الأربعاء، 2 سبتمبر 2020

20 - الهوامش والشروح 1489 - 1914 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

20 - الهوامش والشروح 1489 - 1914 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

الهوامش والشروح 1489 - 1914 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

شرح حكاية الصوفي والقاضي 
ففي الحديث القدسي [ عبدي أطعني كما أمرتك ولا تعلمني ما يصلحك ] 
وأيضاً قبل من قبل في الأزل بلا علة ورد من رد في الأزل بلا علة " ( أنقروى 6 - 1 / 344 ) ، وحين تأتيك جذبة الحق وكأنها الطائر يطير من عشه عند وصول معرفة الغيب وصبح المعرفة ، فدعك من عباداتك وفكرك وذكرك ، فهي بمثابة الشمع أمام نور الشمس وإذا طلع الصباح بطل المصباح ، وحينذاك تتفتح منك عين البصيرة فلا تبصر إلا الله ، تراه في كل شئ في اللباب وفي القشور ، تتجلى لك الذرة والهباء عن شمس البقاء ، وتدرك أن القطرة هي دليلك إلى البحر .
 
( 1501 - 1506 ) : الحديث عن القضاة العدول وتفسير مولانا أن عدل الأرض جزءٌ من عدل السماء ، فإن رأيت قاضياً عادلًا ففكر في عدالة السماء فهي تدل عليها مثلما تدل القطرة على البحر ، ذلك أن الجزء يحمل كل سمات الكل ، ويتحدث مولانا عن الشفق كموضع لقسم الله في القرآن في حين يرى أن الله لم يقسم بالشفق ، بل قال فلا أقسم بالشفق ( 6 / 295 ) ( الانشقاق 16 ) في حين يرى بعض المفسرين أن لا هنا زائدة وأن الله سبحانه وتعالى أقسم بالشفق ( مولوى 6 / 216 )
وهو الأصوب ، وهو في رأى مولانا قسم بالتجلي البشرى لشخصية المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم ( انظر الكتاب الثاني والضحى نور ضمير المطفى الأبيات 296 - 298 ) مثال النملة التي تحجبها حبة عن البيدر مر قبل ذلك ( انظر الكتاب الذي بين أيدينا الأبيات 811 - 815 وشروحها ) والنملة هي مثال لذلك الذي يظن أن الوجود هو نفس هذه الحياة المادية ويغفل عن بيدر الوجود المطلق .
 
( 1507 - 1513 ) : في البيت 1507 يذكرنا مولانا فحسب بأصل الحكاية ثم يعود إلى إفاضاته فيخاطب الظالم الذي يمد له الله في طغيانه ويغفل عن الجزاء ، وهذه غفلة أو نسيان أو حجب أسدلت على عين الباطن فلم تعد تدرى شيئاً ، أو هو في الحقيقة استمراء للظلم وتلذذ به تلذذاً وحشياً لأن المظلوم ساكت صامت مستسلم ولا يرد على الظلم الذي حاق به ، لكن الظالم مع ذلك غير مستريح ، ومن المستحيل أن يتمتع بذلك الصفاء الذي ينشده ( لتفصيلات
 
« 501 »
 
الفكرة أنظر الترجمة العربية للكتاب الثالث الأبيات 355 - 359 وشروحها والأبيات 4564 - 4574 وشروحها ) إنك لا تدرى شيئاً عن حقوق المظلوم عليك لأن هذه الحقوق خافية عليك وأنت محبوس بها وأن هذا من عقوقك للحق فلو لا عقوقك للحق ما عقت الناس ، وأن الظالم ليمد في ظلمه حتى يأخذه العقاب الإلهى ( المحتسب ) أخذ عزيز مقتدر ، فصف جدول قلبك وكيانك ووجودك من كدره هذا ، ولا يقوى على هذا إلا المجنون .
 
( 1516 ) : الجبار : هو الهالك في الشرع أو الهالك أثناء تنفيذ حكم شرعي وجباراً أي هدراً ولا دية له - عن الأنقروى 6 - 1 / 354 ( قال صاحب السقاية رجل ضرب امرأته في أدب فماتت فعليه الدية والكفارة وكذا الأب والوصي في الولد الصغير عن أبي حنيفة ) وإذا ضرب الأب ابنه على تعليم القرآن أو الأدب فمات قال أبو حنيفة عليه الدية ولا يرثه وقال أبو يوسف ومحمد رحمه الله عليهما يرثه ولا شئ عليه .
 
( 1520 - 1530 ) : الدية على العاقلة : أي أن الدية على غير البالغ أو السفيه تدفعها عصبته ( انظر البيت 2472 من الترجمة العربية لكتاب الثالث وشروحه ) ، والآمن هو غير المسؤول إن وقع أذى على من يوقع عليه الحد الشرعي ، وهو غير الأب ، فالأب إن ضرب ابنه وهلك فإنما يضربه لأن خدمته واجبة عليه شرعاً ويضربه لأمر يخصه ، أما القاضي فلا دية عليه ولا مسؤولية لأنه يضرب من أجل الشرع ، وحكم المعلم كحكم القاضي ،
إن المعلم إذا ضرب الصبى فإنما يضربه لتأديبه وتعليمه فإن هلك فلا دية عليه لأنه لم يضربه لشئ في نفسه أو لغرض في داخله ، وينتقل مولانا إلى الحديث عن قطع رأس الذات أو النفس بسيف ذي الفقار وذو الفقار اسم لسيف الأمام على رضي اللّه عنه ، وهو هنا كناية عن سيف الحق وسيف الشرع وسيف الدين
( انظر 3671 من الترجمة العربية للكتاب الثالث ) فإذا فنيت بهذا السيف فأنت آمن من العقوبة خال من المسؤولية إذ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى ( الأنفال 17 ) وفي هذه الحالة فإن المسؤول ( الضامن ) هو الله تعالى .
 
« 502 »
 
( 1531 - 1538 ) : يمنع مولانا جلال الدين نفسه عن الاسترسال في هذه القضايا الفقهية لأنها خارج إطار هذا الكتاب وخارج بضاعة هذا الدكان ، وقبل ذلك اعتذر مولانا عن الاسترسال في مناقشة قضية كلامية خشية مضى لذة نقاط العشق منه ، وخشية أن يصير دورة دوراً مختلفا ( الترجمة العربية للكتاب الثالث البيتان 1375 ، 1376 وشروحها )
ويضرب مولانا الأمثال فلكل حانوت بضاعته التي يلتمس منها ، ومن ثم فإن هذا الكتاب أي المثنوى هو حانوت التوحيد ، وكل ما تراه غير التوحيد صنم فحطمه ، وما هذه الألفاظ التي صبت فيها المعاني ، وما هذه الحكايات التي تراها إلا من قبيل ذكر الأصنام في سورة النجم ونطق الشيطان أو أحد الكفار بتلك الكلمات التي تلت الآيتينأَ فَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى( النجم 19 - 20 )
ثم صمت الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم فإذا بصوت يصيح " تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهم لترتجى " ( جعفري 13 / 539 )
وقد قال بعض المفسرين إن الكفار كانوا يقاطعون الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم عند قراءته لهذه الآيات فذكر آية الغرانيق كي يسكت الكفار ومن ثم سكتوا وسجدوا ( استعلامى 6 / 297 ) ،
 
وهذه هي الفتنة التي ما تزال لها ذيول حتى الآن ( آيات شيطانية مثلًا للمرتد سلمان رشدى ) والحكاية كلها مختلفة من الرواة وإن كان ابن سعد قد أورده في طبقاته وابن جرير الطبري في تاريخه وبعض المفسرين عند تفسيرهم قوله تعالى وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌوهي روايات قال فيها ابن كثير " ولكنها من طرق كلها مرسلة ولم أرها مسندة على وجه صحيح " والأمر كما توصل إليه سيد قطب أن الكفار سجدوا عند تلاوة الآيات ( دون ذكر للغرانيق ) من شدة تأثير القرآن الكريم إن سبب السجود " كامن في ذلك السلطان العجيب للقرآن ، ولهذه الإيقاعات المزلزلة في سياق هذه السورة " ( سيد قطب : في ظلال القرآن ، مجلد 6 ، 3419 - 3422 من ط 12 دار الشروق ، 1406 ه / 1986 م ) ولم لا ؟ ولم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي تأثر بها الكفار
 
« 503 »
 
بالإسلام والروايات عن تأثر عمر رضي اللّه عنه قبل إسلامه بآيات من سورة طه ، وشهادة الوليد بن المغيرة للقرآن وغيرهما وغيرهما متواترة ، المهم في هذا المجال أن الرواية على علاتها كانت تذكر قديماً دون حساسيات أو حرج ، وها هو مولانا يقارن إدخاله بعض الهزل في المثنوى عن عمد ( حتى يجذب العوام ) وهو نفس التعليل الذي قدمه سنائى لإدخال الهزل في الحديقة وهو أن أكثر الناس من العوام ( انظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة لكاتب هذه السطور الأبيات 11261 - 11263 وشروحها )
وينصرف مولانا عن هذا الموضوع الشائك بعيد الغور شديد الغموض ، فالآية ليست من السورة والأمر كله فتنة وخير لك من أن تعطى أذنك لسليمان الطريقة ( الشيخ الكامل ) ولا تهيج الشياطين ( الضالين والشكاكين ومشعلى الفتنة ) .
 
( 1539 - 1549 ) : عودة إلى حكاية القاضي والصوفي ، وثبت العرش ثم انقش مثال معناه :
فصل في دعواك حتى أحكم فيها ، وينظر إلى المدعى عليه فيستبعد أن يحكم على مثل هذا الميت فالشرع للأحياء والقادرين والأغنياء وليس للموتى ( موتى الجسد وموتى العلم وموتى التقافة وأولئك الذين فرغوا من الداخل وماتت هويتهم ) ، ثم ينتقل مولانا إلى فئة فنيت ذواتهم وماتوا قبل أن يموتوا ولا صورة لهم ولا جسد ، ومن ثم فإن الديات قد انهالت عليهم من ذات الحق . وفي الحديث القدسي : من أحبني قتلته ومن قتلته فأنا ديته . انقروى 6 - 1 / 362 ) وقال الإمام القشيري " التوبة بقتل النفوس غير منسوخة في هذه الآية إلا أن بني إسرائيل كان لهم قتل أنفسهم جهراً وهذه الأمة توبتهم بقتل أنفسهم معنى "
( نفس المصدر ) ( انظر عن البقاء في الفناء مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث وهناك مضمون مشابه في الأبيات 2960 - 2966 من الكتاب الرابع )
وجرجيس آخر الأنبياء روى أنه قتل وعاد حياً أكثر من مرة ( انظر ) البيت 893 من الكتاب الذي بين أيدينا ) فالسالكون إلى طريق الحق يفنون في كل خطوة وفي كل فناء خطوة جديدة إلى وجود جديد ( انظر الأبيات من 1145 - 1150 من الكتاب الأول )
 
« 504 »
 
( 1555 - 1574 ) الحي هنا هو رجل الحق بأنفاس الله ، ومن ثم فالموتى هم أهل الدنيا مصداقاً للحديث النبوي الشريف ، وذلك لأن من رده رجل الخلق فقد رده الحق " ألسنة الخلق أقلام الحق " ، ومن رده أهل الدنيا وآذوه ، يكون أذاهم مثل أذى القصاب للذبيحة ، لكن القصاب ينفخ في الذبيحة فتفنى ، والله ينفخ النفخة الإلهية في العبد فيظل حياً بها إلى الأبد ( عن هذه الصورة انظر أيضاً البيت 4684 من الكتاب الخامس )
أنظر إلى الفرق بين فناء الصوفي وفناء أهل الجسد ؟ فناء الصوفي زينة له وفناء أهل الجسد شين لهم ، على كل حال ، كيف أحدثك عن هذه النفخة الإلهية وهي التي لا تتأتى في كلمات ، ولا تعبر عنها ألفاظ هيا أخرج من قاع الدنيا إلى أعلى صرح الوجود ، تحس بما أقوله من كلمات .
 
( 1575 ) : قال صلى اللَّه عليه وسلّم [ لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ] ( أحاديث المثنوى / 200 ) . ومن وصايا الإمام على رضي اللّه عنه " يا بنى اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك فاحبب لغيرك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم وأحسن كما تحب أن يحسن إليك واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك وارضه لهم بما ترضاه لهم من نفسك " ( عن جعفري 13 / 549 )
 
( 1576 ) : إشارة إلى المثل السائر " من حفر بئراً لأخيه وقع فيه " وليس حديثاً كما ذكر مولانا .
 
( 1583 - 1586 ) : يتحدث القاضي عن الرضا ( انظر البيت 1573 من الكتاب الأول وعن القضاء انظر أيضاً الكتاب الأول 1236 - 1242 الترجمة العربية ، وانظر أيضاً الترجمة العربية للكتاب الثالث البيت 1363 ) وعلى الإنسان أن يرى جزاء عمله حتى ينفتح بستان قلبه ( انظر الأبيات 135 - 140 من الكتاب الرابع وشروحها ) .
 
( 1587 - 1609 ) : المتحدث الحقيقي هنا ليس القاضي لكنه مولانا : والحديث هنا عن قيمة
 
« 505 »
 
البكاء والإشارة إلى الآية فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ( التوبة 82 ) وبرغم أن الخطاب هنا للكفار فمن الممكن أن يعتبر به المؤمنون على أساس أن كثرة الضحك تميت القلب ( مولوى 6 / 337 ) والدمع هنا من خشية الله ومن الشوق إليه وليس كل عبوس مضرا ، بل من عبوس الوالدين يكون النفع للولد ، ومقدمة الجنة هو البكاء وألا يبكى المؤمن عند ذكر النار ، إذن فباب الجنة مفتوح أمام الباك الذي يتحرز من النار ويعمل عمل أهل الجنة ، فالفرح الحقيقي من الممكن أن يوجد في هذا البكاء
( انظر الأبيات 2481 - 2485 من الكتاب الأول ) وإن مع العسر يسرا أي كما قال نجم الدين كبرى " مع عسر المجاهدات يسر المعرفة " ( مولوى 6 / 338 )
والنعال المعكوسة أي العلامات المعكوسة والتي يدل ظاهرها على غير باطنها والتي تضلل السالك ( انظر الكتاب الأول البيت 2488 والكتاب الخامس البيت 416 والبيت 2753 من ترجمة كاتب هذه السطور )
وقد فسر الدكتور كفافى النعال المعكوسة بأنهما نعلان يشير أثرهما إلى اتجاه مضاد لا تجاه الهدف وقد كان بعض المحاربين يعكس اتجاه نعال فرسه ليضل من يقتفون أثره ( ص 308 من الكتاب الأول ترجمة كفافي )
ومن ثم لزم المشير ولزم رفيق الطريق ولزم القائد والمرشد والدليل ، فالأمور تبدو معكوسة ولا ينبؤك مثل خبير واقرا في الكتاب أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ ( الشورى / 38 ) والزم الصمت ، واسمع وتعلم وخذ العبرة من صلاة الجمعة ، فالرحمة تنزل على الصافين الساكتين المنصتين للإمام ، فكن صامتا لأن من صمت نجا ، ولا تشهر نفسك لكيلا تكون هدفا للسهام ، والرسول صلى اللَّه عليه وسلّم بالرغم من أنه أتم الدين وأكمل النعمة إلا أنه أوصى بالاقتداء بالنجوم أي الصحابة  فقال صلى اللَّه عليه وسلّم : [ أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم أهديتم ] ومن ثم فالأمر قائم إلى يوم الدين ، فإن كان الصحابة قد مضوا فأنت مطالب باتباع الأولياء والمرشدين ، فالحديث ذو شجون والكلام يجر بعضه بعضاً ، ولا تكون لك سيطرة على الأمر ، فسرعان ما يجرك الهوى ، ويحيد بك عن الطريق ، فالمسموح له بالحديث هو الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم الذي
 
« 506 »
 
قيل فيه وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى ( النجم / 3 - 4 ) ،
فالبلاغة هي الصمت ، وذرة الصدق أفضل من مائة مقال ، وأن تعيش " الحال " أفضل من أن تكون بليغاً ( عن المقال والحال انظر الترجمة العربية للكتاب الثالث ، البيت 4730 وشروحه ) .
 
( 1610 - 1618 ) : برغم سياق الحكاية ينقلب القاضي إلى مرشد والصوفي إلى مريد سائل يسأل القاضي عما يؤرقه من تناقضات في مظاهر الكون وفي قضاء الحق وتجليه في مظاهر مختلفة ، ما لهذا يحصل على الذهب وذاك يحصل على الزيف مع أن المنجم واحد ؟ ! ولماذا يكون هذا يقظا والآخر ثملًا ، وإذا كانت الجداول ( البشر ) تجرى بماء واحد ، فلماذا يكون ماء المؤمن صافياً عذباً زلالا ويكون هناك كافر ماؤه ملح أجاج ؟ ولماذا التفاوت والاختلاف بين الصبح الصادق والصبح الكاذب ؟ مع أن المصدر هو شمس البقاء الأزلية ، ولماذا يكون عقل أحدهم مضيئاً منيراً وعقل الآخر مظلما كدراً ؟ ،
وطريق الله طريق واحد فكيف يحتوى هذا الطريق على هادي الطريق ودليله ومرشده ويحتوى على غيلان الطريق المضلين ؟ ، ولماذا تلد البطن الواحدة العاقل والسفيه والصالح والطالح ، ما دام الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم قد قال أن الولد سر أبيه ؟ !
( انظر الترجمة العربية للكتاب الرابع ، البيت 3117 وشروحه ) . لماذا هذا التعدد وهذه الكثرة كتجليات للوحدة ؟ ! لماذا تظهر هذه الاختلافات مع أن الله ( المصدر ) إليه واحد ؟ !
 
( 1619 - 1630 ) : يجيب القاضي ( المرشد ) إن الأمر لا تناقض فيه ، فكيف يقاس المعشوق بالعشاق ؟ ! ألا ترى أنه بالرغم من أنه لا عاشق بلا معشوق ولا معشوق بلا عاشق هناك كثير من الاختلافات في أحوالهم ؟ ! فكلما ازداد المعشوق جمالا ازداد العاشق نحولًا . . .
وكلما زاد المعشوق دلالا وعزة وكرمة ازداد العاشق وجداً وهياما وذلا واضطرابا ، إن هذه الخليقة التي تراها متناقضة إلى هذا الحد كلها زبد على سطح البحر فاضت منه ولكنها ليست هو ، والبحر يحتوى على الدر يحتوى على السبه ( حجر رخيص )
فهل يقال أن هذه المظاهر والآثار هي عين البحر الذي بلا كيفية ، ولا يحيط به أحدٌ علما ؟ ! والخالق المطلق ليس نداً لمخلوقاته
 
« 507 »
 
وليس ضدا لها ، قال الإمام على رضي اللّه عنه : بتشعيره المشاعر عُرف أن لا مشعر له ومضادته بين الأمور عرف أن لا ضد له وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له ، ( عن جعفري 13 / 563 ) فلا خالق هناك يستطيع أن يخلق ضده ، فالاضداد كثيرة والأنداد كثيرة ، والمثل لا يخلق مثله ، وأسرار الخليفة ( مد البحر وجزره ) لا كيفية لها وغير قابلة للوصف ، وانظر :
إن أقل ظاهرة من ظواهره هي روحك ، ومع ذلك فإنك لا تستطيع أن تدرك كنهها ولا يستطيع أحد أن يفسر أبعادهاوَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ، قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا( الإسراء / 85 ) .
 
( 1631 - 1642 ) : يواصل القاضي ( المرشد ) : تراك تريد أن تدرك كنه هذا البحر ، وعقلك بكل ما أوتى من قوة لا يستطيع أن يدرك كنه قطرة واحدة منه ، وتساؤلاتك كلها تبقى محدودة بنطاق الألفاظ وضيقها ، وأين ألفاظك وأين معرفتك المحدودة من العقل الكلى أو ما خلق الله ومنه فاضت الخليقة وهو أيضاً عاجز عن إدراك منهجه ، يستنجد بالجسد ويسأله :
أتراك حصلت على النذر اليسير من المعرفة عن بحر المعاد ؟ !
ويرد الجسد : كيف وأنا دائما مجرد ظل لك كيف أدرك ما لم تستطع إدراكه ؟ !
ويرد العقل : إنها الحيرة هي التي تقلب كل الموازين : تكون الشمس في خدمة الهباء ويفر الأسد أمام الغزال والبازي أمام السلوى ، يطلب القوى العون من الضعيف ( انظر عن الحيرة البيت 2486 من الترجمة العربية للكتاب الأول و 1377 من الترجمة العربية للكتاب الثالث و 969 من الترجمة العربية للكتاب الرابع ) ولم لا ؟ ،
ألم يكن الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم مع عظمته وقربه يطلب الدعاء من المساكين ؟ ! وفي رواية الجامع الصغير " كان يستفتح ويستنصر بصعاليك المسلمين ( انظر أحاديث مثنوى ، ص 200 ) وكيف تصدق أقوال المفسرين أن هذا كان من أجل التعليم . !
أيكون التعليم في إيداء الأمور على غير حقيقتها ؟ ! لا . . . بل كان صلى اللَّه عليه وسلّم يعلم أن كنوز المعرفة في قلوب الفقراء مصداقا لقوله تعالى في الحديث القدسي
[ أنا عند المنكسرة قلوبهم ] وهذه الأمور المعكوسة
 
« 508 »
 
( انظر البيت 1594 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحه ) تحير حتى الأولياء ، وإلا فإن كل جزء في الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم منبىء عن الحقيقة الإلهية ، ومن هذا الفعل المعكوس تعددت الفرق والمذاهب وليس ثم إلا حقيقة واحدة ، وكلها اختلافات في النظر ( عن اختلافات النظر ، انظر حكاية رسامى الصين والروم من الكتاب الأول وحكاية الفيل في الحجرة المظلمة ، ابتداء من البيت 1260 من الكتاب الثالث وانظر أيضاً حكاية سؤال موسى عليه السّلام لله تعالى : لم خلقت خلقا فأهلكته ، من الترجمة العربية للكتاب الرابع ، الأبيات 3001 وما بعده وشروحها ) .
 
( 1643 - 1651 ) : يواصل القاضي حديثه إلى الصوفي : إن هذا الكلام ليس بالبسيط وليس بالهين ، ولا تستطيع أذن الجسد أن تستوعبه بل لا بد له من اذن الروح ، فكل ما يتأتى للعبد إنما يتأتى له من الله من العطاء والمنع والنعم والبلاء ، وهكذا ديدنه مع كل خلقه بلاءٌ يعقبه نعمة ونعمة يعقبها بلاء ، ( انظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة ، حكاية الذي أراد أن يهب بردة لبهلول ، الأبيات 5339 - 5344 وشروحها ) .
 
وما حول الفخذة هو أحسن قطع الذبيحة ما حول الرقبة أسوأها ، والدنيا بأجمعها لا تساوى عند الله جناح بعوضة ولو كانت لما سقى الكافر منها شربة ماء بل هي للصالح والطالح على السواء ، لكن رحمته جل شأنه تكون للصالحين من خلقه فحسب الذين يصبرون على الضراء ولا ترتفع عقيراتهم بالصياح أو الشكوى ، والحضور هو حضور القلب والمنزل هو قلب المؤمن : ليكن الله سبحانه وتعالى حاضرا في قلبك ، لكي تصلك خلعه .
 
( 1652 - 1656 ) : يذكر سؤال الصوفي هنا بما ورد في الكتاب الخامس قصة ذلك الذي قال : ما كان أحلى الدنيا لو لم يكن موت ، وما كان أحلى ملك الدنيا لو لم يكن له زوال ، وعلى هذه الوتيرة من الترهات ( الأبيات 1762 - 1773 من الترجمة العربية للكتاب الخامس وشروحها ) . فالحقيقة غارقة في الحقيقة لأن المجاز لا ينتفى عند أهل الحقيقة لأن مراتب
 
« 509 »
 
الوجود تسمى حقيقة بعد حقيقة ( سبزوارى / 441 ) .
( 1657 ) : يضرب القاضي المثل هنا بقصة التركي والخياط التي وردت في كتاب الأذكياء لابن الجوزي ( مآخذ / 207 ) .
 
( 1663 - 1671 ) : يترك مولانا رواية الحكاية كعادته ليتحدث عن أهمية المتلقى بالنسبة للمتحدث فبقدر همة المستمع تكون قوة المتحدث ، مصداقا للحديث النبوي المذكور في العنوان ( انظر أيضاً البيت 1247 من الكتاب الذي بين أيدينا ، وانظر أيضاً الترجمة العربية للكتاب الثالث الأبيات 3604 - 3614 وشروحها )
 
والفكرة العامة أن كل شئ بقدر حاجة الخلق إليه ، يبكى الطفل فيفور ثدي الأم باللبن ، تهتز الأرض فينزل عليها المطر ، يريد الله سبحانه وتعالى أن ينزل معجزة الأنبياء والخلق أجمعين ، فيخلق الخليقة كلها من أجله لكي يتم الظهور عليها فلا ظهور له إلا بها فهو أول الأنبياء خلقا آخرهم بعثا ، وكان نبيا وآدم بين الماء والطين ،
وقال الله تعالى له : " لو لاك ما خلقت الأفلاك " ، والأولياء أيضاً ، يأتي بالبشائر من عالم الغيب لأن الآذان تهفوا إلى هذه البشائر ، وما دامت عاكفا على الدنيا فأنت والكلب سواء فالدنيا جيفة وطلابها كلاب ، والكلب نفسه ينجو من طبيعته الكلبية عندما يصاحب أهل الكهف ( الأولياء ) لكن ما العمل والعوام كلهم همهم النساء والطعام .
 
( 1675 - 1677 ) : إن هذه الخلافات بين الخلق صورة مصغرة للقيامة وحين يقع شجار بين اثنين يجاهد كل منهما في فضح أسرار الآخر، وهذا أشبه بالقيامة عند نفخ الصور حيث ينشر كل ما أسره المرء على الملأ.
 
( 1716 - 1723 ) : يترك مولانا الحكاية ( التي هي أيضاً داخل حكاية الصوفي والقاضي ) ويخاطب المريد : حتام أنت مولع بالحكايات والأساطير وأنت نفسك مجرد حكاية من
 
« 510 »
 
الحكايات تعجز عن الوصول إلى الحقيقة وتبتعد عن إدراك الواقع ( انظر البيت 1147 من الكتاب الثالث حيث تقدم فلسفة الحكاية والبيت 1662 من الكتاب الذي بين أيدينا ) وأنت العجب العجاب في ضحكك هذا ، أتراك تضحك والموت في انتظارك وأنت دائما في ضحك ( انظر حديقة سنائى ، الأبيات 6135 - 6137 ) ،
إنك تهزل والفلك يسخر منك ، ولا تنظر فقط إلى عطاياه بل وانظر أيضاً إلى أخذه ، وفكر في العواقب ( انظر لتفسير الفساد في الكون الترجمة العربية للكتاب الرابع ، الأبيات 1544 - 1614 وشروحها )
وهذا هو الفلك خياط عام يصنع الكساوي لأولئك الذين شاخوا في أعمارهم لكنهم لم يبلغوا عقول الأطفال ، ذلك أنهم يخضعون كل شئ على عاتق الفلك ، ويتحدثون عن سعده ونحسه ، ويتكدون منه ، بينما لا يملك من أمر نفسه شيئاً .
 
( 1734 - 1745 ) : الحكاية هنا ذات أصل عربى ورد في ربيع الأبرار للزمخشري " زحمت مريأة رجلا فقال : المستعان بالله ما أكثر كن ، قالت : يا هذا نحن على هذه الكثرة وأنت تبتغون ما وراء ذلك فليت شعري لو كان فينا قله ما كنتم تعملون . ( عن فروزانفر مآخذ 207 ) .
 
ومعناها أن أهل الدنيا لا يشبعون من لذائذها هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى لم يفطن إليها الشراح القدامى أن انغماس المرء في الشهوات حتى ولو كان طبيعيا فإن يجره إذا وصل إلى مرحلة التشبع إلى البحث عن الشذوذ واللجوء إليه ،
ثم يواصل مولانا الحديث :
وهكذا الإنسان مع الدهر : إن الإنسان يسب في الدهر ويشكو الزمن وأكثر الناس شكوى من الدهر هم أشدهم كلفا به وحرصا عليه ، وتعلقا بشهواته ، فما أن يخسر أدنى خسارة فيه حتى يجأر بالشكوى وتضيق الحياة في وجهه ، وإذا كسب فيه فإن يتجبر ويطغى ويركب على رقاب الخلق ، فلا هو بالشاكر في النعمة ولا هو بالصابر على البلاء ، وكل الناس لا يتأسون بإبراهيم الخليل عليه السّلام الذي وفي وصبر على نار النمرود ولا بإبراهيم بن أدهم الذي لم يركن إلى النعمة بل وهرب منها قاصدا الحقيقة : وبينما ألقى إبراهيم الخليل بنفسه في النار فلم
 
« 511 »
 
يحترق ، ألقى إبراهيم بن أدهم بنفسه في طريق الطلب واحترق بنار الطريق .
 
( 1746 - 1753 ) : لا يزال الصوفي ( المريد ) يسال القاضي الشيخ ويضرب الأمثال لوجود الخير والشر معا في الدنيا ، مع أن الله تعالى جلت قدرته يستطيع أن يجعل العالم خيرا محضاً .
 
( 1754 - 1764 ) : جواب القاضي هنا يشبه حديث مولانا في أكثر من موضع عن لزوم الشر إلى جوار الخير ، وأنه إذا كان العالم خيرا خالصاً لما أمكن التمييز بين الخير والشرير والصالح والطالح ، الموضع الأول في الكتاب الرابع تحت عنوان : بيان أن العمارة في الخراب والجمع في التفرقة ، ( الأبيات 2341 - 2353 ) والموضع الثاني في الكتاب الرابع أيضاً تحت عنوان سؤال موسى عليه السّلام الخالق سبحانه وتعالى : خلقت خلقا وأهلكتهم ( الأبيات 3001 - 3029 ) وفي الكتاب الخامس تحت عنوان في بيان قول الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم : لا رهبانية في الإسلام ، الأبيات 575 - 580 ) .
 
ويخلص مولانا في الأبيات التي بين أيدينا أن توجيه مثل هذه الأسئلة من قبيل الغفلة ، فمن اقترب من الحق علم أن كل ما يأتي منه خير . وقد عبر سنائى عن هذه الفكرة في حديقة الحقيقة أيضاً ( انظر الترجمة العربية ، الأبيات 426 - 461 وشروحها )
وقال بعض السادات : أذنبت ذنبا وأنا أبكى عليه منذ ستين سنة ، واجتهدت في العبادة لأجل التوبة من ذلك الذنب ، فقيل له ما هو ؟ ! قال : قلت مرة لشئ ليته كان كذا ! !
وقال بعض المشايخ : لو قرض جسمي بالمقاريض ، كان أحب إلى أن أقول لشئ قضاه الله ليته لم يقضه . ( انقروى 6 - 1 / 424 ) .
 
( 1765 - 1774 ) : الحكاية الواردة في هذه الأبيات مأخوذة عن رواية وردت في ذيل زهر الآداب للحصرى " وكسا مزيد المدني امرأته قميصا فشكت إليه غلظته وخشونته فقال : أترينه أخشن من الطلاق . ( عن فروزانفر ، مآخذ 208 ) .
 
( 1775 - 1786 ) : المقصود من الحكاية السابقة هل الفقر والبلاء والآلام والمحن أشد وطأة
 
« 512 »
 
على العبد أو البعد عن الله ؟ ! هل مكافحة الهوى على مرارتها وقسوتها أقل مرارة من البعد عن الحق أو أكثر مرارة ؟ !
هل الصيام والجهاد على قسوتهما أقسى أو أن يمتحن المرء بالبعد عن ربه ؟ ! من دعاء كميل المشهور عن أمير المؤمنين " فهبين يا إلهي وسيدي ومولاي وربى صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك " ( عن جعفري 3 / 592 ) .
 
يكفيك أن تسمع مواساته أثناء المك ، وأنت تسأل : كيف اسمع مواساته ؟! 
ألست تدعو ربك أثناء البلاء وأثناء المحنة ؟ 
اعلم أن نفسك دعوتك هذه هي إجابته جل شأنه بلبيك ، فالدعاء عين الاستجابة ، وإذا كان البلاء يجعلك قريبا من الله تناديه فيستجيب لك فكيف تفر من هذا البلاء ؟! 
وإذا لم يكن لديك ذوق التلقي ، ألست تحس في حالات المرض والبلاء بأنك قريب من الله ؟! تكفيك اذن هذه اللذة ويكفيك هذا القرب ، وعلى هذا النسق العلاقة بين أولئك الحسان ( المرشدين والأولياء ) ومرضى القلوب ( السالكين في طريق الحق ومرضى النفوس )
وهم وإن لم يفصحوا إلا أن إشاراتهم ( رسائلهم ) تغنى ، ففي الإشارة غنى عن العبارة ، وإلا فإن من القلب إلى القلب كوة ، ولا يوجد عاشق يفكر في معشوقه دون أن يفكر معشوقه فيه، (انظر الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 4396 - 4415 وشروحها)
 
وإذا كنت مغرما بالقصص والحكايات فاقرأ حكايات العشاق ، ففيها الكفاية ، فقط يجب أن تكون ناضجاً بقدر الكفاية ، ولست مغلياً نصف غلية على طريقة الترك في النضاج اللحم ( انظر 3751 من الكتاب الثالث ) ،
 لكنك أيها السالك الذي لا يدرك عمق هذه المعاني ولا تصادف منك قلباً مفتوحاً قد عشت عمرك وتعلمت ما تعلمت ، لكنك كلما تعلمت ازددت فجاجة على فجاجتك ، فعلمك الذي تتعلمه ليس من أجل الحق بل من أجل الخلق ، ذلك أنك سرت في طريق غير طريقه ، فكل من صار تلميذاً للحق صار أستاذاً ،
أما الذي يسير في طريق آخر فيتجمد بل يسير القهقرى لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وهناك من أضله الله على علم فمثله " كالكلب " ولا يصل حتى إلى مستوى البشر ، فلا أنت اتعظت بمهلك والديك ، ولا أنت اعتبرت بما جرى لك من أحداث في حياتك .
« 513 »
 
( 1787 - 1790 ) : اللطيفة الموجودة في هذه الأبيات مما رواه الأفلاكى عن مولانا أنه لقى راهباً في الطريق فسأله : هل أنت أسن أو لحيتك قال الراهب : أنا أسن من لحيتي بعشرين عاماً ، فقال مولانا : أيها المسكين ما ظهر بعدك نضج وشد وأنت على ما أنت عليه تحضره السواد والفساد والسذاجة ، ويلك !! ( فروزانفر 2080 مناقب العارفين للأفلاكى ، ج 1 ، ص 139 ) وشهوة الثريد كناية عن شهوات الدنيا وتربية الجسد .
 
( 1791 - 1800 ) : الخطاب بالطبع ليس للراهب بل لكل من أضلتهم شهوة الحياة الدنيا من الغافلين العاكفين عليها : إنهم كلبن المخيض الحامض لم يقوموا باستخلاص التجليات الروحانية ( الزيت ) منه فيبقى على حالته ، وهم أيضاً كالعجين لم تنضجهم نار السلوك ، بالرغم من طينتك أنت قد خمرها الحكيم العليم ( انظر البيت 1222 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ،
 
وأنت كعشبة في طين على رأس تل ، ليست ثابتة أو ممتدة الجذور ، تهتز وتميل مع كل ريح ( هوس ) ، ولذلك فأنت مثل قوم موسى في التيه ، لا وجه ولا طريق ولا هدف ولا أمل في الوصول ، وما ذلك إلا لاتخاذهم العجل .
 قال تعالى فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ ( المائدة 26 ) وما ذلك إلا لتمسكهم بالدنيا وقعودهم عن القتال مع موسى عليه السلام وقولهم له إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ، فها أنت مثلهم تهرول ،
لكنك لا تصل إلى شئ ، ولن تصل إلى شئ ، ما دمت مثل قوم موسى الذين أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ حتى ولو بقيت ثلاثمائة سنة ، وثلاثمائة سنة بصحبة أهل الكهف كانت كفيلة بتحويل كلب إلى مذكور مع الأولياء في آية واحدة في القرآن الكريم
( عن العجل وقوم موسى انظر سورة طه آية 88 وانظر البيت 3322 من الترجمة العربية للكتاب الرابع ).
 وسوف تظل مثل قوم موسى إلا أن تطرد هيامك بالعجل من قلبك ، وتتوب إلى بارئك ، وتقوم بقتل نفسك التي بين جنبيك ، حينئذ يتحول غضبه جل شأنه إلى لطف ونعمة ، لكن هذا لن يحدث ما دام الطبع
 
« 514 »
 
الحيواني مسيطرا عليك جاعلًا الدنيا منتهى أملك ومبلغ علمك .
 
( 1801 - 1809 ) : إذا كنت تريد دليلًا على نعم الله عليك فاسأل أعضاءك هذه التي تظن أنها خرساء وهي في الحقيقة مفصحة عن آلائه جل شأنه متحدثة بألف لسان ، اسألها تحدثك عن حياتها ، وتفصح لك عن نعم الله الذي رباها وأنشأها من العدم وابتلاها بالخير والشر فتنة ، ونمو الأعضاء وامتلاؤها ونضرتها إنما يدل على حال سرور ولذة حين خلقها وحين نموها ، ومن ثم فإنها تضمر وتزداد نحولًا عند الشدة والحزن ، وها هي أعضاؤك مائلة أمامك ، لكن ذلك الإحساس باللذة والمتعة من هذا الخلق العظيم والذي يستوجب شكر النعمة انتفى عن حواسك الخمسة وعن عالمك المحسوس فبقيت غافلًا عنه ، وكل ما حولك في الكون دليل على ذلك ، والطبيعة تعلمك فأية نعمة زالت بزوال أسبابها الظاهرة ؟ ألا ينضج الصيف محصول القطن ويذهب الصيف ويبقى لك محصول القطن ؟ ! وألا يأتي الشتاء بالثلج ويمضى الشتاء ويبقى الثلج " الذي تحتفظ به " ؟ فهل القطن نعمة الصيف وهل الثلج من عطاء الشتاء ؟
 
( 1810 - 1816 ) : وهكذا أعضاؤك : كل عضو من هذه الأعضاء ينبئ عن نعمة كامنة فيه وهبها لك أحسن الخالقين ، والمرأة التي تلد الأبناء إنما نذكرها كل منهم بحالة خاصة من أحوال اللذة ، وتمضى اللذة وتظل آثارها ، ولماذا المرأة بالذات ؟
إن كل شجرة تلد الثمار إنما تلدها بقدرة الواهب اللطيف وبأنعامه الإلهية الخافية ، فليس كل حمل برجل وامرأة ، ولديك حمل مريم البتول عليها السلام
( انظر الآيات 16 - 18 من سورة مريم والأبيات 3702 - 3707 من الترجمة العربية للكتاب الثالث ) والنار ألا توضع تحت الماء ومع ذلك يكون من آثارها ذلك الزبد الذي يغلى؟.
 
( 1817 - 1829 ) : هذه الأعضاء التي تحسبها جماداً تكون من قبيل آخر عند أولئك السكارى بالوصل الإلهى ، إذ أنها تحمل صور الأحوال التي تمر بها حالًا بعد حال ،
 
« 515 »
 
والخطاب الإلهى الملىء باللطف يناديها أولًا بأول ويكشف لها الأحوال ، لكنها لا تستطيع أن تعبر عما تدركه الأبصار أو تسمعه الآذان ، فهي " مواليد " لكنها ليست من أركان الدنيا الأربعة ، ويعود مولانا فيقول : أية مواليد ، إن مواليد هنا لفظ تقريبي فحسب من أجل الإرشاد والتعليم ، لكنها في الحقيقة تجليات ، ومن الأوفق هنا الصمت فآفة الحال المقال ، ودع سلطان المقال ومليكه ( الحق ) ليتحدث ، ولا تتفاصح فإن هذا الصنف من الناس لن يدرك شيئاً مما تقول ، إنه ممتلئ وجداً وهياماً يسمع حديثاً من غير قبيل حديثك ، فانضم أنت أيضاً إلى السامعين ، وهذان الصنفان : الجسماني والروحاني من آثار الوصال كلاهما له جماله الخاص به ،
 
وانظر إلى مظاهر الطبيعة من حولك موت وحشر ونشر ثم موت وحشر ونشر ، تتوالى الفصول ، فهذا الصيف المتجدد يذكرك بالشتاء ورياحه الباردة وزمهريره القارس ، وهذه الفاكهة الموجودة في الشتاء تذكرك باللطف الإلهى الذي أنضجها في الصيف ، وتذكرك بالشمس عندما تبسمت وأخصبت عرائس الرياض ، فأولدتها وردا وريحانا وفاكة وأبا .
 
( 1831 - 1840 ) : إنك لو كنت ماهراً وذكياً عميق الفكر ، إذا إجتاحك الحزن من هذا التمزق الذي تعايشه بين الأرضي والسماوي ، فإنك تستطيع أن تخاطب هذا الحزن قائلًا :
أيها الحزن المنكر للعطايا الإلهية ، إن لم تكن هذا الألطاف الإلهية منصبة عليك ، فلماذا في كل لحظة يتنضر وجودك ويتجدد دمك ، وتنهمر عليك الأفكار ، وما هذه الأفكار منك إلا عصارة هذه الالطافات ، وهي من زهر وجودك المتجدد كماء الورد من الورد ، فهل ينكر ماء الورد
( الفكر ) الألطاف الإلهية ( الورد ) ؟
 
إن الكافر المتخلق بأخلاق القردة تكون أقل نعمة من هذه النعم الروحانية حراماً عليه ، لكن أولئك الذين يتخلقون بأخلاق الأنبياء فلهم النور ولهم الغيث ، والشكر مهما كان البلاء من أخلاق الأنبياء ، أما القردة والخنازير وعبد الطاغوت فديدنهم الجدل مع الخالق والعاطى ، وانظر إلى عاقبة هؤلاء وعاقبة أولئك ، ولا تغرنك المظاهر ، فالعمران ملىء بالكلاب المسعورة والخراب ملىء بالكنوز المدفونة ، وهذه المظاهر
 
« 516 »
 
هي التي تضلل عبدة الظاهر من الفلاسفة الذين لا يجاوزون حواسهم ، فلا تتذاكى ، فإن أولئك الذين يظنون أنهم يشقون الشعرة من ذكائهم ومهارتهم ، هم أولئك المدموغون بالله ( سنسمه على الخرطوم - انظر البيت 1434 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 1841 ) : كلمة بقية المذكورة في العنوان لا محل لها إذ لا توجد أجزاء من القصة في الكتاب الذي بين أيدينا أو في كتاب آخر من كتب المثنوى . ولعله يشير إلى أن حكاية أخرى في هذا المجال قد سبقت في الكتاب الثالث وسوف يشير إلى هذا الأمر في البيتين 1848 ، 1849 .
 
ومجال القصة هنا التذاكى والشطط حيث انتقل من الحديث عن الفلاسفة إلى الحكاية ، فهم من تذاكيهم وشططهم يقعون بعيداً عن الحقيقة مثل رامى السهم الذي كلما شد القوس أكثر ليلقى السهم بعيداً ابتعد عن الكنز الذي يقع تحت موطىء قدمه ، والقصة ذات أصل في مقالات شمس الدين التبريزي ( كل من هو أكثر فضلًا أبعد عن المقصود ، كل من هو أكثر غموضاً في فكره أكثر بعداً ، هذا عمل القلب ليس عمل المخ )
( مقالات شمس تبريزى بتصحيح محمد على موحد 1 / 75 ) كما يعلق مولانا شمس على الحكاية تعليقاً آخر " كل من ألقى السهم أبعد كان أكثر حرماناً إذا تبقى خطوة واحدة حتى يصل إلى الكنز ، فأية خطوة في حد ذاتها ، وأية خطوة هذه ) ( مقالات شمس تبريزى 1 / 76 )
وهذا ما عبر عنه أبو اليزيد البسطامي بتعبير آخر " خطوة من جهدنا وخطوة أخرى بأمر الحق " وقد أشار مولانا إلى نفس هذا التعبير في المثنوى ( البيت 1550 من الكتاب الرابع ) ( انظر استعلامى 6 / 311 ) .
 
( 1848 - 1849 ) : إشارة إلى حكاية الذي كان يطلب رزقاً حلالًا بلا كسب في عهد داود النبي الواردة في الكتاب الثالث من المثنوى الأبيات 2308 - 2505 ) .
 
( 1854 - 1859 ) : الخفض والرفع هنا كناية عن ظهور مظاهر القدرة الإلهية على الخلق بأشكال متفاوتة وكلها خير وبقدر الحاجة ، والمزاج الممتزج هو جريان الحياة الجسدية المبنية على أربعة من الأمزجة قائمة على العناصر الأربعة للوجود في معتقد القدماء ، القدرة الإلهية
 
« 517 »
 
إذن هي التي تحكمها تقيم الوجود على هذه الأضداد ولا حافظ لها إلا اللطف الإلهى ، وكل هذا التضاد فتنة ( يبلوكم بالخير والشر فتنة ) ويرى بعض المفسرين أن الأبيات تعبر عن الحديث النبوي : [ إن الله لا ينام ولا ينبغي أن ينام يخفض القسط ويرفعه ] ( استعلامى 6 / 312 ) .
 
( 1860 - 1871 ) : أن الدنيا قائمة على جناحي الخير والشر ، ويؤمن مولانا جلال الدين على خلاف اعتقاد القدماء أن الأرض كرة معلقة في الفضاء أو الأثير وفي البيت 4767 من الكتاب الذي بين أيدينا يخاطب الأرض مرة أخرى قائلًا " انهضى من بين الفلك أيتها الأرض " ولا يمكن أن يكون هذا التعبير إلا إذا اعتبر الأرض كرة معلقة في الفضاء وفي موضوع آخر يردد مولانا هذا التعبير على لسان حكماء المدرسة دون أن يبدي اعتراضه أو تأييده ( انظر الأبيات 2494 - 2500 من الكتاب الأول ) ،
 
إن من هذا الاختلاف في أحوال الكون تكون الأرواح في خوف أو في رجاء ، ويكون أهل هذه الدنيا بين رياح الشمال ورياح السموم مرتعدين كأوراق الأشجار - ومن هذا الخوف تتولد الاختراعات ومشروعات العمران والتغلب على الطبيعة ، لكن الإنسان المتعمد على ذلك العالم الآخر لا خوف لديه ولا رجاء ولا رعدة ولا هزة لأنه يتحد بالوجود المطلق ولا لون هناك للوجود المطلق ، والوجود المطلق كأنه عالم من الملح يطهر ويمحو كل الألوان ،
 
ومن هذا التعبير الإنجيلى تتداعى المعاني والصور ، فالدن ذو اللون الواحد هو دن عيسى عليه السلام الذي وضع فيه الثياب عندما عمل عند صباغ ومن هذا الدن ذي اللون الواحد كان يخرج كل ثوب مصبوغاً باللون الذي يطلبه صاحبه ، وإذا كان الملح الحقيقي يقوم بمحو كل الألوان فما بالك بملح المعاني ؟
 
إنها في تجدد دائم ، ليس ذلك التجدد الذي هو ضد القديم ولكن ذلك التجدد الذي هو بلا نظير ولا ضد ولا ند ، فكلها مفاهيم مادية وليس هناك في ذلك العالم موضع للمفاهيم المادية ، ولأضرب لك مثالًا بهذا التجدد ، وهذا اللون الواحد ، ألم يكن المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم بنوره الإلهى دنا
 
« 518 »
 
ذا لون واحد اصطبغ به المجوسي والمسيحي واليهودي الذي أدخل في دينه ، انه شمس السر ، والعالم ظلال وقد طوت هذه الشمس كل هذه الظلال .
 
( 1872 - 1888 ) : لكن هناك اتحاداً في اللون على نسق آخر ، إنه يحدث في يوم الحشر ، حيث تبدو على ظاهر كل إنسان أفعاله وأقواله ، فالناس كما يعيشون يموتون ، وكما يموتون يحشرون ، والناس يبعثون على نياتهم ( انظر ص 3664 من الكتاب الرابع و 2593 - 2601 من الكتاب الخامس )
 
ويشبه هذا أن تحول أفكارك إلى سطور مكتوبة على كتاب ، أو أن تقلب الثوب فتصير بطانته هي وجهه ، تظهر البواطن آنذاك ملونة كأنها الثور الأرقط ، وتبدو الأمم بمئات المذاهب ، لكنها تهدف جميعها إلى رؤية الحق ، لكن لما كانت بواطنها على مئات الألوان فإن الخيط الذي يغزله ذلك المغزل يخرج على مائة لون ، لكن هذا الدور
 
( وهو الفترة من الزمان التي يتميز بسمات معينة من الممكن أن تفصله عن دور آخر )
هو دور تعدد القلوب وتعدد الألوان ، هو دور غياب الإيمان : يوسف في الجب والذئب في القطيع ، وفرعون على دست الحكم ، وذلك من أجل أن تتمتع هذه الفئة بالرزق فترة من الزمن ، ويلهيها الأمل الذي يهزأ منها ، هذا في حين أن عظماء الرجال من الأولياء والمرشدين تظل داخل غابة الدنيا تنتظر النداء من الحق ،
فتخرج من مكانها ، ويبدي الله سبحانه وتعالى الحق واضحاً وصريحاً وجلياً لا لبس فيه ، حينذاك يكون المحك والفيصل والمعيار هو جوهر روحه ، أما أولئك الكفار الذين يشبهون الثيران البلقاء لتلونهم وتلون بواطنهم ، فهم حصب جهنم ، وأهل الله يطفون فوق موج هذا الطوفان وكأنهم الطيور المائية ، وتذهب صقور الطريق إلى ساعد السلطان
 
( الصورة وردت أيضاً في ديوان شمس ) أما الديدان فتذهب إلى البعر وإلى القاذورات ، فليس سكر الحكمة جديرا بالغراب وذلك كله مصداقاً للآية الكريمة لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ( الأنفال 42 )
 أي أن الله تعالى يبدي لهم حقيقتهم على ظواهرهم ثم يأخذهم بها أخذ عزيز مقتدر .
 
« 519 »
 
( 1889 - 1896 ) : لا يليق كل شئ بكل إنسان ، وكل ميسر لما خلق له ، والمرء بقدر همته وسعيه وإرادته ، فالغريز لا يناسب قهر النفس ، والجهاد ليس من عمل المرأة ( لهو ليس مقرر عليها شرعاً ) ، وقليلٌ ما هن من بطلات الطريق مثل مريم عليها السلام ، وفي الحديث : الكمل من الرجال كثير ، ولم يكتمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران ( أحاديث مثنوى / 202 )
ومن هنا فأولئك الرجال ضعاف الإرادة سوف يبعثون يوم القيامة نساءً ، ذلك أن اليوم هو يوم العدل والجزاء ، حيث ينال كل إنسان ما طلبه ، ويؤوب كل امرئ إلى محل أوبته ، وكل شئ يجرى بشكل طبيعي جريان سنة الله في خلقه مثلما تبث الشمس حرارتها ، وينزل المطر من السحاب .
 
( 1997 - 1900 ) : وعالم الدنيا مختلف عن عالم الآخرة تماما ، فإذا كان عالم الآخرة هو اللطف ، فإن عالم الدنيا هو عالم القهر وإذا اخترتها فقد اخترت القهر ، وانظر إلى الدنيا ، لمن دامت ؟ ! ولمن استمر نعيمها ؟ ! وخفف الوطء فما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد ، وانظر إلى فخاخها تأخذ بالطائر المحلق في الأعالي ، وما الذي تبقى من أهل الدنيا ؟ ! فبر محدوب الظهر لا تلبث أن تذروه الرياح .
 
( 1901 - 1914 ) : مثلما يسر الله لكل إنسان ما خلق له ، يسر له أيضاً قرينه ، وكل من هو من جنسه ( من شعر سعدى : كل طائر يطير في سرب من جنسه ) وهكذا فالمرء على دين خليله فلينظر أيكم من يخالل ، ومن هنا ، كان جلوس الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم وأنسه مع الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم ، بينما كان أبو جهل جليسا لعتبة وذي الخمار ( الأسود العنسي )
الذي أاعى النبوة في اليمن في أواخر عهد الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم ، وكل مخلوق وهمته ، فجبريل والملائكة ميالون تواقون إلى سدرة المنتهى ، وعبد بطنه تواق إلى المائدة ، أما العارف فيهفو إلى نور الوصال والمتفلسف يجرى وراء الخيالات التي يسوقها ،
( انظر البيت 1128 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ،
 
وهلم جرا . . . فالله تعالى يرزق الإنسان الرزق بما جبل عليه طبعه ، يزرق العارف أنوارا من باطنه ، ويرزق كلاب الدنيا وعبادها برزق قيمته كماء النخالة الذي يوضع أمام
 
« 520 »
 
الكلاب ، وإذا كنت مقيما على طبعك راضيا به لا تبغى الانصراف عنه ، فلماذا إذن تنفر من هذا الرزق ؟!
ولماذا تنصرف عنه إذن ؟! وإذا لم يكن فيك طبع الرجولة ، فعليك بثياب النساء ،
وما أقرب إلى هذا إلى قول سنائى الغزنوي :
إنك لا تملك القدرة على الاستغناء فلا تهزل بأحاديث الدراويش * وإذا لم تكن لك وجوه العيارين فلا تقلع روحك كالأخساء عبثا فاذهب كالنساء وتعامل مع العطور والأصباغ * أو تعال كالرجال وألق بالكرة في الميدان ( ديوان سنائى ، ص 484 )
.
* * * 

* * *

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: