الأربعاء، 2 سبتمبر 2020

16 - الهوامش والشروح 129 - 439 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

16 - الهوامش والشروح 129 - 439 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

الهوامش والشروح 129 - 439 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

شرح سؤال سائل عن طائر حط على ربض المدينة أرأسه أفضل وأعز أم ذَنَبه

( 129 - 133 ) : الفكاهة التي تبدأ بهذا البيت قال استعلامى ( 6 / 231 ) نقلا عن فروزانفر ( مآخذ / 197 ) أنها مستوحاة من بيت لسنائى ورد في الحديقة وهو " الطائر الذي يكون ذيله صوب المدينة ورأسه صوب القرية ، يكون ذيله أفضل من رأسه ( لم أتوصل إلى ترتيب البيت وموضعه في الحديقة ) وهمة الطائر مبذولة هنا إلى المدينة ( العقل . . . والطريق )
وليس إلى القرية ( الجهل والنفس ) ( لتفصيلات حول هذا المعنى انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 517 - 523 وشروحها )
 
« 425 »
 
( 134 - 137 ) : وهكذا الإنسان ، يكون بقدر همته وبقدر اهتماماته ، فهمته هي الجناح الذي يطير به ، فمن كانت همته الدنيا فقيمته أيضاً تكون بقدر همته ، ومن كانت همته العشق سما به مهما تعرض في طريقه إليه من خير وشر ، والبازي حتى وإن كان أبيض وكان همه صيد الفئران ، فقد سقط من اعتبار الملك ولا يشفع له شكله ، والبومة وإن كانت ساكنة الخرائب وكان ميلها إلى الملك ، فهي بمثابة مائة بازى ، ليس الأمر بالصورة أو بالإدعاء ، لكن بالعمل ( انظر عن الادعاء 1439 وما بعده من الكتاب الثالث ) .
 
وثمة حديث رواه الأنقروى ( 6 - 445 ) [ إن الله يحب معالى الهمم ويبغض سفاسفها ] . وتوحى توصية جلال الدين بالهمة العالية والقوة والتسامى إلى سبقه الفلسفات المعاصرة ( عند نيتشه وفيخته مثلا ) في هذا المجال ( جعفري 14 / 100 ) .
 
( 138 - 147 ) : والإنسان كرم على المخلوقات ورزق في البر والبحر ليس لخلقته ، بل لأنه جدير بأسرار الغيب وإدراكها ، طموح على الدوام إلى الخروج عن وضعه ، تواق إلى الارتفاع عن جسده وعن إمكانات هذا الجسد ، لا تسعه الأرض على اتساعها ، فيجتاز طباق الجو ويمضى إلى أعماق البحار ، يستطيع أن يسمو على شهواته ونزواته ويصل إلى مرتبة الملائكية يميل دائما إلى من يشاركه في هذا النفس ، حتى ولو كانت عجوزا في الغابرين .
 
إن الذي يجعلك تميل إلى عجوز ولا تميل إلى صورة هو أن في العجوز روحاً ، هذه الروح هي التي تزاوج روحك وتمتزج بها ومن هنا يحدث الميل ، ولو نفثت الروح في صورة الحمام لملت إليها ولهجرت العجوز ( انظر الكتاب الثاني ، الأبيات 703 - 708 وشروحها ) .
 
( 148 - 159 ) : الحديث عن الروح ، ويعرض مولانا مراتب الروح فالروح عند مولانا ليست سوى الوعي والإدراك والمعرفة ، وكلما زادت ، معرفة الروح في إنسان ما بما هو خارج نطاق الاهتمامات المادية كان الجانب الروحي أقوى فيه ، الروح روح بقدر ما هي متصلة
 
« 426 »
 
بعالم الغيب وهذا هو ما يعبر عنه بالوعى والمعرفة أو بمعنى أصح العرفان ، وإن لم تزدن الروح بهذه المعرفة وهذا الوعي لكانت قيمتها أقل من جماد ، فهي ليست روحا إلهية ، والروح الأولى هي الروح التي انبتقت منها الحياة كلها ، هي الروح المسموح لها بالحظيرة القدسية ، أما روح الروح فهي الوجود المطلق للخالق . وفي رأى سبزوارى ( ص 415 ) أنها النفس الكلية الإلهية ، وينقل البيت " لا أحد يدلك على نفسك كما هي إلا قلبي المسكين المغتم " .
 
والروح تسمو دائما إلى الاتصال بها ، وليس وراء ذلك مطمح ، أما الروح الجديدة فهي روح آدم التي نفخها الله تعالى فيه وهي قادرة على إدراك الغيب ، والملائكة بالنسبة لها كأنهم الجسد ، ولم تكن هذه الروح موجودة عند إبليس ، ومن ثم لم يستطع الاتصال بالوجود المطلق ، كان عضو ميتاً مبتور اليد ، عاجزا ، فلم يدرك سر أمر الله له بالسجود ، كان الخيط الذي يربط بينه وبين الله مقطوعا.
( الروح المشتركة ) ومن ثم عصى ولم يفهم ، لكن هذا العصيان لم يكن لينقص شيئاً من عالم الروح ، فهي تزاول نشاطها دون تدخل من إبليس ، وهذا العضو المبتور المطرود من رحمة الله سبحانه وتعالى ، لا يصيب فعلها بأي خلل طالما كانت صلتها بالخالق وبروح الروح مستمرة .
 
( 160 - 164 ) : بعد أن تحدث مولانا عن سر عصيان إبليس يريد أن يتحدث أن سر آخر ، لكن هذا السر الآخر ليس مبذولا لكل أذن ، فهو يريد أذنا أخرى ، أذنا باطنية غير هذه الأذن الظاهرة ، وخواص الببغاوات : أي أهل المعرفة والسكر ، هو النور ، أما درويش الصورة ، فهو ذلك الدرويش الذي توقف تصوفه على الشكل والظاهر والخرقة ولا يطمح إلى عالم المعرفة ، والزكاة هنا هي النصيب الخاص المبذول للخواص لا للعوام ، ولأن هذه الزكاة معنى من المعاني وليست شكلا
( بيتا من الشعر ) فإن درويش الصورة والظاهر يظل بلا نصيب منها ، وحمار عيسى هو الجسد الذي يحمل الروح ( عيسى ) وهو أيضاً المطالب النفسانية عند الناس .
وهو أيضاً الدرويش الذي لا يترقى مهما حمل من علم كالحمار الذي
 
« 427 »
 
حمل نبيا وظل حمارا كما هو ( انظر لتفصيل هذا المعنى الكتاب الثاني ، الأبيات 1851 - 1857 وشروحها ) والمعنى أن النفس لو كانت تعلم حقائق الغيب لما بخل الله عليها ولأمدها بما تريد منها ( استعلامى 6 / 133 ) .
 
( 165 - 184 ) : وهذا هو معنىالْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ( يس / 65 ) . فالختم هو الحرمان ، وعدم التذوق لعدم الجدارة والاستحقاق . وهذه الأختام التي وضعها الله على الأفواه ، إنما فتحت وحلت ورفعت بالدين الإسلامي ، فبالدين الإسلامي واتباع محمد صلى اللَّه عليه وسلّم يمكن أن تحل هذه الأختام ويفتح طريق المعرفة التي هي حرام على الكافر حلال للمؤمن ، إن معنىإِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ( الفتح / 1 )
ليس خاصا بالرسول صلى اللَّه عليه وسلّم بل هو خاص بالمؤمنين جميعا ( انظر البيت 4306 من الكتاب الثالث ) وفي البيت 17 - إشارة إلى حديث نبوي [ إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ] 
( انظر أحاديث مثنوى / 186 - استعلامى 6 / 234 )

و [ اهد قومي إنهم لا يعلمون ] دعاء للرسول صلى اللَّه عليه وسلّم قاله عندما ألقى بحجر في أحد . والجود العام هو الهداية ، وهو سيد الصنعة ، في هذا المجال ، مجال الهداية الممنوحة دون انتظار جزاء أو عوض ، والأبناء المذكورون في البيت 177 ، ليس المقصود بهم الأبناء الجسمانيين ، بل كل من تبعه باحسان صلى اللَّه عليه وسلّم وينص على هذا في البيت 178 خشية أن يفهم من حديث أنه يقصر الولاية على آل البيت رضوان الله عليهم ،
فيقول أن هذه النبوة حاصلة دون امتزاج الأجساد ، ويطلب مولانا من الله سبحانه وتعالى أن يسدل حجب ستره على هذه المعاني حتى لا تسقط في يد كل وضيع ومنكر وباحث عن العيب ( انظر في نفس هذا المعنى البيت 411 من الكتاب الرابع و 2892 من الكتاب الخامس )

المقصود بتلك الشمس : الحقيقة المحمدية التي لا يقوى مفكر على النظر إليها وكل خفاش لا يرى ضوء الشمس من عماه فينكره
 
« 428 »
 
( انظر 857 من الرابع ) وفي البيتين إشارة إلى قوله تعالى وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ( الأعراف / 198 ) .
 
( 185 - 193 ) : العنوان السابق على هذا البيت ، يذم مولانا الأفكار المسبقة ويصفها بالبالية والعتيقة ، إن هذا أشبه بمخنث يخاف من عض الخراف ، في حين أن الخراف كلها خلقت للذبح ، وهناك مخنث يسأل قبل أن يمضى في الطريق ( الجديد الذي لا يعرفه ) وآخر يعود عن الطريق لمجرد رؤيته الخراف ، والخراف هنا رمز لكل فكرة بالية سقيمة تقف في الطريق وتخفيف المخنثين
( الذين لا يقوون على الطرق الجديدة ويخافون منها ) ويفسر يوسف بن أحمد ( 6 / 36 ) " وأراد بالمخنث الأول الذين يحضرون مجالس الأولياء ولا يقدمون على سؤال شئ منهم إلا بعد شدة الاضطرار لعدم اعتقادهم .
وبالمخنث الثاني الذين يرون جماعة المشايخ لكن لا يقدرون على الذهاب إلى حضورهم من شدة إنكارهم وعداوتهم لهم " .
والمقصود بالطريق الجديد هنا المثنوى نفسه ، فهذا هو الكلام الذي ينكره بعضهم ، وما إنكارهم له إلا لأنه جديد عليهم ، ولذا فهو يطلب من حسن حسام الدين الذي يصفه بأنه صقال الأرواح " صقال مرايا القلوب لتتقبل المعاني " .
هيا وجل المثنوى في أروع صورة ، وجرده من لباس الحروف لكي تتجلى معانيه ، وتقود نحو عالم الغيب ، ما دامت هذه المعاني بشيمتك وجذبك أيضاً قد نزلت من عالم الأرواح وعالم الغيب وسجنت في لباس الحروف ، فأنت الذي تستطيع كما يستطيع الخضر وإلياس ( وهما نبيان لا يموتان إلى يوم القيامة ) أن تقوم بالهداية فتنقلب الأرض من طهرها إلى سماء .
 
ولكني يا حسام الدين لا أستطيع أن أوفيك حقك ، من حسد أولئك الحاسدين الذين تضيق عقولهم عن فهم مثل هذه العلاقة السامية بين الشيخ والمريد ( انظر لتفصيل هذا المعنى الكتاب الثالث الترجمة العربية ، الأبيات 2112 - 2117 وشروحها ) وشرح حال الأحبة على سبيل الرمز
 
« 429 »
 
عند ذكر الآخرين ورد في الكتاب الثالث في الأبيات المذكورة كما ورد في الكتاب الأول ( خير لنا أن يجئ سر الأحبة في حديث الآخرين ، البيت 136 ) .
 
( 194 - 201 ) : إنغراس أقدام القلب في الطين كناية عن الانصراف عن مدح الصانع إلى مدح المصنوع ، فكل مدح غير مدح الحق لا يليق ، حتى ولو كان ذلك خوفا من الناس ، لأن الحديث عن عشق الحق لا يليق أن يطرح أمام كل إنسان ، لكن هذا الخوف مجرد عثرة في الطريق ، الست ترى أن تفكير أبى طالب في تشنيع العرب عليه على أنه تبع ولده ،
( والقضية فيها خلاف كبير بين السنة والشيعة ، فإجماع السنة على أن أبا طالب رفض النطق بالشهادتين وهو على فراش الموت خوفا من أن يعير بها ، ثم نطقها جزعا من الموت ، وإن العباس رضي اللّه عنه قال : إنه سمعه يهمس بها ، لكن الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم أنكر أنه سمعها ، سيرة ابن هشام ، ج 1 ، ص 184 ، طبعة البابي الحلبي سنة 1955 .
ويرفض الشيعة رفضا تاما فكرة أن أبا طالب مات دون أن ينطق بالشهادتين ، وينقل جعفري ( 13 / 131 - 136 ) 


روايات شيعية عن ابن بابويه وجعفر الصادق رضي اللّه عنه تشكك في روايات عدم إيمان أبي طالب ، وواضح أن مولانا جلال الدين يقبل الرواية السائدة ولا يشكك فيها ، ويرى أنه لو كان الله سبحانه وتعالى قد كتب الإيمان لأبى طالب في سابق علمه ، لآمن ، فضلا عن أن أبا طالب كان ذا بصيرة ، لكن هذه البصيرة ليست منفتحة على عالم الغيب .
 
( 202 - 211 ) : ( عن التردد وكيف أنه تفسير تكريم الإنسان بالاختيار ، انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الخامس ، الإرادة الإلهية والحرية الإنسانية ، لكاتب هذه السطور ) ،


وفي تفسير نجم الدين كبرى للأمانة " وهي التي عبر عنها بالفوز العظيم وقد فسرنا الفوز العظيم بالفناء في الله والبقاء بالله وهو عبارة عن قبول الفيض الإلهى بلا واسطة وقد اختص الإنسان بقبول هذا الفيض وحمله من بين سائر المخلوقات لاختصاصه بإصابة رش النور الإلهى لقوله صلى اللَّه عليه وسلّم : [ إن الله خلق الخلق في ظلمة ورش عليهم من نوره ]
فكل روح أصابه نور الله صار مستعداً لقبول الفيض الإلهى بلا وساطة فكان
 
« 430 »
 
عرض الفيض عاماً على المخلوقات وحمل الفيض خاصا بالإنسان ، وحمله مخصوص بالقلب بلا واسطة ، ثم من القلب بواسطة العروق ( مولوى 6 / 40 ) .
 
( 212 - 221 ) : لا يزال مولانا في مناجاته التي يطب فيها من الله تعالى النجاة من " فتنة الاختيار " فتنة المسؤولية ، فتنة أن يكون المرء مسئولًا عن أعماله ، وينطلق مولانا في عنوان الأبيات إلى الاختيار على مستوى الأمم وهو هنا يمكن أن يترجم إلى السيطرة ، تكون كل الأسباب مجموعة في يد إحدى الأمم ، تغوص إلى أعماق المحيطات ، وتنطلق بين الكواكب والأقمار ، فإذا لم تكن ثم قوة روح إلى جوار هذه السيطرة ، كانت النتيجة وبالًا ، ويأتي قهر الحق لكي تفيق هذه الأمم من غلوائها وتعترف أن هناك إلها ، وأن التقدم العلمي المذهل إن لم تسنده حضارة روحية قوية وإيمان قوى ، تكون نتيجته معروفة ، وإن لم تصدق فانظر إلى مصائر الأمم ، يتحدث القرآن الكريم دائما أنهم كانوا أشد قوة وأكثر جمعاً ، وعمروا الأرض أكثر مما عمرها من يخاطبهم القرآن الكريم ، ومع ذلك بادوا ، وتلك مساكنهم تدل عليهم ، ويضرب المثل بفرعون على القوة التي لم يبلغها بشر ، أليس هو القائل " أنا ربكم الأعلى " إذن فاعلم أن فرعون موجودٌ ، في كل جبلة ، موجود في كل نفس ، ( أنظر الكتاب الثالث ، 1056 - 1059 و 1255 - 1258 وشروحها وانظر أيضا مقدمة الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
إن هذا البلاء يحول أبطال الطريق إلى مجرد إناث ، ( أنظر 1995 من الكتاب الخامس و 15 من الكتاب الذي بين أيدينا ) إن الإنسان الذي يسير على طريق واحد ومذهب واحد إنسان متوازن ، لكن الإنسان الذي يكون كبعير تحمل حملين غير متوازنين
( رأيين ومذهبين ودينين وأحياناً أكثر ! ! ) يفقد توازنه يصاب بالجنون ، إن مولانا يطلب أن يكون دائما بين أصابع الحق يقلب قلبه كيف يشاء ، يكون كأصحاب الكهف تَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ ، وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ .( الكهف / 18 )
أي لأنى دائما يا الله نائم عن قدرتى واختياري مستيقظ بين يدي مشيئتك ، ويقول نجم
 
« 431 »
 
الدين : أي التقليب بين الإفناء والإبقاء والترقي من مقام إلى مقام ومن حال إلى حال إلى أن بلغناهم مبلغ الرجال البالغين ووصلوا إلى درجات المقربين ( مولوى 6 / 42 ) .
 
( 222 - 229 ) : الطيران هنا هو السياحة في ما وراء هذا العالم المادي ، والتفكر في مراحل خلق الإنسان ومراحل وجوده ، ومرحلة وجود الإنسان كذرة في هذا الكون دائرة فيه دون هدف ودون قصد ، وقبل أن يتمثل إنسانا ذا جسد ، وروح ، وقت أن كان خاليا من كل مسؤولية ، ذرة من الهباء تحملها الريح حيث تشاء ، وذلك الوقت إن كان الآن قد صار منسيا ويصور لي غرورى الإنسانى ، أنى هكذا كنت منذ الأزل ، فإن وجودي في حال النوم ، حيث أسلب كل فكر وذكر وأبهة وعظمة ، وأتحول مرة ثانية إلى هباء ، ينبؤنى عما كنت ، عندما أنجو من العناصر الأربعة ( انظر 2112 من الكتاب الثالث )
 
والطبائع الأربعة ، وهي أساس هذا العالم المادي ، حينذاك أرتفع في عالم الروح متحرراً من الجهات ومن الطبائع ومن أصول الحياة المادية ، هذا هو رضاع الحياة الماضية أيام لم تبتل الروح بهذه الحياة المادية وبهذا الماء والطين .
 
وانظر إلى الناس بأية وسيلة يهربون من هذه المسؤولية الملقاة على عواتقهم مسؤولية الاختيار ، إنهم يهربون في عشرات المشاغل والملاهي وبعضهم يهرب إلى الخمر وإلى اللهو ، والله تعالى هو الذي يعطى الخمر والمخدرات هذه الخاصية ، ولديه مئات الآلاف مما يسلط على الإدراك .
 
( لتفصيلات على أن الإنسان يهرب بوسائله الخاصة من ذاته ومن نفسه انظر الأبيات 2683 - 2697 من الترجمة العربية للكتاب الرابع ، لكاتب هذه السطور وشروحها ) ويعود مولانا فيقول : إن هذه الحياة فخ ، والناس جميعا يسعون بطريقة أو بأخرى إلى الخلاص من هذا الفخ ، أو إيهام أنفسهم بأنهم تخلصوا من هذا الفخ بشكل أو بآخر ، وكلها ، ما عدا الفرار إلى الله تعالى وسائل معدومة القيمة ، تأثيرها خادع ووقتي .
 
« 432 »
 
( 230 - 235 ) : ثم إنك يا الله تعيد النفس مرة ثانية من هذا العدم ( النوم ) إلى سلطانها ، وإلى تسلطها ، فلا سلطان لها إلى الخروج من حبس هذا الزمن ، إلا بسلطان إلهييا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا ، لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ ( الرحمن / 33 ) ،
إن الشرط هنا هو الفناء ، ترك النفس ، الخروج عنها ، كيف تكون وجوداً ثم تريد أن تمضى إلى عالم العدم الذي هو أساس هذا الوجود ومعدنه ؟ !
تخلص أولا من ذاتكو أنيتك ووجودك ، ثم عُد إلى مصدرك ، ومن هنا فليس للعشاق دين ، فما حاجة العدم إلى الدين ؟ !
( عن العدم كأصل للوجود ومصنع له ، انظر الترجمة العربية للكتاب الخامس الأبيات 1960 - 1973 وشروحها ) .
 
( 236 - 244 ) : الإشارة في الأبيات إلى السترة الجلدية والحذاء الريفي وإياز تنظر تفصيلاتها بداية من البيت 1859 من الترجمة العربية للكتاب الخامس وهي أطول حكايات الكتاب الخامس وتشير إلى نظر الإنسان إلى نفسه ومعرفته مم خلق ، وقيمته أمام السلطان الأكبر ، كما يراجع البيت 359 وما بعده من نفس الكتاب الذي بين أيدينا ) ، والأمر كله فتح لباب العدم حتى تعرف قيمة الوجود ، لقد صار نديم السلطان بعد أن كان مجرد راع ، إن إياز لم يفعل ذلك لأنه كان يخشى الكبرياء ، لا ، لقد كان واصلا كاملا ( عن الواصل الكامل انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 2410 - 2412 وشروحها ) بل كان يقوم بكل هذه الأمور يريد أن يفتح قبرا للأنية يهب منه نسيم الحياة الأبدية ، البقاء الذي لا يهبه سوى الفناء الكامل ( انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث ) .
 
( 245 - 250 ) : الحديث عن الروح التي تبتلى بهذه الحياة الدنيا وهي في الأصل خفيفة الحمل خفيفة السير ، وهذه المتع الدنيوية بالنسبة لها كأنها السلاسل التي تقيد حركتها حتى وإن كانت سلاسل ذهبية ، فهي تلقى بها في جب دار الغرور محرومة من أرض الروح التي تستطيع أن تتجول في كل مكان ، وهذه الدنيا وإن بدت جنة إلا أنها جحيم ، ومثلما
 
« 433 »
 
يكون الجحيم برداً وسلاما بالنسبة للمؤمنقُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ[ ولا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمن بردا وسلاما كما تكون على إبراهيم ] ( أحاديث مثنوى / 181 )
والحسناء التي تتحول إلى جحيم عند الصحبة أو المعاشرة هي الدنيا ( 251 - 256 ) : تجاهل فروزانفر أصل الحكاية التي تبدأ بهذه الأبيات ، وتبدو من المأثور الشعبي الذي كان شائعا قبل مولانا جلال الدين ، وقد البس مولانا شخوص الحكاية رموزا شديدة الوضوح ، ويترك مولانا سياق الحكاية من البيت 261 ويتحدث عن المعجب بتقواه كأنه إبليس الذي كان قبل العصيان طاووس الملائكة ، لكن علمه كان محدودا فلم يدرك معنى تكريم آدم ومعنى السجود له فعصى ، وهكذا علماء الظاهر وعلماء الكتب وعلماء المدارس أو كما عبر عنه مولانا بعلم أهل الحس ( الكتاب الأول ، بيت 1020 ) .
 
وبهذا العلم لا يمكن أن تدرك حقائق العشق وحقائق العالم الآخر ، فلا تغتر بهذا العلم مهما كانت عمامة صاحبه كبيرة ( انظر حكاية الفقيه ذي العمامة الضخمة في الكتاب الرابع ، الأبيات 1578 - 1690 وشروحها ) إنها كلها أدوات تعريف ، سواء العمامة أو اللحية ، إنه يريد أن يقول أنه عالم ، أما العارف فيعرف بنوره البازغ .
 
( 283 ) : بالرغم من أن الغلام الهندي بمثابة الابن ، إلا أن النظام السائد في المجتمع لا يعطيه الحق في أن تكون ابنة سيده مطمحا له ، هذا مفهوم ، أما ما يحدث في سياق القصة فيذكر بتلك القصة الأخرى المشهورة في الكتاب الأول ، قصة الجارية التي أخذت تذوى ، وعالجها الطبيب فعرف أن مرضها لمفارقة حبيبها الصائغ السمرقندي ، وعندما يستدعى الصائغ السمرقندي يعطى دواءً لكي يذوب أمامها ، وتنجو من حبه ، والواقع أن إخضاع هذا القبيل من الحكايات لأي منطق لا يصل بها إلى نتيجة ، حتى ولو قيل في قتل الصائغ السمرقندي أنه من قبيل قتل الخضر عليه السّلام للغلام ( انظر الحكاية وتعليقاتها في الكتاب الأول
 
« 434 »
 
الأبيات 35 - 246 وشروحها ) . والحكاية التي بين أيدينا أيضاً من هذا القبيل ، لقد جعل السيد من عاطفة عبده تجاه ابنته مادة للسخرية والضحك ، والقى بالعبد بين براثن مارد يلوط به ، أكان البيان عن سخرية الدنيا بعشاقها ، إذ تبدوا كالعروس وهي مدمرة في الحقيقة تحتاج إلى إعادة صياغة هذه الصورة الشعبية البشعة ؟ ! أجل فعندما يكون الحديث عن الخروج عن إطار المنطق والمعقول ، لا يهم مستوى التعبير ! !
 
( 318 - 322 ) : المراد من الحكاية أن كل نعيم للدنيا هو في ظاهره كهذه العروس وفي باطنه كهذا العتل الذي لاط بفرج العبد الهندي ، ونعيم الدنيا كالسراب يبدو من بعيد ماءً ، وهي عجوز نتنة مصداقا للحديث النبوي الشريف [ يؤتى بالدنيا يوم القيامة على صورة عجوز شمطاء زرقاء أنيابها بادية لا يراها أحد إلا كرهها فتشرف على الخلائق فيقال لهم : أتعرفون هذه فيقولون : نعوذ بالله من معرفتها ، فيقال هذه الدنيا التي تفاخرتم بها وتقاتلتم عليها ] ( مولوى 6 / 54 ، أحاديث مثنوى 187 ، انقروى 6 - 1 / 85 ) وتشبيه الدنيا بالعجوز التي تزوجت ألف زوج تشبيه شائع جدا في الأدب الفارسي وفي بيت شهير لحافظ الشيرازي ، وقد نقل الأنقروى بيئاً لم يذكر قائله : إن الدنيا عروس جميلة الصورة لكن كل من اتصل بها أعطاها عمره صداقا لها .
 
( 326 - 334 ) : إن العظماء في الدنيا بمثابة الموتى المحمولين على كواهل الخلق ، قال صلى اللَّه عليه وسلّم [ إياكم ومجالسة الموتى ، قالوا ، وما الموتى يا رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم ، قال صلى اللَّه عليه وسلّم : الأغنياء ] وفي رواية أخرى ، أهل الدنيا ، أنهم محمولون على كواهل الخلق و " ملعون من ألقى كله على الناس " ( جعفري 13 / 169 ) حياتهم من عرقهم وأعمالهم غرامة عليهم ، فلا تكن حملا على أحد ، لكن كن كالجواد المسرع تمشى على الأرض ،وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً( الفرقان / 63 ) وإن المؤمن هو الذي يقوم بكل أعماله بنفسه لا يكلف بها أحد ولا يعتمد فيها على أحد ، أما هذا الكفور ، فيظل محمولا على كواهل
 
« 435 »
 
الخلق ، يصبح كالميت ، يحملونه إلى قبره ، ويشير في الأبيات التالية إلى ما أشار إليه ابن سيرين في منتخب الكلام في تفسير الأحلام ، أن من يُشاهد ميتا محمولا في النوم ، فهذا يدل على أنه سوف يصل إلى الرفعة والمنصب والجاه ، ( عن استعلامى 6 / 242 )
فكأن مولانا يزاوج بين أولئك الذين يعيشون عالة على الخلق محمولين على أعناقهم وبين الموتى بالفعل ، إياك أن تعيش متكاسلا لا تقوم بعمل ، فإن جزاء هذا أن تصاب بالنقرس في قدميك ، سوف يأتي يوم تضيق هذا المركب ، تعجز وتصاب بالملل ، وتحس بعالمك من حولك قد تحول إلى خراب ، فلم تعد لك صولتك ولم يعد الخلق يتحملونك ، اعترض على هذا المركب الصعب الأن مهما بلغت مغرياته وفكر في ذلك اليوم الآتي لا محالة .
 
( 335 - 339 ) : الأبيات هنا قائمة على رواية لثوبان ، روى عنه رضى اللّه عنه أنه قال : قال رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم من يضمن لي شيئا أضمن له الجنة ، قال ثوبان فقلت أنا يا رسول الله ، فقال صلى اللَّه عليه وسلّم لا تسأل الناس شيئاً أضمن لك الجنة ، فكان ثوبان لا يسأل الناس شيئاً حتى سقط يوما سوطه فنزل وأخذه ولم يأمر أحد أن يناوله إياه ( مولوى 6 / 56 ) ولذا قال ابن عطاء الله السكندرى ، " ربما استحيا العارف أن يرفع حاجته إلى مولاه اكتفاه بعلمه ومشيئته فكيف لا يستحى أن يرفعها إلى خلقه "
وفي بيت لحافظ :
يا حافظ لا ترق ماء وجهك أمام باب كل سافل * ولنحمل حاجتنا إلى قاضى الحاجات
 كما قال ابن عطاء في الحكم " لا ترفعن إلى غير حاجة فكيف يرفع حاجتك عنك من لا يستطيع أن يرفع حاجته عن نفسه " ( انقروى 6 - 1 / 89 ) .
وعن أبي عبد الرحمن عوف بن مالك الأشجعي قال : كنا عند رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم تسعة أو ثمانية أو سبعة فقال : ألا تبايعون رسول الله ، وكنا حديثي عهد ببيعته فقلنا ، قد بايعناك يا رسول الله فقال ، قال : ألا تبايعون رسول الله فبسطنا أيدينا وقلنا قد بايعناك يا رسول الله ، فعلام نبايعك . ؟ ! قال :
أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً والصلوات الخمس ، وتطيعوا ، وأسر كلمة خفيفة ولا
 
« 436 »
 
تسألوا الناس ، فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحد يناوله ] ( جعفري 13 / 170 ) . كان رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم يركب الحمار ويخصف النعل ويرقع القميص ويلبس الصوف ويقول من رغب عن سنتي فليس منى . ( جامع 2 / 117 ) .
 
( 340 - 345 ) : لكن الله إن أمر فاصدع بما أمر الله سبحانه وتعالى ، فالله في بعض الأحيان قد أمر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بان يأخذ من أموال الأغنياء ، فقالخُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها، وهناك بعض الأوامر الإلهية تبدو لك سيئة ، كقتل الخضر للغلام ، وخرقة للسفينة ، وهناك كثير من الناس ظهروا كعلماء جهابذة لكنهم مردودون من الله مثل بلعم بن بعوراء الذي نزلت فيه كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ، إن الأمر الإلهى في بعض الأحيان يكون في الظاهر صعبا مؤلم التنفيذ ، لكن هذا في ظاهر الذي يبدو كالصدف ، لكنه ملىء الدر في الباطن ، دعك من هذا الكلام إذن ، وعد إلى تلك المناجم التي تحتوى على الذهب الخالص ، والتي لا تناقض فيها بين قسوة الظاهر ولطف الباطن .
 
( 346 - 357 ) : إن عابد الصورة عندما يعطى للصورة طريقاً إلى قلبه يندم في النهاية ، ويعبر عن ندمه هذا بحركة يديه ، أنظر إلى اللص عندما يحمل إلى إقامة الحد إنه إنما يستخدم يديه في التشنيع والتفجع والتضجر كما تفعل النساء ، والحزين المذكور في البيت التالي إشارة إلى الغلام الهندي ، وهكذا فنحن جميعاً نعلن عن نفورنا من فعل السوء ونشنع عليه ، لكن بعد فوات الأوان ، فتوبتنا هي توبة الفراشة ( لتوبة الفراشة انظر الكتاب الرابع 2287 - 2294 وشروحها ) إن هذا يشبه ما ورد في الآية الكريمة وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ وأوهن الله كيد الكائدين مستوحاة من الآية الكريمة إن الله موهن كيد الكاذبين ( الأنفال 18 ) والكلام كله مصداق " توبة الكذابين على أطراف لسانهم " ( أنقروى 6 - 1 / 93 ) .
 
« 437 »
 
( 358 - 361 ) : الآية الكريمةكُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ( المائدة 64 ) والنسيان من انعدام العزموَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً( طه 115 ) فالتوفيق في طريق الحق شرطه حسن النية ، وإلا فإن الحق لا يوفق العبد فيما يزعم أنه مزمع عليه ، فالصدق هو الروح الربانية ( البيت 303 من الكتاب الرابع ) .
 
( 362 - 382 ) : الحكاية الواردة هنا من الحكايات التي تجاهل فروزانفر البحث عن مصدر لها ، وتبدو من حكايات المعاني التي يلبسها مولانا شخوصاً لكي يوضح معانيها ، فالرجل صاحب الدار في عماه ( الظاهري والباطني ) لا يرى من يطفئ الشمع وهو أمامه ، مثل ذلك الكافر الذي يكيد في قلبه فيوهن الله كيده وهو لا يعلم من عمى قلبه من الذي يوهن هذا الكيد ( عن وقوف الله لكيد الكافرين بالمرصاد أنظر الكتاب الثالث الأبيات 1094 - 1098 وشروحها )
حتى على سبيل العقل إن لم يكن لك قلب ، كيف تدعى أن لك عقلًا ثم تنكر وجود الخالق ، ألا يقول لك عقلك أن الشئ المتحول يلزمه محولا ؟ !
أهناك تعاقب ليل ونهار دون أن يكون هناك رب ؟ ! أثمة منزل دون بناء ؟ ! وخط دون خطاط وشمع دون مشعل لهذا الشمع، وإذا كانت هذه الصنعة حسنة أفلا يلزمها صانع قدير؟!
دعك من هذا ، إنك نفسك تنوى التي ولا تستطيع أن تنفذ نيتك هذه ؟ ! ألا يدلك هذا القهر الدائم لك ولنواياك على وجود قاهر لك ؟ ألم تعرف الله حتى بفسخ عزائمك ، لقد أعددت للأمر كله عدته ، رسمته وقدرته وعملت حساباته ومع ذلك لم يتم ، فكيف لم تفهم ؟
( عن معرفة الله بفسخ العزائم أنظر الأبيات 4465 - 4475 من الكتاب الثالث وشروحها ) لقد عرفت إذن أنه قاهرك ، فيها ، قم بحربه وافعل كما فعل النمرود ، هيا وتعلق بعدد من النسور يحملونك إلى السماء لكي تقوم بقتاله ، وتطلق سهامك عليه
( انظر 4140 و 4863 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، أتراك وأنت في العدم نجيت منه ، أليست كفه التي صورتك وجوداً من العدم ،
 
« 438 »
 
فكيف تستطيع إذن أن تنجو من كفه وأنت وجود ، إنك مجرد مصنوع مخلوق ، وهو الصانع والخالق ، تريد أن تفر كي تفارقك التقوى إلى الأبد ، فإنك قد سفكت دماءها بهذا .
 
( 383 - 389 ) : إن شهواتنا هي التي تسمر أقدامنا في هذا العالم المادي وتبعدنا عن طريق الله ، فدعك منها ، واتجه إلى الله سبحانه وتعالى فإنك ترى الفتوحات تتوالى عليك من مجرد اتجاهك " فمن تقرب منه باعاً تقرب منه هو ذراعاً ، ومن سعى إليه مشياً سعى إليه هو هرولة " وإن كنت لا تصدق ، فاستفت قلبك ، فإن كان قلبك مضيئاً بذكره فسوف يدلك على الطريق ، استفت قلبك ولو أفتاك المفتون ( أحاديث مثنوى / 186 )
وما أكثر المفتين الذين يبعدونك عن طريق القلب ، سل تسلم ، وكن بين يديه كالميت بين يدي الغسال ، لا رغبة ولا نية ولا خطة ولا فعل ، حينذاك تنزل عليك الرحمة الإلهية ، وما دمت لا تستطيع الهرب فجرب الخدمة ، هذه يد لن تستطيع أن تقطعها فقبلها ، سوف ينقلك من قهره إلى لطفه ، وفي الحقيقة أنت لا تملك سوى هذا إن قدرت عليك ، وهب أنك سوف تتجاهل هذه الحقيقة ، فهل توارت الشمس بالحجاب لأن أعمى أغلق عينيه حتى لا يراها ؟
 
( 390 ) : إياز هو مثال العبد الصالح والعارف الكامل الواصل ( انظر الأبيات 2151 ، 3253 ، 3287 من الكتاب الخامس ) وفي الكتاب الخامس ذكرت قصة اياز وسترته الجلدية وحذائه الريفي بكل تفصيلاتها ، كما ذكرت قصة أخرى عن طاعته للملك دون سؤال في حكاية عطية الجوهرة ( الأبيات 4037 - 4120 من الكتاب الخامس ) لكن الحكاية الواردة هنا لم يعن أحد بالبحث عن مصدر لها .
 
( 406 - 412 ) : يحتج الأمراء الثلاثون على مهارة أياز وفهمه لأسئلة السلطان ولما يريده السلطان دون أن يسأل وإحاطته وحبه بما كان يسأل عنه الأمراء الثلاثون ، بان الأمر عطاء من الله سبحانه وتعالى ، هذه هي الحجة الجبرية المذكورة في العنوان ، ويرد السلطان بأن الأمر ليس عطاءٌ فحسب بل هو أيضاً جهد ، وينتهز مولانا جلال الدين الفرصة فيسوق
 
« 439 »
 
أمثلة وشروحاً حول رأيه في حرية الإنسان وكونه مختاراً وليس مجبراً ، وهذا يشبه تماماً حجة إبليس الذي قال الله تعالى " بما أغويتني " بينما قال آدم وحواء " ربنا ظلمنا أنفسنا " ، ويوفق مولانا فالقضاء حق والجهد حق وهو أشبه هنا بالكسب الذي يكون للعبد وقت الفعل الذي يقول به المعتزلة ، وعلى كل حال نوقشت هذه القضية بشكل مفصل في مقدمة الترجمة العربية للكتاب الخامس .
 
( 413 - 424 ) : الخلاصة في هذه الأبيات أن قراراتنا وترددنا وإقدامنا على أمر ونفورنا من أمر آخر كلها دلائل على مسؤوليتنا عن أفعالنا ، وما دمنا مسئولين فنحن مختارون ، فكيف تكون المسؤولية على مجبر ؟ ثم أن القدرة على الاختيار بين عملين لا يمكن أن يكون فيهما جبر ما دمت تستطيع أن تقوم بكلا العملين على نفس المستوى الجيد ، وإن كان عليك أن تختار بين عمل تستطيع القيام به وعمل لا تستطيع القيام به ، فسوف تقوم بالتأكيد بالعمل الذي تستطيع القيام به ، ثم إذا لم تكن مسئولًا لماذا يقتص منك ؟ لماذا يقام عليك الحد ، أتشك إذن في عدالة أحكم الحاكمين ؟ !
 
( 452 - 439 ) : لكل عمل صورة ظاهرة ومرئية وصورة غيبية ، ليس من اللازم أن تكون شبيهة بالصورة الظاهرة للعمل ، أو تكون مشابهة له على أي وجه من الوجوه ( أنظر لعدم تشابه الأفعال مع نتائجها أو على عقابها أو ثوابها الكتاب الثالث الأبيات 3445 - 3455 وشروحها ) ، والقضاء المذكور هو القضاء الإلهى ، والكلب الكسول كناية عن النفس ، والمعنى مأخوذ هنا من حديقة سنائى " الكلب المرابط في الحظيرة وإن كان سميناً ليس كالعربى يحسن في الصيد " ( البيت 313 ص 78 من حديقة الحقيقة ، انظر الترجمة العربية المشروحة لكاتب هذه السطور ) والرجولة كل الرجولة أن يتحمل المرء نتيجة أعماله ، وأن يكون موقناً أنفَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ( الزلزلة 7 - 8 ) وإياك ووساوس النفس ، إنها من قبيل الذرات أمام شمس الحقيقة ولا
 
« 440 »
 
تسطيع أن تخفيها ، وهذه الذرات ( الهباء ) موجودة أمام شمس الدنيا فهل تستطيع أن تخفيها ، مثلها كل ما يدور في ذهنك من وساوس وأفكار ظاهرة أمام شمس الحقائق ، وتكون مسئولًا عنها ، مثابا أو معاقبا بها .
.
* * * 

* * *

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: