للتمثيل ولشرح معان سامية ، وطالما قلنا أن المثنوى نص متعدد المستويات ، وهو نص تعليمي في المقام الأول ، ووجود الحكايات ذات المدلول الجنسي منه ضرورة كان العصر يتقبلها ، وكل موسوعات الفكر الإسلامي التراثى تحتوى على أبواب كاملة تتحدث
 
“ 483 “
 
صراحة عن الأمور الجنسية ، فلم يكن القوم ينظرون إليها نظرة الحرج التي ينظر بها المعاصرون ، وطالما دق سنائى ودق جلال الرومي على أن هزلها ليس هزلًا إنه تعليم ، ومستويات المريدين متفاوتة ، وقوة التعبير في هذه الموضوعات تستلزم قدراً من الصراحة ، والموقف كله موقف شاذ ، موقف المرأة التي تمارس الجنس مع حمار ، وفي ألف ليلة وليلة هناك جارية تمارس الجنس مع دب ، وحكايات هذه العلاقات الشاذة جزء من التراث الإنسانى نظر إليها الإسلام نظرته إلى موضوعات عادية جداً وطبيعية جداً وجزء من النفس البشرية وضعفها والتوائها وسقوطها ،
وهذا النص " القضاة الذين ينادمون الوزير المهلبي ويجتمعون عنده في الأسبوع ليلتين على اطراح الحشمة والتبسط في القصف والخلاعة وهم ابن قريعة وابن معروف والقاضي التنوخي وما منهم إلا أبيض اللحية طويلها وكذلك كان المهلبي ، فإذا تكامل الأنس وطاب المجلس ولذ السماع وأخذ الطرب منهم مأخذه ، وهبوا ثوب الوقار للعقار ، وتقلبوا في أعطاف العيش بين الخفة والطيش ، فإذا أصبحوا عادوا إلى عادتهم في التزمت والتوقر والتحفظ بأبهة القضاء وحشمة المشايخ الكبراء " ( ياقوت الحموي معجم الأدباء 14 / 166 عن الإسلام والجنس تأليف عبد الوهاب بو حديبة ترجمة هالة العورى ص 190 القاهرة مدبولي 1987 )
والنص التالي أيضاً من مسامرة أبى حيان التوحيدي للوزير أبى عبد الله العارض ومحادثته في شتى صنوف المعرفة الإنسانية التي امتدت إلى أربعين ليلة ، ولنلق نظرة على الموضوع الذي تناولته الليلة الثامنة عشرة "
وقال مرة : تعال حتى نجعل ليلتنا هذه مجونية ونأخذ من الهزل بنصيب وافر ، فإن الجد قد كدنا ونال من قوانا وملأنا قبضاً وكرباً ، هات من عندك ،
قلت : قال حسنون المجنون بالكوفة يوماً وقد اجتمع إليه المجان يصف كل واحد منهم لذات الدنيا فقال : أما أنا فأصف ما جربته فقالوا : هات فقال : الأمن والعافية وصفع الصلع الرزق وحك الجرب وأكل الرمان في الصيف والطلاء في كل شهرين وإتيان النساء الرعن والصبيان الزعر ، والمشي بلا سراويل بين يدي من لا تحتشمه ،
 
“ 484 “
 
والعربدة على الثقيل ، وقلة خلاف من تحبه والتمرس بالحمقى ومؤاخاة ذوى الرفاء ، وترك معاشرة السفلة " ومتن المؤانسة في هذه الليلة لتغطى عشر صفحات من المجون ، ويعلق الناشر الذي علته حمرة الخجل " ويلاحظ أن المؤلف قد أتى في هذه الليلة ببعض المجون الساقط والنوادر المبتذلة ولولا الأمانة العلية والإخلاص للتاريخ لحذفنا أكثرها واكتفينا بما لطف ورق ولم ينب عن الذوق " ( الإسلام والجنس 186 - 187 )
نعم قد ينفر الذوق الغربى أو المستغرب الذي ينظر إلى الجنس في الأصل كخطيئة وليس كجانب طبيعي من جوانب الحياة ، أو على الأقل كنوع من الضعف كما نظر إليه مولانا ، ومن هنا ترجم نيكلسون بعض أبيات الحكاية إلى اللاتينية لكي تكون في متناول بعض خاصة المثقفين فحسب ، وهذا الموقف ناشىء عن اختلاف النظرة واختلاف التراث ، فالأدب الجنسي يمتد في تراثنا الإسلامي عبر الف عام منذ الجاحظ وحتى حسن خان ( مؤلف عثمانى في القرن التاسع عشر ) وقد أورد ابن النديم في الفهرست قائمة بمائة رسالة ونيف لم يبق منها إلا القليل ( يرجع إلى عرض ما تبقى منها في الكتاب القيم الإسلام والجنس من ص 203 - 222 )
فلم يكن جلال الدين بدعاً لا في تيار الآداب الإسلامية على وجه العموم ولا في تيار الأدب الفارسي ، فقد كان معاصره الشيخ سعدى الشيرازي حكيماً لا يشق له غبار ومع ذلك كتب الخبائث والهزليات والمضحكات وهو مؤلف الكلستان والبستان ومن قبله كان سنائى ذلك الأستاذ الجهم ومع ذلك فقد ضمن حديقة الحقيقة حكايات لا تقل ابتذالًا " في مفهومنا " عن هذه الحكاية ، ومن بعده كان عبيد الزاكانى أعظم شعراء الفرس في فن السخرية ، ومعهم وقبلهم كان سوزنى وأبو العلاء الكنجوى ، وعندما سقط بعض هذا التراث في شعر الشاعر المعاصر ايرج ميرزا جلال الممالك قامت الدنيا ولم تقعد على كل حال كان مولانا جلال الدين بهذه الحكاية يحاول أن يشرح لنا بشاعة الشذوذ والجهل معاً ، والجهل المركب الذي يأخذ من الأمور بطرف لكنه يتكبر عن السؤال فتكون النهاية المفجعة بمفاد " كل ناقص ملعون " وهو حديث نبوي .
  
“ 485 “
  
( 1342 ) : " من طلب شيئاً وجد وجد " ومن قرع باباً ولج ولج " حديثان منسوبان إلى الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم ( انقروى 5 / 327 ) .
 
( 1363 - 1364 ) : فسر استعلامى ( 5 / 282 ) البيتين بأنها صارت سعيدة سعادة من صار ماعزه الفاً ، وهذا تفسير خاطىء فالحديث حقاً عن شهوة الماعز ، وعن أن الماعز تصاد لإسراعها خلف الذكر من جبل إلى جبل بحيث إن الصيادين يكمنون بين جبلين عارفين بأن الماعز سوف تقفز إلى الذكر من جبل إلى آخر ، وتصور لها الشهوة أن المسافة بين الجبلين قصيرة للغاية فتسقط ( من شهوتها ) فريسة سهلة للصيادين ( أنظر الكتاب الثالث من مثنوى جلال الدين الأبيات 807 - 817 وشروحها ) .
 
( 1367 ) : من أجل الانجذاب والتحول انظر الكتاب الثالث من مثنوى جلال الدين الأبيات 4722 - 4725 وشرحها ) .
 
( 1373 - 1382 ) : نفس التفسير النبوي لقوة الشهوة ، إذا أمر الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم بالصوم ، ويدق مولانا في مواضع كثيرة من المثنوى على قلة الطعام اتباعاً للصوفية الذين قالوا " أم الشهوات شهوة الطعام " وفي هذا الجزء من المثنوى تفسير للحديث النبوي [ المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء ]
( وينظر أيضاً الأبيات 1631 - 1651 و 1972 " من الكتاب الأول ) لكن مولانا يلجأ إلى التوسط والاعتدال ، ولا يأمر بقمع الشهوة قمعاً كاملا أو تجاهلها ، فلا رهبانية في الإسلام وينصح بالزواج ، والقط يرمز إلى هوى النفس وكثيراً ما استخدم مولانا هذا التعبير ، أما الشحمة فهي التقوى وسلامة الروح ، وسرقة القط للشحمة مثل فارسي سائر ، وقد ربط نيكلسون بين هذا البيت وقصة الرجل النفاج الذي كان يدهم شاربه بالشحمة الواردة في الكتاب الثالث ( البيت 758 وما بعده ) ولا علاقة بينهما ، والحمار الذي يبرطع هو الشهوة ، والقدر والنار والحساء كلها رموز جنسية لا تخفى ، والمقصود كله كبح جماح الشهوة وإلا أحرقت صاحبها بنارها .
  
“ 486 “
  
( 1391 ) : عذاب الخزي هو الواردة في الآية الكريمةفَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ( فصلت 16 ) .
 
( 1392 - 1399 ) : المستفاد من هذه الحكاية أن هذا الحمار ما هو إلا النفس البهيمية ، وما الخاضع للنفس البهيمية إلا مثل تلك المرأة العجوز التي هلكت هلاكاً مقترناً بالفضيحة والعار ، وهكذا فان الناس في القيامة يحشرون على صورة نفوسهم ويحشرون على صورة الحيوانات التي تمثلها نفوسهم ( انظر الكتاب الرابع 3664 ) والنار ولا العار صورة تكررت في الكتاب الثالث ( انظر البيت 394 ) ، لكن هذا العار كله من نار الشهوات ونار الكفر ونار العناد ، ونار الحرص التي جعلت تلك المرأة تأكل لقمة أكبر من حلقها فغض حلقها بلقمة الموت المقترن بالعار والفضيحة ، الموت السىء المستقبح ، والحشر المفتضح ، إن كان مشغولًا في الدنيا بالمأكل يحشر على موجب حظ نفسه سكران ، وان كان ناماً وفتانا يحشر بشكل القردة وإن كان مكاراً وغدار ومتغلباً على الخلق لأجل حظ نفسه يحشر بشكل الجعل ، وإن كان ديوثاً آكلًا للمال الحرام يحشر بشكل الخنزير ، وإن كان مؤذياً للمؤمنين جافيا يحشر بشكل الحيات والعقارب ( مولوى 5 / 310 ) .
 

( 1400 - 1403 ) : إن الله سبحانه وتعالى عندما خلق كل شئ خلقه كما ينبغي وجعل للميزان لساناً حتى يميز الأوزان من نقص وزيادة ، وأقرأ من سورة الرحمنوَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ( الرحمن 7 - 9 )
فلا ميل بالهوى إلى إفراط أو تفريط فلتقم لنفسك ميزانا عند كل أمر ، ولا تترك الميزان من حرصك ، فمن الحرص والطمع تحيد عن العدل وعن القسط وعن حقائق الأمور والحريص طالب لكل شئ فاقد لكل شئ ، فلا أحد يريد كل شئ ويظفر به ، وكل شئ في هذا العالم وضع بالقسط ووضع بالميزان ، وإن رغبت أنت في كل شئ ، فإنك في الوقت نفسه تفقد
 
“ 487 “
  
كل شئ ، فإياك والحرص أيها الحقير التافه الذي ولدت من حقير تافه لم يعلمك أن تكون مقسطاً في مطالبك ، وإلا فكل حريص محروم والحرص يوقع المرء في الفقر كما قال الإمام على رضي اللّه عنه .
 
( 1404 - 1417 ) : إن الجارية تنعى سيدتها وتنقدها وتقدم الدرس المستفاد من الحكاية هذا الدرس الذي يقول أن كل من يظن نفسه استاذاً ويستنكف عن السؤال عما لا يفهم فإنه في الحقيقة يقوم بعمل أخرق وأهوج يعود بالسوء عليه هو نفسه قبل كل الناس ، ومستويات هذا الدرس عديدة بداية من ذلك الذي يأخذ من أستاذ حرفته علماً ناقصاً ، ثم يبدأ في الاستقلال عنه فلا يكون مثله ، إلى ذلك المتعلم المستفيد الذي يظن نفسه استاذاً قبل الأوان ، إلى ذلك المريد الذي يظن نفسه قد أصبح شيخا وفي غنى عن إرشادات الشيخ فهو يضرب في كل بيداء على الشبهة وعلى الظن الذي يعتبره علماً ، وما أشبههم جميعاً بهذا الطائر الذي ترك البيدر وطار في أثر كل حب فسقط في الشراك وأخذ الشراك بعنقه ، وأكل العاقل لنعم في مقابل تجرع الجاهل للأحزان وحمل هموم الدنيا من أفكار سنائى الغزنوي ( الأبيات 5499 - 5502 من حديقة الحقيقة )
 
والشراك هو الطمع والتقاط الحب يعنى طلب القوت من غير موضعه " أو طلب العلم من حيث لا ينبغي " أو طلب الإرشاد من مرشد مزيف أو من لا مرشد على الاطلاق ، إن هذا يكون أشبه بالطائر الذي يلتقط الحب وهو في الشراك ويكون في هذا الحب موته ، وهكذا شراك الدنيا وشهواتها ، وهكذا العوام في شراك الدنيا وشهواتها من أموال وأولاد وجاه ومنصب و . . . إلى آخره ، إنهم لا يزالون يرعون كالبهائم حتى تأخذهم سكين الأجل ، وماتوا وهو في شراك الدنيا بعكس الطيور الذكية التي ابتعدت عن هذه الشباك ، والعاقبة أن الطيور البلهاء أصبحت لحومها طعاماً للنار ، أما الطيور الذكية فهي في غناء وتغريد ، وصاحب الشباك هو الله الواحد القهار ، وهو بشباكة التي يضعها في الدنيا يستطيع أن يميز بين طيوره الذكية وطيوره الغبية .
 
“ 488 “
  
( 1423 - 1429 ) : هنا مستوى ثان من مستويات هذه الحكاية ويتناول أولئك الذين يقتربون من الطريق فيعتبرون أن المشيخة هي مجرد المظهر ولبس الصوف ، وهناك أيضاً من لم يحترف في طريق الرجال إلا فترة قصيرة ، لكنه لم يتعلم من ملوك الطريق إلا قشور الكلام دون لباب المعنى ، تراك تظن أن كل عصا هي عصا موسى عليه السّلام وأن كل نفخة هي نفخة عيسى عليه السّلام إياك أن تظن هذا أو تدعيه وإلا تعرضت لامتحانات عسيرة يضعها الحي الباقي كل يوم أمام المدعين " انظر عن المدعين وامتحانات المدعين الكتاب الثالث الأبيات 743 - 746 وشروحها " ، ولابد أنك سوف تسألني وما الدليل الذي أستطيع به أن أميز بين شيخ مزيف وشيخ حقيقي ، فلتسأل الأستاذ الباقي " الله سبحانه وتعالى " فلا أحد يستطيع أن يدلك على الطريق سواه فان كل حريص أعمى وأخرس ، ولقد تركت هذا الأستاذ الباقي وأسرعت في أثر هذا وذاك ، وطلبت كل سبل الطريقة دون أستاذ ، فتخلفت عنها جميعاً ولم تظفر منها بشئ ، وبدلًا من أن تتبع شيخاً أو أستاذاً صادتك الذئاب والبشرية التي تقتات على لحمك وعلى دمك ، تراك تستطيع أن تكون ترجماناً وأنت لم تتقن بعد لغة المشايخ والكاملين ؟
ما أشبهك ببغاء تردد الألفاظ دون أن تدرى لها معنى .
 
( 1430 ) : يفسر مولانا في هذا المثال أنه كما يتعلم الببغاء النطق عن طريق مرآة يرى فيها صورته هو ويحدثه إنسان دون أن يظهر في المرآة فإن البشر أيضاً يتعلمون وحى الحق عن طريق الأنبياء والأولياء والكاملين من المشايخ الذين تكون عندهم طاقة تلقى عطايا الحق وتستطيع أرواحهم أن تتحمل هذه العطايا مباشرة ، ومن هنا فإن المريد الممتلىء جهلًا لا يرى من مرآة الولي ( جسد الولي ) إلا نفس هذا الحديث ( دون أن يدرك لبابه ) فضلًا عن عدم إدراكه أنه ليس حديثه في الأصل لكنه حديث الحق على لسانه ، وفيض العقل الكلى يتجلى في بيانه ، والآية القرآنية المذكورةلا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ( القيامة 16 - 19 ) فإذا كان الله سبحانه وتعالى
 
“ 489 “ 
 
طلب من الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم نمطاً معيناً في تلقى الوحي ، وقال لنبيه وحبيبه وصفيهلا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَوقال في موضع آخروَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى ، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى( النجم 3 - 5 ) فما بالك تعجل وتسرع وترتدى لباس المشيخة وأنت لم تشب على الطوق ؟ وفي النهاية فإن " المؤمن مرآة المؤمن " الجامع الصغير 2 / 184 " والمقصود في آخر العنوان بأنه مثال لا مثل أن المثال هنا لا ينطبق تماماً على ما ضرب له بل التشابه من جمعه ما ( انظر الكتاب الرابع البيت 462 ) .
 
( 1433 ) : الذئب القديم هنا هو ذلك الأستاذ المدرب الخبير الذي يأخذ على عاتقه عملية تعليم الببغاء أو المرشد الذي يأخذ المريد الفج وهو أشبه بالطائر ويجعل منه شيخا كبيراً وليس الأمر كما قال استعلامى أن التعبير لو قصد به الله سبحانه وتعالى فليس تركاً للأدب ( استعلامى 5 / 285 ) تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيرا .
 
( 1438 - 1442 ) : فرق كبير بين ذلك المريد الذي يرى من الشيخ مجرد كلامه وبين ذلك النديم ( الصاحب والصديق والمتفهم ) فهو كمن يتعلم الحروف وشتان بين هذه الحروف وبين السر الأزلي ( سر العشق وسر الخلة وسر تلقى الفيض مباشرة ) إنه مجرد ببغاء يردد الحروف ، وهناك من يقول أنه يعلم صغير الطير ، إنه يستطيع أن يقلد هذا الطير لكي يسقطه في شباكه ، لكن فرداً واحداً هو الذي تعلم لغة الطير وهو سليمان عليه السّلام ، فليس كل من قلد صغير الطير استطاع أن يفهم لغة هذا الطير ورجل الحق أيضاً مثله ( لتشبيه رجل الحق بسليمان عليه السّلام انظر الكتاب الرابع البيت 1439 وشروحه ) .
 
( 1443 - 1444 ) : إن الناس يرددون ألفاظ الدراويش ، ولا يفتأون يقولون : قال بعض العارفين أو بعض المشايخ ، وهم يزينون محافلهم ومجالسهم بهذه الأقوال ويرددونها كالببغاوات ، لكن هذا في حد ذاته لا بأس به فإما أن هذا هو رزقهم وهذه عطاياهم ، وإما أنه من الممكن فيها أن يبدي لهم الله سبحانه وتعالى الطريق إلى الحقيقة ، فمن العطاء القليل يكون العطاء الكثير، ومن المجاز هناك سبيل إلى الحقيقة.
 
“ 490 “ 
 
( 1445 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت لم ترد في مصدر قبل جلال الدين الرومي ، وأحد أصحاب القلوب أي أحد العارفين ( انظر البيت 1613 من الكتاب الأول والبيت 2243 من الكتاب الثالث ) أما ما يعلم تأويله فإشارة إلى الآية الكريمةهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ( آل عمران 7 ) . والأربعينية المذكورة في البيت يعنى الخلوة الأربعينية ( ذات الأربعين يوما ) وقد يطويها ( أي يصومها صوماً متتابعاً ) بعض المريدين ( انظر الكتاب الثاني البيت 25 وانظر تقاليدها عند المولوية كتاب عبد الباقي جلبنارلى (ss . 391 - 398 Mevlanadan Sonra Mevlevlikوالترجمة الفارسية لتوفيق سبحانى مولويه بعد از مولانا 468 - 473 ) والراسخون في العلم أولئك الذين لا تزلزل عقائدهم أمام بعض الصعوبات التي يجدونها في المتشابه مثلما لا تزلزل قلوبهم أمام مصائب الحياة ، أولئك الذين يقولون مثلما قال على رضي اللّه عنه " لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا " ، و " إني على بينة من ربى " و " ما شككت في حق مذ رأيته " ، ( جعفري 11 / 481 - 482 ) .
 
( 1449 ) : الواقعة في مصطلح الصوفية حالة مفاجئة من اليقظة وكشف الأسرار ( انظر الكتاب الثالث البيت 3658 وشرحه ) وهو يسمى الحلم هنا بالواقعة لأن في أحلام العارفين قد تتكشف الأسرار أيضاً ( استعلامى 5 / 289 ) .
 
( 1452 ) : روضة الذكر وحديقة التفاح كناية عن جمع الخاطر وفراغ البال الذي يمكن الدرويش من الذكر .
 
( 1453 - 1460 ) : الجهال أي أولئك الذين لا يعرفون أسرار الغيب ومع ذلك يظنون أنهم يعرفونها ، أما الحجب والأستار فهي علائق الدنيا ومشاغلها التي تمنع عن إدراك الحقائق
  
“ 491 “
  
وإغماض العيون كناية عن عدم إبصار الحقائق ( انظر البيت 2198 من الكتاب الأول و 572 من الكتاب الثاني وعن إغماض العيون انظر الكتاب الثالث ، البيت 1109 وشروحه ) ، وعن الضعف في البصر أو العلل في البصر ، انظر ( 673 و 1444 من الكتاب الرابع ) ، وهؤلاء جميعا يريدون بنفاجهم وإدعاءاتهم المريدين والاتباع والمشجعين ، إنهم يبيعون بضاعة فاسدة فلا يشتريها إلا من فسدت أذواقهم ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ إنهم يفتون بلا رؤية ، يصفون دون بصر ونظر ويتحدثون عما لا يعرفون " يملأون " الأنظار فحسب ، لكنهم لا يملأون القلوب ، وما مشتريهم إلا جاهل غمر أو ريفى غفل ( لمعاني الريفي عند مولانا جلال الدين ، انظر : الكتاب الثالث ، الأبيات 642 - 646 وشروحها ) ،
وما القمر في هذه الأبيات إلا مثال لسطوع الحقيقة وعالم الغيب ، فإذا كان هذا ديدنهم في الحقائق الساطعة فما بالك بهم في خفيات الأمور .
 
( 1461 - 1465 ) : المشترى هنا هو الله سبحانه وتعالىإِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ( التوبة / 111 ) ، ( أنظر الكتاب الأول ، 2721 ) .
 
قال نجم الدين : أي يبذلون النفس لأجل الجهاد الأصغر فيقتلون أي يطلبون الجنة بصرف المال في مصالح الجهاد وبذل النفس فإما أن يقتلوا الأعداء فهم الغزاة فلهم الجنة وإما أن تقتلهم الأعداء فهم الشهداء فلهم الجنة ، والجهاد الأكبر مع النفس المتمردة يجاهدون في سبيل الله أي في طلب الله ،
وهو لأهل الجهاد الأكبر فيقتلون ويقتلون أي يقتلون النفس الأمارة بالسوء بسيف الصدق ومخالفة هواها وتبديل أخلاقها وبذل المال في مصالح قتلها ، والجهاد معها فعند فنائها يصل العبد إلى ربه ويقتلون يعنى تقتل النفس بجذبات الألوهية وتجلى صفات الربوبية ( مولوى 5 / 219 - 220 ) .
 
هذا هو المشترى الذي إذا تقربت منه شبرا تقرب منك ذراعا وإذا سعيت إليه مشيا سعى إليك هرولة ، وهو فوق كل شئ عالم بمبدئك ومنتهاك ، وضميرك ونجواك ، إنه " يشتريك " ، برغم ما يعلم عنك ويجذبك برسن لطفه ، ويدعوك ويناجيك
 
“ 492 “
  
ويضع عفى فمك الدعاء ويهبك الاستجابة ، وإياك أن تجمع بينه وبين معشوق آخر ، فما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ، وهو الواحد الأحد يغفر كل شئ إلا أن يشرك به .
 
( 1466 - 1472 ) : أي مشتر تعدله بالله سبحانه وتعالى ؟ ! وأية فائدة تتأتى منه ، أله قيمة عقلك وحجاك حتى تسلمه هذا العقل والحجى ؟ ! فلتسلم العقل والحجى لمن منه العقل والحجى ، وليس أولئك الذين تعرض عليهم الغالي وهم لا يملكون ثمن الرخيص ، وما هذا إلا من حرصك " والحريص محروم " ، ( انظر البيت 1404 من هذا الكتاب )
 
والشيطان يدفعك إلى الحرص ويخوفك من الفقر ويأمرك بالفحشاء والمنكر ليجعلك ملعونا مثله ، فهكذا وعد لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ أجمعين و لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ ، هذا هو مشتريك في أية صورة كان وما أكثر الصور التي يتجسد فيها الشيطان في زماننا ، هذا هو مشتريك إن لم يشترك الله سبحانه وتعالى ، والشيطان ديدنه الإغواء والإهلاك فاعتبر بقوم لوط أو بأصحاب الفيل " أو بأصحاب الكرملين " ،
وتدبر أمرك ، وأطلب المشترى بصبر ( وَاصْطَبِرْ على عبادته ) ، وإلا كنت في التعساء الأشقياء الفانين " لأنهم لم يبقوا ببقاء الحق " ، ( انظر مقدمة الترجمة العربية من الكتاب الثالث ) وإن كنت تريد مثالا على أن الحريص محروم فإليك المثال مما ورد عن أهل ضروان .
 
( 1473 ) : الحكاية الواردة ابتداء من هذا البيت تكملة لما بدأه مولانا جلال الدين في الكتاب الثالث بداية من البيت 474 ، وتركها بعد بضعة أبيات دون أن يستمر فيها وهي بجملتها معتمدة - بخلاف بعض الجزئيات - على ما ورد في سورة القلم إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ، قالَ أَوْسَطُهُمْ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ ، قالُوا
 
“ 493 “
  
سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ ، قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ ( آيات 17 - 32 )
وموضوع أنه كان يخرج زكاة المحصول كلما تغيرت قيمة المحصول " المادية والاستهلاكية " ، تثير مسألة فقهية مهمة جدا وهي هل تجب الزكاة على المحصول مرة واحدة أم تجب عليه كلما تغيرت قيمته ، أو تحول من مادة خام إلى سلعة صناعية وربما تعرض لها الشارع في باب زكاة الثمار وفيها أقوال كثيرة يضيق المجال عن ذكرها
 ( انظر محمد جواد مغنية ، الفقه على المذاهب الخمسة ، ص 174 ، بيروت دار الجواد 1984 ) .
وبالنسبة للعين المقدرة اللعواقب الواردة في 1473 ،
انظر الفرق بينها وبين العين الناظرة إلى المزود البيت 2595 - من الكتاب الأول ، و 1572
من الكتاب الثاني وأيضاً في الكتاب الثالث ، الأبيات رقم 276 - 278 وشروحها . وضروان حديقة كانت بالقرب من صنعاء .
.
* * *
* * *

.
* * *
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: