الأربعاء، 2 سبتمبر 2020

25 - الهوامش والشروح 3857 - 4219 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

25 - الهوامش والشروح 3857 - 4219 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

الهوامش والشروح 3857 - 4219 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

شرح حكاية أخوين أحدهما أجرد والآخر أمرد ،
( 3851 - 3856 ) : يعود مولانا إلى مبحث الموت قبل الموت " كل لحظة موت وحياة " ويعبر سنائى بأن الصوفية يقيمون في كل لحظة عيدين ( انظر الحديقة الترجمة العربية البيت رقم 5394 وشروحه ) ، وكل موت يؤدى إلى مرحلة من اكتمال ، من جماد إلى نبات ومن نبات إلى حيوان ومن حيوان إلى إنسان ومن إنسان إلى ملاك ثم إلى ما لا يحده وهم ( انظر الكتاب
 
« 615 »
 
الثالث الأبيات 3903 - 3909 وشروحها والكتاب الخامس الأبيات 800 - 810 وشروحها ) ، وليس ثم كمال إلا عن هذا الطريق ، وعنايته سبحانه وتعالى أفضل من مائة جهد فجذبة من الحق تساوى عمل الثقلين ، عنايته موكولة بالموت قبل الموت ( انظر سنائى مت قبل الموت أيها الصديق إن كنت تريد الحياة ، فمن هذا الموت صار إدريس إلى الجنان قبلنا - ديوان ص 52 ) . ونقل الأنقروى ( 6 - 2 / 372 ) : العناية تهدم الجناية وتوجب الهداية وتورث الولاية . بل إن هذا الموت نفسه موكول بالعناية ، فالعناية هي بمثابةالزمرد الذي يقتلع عين هذه الأفعى ( الدنيا ) وهذا في اعتقاد القدماء .
 
( 3857 - 3882 ) : يسوق مولانا حكاية هازلة لعلها تخفف عن المريدين هذا السيل من الفيض ، وليس الهزل مقصودا لذاته فقد أشار مولانا نقلا عن سنائى أن هزله ليس هزلا لكنه تعليم ( انظر البيت 3550 من الكتاب الرابع و 1247 من الكتاب الذي بين أيدينا - وقد اعتبرها استعلامى من المأثور الشعبي ، 6 / 414 ) .
 
( 3857 - 3882 ) : ليس من المفهوم ما هو المقصود بيت العزاب هنا هل هو موضع كان العزاب من غير المتزوجين يجتمعون فيه من أجل اللهو أو مكان أشبه بالبنسيونات الحديثة يقيم فيه من لا أسر لهم من المغتر بين وعابري السيل ، وإن كان قد اتضح فيما بعد انه خانقاه ، على كل حال من الواضح أن البيت لم تكن فيه إقامة مشتركة ولم يكن هناك من داع لسوق هذه الحكاية الطويلة لبيان أن ذرة من العناية الإلهية خير من مائة احتياط
( شعيرات في الوجه تحمى أكثر من كثير من الاحتياط )
والحكاية تدل على واقع اجتماعي شديد التدنى لم يكن ليغيب عن نظر مولانا جلال الدين الذي صوره الغرب كمحلق في السماوات العلا ، لكنه يستفيد من هذه الحكايات ، وأشباهها لبيان معان شديدة العمق من أجل المريدين من غير ذوى العلم والثقافة ،
وفي البيت رقم 3872 لا يزال استعلامى يفسر " حمزه خوار " بآكل حساء البرغل وقد سبق أن ناقشنا هذا الموضوع في تعليقات البيت 1332 من الكتاب الذي بين أيدينا فليطلب من موضعه .
 
« 616 »
 
( 3883 - 3900 ) : يعود مولانا فيتحدث عن العناية الإلهية وأهميتها بالنسبة للعبد ، وعلى العبد ألا يعتمد على الطاعات ، لأن الشيطان قد يذرى طاعة عمر أدراج الرياح ، فالعناية من الله ، والطاعات من جهدك أنت ، وانظر إلى بعض تجار الحياة ، إنك لو وضعت مائة قفل على بابك فإن اللص لا يتورع عن سرقتك لكن ختما واحدا من الشمع يضعه شرطي على بابك يهلع اللصوص من مجرد رؤيته ، طاعاتك كالأقفال المائة وحفظ الله كختم الشرطي ، لكن هذا لا يعنى أنني أصرفك عن الطاعات بل داوم عليها ، لكن كن حريصا حذرا دائم التنبه من وساوس النفس وشهوات الدنيا ، فإن حصلت بعدها على العناية الإلهية ، فاشعر بالأمان ، والعارف على كل حال يقظ متنبه عابد حتى في نومه مصداقا للحديث النبوي : [ نوم على علم خير من عبادة على جهل ] ( جامع 2 / 188 ) . إن الأمر أشبه بالسباحة في بحر لجي :
فالعارف ساكن مطمئن والجاهل يتخبط بكلتا يديه وقدميه يسير على العمياء ويغرق ، ذلك أن بحار الغيب لا شطآن لها ، وطالب معرفتها لا يشبع مصداقا لقوله صلى اللَّه عليه وسلّم : [ منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا ] ،
ويفسر مولانا الخبر بأنه ما دام قد وضع العلم في مقابل الدنيا فلا شك أنه غير علم الدنيا ، وليس هناك سوى الدنيا إلا الآخرة .
 
( 3901 - 3927 ) : عودة إلى حكاية الأمراء الثلاثة وقلعة ذات الصور : لقد صاروا جميعا يعانون همّا واحدا ، ويتحملون حزنا واحدا ، ويواجهون هذه المشكلة بسلوك واحد ، ويحترقون في أتون واحد هو أتون العشق . وها هو الأخ الأكبر يقوم بينهم خطيبا يذكرهم بما كانوا عليه فيما مضى قبل أن يفتنوا : إنه يذكرهم بأنهم كانوا الناصحين للناس بالصبر وطالما قالوا لكل ممتحن إن الصبر مفتاح الفرج . فكيف لا يلجأون إلى هذا المفتاح ؟ ! ماذا جرى ؟ !
هل نسخ هذا القانون الأزلي ؟ !
إن هذا العالم قد خلق في ستة أيام وكان سبحانه وتعالى يستطيع أن يخلقه بحرفى " كن " والأن وقد جاء دورنا في تجربة هذا العلاج الناجح ، مالنا أصبحنا كالنساء لا نفعل إلا النواح ؟ !
هيا أيها العاقل اعمل ، وأيها اللسان انصح ، وأيها
 
« 617 »
 
المليك حرك لحيتك ومر بالصفح عنا " إشارة إلى حكاية السلطان محمود الغزنوي وعصابة اللصوص في الكتاب الذي بين أيدينا " ؛ ( انظر الأبيات 2825 و 2847 و 2918 ) ، هذا أو أن الرجولة فأظهرها ، كيف تكون عالي الصوت خطيبا مفوها واعظا ناصحا عند مصائب الآخرين ، فإذا وقعت أنت في المصيبة أخذت في النواح والعويل ، إن ما قمت به من أعمال خلال عمرك الطويل لا بد وانه قد جعل منك مستعدا للحرب والمقاومة فيها ، لقد آن أو ان النزال ، وحافظ على رئاستك وعلى كرامتك ، لا تفقد مظاهر رجولتك ، والدور عليك الآن في اللعب ، فانشط وعد إلى طبيعتك .
 
( 3928 - 3947 ) : على ذكر وجوب عودة المرء إلى طبيعته يذكر مولانا جلال الدين حكاية أخرى هازلة ، صمت المفسرون عن البحث عن مصدر لها ، ويقدم مولانا شخصية الفقيه ساخرا ، فقد كان من الممكن أن يعتذر عن الشراب دون أن يحدث هذه الضجة المبالغ فيها إظهارا لزهده وورعه ، ثم يترك مولانا سياق الحكاية لحديثنا عن أهل المعنى عندما يبتلون بصحبة أحد من أهل الدنيا أو أهل الظاهر ، إن الحق سبحانه وتعالى يسقى خواصه من خمر ليست هي خمر الدنياإِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً( الإنسان / 5 ) ،
هذه هي معرفة عالم الغيب وعندما يعرضون خمرهم على من لم يؤذن له بها يعرض عنها ، وينصرف إلى قشور المعرفة ، فمتى كانت المعدة تستريح من القش ؟ ! إن هذه القشور التي يهرع إليها أهل الدنيا هي حطب جهنم ، وإذا أضرمت النار في لب أنضجته ولم تحرقه ، إن الحق الحكيم ، دائما يفرق بين القشور واللباب ، وهو أدرى بها ،
 
وهذه هي سنته في خلقه ، إن هذا ليس إحراقا بل إنضاج ، " نار المحنة تحرق الفج الجاهل وتنضج العالم العارف العاقل " ، وهكذا أيضاً خمر الكرام ، هي إنضاج ونور لأهل المعرفة ، لكنها سم زعاف لأرباب الجهل ، والله تعالى ينبه عباده المخلصين دوما ، ويبتليهم لكي يعودوا إلى طبيعتهم ، ولو لم يفعل ذلك لحرموا من عطائه ومكافأته .
 
« 618 »
 
( 3949 - 3952 ) : إن الله تعالى جلت قدرته يستطيع أيضاً أن يسلب العقل من الرأس ، حتى الشمس التي تبث النور هي أيضاً أسيرة في يد الحق ، ويجعل الفلك يدور حول نفسه إن أمره بذلك ، والعقل الذي يسيطر على عقل آخر ويوجهه إنما يحمل قبسا من نور الله ، فالعقول بمثابة قطع الشطرنج في يد القدرة يوجهها حيث يشاء .
 
( 3964 - 3970 ) : المقصود أن المرأة تتطبع بما يعودها زوجها عليه ، أحياناً يعطف وأحيانا يقسو ، لكن لا غنى لأحدهما عن الآخر ، هذه هي لعبة الحياة ، لا غالب فيها ولا مغلوب ، بل إن كل عنصر يكمل الآخر ، وليست هذه اللعبة قاصرة على الزوج والزوجة ، بل هي لكل معشوق وعاشق ، القديم والحادث ، والجوهر والعرض ، فكلاهما يلتف حول الآخر ويطوف حوله ، مثل التفاف العاشقين ويس ورامين ، وكل عشق سواء كان جسديا أو روحانيا فيه هذا الالتفاف بين العاشق والمعشوق ، لكن له صوراً أخر ، لكني ذكرت الزوجة والزوج على سبيل المثال لأنه مثال واضح ، ومولانا ناظر في هذه الأبيات إلى قول الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم في خطبة الوداع ، [ اتقوا الله في النساء فأنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ] ( مولوى 6 / 541 )
 
( 3974 - 3993 ) : ليس التقاء الجسدين في رأى مولانا مجرد شهوة وتطفاً ، بل هو التقاء روحين في المقام الأول ، وهكذا نسي الفقيه زهده وورعه " المصطنع " ، ونسيت الجارية خوفها وتمنعها ، ويطول اللقاء ، ليضبطهما الملك متلبسين بالجرم المشهود ، لكن الأمر لا يثير عنده سوى بعض الغضب ثم السخرية من الفقيه " الورع " الذي سقط من أول مجلس شراب ، ويسوق مولانا على لسان الملك سمة محببه في الملك في تصرفه تجاه الرعية بأن يرضى لهم ما يرضاه لنفسه وأن يطعمهم مما يطعم وذلك مصداقا للحديث النبوي الشريف :
[ إخوانكم خولكم جعلهم الله فتية تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يديه فليطعمه من طعامه ويلبسه من لباسه ولا يكلفه ما يغلبه فإن كلفه ما يغلبه فليعينه ] ( جامع / 1 - 14 ) . ويعود
 
« 619 »
 
الابن الأكبر للملك ( في قصة قلعة ذات الصور ) إلى الحديث : لقد حدث قبل ذلك أن أعاد الكثيرين إلى طبيعتهم ، وحثهم على الصبر ، فهيا تصبر ، وعد إلى نفسك الصابرة برجولة ، واستخدم هذا العقل المفكر دليلا لك إلى الصبر ، مثلما كان صبر محمد صلى اللَّه عليه وسلّم على الكفار وأذاهم سببا في معراجه وقربة من الله سبحانه وتعالى ، وهكذا يكون لك الصبر جناحا تحلق به إلى أوج العرش والكرسي .
 
( 3994 - 3999 ) : لقد كان من المفهوم في الأبيات السابقة أن الأمير يوصى نفسه بالصبر عن طلب المحبوب ، وإيثار السلامة ، لكن الأمور تجرى على غير ما هو مفهوم فالصبر المطلوب هنا هو الصبر في طلب الحبيب ، قال كبيرهم هذا ، وانطلقوا في طريقهم ، فلم يعد الأمر في أيديهم ، وهكذا انطلقوا إلى بلاد الصين ، فإن كان طريق الوصل مسدودا ، فالقرب بقدر الإمكان محمود ، أو ما لا يدرك كله لا يترك كله ، والعاشق يظن أن طريق الوصل خطوتان وقد وصل ، أو يقول أبى اليزيد البسطامي " خطوة بالجهد وأخرى بالتوفيق " ، ( استعلامى 6 / 420 وانظر البيت رقم 1550 من الكتاب الرابع ) ، لم يكن الأمراء وحداء في هذا الطريق ، فمن قبلهم كم من أناس تركوا الملك ، مثل إبراهيم بن أدهم ( انظر البيت 727 من الكتاب الرابع ) ، وكم من نبي صبر من أجل المحبوب ، ألم يدخل إبراهيم عليه السّلام نار النمرود ؟ ! وألم يسلم إسماعيل عليه السّلام رقبته للذبح ؟ !
 
( 4000 - 4013 ) : يقدم مولانا جلال الدين نموذجا آخر من الملوك الذي شردهم العشق ، وزهدهم في عروشهم وسطوتهم وصولجانهم ، ويقدم سيرة امرؤ القيس الشاعر الجاهلي الشهير من وجهة نظر صوفية ، فامرؤ القيس لم يترك الملك إلا لمقتل والده ، وقولته الشهيرة " اليوم خمر وغدا أمر " ، وذهابه مستنجدا بملك الروم ، ومقتله غيلة أو بمؤامرة ، إلى آخر هذه الروايات غير الثابتة ، بل هو في رواية مولانا جلال الدين ترك الملك زهدا ، وترك النساء المتراميات عليه لجماله تعففا ولأن جمالهن صوري ، وانطلق يبحث عن الملك الخالد
 
« 620 »
 
ملك العشق ، والجمال الخالد جمال الحقيقة ، واحترف الملك صناعة الطوب اللبن في تبوك ، وها هو ملك الروم يعرض عليه ملك الدنيا ، لكن امرئ القيس يبوح له بالسر الذي شرده ، سر العشق ، فيجره إلى عالمه بهمسة واحدة ، ويسيحان معا في البلاد ، ولم يكونا أول الملوك أو آخرهم ، فالعشق قد ارتكب هذا الأمر كثيرا ، ( خاصة بالنسبة للملوك الذين أصبحوا أنبياء وأولياء بوذا والنعمان بن المنذر ولهراسب في الشاهنامه وإبراهيم بن أدهم وغيرهم وغيرهم ) ، ( استعلامى 6 / 421 ) إن العشق بمثابة الثقل الأخير الذي يوضع في سفينة الحياة الوتيرية الهادئة الناعمة ويجعلها تمخر عباب بحر الحقيقة الهائج .
 
( 4014 - 4023 ) : يعود إلى قصة قلعة ذات الصور والأمراء الثلاثة ، الذين نسوا مملكة والدهم ، وطافوا بمملكة الصين أملا في التقاط " حبوب " المعرفة ، كانوا يعلمون أنهم يملكون سرا خطيراً لا يملكون البوح به حتى بينهم وبين أنفسهم ، ولو كانوا قد باحوا به ، لفنوا وانعدموا دون نتيجة تذكر ، ولضحوا بأنفسهم بشروى فقير وبثمن بخس ، فالعشق من غيرته قاتل ، حتى في أوقات الرضا ، فما بالك إن كان غاضبا ، إنه أشبه بالأسد الذي يهاجم مرج الروح ، لكن دعه يقتل ، فإن في قتله هذا حياة الأبد وعيشة الخلود ( انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث ، وانظر الأبيات 3835 - 3839 من الكتاب الثالث وشروحها ) إن الأمراء الثلاثة يتحدثون بالكناية والرمز فأي لغة هذه التي تصلح للعشق ، إن الخوف - خوف نتيجة البوح - يسيطر عليهم سيطرة شديدة ، الخوف من غيرة الحق ، ومن عواقب ذيوع السر ، ومن ثم كانوا يتحدثون إلى بعضهم بلغة الكناية التي لا يفهمها " الأغيار " ممن لم يجربوا عالم العشق .
 
( 4024 - 4034 ) : يسمى مولانا هذه اللغة الخاصة لغة العشق ب " منطق الطير السليماني " ( انظر الكتاب الثاني ، البيت 3774 والكتاب الرابع الأبيات 851 - 858 وشروحها ) وفي هذه اللغة مصطلحات يعرفها أعزاء الحق ، وهي ليست من قبيل الألفاظ التي نجد معانيها في
 
« 621 »
 
المعاجم ، ويسمى هذه اللغة بلسان الطير ، وهي لغة لا يعرفها الغافلون والسذج ، حتى وإن تشابهوا مع سليمان عليه السّلام ( أو مع الأولياء ) في الصورة والجسد ، فأشباه سليمان عليه السّلام هم الأولياء الواصلون ، أما الشيطان وإن سرق الخاتم وتشبه بسليمان وجلس على كرسيه ، فلم يكن له بهاء سليمان ولا معرفة سليمان ولا فهم سليمان للغة الطير
( انظر تفصيلات في الترجمة العربية للكتاب الرابع البيت 1264 وما يليه ) ، لقد كان تعليم سليمان من الإله ، ومن ثم أعلن ذلك بقوله عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ( النمل / 16 ) .
وما دمت لا تفهم لسان طيور الهواء ( الأولياء والعارفين ) فافهم أنك لا تملك علم الباطن مثل سليمان ، ولم تر الطيور المقصودة التي هي من لدن الله تعالى ، ومن أين لك أن تفهم وهذه الطيور كطائر العنقاء ( الأسطورى ) تعيش فيما وراء جبل قاف ( في ما وراء حدود هذا العالم المادي ) ،
هذا اللهم إلا أولئك الذين انشغلوا بعلوم الدنيا وسطع في قلوبهم شعاع في نور الحقيقة إتفاقاً وعلى سبيل الصدفة ، لكنهم لم يتشبثوا به فمنوا بالفراق ، لكن هذا الفراق ليس فراقاً نهائياً ، فإن من ذاقه مرة لم ينسه ولم تنقطع صلته به ، وهذا الفراق فراق مصلحة من أجل ألا يذوب ذلك الجسد الروحاني ( الذي وجد قبساً من الروح ) وينتهى كلية ، ومن أجل أن يساعد في المسيرة الروحانية ، فاطلب من المرشدين الصلاح ، ولا تسرق مصطلحاتهم ويضيف الانقروى ( 6 - 2 / 403 ) " مشاهدة الأبرار بين التجلي والاستتار " وينقل عن سعدى بيتين عربيين :أشاهد من أهوى بغير وسيلة * فيلحقنى شأن أضل طريقا
يؤجج نارا ثم يطفى برشة * لذاك تراني محرقا وغريقا
 
( 4035 - 4051 ) : يشير مولانا إلى أن الأمراء الثلاثة كانوا يستخدمون فيما بينهم مصطلحات خاصة بهم ، ويتحدث عن لغة زليخا ( امرأة العزيز ) الخاصة التي كانت تتحدث بها عن يوسف عليه السلام ، وكان صويحباتها يعرفن كنايتها ويفهمن لغتها الخاصة ، والرواية هنا ذات أصول وردت في كتاب بحر المؤدة في أسرار المحبة المنسوب إلى أحمد
 
« 622 »
 
الغزالي وفي كتاب شرح التعرف لإبراهيم بن المستملى البخاري ( 1 / 106 ) ( عن فروزانفر مآخذ 219 - 20 ) ويطور مولانا الروايتين المذكورتين ، فعندما تذكر زليخا شيئاً محببا من قبيل " ليونة الشمع " أو " طلوع القمر " و " اخضرار عود الصفصاف " وما إليه فهذا يعنى أن الحال بينها وبين يوسف على خير ما يرام ، وإن ذكرت شيئاً منفراً فمعنى ذلك أنها تعاني من الحبيب الهم والفراق ، لقد كانت زليخا لا تتحدث في الواقع إلا عن يوسف ، مهما ذكرت من أسماء ، كان ذكر يوسف طعامها عند الجوع وماءها عند العطش ودواءها عند المرض ، وفراءها عند البرد " في رواية شرح التعرف ورووا في قصص زليخا أنها عندما كانت تغلبها المحبة كانت الصفات كلها تتحول إلى يوسف ، فعند البرد كانت تنطق اسم يوسف فتشعر بالدفء بحيث يتصبب منها العرق ، وكانت إذا نظرت إلى يوسف حدث لها نفس الشئ ، وعند الحر كانت تذكر يوسف فتشعر بالراحة وكذلك عند العطش والجوع كانت تذكر اسم يوسف أو تنظر إليه فتستغنى عن الطعام والشراب ، ( شرح التعرف 1 / 106 ) .
 
( 4052 - 4067 ) : أنظر إلى زليخا إنها تذكر يوسف المحبوب في كل ما تقول ، ما تلفظ من قول إلا وفيه إيماءة أو إشارة أو ذكر ليوسف ، فما بالك بأولئك العوام الذين يذكرون اسم الله على طرف اللسان ، ولا حضور له سبحانه وتعالى ولا عشق في قلوبهم ، شتان ما بينهما ، فما كان اسم يوسف يفعله في زليخا ، كان اسم الله يفعله في عيسى عليه السّلام ، إن الروح المتصلة بالحق ، ذكرها ذكره ، وذكره ذكرها
أو كما قال ابن الفارض :
ففي الصحو بعد المحو لم أك غيرها * وذات بذاتى إذ تجلت تجلت
فوصفى إذن لم يدع اثنين وصفها * وهيئتها إذ واحد نحن هيئتى
فإن دعيت كنت المجيب وإن أكن * منادى أجابت من دعائي ولبت
( انقروى 6 - 2 / 406 ) ،
إنها روح تكون خالية من نفسها ممتلئة بالله سبحانه وتعالى ، ومصداقاً للقول المأثور " كل إنا بما فيه ينضح " ، فلا ذكر إلا الله ، ولا وجود إلا الله ، ولا فعل


« 623 »
 
يصدر عن الولي ورجل الحق إلا عن الله ، ومن هنا يقوم الأولياء بخوارق العادات فلا هي تجرى على أيديهم ولا بحولهم بل بحول الله تعالى وطوله . ( انظر 202 من الكتاب الثاني و 905 من الكتاب الرابع ) ، إن رضا الولي وابتسامه وتهلل وجهه إنما هو رضا الوصل وسروره ( انظر الترجمة العربية للكتاب الرابع الأبيات 3242 - 3254 وشروحها ) .
وما هذا الحزن والاكتئاب عند بعضهم إلا لأنهم مطرودون عن عتبة الحق مبعدون عنها ، ذلك أن كل إنسان يحس في قلبه بمائة مراد ، تتفرق به السبل والأودية فلا يبالي في أي واد هلك ، وهذا ليس من مذهب العشق ولا الوداد فليس ثم إلا وجهه ونقل الأنقروى عن ابن الفارض :وعن مذهبي في الحب مالي مذهب * وإن ملت يوماً عنه فارقت ملتى
ولو خطرت لي في سواك إرادة * على خاطري سهواً قضيت بردتى
( انقروى 6 - 2 / 407 ) ،
والشمس نفسها على عظمتها وجلالها بين الكواكب هي مجرد نقاب أمام هذا الوجه ، إنها مظهر من مظاهر تجلى الحق ، والذي لا يعرف الوجه من النقاب يكون مشركاً ( انظر آية 24 من سورة النحل والأبيات 577 - 580 من الكتاب الرابع وشروحها )
 
فالحق بالنسبة للعشاق هو كل شئ ، هو النهار وهو الرزق وهو القلب وهو حرقة القلب مثلما تحصل الأسماك من البحر على كل شئ ( انظر إننا أسماك وأنت بحر الحياة من الكتاب الثالث البيت 1342 وشروحه )
 
والعاشق كالطفل الرضيع والحق بالنسبة له كاللبن الذي يرضعه سواء عرفه أو لم يعرفه لا محيص له منه ولا مهرب له عنه ، ولا تدبير له في سواه ، إنه مثل تلك الورقة المستديرة التي تكتب فيها سورة من القرآن على نية شفاء المريض أو عودة الهارب ، فإذا كان المرء يؤمن بهذه الورقة ، فأولى به أن يؤمن أنه لا مهرب من الحق ، ولا محيص منه ، ويؤمن أنه مرتبط به إيماناً لا يقل عن إيمانه بتأثير هذه الورقة التي تحفظ المريض بين دفتيها وترد الهارب ، فالفاتح هو الله ، والمفتوح هو السر المراد ، والروح وإن كانت ذاهلة ، إلا أنها ليست ذاهلة في عودتها ، فهي عودة طبيعية مثل عودة السيل إلى البحر ، إن البحر


« 624 »
 
هو الذي يدعوه ، لا جدول ماء ولا غيره ، وعندما ما يجد أحدهم النداء ، نداء البحر ، فإنه يضيع فيه . ويصير بأجمعه غريقاً في البحر ومن هذا الغرق يجد الوجود الحقيقي ، مثلما تضيع البذرة في التراب ، وبعدها تتخلق شجرة ذات ورق وثمر ووجود حقيقي ( أية حبة غرست في الأرض ولم تنبت ، فكيف يكون ظنك هذا بحبة الإنسان ؟ كليات ديوان شمس غزلية 911 ص 367 ) وفي الشطرة الثانية إشارة إلى قصة صدر جهان آنفة الذكر والفقيه الذي تظاهر بالموت لينال العطاء ( انظر 3850 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 4068 - 4084 ) : البيتان العربيان المذكوران في العنوان لم أعثر لهما على أصل . عودة إلى قصة الأمراء الثلاثة وقد وصلوا إلى الصين متوارين مختفين . وها هو الأخ الأكبر يجد نفسه قريباً من الهدف لكنه لا يناله ، ويفقد صبره واحتماله . ودخل في مرحلة اللامبالاة ، وعدم تحمل الانتظار ، وهكذا نكون كلنا عندما نقترب من الهدف ، وأصعب ما في صعود الجبل صعود قمته ، ما هذا الانتظار وما هذا القلق وإلى متى تحمل هذه الواقعة التي تفت العضد وتفل الطاقة ؟ ! إن تحمل هذا الفراق من علامات النفاق ، أصبر على المحبوب وهو قيد خطوات ؟ ! إن هذا ليس من العشق في شئ ، وعلام أخاف ؟ أعلى الرأس ؟ إن العشق يهب رؤوساً بدلًا من هذه الرأس ، وأية حياة هذه أشبه بالموت بل إن الموت أفضل منها ، إن السيف لا يقتل روح العاشق " من عاشق بالعشق لم يمت أبداً ، إنه ينفض الغبار ، غبار أدران الدنيا وأدران الجسد عن هذه الروح
[ فالسيف محاء الخطايا ]
 
( حديث نبوي ) ، وعندما ينتفى غبار الجسد فإن قمر الروح يتألق من تحت سحاب الجسد وغبار الدنيا ، إنني دائماً في عشق هذه الحسناء أغنى لحناً واحداً غناه من قبلي الحسين بن منصور الملاح " إن في موتى حياتي " ألست أدعى أنني من الطيور المائية طيور هذا البحر (التعبير من مقالات شمس الدين وانظر 3782 من الكتاب الثاني و3490 من الكتاب الثالث)،
 
فإذا كنت حقاً من هذه الطيور فلماذا أصرخ من طوفان البلاء ؟ ! وهل يهلع السالك من غرق سفينة جسده ، إنني أدعى العشق ،
 
« 625 »
 
كيف ؟ وجسدي حي وروحي حية ، إنني مدع ، لكنني مدع ولست كذاباً ، أدعى العشق وإن كنت غير جدير بالوصال ، إنني أشبه الشمع تقطع رقبتي فأزداد ضياء ( الصورة من شعر منوحهرى الدامغاني المتوفى سنة 432 ه ) ، إن عشاق الحق إذا احترق كل ما يملكون فإنما يكفيهم ويعوضهم إن يتألق عليهم شعاع واحد من نور الحق وأعزاء الحق لا يحتفون ، لقد جاهد إخوة يوسف في أن يخفوا يوسف عن أبيهم لكن آية واحدة من آيات الحق ( القميص ، بل ريح يوسف في القميص ) دلت يعقوب عليه وجعلت حيلة أخوة بدداً .
 
( 4085 - 4107 ) : يقوم الأخوان الآخران بنصح الأخ الأكبر : لا تكن غافلًا عما يحيط بك من أخطار ، لا تحرك آلامنا ، إنك لست موقناً من الوصول ، فكيف تلقى بنفسك في الخطر لمجرد الاحتمال والشك في إنك سوف تصل تقوم بهذه الفعلة ، دون أن تعدلها عدتها ، وما هي عدتها ؟ إنها تدبير الشيخ المرشد الذي يأخذ بيدك ، كيف يستطيع سالك مبتدىء أن يمضى إلى نهاية الطريق ؟ لقد كنت معتمداً على العقل ، وها أنت بقولك هذا تدل على أن عقلك قد ضاع منك ، فلا بد لك من عقل المرشد ، فإن لم تكن مظفراً فعش في ظل مظفر ، وإن لم تكن ذا بصيرة فتتبع خطو ذي بصيرة ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 276 - 279 وشروحها ) ،
 
وكيف بك تمضى دون مرشد ؟ ألست ترى الفخاخ حولك ؟ وكلها جراح تبدو لك في صورة الدواء ( عن الفخاخ انظر الكتاب الثالث 269 - 275 وشروحها ) انظر الحية تمسك في يدها ورقة شجرة يظنها الطائر قوتاً فيسقط في فم الحية ( الصورة مكررة في البيت 281 من الكتاب الثالث ) ، ويمكن أن تكون الإشارة هنا إلى المثل العربي القائل " المال حية " انظر البيت 5290 من الكتاب الخامس ) ،
والتمساح يصيد الطيور التي تطحن الديدان العالقة بأسنانه مائدة شهية ، نعم ، هذه هي صورة الدنيا تماماً ، تمد إليك صنوف النعيم ، لتقتلك ( ثبت طبياً أن الأمر حقيقة وليست مجازاً ، والموت بالأمراض المستعصية وأمراض القلب نسبتها الأكبر في الدول المرفهة ) ،
إنني أضرب لك صوراً من مكر الحيوان فكيف بالإنسان ومكره وهو سيد على كل
 
« 626 »
 
هذه الحيوانات قد غلبها وسيطر عليها بمكره ، فإياك من نفاقه وتظاهره ، يكون أحدهم متظاهراً بتقوى على الأصغر بن الحسين السجاد رضي الله عنه ، لكنه يخفى خنجره القاتل في كمه ، يتهلل في وجهه ، وفي قلبه كل سحر أهل بابل ( انظر عن الملكين ببابل ، البيت 539 من الكتاب الأول والبيت 797 من الكتاب الثالث والرابع 2674 والخامس 623 - 626 ) أو كما يقول عليه السلام عن بعضهم [ ألسنتهم أحلى من السكر وقلوب الذئاب ] ( انقروى 6 - 2 / 415 ) .
 
( 4108 - 4119 ) : إن متاع الدنيا قليل ، ونورها كالبرق الخاطف لا يدوم ، وبعدها ظلمة مترامية ، ومفازة دون شعاع من نور ، فإن قنعت بنور البرق حرمت من نور ربة الشرق ، فتتفرق بك السبل في الظلام ، وتتوه وتضل بلا دليل ، بل إنك عندما ترى الدليل تنصرف عنه ، وأنت في سعيك وبحثك عن جاه الدنيا تتخبط ، ففرق بين طالب الجاه وطالب الله ،
 
إنك ترى أنك في نهاية الطريق ، وأنت لا زلت في بدايته ، بل إنك لم تبدأ الطريق أصلًا ، إنك تقطع الطرق على الظن ، ولو أنك تسير مع مرشد لقطعت الطريق الأصلي في عشر معشار ما قطعت فيه كل هذه الطرق ، وهذا بعيد عنك وعن رشدك بعد أن قرأتإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً *( يونس 36 ) فتركت ربة الشرق وسرت في نور البرق .
 
( 4120 - 4136 ) : الحديث يبدو من الأخوين إلى الأخ الأكبر لكنه من إفاضات مولانا جلال الدين في الحقيقة يحدث المغرورين المبتعدين عن دائرة الإرشاد ، واركب سفينتنا أيها الضال خطاب نوح عليه السلام في الحقيقة إلى ولده كنعان ( انظر تفصيلات الكتاب الثالث ، الأبيات 1310 - 1335 وشروحها ) ،
 
واربط سفينتك بسفينتنا أي الحق وجودك بوجودنا ، إن العمى عيب واحد ، لكن العمى والابتعاد عن المرشد في نفس الوقت هو العمى المركب ، أتراك تهرب من مجرد الاتباع والاقتداء إلى المتاهات والضلال ، فيا لك من هارب من بعوضة إلى عقرب وهارب من القطر إلى اليم ، وهارب من شدة الأب وحرصة على تأديبك بالشدة إلى
 
  « 627 »  
صحبة الشواذ وإلى الفتنة وإلى الشر ( انظر شدة الأب خير من حنان الأم الكتاب الذي بين أيدينا الأبيات 1437 - 1443 وشروحها ) وانظر إلى سيدنا يوسف عليه السّلام ، لقد أخذ الإذن من أبيه لكي يرتع ويلعب ، وأخذته يرتع ويلعب هذه من أحضان أبيه وألقت به قاع البئر ( انظر الكتاب الثالث البيت 417 ) ،
ولو لم يكن أبوه قد أذن له ، لضاع وانتهى في غيابة الجب ، وهكذا فكل أعمى البصيرة وسالك مغرور غير خبير يعصى أوامر الشيخ ، فإنه يحرم من فيضه ، وقد تكون فيه نهايته ومهما يناديه عيسى الإرشاد ، هيا تعادل فأنا البشير معي قميص يوسف ألقيه على وجهك فترتد بصيراً ، فتعال أيها الحمار العجوز العنيد الكسول ، واختر الشيخ ، فلا كان هناك غير الشيخ قائداً أو دليلًا ، ولا أقصد بالشيخ ذلك الذي شيبته الأيام
( انظر لشيخ العقل وشيخ الأيام الكتاب الرابع الأبيات 2160 - 2168 وشروحها وانظر أيضاً الكتاب الأول 2943 )
 
إن هذا الشيخ هو الذي يستطيع أن يخرج بك من الظلمات إلى النور ، ويوفر عليك المجهود ، فتنجو بفضله من عبادتك للظلمة وانغماسك في الضلال .
 
( 4137 - 4150 ) : إن الشيخ لا يطلب منك سوى شرط واحد : أن تستسلم له بكليتك وألا تجادل أو تناقش وأن تبرأ من كل حول وقوة لك ، إن السهم لا ينطلق إلا بالقوس ، وأنت لن تنطلق إلى السماء إلا بقوس الشيخ ، لن تكون أكثر قوة من النمرود الذي أراد أن يطير إلى السماوات محلقا بأجنحة عشرة نسور فلم يجده ذاك نفعا ،
 
وكان يستطيع أن يصل عن طريق إبراهيم عليه السّلام لو أنه أطاعه ، إن المرشد هو السلم إلى السماء ولا سلم سواه ، لماذا تفكر دائما في سفر الجسد ، إن سفر الروح لا وسيلة له سوى المرشد ، انظر : ألا تسافر أحاسيس الناس وهم نيام ثم تعود عند اليقظة ؟
 
( انظر الأبيات 1691 - 1700 ، البيت 2100 من الكتاب الأول وشروحها ) ،
والمعارف أيضاً يمضى إلى مئات العوالم وهو جالس مستريح في مكانه ، وإذا لم يكن هذا السير الروحاني قد حدث له فمتى عن له وتيسر له أن يخبر عن الولايات البعيدة ( انظر الكتاب الرابع ، الأبيات 1802 وما بعدها وشروحها ) وهم متفقون في هذا لا
 
« 628 »
 
يختلفون كعلماء الظاهر ، ذلك أن عملهم كحضور الكعبة وسط النهار في حين أن علم علماء الظاهر كالتحرى ( البحث ) عن الكعبة ( جهة القبلة ) في الليل الداجى .
 
( 4151 - 4154 ) : لا يزال إبراهيم عليه السّلام يحذر النمرود أو بمعنى أصح لا يزال يبين للسالك العاصي الذي يريد أن يسير في هذا الطريق وحده وكلها في إطار نصح الأخوين لأخيهم الأكبر ، هيا أيها النمرود ودعك من أجنحة النسور واطلب أجنحة من الرجال ، ودعك من عقلك الجزئي الذي يسير به في طريق عالم الغيب وهو لا يصلح إلا للدنيا وإلا لما تمليه عليه الحواس ( انظر البيت 1559 من الكتاب الثالث والبيت 2723 من الكتاب الذي بين أيدينا )
ودعك يا قليل الهمة من جيفة الدنيا ( انظر 1042 من الكتاب الرابع و 3485 من الكتاب الذي بين أيدينا )
 
وعقول الأولياء بمثابة جناح جبرئيل تطير حتى سدرة المنتهى مرحلة بمرحلة ، إنني - والكلام على لسان إبراهيم عليه السّلام للنمرود - بازى السلطان ، لي صلابة البازي وطهره وزهده وملازمته السلطان - الخالق - وبمعونة جناح واحد منى تستطيع أن تصل أنت أيضاً إلى ساعد السلطان
( انظر الغزلية رقم 441 ، ص 203 من ديوان شمس الدين التبريزي ) فحتام تسير على العمياء ؟ إنما يلزم لكل حرفة وكسب أستاذ فكيف تمضى بلا أستاذ ؟ ! ( لتفصيل الفكرة انظر الكتاب الخامس ، الأبيات 1425 - 1431 وشروحها ) .
 
( 4156 - 4172 ) : عودة إلى حديث الأميرين إلى أخيهما الأكبر ويبين مولانا في هذه الأبيات صراحة أن بنت ملك الصين ليس لها وجود صوري وإن ملك الصين نفسه وجود روحاني ومعنوي وأن معظم السالكين والباحثين بالرغم من أنهم وجدوا ارتباطاً روحانياً مع هذا الوجود ، إلا أنهم لم يصلوا قط إلى بنت ملك الصين وهي سر من أسرار الغيب ،
وكل ما قاله لك الشيخ امض وفقاله ، لا تخدعه ، ولا تشح عنه بوجهك ، إن الناس جميعا يقولون إن ملك الصين " لم يلد " ( الإخلاص / 3 ) ، وأنهمَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً( الجن / 3 ) ، ومن قال هذا فقد عرض روحه للدمار ، فإن الملك يطلب منه إثبات ما لا سبيل إلى إثباته ، وهناك
 
« 629 »
 
خندق ملىء برؤوس فصلت عن أجساد أصحابها لأنهم " جدفوا " بهذا الباطل وخاضوا فيه ، وهكذا كانت نهايتهم مهما كان سيرهم ، وهكذا السائر مائة عام على العمياء ودون هداية المرشد ، وأقرأ يا أخانا قول الله تعالى وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ( البقرة / 195 ) .
 
( 4173 - 4188 ) : يجيب الأخ الأكبر مستبعداً أن الأوان أوان انتظار المرشد أو انتظار الدليل ، إن الزرع قد استوى على سوقه وقد آن أوان المنجل والحصاد ، أي صبر والعشق قد أضرم النار في مقام الصبر ، فكفاكم حديثا ، وكفاكم تحذيرى بالخطوب ، فلا صبر عندي ، مات صبري ولكم طول البقاء ، أي رأس تخاطبه وأي عقل تخاطبه ، لقد انقلبت رأساً على عقب ، أنت تحدث الآن قدمي ، فهل تفهم القدم ؟ !
لقد سقط البعير من شدة الحمل ولم يعدله من حل سوى الذبح ؟ !
أي خندق وأية رؤوس مقطوعة ، إنها مجرد مزاح إلى جوار هذا الألم الذي أحس به ، فهل أخفى الهوى ؟ !
وهل يمكن إخفاءه ؟ ! كأنني أدق الطبول تحت الغطاء ! !
 
فإما أن أرى محبوبى وأما أن أفقد رأسي ، وجدير بهذا الرأس أن يفقد في سبيل هذا الهدف ، وأولى بالحلق الذي لا يتحمل شراب الهوى أن يذبح ، أو كما نقل الأنقروى عن ابن الفارض ( 6 - 2 / 426 ) :
وانى إلى التهديد بالموت راكن * ومن هوله أركان غيرى هدتوأولى بالعين التي لا تبصره أن تعمى ، والأذن التي لا تسمع سره أولى بها أن تقطع ، واليد التي تخلو من هذه العطية عطية رؤية الحبيب أولى بها أن تقطع بيد القصاب ، والقدم التي لا تتنزه في رياض أسراره أولى بها أن تغل في الأغلال حتى تستريح منها الرأس ! !
 
( 4189 - 4198 ) : يقدم مولانا عنوانا جديداً ، إن الأخوين ينصحان أخيهما الأكبر بأن يدق باب المرشد ، وما وقر في ذهن الأخ الأكبر أن أبواب الله كلها واحدة ، وأنه من الممكن أن يدق على باب ، بينما ميسر له الله العطية من باب آخر ، إنه " معه " أي مع الله سبحانه وتعالى . والله يقولوَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ، والله
 
« 630 »
 
سبحانه وتعالى يعرف بفسخ العزائم ونقض الهمم ، ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 4465 - 4470 وشروحها ، والبيت 3695 والبيت 3489 من الكتاب الذي بين أيدينا ) يقول الأخ الأكبر : إنني سوف أصل إلى بغيتي إما في هذا السفر وإما عند عودتى ( إشارة إلى الحكاية التي تبدأ بالبيت 4220 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، المهم أن أحافظ على المعية ، ألا يفارق قلبي أنه جل شأنه معي وذلك مصداق للآية الكريمة : وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ ( الحديد / 4 ) ،
 
والمهم أن يظل هذا القول في أذني ، لقد قال ( وهو معكم ) بحيث يطرد عن القلب اليأس من أن يظن أنه مختوم عليه ، وحتى يجاهد ويسعى ولا يدرك أن الحبيب موجود في قلبه ، وأنه ليس عليه أن يبحث خارج هذا القلب . فاطلب المعية كما كان يطلبها الحسين بن علي رضي الله عنه في دعاء عرفة : " إلهي ترددى في الآثار يوجب بعد المزار فاجمعنى بخدمة توصلني إليك " ( جعفري ، 14 / 452 ) .
 
وحتى يدله بعد السعي والسير والسفر أن مطلوبك في الدار وأنت تبحث خارجها إنه يريد - أحيانا - من العبد أن يسير في الطريق العكسى وأن يبذل جهدا خارقا في طريق المعرفة ، ويستخدم مولانا الفريضة الرياضية التي تصل إلى الحل الصحيح من فرض خطأين ( استعلامى 6 / 431 ) ، بعدها يعلم العبد ، بعدها وليس قبلها ، المهم أن يسعى ، والله يحقق طلبه من أي باب آخر .
 
( 4199 - 4201 ) : ويشير مولانا إلى أنه قد تحدث عن هذه الموضوعات في أجزاء سابقة - ويضرب المثل بقصة الشيخ أحمد خضرويه الذي كان مدينا في آخر أيامه - ومع ذلك فقد اشترى كل الحلوى التي يحملها بائع متجول وأعطاها لغرمائه دون أن يستطيع دفع نصف دينار هي ثمن الحلوى ، لكن بعد صراخ ابن بائع الحلوى يصل الفتوح ، ويحصل على المبلغ المدين به وفوقه نصف دينار هي حق بائع الحلوى . ( انظر الكتاب الثاني ، الأبيات 379 - 447 وشروحها ) .
 
( 4202 - 4219 ) : ولله - جل شأنه - في خلقه شؤون ، إنه يلقى في قلبك الخوف من
 
« 631 »
 
المكان الذي يكون لك فيه - وليس في غيره - مطمع ويكون لك في الطمع نفسه فائدة ، إذا يعطيكه الله تعالى من موضع آخر ، وفي هذه الألعاب المقلوبة حكمة أخرى ومصلحة ( انظر 1641 و 1745 وشروحها من الكتاب الذي بين أيدينا ) ،
فلماذا طمعك إذن من هذه الناحية ما دام يريد أن يصرفك عنها ، هذه هي حكمته وهذا هو صنعه ، لكي تزداد فيه تحيرا ، وتقر بعجزك وجهلك ، ويوصل لك اليقين بعالم الغيب وتزداد حيرة في المنتجع ، ( المكان الذي تطلب منه القوت ) والمصرف : مصرف القلوب الذي يجذبها من ناحية ويصرفها إلى ناحية أخرى . فترى نفسك تطلب الرزق من عمل ثم يأتيك الرزق من عمل آخر ، فلماذا إذن وجهك نحو العمل الأول وهو يعلم أن الرزق سوف يأتيك الرزق من عمل آخر ، هذا من أجل حكمة نادرة في علم غيبه جل شأنه ، حتى يدفعك إلى التحير في خلقه والتحير عبادة الواصلين ، ومن ثم قال أحد الصوفية : " يا دليل المتحيرين زدني تحيرا " ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 1108 - 117 وشروحها ) .
ويواصل أكبر الأمراء : وها أنا في حيرة ، هل أصل إلى الحبيب من سعيى هذا أو سأصل إليه من طريق آخر خارج هذا الطريق الذي أسعى به وهو جسدي وذلك بعد أن ينتفى جسدي ، ها أنتم ترون أنه من الممكن بعد التضحية بالجسد أن يحدث المطلوب ، هل يكون مرادي من وصلى هذا ، أو من عالم الغيب المختفى خلف ذات البروج ؟!
.
* * * 
* * *

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: