الأربعاء، 2 سبتمبر 2020

13 - قصة الشخص الذي دلوه على كنز في مصر وبيان تضرعه من الفقر في حضرة الحق .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

13 - قصة الشخص الذي دلوه على كنز في مصر وبيان تضرعه من الفقر في حضرة الحق .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

قصة الشخص الذي دلوه على كنز في مصر وبيان تضرعه من الفقر في حضرة الحق .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

[ قصة ذلك الشخص الذي رأى في النوم أن ما تطلبه من يسار موجود في مصر ]
حكاية ذلك الشخص الذي رأى في النوم هاتفا يقول له : إن ما تطلبه من يسار موجود في مصر فهناك كنز في محلة كذا . . . ومنزل كذا . . .
وعندما جاء إلى مصر قال له أحدهم لقد رأيت في النوم أن هناك كنزا في بغداد في محلة كذا في منزل كذا وذكر اسم محلة ذلك الشخص ومنزله وفهم ذلك الشخص أن المراد بذكر أن الكنز موجود في مصر حتى أتيقن أنه لا محل للبحث في غير منزلي لكن هذا الكنز لن يتحقق لك يقينا إلا في مصر
 
4220 - كان هناك أحد الوارثين لمال وعقار ، فانفقه كله وبقي مسكينا عاريا .
- إن المال الموروث لا وفاء فيه ، ذلك أنه انفصل عن المتوفي برغم أنفه .
- " والوارث " أيضاً لا يعرف قدره ، فقد حصل عليه بسهولة ، فلم يسع ولم يكد ولم يتعب من أجل كسبه ! ! .
- ومن هنا فإنك لا تعرف قدر الروح يا فلان ، إذ أن الحق وهبها لك بالمجان .
- لقد ذهب النقد وذهب المتاع وتلك الدرر ، وبقي كالبوم وسط الخرائب .
 
4225 - فقال : يا رب لقد أعطيت الزاد وذهب الزاد ، فإما أن تهبى زادا أو ترسل إلى الموت .
- عندما صار فارغا بدأ في ذكر الحق، وجعل من "يا رب" و "يا رب أجرني "لحنا له !!.
- لأن الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم قال : إن المؤمن كالعود ، هو عندما يكون خاليا يصبح أناناً .
- وعندما يمتلئ يضعه المطرب من يده ، فلا تمتلئ ، فإن لمس يده حلو .
- وكن فارغاً سعيداً بين الإصبعين ، فمن خمر اللامكان ثمل المكان .


« 355 »
 
4230 - لقد جرى طوفان الدمع وسال من عينيه ، وروى دمعه زرع الدين « 1 » .
 
في سبب تأخير دعاء المؤمن
 
- رب مخلص يئن في دعائه ، حتى يرتفع دخان إخلاصه إلى السماء .
- وحتى تمضى إلى حانوت هذا السقف العالي ، رائحة الجمر من أنين المذنبين .
- فيتضرع الملائكة إلى الله شاكين قائلين : يا مجيبا لكل دعاء، ويا من يستجير " الناس " به.
- إن العبد المؤمن آخذٌ في التضرع ، وهو لا يعرف سواك موئلا وملاذا .
 
4235 - إنك تهب العطايا للغرباء ، ومنك ينال كل مشته مشتهاه .
- فيقول الحق : ليس من هو انه على ، إن تأخير العطاء في حد ذاته عون له .
- إن الحاجة قد أتت به من ناحية الغفلة إلى ناحيتي ، هي التي جذبته من ناصيته إلى حيى .
- فلو أجبته إلى حاجته فإنه يمضى عنى ، ويستغرق في تلك اللعبة .
- فبالرغم من أنه يئن بروحه قائلا أيها المستجار وهو كسير القلب ، جريح الصدر . . . قل له ، وأصل الأنين .
 
4240 - فإن صوته هذا يطربنى ، ونداءه . . . يا الله . . . وضراعته تلك .
- وأنه في ضراعته وفي كل ما يقوم به ، إنما يقوم بخداعي بكل سبيل .
- إنهم يحبسون الببغاوات والبلابل في الأقفاص من جمال أصواتها ومن حبهم لها .
- ومتى يحبسون البوم والغربان في الأقفاص ، إن هذا لم يرد حتى في القصص .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 462 :
- واستمسك بكلتا يديه بالدعاء والضراعة ، وطلب الذهب بلا توقف ذلك العابد للذهب .
 
« 356 »
 
- وإن جاء أمام عاشق للجمال اثنتان إحداهما عجوز شمطاء والأخرى حسناء الوجه .
 
4245 - كلتا هما تطلب خبزا ، فإنه يأتي للعجوز سريعاً بالفطير قائلًا لها . . . خذي .
- ومتى يعطى حسناء القد والخد الخبز ؟ أنه يؤخرها ! ! 
- ويقول لها : اجلسى قليلا ، لا داعى للعجلة ، إن الخبز الطازج يخبز في الدار .
- وعندما يصل الخبز الساخن ، بعد جهد ، يقول لها أجلسى فالحلوى في الطريق .
- وبهذه المهارة يبقيها ، ومن طريق خفى يصيدها .
 
4250 - ويقول لها : لي معك أمر ما للحظة واحدة ، فانتظرى قليلا يا حسناء الدنيا « 1 » .
- وعدم وصول المؤمنين إلى المراد من خير ومن شر ، اعلم يقينا انه من أجل هذا الأمر .
 
عودة إلى قصة ذلك الشخص الذي دلوه على كنز في مصر
وبيان تضرعه من الفقر في حضرة الحق
 
- عندما انفق الوارث " ميراثه " وصار فقيراً ، بدأ في الدعاء والبكاء والعويل .
- ومن في حد ذاته يدق هذا الباب الذي يهب الرحمة ولا يجد في الإجابة مائة ربيع ؟ .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 463 :
- حتى يخدعها بهذه الحيلة ، حتى يجعلها مطيعة هادئة - فاعلم أن الغرباء على مثال تلك الشمطاء ، والمؤمنين على مثال هذه الحسناء .


« 357 »
 
- رأى في النوم هاتفا سمعه يقول : إن غناك سوف يتحقق في مصر .
 
4255 - فاذهب إلى مصر وهناك يستقيم أمرك ، لقد قبل ابتهالك فهو المرتجى .
- ففي موضع كذا كنز عظيم ، وينبغي عليك الذهاب إلى مصر في أثره .
- فهيا . . . امض عن بغداد دون إمهال أيها المسكين ، امض إلى مصر مصدر السكر .
- وعندما جاء من بغداد إلى مصر ، قوى صلبه عندما أبصرها .
- على أمل ما وعده به الهاتف أن في مصر كنزا ، سوف يجده في مصر ، ينهى متاعبه .
 
4260 - وإن في حي كذا وموضع كذا كنزا دفينا نادرا جداً ، منتقى بعناية .
- ولم يكن قد بقي ما ينفقه " قليل أو كثير " ، فأراد أن يتكفف عوام الناس .
- لكن خجله وهمته منعاه من ذلك ، وأخذ يلزم نفسه الصبر قسراً .
- لكن نفسه تقلبت من الجوع ، فلم يجد بدا من الحركة والطلب .
- وقال في نفسه : لأخرج في الليل خفيا ، حتى لا أخجل من التكدى في الظلام .
 
4265 - ومثل المتكدى بليل ، أقوم ليلا بالذكر والصياح ، حتى تلقى إلى من فوق السطوح أنصاف الدوانيق .
- فخرج إلى الشارع وهو يفكر في هذا الأمر ، وعلى هذه النية أخذ يمضى من صوب إلى صوب .
- فكان أصله وخجله يمنعانه حينا ، ثم يقول له الجوع : أسال " الناس " .
- فأخذ يقدم رجلا ويؤخر أخرى حتى منتصف الليل ، وهو يقول : هل أتكفف الناس أو أنام متيبس الشفة ؟ !
 
« 358 »
 
وصول ذلك الشخص إلى مصر وخروجه ليلا إلى الحي من أجل التكدى وإمساك العسس به ووصوله من العسس إلى المراد بعد ضربه كثيراً ، وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ
وقوله تعالى سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْر  اًو قوله تعالى :إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً،
وقوله صلى اللَّه عليه وسلّم : [ اشتدى أزمة تنفرجى ]
وجميع القرآن والكتب المنزلة في تقرير هذا
 
- وفجأة أمسك به العسس، فانهالوا عليه باللكمات والعصى ليشفى الغليل غير مخفي الغضب.
 
4270 - ذلك أنه أتفق أنه في تلك الليالي المظلمة ، كان الناس قد أوذوا كثيرا من لصوص الليل .
- كانت ليالي مخيفة ونحسات ، ومن هنا كان العسس يبحثون عن اللصوص بجد .
- حتى أمرهم الخليفة بأن يقطعوا يد كل من يتجول بليل ، حتى وإن كان من أهله .
- كما كان الملك قد هدد العسس وخوفهم قائلًا : لماذا أنتم متساهلون مع اللصوص ؟ !
- ولماذا تصدقون ألا عيبهم ، أو تراكم تتلقون منهم رشاوى الذهب ؟ ! !
 
4275 - إن الرحمة على اللصوص وكل مشئوم اليد ، هي قسوة على الضعفاء وضربة لهم .
 
« 359 »
 
- هيا ، ولا تتوقف عن القصاص من أجل أحد الخواص ، ولا تنظر إلى ألم يحيق به ، بل انظر إلى ألم عامة الناس .
- واقطع الإصبع الملدوغ لدفع الشر ، وانظر إلى تعديه وإلى هلاك الجسد منه .
- واتفق أن اللصوص كانوا قد از دادوا في تلك الأيام ، من ناضج وساذج .
- ورآه " الدركي " في مثل ذلك الوقت ، وأوسعه ضربا بالعصى ضربات بلا عدد .
 
4280 - فارتفع صراخ ذلك الفقير واستغاثته ، وقال له : كفاك ضربا ، وسأصدقك القول .
- قال : الأن أمهلك فقل ، لماذا بقيت في الشارع خارج دارك إلى هذا الوقت من الليل ؟ !
- أنك لست من هذا المكان بل أنت غريب عنه ينكرك "أهله" قل الصدق، في أي مكر تفكر!!
- لقد سخر أهل الديوان من العسس ، وقالوا لماذا أكثر اللصوص الآن ؟ !
- فهناك الكثيرون منك ومن أمثالك ، فدلني على رفاقك الأشرار أولًا .
 
4285 - وإلا سوف انتقم منهم جميعا في شخصك ، حتى يصير آمنا مال كل ثرى .
- فقال له من بعد الإيمان المغلظة ، لست هجاماً على الدور ولست نشالًا .
- ولست رجل السرقة والظلم ، إنني من بغداد وغريب عن مصر .بيان هذا الخبر ، الكذب ريبة والصدق طمأنينة
- فروى قصة ذلك الحلم وكنز الذهب ، فرق له قلب ذلك الشخص من صدقه .
 
« 360 »
 
- كانت رائحة الصدق ، تفوح من أيمانه ، وظهرت حرقته ، كما فاح دخان عوده .
 
4290 - إن القلب ليستريح إلى القول الصواب ، مثلما يستريح الظمآن عند شرب الماء .
- اللهم إلا قلب المحجوب الذي به علة ، وليس عنده تمييز بين النبي والغبي .
- وإلا فإن هذه الرسالة التي تكون من موضعها ، تطرق القمر فينشق .
- وينشق القمر ، ولا ينشق قلب المحجوب ، ذلك أنه مردود وليس بالمحجوب .
- إن عين الشرطي صارت نبعا من الدمع ، ليس من الكلام المؤثر بل من رائحة القلب .
 
4295 - فإن كلمة واحدة تأتى من الجحيم صوب الشفة ، وكلمة واحدة تأتى من مدينة الروح في حي الشفة .
- وهناك البحر الذي يزيد الروح وهناك بحر الحرج، ومرج الشفة موجود بين البحرين «1».
- مثل قافلة موجودة بين المدن ، تأتيها المنافع من جميع الأنحاء .
- وبضاعة النشال المزيفة المعيوبة ، وبضاعة كثيرة الربح شريفة كأنها الدر .
- وفي هذه القافلة ، كل من هو أكثر مهارة في التجارة ، يكون أكثر فيهما بالنسبة للخالص والمزيف .
 
4300 - صارت القافلة له موطنا للربح ، وصارت لآخرة من عماه دارا للذنوب .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 470 :
- بحر مزيد للروح وبحر منقصٌ للعمر ، وكلاهما ذو طريق يمر على الشفة .
 
« 361 »
 
- وكل جزء من أجزاء العالم ، واحدٌ بعد الأخر ، قيدٌ على الغبي وفتح للأستاذ .
- سُكر لأحدهم ، وسم لآخر ، لطف لأحدهم ، وقهر لآخر « 1 » .
- وكل جماد يتحدث بالحكايات مع النبي ، والكعبة شاهدة على الحاج وناطقة من أجله .
- والمسجد أيضاً شاهد على المصلى قائلًا : لقد جاء إلى من طريق بعيد .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 470 / 471 :
شيطان لأحدهم حور لآخر * نار أحدهم نور لآخر
كنز لأحدهم حية لآخر * ورد لأحدهم شوك لآخر
حلو لأحدهم مر لآخر * بهتٌ لأحدهم وعى لآخر
خفى لأحدهم معلن لآخر * نفع لأحدهم وضر لآخر
سد لأحدهم فتح لآخر * قيد لأحدهم مراد لآخر
شهد لأحدهم ووخز لآخر * غريب لأحدهم قريب لآخر
نهار لأحدهم وليل لآخر * سرور لأحدهم تعب لآخر
محبوب لأحدهم عدو لآخر * راح لأحدهم قرعة لآخر
ماء لأحدهم دم لآخر * إعجاز لأحدهم أسطورة لآخر
حلوى لأحدهم سم لآخر * حجر لأحدهم حسناء لآخر
جسم لأحدهم روح لآخر * حبس لأحدهم فتوح لآخر
سهم لأحدهم قوس لآخر * خبز لأحدهم سنان لآخر
نقص لأحدهم كمال لآخر * هجر لأحدهم وصال لآخر .
 
« 362 »


4305 - والنار مع الخليل عليه السّلام زهر وريحان وورد ، وهي لاتباع النمرود موت وألم .
- ولقد ذكرنا هذه الفكرة مرات يا حسن ، ولن أمل من بيانها أبداً .
- ولقد أكلت الخبز مرات لدفع الجوع ، وهذا هو نفس الخبز فلماذا لا تمل ؟ !
- فإنما يصلك جوع جديد من الاعتلال ، بحيث تحترق منه التخمة والملال .
- وكل من صار له ألم الجوع حاضرا ، انعقد التجدد لأعضائه عضوا عضواً .
 
4310 - فاللذة من الجوع لا من النقل الجديد ، ومع الجوع يكون خبز الشعير ألذ من السكر .
- إذن فتلك الملالة من عدم الجوع ومن التخمة الكاملة ، وليست من تكرار الكلام .
- وكيف لا يأتيك الملال من الدكان والمساومة والقيل والقال في خداع الناس ؟ !
- وكيف من الغيبة وأكل لحوم الناس مدة سنين لما لم تشبع منها ؟ !
- لقد قلت كثيرا من حلو الكلام في صيد فرج ، وسقت كثيرا من الملق والخداع .
 
4315 - وفي المرة الأخيرة تتحدث إليها بحرقة وذلاقة لسان، أكثر حرارة من المرة الأولى.
- إن الألم يجدد العلاج القديم ، والألم يقضب كل غصن من أغصان الملل .
- فالآلام كيمياء مجددة ، وأين الملل في ذلك الطرف الذي ارتفع فيه الألم ؟ !
- فانتبه ، ولا تتأوه بحزن من الألم ، بل ابحث عن الألم ، ابحث عنه ، ابحث عن الألم ! !
 
« 363 »
 
- وإن الأدوية العشوائية خادعة للألم ، هي قاطعة طريق وآخذة للأموال برسم الإتاوة .
 
4320 - والماء المالح ليس علاجا للعطش ، حتى وإن بدى عند الشرب باردا عذباً .
- لكنه صار خادعاً ، ومانعاً عن البحث على الماء الحلو ، التي نبتت منه مائة خضرة .
- مثلما يكون كل ذهب مزيف مانعا عن معرفة الذهب الخالص حيثما يكون .
- لقد قطع جناحك وقوامك بخداعه ، قائلا لك : أنا مرادك ، فخذنى أيها المريد .
- قال لك : سوف أمحو ألمك ، وهو نفسه كان ألما ، كان خسارة وهزيمة ، بالرغم من أنه كان كسبا في الظاهر .
 
4325 - فامض ، وأهرب دائما من الأدوية الكاذبة ، حتى يصير الألم صوابا لك ، وناثرا للمسك ! !
- قال " الدركي " : لست لصا ولست فاسقاً ، أنت رجل طيب لكنك ساذج أحمق
- أتسافر كل هذه المسافة على خيال وحلم ، أليس لعقلك ذرة من الضياء « 1 » ؟ !
- لقد رأيت بنفسي هذا الحلم مرات ، إنه يوجد في بغداد كنز مستتر .
- وأنه مدفون في ناحية كذا وفي حي كذا ، وكان اسم الحي هو اسم حي ذلك الحزين .
 
4330 - إنه في منزل فلان فاذهب وابحث عنه ، وذكر منزله واسمه ذلك العدو .
- لقد رأيت بنفسي هذا الحلم مرات ، إنه في بغداد ، يوجد كنز ، إنه في الوطن .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 475 :
- أتسافر كل هذه المسافة الطويلة على خيال من جهلك ومن طمعك ؟ ! .
 
« 364 »
 
- لكني لم أتحرك من مكاني لهذا الخيال ، وأنت بحلم واحد تأتى بلا إمهال ! ! .
- إن رؤيا الأحمق جديرة بعقله ، إنها مثله ، لا قيمة لها ولا تساوى شيئاً .
- واعتبر أن رؤيا المرأة أقل من رؤيا الرجل ، وذلك من أجل نقصان عقلها وضعف روحها .
 
4335 - ورؤيا ناقص العقل والساذج باطلة ، وماذا يكون الحلم لمن لا عقل له ؟ ! هباء ! ! .
- قال لنفسه : إن الكنز في منزلي ، فأي فقر لي وحزن هنا ؟ !
- لقد مت من الكدية وأنا على رأس كنز ، ذلك أنني كنت في غفلة وكنت في حجاب .
- وثمل من هذه البشرى ، وانمحى عنه الألم ، وقرأ " الحمد " مئات الآلاف من المرات دون شفة .
- وقال : لقد كان دسمى موقوفا على هذه الصفعة ، وكان ماء الحيوان موجودا في حانوتى .
 
4340 - امض ، فلقد وقعت على دسم عظيم ، برغم هذا الوهم بأنى كنت مفلسا .
- فسواء اعتبرتنى أحمق أو اعتبرتنى وضيعاً ، لقد صار لي " هذا الكنز " فقل ما شئت .
- ولقد رأيت مرادي وحصلت عليه بلا شك ، فقل ما شئت لي ، أيها الشتام .
- وقل عنى أنى شديد الألم أيها المحتشم، فأنا بالنسبة لك شديد الألم ، وبيني وبين نفسي سعيد .
- فويلاه لو كان هذا الهبوط مقلوباً ، لكان بالنسبة لك روضة وبالنسبة لي فجيعة .
 
« 365 »
 
مثل
 
4345 - قال أحد الأخساء ذات يوم لدرويش إن أحدا لا يعرفك هنا .
- قال له : إن لم يعرفني العامي ، فأنا أعرف جيداً من أكون ! .
- فويلاه إذا كان الألم والجرح معكوسين ، وكان هو ناظرا إلى وأنا أعمى عن نفسي .
- فاعتبرنى أحمق أيها الشرطي ، فأنا أحمق يا حسن الحظ ، والحظ أفضل من اللجاج والوجه الصفيق .
- إن هذا الكلام ينطلق وفقا لظنك ، وإلا فإن الحظ أعطاني أيضاً عطية عقلي .
 
عودة ذلك الشخص فرحا موفقا شاكرا لله ساجدا له وحائرا في غرائب إشارات الحق
وظهور تأويلاتها على وجه لا يصل إليه عقل وفهم أبداً
 
4350 - عاد من مصر إلى بغداد ، ساجدا وراكعا حامدا وشاكراً .
- وطوال الطريق وهو حائر وثمل من هذا العجب ، من انعكاس الرزق وطريق الطلب .
- متسائلًا : من أي الأماكن كان قد جعلني أملًا ؟ ! ومن أيها نثر على الفضة والنفع ؟ !
- وأية حكمة كانت في أن قبلة المراد ، أخرجني من منزلي ضالا وفرحا ؟ !
- حتى أمضى مسرعا في الضلالة ، وفي كل لحظة كنت أصير أكثر بعدا عن المطلوب .
 
4355 - ثم إن الحق جعل بجوده عين الضلالة وسيلة إلى الرشد والنفع .
 
« 366 »
 
- إنه يجعل الضلالة منهاجا للإيمان ، ويجعل الاعوجاج موضع حصاد للإحسان .
- حتى لا يكون محسن قط خاليا من الخوف، وحتى لا يكون خائن قط قانطاً "من رحمة الله "!!
- لقد جعل ترياق ذلك السم مخفيا فيه ، حتى يقال أنه ذو اللطف الخفي .
- وليست تلك المكرمة مخفية في الصلاة ، بل إن تلك المغفرة تضع الخلعة على الذنب .
 
4360 - إن قصد المنكرين إذلال الثقات ، جعل ذلهم عزا وظهورا للمعجزات .
- كان قصدهم من الإنكار إذلال الدين ، وعين الذل صار عزا للمرسلين .
- وإن لم يكن الإنكار قد صدر من كل شرير ، فلماذا ظهرت إذن البراهين والمعجزات ؟ !
- وما لم ينكر الخصم ويكون طالبا للمصداق ، متى يقوم القاضي بطلب الشاهد ؟ !
- والمعجزة بمثابة الشاهد الزكي ، من أجل صدق المدعى ، ومن أجل انتقاء الشك .
 
4365 - ولما كان الطعن يتأتى من كل من هو جاهل، كان الحق يعطى المعجزات، وكان يكرم!!
- كان مكر فرعون أضعاف أضعاف المكر العادي ، وصار بأجمعه ذلًا له وقمعاً .
- لقد أحضر السحرة من صالحين وطالحين ، حتى يقوموا بجرح معجزة موسى عليه السلام .
 
« 367 »
 
- ختى يجعل العصا باطلة ومفتضحة ، ويقتلع اعتبارها من القلوب .
- ونفس ذلك المكر يصير آية لموسى عليه السّلام ، ويرتفع اعتبار تلك العصا واحترامها .
 
4370 - ثم يحضر العسكر من الفجر حول البحر « 1 » ، حتى يقطع السبيل على موسى عليه السّلام وقومه .
- فيصير أمنا لأمة موسى ، ويمضى هو إلى باطن الأرض والصحراء .
- ولو كان قد بقي في مصر ولم يأت ، فمتى كان الوهم يصير زائلا عن بني إسرائيل ؟ !
- لقد جاء ، وألقى بالسبطى في ذوبان " الخوف " ، قائلا له : اعلم أن الأمر سر من أسرار الخوف .
- وذلك هو اللطف الخفي ، أن الصمد يبدي النار ، فتكون النار نوراً .
 
4375 - إن إعطاء الأجر في التقى ليس مخفيا ، لكن انظر إلى أجر السحرة من بعد الخطأ .
- والوصل لا يخفى في الرعاية ، لكنه أعطى السحرة الوصل في القطع .
- ولا يخفى السير بالقدم التي تمضى ، فانظر إلى سير السحرة في قطع القدم .
- والعارفون لذلك دوما آمنون ، ذلك أنهم عبروا بحار الدم .
- لقد ظهر أمنهم من عين الخوف ، فلا جرم أنهم كل لحظة في زيادة .
 
4380 - فهل رأيت أمنا قد اختفى في الخوف ؟ ! فانظر إلى الخوف قد كمن في الرجاء أيها الصفى .
..............................................................
( 1 ) في المتن : حول النيل ، ولا يستقيم .
 
« 368 »
 
- وذلك الأمير يطوف حول عيسى عليه السّلام بمكره وعيسى عليه السّلام في داره يخفى وجهه .
- ويدخل ، حتى يصير متوجا ، يجعل المشنقة تاجا له ، لأنه هو نفسه شييه عيسى عليه السّلام .
- " إنه يصيح " انتبهوا . . . لا تشنقونى ، لست عيسى ، إنني أمير على اليهود ومقبل الخطى .
- فيجاب ، بل أسرعوا بشنقه فهو عيسى ، ومن قوتنا عليه يموه علينا ! !
 
4385 - وكثيرا ما يمضى الجندي على المعمعمة ، ثم يصير زاده فينا وينقلب على رأسه .
- ويمضى التاجر طويلا على رائحة الكسب ، ويظن الوقت عيدا فيحترق كالعود .
- وكثيرا ما حدث الأمر على عكسه في العالم ، يظن أحدهم الشئ سما ويكون عسلا .
- وكثيرا ما حدث أن استسلم جيش لموته ، فتقدمت فيه الأنوار ، وتقدم إليه الظفر .
- وأبرهة جاء مع فيه من أجل ذل البيت ، وحتى يجندل الأحياء ، ويجعلهم أمواتا .
 
4390 - وحتى يخرب حرم الكعبة ، ويجعل الناس جميعا منفضين عنها .
- وحتى يلتف حول كل الزوار ، ويجعل الجميع كعبته هو قبلة .
- وينتقم من العرب انتقاما بشعاً ، متسائلا : لماذا يضرمون النار في كعبتى ؟ !
- ونفس سعيه هذا صار عزا للكعبة ، وصار سبباً في إعزاز ذلك البيت .
 
« 369 »
 
- كان لأهل مكة عز واحد ، فصار مائة عز ، وامتد عزهم إلى يوم القيامة .
 
4395 - وصار هو وكعبة أكثر خسوفاً ، ومم كل هذا ؟ ! من عنايات القدر .
- ومن عناد إبرهة الذي كان كالوحش ، اغتنى فقراء العرب .
- وكان يظن أنه عندما ساق جيشه على سكان البيت ، أنه سوف يستولى على الذهب .
- وفي فسخ العزائم هذا وفي هذه الهمم ، كل قدم متفرجة في الطريق .
- لقد جاء ذلك "البغدادي" إلى منزله فوجد الكنز ، ووجد أمره النظام من اللطف الإلهى «1».
 
تكرار الأخوين النصيحة الأخ الأكبر وعدم تحمله لتلك النصيحة وفراره منها ،
وذهابه مفتونا مسلوب النفس والقائه بنفسه في بلاط الملك دون طلب للإذن بالمثول ،
لكن من فرط العشق وليس من الوقاحة أو اللامبالاة . . . إلى آخره
 
4400 - قالا له : إن في أرواحنا إجابات ، " واضحة " كأنها النجم في السماء .
- وإن لم تخبرك بها ، لما استقام النرد ، وأن أخبرناك بها تألم قلبك .
- إننا كالضفادع تحت الماء إن تحدثت فألم ، وإن سكتت فالاختناق والسقم .
- فإن لم نقل ، فلا نور هناك للسلم ، وإن قلناه ، فلا إذن لنا بقوله .
- فنهض في التو واللحظة قائلا : أيها الأهل الوداع ، ( إنما الدنيا وما فيها متاع ) .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 480 :
- حتى تعلم حكمة الفرد القديم ، وأنه يضع الأمن في الخوف والرعب .
- لقد تذكرت قصة الأمراء ، فأعرني سمع لبك واستمع إلى البيان .
 
« 370 »
 
4405 - وانطلق خارجا كما ينطلق السهم من القوس ، فقد كان المجال ضيقا بالنسبة للكلام آنذاك .
- ودخل ثملا على ملك الصين ، وقبل الأرض " بين يديه " سريعا وبسكر .
- كانت أحوالهم مكشوفة بتفصيلاتها للملك ، أولها وآخرها ، وحزنهم وتزلزلهم .
- إن الشاة تكون مشغولة في مرعاها ، لكن الراعي يكون عالما بحالها .
- " كلكم راع " ، إنه يعلم من القطيع من ترعى ومن تكون في صراع .
 
4410 - وبالرغم من أنه بصورته يكون بعيداً عن ذلك الصف ، لكنه يكون وسط الحفل كما يكون الدف ! !
- إنه واقف على حرقة تلك الوفود ولهيبها ، لكنه كان قد صمت من المصلحة .
- وإن ذلك السامي كان موجودا وسط أرواحهم ، لكنه تجاهل الأمر عامداً .
- إن صورة النار تكون تحت القدر ، لكن معنى النار يكون داخل القدر .
- إن صورتها خارجية ومعناها داخلي ، ومعنى معشوق الروح كالدم في العروق .
 
4415 - لقد ركع الأمير أمام الملك ، وأخذ يشرح أحواله كعشرة من المعرفين .
- بالرغم من أن الملك كان يعرف كل أحواله من قبل ، إلا أنه أخذ يقوم بشرحها .
- إن ذرة من نور العرفان في الداخل ، أفضل من مائة معرف أيها الصفى .
- وإن تسليم الأذن للمعروف ، آية على الحجب والحدس والظن .
- ومن صارت له عين القلب رقيباً ، سوف ترى عينه العيان بذاته .
 
4420 - ولا تقنع روحه بالتواتر ، بل يصله اليقين من عين القلب .
- لقد انطلق المعرف أمام الملك المنتجب في الحديث معرفا بأحواله .
 
« 371 »
 
- قال : " أيها الملك إنه صيد إحسانك ، فاهتم به اهتماما ملكيا إذ لا مفر له منه .
- لقد تعلق بيده بأهداب سرج هذه الدولة ، فامسح بيدك على رأسه الثملة .
- قال الملك : إن كل منصب وإمارة يريدها هذا الفتى فإنه يجدها .
 
4425 - وأهبه هنا ملكا - يبلغ عشرين ضعف الملك ، الذي خرج منه ، ونحن أيضاً على رأسه .
- قال : منذ أن غرست فيه ملوكيتك العشق، متى ترك لهوى السبيل إلى نفسه إلا إلى هواك؟!
- إنه جدير بالعبودية لك ، بحيث فترت الملوكية في قلبه .
- لقد قامر بالملك والإمارة ، واعتاد على الغربة من أجلك .
- إنه صوفي ، ألقى بخرقته وجدا ، حتى يمضى في أثر خرقة أخرى .
 
4430 - فهل يبدي الميل إلى خرقته ثانية والندم عليها ، بحيث يقول : إنني صرت مغبوناً .
- هيا ، أعد الخرقة إلى هذا الصوب ، أيها القرين ، فإن ذلك الذي " يعوضها " لا يساويها ! .
- وبعيد عن العاشق أن يفكر هكذا ، وإن فكر هكذا ليكن التراب على رأسه .
- إن العشق يساوى مائة كخرقة الجسد ، فإن فيه حياة وحساً وعقلًا .
- وبخاصة خرقة ملك الدنيا فهي بتراء ، والسكر " الذي يدفع فيه " خمسة دوانق منه يسبب الخمار !
 
4435 - إن ملك الدنيا حلال على عباد الجسد ، ونحن غلمان للعشق الذي لا زوال له .
- أنه عاملٌ على العشق ، فلا تعزله ، ولا تجعله مشغولًا إلا بعشقه .
 
« 372 »
 
- إن المنصب الذي يجعلني محجوباً عن وجهك ، هو عين العزل ، وفقد المنصب .
- وإن سبب التأخير في المجيء إلى هنا ، كان فقد الاستعداد ، وضعف الفضل .
- فإنك إن مضيت بلا استعداد إلى منجم ما ، فلن تحصل منه على حبة واحدة .
 
4440 - مثل عنين يشترى بكراً ، مهما كانت فضية الصدر ، أي نفع له منها ؟ !
- مثل مصباح لا زيت فيه ولا فتيل ، لا كثير فيه من الشمع ولا قليل .
- أو أن يدخل أخشم إلى روضة ، متى يصير أنفه سعيداً من الريحان ؟ ! .
- مثل حسناء فاتنة في محضر عنين ، وصوت الرباب والعود أمام أصم .
- وكالطائر البرى يدخل إلى البحار ، ماذا يجد منها إلا الهلاك والخسار ؟ !
 
4445 - ومثل الذهاب إلى طاحون بدون قمح ، فلا يكون منها عطاء إلا تبييض اللحية والشعر .
- إن طاحون الفلك تهب من لا قمح لهم ، شعراً أشيب وخاصرة ضعيفة .
- لكن هذه الطاحون تهب من يملكون القمح الملك وتعطيهم الشأن والسلطان .
- فينبغي أن يكون لديك في البداية الاستعداد للجنة ، حتى تتولد لك الحياة من الجنة .
- وأية حلاوة للطفل الرضيع من الشراب والشواء أو من القصور والقباب ؟ !
 
4450 - إن هذا المثل لا حد له فكفاك طلبا للكلام ، فاذهب وقم بتحصيل الاستعداد .
- لقد قعد الأمير حتى الآن من أجل الاستعداد ، وجاوز الشوق الحد ولم يحصل عليه .
- فقال : إن الاستعداد يصل أيضاً من المليك ، وبدون الروح متى يصير الجسد مستعداً ؟
 
« 373 »
 
- لقد طوت ألطاف المليك أحزانه ، لقد مضى ليصيد المليك ، فصار هو صيداً .
- إن كل من سعى من أجل صيد مثلك ، قيد دون أن يقوم بتقييد الصيد .
 
4455 - وكل من صار باحثاً عن الإمارة ، سقط في الأسر دون أن يحصل عليها .
- فاعلم أن صورة ديباجة الدنيا معكوسة ، واسم كل عبد للدنيا سيد الدنيا .
- ويا أيها الجسد المعوج الفكر امض بشكل معكوس ، فقد جعلت مائة ألف حر عبيداً لك .
- واترك هذا المكر فترة من الزمن ، وعش حراً قبل الأجل بضع لحظات .
- وإن لم يكن لك في الحرية طريق كالحمار ، ولم يكن لك سيرٌ إلا في البئر كالدلو .
 
4460 - امض فترة من الزمن ، واترك روحي ، امض وابحث عن رفيق سواي .
- لقد انتهى دورى ، فحررنى واجعل غيرى لك صهراً .
- ويا أيها الجسد المشغول بمائة عمل اتركنى ، لقد سلبت عمرى فابحث عن شخص آخر .
 
افتتان القاضي بامرأة جحا وبقاؤه في صندوق وشراء نائب القاضي للصندوق ،
ثم مجىء زوجة جحا في السنة التالية للقيام بنفس اللعبة السابقة وقول القاضي لها ،
لا ، اتركينى وابحثى عن آخر . . . إلى آخر القصة
 
- كان جحا كل عام بتأثير الفقر يلتفت إلى امرأته بذكاء قائلًا : أيتها المرأة الفاتنة ؛
- ما دام السلاح معك ، اذهبي وصيدى صيداً ، حتى نحلب من صيدك اللبن .
 
« 374 »
 
4465 - فمن أي شئ وهبك الله إذن قوس الحاجب وسهام اللواحظ وشبكة الكيد إلا من أجل الصيد ؟ !
- إمضى وضعي شباكك لطير سمين ، أظهرى الحب ، لكن إياك أن تجعليه يأكله .
- أظهرى منك الرغبة ، ثم رديه خائباً ، فمتى يلتقط الحب ما دام قد صار أسير الشبكة ؟ !
- ومضت المرأة نحو القاضي شاكية ، قائلة : لقد ضاق صدري من زوج شديد التلون .
- فاختصر القصة ، فان القاضي قد صار صيداً من مقال تلك الحسناء ومن جمالها .
 
4470 - فقال لها : إن المحكمة مليئة بالصخب ، ولا أستطيع فهم هذه الشكوى .
- فلو تأتيني في خلوة أيتها السروة الممشوقة ، وتشرحين لي ظلم الزوج لك « 1 » .
- قالت : إن منزلك كثير المترددين من كل صالح وطالح من أجل الشكوى .
- وعندما يكون منزل الرأس مليئاً بالرغائب ، يكون الصدر مليئاً بالوساوس والضجيج .
- ولقد استراحت بقية الأعضاء من الفكر ، وتلك الصدور قد اهترأت من الأفكار التي ترد إليها « 2 »
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 496 :
- فافهم هذا الأمر جيداً وأعطيه جزاءه ، بما يقتضيه الحق فلا تحزني من ذلك 
- وبصير حالك معلوماً لي ، وأجعل زوجك أليفاً لا عتو لديه .
( 2 ) ج : 14 / 496 :
- مثل الغصن من الثمار والأوراق القديمة ، يصير خالياً حتى يعمل أمر " كن " 
- ومن خلف هذا القدم تصل أوراق وثمار من الغيب دون أدنى ريب .
 
« 375 »
 
4475 - فاهرب في الخريف وفي ريح خوف الحق ، ودعك من تلك الشقائق التي كانت بالأمس .
- فإن هذه الشقائق مانعة للبراعم الطالعة ، التي تنمو شجرة القلب من أجلها .
- وأهرب بالنوم من هذه الأفكار ، وارفع رأسك من النوم لتجد نفسك في يقظة .
- ومثل أصحاب الكهف أيها السيد ، امض سريعاً إلى إيقاظ تحسبهم رقود .
- فقال " القاضي " أيتها الحسناء ما هو المعتاد ؟ قالت : إن منزل صاحبتك خال تماماً .
 
4480 - لقد ذهب الخصم إلى القرية ، والحارس أيضاً غير موجود ، وهو مسكن حسن جداً من أجل الخلوة .
- فتعال الليلة - إن أمكن - إلى ذلك المكان ، فأن عمل الليل لا سمعة فيه ولا رياء .
- وكل الجواسيس يكونون سكارى في خمر النوم ، وزنجي الليل قد ضرب أعناق الجميع .
- وتلت على القاضي تعاويذ عجيبة ، من تلك الشفة الحلوة وناهيك بها من شفة .
- لقد وسوس إبليس لآدم كثيراً ، وعندما قالت له حواء : كل ، أكل .
 
4485 - وأول دم " أريق " في دنيا الظلم والعدل ، وقع من يد قابيل من أجل امرأة .
- وعندما كان نوح يصنع شواء على مقلاه ، كانت "وأهلة" زوجة تلقى بالحجر على المقلاة.
- وكان مكر المرأة يتغلب على عمله ، فكانت تكدر ماء وعظة الصافي .
 
« 376 »
 

- فكان ينقل إلى قومه رسالة في السر ، قائلًا : احفظوا الدين من أولئك الضالات « 1 »

ذهاب القاضي إلى منزل امرأة جحا ودق جحا الباب بغضب وهروب القاضي

إلى داخل الصندوق . . . إلى آخره
 
- إن مكر المرأة لا نهاية له ، لقد ذهب القاضي الأريب إلى المرأة من أجل الدّب .
 
4490 - وأعدت المرأة المجلس بشمعتين وبالنقل، فقال : نحن سكارى دون أن نشرب «2»
- وفي هذه اللحظة جاء جحا ، وبحث القاضي عن مهرب يختفى فيه ؛
- فلم ير خالياً إلا صندوق ، فذهب ذلك الفتى من خوفه داخل الصندوق .
- ودخل جحا وقال أيتها الرفيقة ، يا وبالًا على في الربيع وفي الخريف .
- ماذا أملكه وليس فدى لك بحيث تشتكين منى في كل لحظة « 3 » ؟ !
 
4495 - فأطلقت لسانك على إملاقى ، حيناً تسميننى بالمفلس وحيناً بالديوث .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 497 :
- وكان للوط امرأة كافرة ، ولا شك أنك قرأت قصة تلك الفاجرة 
- ويوسف من كيد زليخا الشابة بقي في السجن ممتحنا 
- وكل بلاء تراه عيانا في الدنيا يكون من شؤم امرأة في كل مكان .
( 2 ) ج : 14 / 502 :
- وعندما جلسا معاً ساعة من الزمن ، حتى يستريحا في الخلوة 
- وعندما جلس إلى جوار المرأة ليبلغ مراده ، صارت روحه الحزينة فرحة ،
( 3 ) ج : 14 / 502 :
- لقد قال أحدهم أنك ذهبت إلى القاضي ، وقلت في حقي ما لا يقال .
 
« 377 »
 
- فإذا كانتا في هاتان العلتان يا روحي ، فالأولى منك والثانية من الله .
- فماذا املكه غير هذا الصندوق ليكون أساساً للاتهام وأساساً للظن .
- فالخلق يظنون أنني أخفى فيه ذهباً ، ويحبسون عطاياهم عنى من هذه الظنون .
- أن شكل الصندوق جميل جداً ، لكنه خال تماماً من المتاع ومن الفضة والذهب .
 
4500 - مثل جسد المشعوذ جميل ذو وقار ، لكنك لا تجد في تلك السلة التي معه إلا الثعابين .
- وعلىّ أن أحمل الصندوق غداً إلى الحي ، وأحرقه وسط الميدان .
- حتى يرى المؤمن والمجوس واليهودي ، أنه لا يوجد في هذا الصندوق سوى اللعنة .
- فقالت المرأة ، هه ، دعك من هذا أيها الرجل ، فأقسم بالأيمان المغلظة أنه لن يفعل سوى هذا « 1 » .
- وفي الفجر أحضر حمالًا وكأنه الريح ، ووضع ذلك الصندوق سريعاً على ظهره .
 
4505 - والقاضي داخل الصندوق يصيح من النكال : أيها الحمال . . . أيها الحمال .
- ونظر الحمال ذات اليمين وذات اليسار ، متسائلًا : ترى من أين يأتي الصوت والنداء ؟
- أهذا الذي يدعوني هاتف ؟ يا للعجب ، أو تراه جنى يطلبني في الخفاء ؟ !
- وعندما استمر ذلك الصورت وزاد ، قال : إنه ليس هاتفاً وعاد إلى وعيه .
- ثم علم في النهاية أن هذا الصوت والصراخ ، كان من الصندوق ، وأن شخصاً اختفى في داخله
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 502 : وشد وثاق الصندوق بحبل على الفور ، وتظاهر بأنه سكران تماما .
 
« 378 »
 
4510 - والعاشق الذي مضى في حزن معشوقه ، بالرغم من أنه خارج الصندوق ، إلا أنه داخله .
- لقد قضى العمر في صندوق من الأحزان ، ولم ير من الدنيا كلها سوى صندوق .
- وتلك الرأس التي لا تكون فوق السماء هوساً ، اعتبرها موجودة في صندوق ! !
- وعندما يخرج من صندوق البدن ، يخرج من العمى ويمضى صوب قبر .
- وهذا الكلام لا نهاية له ، قال له القاضي : أيها الحمال ، يا حامل الصندوق !
 
4515 - أخبر نائبى الآن بأحوالى كلها سريعاً ، وهو داخل المحكمة ! 
- حتى يشترى هذا الصندوق بالذهب من هذا المجنون ، ويحمله إلى منزلي وهو مغلق كما هو .
- فيا الله هيىء لنا قوماً من ذوى الأرواح ، يشروننا ثانية من صندوق البدن .
- ومن يشرى الخلق من قيد صندوق الوساوس إلا الأنبياء والمرسلون .
- ومن بين الآلاف هناك واحد حسن النظر ، يعلم ما هو موجود داخل الصندوق « 1 » .
 
4520 - يكون قد رأى الدنيا من قبل الآن ، حتى يصير له برؤية هذا الضد ، ضدها عياناً .
- ولهذا السبب فان العلم ضالة المؤمن ، والعارف ضالة نفسه فهو موقن .
- وذلك الذي لم ير قط يوماً بهيا ، متى يصاب بالقلق من هذا الإدبار ؟
- فإما انه وقع في الأسر منذ طفولته ، أو أنه ولد من أمه عبداً .
- لم تذق روحه لذة الحرية ، فصندوق الصور هو ميدانه .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 503 :
- فاعلم أمارات ذلك الذي يعلم ، وهو أنه يهلع دائماً من روح هذه الدنيا .
 
« 379 »
 
4525 - دائماً ما يكون عقله محبوساً في الصور ، فهو يمر من قفص إلى قفص .
- ولا منفذ له من القفص صوب العلا ، فهو يمضى في الأقفاص من مكان إلى مكان .
- وفي القرآنإِنِ اسْتَطَعْتُمْ. . .فَانْفُذُوا، لقد خوطب الإنس والجن بهذا الكلام منه هو .
- قال : لا منفذ لكم من الأفلاك ، إلا بسلطان وبوحي من السماء .
- فإذا كان يمضى من صندوق إلى صندوق ، فهو ليس سماويا ، لكنه منسوب إلى الصندوق .
 
4530 - ومشاهدة الصندوق أو لا بأول تصيب بالسكر ، ولا يدرك شيئاً ذلك الموجود داخل الصندوق .
- فإن لم يكن مغرورا بهذه الصناديق ، يكون كالقاضي يرغب في الإفراج والنجاة .
- والذي يعلم هذا اعلم إن أمارته ، أنه لا يكون مقلعاً عن الصراخ وعن إبداء الرعب .
- ويكون كالقاضي في رعدة دائماً ، ومتى تأتى لروحه لحظة من السرور « 1 » ؟ !
 
مجىء نائب القاضي وسط السوق وشراء الصندوق
من جحا ، إلى آخره
 
- جاء النائب وسأل : بكم الصندوق ؟ ! فقال : أنه يثمن بما يزيد عن تسعمائة دينار ذهبي .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 504 :
- قال الحمال فرحاً لعابر سبيل ، اذهب لمحكمة القاضي كالريح 
- واخبر نائبه ان ثمة واقعة ، وان القاضي على رأسه القارعة 
- أترك العمل وتعال هنا سريعاً ، واشتر منه الصندوق مغلقاً 
- وعندما مضى الرسول وأدى الرسالة ، كل من سمع منه هذا تحير 
- الخلاصة أنه نقل خبر حامل الصندوق ، لنائب القاضي حسن وعن حزنه .
 
« 380 »


4595 - وأنا لن أنزل عن الألف ، فإذا كنت مشترياً ، افتح كيسك ، وادفع .
- قال له اخجل يا قصير اللباد ، إن قيمة الصندوق في حد ذاته واضحة تماماً .
- قال : إن الشراء دون معاينة فاسدٌ في حد ذاته ، ولا يصح أن يكون بيعنا في الخفاء .
- فافتحه ، وإن كان لا يساوى لا تشتره ، حتى لا تغبن أيها الأب .
- قال : يا ستار ، لا تفضح السر ، سأشتريه مغلقاً ، فتفاهم معي .
 
4540 - واستر حتى يستر الله عليك ، وما لم تر أمنا ، لا تضحك على أحد .
- إن كثيراً من أمثالك بقوا داخل هذا الصندوق ، ووضعوا أنفسهم في البلاء .
- إن ما يكون طلبه مقبولًا لديك من تعب وأذى ، افعله مع الآخرين « 1 »
- ذلك أن الحق بالمرصاد فهو مترصد ، وهو يعطى الجزاء قبل يوم الدين .
- وعظيم العرش ، عرشه محيط ، وعرش عدله مبسوط على كل الأرواح .
 
4545 - وإن زاوية عرشه متصلة بك ، فحذار لا تحرك اليد إلا بالدين والعدل .
- وكن مراقباً لأحوالك وانظر إلى الشهد في العدل وإلى الوخز في الظلم « 2 »
- قال : نعم ، إن ما أفعله ظلم ، لكن أعلم أيضاً أن البادى أظلم .
- قال النائب ، إننا البادئون واحداً واحداً ، ونحن في سرور مع سواد وجوهنا .
- مثل الزنجي الذي يكون متهللًا وسعيداً ، فهو لا يرى وجهه لكن غيره يراه .
 
4550 - لقد طالُ الأمر في الفصال والمساومة ، فأعطاه مائة دينار وأخذه منه .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 512 :
- وما تجيزه لنفسك من خير ومن شر افعله دائما مع الآخرين 
- وما لا تقبله لنفسك من نفع وضر لا تقبله على أحد آخر يا عديم الفضل .
( 2 ) ج : 14 / 512 :
- إذن فهنا يكون جزاء الخير والشر يصل إلى كل إنسان عندما ينظر جيداً 
- وذلك الجزاء الذي يصل يوم الدين ، لا يشبه هذا ، فانظر جيداً 
- يكون الجزاء هناك بلا حد ولا عد ، وتكون النار وجهنم مكاناً لغير الجدير
 
« 381 »
 
- وأنت كل لحظة في الصندوق يا راضياً بالشر ، ويشتريك الهاتفون وأهل الغيب « 1 » .
 
في تفسير هذا الخبر عن المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم إذ قال : [ من كنت مولاه فعلى مولاه ] فاعترض المنافقون وقالوا : لم يكفه أن نصير له تبعاً مطيعين ويأمرنا أيضاً بأن نتبع طفلًا ملوثاً بالمخاط . . . إلى آخره
 
- ولهذا السبب سمى الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم ذو الاجتهاد نفسه وعليا باسم المولى .
- قال : كل من أكون له مولى وحبيباً ، فابن عمى على مولاه أيضاً .
- فمن هو المولى ؟ إنه هو الذي يحررك ، وهو الذي يضع الأغلال عن قدمك .
 
4555 - وما دامت النبوة هادية إلى الحرية ، فالحرية تكون للمؤمنين من الأنبياء .
- فاسعدوا يا جماعة المؤمنين ، وتحرروا كالسرو والسوسن .
- لكن داوموا في كل لحظة على شكر الماء بلا لسان كالروضة جميلة الألوان .
- فبلا لسان تردد أشجار السرو والمروج شكر الماء وشكر عدل الربيع في أوله ! !
- فهي مرتدية الحلل ، باسطة أذيالها ، ثملة ، راقصة ، سعيدة ، ناثرة للعنبر .
 
4560 - فأعضاؤها عضوا عضواً حاملٌ من ملك الربيع ، وأجسادها كالأدراج مليئة بدر الثمار .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 513 :
- واعلم يقيناً إنك أسير وعبد ، ذلك أنك بقيت في صندوق الأحزان
- وكل ما صرت عبداً له من خير أو شر ، كل منها صار عليك كصندوق
- وما لم تتحرر منها كلها ، متى يصير قلبك فرحاً أيها الحبيب ؟
 
« 382 »
 
- إنها على مثال مريم حامل في المسيح دون بعل ، صامتة لا تنبس بهذر ، أو كلام فصيح .
- إن ثمرنا قد سطع سعيداً دون نطق ، وكل لسان وجد النطق من بهائنا .
- ونطق عيسى عليه السّلام يكون من بهاء مريم ، ونطق آدم عليه السّلام شعاع لذلك النفس .
- وحتى يزداد الشكر أيها الثّقات ، هناك أذن نبات آخر في نبات .
 
4565 - وانعكاسه هنا : ذل من قنع ، وفي ذلك الطور عز من طمع .
- فلا تمضى في جوال نفسك كثيراً ، ولا تكن غافلًا عن الذي يشرونك « 1 » .
 
عودة امرأة جحا إلى محكمة القاضي في السنة التالية على أمل الظفر
بمبلغ السنة السابقة وتعرف القاضي عليها . . . إلى آخره
 
- وبعد سنة التفت جحا ثانية في تأثير المحن إلى زوجته وقال لها : أيتها المرأة الماهرة ؛ 
- هيا وجددى راتب السنة الماضية ، وهيا وتحدثى إلى القاضي شاكية إياي .
- ودخلت الزوجة إلى القاضي مع النسوة ، وجعلت امرأة أخرى تتحدث عنها .
 
4570 - حتى لا يعرفها القاضي من صوتها ، ولا يتذكر ما وقع به من بلاء في الماضي .
- إن لحاظ المرأة ذات المعنى فتنة ، لكن ما يحدث من صوت المرأة أضعاف أضعافها .
- ولما لم تكن تستطيع رفع صوتها ، فان نظرة المرأة وحدها لم تجد نفعاً .
- قال القاضي : امضى واحضرى خصمك ، حتى أصلح ما بينكما .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 519 - حتى لا تبقى مضطرب الحال منها ، هكذا أمر بذلك يا صاحب القلب .
 
« 383 »
 
- وجاء جحا ، ولم يعرفه القاضي سريعاً ، لأنه عند اللقاء به كان في الصندوق .
 
4575 - كان قد سمع صوته من خارج " الصندوق " ، عند الصفقة ، وعند الفصال .
- سأله : لماذا لا تعطى المرأة نفقتها بالتمام ؟ ! أجاب : إنني غلام بروحى لما تأمر به الشريفة .
- لكني لو مت لا أجد الكفن ، وأنا مفلس في هذه اللعبة ، بل وكل ما آتى به فيها خمسة " نقاط " أو ستة !!
- فلعل القاضي عرفه عندما تحدث، فتذكر ذلك المكر، وذلك التلاعب به.
- قال : لقد لعبت هذه الخمسة وهذه الستة معي في السنة الماضية، وحبستني في " الخانات " الستة.
 
4580 - ولقد ذهب دورى ، فالعب هذا العام ذلك القمار مع شخص آخر ، وارفع يدك عنى .
- لقد صار العارف منفصلًا عن الخمسة والستة ، واحترز من اللعب بالنرد خمسته وستته .
- لقد نجا هو من الحواس الخمسة والجهات الستة ، وجعلك عارفاً بما وراء هذا كله .
- وصارت إشاراته هي إشارات الأزل ، " جاوز الأوهام طر واعتزل " .
- فإذا لم يكن خارج هذا البئر ذي الجهات الستة، فكيف يخرج " يوسف " من داخله؟
 
4585 - فهو وارد في أعلى الفلك الذي بلا عمد ، وجسمه كالدلو محتالٌ في البئر .
- لقد تشبث أمثال يوسف بدلوه فنجوا من البئر ، وصاروا ملوكاً على مصر .
 
« 384 »
 
- إن الدلاء الأخرى باحثة عن البئر عن المياه ، ودلوه فارغ من الماء ، باحث عن الصحاب .
- والدلاء تغوص في المياه من أجل القوت ، ودلوه قوت لروح الحوت وحياة له .
- والدلاء متصلة بالفلك العالي ، ودلوه بين إصبعين قويين .
 
4590 - فما الدلو؟ وما الحبل! وما الفلك ؟! إن هذا المثال ركيك جداً أيها الأخ.
- وكيف أضرب مثلًا خالياً من الركاكة وكفوه لم يكن ولا يكون .
- فمئات الآلاف من الرجال مضمرون في رجل واحد ، ومائة قوس وسهم مدرجون في سن واحد .
- وما رميت إذ رميت من قبيل الفتنة ، ومئات الآلاف من البيادر في حفنة واحدة .
- وشمس مختفية في ذرة واحدة ، وفجأة تفتح تلك الذرة فاها .
 
4595 - وتصبح الأفلاك والأرض ذرة ذرة ، أمام تلك الشمس عندما تظهر من مكمنها ! ! .
- ومثل هذه الروح متى تصير جديرة بالجسد ؟ ! هيا وانفض أيها الجسد كلتا يديك من هذه الروح .
- ويا آلاف من أمثال جبرئيل " موجودون " في بشر ، ويا أمثال المسيح ، مختفون في قطيع من الحمر « 1 »
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 540 :
- ويا كليم الله مختفياً في لباد ، واقف من الخوف وناج من القيد والسوء .
- ويا حبيب الله مختفياً في غار البدن ، وكنز رباني مختف في جسد حية .
 
« 385 »
 
- ويا آلاف من أمثال الكعبة مختفية في بيعة ، ويا ملق للشيطان ولإبليس في الخطأ .
 
4600 - أموضع لسجود اللامكان في المكان ، أليس لأمثال إبليس منك بضاعة كاسدة ؟
- حين قال : كيف أحترم هذا الطين ؟ ! وكيف أعطى لصورة لقب الدين ؟ !
- إنه ليس صورة فحك عينيك جيداً ، حتى ترى أضواء نور الجلال .

 .
* * *
شرح قصة الشخص الذي دلوه على كنز في مصر وبيان تضرعه من الفقر في حضرة الحق
( 4220 - 4230 ) : الحكاية الواردة هنا أرجعها فروزانفر ( مآخذ / 220 ) إلى كتاب عجايب نامه الذي ذكر انه من مؤلفات القرن السادس ولم يذكر اسم مؤلفه ، والهدف من الحكاية هو ما يدق عليه مولانا في الأبيات السابقة أن هدف العاشق لا يوجد إلا داخله ، وأن السير إنما يكون للوصول إلى هذا الدخل ، وها هو الوارث الذي يتلف ميراثه ، لأنه لم يتعب فيه يئن إلى الله تعالى " وكل من في السجن عابدون " ، هكذا ، وكأنه النادي ، عندما يفرغ يئن ، وينسب قولا إلى الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم منسوب في كتب الصوفية إلى أبى طالب المكي : " مثل المؤمن كمثل المزمار لا يحسن صوته إلا بخلاء بطنه " ( استعلامى 6 / 433 ) .
 " وبين الإصبعين " ،
 
« 632 »
 
إشارة إلى الحديث النبوي الشريف : [ قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء " ( انظر شروح البيت 3562 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ومن بكاء هذا الوارث الذي أفلس ودموعه لجناب الحق فما دينه وإيمانه .
 
( 4231 - 4251 ) : يتحدث مولانا عن دور الدعاء في القرب من جناب الحق مهما تأخرت الاستجابة ( الاستجابة في الحقيقة قرينة الدعاء ، انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 189 - 196 وشروحها ) وتأخير الاستجابة يكون من أجل أن الله تعالى يسير من دعاء عبده المؤمن ، ويحبه دائما على بابه . عن أبي عبد الله قال : إن العبد ليدعو فيقول الله تعالى : قد استجبت له ، ولكن احبسوه بحاجته فإني أحب صوته وإن العبد ليدعو فيقول الله تبارك وتعالى :
عجلوا له حاجته فإني أبغض صوته " ( عن جعفري 14 / 463 ) .
 
( هناك صورة أخرى في الكتاب الثالث ، أن الله تعالى لم يبتل فرعون بأدنى ألم حتى لا يسمعه يتضرع إليه ، انظر الأبيات 200 - 204 ) كما روى حديث في هذا المجال ، قال صلى اللَّه عليه وسلّم [ إذا أحب الله عبدا ابتلاه ليسمع تضرعه ] ( جامع 1 / 16 ) .
 
ويقدم مولانا عددا من صور الواقع المعاش أجملها صورة مشترية الخبز الجميلة التي يؤخرها الخباز بينما يصرف القبيحة .
 
( 4252 - 4254 ) : عودة إلى قصة الفقير الذي أتلف ميراثه وأخذ في الضراعة ، ويدق مولانا على حتمية استجابة الدعاء من قبل الله تعالى ، ما دام العبد صادقا فيه مقيما عليه " فمن دق الباب ولج ، ولج " ، ومن دق هذا الباب يجد مائة ربيع في انتظاره ، المهم أن يصحح النية ، ويقبل على التوبة والإنابة " فإن الذنوب هي التي تؤخر الاستجابة " كما يقول سنائى .
 
( 4269 ) : الشواهد المذكورة في العنوان :وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ( البقرة / 216 ) . وسَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً( الطلاق / 7 ) وإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً( الشرح / 6 ) و " اشتدى أزمة تنفرجى " ( انظر شروح البيت 2271 من الكتاب الخامس ) .
 
« 633 »
 
( 4288 - 4294 ) : الحديث رواه أحمد والترمذي عن الحسن رضي الله عنه [ دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة ] ( مولوى 6 / 578 ) ويسوق مولانا أحاديث عن الصدق وكيف أن ذلك الفقير الذي قبض عليه العسس بتهمة اللصوصية نجا ببركة صدقه ، إن الصدق في القلب بمثابة العود يفوح من حرقة القلب ويدركه اللهم إلا قلب فيه علة أو فيه .
غرض ، إن الدعاء الصادق من قلب الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم أصاب هدفه من القمر فانشق ( انظر الكتاب الأول البيت 118 ) .
 
( 4295 - 4300 ) : يواصل مولانا حديثه عن الكلام والحديث : فحديث ينطلق من جهنم القلب الذي لا إيمان فيه ، ويأتي على صورة ألفاظ ، وحديث ينطلق من مدينة الروح ، من عالم الغيب فيثبت في حي الشفة ، في باطنها على ساحل بحر الغيب ( عندما أقول الشفة فإنني أقصد ساحل البحر ، البيت 1769 من الكتاب الأول ) ( استعلامى 6 / 435 ) ( لب بالفارسية شفة وساحل )
 
وباطن الإنسان عالم الغيب يزيد الروح وينعشها وهذه الدنيا بحر متلاطم ملىء بالجراح والمصائب وكوارث " ، وهذا الساحل " الشفة " ساحل بحر الغيب برزخ بين هذا العالم وذلك العالم ، وانظر إلى قول الله تعالى في سورة الرحمن : مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ ( الرحمن 19 ، 20 وانظر الكتاب الأول البيت 298 ) ،
هذه الشفة وهذا الساحل مثل قافلة تنتقل بين المدن ، تأتيها المنافع من كل ناحية ، ومن ثم فهذا البرزخ الذي هو موضع اللقاء بين العالمين الروحي والمادي بمثابة السوق الذي يعرض فيه كل إنسان قيمته ( قيمة الكلمة والمبدأ والمعتقد وكل مقومات الشخصية )
فهناك بضاعة النشال " يقمشها من هنا وهناك ويزيفها وكل همه بلبلة الأفكار " ، وهناك بضاعة أخرى من الدر الفريد در التوحيد والإيمان وعالم الطهر ، فهي للأول دار للذنوب وهي للآخر موطن للربح ، وكل بقدر ما يريد ، وكل إنسان بقدر همته ، وبقدر فهمه ، وبقدر خبرته في هذه التجارة .
 
( 4301 - 4305 ) : إن العالم متسع أمامك ، وكل أجزائه من الممكن أن تقربنا من المعرفة
 
« 634 »
 
أو تبعدنا عنها فهي إما قيد ومانع وسد بالنسبة للغبى الذي لا يستطيع أن يفهمه حق الفهم ويعرفه حق المعرفة ، وهكذا ، فمن الممكن أن يكون سما لأحدهم وسكرا لآخر ، قهراً لأحدهم ولطفاً لآخر ، متحدثوها صامتون أمام أحدهم فلا يفهم عنهم شيئاً ونطقهم وصمتهم سواء بالنسبة له ، وجماداتها متحدثة أمام من يريد الله له الخير ،
( أنظر الحديث الجمادات إلى الأنبياء في الكتاب الثالث الأبيات 1008 - 1022 وشروحها وعن الجمادات في الكتاب الرابع الأبيات 2412 - 2422 وشروحها )
 والكعبة تشهد للحاج ، والمسجد يشهد للمصلى ويَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها، ولم لا ، ألم يحدث هذا ؟ ألم يميز الجماد ؟
الريح تهلك قوم عاد وينجو المؤمن ، والنيل يصير دما لآل فرعون ماءً زلالًا لقوم موسى وقد مر كله وحدثتك عنه .
 
( 4306 - 4315 ) : تقول يا حسن حسام الدين ( وليس أي شخص كما يقول استعلامى 6 / 436 ) أننا ذكرنا هذه الفكرة عدة مرات ، وماذا في هذا ؟ ! لكن لا أمل من بيان هذه الأفكار فأنا أشتاق كثيراً إليها ومن ثم أبينها ، وكيف يتأتى الملال من غذاء الروح ولا يتأتى الملال من غذاء الجسد ؟ ألست كلما تجوع تأكل نفس الخبز ونفس أنواع الطعام فلماذا لا تمل ؟
الجوع هو الذي يجدد الطعام القديم أمامك ، والشوق هو الذي يجدد المعاني القديمة أمامك به تتجدد أعضاؤك ، أترى لذة الطعام من الطعام ، إن لذتك من الجوع وليست من الطعام ، والمختوم لا يتمتع بلذة أي طعام ( انظر عن الملال والتخمة في الطعام والأفكار الكتاب الثالث 2679 - 2701 وشروحها ) ،
 
أتراك تمل من حديث الروح وعالم المعاني وأنت لا تمل من السعي في هذه الدنيا والمساومة فيها ولا تمل من الغيبة وأكل لحوم الناس ، أم تراك نسيت الكلام الذي تقوله وتعيد فيه وتزيد بنفس الحماس وأنت " تصيد " أنثى لتأخذها بين أحضانك ؟ ! !
إنك في المرة الأخيرة كنت أكثر حماساً منك في المرة الأولى ، لماذا لم تمل إذن من ذلك ؟ .
 
( 4316 - 4326 ) : يعود مولانا إلى الحديث عن متطلبات الباطن وأشواقه والتي يعبر عنها
 
« 635 »
 
بالألم ، ولعل مولانا هنا سبق الأفكار المعاصرة التي تقول أن الألم هو منبع الإبداع ، إن الألم هو الذي يجعلك تستخدم العلاج القديم ويبدو لك جديداً ( كل عملية إبداع تجدد المبدع ) ، وإذا كان الألم هو دليلنا ، فلماذا تشكو من هذا الدليل ( انظر حديقة الحقيقة الأبيات 4543 - 4548 والأبيات 6044 - 6046 وشروحها )
لكن عندما تشعر بالألم ، عليك أن تكون حذراً في اختيار الدواء ، لا تختر دواءً عشوائياً يدمرك وأنت لا تدرى أنك تبتعد عن الشفاء ، وما أشبه هذا الدواء العشوائى بالماء الملح يصرفك عن الماء الحلو ولا يروى ظمأك ، وما أشبهه بالعملة الرديئة التي تطرد العملة الصحيحة من السوق ، لقد خدعك هذا الدواء الخادع ، عندما قال لك : سوف أمحو ألمك ، وهو في حد ذاته ألم ، إهرب إذن من هذه الأدوية الكاذبة ، واحتفظ بالألم ، واحتضنه بعشق ( انظر البيت 3755 من الكتاب الثالث ) .
 
( 4336 - 4344 ) : تؤكد هذه الأبيات المعنى الذي أشرنا إليه آنفاً ، كنوزنا موجودة داخلنا ومع ذلك نشقى شقاءً لا حد له ، ونسعى ونلهث طوال حياتنا في سبيل الحصول على غير ما هو موجود متناسين بالفعل وغافلين عما هو موجود لدينا بالفعل ( انظر لتفصيل الفكرة الكتاب الرابع الأبيات 2540 - 2554 وشروحها ) ، لقد كان هذا الألم ، وكان هذا الصفع والتحقير والاتهام صعوداً لي في الحقيقة ، وهبوطاً لك ، فلو انك أيها الشرطي سعيد لحصلت أنت على هذا الكنز ، وما كانت أشد تعاستى لو كان هذا الأمر معكوساً .
 
( 4345 - 4349 ) : الدرويش الفقير وإن لم يعرفه أحد ، فإنه يعرف نفسه " إن لم تكن شديد الشهرة في البلاد ، فلست بالقليل والله أعلم بالرشاد ) فما قيمة أن يعرف الناس كلهم المرء وهو لا يعرف نفسه ؟ !
ومعرفة النفس هي المقدمة لمعرفة الرب " من عرف نفسه فقد عرف ربه " ، أتراني إذن أحمق أيها الشرطي ، ولن أرد فبدلًا من اللجاج والخصومة آتاني الإقبال خيراً مما آتاك ، وإلا فقد أعطاني عطية عقلي الذي دفعني إلى الخروج من بغداد والسعي الذي جعل الكنز من نصيبي " والناس بقدر عقولهم يرزقون " .
 
« 636 »
 
( 4350 - 4359 ) : في العنوان غرائب إشارات الحق ، أي المواقع التي تجذبنا فيها إرادة الحق إلى طريق في حين أن هذا الطريق لا يفضى إلى المقصود ، ومن أجل أن نفهم أن للحق إرادة تعلو كل إرادة ( انظر البيت 4191 ) ، والتأويلات هي النتائج التي ندركها من غرائب إشارات الحق ، وكل هذه الأمور من تصاريف الحق المعكوسة التي لا تجعل الأمور كما تدل عليها ظواهرها ، ونفس هذا الضلال يقلبه الله سبحانه وتعالى إلى عين الرشد ، وهذا كله لكي لا ييأس مذنب ، ولا يخلو محسن من الخوف ، فطالما يفكر الإنسان في الإرادة الإلهية ، فليس الطريق الذي تسير فيه يفضى بك بالضرورة إلى المقصود ، بل تظل هناك دائماً إرادة الله غالبةوَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَإن الترياق غالباً ما يكون مخفياً في السم ، والله سبحانه وتعالى هو صاحب اللطف الخفي ، وليس مهماً أن يكون ذلك اللطف مرتبطاً بصلاتك ، فكم غفر الله تعالى للمذنبين ، فمن أسمائه الغفور والغفار كما أن من أسمائه اللطيف والكريم .
 
( 4360 - 4399 ) : يدق مولانا على فكرة من الأفكار التي تتكرر كثيراً في المثنوى ، إن عوامل السلب في الدنيا هي التي تساعد في ظهور عوامل الإيجاب وتثبيتها ، كما أن التحدي هو الذي يظهر كثيراً من الأمور الكامنة عند أصحاب العوامل الإيجابية ، ( انظر لا جهاد بلا عدو ولا صبر بلا ميل ولا عفة بلا شهوة ، الكتاب الخامس الأبيات 575 - 581 وشروحها )
 
إذن فلو لا وجود المنكرين والساخرين من الأنبياء لما أظهر الله اجتباءه واصطفاءه لهم ، ولما أجرى على أيديهم البراهين والمعجزات التي هي بمثابة الشاهد ، فإذا لم يكن ثم خصم أو منكر فمتى يطلب القاضي شاهداً ، وكلما كان يزداد إنكار المنكرين ، كانت البراهين والشواهد على صدق النبوة تزداد ، وانظر إلى فرعون الذي كان مكره أضعاف المكر العادي ( انظر الكتاب الثالث 964 - 966 وشروحها )
 
 لولا هذا المكر ما أجرى الله المعجزات على يد موسى عليه السلام ، وبقدر ما كان مكر فرعون كانت معجزات موسى عليه السلام ، ولقفت عصاه كل
 
« 637 »
 
عصى السحرة ، ويسوق موسى قومه هرباً ويتبعهم فرعون وجنوده قاصدين القضاء عليهم فينشق البحر ، وتكون معجزة جديدة له تثبت لبنى إسرائيل الشاكين في رسولهم المرتابين فيه ، كان بنو إسرائيل خائفين من فرعون وجنوده وعنفوانه ، وفروا خائفين ، وفي خوفهم هذا كان الأمن ذاته مطوياً ، وينقل الأنقروى حديثاً قدسياً [ بعزتي وجلالي لا أجعل أمنين ولا خوفين في جوف عبدي إن أمننى في الدنيا أخفته في الآخرة وإن خافنى في الدنيا أمنته في الآخرة " ( 6 - 2 / 463 ) ،
والسحرة الذين يمشون على أقدامهم عندما آمنوا بموسى عليه السلام وقطعت أيديهم وأرجلهم وجدوا الأيدي الحقيقية والأرجل الحقيقية في تقطيع الأيدي والأقدام ، وأبدلهم الله خيراً منها ، والخوف أيضاً يكون مطوياً في الأمن ، والعارفون في أمن طالما كانوا في خوف من الله من أن تزل أقدامهم بعد ثبوتها ويضلهم الله على علم ، انظر إلى ذلك الأمير اليهودي الذي كان يتجسس على عيسى عليه السلام لينقل أخباره إلى اليهودي ، فوضع الله عليه شبه عيسى ، فصلب بدلًا منه : وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ( النساء 151 )
( الرواية مذكورة في تفسير البيضاوي وفي قصص الأنبياء للثعلبي ) ( عن مآخذ فروزانفر ص 221 ) وانظر كيف يفسخ الله العزائم ويقلب الأمور رأساً على عقب ، فالجندى يذهب ليظفر ويغنم فإذا به ينقلب قتيلًا ويكون متاعه فيئاً ، والتاجر يمضى نحو الكسب فيخسر ، وهكذا الأمور تحدث على عكس النتيجة المرجوة منها في هذا العالم ،
وفي هذا يكون إثبات المشيئة الإلهية ، وانظر إلى أبرهة ملك الحبشة يأتي بجنده وفيلته لكي يحطم الكعبة لكي يذهب عزها ويعلى من عز كنيسته ، فما النتيجة ، يتحطم أبرهة وتتحطم فيلته وتزداد الكعبة عزاً ومنعة بعد أن ثبت بالدليل الإلهى أن لها رباً يحميها ، وهكذا يكون فسخ العزائم مثلما حدث في قصة المسافر من بغداد إلى مصر للبحث عن الكنز .
 
( 4400 - 4423 ) : عودة إلى قصة الأمراء الثلاثة : وكرر الأميران النصح بما يوحى بأنهما أكثر معرفة من الأمير الأكبر بالأسرار ، وإن لم يكن هناك ثم إذن بالبوح ، ومن ثم
 
« 638 »
 
فهما كالضفادع إن سكتت تحت الماء فاختناق وإن تحدثت لم تنج من خطر ( مثل فارسي ) ويعرض مولانا هنا باختلاف الأمراء الثلاثة رغم كونهم جميعاً من السالكين في طريق الحقيقة ، تراهم كانوا يريدون البوح له بأن الأمر ليس في يدك وليس بجهدك ، حتى وإن كانا قد فعلا ذلك فإن ذلك الصنف من السالكين لا يقبعون في انتظار التوفيق والعناية والمصادفة وتنتهى أحوالهم دفعة واحدة . لقد ظل عشق الصورة كامنا في قلبه ، ومن ثم رأى أن كماله الروحاني موقوف على إنهاء حياته
 ( جلال الدين همائى : داستان قعلهء ذات الصور ، ص 30 - 31 ) إنه يعلم أنه لن يصل إلا بعد أن يفنى وجوده الصوري ومن ثم يقف وينعى نفسه ودنياهقُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ( النساء / 197 ) .
 
عبارة واحدة وانطلق بعدها كالسهم ، ودخل على ملك الصين ، رمز الخالق عند استعلامى ، ورمز القطب أو الغوث الأعظم أو ولى العصر عند همائى ( ص 29 ) ، وكان الملك يعرف كل شئ عن أحوالهم ، أولها وأخرها ، وحزنهم وتزلزلهم ، وحيرتهم وولههم ، وهل يخفى على الراعي أحوال القطيع ، ما معنى كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ،
وكيف تكون هناك مسؤولية دون علم ومعرفة أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، لقد كان الملك عالما بكل شئ ، لكنه لم يتدخل ، كان صامتا وصمته مصلحة ، يكون حاضرا حضور النار تحت القدر يدفعه إلى الغليان ، وهكذا غليان عاشق الروح ، مخفى في العروق ، وبالرغم من أنه لم تكن هناك حاجة عند الأمير لشرح أحواله المعروفة برمتها عند الملك بنور العرفان ، إلا أنه تركه يتحدث ويستفيض ، " إن الله يحب أن يسمع ضراعة عبده " . ويستفيض الأمير : لقد تعلقت بأهداب سرج دولتك ، فجد على جودا ملكيا .
 
( 4424 - 4437 ) : يعرض الملك أن يهب الأمير ملكا يبلغ أضعاف ملكه ، ولكن عاشق وجه الله لا يعوضه شئ عن شفغه ولو كان ملك الأرض " حسب الواجد إفراد الواحد له " ، ( من أقوال الحلاج عن تذكرة الأولياء ، ص 593 ، عن استعلامى 6 / 443 ) ، ويصور الأمير>
 
« 639 »
 
نفسه صوفيا مزق خرقته وألقى بها في مجلس السماع ، يجمعها بقية الصوفية ولا ترد إليه ، والخرقة هنا هي الجسد ، لقد خرجت عن جسدي ولا أبغى عنها عوضا سواك ، ( في محضر الملك اختفى الحديث عن ابنته تماما وصار الملك نفسه هو المطلوب )
إن الصوفي إن خرج عن خرقته أثناء الوجد إن استردها فإن وجده لا يكون صادقا ، فالعشق في حد ذاته يساوى أن يضحى في سبيله العاشق بمائة جسد لا بجسد واحد ، فما الدنيا ؟ ! وما سكرها ، الذي يسبب الصداع ، وما قيمتها إلا لعباد الجسد ، أي ملك ، إن العزل عن ولاية العشق لا يعدله ملك الدنيا ، والمنصب الدنيوي الذي يجعل المرء معزولا عن وجهك ، هو العزل الحقيقي ! !
 
( 4438 - 4449 ) : يقول الأمير الذي تهور وانطلق إلى بلاط المليك : لقد تأخرت في المجىء إليك والمثول بين يديك واجتلاء حضرتك ذلك لأننى لم أكن جديرا بهذه الحضرة ، " العطايا بقدر القابليات " ، وماذا في يدي والجدارة أيضاً ممنوحة منك ، " القابليات أيضاً هبة منك " ، وكيف آتيك بلا استعداد ؟ !
وأية فائدة تتأتى لي إذا جئتك بلا استعداد وكل فائدة من الدنيا إنما تتأتى من الاستعداد لها ، هل يذهب غير عالم بالمناجم إليها ؟ !
هل يشترى عنين جارية ، هل يضاء مصباح بلا زيت أو فتيل ، هل يدخل أخشم إلى روضة ؟ ! هل تكون حسناء فاتنة في حضرة عنين ؟ !
وكيف يخوض رجل الدنيا بحار المعرفة ؟ ! وكيف يمضى إنسان إلى طاحون دون قمح ؟ !
وماذا يكون حاصله منها إلا أن يبيض شعره وشعر لحيته ؟ !
إن جئناك بالزاد المعنوي وهبتنا الشأن والسلطان الروحي ، لا زلت طفلا صغيرا فأية لذة لي من طعام الكبار ومن متعتهم ؟ !
 
( 4450 - 4462 ) : يقول للأمير : إن هذا الكلام كله لا طائل من ورائه ، فأولى بك أن تذهب وتستعد ، أي استعداد ، لقد قعد للأمير طوال هذه الفترة من أجل أن يستعد ( أي فترة ؟ ! )
لكن هذا الاستعداد ، لم يحدث ، لأن الاستعداد بدوره عطية من المليك ؟ ! وأي صيد للمليك ؟ !
إن من يريد أن يصيد المليك يسقط هو ويصير صيداً ويتكرر هذا التعبير عن مولانا " كل من تراه عاشقا إعلم انه معشوق " ( 1750 من الكتاب الأول ) ،
و " وماذا يكون الحبيب في
 
« 640 »
معناه إلا الحبيب ( انظر 2266 من الكتاب الذي بين أيدينا ) أتريد إمارة العشق ؟ !
أبشر إذن بأنك سوف تسقط أسيرا للعشق ، ولم لا ؟ ! وكل أمور الدنيا معكوسة ، إن كل هؤلاء العبيد للدنيا يسمون سادة الدنيا ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 3000 - 3010 وشروحها ) .
وكن أيضاً أيها الجسد معوج السير ( بعكس رغباتك وشهواتك ) فإنك بسيرك هذا قد استعبدت أرواح آلاف الأحرار ، فاترك هذا المكر إذن ، وعش حرا ، وإن كنت عاكفا على هذا العيش راضيا به ، وكنت كالدلو لا سير لك إلا في البئر ، فدعني ، دع روحي حرة ، وامض وابحث عمن سواي ، هيا لقد انتهى دور إقامتي معك ، لقد سلبت عمرى ، فدعني وابحث عن سواي . . .
 
( 4463 ) : اتركنى وابحث عن آخر ، من هذه العبارة يدخل مولانا جلال الدين في حكاية أخرى ، ظاهرها الهزل لكنها تدور حول نفس المستوى ( لها أصل من ألف ليلة وليلة ، الليالي من 592 إلى 595 ) ( عن فروزانفر ، مآخذ 221 - 226 ) والقاضي في القصة والذي تجرى على لسانه العبارة رمز للروح التي لم تتخلص بعد من كل علائقها المادية ، وامرأة جحا رمز للشهوات الدنيوية .
 
( 4473 - 4483 ) : من الحديث عن الضجة في منزل القاضي ينتقل مولانا إلى الحديث عن الضجة الموجودة في باطن الإنسان ، إن منزل الرأس ملىء بالرغبات والوساوس والمهاوس ، في حين أن بقية الأعضاء ساكنة هامدة ، أما الصدور فقد تعبت وحطمت من الرغبات التي تنتقل إليها ، وخوف الحق : هو الخوف من ألا تقبل أعمال المرء حتى لو قام بفرائض العبودية ، ومن هنا يشبهها مولانا بالخريف وبالرياح ، لكنها على كل حال ملجأ للعبد يستطيع أن يهرب إليه من مهاوس الدنيا ، وشقائق الأمس ، أي نعم الدنيا التي لا دوام لها كزهرة الشقائق ، فهذه الشقائق لا تعيش ، وفي نفس الوقت تفوت الفرصة على تربية الزهور التي تخرج البراعم من شجرة القلب ، فإن هربت منها إلى النوم استيقظت في عالم المعنى ، وعالم المعنى يقظ فتى حي ، بينما تحسبه أنت راقدا معدوما ، وهكذا كان أيضاً أصحاب الكهف تَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ.
 
 
« 641 »
 
( 4495 - 4496 ) : الحوار هنا بين جحا وزوجته ( منقول من حديقة الحقيقة ، الأبيات 11504 - 11506 انظر إليها وشروحها ) .
 
( 4510 - 4513 ) : يتحدث مولانا خارج قصة جحا وزوجته فيتحدث عن من هم داخل الصندوق بالرغم من أنهم يظنون أنهم خارجه ، أي يظنون أنهم أحرار وهم في الحقيقة عبيد ، فالعاشق الموجود في أسر معشوقه يظن أنه خارج الصندوق وهو في الحقيقة داخله ، إنه حبيس داخل أحزانه وهمومه فكأنها صندوق حوله ، ولم ير طوال حياته سوى هذا الإطار الذي يبدو حوله كالصندوق " بالتأكيد يتحدث عن العاشق الأرضي " . وإن ذلك الذي يظل حبيسا لرغباته في هذه الدنيا ولا يطمع إلى آفاق السماوات هو في الحقيقة داخل صندوق ، وخروجه من صندوق البدن يؤدى به إلى صندوق آخر ومن قبر إلى قبر ومن قفص إلى قفص .
 
( 4517 - 4533 ) : يدعو مولانا خارج نطاق الحكاية وبوحي منها ، الله سبحانه وتعالى أن يهبنا قوما من ذوى الأرواح من المرشدين والأولياء يشروننا من صندوق البدن ومن مهاوسه ووساوسه ، ومن بين آلاف البشر قد يكون هناك واحد حسن النظر يستطيع أن يدرك ما وراء هذه القشور ( انظر البيت 1467 من الكتاب الذي بين أيدينا والبيت 673 و 422 من الكتاب الرابع ) إن هذا المجتبى المصطفى لا يكون من هذا العالم بل يكون مخلوقا من الأزل من عهد ألست واطلع ما على هو ضد هذه الدنيا وبالضد عرف الضد ، ومن هنا قيل العلم ضالة المؤمن ، والحديث المروى هو " الحكمة ضالة المؤمن " .
 
نقل جعفري ( 14 / 504 ) عن الإمام علي رضي الله عنه الحكمة ضالة المؤن فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق . لكن هذا العارف أينما يؤمن بنفسه ويوقن في نفسه فهو على ثقة من علمه ولذلك فهو ضالة نفسه ، لا بد لمن يريد أن يضيق من هذا الصندوق أن يكون قد جرب الحرية أن يكون على علم بذلك العالم الذي هو خارج الصندوق ، لكن الذي ولد في الرق لا يعرف سوى هذه الصندوق ، إنه حبيس في


« 642 »
 
أقفاص الدنيا المتعددة ، يمضى من قفص إلى قفص ، ومن ثم فهو يظل حبيسا لا يطمح إلى النفاذ إلى السماء ، فلا سلطان معه ، ولا مرشدين له ، ولا قدرة له ، وإلا فإن الله سبحانه وتعالى قد طلب من الجن والإنس أن ينفذوا من أقطار السماوات والأرض إن استطاعوا يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا ، لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ ( الرحمن / 33 ) ،
وهكذا يظل حبيس الصندوق رهنا به ناظرا إليه عاشقا له فهو لا يعرف سواه لكن الذي لا يغتر ، يكون كالقاضي المذكور في الحكاية تواقا إلى الخروج من هذا الصندوق صارخا كل لحظة : أخرجوني ، يكون مرتعدا في كل لحظة ، ضائقا من هذا الصندوق ومن سجنه فيه .
 
( 4540 - 4551 ) : يتحدث مولانا عن الستر ، إن من يسعى في نصح الآخرين لا بد وأن يكون آمنا على نفسه في البداية متأكدا من أنه لن يفتضح أو أنه لا يرتكب ما يدعو إلى الفضيحة ، وإلا فإنه معرض أيضاً لأن ينطبق عليه الصندوق ، ومن سعى في فضح أخيه فضحه الله ، وينقل الأنقروى ( 6 - 2 / 486 )
إن الله ستار يحب الستر ، كما ينقل : من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله . فالله سبحانه وتعالى بالمرصادإِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ( الفجر / 14 ) ، والله سبحانه وتعالى محيط بكل ما يفعله المرء وبكل الخليقة ، فحذار إذن ، إياك أن تبتعد عن الدين أو ترتكب الظلم ، فالثواب في العدل ، والعقاب في الظلم ، ويجيب جحا : نعم كل هذا كلام جميل ، لكن البادى أظلم . وينقل جعفري ( 14 / 513 ) عن ابن الحجاج عن أبي الحسن " الإمام موسى بن جعفر رضي الله عنه " في الرجلين يتسابان ؟ !
قال البادى منهما أظلم ما لم يعتذر إلى المظلوم " أي أن القاضي الموجود في الصندوق هو البادى بظلم جحا لأنه كان قد هم بالاعتداء على عرضه ، ويجيب النائب : بل ونحن البادئون ، والإشارة بالطبع إلى اتهام النائب لجحا وزوجته بأنهما هما اللذان بدا المؤامرة من أولها ، وقد يقصد أن من يقع عليه الظلم لا يجأر بالشكوى ، فلا بد أن هذا الظلم انتقام من ظلم وقع منه ، ومن هنا
 
« 643 »
 
فكلنا ملوثون ، ومع كل الذنوب التي نرتكبها نحن سعداء مسرورون آمنون نستبعد أن يقع علينا ظلم ، وكلنا في كل لحظة في معرض الخطر والشر والوقوع في الإثم ، والألطاف الإلهية هي التي تشرينا من هذا الزلل ومن هذا الظلم .
 
( 4552 - 4566 ) : من يهديك يكون مولاك بمعنى سيدك ولا أدرى ما مناسبة سوق هذا الخبر الذي لم يثر خبر آخر في الإسلام مثلما أثاره هذا الخبر : حديث غدير خم ، حديث الوصاية والولاية والنص الصريح بالخلافة عند الشيعة ، أما السنة فهم يعترفون بالحديث لكنهم لا يعترفون بأنه يحتوى على كل هذه المعاني ،
والأمر لا يعدو مجرد وصية بعد حجة الوداع بآل البيت الذين يمثلهم علي رضي الله عنه أو على أكبر تقدير بالرجوع في الأمور الدينية والفتيا إلى علي رضي الله عنه بعد انتقال الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم إلى الرفيق الأعلى ،
ومن ثم يضيف مولانا : إن الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم سمى نفسه بالمولى وسمى عليا بالمولى لأن الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم يحط عنك إصرك والأغلال التي في قدمك ،
فالنبوة هادية إلى الحرية ، والنبوة للبشر بمثابة الربيع للنباتات والرياض ، يحييها بعد موتها ، وتصبح الأغصان حاملا بالثمار والخيرات التي تحيى الأرواح مثلما يحييها المسيح عليه السّلام فكأنها في حملها مريم البتول وإنما ينطق عيسى عليه السّلام من بهاء مريم فنطقه تبرئة لها وشهادة بعفافها ، كما أن نطق آدم كان من النفس الإلهى الذي نفخ فيه ،
لكن قمر الأنبياء جميعا سطع بلا نطق ، بعد الخلوة والعزلة والانقطاع عن الناس ، ومن أجل أن تزيدوا الشكر لا تزال المؤائد ممدودة ولا تزال الثمار متزايدة ، وإياكم أن تحتجوا بالحديث [ عز من قنع وذل من طمع ] ،
فإن هذا الحديث يقصد الأمور الدنيوية ، ولكن إياك أن تقنع فيما يختص بأمور الآخرة ، فالذل لمن قنع والغنى لمن طمع واستزاد فيما يقربه من خالقه ، وهذا موكول في ألا تتبع النفس ، وأن تكون متنبها إلى هاتفي الغيب الذين يشرونك .
 
( 4577 - 4578 ) : يدور الحديث هنا بين جحا والقاضي بمصطلحات لعبة النرد .
 
( 4581 - 4602 ) : انتقال من الخمسة والستة " في زهر النرد " بين القاضي وجحا إلى
 
« 644 »
 
العارف الذي نجا من قيد الخمسة " الحواس " والستة " الجهات " ، وبذلك جعلك عارفا بما وراء هذه الخمسة وهذه الستة ، ولم يكن ذلك من كثير سياحة أو كثير دراسة ، بل لأنه جاوز الأوهام واعتزل ، ومن هنا فإن إشاراته أصبحت إشارات الأزل " فبى يسمع وبي يبصر " ،
وإن لم يكن العارف خارج بئر الدنيا ، فكيف يستطيع أن ينجى الأرواح من داخله ، إن العارف مشرف ببصيرته على الفلك الأعلى ، ومع ذلك فهو ببشريته ومواساته للبشر واهتمامه بخلاصهم ونجاتهم منصرف إلى البئر يخلص منه السالكين ويصل بهم إلى الملك الذي لا يبلى ،
وهذا هو مصير الأرواح الناظرة إلى الحق والتي يرمز لها بيوسف الصديق عليه السّلام نعم إن الآخرين باحثون عن الماء في البئر أي عن النفع في الدنيا لكنه هو أي العارف باحث عن نجاة الصحاب من قاع البئر ومن ثم فدلوه ( وجوده ) ليس دلوا ،
إنه ماء ، هو نفسه قوت لأرواح أسماك بحر الحياة ، والناس الآخرون متعلقون بالأفلاك ، لكنه - أي العارف - موجود دائما بين إصبعين من أصابع الرحمن ثم يعود مولانا قائلا : ما هذا الذي أقول ؟ !
ما الدلاء وما الجبال وما الأفلاك ؟ ! ما هذه التشبيهات التي ألجأ إليها ، ما هذا التعبير الركيك ؟ ! المشكلة أنه لا يمكن التعبير عن هذا العالم المعروف بالعارف ، فكل التعبيرات إلى جوار وجوده الحقيقي تعبيرات ركيكة ، إنه مئات الآلاف من الرجال ، فيه قدرتهم الروحية مهما كان جسده نحيلا أو ضعيفا ، إنه نموذج لقدرة الحق ، إنه فتنة ، لأنه مفتون بالحق ، وهو أيضاً فتنة للمنكرين وغير العالمين وكلهم في مقابل عظمته وقدرته حفنة ، أو هو نفسه حفنة أدمجت فيها كل البيادر ، وذرة أدمجت فيها مائة شمس ، وإن أبدت هذه الذرة قوتها لانمحت أمامها كل الأفلاك والكواكب ،
مثل هذه الروح العظيمة لا يمكن أن يحتويها جسد إن هذا يشبه أن تصب البحر كله في قربة ، إنها في عظمة جبريل والمسيح والكعبة ، وإن تبدت في صورة حقيرة تمويها واخفاءً وضناً وغيرة ، إنه رباني ، الهى ، على مثال الله ، إنه موضع سجود عالم المعنى ، لأن الآخرين عن طريقه يرتبطون بعالم الروح وأمثال إبليس إنما يضلهم
 
« 645 »
 
أمثالك ، إنهم يظنونك صورة ، مجرد صورة لا تستحق السجود ، ولا يدركون أن منك قبساً من ذي الجلال .

.
* * * 
* * *
.
* * *

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: