الثلاثاء، 1 سبتمبر 2020

6 - قصة هلال الذي كان عبدا مخلصا لله صاحب بصيرة غير مقلد .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

6 - قصة هلال الذي كان عبدا مخلصا لله صاحب بصيرة غير مقلد .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

قصة هلال الذي كان عبدا مخلصا لله صاحب بصيرة غير مقلد .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

[ حكاية هلال ]
قصة هلال الذي كان عبدا مخلصا لله صاحب بصيرة غير مقلد ، اختفى في عبودية البشر للمصلحة لا للعجز مثل يوسف ولقمان وغيرهما في الظاهر 
وذلك أنه كان عبدا سائسا عند أحد الأمراء ، وكان ذلك الأمير مسلما إلا أنه كان أعمى :
يعلم الأعمى أن له أما . . . لكنه لا يستطيع أن يتصور كيف تكون فإن قام بتعظيم هذه الأم على أساس هذا العلم ربما نجا من العمى : مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم : إذا أراد بعبد خيرا فتح عيني قلبه ليبصره بها الغيب « 1 »
 
- ما دمت قد سمعت بعض أوصاف بلال ، فاستمع الآن إلى قصة ضعف هلال
- كان متقدما في السلوك عن بلال ، كان قد قتل خصال السوء في نفسه بما يفوقه .
- وليس مثلك متقهقر كل لحظة أكثر تقهقرا ، وتمضى من الجوهر نحو حجر .
- مثل ذلك السيد الذي نزل به ضيف ، فسأله السيد عن عمره .
 
1120 - وقال له : كم عمرك يا بنى ؟ ! هيا قل ، ولا تنقص منه وعده لي عداً .
- فقال : ثماني عشرة أو سبع عشرة أو ست عشرة أو خمس عشرة يا أخىّ بالروح .
- قال : إلى الخلف ، إلى الخلف يا دائر الرأس ، داوم حتى التقهقر حتى تصل إلى فرج أمك .
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 437 : بيت زائد في العنوان هو :
- احصل على هذا الطريق من حياة القلب ، فحياة الجسد صفه حيوانية
 
« 122 » 
حكاية في تقرير هذا الكلام
 
- طلب أحدهم جوادا من الأمير ، فقال له : امض وخذ ذلك الجواد الأشهب .
- قال " لا أريده ! ! " قال " لم " ؟ قال : انه يمشى إلى الخلف كما أنه حرون جدا .
 
1125 - إنه يسير القهقرى بسرعة شديدة وحتى البداية ، قال : اجعل ذيله اذن ناحية الدار .
- إن ذيل دابة نفسك هو الشهوة ، ومن هنا فإنها تتقهقر دائما تلك التي تعبد نفسها .
- وهي شهوانية ، فهي ذيل من البداية ، فيا أيها المبدل اجعل شهوتها العقبى .
- وعندما تسد شهوتها برغيف ، يطل من تلك الشهوة العقل الشريف .
- مثل غصن تقطعه من شجرة ، تطل القوة من ذلك الغصن المقبل .
 
1130 - وعندما تجعل ذيله إلى تلك الناحية ، فإنه إن تقهقر يمضى حتى الهدف .
- وما أحسنها تلك الجياد المروضة التي تتقدم ، لا التي تتقهقر ، وتكون حرونة دائماً .
- إنها سائرة بحماس كجسد موسى الكليم ، فحتى مجمع البحرين بالنسبة له ، كان في سعة الكليم .
- إن طريق تلك الحقب التي عزم على سيرها بحب مسيرة سبعمائة سنة .
- ولما كانت همة سير جسده على هذا النحو ، فإن سير روحه يكون حتى عليين .
 
1135 - إن الفرسان العظام قد تسابقوا في العدو ، فالقوا بالحمقى السمان تحت الأقدام
 
مثل
 
- إن هذا يشبه مسافرا ، اقترب من قرية ودخلها فرأى بابا مفتوحاً .
  
« 123 »
  
- فقال ذلك الرجل : لنلق الرحل هنا بضعة أيام في هذا البرد الشديد .
- فهتف به هاتف : " ألق رحلك في الخارج ، وتعال أنت حينذاك إلى الداخل .
- وألق خارجا بكل ما يلقى ، ولا تدخل به ، فهذا مجلس سنى .
 
1140 - كان هلال أستاذا مستنير القلب والروح ، كان سائساً وعبدا عند أمير مؤمن .
- كان يقوم بالخدمة في الإصطبل ذلك الغلام ، لكنه كان سلطانا على السلاطين وأن كان عبدا بالاسم .
- « 1 » وكان ذلك الأمير جاهلا بحال الغلام ، فلم يكن عنده سوى نظر إبليس .
- كان يراه ماءً أو طينا لا كنز في داخله ، كان يراه " حواساً " خمسة " و " جهات ستة ، لا أصل الخمسة .
- إن لون الطين ظاهر ونور الدين خفى ، وهكذا كان كل نبي في هذه الدنيا .
 
1145 - لقد رأى تلك المنارة ولا طائر فيها ، وفوق المنارة بازى ملكي ، شديد المهارة .
- وآخر كان يرى طائرا خافقا بجناحيه ، لكن لا شعرة هناك في منقار الطائر .
- وذلك الذي ينظر بنور الله ، يكون عارفا بالطائر وبالشعرة .
- قال : انظر إلى الشعرة آخر الأمر ، فما لم تر الشعرة لا تحل العقدة .
- رأى أحدهم طينا مصوراً في الوصل ، ورأى أحدهم طينا مليئا بالعلم والعمل « 2 » .
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 439 : - كان يروض الخيل ويروض نفسه ، وسبق كثيرا من الناس .
( 2 ) ج : 13 / 440 :
- وعندما يعجن العلم بالنور ، يجد من حلمك النور القوم اللد 
- والشيخ النوراني عالم بالطريق ، وبكلامه يجعل حتى النور رفيقا له .
- وهذا في حد ذاته هو روح كل المعجزات ، التي تمنح الميت الروح الأبدية .
  
« 124 » 
 
1150 - إن الجسد هو المنارة ، والعلم والطاعة بمثابة الطائر ، وسواء افترضت أنها ثلاثمائة طائر ، أو طائران .
- إن الرجل الأوسط ناظر إلى الطائر فحسب ، فلا يرى غير الطائر من قدامه ومن ورائه .
- والشعرة هي ذلك النور الخفي عند الطائر ، بها تكون روح الطائر ثابتة .
- والطائر الذي تكون تلك الشعرة في منقاره ، لا يكون عمله أبداً على سبيل العارية .
- فان علمه يفور من روحه على الروح ، لا هو عنده على سبيل العارية أو القرض .


مرض هلال هذا وعدم معرفة سيده بمرضه احتقارا لشأنه وجهلا به ووقوف قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم على مرضه وحاله ، وافتقاده له ،
وعيادة الرسول صلى الله عليه وسلم لهلال هذا
 
1155 - وشاء القضاء أن مرض هلال وأصبح عليلا ، فنقل الوحي الأحوال إلى المصطفى .
- لم يكن سيده على علم بمرضه ، فقد كان في نظره معدوم القيمة لا خطر له .
- لقد رقد تسعة أيام في الإصطبل ذلك المحسن ، ولا يعلم أحد ما ذا جرى له .
- وذلك الذي كان بشرا وملكاً على البشر ، كان عقله الذي يساوى مائة قلزم واصلا إلى كل مكان .
- نزل عليه الوحي ، صارت رحمة الحق مواسية ، قائلا : إن فلانا المشتاق لك قد مرض .
 
1160 - وذهب المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى تلك الناحية من أجل عيادة هلال ذي الشرف .
 
« 125 » 
 
- وذلك القمر مسرع في أثر شمس الوحي ، وأولئك الصاحبة في أثره كالنجوم
- والقمر يقول : إن أصحابي كالنجوم ، هم للسرى قدوة وللطاغى رجوم « 1 » .
- وقالوا للأمير : لقد وصل ذلك السلطان ، فقفز من السرور مسلوب القلب والروح .
- وضرب كفيه فرحا ظناً بأن ذلك الملك قد جاء من أجل زيارة ذلك الأمير .
 
1165 - وعندما نزل ذلك الأمير من غرفته ، كان ينثر روحه ضيافة لذلك البشير .
- وقبل الأرض بين يديه وسلم ، وتهلل وجهه كالورد طرباً .
- وقال : بسم الله شرف دارك ، وموطنك ، حتى يكون هذا المحفل فردوساً .
- وحتى يزيد قصرى علوا عن السماء ، إذا رأيت قطب هذا الزمان .
- قال : له معاتبا ذلك المحترم ، إنني لم آت من أجل رؤيتك .
 
1170 - قال : روحي لك ، وما الروح في حد ذاتها ، هيا ، تفضل بالقول من أجل من هذا التنازل ؟ .
- حتى أصير تراباً لقدم ذلك الشخص ، الذي يكون له غراس في بستان لطفك .
- وعندما تحدث هكذا وترك الكبرياء ، آثر المصطفى أن يترك معاتبته .
- ثم قال له : أين هلال العرش ذاك أين من يشبه ضوء القمر وهو من تواضعه على الأرض؟!
- ذلك الملك الذي تخفى في العبودية ، وجاء إلى هذه الدنيا لتفقد أمورها .
 
1175 - فلا تقل أنه عبدنا وسائس خيلنا ، واعلم أن الكنوز في الخرابات .
- واعجبا ، كيف هو من السقم هلال هذا ، وآلاف البدور تحت قدميه .
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن .
  
« 126 »
  
- قال : لا علم لي بمرضه ، لكنه لم يظهر على العتبة منذ بضعة أيام .
- إن صحبته مع الدواب والبغال ، فهو سائس ومنزله ذلك الإصطبل .
 
دخول المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى اصطبل ذلك الأمير من أجل عيادة هلال ،
وملاطفة المصطفى صلى الله عليه وسلم لهلال رضي الله عنه
 
- ذهب النبي صلى الله عليه وسلم برغبته من أجله إلى الإصطبل ، وأخذ يبحث عنه .
 
1180 - كان الإصطبل مظلما قبيحاً قذراً ، لكن هذا كله انتقى عندما حلت المحبة .
- وشم ذلك الأسد الهصور عبير الرسول ، مثلما شم يعقوب ريح يوسف .
- إن المعجزات لا تكون سببا للإيمان ، لكن التجانس هو الذي يقوم بجذب الصفات .
- إن المعجزات تكون من أجل قهر العدو ، أما رائحة التجانس فتكون من أجل سلب القلوب .
- إن العدو يقهر أما الصديق فلا ، فكيف يكون صديقا بتقييد الرقبة ؟ !
 
1185 - لقد استيقظ " هلال " من النوم على هذه الرائحة ، وقال " في نفسه " : أمثل هذا الشذى في موضع البعر ؟
- ومن بين أقدام الدواب ، رأى الطرف الطاهر لرداء المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي لا ند له .
- فجاء من ركن الإصطبل زاحفا ، ووضع وجهه على قدم " المصطفى صلى الله عليه وسلم " ذلك البطل .
- فوضع المصطفى وجهه على وجهه وقبل رأسه وعينيه ووجهه .
- وقال : يا رب أي كنز خفى ! ! كيف أنت يا غريب العرش ، ألست أحسن ؟
 
« 127 »
  
1190 - قال : كيف يكون ذلك الذي يكون نائما مولها فتدخل شمس في فمه ؟ !
- وكيف يكون ذلك الظمآن الذي يرعى الطين ، ويصب الماء على رأسه ، فيأخذه سعيداً ! !
 
في بيان أن المصطفى صلى الله عليه وسلم سمع أن عيسى عليه السلام ، سار فوق الماء ،
فقال : لو ازداد يقينه لمشى على الهواء
 
- مثل عيسى كان الفرات يحمله على سطحه ، إذ كان آمنا من الغرق في ماء الحياة .
- قال أحمد : لو ازداد يقينا لكان الهواء نفسه مركبه المأمون .
- مثلي أنا الذي صرت راكبا للهواء ، وكنت مصحوبا ليلة المعراج .
 
1195 - قال " هلال " : كيف يكون كلب أعمى قذر ، نهض من النوم فوجد نفسه أسداً .
- ليس مثل ذلك الأسد الذي يصميه أحدٌ بسهم ، بل من خوفه تنكسر السيوف والسنان .
- " أو مثل " أعمى زاحف على بطنه كالحية ، فتح عينيه على البستان والربيع
- كيف يكون ذلك الذي تحرر من الكيفية ، ووصل إلى موضع الحياة التي لا كيفية فيها ! !
- صار واهبا للكيفية في اللامكان ، وحول مائدته كل الكيفيات كالكلاب .
 
1200 - وهو من اللاكيفية يقذف لها بالعظام ، إنك جنب ، فاصمت ، ولا تقرأ هذه السورة .
- فما لم تغتسل تماما من الكيفية ، لا تضع كفك على هذا المصحف أيها الغلام .
- وسواء كنت نجسا أو طاهراً أيها الملك ، ولا أقرأ هذا ، فماذا أقرأ في الدنيا .
 
« 128 » 
 
- وأنت تقول لي : من أجل الصواب ، لا تمض غير مغتسل إلى حوض الماء .
- وخارج الحوض لا يوجد إلا التراب ، وكل من لا يدخل الحوض لا يكون طاهراً .
 
1205 - وإن لم يكن للمياه ذلك الكرم ، متى تقبل الخبيث لحظة بلحظة .
- فويلاه على المشتاق ، وويلاه على أمله ، وواحسرتاه على حسرته الأبدية .
- إن لدى الماء مائة من الكرم ومائة من الاحتشام ، لكي يقبل الأنجاس ، والسلام .
- يا ضياء الحق يا حسام الدين ، إن النور حارس لك من شر الطيور .
- إن حارسك هو النور وارتقاؤه ، يا من أنت شمس مخفى عن الخفاش .
 
1210 - وماذا يكون الحجاب أمام وجه الشمس ، إلا زيادة التألق وحدة الضوء ،
- إن حجاب الشمس هو أيضا نور الرب ، وكلاهما بلا نصيب منه ، الخفاش والليل .
- وكلاهما ، ما داما قد بقيا في بعد وحجاب ، إما أنهما بقيا أسودى الوجه أو متجمدين .
- وما دامت قد كتبت جزءاً من قصة هلال ، فيها تحدث عن قصة البدر .
- فهناك بين هلال ذلك وبين البدر اتحاد ، كلاهما بعيد عن الاثنينية وعن النقص والفساد .
 
1215 - فهلال ذاك برئ من نقص الباطن ، لكن الهلال الآخر في نقص بالتدريج .
- إنه يلقى الدرس ليلة بعد ليلة ، بشئ من التدريج ، إنه يعطى الفرج في التأنى
  
« 129 »
  
- وهو يقول بتأنّ ، أيها العجول الساذج ، إنما يمكن الذهاب إلى السطح درجة بعد درجة .
- فاغل القدر بالتدريج وبأستاذية ، فإن " القلية " التي غلبت بجنون لا تنفع .
- ألم يكن الحق قادرا على خلق الفلك بأمر واحد هو " كن " بغير شك ؟ !
 
1220 - إذن فكيف صوره في ستة أيام ، وكل يوم هو ألف عام أيها المستفيد .
- ولماذا تتم خلقة الطفل في تسعة شهور ؟ ! ذلك أن التدريج هو شعار ذلك الملك .
- ولما ذا كانت خلقة آدم في أربعين صباحاً ، كان يزيد في هذا الطين قليلا قليلًا - « 1 »
 
وليست مثلك أيها الساذج الذي عدوت الآن وأنت طفل وجعلت من نفسك شيخاً
 
- أسرعت كثمرة القرع فوق الجميع ، فمتى كان لك ثبات الجهاد والملحمة ؟ !
 
1225 - واستندت على الأشجار والجدران ، وصرت كالقرعة أيها الأقيرع .
- فإذا كان السر والممشوق هو مركبك في البداية ، إلا أنك في النهاية جاف خال فارغ من اللب .
- ويصفر لونك الأخضر سريعاً أيها الأقرع ، وذلك لأنه كان من الخضاب ولم يكن أصيلًا .
 
[ حكاية تلك العجوز ]
قصة تلك العجوز التي كانت تخضب وجهها بالخضاب والأحمر ، ولم يكن ينفع فيه أو يكون مقبولًا
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 456 :
- فمن هذا الفجر إلى ذلك الفجر بعض العام ، حتى استقرت هذه الصورة على ما هي عليه
  
« 130 » 
 
- كان هناك عجوز في التسعين ضخمة ، وجهها ملىء بالتجاعيد ، ولونها كالزعفران .
- كان وجهها طيات وكأنه وجه مفرش السفرة ، لكن عشق الزوج كان قد تبقى عندها ! !
 
1230 - تساقطت أسنانها وصار شعرها في بياض اللبن ، وتقوس قوامها ، وتغير كل حس فيها .
- لكن عشق الزوج والشهوة والحرص كانت عندها كاملة ، فهي في عشق الصيد وقد تمزقت الشبكة إربا !
- إنها طائر يصيح في غير أوانه ، وطريق لا يسلكه أحد - ونار متأججة تحت قدر فارغ .
- عاشق للميدان ولا جواد ولا قدم ، وعاشق للزمر ولا شفة ولا مزمار .
- فلا كان حرص الشيخوخة حتى عند اليهود ، وما أشقى ذلك الذي ابتلاه الله بهذا الحرص .
 
1235 - لقد تساقطت أسنان الكلب عندما شاخ، فترك " عقر " الناس ، وصار آخذا للبعر .
- فانظر إلى هؤلاء الكلاب الذين بلغوا ستين خريفا ، أسنانهم الكلبية أكثر حدة لحظة بعد لحظة .
- لقد تساقط شعر الكلب العجوز من جلده ، فانظر إلى هذه الكلاب العجوز التي ترتدى الأطلس .
- عقولهم وحرصهم على المال والفروج ، انظر إليهم يزدادون عددا لحظة بعد لحظة كنسل الكلاب .
 
« 131 »
  
- إن مثل هذا العمر هو مادة الجحيم ، وهو مسلخ لقصابى الغضب .
 
1240 - وعندما تقول له : أطال الله عمرك ، يسعد ، وينفرج فمه عن ابتسامة .
- إنه يظن مثل هذا اللعن دعاء ولا يفتح عينيه ويطل إطلالة ! ! .
- لو أنه رأى مقدار طرف شعرة من المعاد ، لقال " لهذا الداعي " : ليكن لك مثل هذا العمر الطويل ! !


قصة ذلك الدرويش الذي دعا لذلك الجيلاني قائلا :
ردك الله إلى أهلك ودارك سالما ! !
 
- قال ذات يوم أحد عبدة الخبز والشحاذين الملحاحين حملة المخالى لسيد جيلانى :
- أيها المستعان رده سعيداً إلى أهله وداره ، وذلك عندما أعطاه السيد خبزاً .
 
1245 - فقال : إذا كان الأهل هم أولئك الذين رأيتهم ، فأوصلك الله إليهم أيها الشرير .
- إن الأخساء يجعلون كل محدث جباناً ، ولو كان كلامه ساميا ينزلون به .
- ذلك أن النبأ يأتي على قدر المستمع ، وعلى قوام السيد يفصل الخياط القباء .
 
وصف تلك العجوز
 
- لما كان هذا المجلس لا يخلو من مثل هذا التهكم ، لا مناص إذن من الحديث الدنى .
- استرد هذا الكلام إذن ممن رهنته عنده ، وعد صوب حكاية تلك العجوز .
 
1250 - عندما طعنت في السن ، وليست "رجلا" في هذا الطريق ، سمها إذن عجوزا طاعنة في السن .
- فلا راس مال عندها ، ولا أساس ، ولا هي قابلة لقبول قيمة ما .
 
« 132 »
 
- فلا هي معطية للسعادة واللذة ولا قابلة لها ، ولا معنى لها ولا جذبا للمعنى .
- ولا لسان ولا اذن ولا عقل ولا بصر ، ولا لباب ولا غياب ، ولا فكر .
- ولا ضراعة ولا جمال تدل به ، إنها طيات من العفن كأنها البصلة .
 
1255 - ولا هي قطعت طريقا ، ولا قدرة لها على الطريق ، ولا حرارة عند تلك البغى ولا حرقة ولا آهة ! ! « 1 » .
 
قصة الدرويش الذي كان كلما طلب شيئا من تلك الدار قيل له : لا يوجد !
 
- جاء سائل إلى منزل فطلب لقمة من الخبز القديد أو الطري ،
- فقال له صاحب المنزل ، من أين لهذا المكان الخبز ، هل أنت ذاهل ؟ متى كان هنا دكان خباز ؟ !
- قال : ربما تجد لي قطعة من الشحم ، قال : ليس هذا المكان آخرا بدكان قصاب ! !
- قال : أعطني بعض الدقيق أيها الوجيه ، قال : تظن أن هنا مطحنا ؟ !
 
1260 - فقال : أعطني جرعة ماء إذن من الجرة ، فقال : ليس هنا آخر الأمر بالجدول أو المشرعة ! !
- وهكذا فكل ما طلبه منه من خبز أو نخالة ، كان يرده خائبا ويسخر منه .
- فدخل ذلك الشحاذ الدار وشمر ثوبه ، وهم بالتبرز في تلك الدار .
- صاح : انتبه انتبه ، فقال : أصمت أيها الشرير ، حتى أفرغ نفسي في هذه الخرابة ! !
- فإذا لم يكن هنا وجه للمعاش ، ينبغي التغوط في مثل هذه الدار .
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 467 : لا تعصب ، لا فلاح عندها ، ولا حتى في قلبها عزم على السلامة .
  
« 133 » 
 
1265 - فما دمت لست بازياً مدربا مُعلما من أجل صيد الملك ، وتقوم بالصيد .
- ولست طاووسا بمئات من النقوش التي تسعد العيون .
- ولست أيضاً ببغاء بحيث عندما تُعطى السكر تنصت الآذان لقولك الحلو .
- ولست أيضاً بالبلبل تغرد تغريدا حلوا مثل العاشق المتيم في الرياض وشقائق النعمان .
- ولست أيضاً هدهدا تؤدى الرسائل ، ولست كطير اللقلق تتخذ وطنك في الأعالي .
 
1270 - « 1 » فلأي عمل أنت ، ومن أجل ما ذا تُشترى ، وأي طائر أنت ومع ماذا تؤكل ؟ !
- فاسم على هذا الدكان الذي فيه من يبعون بالمكس ، إلى دكان الفضل مصداقا ل « إن الله اشترى » .
- والبضاعة التي لم ينظر إليها أحد من الخلق ، من قدمها واهترائها اشتراها ذلك الكريم .
- وليس أي زيف قط مردوداً عنده ، لأن قصده من الشراء ليس الربح « 2 »
 
عودة إلى قصة تلك العجوز
 
- « 3 » عندما أرادت صاحبتنا أن تمضى إلى العرس ، أزالت شعر حاجيبها تلك الخفيفة العقل ! !
 
1275 - ووقفت أمام المرآة تلك العجوز ، حتى تزين الوجه والوجنة والفم .
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 468 : تمضى في الصيف إلى الهند ، وفي الربيع تمضى إلى تركستان .
( 2 ) ج : 13 / 468 :
- إن أفضاله بلا حد فلا تيأس ، وعد ثانية إلى قصة العجوز .
( 3 ) ج : 13 / 471 :
- لأعد إلى قصة العجوز ، ذلك أنها بلا نهاية هذه الرموز 
- كان عند جيرانها حفل عجيب ، ودعوها إلى الحفل من القضاء ! !
 
« 134 »
  
- دهنتها ببضعة أصباغ بطراً ، لكن السفرة التي في وجهها لم تزدد خفاءً .
- فأخذ تقطع علامات الأعشار من المصحف وتلصقها على وجهها تلك الدنسة .
- حتى تختفى سفرة وجهها ، وحتى تصير فصا في خاتم الحسان .
- كانت تلصق علامات الأعشار في كل موضع ، لكنها عندما كانت تعقد حجابها كانت تسقط .
 
1280 - فكانت تلصق ثانية تلك العلامات بلعابها على أطراف وجهها .
- ثم كانت تعيد اصطلاح ملائتها تلك الهمامة فتسقط علامات الأعشار على الأرض .
- وعندما أخذ تقوم بكثير من الحيل ومع ذلك تسقط تلك العلامات ، قالت : لعن الله إبليس مائة لعنة .
- تمثل لها إبليس في التو واللحظة ، وقال : أيتها البغى المتيبسة الشقية .
- إنني لم أفكر في هذا طوال عمرى ، ولم أر هذا من سواك بغى .
 
1285 - لقد زرعت بذورا نادرة في الفضيحة ، ولم تتركى مصحفا في العالم .
- إنك مائة إبليس ، بل خميس في خميس " من الأبالسة " ، فاتركينى أيتها العجوز الدردبيس .
- فحتام تسرقين علامات الأشعار من علم الكتاب ، حتى يصير وجهك ملونا كأنه التفاحة .
- وحتام تسرقين كلام رجال الله ، حتى تبيعين وتشترين . . . لا مرحبا بك .
- إن اللون المعقود عليك لم يجعلك وردية اللون ، والحيلة لم تجعل الغصن كثير العقد عرجوناً .
 
« 135 »
  
1290 - وفي النهاية عندما تحط عليك ملاءة الموت ، تقع علامات الأعشار هذه عن وجهك .
- وعندما ترتفع أصوات تهيأوا للرحيل ، تضيع من ذلك الوقت فصاعدا فنون القال والقيل .
- ويتقدم منك عالم الصمت ، فقف ، وويل لذلك الذي لا يكون أنسه من داخله .
- فقم بجلاء الصدر يوما أو يومين ، وأجعل تلك المرآة كتابك لك .
- فإنه من ظل يوسف صاحب القران ، صارت زليخا العجوز شابة من جديد .
 
1295 - ويتبدل إلى شمس تموز ، ذلك المزاج البارد كأنه برد العجوز .
- ويتبدل بحرقة مريم ، الغصن المتيبس إلى نخلة نضرة .
- أيتها العجوز ، حتام تجاهدين مع القضاء ، ابحثى عن الحاضر الآن واتركى ما مضى .
- وما لم يكن لوجهك أمل في الحسن ، فسواء وضعت عليه الخضاب أو وضعت عليه المداد .
 
حكاية ذلك المريض الذي لم ير فيه الطبيب أمل الصحة
 
- ذهب أحد المرضى إلى طبيب ، وقال له : جس نبضى أيها اللبيب .
 
1300 - فمن النبض تصبح عالما بأحوالى ، فإن عرق اليد متصل بالقلب .
- فإذا كان القلب غيباً وأردت مثالا عنه ، فابحث فيها ، فإن لها اتصالا بالقلب .
- والريح مختفية عن العين أيها الأمين ، لكن أنظر إليها في الغبار وحركة الأوراق .
- أهي تهب من اليمين أو تهب من الشمال ، تقول لك حركة الأوراق وصف الحال .
 
« 136 »
  
- ألست تعلم أين يكون سكر القلب ؟ ! ابحث عن وضعه من النرجس المخمور .
 
1305 - وإذا كنت بعيدا عن الحق فإنك تعلم وصف الذات من الرسول ومن المعجزات .
- ومن المرشدين الأصفياء تطرق المعجزات والكرامات الخفية على القلب .
- فإن في بواطنهم مائة قيامة حاضرة ، أقلها يكون جارهم منها ثملا .
- ومن ثم صار ذلك المقبل جليسا لله ، ذلك أنه جاور سعيداً .
- والمعجزة التي أثرت في الجماد ، سواء كانت عصا أو بحرا أو شقا للقمر .
 
1310 - لو أثرت في روحك دون واسطة ، فإنها تكون متصلة برابطة خفية .
- إن تلك الآثار من قبيل العارية على الجمادات ، إنها متوارية خلف روح حلوة .
- حتى يتأثر الضمير بذلك الجماد ، وحبذا ذلك الخبز دون مادة الخمير .
- وحبذا مائدة المسيح التي لا تنقص ، وحبذا فاكهة مريم التي طلعت دون حديقة .
- والمعجزات تطرق كأنها الحياة ، ضمير روح الطالب من الروح الكاملة .
 
1315 - إن المعجزة بحر وطائر التراب ناقص ، والطائر المائي آمن فيها من الهلاك .
- والعجز هو عطية روح من لم يؤذن له ، لكن القدرة نصيب لروح النجى .
- وما دمت لا تجد هذه السعادة في الضمير ، فاستدل كل لحظة من الظاهر .
- فإن الآثار ظاهرة على المشاعر ، وهذه الآثار مخبرة عن المؤثر .
- إن معنى كل دواء خفى ، كأنه السحر وصنعة كل ساحر .
 
1320 - وعندما تنظر إلى فعله وآثاره ، مهما كان خفيا فإنك تظهره .
- والقوة التي تكون مضمرة داخله ، عندما تأتى إلى الفعل تصير ظاهرة عياناً .
 
« 137 »
  
- وإذا كان هذا كله ظاهرا لك بآثاره ، كيف لا يكون الله ظاهرا لك من تأثيره ؟ !
- أليست الأسباب والآثار كلها كاللب والقشر ؟ إنك عندما تبحث فهي كلها آثاره .
- إنك تحب الأشياء من آثارها ، فكيف تكون غافلا عن الذي يمنح الآثار ؟
 
1325 - إنك تحب الخلق من خيال ، فكيف لا تحب ملك الشرق والغرب ؟
- إن هذا الكلام لا نهاية له أيها العظيم ، فلا كان لحرصنا فيه نهاية .
 
عودة إلى قصة المريض
 
- عد واذكر قصة المريض مع الطبيب العالم المتصف بالستر و " الكتمان " .
- لقد جس نبضه وصار واقفا على الحال ، وعلى أن الأمل في صحته أمر محال .
- فقال له : افعل كل ما يحلو لك ، حتى يذهب عن جسدك هذا الداء القديم .
 
1330 - وكل ما يعن لخاطرك لا تقاومه ، فإن الصبر والتوقي مضران بالنسبة لك .
- اعلم أن الصبر والتوقي ضرر بالنسبة لهذا المرض ، فكل ما يميل إليه قلبك ، نفذه .
- وهكذا قال لمثل هذا المريض ، أيها العم ، لقد قال تعالىاعْمَلُوا ما شِئْتُمْ.
- فقال : اذهب هيا ، يا روح عمك ، إنني ذاهب للنزهة على شاطىء النهر .
- أخذ يتنزه على شاطئ النهر وفق هواه ، حتى يفتح الباب إلى الصحة .
 
1335 - وعلى شاطىء النهر ، كان أحد الصوفية جالسا يغسل يديه وقدميه ويزيد في طهارته .
- وأبصر قفاه ، ولما كان رجلا ذا خيال ، اشتاق إلى صفعه .
- وأخذ يمد يده نحو قفا الصوفي آكل الجرجير من أجل صفعه .
  
« 138 » 
 
- وقال في نفسه : إنني إن لم أحقق مشتهاى ، فإن الطبيب قال لي إن الأمر ينقلب إلى علة عندي .
- فلأصفعه صفعة واحدة في معركة ، تطبيقا لقوله تعالىلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ.
 
1340 - إن هذا الصبر تهلكة يا فلان ، اضربه جيدا ، ولا تسكت كالآخرين .
- وعندما صفعه الصفعة طرقعت ، فقال الصوفي ، آه . . . آه أيها القواد العاق .
- وأراد الصوفي أن يضربه لكمتين أو ثلاث لكمات، وأن يقتلع شاربه ولحيته شعرة شعرة 
- « 1 » إن الخلق مرضى بالسل ومساكين ، لكنهم من خداع الشيطان عشاق لصفع "الآخرين".
- إنهم جميعا حريصون على إيذاء الأبرياء ، وكل منهم باحث عن النقائص من خلف ظهر أخيه .
 
1345 - فيا من أنت صافع لأقفية الأبرياء ، ألن ترى الجزاء في قفاك ؟
- ويا من ظننت أن الهوى طب لك ، وعكفت على صفع الضعفاء .
- لقد ضحك عليك الذي قال لك أن هذا دواء ، إنه هو الدليل لآدم إلى القمح .
- قائلا لهما : كلا هذه الحبة أيها العظيمان ، علاجا لكما حتى تكونا خالدين .
- لقد جعله يتعثر وينزلق ثم ضربه على قفاه ، وردت تلك الصفعة وصارت جزاءً له .
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 483 :
- لكنه رآه متعبا مريضا ، وضعيفا جدا ونحيلا وشاحبا ومهدما ! ! 
- ففكر في ضعفه وقال في نفسه ، لو ضربته لكمة واحدة لهلك .
- إن مرض السل قد أورده موارد الهلاك ، لقد رآه نحيلا جدا ومريضاً .
  
« 139 » 
 
1350 - لقد جعله ينزلق بقسوة في المنزلق ، لكن الحق كان ظهيره ومعينه .
- كان آدم جبلا وإن صار مليئا بالحيات ، فصار منجم ترياق خاليا من الإضرار والإيذاء .
- وأنت الذي لا تملك ذرة من الترياق ، لماذا أنت مغرور بخلاصك ؟
- وأين ذلك التوكل الخليلي عندك ، حتى لا يقطع سيفك " حلق " إسماعيل .
- وأين لك تلك الكرامة كالكليم ؟ حتى تجعل قاع اليم طريقا معبداً .
 
1355 - ولو أن فاضلا سقط من فوق مئذنة ، لملأت الريح ثوبه ونجا .
- وإذا لم يكن عندك يقين في ذلك الحظ ، أيها الحسن ، فكيف أذهبت نفسك أدراج الرياح .
- ومن هذه المنارة مئات الآلاف مثل عاد ، سقطوا ، وذرت الرياح رؤوسهم وأسرارهم .
- فداوم على النظر إلى من سقطوا منقلبين من هذه المنارة تجدهم مئات الآلاف في آلاف .
- وأنت يقينا لا تعرف المشي على الحبال ، فاشكر القدمين وداوم السير على الأرض .
 
1360 - ولا تصنع جناحا من الورق ولا تطر من فوق الجبل ، فكثير هي تلك الرؤوس التي ضاعت بسبب هذه الشهوة .
- وبالرغم من أن ذلك الصوفي قد استشاط غضبا ، إلا أنه ألقى نظرة على العاقبة .
- ذلك أنه يبقى أول الصف وفق هواه ، الذي لا يلتقط الحبة بل يرى حبل الفخ .
- وحبذا عينان عظيمتان تريان العاقبة ، إنهما اللتان تحفظان الجسد من الفساد .
 
« 140 » 
 
- وكان أحمد من الناظرين إلى العاقبة، فقد رأى الجحيم في نفس هذا المكان ، بكل تفصيلاتها.
 
1365 - ورأى العرش والكرسي والجنان ، حتى مزق حجب كل ألوان الغفلة .
- وإذا كنت تريد السلامة من الضرر ، أغمض عينيك عن البدايات وانظر إلى عواقب الأمور .
- حتى ترى كل ألوان العدم وجودا ، وترى كل أنواع الوجود المحسوسة دنية .
- وانظر مرة إلى كل من له عقل ، هو في بحث عن العدم ليل نهار .
- فهو في الكدية ليس طالبا للجود ، وليس طالبا للنفع في الحوانيت .
 
1370 - وليس طالبا للدخل في المزارع ، وليس طالبا للنخل في المغارس .
- وليس طالب للعلم في المدارس ، وليس طالبا للحلم في الصوامع .
- لقد ألقوا بأنواع الوجود خلف ظهورهم ، فهم طلاب لألوان العدم عبيد لها .
- ذلك أن منجم صنع الحق ومخزنه ، ليس إلا العدم في تجليه .
- لقد تحدثنا بيسير عن هذا الموضوع من قبل ، فانظر إلى هذا وذاك على أنهما موضوع واحد ، ولا تنظر إليهما كموضوعين .
 
1375 - إن كل صانع بز " أقرانه " ، بحث في صنعته عن موطن العدم .
- فالبناء بحث عن موضوع لا بناء فيه ، قد تهدم وانهارت سقوفه .
- وبحث السقاء عن جرة لا ماء فيها ، وذلك النجار " بحث " عن منزل لا باب له .
- فعند الصيد كان هجومهم كله على العدم ، ثم آنذاك كلهم هاربون من العدم .
- فإذا كان أملك عدما فأي توق لك منه ؟ ! وأي خصومة لك مع أنيس طمعك ؟ !
 
1380 - وما دام أنيس طمعك هو هذا العدم ، فأي توق لك من الفناء والعدم ؟ !
- فإن لم تكن أنيسا للعدم أيها الابن الحبيب ، لما ذا أنت مترصد في كمين العدم ؟
- لقد صرفت قلبك عن كل ما لديك ، وألقيت بشص القلب في بحر العدم .
- ولما ذا إذن الهرب من بحر المراد هذا ، الذي أعطى لشصك مئات الآلاف من الصيد ؟ !
- ومن أي شئ سميت الزاد بالموت ؟ فانظر إلى السحر الذي أبدى لك الزاد موتا .

1385 - لقد أغلق كلتى عينيك سحر صنعته ، حتى رغبت الروح في السقوط في البئر .
- وفي خياله من مكر الإله ، كل الخلاء خارج البئر سم وأفاع .
- فلا جرم انه اتخذ من البئر ملاذا ، حتى ألقى به الموت في البئر .
- إن كل ما قلته من أخطائك أيها العزيز ، فاسمع في نفسي هذا الموضوع أيضا قولا من « العطار » .

قصة السلطان محمود والغلام الهندي
- لقد تحدث في هذا الموضوع رحمة الله عليه عن السلطان محمود وثقب در ذكره .
 
1390 - إنه في إحدى غزواته في الهند وقع له من الغنيمة أحد الغلمان .
- فجعله عاملا له وأجلسه على العرش ، واجتباه على الجيش وتبناه .
- وطول القصة وعرضها ووصفها بتفصيلاتها ، اطلبه في كلام هذا العظيم من عظماء الدين .
- الخلاصة أن ذلك الصبى جلس على هذا العرش الذهبي إلى جوار الملك العظيم .
 
« 142 »
  
- فأخذ يبكى ويذرف الدمع بحرقة ، فقال له الملك : يا منصور الأيام :
 
1395 - لماذا تبكى ؟ ! ألم ترضك الدولة ؟ إنك فوق الأفلاك قرين للملك ! !
- إنك على هذا العرش والوزراء والقواد أمام عرشك قد اصطفوا كالنجوم حول القمر .
- قال الطفل : إنني أبكى هكذا بحرقة لأن لي أما في تلك المدينة .
- كانت تهددني بك في كل لحظة قائلة : أراك في يد السلطان محمود الشجاع ! !
- فكان أبي يتشاجر معها قائلا : أي غضب هذا وأي عذاب .
 
1400 - ألست تجدين لعنة أخرى أقل من هذه اللعنة المهلكة ؟
- إنك شديدة القسوة بل فظة وغليظة إذ تقومين بقتله بمائة سيف .
- وكنت أحار من قولها ، وكان الحزن والخوف يسكنان قلبي .
- أي جهنمى الطبع محمودٌ هذا ويا للعجب ، لقد صار مثلا في الويلات والكرب .
- كنت في رعدة دائمة خوفا منك ، غافلا عن إكرامك وتعظيمك
 
1405 - فأين أمي حتى تراني الآن على العرش يا ملك الدنيا ! !
- إن الفقر هو كمحمود بالنسبة لك أيها المعوز ، يخوفك الطبع منه على الدوام .
- ولو علمت رحمة هذا ال " محمود " العظيم ، لقلت سعيدا ، ليجعل الله العاقبة " محمودة " .
- إن الفقر ، هو " محمود " بالنسبة لك يا خائف القلب ، فقلل الاستماع إلى أم الطبع المضللة تلك .
 
« 143 »
  
- وعندما تصبح صيداً للفقر ، فإن من المتيقن أنك تذرف الدمع كالطفل، يوم الدين " فرحاً ".
 
1410 - وإذا كان الجسد أما بالنسبة للتربية ، إلا أنه أعدى لك من مائة عدو .
- وعندما يمرض الجسد يجعلك باحثا عن الدواء ، وعندما يقوى يجعلك طاغوتاً
- فاعلم أن هذا الجسد الظلوم بمثابة الدرع ، لا يصلح لشتاء أو لصيف .
- ورفيق السوء يطيب من أجل الصبر ، وذلك أن الصبر يشرح الصدر .
- وصبر القمر على ظلمة الليل يجعله مضيئا ، وصبر الورد على الشوك يجعله مسكا أذفر .
 
1415 - والصبر لبن من بين الفرث والدم ، تجعله مغذيا الناقة الحلوب .
- وصبر كل الأنبياء على المنكرين ، جعلهم من خواص الحق وأصحاب السلطان .
- وكل من ترى أنه قد اكتسى جيداً ، اعلم أنه كان له بالصبر والكسب .
- وكل من تراه عاريا فقيراً ، اعلم أن هذا دليل على عدم صبره .
- وكل من يكون مكتئبا ملىء الروح بالحزن ، فإنه يكون قد اقترن بماكر .
 
1420 - فلو كان قد صبر على الأليف الوفي ، لما تلقى هذه الصفعة من فراقه .
- ولكان قد ائتلف مع الحق ، كالعسل واللبن ، مصداقا لقولهلا أُحِبُّ الْآفِلِينَ.
- ولما بقي وحيدا على هذا الحال ، كنار بقيت من القافلة على الطريق .
- وعندما صار من انعدام صبره قرينا للغير ، صار في فراقه شديد الحزن محروما من الخير .
- وما دام الذهب النضار قد صار مصاحبا لك ، فكيف تضعه أمانة لدى خائن ؟
  
« 144 » 
 
1425 - فلتكن ألفتك معه ، فإن أماناتك معه ، آمنة من الأفول ومن العتو .
- لتكن ألفتك معه ، فهو الذي خلق الطبع ، وربى في الأنبياء طباعهم .
- إنك تعطى حملا فيرده عليك قطيعاً ، وهو يربى كل صفة لأنه الرب .
- وأنت تضع الحمل أمانة لدى الذئب ، فلا تسمح بصحبة الذئب ويوسف .
- فالذئب وإن أبدى لك صفات الثعلب ، انتبه ، لا تصدقه ، فلا يتأتى منه بهاء .
 
1430 - والجاهل وإن يبدي لك الود ، فإنه في النهاية يصيبك بالجراح من جهله
- إن له عضوين فهو خنثى ، ويبدو منه فعل الاثنين بلا شك " الذكر والأنثى " .
- إنه يخفى ذكره عن النساء ، لكي يبدي نفسه أختا لهن .
- ويخفى عورته الأخرى عن الرجال بكفه ، حتى يبدي نفسه من جنس أولئك الرجال .
- وقد قال الله عن فرجه ذلك المكتوم :سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ.
 
1435 - حتى لا يخدع المبصرون لدنيا من ذي الدلال ذاك ، ومن حيلته .
- والخلاصة أنه ليس من كل ذكر تتأتى الرجولة ، فانتبه وخف من الجاهل إن كنت عالماً .
- وصداقة الجاهل ذرب اللسان ، لا تعول عليها كثيرا فهي سم معتق .
- إنه يقول لك : " يا روح أمك ، يا نور العين " ، ومن ذلك لا يزيدك إلا حزنا وحسرة .
- أليست هذه الأم تقول للأب صراحة : " إن طفلى قد حار من المكتب نحيلا جداً " ،
 
1440 - ولو أنك كنت قد أنجبته من امرأة أخرى ، لكان جورك وقسوتك عليه أقل .
 
« 145 »
  
- انتبه ، وفر من هذه الأم وإغوائها ، إن صفعة الأب خير من حلوها .
- إن الأم هي النفس ، والأب هو العقل العظيم ، أوله ضيق وآخره مائة فتوح .
- ويا من أعطيت العقول ، الغوث ، ما لم ترد أنت ، لا يريد أحد قط .
 
1445 - والطلب أيضا منك وأيضاً ذلك الإحسان ، فمن نكون نحن ؟ ! أنت الأول ، وأنت الآخر .
- وقل أنت أيضا ، واسمع أنت ، وكنت أنت موجودا ، فنحن جميعا لا شئ ، مع العديد من الزخرف .
- فمن تحولنا عنك ، زد عندنا الرغبة في السجود لك ، ولا ترسل " إلينا " كسل الجبر وخموده .
- إن الجبر يكون جناحا وقوادم للكاملين ، وهو أيضاً سجن وغل للكسالى .
- فاعلم أن هذا الجبر مثل ماء النيل ، هو ماء بالنسبة للمؤمن و " دم " بالنسبة للمجوسي .
 
1450 - وإن القوادم تحمل البزاة نحو السلطان ، كما تحمل الغربان أيضاً نحو القبور .
- فعد الآن نحو شرح العدم ، فهو كالترياق لكنك تظنه سماً .
- ومثل الغلام الهندي ، انتبه ، أيها الرفيق ، وامض ، لا تكن خائفا من " محمود " العدم .
- وخف من الوجود الذي أنت فيه الآن ، فخيالك هذا لا شئ وأنت لا شئ .
- وقد عشق اللاشىء ، اللاشىء وقطع هباءٌ الطريق على هباء .
 
1455 - وعندما تنعدم هذه الخيالات ، تظهر لا معقوليتك عيانا .
 
« 146 »
ليس للماضين هم الموت إنما لهم حسرة الفوت
 
- لقد صدق ما قاله ذلك القائد للبشر ، إن : كل من غادر الدنيا ،
- ليس لديه ألم أو حسرة أو غبن من الموت ، لكن مائة حسرة عنده تكون من الفوت « 1 »
- إنه يتساءل : لما ذا لم أجعل الموت قبلة ؟ ! وهو خزانة كل إقبال وكل زاد ! !
- وجعلت من جراء الحول قبلة طوال عمرى ، تلك الخيالات التي ضاعت في الأجل .
 
1460 - إن حسرة أولئك الموتى ليست من الموت ، لكنها " حسب قولهم " لأننا توقفنا عند هذه النقوش !
- ونحن لم نر إلا هذه النقوش ، وهذا الزبد ، مع أن الزبد يتحرك من البحر ويجد المدد .
- وكما أن البحر يلقى بالزبد على البر ، فاذهب أنت إلى المقابر وانظر إلى ذلك الزبد .
- وسله : أين حركتك وصولاتك ؟ وهل ألقى بك البحر في بحران ؟ !
- حتى يتحدث إليك لا بشفة بل بلسان الحال ، ويقول : اسأل البحر ولا تسألنا نحن .
 
1465 - والصورة التي كالزبد متى تتحرك دون موج ، ومتى يصعد التراب إلى الأوج دون ريح ؟ !
- وما دمت قد رأيت غبار الصورة فانظر إلى الريح ، وما دمت قد رأيت الزبد ، فانظر إلى بحر الإيجاد " والخلق " .
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 506 :
- قال : ليس للماضين هم الموت ، ذلك أنهم قرناء حسرة الفوت .
 
« 147 » 
 
- هيا ، انظر فإن ما ينفع منك هو النظر ، وما تبقى منك شحم ولحم وسدى ولحمة .
- وشحمك لا يزيد الضياء في الشموع ، ولحمك لا يكون شواء لمخمور .
- أذب كل هذا الجسد " وركزه " في البصر ، امض ناظرا ، امض ناظرا ، امض . . . ناظرا ! !
 
1470 - إن نظرة ترى ذراعين من الطريق ، ونظرة رأت الكونين ووجه المليك
- وبين هاتين النظرتين فرق لا حد له ، فابحث عن الكحل والله أعلم بالسرار .
- وما دمت قد سمعت شرحا عن بحر العدم ، فجاهد دائما حتى تقف على هذا البحر .
- وما دام أصل الصنع هو ذاك العدم ، الذي هو خلاء ودخان ولا أمارة له .
- فإن كل الأساتذة من أجل إظهار عملهم ، يبحثون عن العدم وموضع الإنكسار
 
1475 - فلا جرم أن أستاذ الأساتذة أي " الإله " الصمد ، مصنعه هو العدم والفناء .
- وحيثما يكون هذا العدم أكثر ، يكون فعل الحق ومصنعه .
- ولما كان العدم هو الطبقة العليا للوجود ، فلا غرو أن الفقراء حازوا قصب السبق على الجميع .
- وخاصة ذلك الدرويش الذي صار دون جسد أو مال ، ويكون مشغولا بأمر فقر الجسم ، لا السؤال .
- إن السائل هو ذلك الذي أذاب ماله ، والقانع هو ذلك الذي قامر بجسده .
 
1480 - إذن فلا ترفع " صوتك " بالشكوى الآن من الألم ، فهو جواد مسرع نحو العدم .
  
« 148 » 
 
- وكفانا هذا القدر من القول ، وفكر أنت في الباقي ، وإذا كان الفكر جامدا ، فاذهب ، و " قم " بذكر الله .
- إن الذكر هو الذي يجعل الفكر في حركة ، واجعل من الذكر شمسا لهذا المتجمد ! !
- والأصل في حد ذاته هو جذبة الحق لكني يا أخي ، إعمل . . . ولا تكن موقوفا على تلك الجذبة .
- ولما كان ترك العمل هو من قبيل التنعم ، متى يكون المتنعم جديرا بالمقامرة بالروح ! !
 
1485 - ولا تفكر في القبول أو في الرد أيها الغلام ، ولكن انظر إلى الأمر والنهى على الدوام ! !
- وعلى حين غرة ، يطير طائر جذبة " الحق " من عشه ، وما دمت قد رأيت الصبح ، فأطفىء الشمع آنذاك .
- وعندما صارت العيون نفاذة بنوره ، ترى اللباب في عين القشور ! !
- وترى في الذرة شمس البقاء ، وترى في القطر البحر بأجمعه .
 

.
* * *
قصة هلال الذي كان عبدا مخلصا لله صاحب بصيرة غير مقلد
( 1116 ) : تتناول القصة هنا هلال مولى المغيرة بن شعبة وهو في روايات الصوفية من الأولياء المكتومين وبناءً على رواية نقلها فروزانفر ( مآخذ / 203 - 204 ) عن نوادر الأصول " روى أبو الدرداء قال : كنت مع رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم فقال يدخل من هذا الباب رجل من أهل الجنة فقام رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم إلى الصلاة ، فقال أبو الدرداء فخرجت من ذلك الباب فمضيت ، فنظرت هل أرى أحدا فلم أر أحدا ، فدخلت فقعدت إلى الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم فقال أما أنك لست به يا أبا الدرداء ثم جاء رجل حبشي ، فدخل من ذلك الباب وعليه جبة صوف فيها رقاع من ادم رام بطرفه في السماء حتى قام على رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم فسلم عليه ، فقال : كيف أنت يا هلال ؟ ! فقال بخير يا رسول الله ، جعلك الله بخير ،
 
فقال صلى اللَّه عليه وسلم : ادع لنا يا هلال واستغفر لنا فقال :
رضى الله عنك يا رسول الله وغفر لك ، فقال أبو الدرداء ، فقلت استغفر لي يا هلال ، فأعرض عنى ثم عاودت الثانية
فأقبل على رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم ثم قال : أراض أنت عنه يا رسول الله ، قال نعم ، قال : رضى الله عنك وغفر لك ، ثم خرج وهو رام بطرفه إلى السماء وما يقلع ، فقال صلى اللَّه عليه وسلّم : لئن قلت ذاك إن قلبه لمعلق بالعرش أما أنه لن يبقى فيكم أكثر من ثلاثة أيام فأحصيت الأيام ،
فلما كان اليوم الثالث ، وصلى رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم الفجر خرج من المسجد ونحن معه ، فخرج يوم دار المغيرة بن شعبة فلقى المغيرة خارجا من داره ، فقال له : آجرك الله يا مغيرة ، فقال ، يا رسول الله ما مات في دارنا الليلة أحد ،
قال : بلى توفى هلال فالتمسه رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم فوجده في ناحية الدار في اصطبل له خارا على وجهه ساجدا ميتا ، فأمر أصحابه فاحتملوه وولى أمره رسول الله بنفسه حتى دفن ثم اقبل على أبى الدرداء ،
فقال : يا أبا الدرداء أما أنه أحد السبعة الذين بهم كانت تقوم الأرض وبهم كنت تستقون المطر بل هو خيرهم " وفي العنوان إشارة إلى من وصلوا إلى تحقيق الحقيقة وهم في ثياب العبودية ومنهم لقمان ويوسف عليهما السلام ، ومعنى كان مسلما لكنه كان أعمى ،
 
أي كان مسلما لكنه كان أعمى عن عوامل الباطن فلم يدرك قيمة عبده هلال ، والبيت المذكور لسنائى الغزنوي من حديقة الحقيقة ( البيت رقم 384 ) والمعنى أن الغافل يعلم أن الله موجود لكنه لا 
« 482 » 
 
يستطيع أن يدرك مدى عظمته ، ولا حل إلا أن يفتح الله بصيرته ليرى بها الغيب ويستطيع أن يدرك جوانب هذه العظمة ، والعبارة الموجودة في آخر العنوان ذكرها الأنقروى ( 6 - 1 / 257 )
على أنها حديث نبوي ومن تعليق للأنقروى على البيت الآخر المذكور في العنوان ( في هامش النص ، لأنه ليس موجوداً في كل النسخ ) أنه مأخوذ من قول الإمام على رضي اللّه عنه .حياة القلب علم فاغتنمه * وموت القلب جهل فاجتنبه
 
( 1118 - 1122 ) : المثل الذي ساقه مولانا هنا يبدو وأنه كان من الفكاهات التي كانت شائعة في عصره ، ويضرب بها المثل على الإنسان الذي يكون أكثر تقهقرا في سلوكه بحيث يكون يومه شرا من أمسه وغده شرا من يومه فتحل به اللعنة " من استوى يوماه فهو مغبون ومن كان يومه شرا من أمسه فهو ملعون " .
 
( 1123 - 1129 ) : الحكاية المذكورة هنا تبدو مثلًا ، فالنفس المتقهقرة بمثابة ذلك الجواد الحرون الذي يمضى في سيره القهقرى فلا يصل إلى الهدف ( يذكر بناقه قيس ، انظر الكتاب الرابع ، الأبيات 1535 - 1542 وشروحها ) فإذا كانت النفس حرونا همها الدنيا ، فاجعل ذيلها نحو الهدف الذي تريده ، اجعل سير النفس القهقرى يكون سير الروح إلى الكمال ، عندما تجعل شهوتها دبر ظهرها ، يكون العقل ، ليس ذلك العقل الذي تعلمه ، بل العقل الشريف العالم بالروح والمتصل بها والذي لا يعارضها .
 
( 1130 - 1135 ) : ما أسعد أولئك الذين يسيرون في طريق الحق قدما لا يتقهقرون ولا يتراجعون ، يعرفون أن الطريق مهما طال ومهما كان صعباً فهو مقطوع لا محالة ، وانظر إلى موسى عليه السّلام الذي قال :لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً ( الكهف / 60 ) ( انظر أيضاً الكتاب الثالث ، الأبيات 1969 - 1971 وشروحها ) لقد كانت لديه الإرادة والنور الإلهى والتوفيق الرباني ( وهما دائما مع الإرادة التي هي في مصطلح الصوفية الطلب
 
« 483 » 
 
والإقامة عليه ) هذا سير جسده فما بالك بسير روحه ( سير العارف في كل لحظة حتى عرش المليك البيت 2182 من الكتاب الخامس ) هؤلاء هم الفرسان الحقيقيون ، همالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ( الواقعة / 10 ) .
 
( 1136 - 1139 ) : يضرب مولانا مثالا آخر : ذلك المسافر الذي هده البرد الشديد ، فوصل إلى قرية ، وأراد أن يدخل دار ليستريح ، فهتف به هاتف من داخل الدار ، بل دع متاعك خارج الدار وادخل واسترح " دع نفسك يا بنى وتعال " وهكذا فإن أردت تلك الدار ، وإذا أردت أن تستريح منها من وعثاء الطريق وآلام الدنيا ، فدع كل ما أنت متعلق به باذل فيه جهدك صارف إليه قلبك ، تجرد ثم ادخل .
 
( 1140 - 1144 ) : يذكر مولانا هلالًا على أنه كان أستاذاً في الطريقة نور قلبه بنور الله ، كان سائساً في اصطبل الأمير ، هذا ظاهره ، لكنه كان سلطان سلاطين الطريق قال عنه الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم [ ما أطلت الخضراء ولا أقلت الغبراء مثل يقين هذا العبود لو أقسم على الله أن يغفر لأهل الأرض جميعاً لفعل ]
وفي رواية المولوي أن عمراً رضى اللّه عنه حضر غسله مع الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم والراوي في الرواية ليس أبا الدرداء لكنه أبو هريرة ( مولوى 6 / 164 - 165 )
لكن الأمير والمقصود سيد هلال لم يكن يدرك من أمره شيئاً كان ينظر إليه نظرة إبليس إلى آدم وعلى أنه مجرد ماء وطين ، لم يكن ير داخله تلك الروح العظيمة التي ميزت آدم ، لقد رأى الحواس ولم ير أصل الحواس ، وهذه هي النظرة التي أضلت الكفار عن الأنبياء وقالوا لهمإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا.
 
( 1145 - 1154 ) : المنارة هي الجسد ، والبازي الملكي هو الروح ، وهناك آخر يرى الطائر مجرد طائر إنه مؤمن لكنه ليس عارفاً ، وثالث يكون من العارفين فيرى الإفاضات العلمية والأنوار الروحانية الموجودة عند الطائر ذلك لأنه ينظر بنور الله ، فالطير هو العلم ، والشعرة هي اليقين . وهكذا فضع عينيك على هذه الشعرة الدقيقة في فم الطائر حتى تنكشف
 
« 484 »
 
لك الأمور ، إن الأول ركز على الطين المصور المنقوش في الوحل ( الجسد ) لكن الآخر رأى العلم والعمل وقوله : سواء افترضت أنها ثلاثمائة طائر أو طائران : أي سواء أفترضت هذا العلم وهذه الطاعة قليلة أو كثيرة ، والرجل الأوسط : المؤمن الذي لا يعترف بالباطن ( سيد هلال ) هو الذي يرى الطائر ، لكنه لا يرى الشعرة ، وهي النور ، وهو نور مستمر ومتواصل لأنه متصل بالنور الإلهى ( كاتصال الدن بالبحر فيكون له ما للبحر ولا ينفذ ماؤه ) . ليس الأمر عنده مستعاراً لكنه أصلى .
 
( 1155 - 1163 ) : عودة إلى قصة هلال : لقد مرض هلال ، ولم يدر سيده بمرضه ، فهو مجرد عبد لا يفتقد إذا غاب ، لكن في حين كان سيده لا يدرى عنه شيئاً ، فإن سيد البشر الرحمة المهداة فقد علمه ، لأن علمه وأصل إلى كل مكان فهو مستمد من الوحي ، فها هو القمر وفي أثره النجوم [ أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ] .
 
( 1172 - 1174 ) : هلال العرش أي ذلك الموجود السماوي المتصل بعرش الله ، إنه متخلق بأخلاق الملائكة ، جاء إلى الدنيا لتفقد أحوال أهلها ، فهو جاسوس على القلوب ( عن عبارة لأحمد بن عاصم الأنطاكي : جالسوهم بالصدق فإنهم جواسيس القلوب ) ( استعلامى 6 / 280 ) .
 
( 1180 - 1191 ) : إن محبته صلى اللَّه عليه وسلّم محت عن الإصطبل كل ما فيه من سمات ( مثلما محت عن الدنيا كل ما فيها من أدران وأوشاب ) لقد شم هلال رائحة الرسول كشذى غير معهود وسط هذا المحيط مثلما شم يعقوب عليه السّلام رائحة يوسف عليه السّلام من القميص فارتد بصيراً ، إنها رائحة التجانس ، لا يشمها إلا من كان من جنسها
( انظر الكتاب الرابع 2670 - 2675 وشروحها والكتاب الذي بين أيدينا 2980 - 2990 )
ولهذا تكون المعجزات : إنها بالنسبة للعدو قهر لكنها بالنسبة للحبيب إبرازٌ للتجانس وجذب وجلب ، فالحبيب مؤمن سواء رأى المعجزة أو لم يرها ، ومن ثم ألهم الله سبحانه وتعالى أبا بكر الصديق رضي اللّه عنه عندما رويت له معجزة
 
« 485 »
  
المعراج ولم يكن قد قابل الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم بأن قال : إن كان قد روى ذلك فقد صدق ، ولم ينكر حتى وهو على البعد ، وهكذا يبرز هلال محبته وشوقه إلى الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم ولا يسأله حتى أن يدعو له بالشفاء ، إن مجرد الرؤية رويت في هلال أرضاً ظمأى ، وأشرقت بها الشمس في باطنه .
 
( 1192 - 1197 ) : وهكذا كان هلال آمناً من الغرق في هذا البحر مثلما كان عيسى عليه السلام آمناً على الماء ، وأضاف الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم لو ازداد يقيناً لمشى على الهواء ، مثلما كان الهواء مركب الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم ليلة المعراج ، إن مجرد رؤية هلال للرسول منحته إحساساً بالعلو والتسامى وحررته من العبودية والدونية ، وأنقذته من الفقر الجسدي ، ونقلته إلى الغنى الروحاني الذي لا فقر بعده .
 
( 1198 - 1207 ) : ينطلق مولانا جلال الدين في حالة هلال الخاصة التي تبدلت تماماً بمجرد إشراق شمس الكائنات عليها ، إلى الحديث عن أن الإنسان عموماً يستطيع أن يتخلص من كيفيته ( حاله ، وضعه الحاضر وواقعه المر المداس المهان ) وهذا التخلص من الكيفية يعنى ارتفاع المرء عن ظروفه وتساميه عن واقعة وتعلقه بالعالم المطلق ، هنا ينجو من دنسه وتعلقه بالدنيا وشهواتها ونزواتها وانغماسه فيها وجعلها مبلغ علمه ومنتهى إدراكه واهتمامه ،
 
وهذا التعلق بالعالم المطلق يجعله إنساناً واهبا للأحوال والكيفيات وليس محبوساً في إطار محدود من أطر الدنيا ، فشرط الخلاص من الكيفية هو الطهارة من الحالة التي يجد فيها المرء نفسه في الدنيا ، طهارة الظاهر وطهارة الباطن ، فإن الله طهور لا يقبل إلا طهورا .
 
 وقال القشيري : للظواهر طهارة وللسرائر طهارة ، فطهارت الأبدان بماء مطهر وطهارة القلوب بالندم والخجل . ( مولوى 6 / 173 ) .
وعند الانقروى أن قول مولانا هو مصداق لهذا البيت :ما لم تقامر بنفسك كلية * فأنت جنب نجسأنقروى : 6 - 1 / 274


« 486 » 
 
لكن كيف يكون ذلك ؟ ! كيف لا يقترب الدنس من الماء وطهارته لا تكون إلا بالماء ؟ !
وإلى من يلجأ المذنب لكي يتوب إذا كان شرط اقترابه أن يكون طاهراً من الذنب ؟ !
كيف لا اقترب من حوض ماء الطهور ولا يوجد خارج هذا الحوض إلا التراب ؟ !
وكيف لا أختلط بالطاهرين ما دمت لن أحصل على هذه الطهارة طالما أنا موجود بين المذنبين ؟ !
إن الماء أي كرم الله تعالى يقبل المذنبين والدنسين ويطهرهم جميعاً دون أن يلحق بي أدنى دنس .
 
( لتفصيل هذه الفكرة انظر الكتاب الخامس ، الأبيات 201 - 236 وشروحها ) . وما البديل لهذا ، هل يقضى المشتاق في شوقه والمتحسر في حسرته ؟ !
 
( 1208 - 1222 ) : ما دام الحديث عن الهلال فلا بد أن يتداعى الحديث عن البدر ، وما البدر إلا ذلك المريد الكامل الذي قبل نور الشيخ بأجمعه ، وهو بالنسبة لمولانا حسن حسام الدين الذي لقبه مولانا بلقب ضياء الحق ، وهو يحتوى على نور لا يشاهده الدنسون والأشرار
 
 ( شر الطيور ) فالخفاش لا يستطيع أن ينظر إلى الشمس ، والناقصون لا يقبلون نور هذا البدر ولا يحسون به لأنه محجوب عنهم بشدة ضوئه ولمعانه وتألقه وارتقائه المستمر في مدارج الطريقة ومراحلها ، وفرق كبير بين نور البدر ونور الهلال ، وما دمنا قدم تحدثنا عن هلال فلنتحدث قليلا عن نور البدر ، ذلك أن هناك اتحاداً بين البدر والهلال
 
( فالأولياء كنفس واحدة ) والمغايرة بينهما من حيث الصفات لا من حيث الذات ( مولوى 6 / 175 ) ، لكن هذا ليس المقصود ، فالهلال هو السالك الذي يرتقى في مدارج الطريق مرحلة بعد مرحلة في سماء ليل الحياة المظلمة ، وهذا هو الطريق الصحيح بالنسبة للسالكين . فكيف يتم النضج دون تدرج ؟
 
إن الأمر ليس من قبيل " السلق " بل هو تحمل لنار الطريق قليلا قليلا وبتأن ودون عجلة - لقد خلق الله الدنيا في ستة أيام - وكان يستطيع أن يخلقها ب " كن فيكون " وكان يستطيع أن يخلق الإنسان بنفس الأمر لكنه خمر طينته أربعين صباحا ( أحاديث مثنوى / 198 ) وذلك لكي يعلم الإنسان أن الأمور تؤخذ بالتدريج ، فالتأنى من صفة الرحمن والعجلة من الشيطان .
  
« 487 » 
 
( 1223 - 1227 ) : إن هذا ليس مثل الساذج الذي يقطع الطريق عدواً كي يصل إلى مرتبة الإرشاد وهو لا يزال طفل الطريق . ما أشبه هذا بقول العطار :
لقد تحملت كثيرا من المشاق عمرا طويلا * حتى فتح لي باب واحد بمائة مذلة وأنت كيف تصل إلى هذا الباب بهذه السرعة * وكيف تصل إلى السطح من الدرجة الأولى ( سبزوارى / 432 )
 
وما أشبهه في تسلقه وارتكانه على غيره بثمرة القرع الواهية تتسلق على شجرة شامخة ، لكن لأن جذورها ليست ممتدة في الأرض لا تلبث أن تصفر وتسقط ، بينهما لا تحس الشجرة لا بتسلقها ولا بسقوطها ،
 
وقد لا يرى الناظر وجودها الهزيل بين أغصان الشجرة المتساقطة ، وما أكثر المتسلقين في هذا العالم يقفون على أكتاف الآخرين فإذا سقطت الأكتاف سقوطا وإذا لم تسقط سقطوا أيضاً ، وما اشقى ذلك الذي لا يرتكن على ذاته بل يرتكن على أكتاف الآخرين ، وما أشبهه بذلك الجمال المستعار الذي يأتي من الخضاب يزول ، بزواله ويحل محله قبح لا يحتمل .
 
( 1228 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت مأخوذة من التراث العربي ومن أبيات نسبت في ربيع الأبرار لرحال بن ممدوح الحميري وفي عيون الأخبار لأحد الأعراب :
عجوز ترجى أن تكون فتية * وقد غارت العينان واحدودب الظهرُ
تدس إلى العطار سلعة أهلها * وهل يصلح العطار ما أفسد الدهرُ
 
أما راوية الزمخشري :
فما غرنى إلا خضاب بكفها * وكحل بعينيها وأثوابها الصفر
أتوني بها قبل المحاق بليلة * فكان محاقا كله ذلك الشهر
ألا ليتهم زفوا إلى مكانها * شديد القصيرى ذا عرام من النمر
إذا شد لم ينكل وإن هم لم يهب * جرىء الوقاع لا ينهنه بالزجر
 
« 488 » 
 
كما أن الأبيات التي نسبها الزمخشري في ربيع الأبرار لأبى طلق عدى بن حنظلة التميمي تقترب من مضمون الحكاية وهما :إستعينى بقطرة من جمال * هي خير من كل ما تصنعينا
ذاك أدنى للحسن من أن تخفى * بخيوط الكتان منك الجبيناوأشار الشاعر الفارسي خاقانى ( القرن السابع اهجرى ) إلى هذا المعنى في قوله :
لا تخدعى القلب بألوان الدنيا فليس هذا بالجدير * فكيف يجعل الخضاب من العجوز شابة ( عن مآخذ فروزانفر ، صص 204 - 205 )
 
( 1234 - 1242 ) : يترك مولانا الحكاية فلا يعود إليها إلا من البيت 1274 ، ويقدم الصورة المقابلة للشاب الذي يريد أن يأخذ مكان الشيخ والمرشد ، أولئك الذين شابوا وشاخوا ولم يتركوا التحامق ولم يقلعوا عن إيذاء الخلق ، ولم يقلعوا عن الحرص ، وأولى بالشيخ أن يترك الحرص ، وحتى الكلب عندما يشيخ وتتساقط أسنانه يقلع عن عقر الناس ويكتفى بأكل البعر ، لكن هؤلاء الشيوخ الذين يخفون شيخوختهم بملابسهم الأنيقة الغالية ، ويتصابون ويرتكبون الموبقات ، وليس هناك عند الله أكثر سقوطا من شيخ عاص فاسق هؤلاء هم حطب جهنم ، وملائكة العذاب في انتظار سلخ جلودهم على فحوى " من جاوز الأربعين ولم يغلب خيره شره فليتبوأ مقعده من النار " ( مولوى 6 / 178 ) ،
 
ومع ذلك يود هؤلاء لو يعمرون ويسعدون أيما سعادة عندما يدعو لهم بطول العمر ، ولعله يريد أن يزيد في رصيد شره وذنوبه ، في حين أنه لو علم أنه لو أخذ سريعا لكان خيراً له وأولى به أن يرد هذا الدعاء على قائله .
 
( 1243 - 1247 ) : وما أشبه هذا الدعاء بطول العمر بذلك الشحاذ الذي دعا لذلك الجيلاني بأن يرده الله إلى أهله ، فإذا بالجيلانى يقول له : إذا كنت تقصد هؤلاء الأهل الذين ابتعدت عنهم لشرورهم فردك الله أنت إليهم ، إن الجيلاني رد دعاء السائل الذي دعاه له بنية الخير
 
« 489 » 
 
وهكذا الأراذل والسفهاء يقتلون المعاني السامية في نفوس قائلها فلا ينطقون بها ، وينزلون بهم إلى مستواهم في الحديث على أساس " أن الله يلقن الحكمة على لسان الواعظين بقدر همم المستمعين " ( أحاديث مثنوى ، ص 198 ) ، كما ورد على لسان الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم [ نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم ونكلم الناس على قدر عقولهم ] ( مولوى 6 / 179 ) .
 
( 1248 - 1255 ) : يدل العنوان على أن مولانا سوف يعود إلى حكاية العجوز لكنه لا يعود إليها وإن كان قد قام بوصفها ووصف كل أولئك الذين هم على شاكلتها : أولئك الذين يتوقفون عند شهوة معينة أو هوس معين ثم لا يتحركون وكأنهم هذه العجوز الذي تريد أن تعيش في غير زمنها ، فلا أساس لهم ولا رأس مال حتى قابلية القيم انعدمت عندهم ، لا هم يعطون ، ولا معاني لديهم ، ولن تكون لديهم ، لا لسان لهم يتحدثون به ، لا عقل لديهم يفكرون به ، ولا غيبة لديهم ولا صحو ، ولا دلال ولا جمال ، بل عفن فوق عفن ، لا حماس لطريق أو لشئ ، ألا يلتقى المرء بكثيرين على هذا النسق في حياته اليومية ؟ !
 
( 1256 ) : اللطيفة التي تبدأ بهذا البيت تجاهل شراح المثنوى الإشارة إلى أصولها وهي تذكر بحكاية واردة في الكتاب الثاني عن حكاية جحا وابنه ، حينما كانا يشهدان جنازة وكان أحدهم ينوح خلف النعش واصفا القبر دون أن يذكره فقال ابن جحا لأبيه : تراهم يأخذونه إلى منزلنا ؟ ! ( الأبيات 3127 - 3138 من الكتاب الثاني ) ولا بد لهذه الحكاية من أصل .
 
( 1265 - 1273 ) : يقدم مولانا صوراً أخرى لذلك الذي لا يتميز بأي سمات أو صفات فلا هو بالبازى ( الشيخ ) ولا هو بالطاووس ( حسن الظاهر ) ولا هو بالببغاء ( الفصيح أو الشاعر ) ولا هو بالبلبل ( المطرب أو المنشد أو القوال ) ولا هو بالهدهد ( الدليل والقادم بالرسائل ) ولا هو باللقلق ( الوقور المتسامى ) فماذا يكون ؟ !
 
وينصح مثل هذا الصنف من الناس : هيا ما دمت حتى الأن لا تتميز بأي ميزة بحيث يشتريك الناس ، فاسم إلى دكان الفضل ، فالله مشتريك مصداقا لقوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ ( التوبة / 111 ) ، وثق
 
« 490 »
  
بأنك الرابح لأن الله سبحانه وتعالى يقول في حديث قدسي [ إنما خلقت الخلق ليربحوا علىّ ولم أخلقهم لأربح عليهم ] ( أحاديث مثنوى ، ص 58 ) .
 
( 1274 ) : لولا بعض الأبيات التي أضافها جعفري من نسخة مزيدة من المثنوى لكان المعنى غامضا بحيث وقع استعلامى في الخطأ ففسر الذهاب إلى العرس بأنه طلب الزواج أو الرغبة في الزواج والواقع أنها مدعوة في عرس .
 
( 1288 - 1296 ) : الكلام هنا موجه إلى العجوز وفي نفس الوقت إلى كل أولئك الذين يعيشون عالة على مواجيد غيرهم وكدهم وسعيهم وأولئك الذين يتشدقون بكلام المشايخ ، وما هذه الأقوال إلا كالخضاب على الوجه القبيح ليس منه في شئ ، ثم يأتي الموت ذلك المحك ، الذي يظهر الزيف من الصحيح ، ولا ينفع مقالٌ في يوم الفعال ، إنه عالم الصمت ، فليتك أيها المدعى تسكت قبل أن تلحق بهذا العالم ، وأجل صدرك من الصدأ الذي ران عليه يتفتح ويصير قابلا للحقائق ، تنقش عليه الصور والعلوم والمعارف ، وينزل عليه الفيض ، ألم أقل لك من قبل إن كتاب الصوفي ليس من الحروف المكتوبة على الأوراق ، بل إن قلبه دفتر أبيض كالثلج ( البيت 160 من الكتاب الثاني )
 
وألم يقل لك غيرى إن علم العشق ليس موجودا في كتاب ، إنك تستطيع أن تعود شابا جميلا لكن ببركة فيض الشيخ ، كما فاض دعاء يوسف عليه السّلام على زليخا فردها جميلة شابة ، وألم تكن نخلة مريم جافة لا تثمر ، لكن حرقتها ودعاءها وحاجتها جعلتها تساقط عليها رطبا جنيا ( انظر 3498 من الكتاب الرابع ) .
 
( 1299 - 1315 ) : بدأ مولانا إحدى الحكايات هنا ثم تركها بعد بيت واحد ولم يهتم شراح المثنوى بالبحث عن أصل للحكاية عن أساس أنها تبدو من اللطائف الشعبية التي كانت سائدة في زمانه ، وينطلق مولانا من فكرة أن حركة نبض عرق اليد تدل على ما في القلب إلى فكرة أن كل خفى وراءه ما يحركه ويدل عليه ( انظر لتفصيل الفكرة الكتاب الرابع ، الترجمة العربية ، الأبيات 125 - 155 وشروحها ) ، وحين يكون القلب ثملا فإن ذلك يبدو في منظر
 
« 491 » 
 
العينين ، وهكذا حتى أعلى قيمة في هذه الحياة وهي معرفة الحق ، فقد أرسل الرسل بالمعجزات التي لا تجرى على يد بشر عادى لكي يدل على نفسه ، ومن بعد الرسل هناك الأولياء وكراماتهم وهؤلاء يؤثرون فيمن حولهم ، ويعطونهم مما لديهم ، فتنتقل إليهم السعادة من السعداء مصداقا للقول المأثور " من أراد أن يجلس مع الله فليجلس مع أهل التصوف " ( مولوى 6 / 187 )
 
وإذا كانت المعجزة قد أثرت على الجماد فحولت الحجر إلى متحدث وانشق القمر وتحولت العصا إلى حية وتحدث الحصى وأن الجزع ، وكلها آثار ليست من هذه الجمادات تخلقها تلك الروح الحلوة التي تجلى تأثيراتها على الجمادات فما بالك بالبشر ، لا بد وأنهم سوف يتأثرون إذا لم تكن قلوبهم أقسى من الحجارة ، إنها كمائدة عيسى عليه السّلام نزلت من السماء دون انقطاع ، وهي كذلك النخل الذي هزته مريم وكان جافا فتساقط رطبا جنيا ، وهذه المعجزات لا بد لها من روح كاملة هي روح المرشد الذي يستطيع أن يجعل المريد يتقبلها ،
 
هذا إذا كان طائر هذا البحر ولم يكن طائر بريا لا يستطيع أن ينزل بحر المعنى والفضل الإلهى " وهكذا الناقص لا يصل إلى الكرامات وكلما رأى كرامة ظنها استدراجاً " لأنه لا إخلاص له ولا استعداد لديه فالكامل في الحقيقة في خصوص الكرامات برئ من النقصان والهلاك ، لأنه قادر على التمييز بين الكرامة والاستدراج يعلم محل إظهار الكرامة ومحل إخفائها ، فكل ما ظهر منه موافق لإرادته تعالى فإذا أثرت في ضمير التابع قيل لها كرامة ، ( مولوى 6 / 189 - 190 ) .
 
( 1316 - 1325 ) : لا يزال مولانا يتابع الحديث في هذه النقطة : إن الأمور كلها عطايا :
فعطية من لم يؤذن له الإنكار والعجز وعدم الفهم ، وعطية النجى الملازم القدرة على الفهم والتقدير والتقبل ، فإن لم تجد في نفسك أثرا للمعجزة والكرامة فتتبع الظاهر لكي تصل إلى الباطن ، فإن الظاهر عنوان الباطن ، فالآثار الظاهرة على الحواس مخبرة عن المؤثر ، واللسان ترجمان القلب ، ولديك دلائل كثيرة على هذا الأمر . فإنك إن نظرت إلى الدواء لن
 
« 492 » 
 
تستطيع أن تدرك قوة الشفاء فيه ، فإذا انتقلت من القوة إلى الفعل أدركت قيمة هذا الدواء من الشفاء الذي تصل إليه عن طريقه ، وفي كل ما تراه ولا تعرف آثاره يكون كل ما تراه قشرا ويكون اللب مختفيا في داخله ، وكلها آثار الحق ، ودلائل وجوده المطلق ، وإنك متعلق بالمظهر والأثر والعلامة ، ومنصرف عن واهب الأثر ، وهكذا تعلقك بالخلق : فأنت متعلق بإنسان لجماله أو لجاهه أو لسطوته أو لماله ، لكنك تنصرف عن سلاطين الدين أولئك الذين طبقت شهرتهم وآثارهم الشرق والغرب ، وهذا كلام لا نهاية له أيها العظيم ، لكن متى كانت هناك نهاية لطلب العلم الإلهى ، إنني أدعو الله ألا يصرفنا عنه أبداً ! !
 
( 1332 ) : إشارة إلى الآية الكريمةإِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا ، أَ فَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ ، اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ( فصلت / 40 ) . والمقصود هنا أن الكافر لا يقبل علاجا . قال نجم الدين كبرى " أفمن يلقى في النار وهي الطبيعة الإنسانية النفسانية الحيوانية التي هي منشأ دركات جهنم خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة ، أي منظور بنظر عنايتنا محفوظ من شر نفسه بفضل رعايتنا وقوله اعملوا ما شئتم إشارة إلى كلاءتهم إلى هوى أنفسهم فإنهم بالطبع يهوون إلى الدرك الأسفل ( مولوى 6 / 192 ) .
 
( 1337 ) : في النص حمزه يرست وفي ترجمة كلمة حمزة اختلاف ، فالأنقروى والمولوي واستعلامى ترجموها بحساء البرغل ، بينما يرفض فروزانفر هذه التسمية رفضا تاماً ويترجم حمزه بالجر جير ( حواشي معارف بهاء ولد ، ج 2 ، ص 186 - 188 )
ويحتج بمعاجم لغوية وأشعار عربية تراثية ويرد ترجمة يوسف بن أحمد المولوي ، وتبعه في هذا سعد صادق كوهرين في معجمة " فرهنگ لغات وتعبيرات مثنوى " ج 4 ، ص 166 - 167 ، من طبعة طهران 1341 انتشارات دانشكاه طهران ) .
 
( 1339 ) : إشارة إلى الآية الكريمةوَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ( البقرة / 195 ) .
 
« 493 » 
 
( 1343 - 1351 ) : يترك مولانا سياق الحكاية ويتحدث عن مرض من الأمراض الشائعة بين الخلق ويشبهه بالسل " من الشائع قديما أن مريض السل يظن نفسه في تحسن وهو يسرع نحو الهاوية " هذا المرض هو أن أي إنسان يتعرض لبعض المشاكل يصب غضبه وصفعه على الآخرين وكان للآخرين دخلا في الأمر ، ويرى مولانا أن الأمر كله من الشيطان وربما يقصد أن هذا الذي أبتلى من الله بدلا من أن يتوجه إلى الله ليرفع عنه البلاء يسول له الشيطان أن ينفس عن نفسه في ظلم الآخرين وإيذائهم فهو يفهماعْمَلُوا ما شِئْتُمْ
على أساس أنه مطلق اليد في الخلق ، بدلا من أن يعالج المريض نفسه ويلجأ إلى الله تعالى يبحث عن عيوب الخلق وهو إنما يعالج نفسه بالهوى ، ويغفل عن الجزاء ، إن الشيطان الذي سول له ذلك هو الذي وسوس لآدم بأن شجرة القمح هي السبيل إلى الخلود والحياة الدائمة وقال لهما أي لآدم وحواء ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ ( الأعراف / 20 ) لكن إياك أن تنسى أن هذه الصفعة ردت لإبليس ، وكان آدم كالجبل فيه السم والترياق
 ( الصورة من حديقة سنائى البيت رقم 429 من الترجمة العربية لكاتب هذه السطور ، دار الأمين ) وما الترياق في وجود آدم إلا الاستعداد للتوبة والاعتراف بالذنب والسير في طريق الحق .
 
( 1352 - 1360 ) : التوكل الخليلي إشارة إلى توكل الخليل إبراهيم عليه السّلام ، وهو يذبح إسماعيل عليه السّلام اعتمادا على الحق وعلى أنه سوف ينجيه ( انظر أيضاً البيت 4177 من الكتاب الثالث )
والإشارة إلى عبور موسى عليه السّلام وقوم موسى للبحر ، وليس النيل ، كما هو موجود في النص ، والمقبل هو الذي ينجو من الخطر المحقق ، ويزل ، ثم يعود إلى وعيه ، وكلها من عطايا الحق سبحانه وتعالى ، لكن لم إذا يكن لديك اليقين في أن الله تعالى سوف ينجيك لا تضع نفسك في مواقع الخطر والزلل ، فمن منارة الغرور وعبادة الذات ، كم سقط كثيرون ممن لم يكن لهم هذا الإقبال ، فدقت رؤوسهم ، مثل قوم عاد الذين أهلكت ظواهرهم وبواطنهم بريح
 
« 494 »
 
الصرصر ، وإذا كنت لا تستطيع السير على الحبال فسر على الأرض ، وجناحاك من الورق فلا تطر بهما ، وهنا إشارة إلى قصة إسماعيل بن حماد الجوهري ، مؤلف الصحاح ، الواردة في معجم الأدباء لياقوت ( ج 6 / 157 ) إذا اعترته وسوسة فانتقل إلى الجامع القديم بنيسابور فصعد إلى سطحه وقال : أيها الناس إني عملت في الدنيا شئيا لم أُسبق إليه فسأعمل للآخرة أمرا لم أسبق إليه وضم إلى جنبيه مصراعي باب وربطهما بحبل وصعد مكانا عاليا من الجامع وزعم أنه يطير فوقع فمات .
 
( 1361 - 1365 ) : يعود مولانا إلى قصة المريض والصوفي في بيت واحد ثم ينتقل إلى الحديث عن تقدير عواقب الأمور ، ولو أن ذلك الطائر قدر عواقب الأمور لرأى حبل الشراك ولم ير الحبة ، ولو أن كل امرئ نظر إلى عواقب الأمور لحفظ جسده ونفسه من مصائب كثيرة ، وسيدنا محمد صلى اللَّه عليه وسلّم هو النموذج لتقدير العواقب وهو القائل [ ما رأيت في الخير والشر كاليوم ، إنه صورت الجنة والنار حتى رأيتهما ، دون الحائط ] ( أحاديث مثنوى / ص 199 ) .
 
( 1366 - 1387 ) : إن النظر إلى العاقبة يستوى مع النظر إلى العدم كأساس للوجود ويشير مولانا إلى أنه تحدث عن هذا الموضوع كثيراً ( انظر على سبيل المثال لا الحصر ، الأبيات 492 إلى 496 والبيت 2595 من الكتاب الأول ، طبعة استعلامى والكتاب الثاني ، البيت 690 والكتاب الثالث البيتان 3373 و 3374 والكتاب الخامس الأبيات 1027 - 1036 ومواضع أخرى عديدة ) ويقدم مولانا بعض الأفكار الجديدة حول هذا الموضوع
 
( وان كان بعضها قدم أيضاً ) وتدور أيضاً حول فكرة أن الصانع لا يصنع فوق شئ مصنوع ، إن كل صنعة فكرة ، البداية من العدم ، ثم بناء على عدم ، فالوجود قبل أن يكون صوريا يكون فكرة ويكون خيالًا ثم يكون حقيقة وبناء ، ومن ثم فإن من سذاجة الإنسان أن يهرب من هذا العدم ولا يطلب منه : فيطلب العلم من المدارس مع أن علم المدارس علم متغير ومتبدل ، ويطلب
  
« 495 »
  
الزرع من الأرض ، ويطلب الكسب من الحوانيت ، إن كل بحث أوله العدم ، فكيف يتوقى الإنسان من العدم وكيف يهلع منه ؟ إن العدم هو الوجود غير المرئى وهو الوجود المطلق ( انظر أيضاً الأبيات 809 ، 810 ، 922 ، 2779 ، 3577 من الكتاب الذي بين أيدينا ) إن العدم هو بحر المراد ، فالموت زاد بينما نسميه عدما ورقى بينما تعتبره تنزلا وبداية بينما تعتبره أنت نهاية ، ما هذا الظن السىء ، وكيف تنظر إلى الوجود وهو عدم تفر من العدم وهو وجود ؟ إنه سر صنعته التي لا تعرف عنها شيئاً وسوف تعرف ذلك غداً ( لتفصيل هذه الفكرة انظر الكتاب الخامس الأبيات 421 - 459 وشروحها ) .
 
( 1389 ) : الحكاية الواردة هنا كما أشار مولانا منقولة عن فريد الدين العطار دون تحديد لمنظومة . وهي واردة في مصيبت نامه للعطار ( ص 276 من نسخة تحقيق د . نوراني وصال ، تهران ، زوار ، 1338 ه . ش ) وواضح أن الطفل هنا نموذج للعبد الذي لا يعرف لطف الحق ويفرمنه ، وأم الطفل رمز للطبع والنفس ومحمود رمز لسلطان السلاطين الذي ينظر إلى قهره ولا يدرى أحد لطفه ( استعلامى 6 / 290 ) .
( 1392 ) : يشير إلى مولانا إلى أن القصة موجودة بتفصيلاتها عند العطار ، والحقيقة أنها لا تزيد في تفصيلاتها عما يرويه مولانا جلال الدين هنا .
 
( 1406 - 1412 ) : يقدم مولانا المستفاد من الحكاية : فمحمود في رأى مولانا هو الفقر الذي تخوف منه دائما أم الطبع أو النفس التي يسول لها الشيطان الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ ( البقرة 268 )
ولو علم كل إنسان قيمة الفقر وأن المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم فخر به فقال [ الفقر فخرى ]
ودعا لنفسه به فقال [ اللهم أحيني مسكيناً وأمتنى مسكيناً واحشرنى في زمرة المساكين ] لدعا الله أن يجعله في هذا الطريق المحمود العاقبة ( انظر الكتاب الأول البيت 2357 والكتاب الخامس البيت 674 والأبيات 715 - 717 وشروحها )
وأنها أم الطبع تلك التي تخوفك من الفقر مثلما كانت أم الغلام الهندي تخوفه من السلطان محمود بالرغم من 
 
« 496 »
  
أنه رأى على يد محمود من الإقبال ما لم يكن يحلم به ، فإذا سلك طريق الفقر فإنك سوف تبكى سروراً مثلما كان الغلام الهندي يبكى في حضرة محمود . وهكذا يأخذ الجسد طريق روحك ويخدعك بأنه يربيك ويظهر رقة مفسدة ، ورقة الأم دائماً ما تكون مفسدة بل يلزم أب العقل ، وقسوته أكثر فائدة للطفل من رقة الأم وحنانها ، وهذا الجسد ظلوم ، لأنه يسد عليك طريق الروح ، ويوهمك أن فيه الحماية لك في حين أنه كهذا الدرع المكون من حلقات متراصة لا يرد حرّاً ولا يحمى من برد .
 
( 1413 - 1429 ) : لكن هذا الجسد ، هذا الرفيق السىء لازم للطريق ولا يخلو من فائدة ، فإنه يعلم الصبر ويجعلك دائماً منتبهاً إلى الطريق ، ويشرح الصدر لأن صبرك هو طريق الفرج ، ثم هل يتجلى القمر إلا في ظلمة الليل ؟ وهل يتجلى جمال الورد إلا إذا كان محاطاً بالأشواك ؟ ( لتفصيل الفكرة انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الرابع والأبيات 575 - 581 من الترجمة العربية للكتاب الخامس وشروحها ) ،
أنظر إلى الصبر كيف يحول الفرث والدم إلى لبن سائغ للشاربين ؟ أو أقرأ قوله تعالى وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ ( النحل 66 )
أو فارجع إلى أول بيت في الكتاب الثاني ( تنبغى مهلة كي يصير الدم لبناً سائغاً ) ، وألم يكن كل ما ناله الأنبياء من دولة سرمدية خالدة نتيجة صبرهم على المنكرين الكفار وعلى أذاهم ، دعك من كل هذا وانظر إلى الناس : أليس كل من تراه يحيا في رفاهية إنما يكون ذلك من صبره على كسبه وتحمله ، وبالتالي فأن كل من لم يمارس كسباً بصبر بقي عارياً محروماً ، وهكذا فإنك إن لم تصبر على الأليف الوفي لا نقطعت عنه ووقعت بين براثن الآفلين ، علمت إذن من هو الأليف الوفي ، ومع من ينبغي أن يكون أنسك ، مع الذي لا يأفل ، مع من تزداد بالألفة معه علماً وعطاءً كالذهب النضار ،
مع ذلك الذي يقدر عملك ، يجيزك على الحبة بسبعمائة حبة وقد يضاعف لك ، إنه أعلم بطبعك ، وأعلم بما يرضى هذا الطبع ، تراك تترك هذه الألفة
 
« 497 » 
 
العظيمة ، ثم تمضى وتكون ألفتك مع الذئاب !! دعك من الذئاب ، ولتكن ألفتك مع تلك الروح الجميلة، تلك الروح الأليفة التي لا تضيعك ولا تخوفك ولا تبيعك ولا تلقى بك في بئر الغرور.

.
* * * 
* * *
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: