الأربعاء، 2 سبتمبر 2020

14 - تفصيلات قصة الأمير وملازمته لحضرة الملك .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

14 - تفصيلات قصة الأمير وملازمته لحضرة الملك .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

تفصيلات قصة الأمير وملازمته لحضرة الملك .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

عودة إلى تفصيلات قصة الأمير وملازمته
لحضرة الملك
- إن الأمير حائر أمام الملك في أنه رأى الأفلاك السبعة في قبضة من الطين ! ! .
- لم يكن من الممكن قط التفوه بمقال ، لكن الروح مع الروح لم تكن صامتة لحظة واحدة .
 
4605 - وعن لخاطره أن هذا الأمر خفى جداً ، إن هذا كله معنى فمن أين الصورة ؟ ! .
- إنها صورة تجعلك ضائقا من الصورة ، إنه نائم لكنه يوقظ كل نائم ! !
- إن كلامه هذا يحررك من الكلام ، وذلك السقام يشفيك من السقام .
- إذن فسقام العشق هو روح الصحة ، وآلامه تزرى بكل راحة .
- أيها الجسد ، الآن انفض يدك من الروح، وان لم تفعل فابحث عن روح غير هذه الروح !!.
 
4610 - والخلاصة أن هذا الملك كان يزيد في إكرامه ، وكان هو كالقمر يذوب من تلك الشمس .
 
« 386 »
  
- إنه ذوبان العاشقين ، وهو نمو ، مثل القمر يكون في ذوبانه متجدد الطلعة .
- وكل المرضى يأملون الدواء ، وهذا المريض يئن قائلًا : زيدونى .
- إنني لم أشرب الذ من هذا السم ، ولا صحة هناك أطيب من هذا المرض .
- ولا طاعة هناك أفضل في هذا الذنب ، والسنون بالنسبة لهذه اللحظة برهة من الزمن .
 
4615 - وظل مدة عند الملك على هذا النسق ، القلب شواء والروح موضوعة على الطبق .
- وقال أن الملك قطع من كل " من أعدمه " رأساً واحدة ، وأنا من الملك في كل لحظة ضحية جديدة .
- وأنا فقير من الذهب ، لكني غنى في الرؤوس ، لأن رأسي التي قطعت عوضت بمئات الآلاف من الرؤوس .
- ولا يمكن الهجوم في العشق بقدمين ، ولا يمكن المغامرة في سبيل العشق برأس واحدة .
- ولكل إنسان قدمان ورأس واحدة ، ولا يوجد جسد بآلاف الأقدام والرؤوس .
 
4620 - ولهذا السبب فكل المجالس صارت كلها هدراً ، وهذا المجلس في كل لحظة أكثر دفئاً وحرارة .
- ومعدن الحرارة موجود في اللامكان ، والنيران السبعة بالنسبة له شرر واحد .
 
في بيان أن النار التي توجد قنطرة الصراط فوقها تقول : أيها المؤمن ،
أعبر الصراط ، عجل حتى لا تطفئ عظمة نورك نارنا ،
جز يا مؤمن فان نورك أطفأ ناري
 
- ومن هنا ، فمن نار العشق أيها الصفى ، تصير جهنم ضعيفة ومنطفئة .
 
« 387 »
  
- تقول له : جز سريعاً أيها المحتشم ، وإلا فإن من نيرانك انطفأت ناري .
- والكفر الذي هو كبريت جهنم فحسب ، انظر كيف يجعله ذابلًا هذا النفَس .
 
4625 - فاضرم سريعاً كبريتك في تلك الشهوة ، حتى لا تهاجمك جهنم أو يهاجمك شررها .
- وتقول له الجنة مر كأنك الريح ، وإلا لصار كل ما لدى كاسداً .
- فأنت صاحب بيدر وأنا جامعة للسنابل ، وأنا صنم وأنت ولايات الصين .
- فهي مرتعدة منه سواء الجحيم والجنان ، فلا أمان لهذه أو لتلك منه .
- لقد مضى عمره ، ولم يجد فرصة للعلاج ، كان الصبر شديد الإحراق لم تتحمله الروح .
 
4630 - وظل فترة يعاني برغم أنفه ، وبلغ عمره آخره وهو لم ينضج بعد .
- لقد اختفت عنه صورة المعشوق ، فذهب وعانق معنى المعشوق .
- وقال : وإن كانت ملابسه من الشعر والخز الششتري ، فإن عناقه بلا حجاب أفضل .
- لقد صرت عارياً من الجسد وهو في الخيال ، وها أنا أتبختر في نهايات الوصال .
- إن هذه الموضوعات قابلة للبوح إلى هذا الحد ، وكل ما يأتي من بعد جدير بالإخفاء .
 
4635 - وان قلت أو جاهدت مائة ألف نوع من الجهاد ، لكانت كلها بلا نتيجة ، فلن تصير معلنة .
- فحتى البحر ، يكون سير الجواد والسرج ، ثم يكون لك من بعد المركب الخشبي .
 
« 388 » 
 
- والمركب الخشبي في اليابسة عاجز ، خاصة عندما يكون هناك دليلٌ لهؤلاء المبحرين .
- إن هذا الصمت هو المركب الخشبي ، والصمت لراكبى البحر يكون تلقينا .
- وكل صمت يصيبك بالملل ، فإنه يثير صيحات العشق في تلك الناحية .
 
4640 - وأنت تقول : عجباً لماذا هو صامت ؟ وهو يقول : عجباً أين أذنه ؟ ! .
- لقد صرت أصم من الصياح وهو غافل، وأصحاب الآذان الحادة بهم صمم عن هذا السمر !! 
- فهذا يصيح في النوم ويقوم بمئات الآلاف من المباحث والتلقينات .
- وهذا جالس إلى جواره بلا خبر ، فهو في حد ذاته نائم وأصم عن تلك الضجة والفتنة .
- وذلك الذي انكسر مركبه الخشبي وغرق في الماء هو في الحقيقة سمكة ! ! .
 
4645 - فلا هو صامت ولا هو متكلم ، أمر نادر ، وليس لحاله اسم في العبارات .
- فهو ليس من هذين ، وهو هذان ، وهذا عجب ، وشرح هذا الكلام خارج عن الأدب .
- إن هذا المثال جاء شديد الركاكة غير معبر تماماً ، لكن لا يوجد فيما يُحس ما هو أفضل منه « 1 » .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 554 :
- الخلاصة أن ذلك الأمير غادر الدنيا ، روحه مليئة بالنار وكبده بالحرقة .
 
« 389 »
 
وفاة الأكبر من الأمراء ومجىء الأخ الأوسط إلى جنازة أخيه ،
لأن الأصغر كان طريح الفراش لمرضه ،
وإكرام الملك الأوسط حتى صار هو أيضاً أسير الإحسان ، فبقى عند الملك ،
ووصله الملك بمائة ألف من الغنائم الغيبية والعينية من دولة ذلك الملك ونظره ،
مع تقرير بعضه
 
- كان الأصغر مريضاً وجاء ذلك الأوسط فحسب إلى جنازة أخيه .
- ورآه الملك فقال قاصداً من يكون هذا ؟ ! إنه من نفس ذلك البحر وهو أيضاً سمكة !
 
4650 - قال المعرف : انه ابن ذلك الأب ، وهذا الأخ أصغر من ذاك الأخ .
- فلاطفه الملك ، قائلًا : إنك تذكار ، وصاده أيضاً بهذا السؤال .
- ومن تلطف الملك، فإن ذلك الملتاع المحترق المشوى، رأى في جسده روحاً غير الروح «1»
- ورأى في قلبه ضجة عالية ، لا يجدها الصوفي في مائة أربعيينية .
- فالساحة والجدار والجبل المفتول في الصخر ، أخذت تتفتح أمامه ضاحكة كأنها النار .
 
4655 - وذرة بذرة أمامه كأنها القباب، أخذت لحظة بلحظة تقوم بمائة نوع من فتح الباب!!
- وكان الباب يصير حيناً كوة وحيناً شعاعاً ، وحيناً كان التراب يصير قمحاً وحيناً صاعاً .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 560 :
- وجد في قلبه عالماً عالياً ، لا يجده أحد بعد مائة خلوة .
 
« 390 » 
 
- والفلك الذي هو أمام الأنظار قديم جداً ومتيبس ، أمام عينه في كل لحظة خلق جديد .
- والروح الحسناء عندما تنجو من الجسد، يقضى لها بأن تصل مثل هذه المناظر إلى بصرها.
- وتصير مئات الآلاف من الغيوب ظاهرة أمامها ، وترى ما تراه أعين المأذون لهم .
 
4660 - وما كان قد قرأه من الكتب ، فتح عينه على صورته .
- ومن غبار مطية ذلك الملك الفحل ، وجد هو الكحل العزيزي في البصر .
- أخذ يجرجر أذيال ثوبه على مثل هذه الروضة ، وأعضاؤه كلها تصيح عضواً عضواً : هل من مزيد ؟ .
- فالروضة التي تنبت من البذر تدوم لحظة واحدة ، والروضة التي تتمو من العقل دائمة النضرة .
- والروضة التي تنمو من الطين تصبح صعيداً زلقاً ، والروضة التي تنمو من القلب ، وافرحتاه بها .
 
4665 - وان العلوم ذات الطعم التي نعرفها ، إعلم أنها باقة أو باقتان أو ثلاث من تلك الروضة .
- فنحن ضعاف أمام هذه الباقات ، ذلك لأننا أغلقنا باب الروضة أمام أنفسنا .
- ومثل تلك المفاتيح تشغل كل لحظة في الخبز ، فو آسفاه على البنان ، أيتها الروح ! ! .
- ولو جعلوك فارغاً لحظة من " هم " الخبز ، فإنك تطوف حول النقاب أي حول النساء .
  
« 391 » 
 
- ثم إن الاستسقاء الذي أصبت به عندما صار متلاطم الأمواج ، يلزمك ملك مدينة مليئة بالخبز والنساء .
 
4670 - كنت حية ، فلعلك صرت تنيناً ، كانت لك رأس واحدة فأصبحت لك سبعة رؤوس .
- والتنين ذو الرؤوس السبعة هو جهنم ، وحرصك حبة وجهنم هي الفخ .
- فمزق الشبكة ، واحرق الحبة ، وافتح لهذه الدار أبواباً جديدة .
- ولأنك لست بالعاشق ، أيها الشحاذ الملحاح ، فأنت كالجبل يرن منك الصدى ، وأنت غافل .
- فمتى يكون للجبل كلام من ذاته ، إن هذا الصوت انعكاس للغير أيها المعتمد .
 
4675 - وقولك على هذا النسق لأنه انعكاس لآخر ، وليست كل أحوالك إلا انعكاسات ! .
- وغضبك ورضاك كلاهما انعكاس للآخرين ، سرور القوادة ، وغضب الشرطي .
- فماذا فعل ذلك الضعيف لذلك الشرطي آخر الأمر ، حتى يزجره هكذا بحقد وألم .
- فحتام تكون عاكساً للخيالات المبهرة ؟ ! جاهد حتى تصير لك هذه الوقائع .
- وحتى يكون حديثك عن أحوالك ، ويكون تجولك بجناحك وقوادمك .
 
4680 - إن السهم يأخذ الصيد بجناح الغير ، فلا جرم أنه بلا نصيب من لحم الطير .
- والبازي يأتي بالصيد من الجبل ، فلا جرم أن المليك يطعمه القطا والزرزور .
  
« 392 » 
 
- والمنطق الذي لا يكون من الوحي يكون من الهوى ، مثل غبار في الهواء والهباء .
- وإذا كان هذا النفَس يبدو للسيد خطأ ، فاقرأ من أول والنجم بضع آيات .
- إذا ما ينطق محمد صلى اللَّه عليه وسلّم عن هوى ،إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى.
 
4685 - ويا أحمد ، ما دام ليس لك من الوحي يأس ، فاعط أرباب الجسم التحري والقياس .
- فعند الضرورة تكون الميتة حلالًا ، ولا تحرى هناك في كعبة الوصال .
- وبدون تحرى واجتهادات الهدى ، فإن كل بدعة تأخذ من الهوى حرقة .
- تحمله ريح كعاد وتقتله ، لا كسليمان عليه السّلام الذي تحمل عرشه .
- فالريح لعاد حمال خذول ، مثل حمل في كف رجل أكول .
 
4690 - يضعه تحت إبطه كأنه ولده ، ثم يحمله ليذبحه كالقصاب .
- كانت تلك الريح لعاد من الاستكبار ، ظنوها رفيقاً لهم وهي من الأغيار .
- وعندما قلبت الفراء فجأة ، حطمتهم تماماً ، وبئس القرين .
- فحطم الهوى ، فالهوى شديد الفتنة ، قبل أن يحطمك هو كما حطم عاد .
- كان هود يعظ قائلًا : أيتها الجماعة المليئة بالكبر ، إن هذه الريح ستقتلع من أيديكم الذيول ( التي تتمسك بها )
 
4695 - إن الريح هي جند الحق ، ومن النفاق عانقتكم بضعة أيام .
- وهي في السر مستقيمة مع خالقها ، وعندما يحين الأجل تبدى الريح يدها .
- فانظر إلى الريح ذات ممر من الفم ، وكل نفَس آت وذاهب في كر وفر .
- والحلق والأسنان منها في أمان ، وعندما يأمرها الحق تقع في الأسنان .
- وتصير ذرة من الريح جبلًا ثقيلًا ، وألم الأسنان ، يجعله مسكيناً عليلًا .
 
« 393 » 
 
4700 - وهذه هي نفس هذه الريح التي كانت تمر رخاءً ، كانت روح الزرع ، وصارت موتاً للزرع .
- وذلك الشخص الذي قبل يدك ، تنقلب يده عند الغضب إلى مقمع " لك " .
- إنه يدعو الله في أعماق روحه قائلًا : يا رب ، يا رب ، اقطع هذه الريح أيها المستعان .
- أيها الفم كنت غافلًا عن هذه الريح فامض ، وداوم على الاستغفار خاضعاً .
- إن عينه القاسية تذرف الدمع كالمطر ، والألم يجعل المنكرين متغنين بلفظ الجلالة .
 
4705 - فما دمت لم تقبل أنفاس الرجال من رجل ، فهيا كن قابلًا لوحى الحق من الألم .
- فتقول الريح : إنني رسول من مليك البشر ، أحياناً آتى بالبشرى وأحياناً بالفتنة والشر .
- ذلك أنني مأمورة ، ولا أملك أمر نفسي ، ومتى أكون غافلة مثلك عن مليكى ؟ !
- ولو كان حالك كحال سليمان عليه السّلام ، لصرت حاملة لك كما كنت لسليمان .
- ولصرت أنا العارية ملكاً لكفك ، وجعلتك واقفاً على سرى .
 
4710 - لكن ما دمت عاصياً ، أكون أنا مستعارة ، أخدمك ثلاثة أيام أو أربعة .
- ثم أنقلب عليك كثيراً كما فعلت بعاد ، وأثب عليك بعصيان من بين جندك .
- حتى يصبح إيمانك بالغيب قوياً ، في تلك اللحظة التي يصير فيها أيمانك مسبباً للحزن .
- وفي تلك اللحظة يصير الجميع مؤمنين ، وفي تلك اللحظة ، حتى العصاة يمشون على رؤوسهم .
  
« 394 »
  
- وفي ذلك الزمان يقومون بالضراعة والافتقار ، مثل اللصوص وقطاع الطريق عندما يكونون أسفل المشنقة .
 
4715 - لكنك إن صرت مستوياً في الغيب ، لصرت مالك الدارين وشرطياً لنفسك .
- ملوكية وشرطية مقيمة ، ليست موجودة لمدة يومين وسقيمة .
- تنجو من السحرة وتقوم بأمر نفسك ، فأنت الملك ، وأنت الذي تدق طبل نفسك .
- إن الدنيا تضيق علينا وكأنها الحلق ، فليت الحلق والفم قد أكلا التراب !
- وذلك الفم في حد ذاته قد خلق آكلًا للتراب ، لكنه ذلك التراب الذي صار ملوناً .
 
4720 - وهذا الشواء وهذا الشراب وهذا السكر ، هو تراب ملون ومزخرف ، يا بنى .
- وما دمت قد أكلتها وصارت لحماً وجلداً ، فقد أعطاها لون اللحم ، وهو أيضاً تراب طريق .
- إنه أيضاً من التراب يرتق الطين ، ثم يجعل الجميع تراباً مرة ثانية .
- فالهندى والقفجاقي والرومي والحبشي كلهم متوحد واللون في القبور .
- حتى تعلم أن كل هذه الصور والرسوم ، كلها مستعارة ، ومكر وقناع .
 
4725 - واللون الباقي ، هو صبغة الله فحسب ، وغير ذلك معلق كالجرس .
- ولون الصدق ولون التقوى واليقين ، تكون باقية حتى الأبد على العابدين .
- ولون الشك ولون الكفر والنفاق ، تبقى إلى الأبد على روح العاق .
- مثل سواد وجه فرعون المحتال ، بقي لونه ، وفنى جسده .
  
« 395 »
  
- وضياء وجوه الصادقين الحسنة وبهاؤها ، تبقى حتى يوم الدين وبعد فناء أجسادهم .
 
4730 - والقبيح هو ذلك القبيح والطيب هو ذلك الطيب فحسب ، هذا ضاحك دائماً وذاك في عبوس .
- إنه يعطى التراب اللون والفضل والوزن ، ويعطى لمن هم في طبع الأطفال الاقتتال عليه .
- انهم يصورون من العجين جمالًا وأسوداً ، والأطفال يعضون أكفهم حرصاً عليها .
- ويصير الجمل والأسد خبزاً في الأفواه ، ولا يؤثر هذا الكلام في الأطفال « 1 »
- فالطفل في جهل وظن وشك ، والشكر للبارى ، أن قوته قليلة « 2 » .
 
4735 - وعند الطفل عنادٌ ومائة آفة ، والشكر لله أنه بلا فن وبلا قوة .
- فويلاه من أولئك الأطفال المشايخ عديمى الأدب ، الذين صاروا من قوتهم بلاءً على كل رقيب .
- وعندما يجتمع السلاح والجهل معاً ، صار فرعون " منهما " محرقاً للعالم .
- فاشكر الله - أيها الفقير - من القصور ، فقد نجوت من الفرعونية ومن الكفران .
- والشكر لله أنك مظلوم ولست ظالماً ، آمن من الفرعونية ومن كل فتنة .
 
4740 - والبطن الخالية لم تدع الألوهية ، فليس لنارها من الحطب مدد .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 563 :
- وحجورنا مليئة بالتراب كالأطفال ، وذهبت عن رؤوسنا مساعي الأسباب والدكان .
( 2 ) ج : 14 / 563 - ويل لأولئك الأطفال الذين يقومون بالمشيخة ، هم نمال عرجاء وتزاول الإمارة .
 
« 396 »
  
- والبطن الخالية تكون سجناً للشيطان ، فإن هم الخبز يمنعها من المكر والاحتيال !
- واعلم أن البطن المحشوة بالدسم هي سوق الشيطان ، ولتجار الشيطان ضجة فيها .
- التجار السحرة الذين لا يبيعون شيئاً ، جعلوا العقول مظلمة من صياحهم .
- لقد جعلوا الدن من سحرهم يسير كالفرس، وصوروا ضوء القمر في الظلمة كأنه الكرباس.
 
4745 - إنهم ينسجون التراب وكأنه الحرير ، ويحثون عين كل من يميز بالتراب .
- ويعطون الصندل رائحة العود ، ويحسدوننا على مدر أعطونا إياه .
- فتقدس ذلك الذي يعطى التراب لوناً ، ويجعلنا كالأطفال نتقاتل عليه .
- إننا كالأطفال نملأ جحورنا بالتراب ، وفي نظرنا أن التراب هو ذهب المنجم ! .
- ولا مجال للطفل مع البالغين ، ومتى يجلس الحق الطفل مع الرجال ؟ !
 
4750 - والفاكهة وإن قدمت ما دامت فجة وليست ناضجة يطلقون عليها أسم الحصرم .
- وذلك الساذج الفج وإن بلغ مائة عام ، فهو طفل وحصرم في نظر كل ذكى .
- وحتى لو كان شعره ولحيته قد شابا ، فهو لا يزال في طفولة الخوف والرجاء .
- إنه يتساءل : هل أنا ناضجٌ أو لم أنضج بعد ، فوا عجباه ، هل يجعلني كرماً ذلك الكرم ؟ !
 
« 397 »
  
- وبرغم عدم استعدادي وبُعدى ، هل يمنح حصرمى هذا صفات العنب .
 
4755 - إنني لست راجياً من أي صوب ، وذلك الكرم يقول لا تيأسوا .
- إن سلطاننا دائماً ما أو لم لنا ، وسحبنا من آذاننا قائلًا : لا تقنطوا .
- وبالرغم أننا نكون من هذا اليأس في حفرة، عندما نادى بالعطاء ، علينا أن نمضى راقصين.
- راقصين كخيل شديدة النشاط ، عندما تسرع إلى المرعى الأنيس .
- نسرع الخطو ولا خطو هناك ، نحمل الكأس ولا كأس هناك .
 
4760 - ذلك أن كل الأشياء هناك روحانية ، إنها معنى في معنى في معنى .
- إن الصورة ظل والمعنى هو الشمس ، والنور بلا ظل يكون في الخراب .
- وعندما لا تبقى فيها لبنة فوق لبنة ، لا يبقى لنور القمر ظل قبيح .
- واللبنة وان كانت ذهبية فهي جديرة بالاقتلاع ، ما دام ثمن اللبنة هو الوحي والنور .
- والجبل مندك من أجل دفع الظل ، والتمزق إرباً قليلٌ من أجل هذا النور .
 
4765 - وعندما سطع نور الصمد على ظاهر الجبل اندك ، فما بالك لو سطع على داخله !
- والجائع عندما وقع على كفه رغيفٌ من الخبز ، تتفتح من الهوس عيناه وفمه ؟ ! .
- إن هذا يساوى التمزق إلى مئات الآلاف من القطع ، فانهضي من بين الفلك أيتها الأرض !
- حتى يصبح نور الفلك محرقاً للظل ، إن الليل من ظلك يا متمردا على النهار .
- وهذه الأرض مثل مهاد الأطفال ، تضيق بالبالغين .
 
4770 - ولقد سمى الحق الأرض مهداً للأطفال ، وفي المهد يهب الأطفال اللبن .
 
« 398 »
  
- ولقد ضاقت هذه الدار بالمهاد ، فاجعل الأطفال بالغين سريعاً أيها الملك « 1 » .
- ويا أيها المليك ، لا تجعل الدار ضيقة ، حتى يستطيع البالغ الحركة !
 
الوسوسة التي حدثت لدى الأمير بسبب الاستغناء والكشف الذي كان قد وصل لقلبه من الملك ، وأنتوائه الجحو والعصيان ، ومعرفة الملك نواياه ، عن طريق الإلهام والسر وتألم قلبه ، وإصابه الأمير بضربة بحيث لا يكون عنده خبر عن صورة الملك . . ، إلى آخره
 
- وعندما صار مسلماً له دون بيع أو شراء ، أن يكون قوت لروحه من باطن الملك .
- أخذ يتقوت من نور روح المليك ، قمرُ روحه ، كما يتقوت القمر من الشمس .
 
4775 - وأخذ التراب الروحي يصل لحظة بلحظة من المليك الذي لا ند له إلى روحه الثملة .
- ليس مما يأكله المسيحي أو المشرك ، بل من ذلك الغذاء الذي تأكله الملائكة .
- لقد رأى الاستغناء داخل نفسه ، فصار الطغيان نابعاً من الاستغناء .
- وتساءل : ألست أنا ملكاً أو أميراً ، فكيف أسلمت قيادى إلى هذا الملك ؟ !
- وما دام عندي قمر ذو ضياء ، فكيف أكون تبعاً لغبار ؟ !
 
4780 - والماء في جدولى ، والوقت وقت الدلال ، فلماذا احتمل دلالًا من الغير دون حاجة إليه ؟
- ولماذا أربط رأسي ما دمت لا أعانى الصداع ، وما دام وقت الوجه الشاحب والعين الدامعة لم يبق .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 565 :
- ويا أيها المهد لا تجعل الدار ضيقة ، حتى يستطيع البالغ السير دون تعطيل !
 
« 399 » 
 
- وما دمت قد صرت حلو الشفة وخدى كالقمر، ينبغي على إذن أن أفتح حانوتاً آخر « 1 » .
- ومن هذه الأنية ، عندما أخذت النفس في التولد ، أخذ يتفوه بمئات الآلاف من أنواع الهراء .
- إن مائة صحراء من هذا الصوب ، للحرص والحسد ، لكن عين السوء تصل إلى ذلك المكان أيضاً .
 
4785 - وبحر الملك الذي هو موئل لكل ماء ، كيف لا يدرى ما هو في السيل وما هو في الجدول ؟ ! !
- لقد تألم قلب الملك من مكره ، ومن جحود عطائه البكر .
- قال : آخر الأمر أيها الخسيس واهى الأدب ، أهذا جزاء عطيتى ؟ ! يا للعجب ! ! .
- فماذا أعطتيك أنا من هذا الكنز النفيس ، وماذا فعلت أنت معي من الطبع الخسيس ؟ !
- لقد وضعت في جوانحك قمراً لا غروب له إلى يوم الحساب .
 
4790 - وفي مقابل هذا العطاء الطاهر ، ألقيت في عيني التراب والشوك .
- ولقد صرت سلماً لك إلى الفلك ، وصرت أنت في قتالي سهماً وقوساً .
- لقد ظهر ألم الغيرة عند المليك ، وانعكس ذلك الألم فيه ووصل إليه .
- وخفق طائر الدولة عتاباً له ، وتمزق حجاب تلك الناحية المدبرة .
- وعندما رأى باطنه ذلك الفتى الطيب ، وفيه من سوء عمله غبار وأثر .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 584 :
- لي قد كالسرو ووجه كالقمر ، فأين يوجد أميرٌ مثلي الآن ؟ ! 
 
« 400 » 
 
4795 - وذلك الراتب من اللطف والإنعام قد قل ، امتلأً منزل سروره بالأحزان .
- عاد إلى وعيه من سكر العقار ، ومن ذنبه ذاك صار رأسه موضعاً للخمار « 1 » .
- لقد أكل القمح ، وقد عرى عن ثيابه ، وصار الخلد عليه بادية ومهمه .
- لقد رأى أن تلك الشربة قد أمرضته ، وأن سم هذه " الأنيات " قد فعل مفعوله .
- والروح التي هي كالطاووس في روضة الدلال ، صارت كالبومة في خرابة المجاز .
 
4800 - ومثل آدم ، ابتعد عن الجنة ، وأخذ يسوق بقرة على الأرض من أجل الحراث .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 587 :
- إن كل من رأى نفسه في طريق الحبيب ، ترك اللب كلية ورأى القشر
- فلا كان عدوى في الدنيا ناظراً لنفسه ، فمن الناظر لنفسه لا يأتي إلا الفساد
- وقد حرمت الخمر في الدنيا ، لأنك إن شربتها صرت ناظراً لنفسك على الفور
- ومن الأفضل ألا يأتيك تصور لنفسك ، وكل هذا متولد من النفس المغرورة
- ان من يشرب مع نفسه الخمر وتكون حاضرة ، يكون مثل هذا الشارب ذيلًا مرتداً
- ومن يشرب معه فخمره حلال ، لأنه من يتنفس بدونه نفسه وبال
- ولأن أشرب معه من كأس " هو " ، أفتح عيني فأرى وجهه
- وبعدها أنقطع عن نفسي تماماً ، وهذا هو ما آخذه من شرب الخمر
- ويا من تريد أن تنقطع عن نفسك ، حتام أنت في قيد هذه الروح والقلب
- أسلم روحك للأحبة يا حبيبي ، حتى ترى الحبيب الذي يؤلم قلبي
- اعط القلب للحبيب وكن حراً ، وكن متجرعاً لأحزانه سعيداً به
- ولا تجعل نفسك منتصرة عليك ، فافطمها سريعاً عن اللبن
- وكل ما هو موجود في هذا أكثر يقينا ، سواء كان لبناً أو خمراً أو عسلًا
- لقد كان سكر القمح ذاك أيها الانسان ، هو الذي جعل الانسان ذلك الجهول .
  
« 401 »
  
- أخذ يذرف الدمع ويقول قائلًا : أيها الهندي القوى ، لقد جعلت الأسد أسيراً لذيل بقرة .
- وقمت أيتها النفس بفعل سيىء سمج ، أتكونين جحوده مع الملك المغيث ؟ !
- لقد اخترت الفخ من حرصك على القمح ، فصارت كل حبة قمح عقرباً لك .
- وحط هوى الأنية في رأسك ، فانظري القيد على قدمك يزن خمسين منّا .
 
4805 - أخذ ينوح على هذا النمط على روحه قائلًا : لماذا انقلبت على مليكى ؟
- وعاد إلى وعيه واستغفر ، واستعان مع الإنابة بشئ آخر .
- فارحم الألم الذي يكون من خوف الإيمان ، فذلك الألم لا علاج له .
- فلا كان للإنسان رداء صحيح ، فهو عندما نجا من الصبر بحث في الحال عن الصدر 
- ولا كان للإنسان قبضة أو أظافر ، فهو حينذاك لا يفكر في دين أو في سداد .
 
4810 - وأولى بالإنسان أن يكون قتيل البلاء ، فالنفس كافرة بالنعمة وضالة « 1 » .
 
خطاب الحق لعزرائيل : أي الناس الذين قبضت أرواحهم ، أشفقت عليهم أكثر ؟
وجواب عزرائيل على الحضرة الإلهية
 
- قال الحق لعزرائيل : أيها النقيب ، على من أشفقت من كل حزين كئيب ؟
- قال : إن قلبي يشفق عليهم جميعاً بألم ، لكني أخاف من إهمال الأمر .
- حتى لأقول : ليت الله تعالى قد جعلني فداءً عوضاً للفتى .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 588 :
- والنفس الكافرة لا تعطى الأمان ، لقد طغت عندما فرغت من هم الخبز 
- وأفضل للإنسان أن يكون مبتلى ، لأنه آنذاك يكون مسكيناً عاجزاً مضطراً .
 
« 402 »
  
- قال : على من أشفقت أكثر ، على من صار قلبك أكثر شفقة واحتراقاً ؟

4815 - قال : ذاتِ يوم أغرقت سفينة بالموج العالي بأمرك حتى تحطمت إرباً .
- ثم قلت لي : إقبض أرواح الجميع ، اللهم إلا امرأة وطفل من هذا الجمع .
- وبقي كلاهما على لوح من الخشب ، أخذت الأمواج تتلاعب به « 1 »
- ثم قلت : اقبض روح الأم ، واترك الطفل وحيداً بالأمر الإلهى .
- وعندما فرقت بين الطفل والأم ، أنت نفسك - يا إلهي - تعلم أية مرارة أحسست بها .
 
4820 - لقد رأيت دخان مآتم عظيمة، لكن المرارة على ذلك الطفل لم تذهب عنى.
- قال الحق : لقد أمرت الأمواج ، وقلت لها : ألق بهذا الطفل على غابة .
- غابة مليئة بالريحان والسوسن والورود ، ومليئة بالأشجار المثمرة ذات الأكل .
- وعيون الماء الزلال ، وربيت الطفل بمئة عزً ودلال .
- ومئات الآلاف من الطيور المغردة حسنة الأصوات، ألقت في تلك الروضة بمئات الألحان.
 
4825 - جعلت فراشه من أوراق العليق ، وجعلته آمناً من صدمات الفتن .
- قلت للشمس لا تخزيه ، وقلت للريح : هبى عليه الهوينى .
- وقلت للسحاب لا تمطر عليه ، وقلت للبرق ، لا تبرق عليه بحدة .
- ولا تحمل أيها الشتاء الاعتدال عن هذه الروضة ، ولا تتحسس أيها الصقيع هذه الروضة بيدك .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 594 :
- لأن الريح عندما تلقى هذا اللوح على الساحل ، سوف يفرح القلب لنجاتهما معاً .
 
« 403 » 
 
كرامات الشيخ شيبان الراعي قدس الله روحه العزيز
 
- مثل شيبان الراعي ، عندما كان يذهب لصلاة الجمعة ، كان يخط دائرة حوله قطيعه ، تحفظه من الذئب .
 
4830 - حتى لا يخرج خروف من ذلك الخط ، ولا يدخله ذئبٌ أو لص مؤذ .
- وذلك على مثال دائرة تعويذة هود ، كانت أماناً في داخلها لأهله من الريح الصرصر .
- وقال لهم : توقفوا داخل هذه الدائرة ثمانية أيام ، وشاهدوا المثلة التي تدور خارجها .
- كانت تحمل " الشخص " في الهواء وتلقى به على الحجر ، حتى تمزق العظم واللحم وتفصلهما عن بعضهما .
- وكانت تخلط الجماعة ببعضها في الهواء ، حتى تتساقط عظامهم كالخشخاش .
 
4835 - إن ذلك العقاب الذي ترتعد منه السماء ، لا يتسع المثنوى لشرحه .
- فإن كنت تقومين بهذا على أساس الطبيعة أيتها الريح الباردة ، فحومى حول خط هود ودائرته « 1 » .
- ويا مؤمناً بالطبيعة ، أنظر إلى هذا الملك الإلهى على أنه فوق الطبيعة ، وإلا فتعال وامح هذا من المصحف .
- وامنع المقرئين من قراءتها وسد أفواههم ، أو عاقب من يعلمه وارمه بسهم .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 597 :
- وإذا كان الذئب يفعل هذا من حرصه ، فقل له تعال مارس إيذاء فيما وراء خط الراعي .
  
« 404 »
  
- إنك عاجز ، وحائر ترى من أين هذا العجز ، وعجزك انعكاس لعجزك في يوم الجزاء .
 
4840 - وكان لك فيما سبق أنواع من العجز أيها العنيد ، وقد حان الآن وقت خروج ما قد خفى .
- وسعيد ذلك الذي يكون العجز والحيرة قوتاً له ، فهو نائم في الدارين في ظل الحبيب .
- لقد رأى العجز ، سواء في هذا الإصطبل ، أو في الدار الآخرة ، وصار ميتاً ، واختار دين العجائز .
- مثل زليخا ، عند سطع عليها " نور " يوسفها ، وجدت الطريق وهي في الشيخوخة إلى الشباب .
- إن الحياة في الموت وفي المحنة ، وماء الحيوان في باطن الظلمة « 1 »
 
عودة إلى قصة تربية الحق تعالى للنمرود في طفولته دون أم أو حاضئة
 
4845 - والخلاصة ، أن هذه الروضة كانت كبستان العارفين ، آمنة من رياح السموم والريح الصرصر .
- وكان لنمرة جراء وليدة ، فقال لها أرضعيه ، وأطاعت الأمر .
- فأرضعته وقامت على خدمته ، حتى صار بالغاً عظيماً ورجلًا ضخماً .
- وعندما بلغ الفطام ، أمرتُ الجن حتى يعلموه النطق والحكمة !
- وربيته أنا في تلك الروضة ، فمن قال أن فضلى يستوعبه كلام ؟
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 597 :
- وكذلك فإن النمرود ، وضع تلك الألطاف تحت قدميه ، من جهله وعماه .
 
« 405 »
  
4850 - لقد أعطيت أيوب عليه السّلام حنان الأب من أجل أن يستضيف الدود دون أن يلحق به الضرر .
- ووهبت الدود عليه حنان الولد على أبيه ، هاك قدرتى ، وهاك يدي .
- ولقد علمت الأمهات السهر " على أولادهن " فكيف يكون اللطف الذي أشعله أنا ؟
- لقد قمت بمائة عناية ومائة صلة ، حتى يرى لطفى دون واسطة !
- وحتى لا يكون في صراع من أجل السبب ، وحتى تكون كل استعانة له منى .
 
4855 - وإلا ، فلم يكن لديه العذر قط، ولم تكن لديه شكوى من كل صديق سوء.
- لقد رأى هذه الحضانة بمائة صلة ، وربيته أنا دون واسطة .
- والشكر الذي أداه لي أيها الجليل ، أنه صار النمرود محرق الخليل .
- مثلما قام هذا الأمير بشكر الملك بالاستكبار واستكثار الجاه .
- متسائلًا : لماذا أصبح تابعاً لغيرى ، ما دمت صاحب ملك وإقبال جديد . ؟
 
4860 - ومن تجبره خفيت على قلبه مثل الألطاف التي حباه بها الملك وسبق ذكرها .
- مثل النمرود ، الذي وضع تلك الألطاف تحت قدميه من جهله وعماه .
- وصار في هذا الزمان كافراً يقطع الطريق ، وتكبر وادعى الألوهية .
- وانطلق صوب السماء ذات الجلال ، مع ثلاثة من النسور ، لكي يقاتلني .
- وقتل مئات الآلاف من الأطفال دون ذنب ، بحثاً عن إبراهيم من بينهم .
 
4865 - إذ قال له المنجم إن في أحكام العام أن يولد طفل سوف يقوم بقتالك .
- فهيا ، احتط لدفع هذا الخصم ، فكان يقتل كل من يولد تخبطاً .
- وبرغم أنفه ، نما الطفل المتلقى للوحي ، وبقيت دماء الآخرين في عنقه .
  
« 406 »
 
- فهل ورث ذلك عن أبيه ، ويا للعجب ، حتى أعطاه غروره ظلمات النسب ؟!
- فإذا كان الأب والأم قد صارا حجاباً بالنسبة للآخرين، فقد وجد منا ايضاً الجواهر في جيبه.
 
4870 - إن النفس السيئة ذئب مفترس يقينا ، فأية حجة تلصقها بكل قرين ؟
- إنها في الضلالة قلنسوة لمائة أقرع ، النفس القبيحة شديدة السفه ، الكفور .
- ومن هنا أقول لك أيها العبد الفقير ، لا ترفع القيد عن عنق الكلب .
- ولو درب هذا الكلب ، فهو أيضاً كلب ، ولتكن نفسه ذليلة ، فهو سيىء الأصل .
- وأنك تقوم بالفرض كما ينبغي إن كنت طائفاً حول سهيل ، كالأديم الطائفي .
 
4875 - حتى يشريك السهيل من شر الجلد ، وحتى تصبح كالخف قريناً لقدم الحبيب .
- والقرآن كله شرح لخبث النفوس ، وانظر إلى المصحف ، فأين عينك تلك ؟!
- ذكر النفوس التي تشبه نفوس قوم عاد ، التي وجدت الأداة ، فأخذت تبذل كل ذكائها في قتال الأنبياء .

- وقرناً بقرن من شؤم النفس عديمة الأدب ، كان أهلوها يضرمون النار في الدنيا

عودة إلى تلك القصة حيث تلقى الأمير ضربة خفية من خاطر الملك
فغادر الدنيا قبل استكمال الفضائل
- أقصر القصة ، فإن غيرة ذلك الغيور ، حملته بعد سنة واحدة إلى القبر .
 
4880 - وعندما صار المليك من المحو نحو الوجود، كان عينه المريخية قد شكلت ذلك الدم.
 
« 407 » 
 
- وعندما نظر إلى جعبته ذلك الذي لا نظير له ، رأى أن سهماً قد نقص من جعبته .
- فقال : أين ذلك السهم ؟ وسأل الحق ، فقال له : إن ما في حلقه من سهمك .
- وعفا عنه ذلك الملك الذي قلبه كالبحر ، لكن السهم كان قد أصاب منه مقتلًا .
- وقتل ، فأخذ ينوح عليه ، انه هما معا ، القاتل وولى " الدم " .
 
4885 - وان لم يكن هو كليهما ، فهو ليس كليا ، هو قاتل الخلق وهو القائم عليهم بالحداد .
- وأخذ ذلك الشهيد شاحب الوجه يردد الشكر ، أنه أصمى الجسد ، ولم يصم المعنى .
- والجسم الظاهر ذاهبٌ في النهاية ، لكن المعنى سوف يعيش سعيداً إلى الأبد .
- إن ذلك العقاب وإن جرى فقد جرى على الجلد ، وذهب الحبيب بلا أذى نحو الحبيب .
- وإذا كان هو قد تمسك بأهداب سرج الملك ، فإنه في النهاية اتخذ الطريق من عين الكمال .
 
4890 - وذلك الثالث الذي كان أكثرهم كسلًا ، قد اختطف الصورة والمعنى بالتمام « 1 » .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 607 :
- فأخذ الفتاة والملك والخلافة ، وهو جدير بها ان لم تبق في عجب 
- لقد صرت ملولًا من طول القصة ، أنا غريقٌ في بحر المعنى وأنت عجول 
- وذلك الأصغر من الذلة والعجز والضراعة ، وجد المقصود من الكريم مصرف الأمور .
 
« 408 »

وصية ذلك الشخص الذي قال إنه بعد وفاتي يؤول مالي
إلى أكثر أولادي الثلاثة كسلًا
 
- كان أحدهم وهو يعاني النزع ، قد قال موصياً قبل " أن تحضره الوفاة " .
- كان له ثلاثة من الأبناء كالسرو الممشوق ، وكان قد أوقف عليهم روحه ونفسه .
- قال : إن كل ما في يدي من مال ومتاع ، يأخذها من بعدى أكثر أولادي الثلاثة كسلًا .
- تحدث بهذا إلى القاضي ونصح كثيراً ، ثم شرب كأس الحمام .
 
4895 - قال الأبناء للقاضي : أيها الكريم ، إننا لن نتجاوز حكمه ، نحن ورثته الثلاثة .
- إننا مثل إسماعيل عليه السّلام ، لن نعصى إبراهيم الخاص بنا حتى ولو أراد ذبحنا .
- قال القاضي : إن كل واحد منكم عليه أن يستحضر عقله ، ثم يروى لنا حكاية عن كسله .
- حتى أرى كسل كل واحد ، واعرف حاله دون شك .
- أن العارفين هم أكسل من في الدارين ، ذلك أنهم يحصلون على البيدر دون حراثة .
- وإن أمر الله لا يراه العوام ، ومن ثم لا يستريحون من الكد ليل نهار « 1 » .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 612 :
- انهم بالنسبة لأمور الدنيا أكسل الجميع ، وفي طريق العقبى يخطفون الكرة من القمر 
- وهذا يختاره كل من كان رشيداً ، انتبه فقد ذهبت الدنيا وبقيت العقبى 
- فقال القاضي للأكبر هيا قص عن الكسل يا طالباً للمال .
  
« 409 »
  
- هيا حدثونى عن حد الكسل ، حتى أعلم حده عندكم من كشف أسراركم « 1 » .
- فلا شك إن كل لسان حجاب على القلب ، وعندما يتحرك الحجاب تصل الأسرار .
 
4905 - والحجاب الصغير الذي يشبه شريحة من الشواء ، لا يغطى صورة مائة شمس .
- وإذ كان بيان النطق كاذباً أيضاً ، فإن الرائحة تنبىء عن صدقه وكذبه .
- وذلك النسيم الذي يأتي في الرياض ، ظاهر ومتميز عن سموم مستودع القمامة .
- ورائحة الصدق ، ورائحة الكذب الذي يأخذ بالمخدوع ، واضحتان - في النفَس كالمسك والثوم « 2 » .
- وان لم تكن تعرف الصديق من تلونه ، فاشك إذن من مشامك الفاسدة « 3 » .
 
4910 - وأصوات المخنثين والشجعان الأبطال ، ظاهرة كأنها فنون الثعالب والأسود « 4 »
- أو أن اللسان هو مثل غطاء القدر ، عندما يتحرك ، تعلم أي طعام قد طبخ .
- ومن بخاره يعرف المخ الذكي ، قدر الحلوى من قدر السكباجية الحامضة .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 612 :
- هيا فصل الكلام عن حد الكسل ، حتى أعلم إلى أي حد أنت كسول .
( 2 ) ج : 14 / 613 :
- ورائحة الإخلاص والنفاق الذي لا طعم له ، ظاهران كالعود والصمغ .
( 3 ) ج : 14 / 613 :
- وإن لم تعلم العجوز من الحسناء ، فلا شك أن عينك فسدت
- وان لم تعرف السكر من الصبر ، فلا شك أن حس ذوقك قد خدر
- وإذا تساوى عندك صوت البلبل من الغراب ، فلا شك ان حس السمع منك قد خرب
- ولو تساوى السمور مع القنفد ، فلا شك ان حس اللمس قد غادرك
( 4 ) ج : 14 / 613 :
- فاحتل بحواسك وعلمها ، ثم اطلب الطريق وتقدم فيه .
 
« 410 »
  
- وعندما دق الفتى بيده على القدر الجديد عن شرائه وجده مكسورا .
- قال : إنني اعلم المرء في الحال من فمه ، وإن لم يتحدث اعرفه خلال ثلاثة أيام .
 
4915 - وقال ثان : إذا تحدث أعرفه ، وإن لم يتحدث ، أستدرجه في الحديث .
- قال : انه إذا كان قد سمع عن هذا المكر ، فإنه يضم شفتيه ، ويستمر في الصمت « 1 »
 
مثل
 
- مثلما قالت تلك الأم لطفلها ، لو أن خيالًا اقترب منك بليل ؛ 
- أو رأيت في الجبانة أو في أي مكان مخيف ، شبحاً أسود شديد الحقد ؛ 
- فكن شجاعاً واهجم عليه ، فإن يتحول عنك سريعاً .
 
4920 - ذلك أن كل من مضى صوبه بلا خوف ، هرب منه ذلك الخيال الذي يشبه الشيطان سريعاً .
- قال الطفل : وماذا يكون الحال لو أن أم ذلك الشبح الذي يشبه الشيطان قالت له مثل هذا القول ؟
- وأحمل عليه ، فيقع هو في خناقى ، بأمر من أمه ، فماذا على أن أفعل آنذاك ؟
- إنك تعلميننى أن أصمد في الوقوف ، ولذلك الشبح القبيح أيضاً أم .
- والملقن للشيطان والناس هو ذلك الواحد ، وبه يصير غالباً ان كان خصمه أقل .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 613 :
- قال : قل له امض إلى الأرض السابعة ، وليكن هذا الحال مخفياً على إلى الأبد 
- وإن لم أعلم حال انسان واحد أي ضير ، وأي نقصان يكون لديني منه ؟
 
« 411 » 
 
4925 - فإلى أية ناحية يمضى ذلك الحليم ، امض بالله وكن على تلك الناحية .
- قال ذلك الشخص : أنه إن لم يتحدث من مكره ، وكان عارفاً بحيلتى ذلك الهمام .
- فكيف تعرف سره ؟ ! أصدقنى القول ، قال : أجلس أنا أيضاً صامتاً أمامه .
- وأجعل الصمت سلماً لي نحو الدرج ، حتى أصعد ، فالصبر مفتاح الفرج « 1 » .
- وأن يفور من حضوره من قلبي ، منطق خارج عن سرور أو حزن .
 
4930 - أعلم أنه أرسله إلى ، من ضميره الذي هو كسهيل اليماني ! !
- وأن ذلك الكلام في قلبي من تلك الميمنة ، ذلك أنه من القلب إلى القلب كوة « 2 » .
- وعندما وصل الكتاب إلى هذا الموضع بفضل الله ، ختم والله أعلم بالصواب « 3 » .
 
تمت ترجمة الكتاب السادس والأخير من مثنوى مولانا جلال الدين
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 613 :
- فإن لكل صبر ظفر في النهار ، وهناك يوم يكون فيه الشهد من بعد المراراة .
( 2 ) ج : 14 / 618 :
- ويتبقى شرح هذا الكلام ، لكنه حبس في الباطن لا يخرج أبداً .
- وانني أطأطيء العنق لعظمته ، وامتن على جسدي وعلى قلبي
- وعندما سقطت الشمس من كوة القلب ، ختم المثنوى ، والله أعلم بالصواب .
( 3 ) البيت مضاف من نسخة يوسف بن أحمد المولوي " المنهج القوى لطلاب المثنوى " الكتاب السادس ص 649 . ( القاهرة ، المطبعة الوهبية ، 1289 ه )
.
* * *
شرح عودة إلى تفصيلات قصة الأمير وملازمته لحضرة الملك

( 4603 - 4609 ) : عودة إلى قصة الأمراء الثلاثة ، كان الأمير قد توقف في الجزء الأخير من القصة - قبل أن يقطعها مولانا بقصة جحا وزوجته والقاضي على أنه قد جاء إلى الحضرة دون الاستعداد الكافي ، وأن هذا الاستعداد أيضاً عطاءٌ من الله سبحانه وتعالى ، وها هو الأمير في مقام الحيرة ،
فبالنسبة له لا يمكن إدراك الوجود المطلق بموازين عالم المادة ، وربما كان من الأوفق هنا أن نقول أن ملك الصين هو فعلًا رمز القطب أو الغوث وأنه وإن بدى روحانيا خالصاً في بعض أجزاء الحكاية إلا أن مولانا مهد بوصفه السابق للعارف بالحديث عن ملك الصين أيضاً ، كوجود صوري ، فالملك في نظر الأمير هو الأفلاك السبعة ممثلة في قبضته من الطين ( وهكذا كل إنسان انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الرابع " الإنسان ذلك العالم الكبير ) ،
 
وفي أثناء هذه الحيرة التي فرضت الصمت ، كانت روح الأمير مع روح الملك في حديث مستمر ، كان الأمر غريباً جداً أمام الأمير ، إن الملك كله معنى من المعاني فما هذه الصورة التي له ، إنها صورة حقاً لكنها ليست ككل الصور ،
وذلك الكلام المستمر الذي يجرى دون لسان يخلصك وينجيك من كل كلام ، فما دمت مشغولًا به لن تكون لك علاقة بكلام البشر ،
وذلك السقام الذي أنت فيه ينجيك من كل سقام ، وعلى الأمير إن أراد أن يفنى في ملك الصين أن يعبر وجوده الجسدي ، وبعدها لن يراه مجرد قبضه من طين ، وسوف يراه كله معنى ، وعلى هذا يطلب الأمير من الجسد أن يخلص الروح حتى يتصل بالوجود المطلق .
 
( 4610 - 4621 ) : في هذه الأبيات يصف مولانا التجليين الصوري والباطني للأمير ، إن ملك الصين يكرم روح السالك ، وهذا النضج المعنوي الروحاني ذوبان لجسد السالك ، ومن ثم فإن هذا الذوبان هو نمو وتعال ، ومن هنا يتهلل العاشق به ولا يذبل بل يقول " زيدونى " ، إن هذه
 
« 646 »
 
اللحظة ، لحظة ارتباط السالك بعالم الغيب قيمتها خارج حساب المكان والزمان ، وكل ما يفعله السالك في هذه اللحظة عندما يكون رجل حق ، في هذه اللحظة لا يوزن بموازين الطاعة والمعصية ويقول الأمير : إذا كان الملك قد قال أن العشاق غير الجديرين بابنته أو مدعى أسرار الغيب ينبغي أن يعدموا ، فسوف أطلب أن أعدم في كل لحظة لا مرة واحدة ، وعن ابن الفارض :ولم تعسفى بالقتل نفسي بل لها * به تسعفى أن أنت أتلفت مهجتي
وقال آخر :ما لي سوى روحي وباذل روحه * في حب من يهواه ليس بمسرف( انقروى 6 - 2 / 499 ) ، ( للعشاق في كل لحظة موت 3886 من الكتاب الثالث )
إن الرأس التي تقطع في سبيل هذا العشق تعوض بمئات الرؤوس ، ولا زلت أيضاً مستعداً للتضحية بهذه المئات من الرؤوس ، إن الرأس التي أتحدث عنها رأس أخرى والقدم التي أتحدث عنها قدم أخرى ، ومن هنا فكل المجالس تنتهى ، إلا مجلس العشق ، فالعاشق متجدد ، وفي كل لحظة يزداد مجلس عشق الحق حرارة ، وهذه الحرارة ليست في هذا العالم بل في اللامكان ، في عالم الغيب ومن ثم فهو حار بحيث لا تساوى حرارة الجحيم شررا واحداً منه .
 
( 4622 - 4628 ) : عندما يتحدث مولانا عن نار العشق وكيف أن الجحيم منها شرر واحد يذكر الحديث النبوي المذكور أكثر من مرة في المثنوى وهو أن النار تقول للمؤمن عندما يعبر الصراط " جز يا مؤمن فإن نورك أطفأ ناري "
والعبارة المذكورة في العنوان : نورك أطفأ لهيبى ، هذا النفس أي نفس العشاق الحار هو الذي يطفئ لهيب الكفر ، فأودع نار كفرك آهة العاشقين حتى تطفئها ولا تجعلك محترقاً بها في نار جهنم ، ويضيف أيضاً فكرة جديدة وهي أن الجنان أيضاً لا تتحمل العاشق ، فإنها رغم عظمتها لا تعد شيئاً إلى جوار عظمته " لا جزاء للعاشق إلا وجه الله " .
 
« 647 »
 
( 4629 - 4633 ) : عودة إلى قصة الأمراء الثلاثة أو قصة الأمير الأكبر : كان الأمير قد وصل إلى بلاط ملك الصين ، لكن هذه القطرة لم تكن قد وصلت بعد إلى مرحلة يتيسر لها فيها أن تذوب في البحر ، كان يحترق انتظاراً لابنة ملك الصين ، وكان يتحمل الفراق وكأنه خلع الأضراس ، وبلغ عمره آخره ، وحان أجله ، لكنه مقيم على معنى المعشوق ولا علاقة له بتجليات المعشوق في عالم الصورة ، إنه يريد المحبوب بغير حجاب ،
مهما كانت تجلياته الصورية العظيمة ، فان عين الحقيقة دون هذه التجليات أعظم ، إن روحي قد ألقت عنها لباس الجسد ، ومن ثم فإن وجوده المطلق قد ألقى عنه لباس الخيال أي التجلي الصوفي ، والآن أجد نفسي مستعد للالتحاق ببحر الوجود المطلق ، إنه وصال بعد الموت ، بينما وصال الرجال يكون قبل الموت .
 
( 4634 - 4647 ) : هكذا ، وإلى هنا ينبغي عليك أن تصمت ، فمن بعد هذه المرحلة . . . لا تعبير . وصلنا إلى البحر ، فدعك من الجواد والسرج ( البيان ) ولم يعد يصلح لك إلا المركب الخشبي ، الزورق وهو الصمت ، قد يكون هذا الصمت ، يلقى بك في الملال ، لكن عن هذا الصمت حديث وولولة في عالم العشاق ،
 لكنك لأنك منفصل عن هذا العالم لا تسمع ، وكما أنك تتعجب من صمته يتعجب هو أيضاً من ثقل سمعك ( إن ما يلقن للواصلين في عالم الغيب هو أن اصمتوا الكتاب الخامس البيت 2242 )
( الشفة صامته والقلب ملىء بالأصوات 2240 من الكتاب الخامس ) إن العاشق هو الذي يدرك ، وغير العشاق إلى جواره لا يعرفون ، كنائم إلى جوار حالم لا يدرى بما يجرى في أحلامه ، ويصل العاشق إلى مرحلة انكسار المركب الخشبي " الصمت " ، وكالسمكة يصبح غريقاً في بحر الأبدية ،
 لكنه الواصل الكامل لا يمكن وصفه فلا هو صامت ولا هو متحدث ولا اسم هناك يعبر عنه ، وهو لا يستوعب وصفه حديث ، على كل حال ، ليكن معلوماً لكن أنني أعتبر ما تسمعه من كلام هنا تعبيراً ركيكاً عما أريد قوله ، لكن هذا هو أفضل ما وجدته من العالم المحسوس .
 
« 648 »
 
( 4648 - 4671 ) : يلتقى الابن الأوسط بالملك في جنازة أخيه ، ومع أن الملك يعرفه إلا أنه يسأل متعمداً " من يكون هذا ؟ يبدو أنه سمكة من نفس البحر " أي يبدو أنه أيضاً سالك يريد أن يصل إلى بحر الغيب وبإكرامه لذلك الأخ الأوسط صاده أيضاً وجعله مفتوناً بالوجود المطلق ، وذلك الملتاع في مصيبة أخيه ،
رأى أن روحاً جديدة قد نفثت في جسده ، لقد كانت العطية عظيمة ، مجرد التفات من الوجود الحقيقي ، وهو التقات بلا حول ولا طول ولا جهد ، لقد قامت ضجة عالية في قلبه ، فلم يكن قلبه متوقعاً لها ، وانعكست مشاعره هذه على كل ما حوله ، فحتى الجمادات اكتسبت روحاً جديدة ووصلها فيض العطاء ، كل ذرة أخذت تتضخم أمامه وتكشف عن أسرارها ،
وكل شئ مما هو موجود حوله أخذ يكتسب معنى جديداً ، لقد انقلب إلى روح منفصل عن الجسد ، والروح عندما تنفصل عن الجسد يصبح العالم كله أمامها جديداً ، ليس هذا فحسب بل إن كثيراً مما لم تكن تراه تبدأ تراه من جديد ، لقد كان يقرأ في الكتب عن هذه الأحوال ، لكنه خبرها عياناً الآن وتجلت أمامه ، وليس ذلك إلا من عناية ذلك الملك العظيم الذي كحل عينيه بكحل المعرفة ، لم يكن الكحل من يده ، بل من غبار مطيئته ، فكأنه قبض قبضة من أثر الرسول ،
وأخذت الفيوضات تنهمر عليه وهو يصيح : هل من مزيد ، لقد كان في روضة من المعاني تختلف عن تلك الرياض التي ترونها والتي يمكن أن تصبح صعيداً زلقاً أو يصبح ماؤها غوراً ، إنها روضة نامية من القلب ، دائماً في ازدياد ، ربيعها دائم ومتجدد ، وكل ما تعلمه من علوم ، حتى العلوم التي تعترف بها والتي ترى أنها ذات طعم ، حتى علوم القلب هي مجرد باقة أو باقتان من هذه الرياض فليس كل من ذاق منها استطاع أن يعبر عن كل ما ذاقه ،
 
وإننا لنشعر بالضعف تجاه هذه الباقات ، لأنك لم تدرك هذه الروضة ولم تدرك قيمتها ، وأغلقت أبواب الروضة أمامك لأن مفاتيح هذه الأبواب ضاعت منك وأنت مشغول بهموم العيش وإن فرغت منها لحظة ، انصرفت باحثاً عن النساء ، ثم طف عندك هذا الميل وهذا الهوس فانقلبت من حية إلى تتبين ذي سبعة رؤوس إلى
 
« 649 »
 
جهنم ، تحتاج إلى مدينة من الخبز والنساء ( انظر النفس تنين 3 / 1053 ) .
 
( 4672 - 4681 ) : مزق شبكة الدنيا التي تحيط بك ، واحرق حبوب الحرص وافتح أبواباً جديدة لهذه الدار ، كن عاشقاً ، ولا تكن شحاذاً ملحاحاً يعتمد على تنغيم صوته وتباكيه ورفع هذا الصوت ، ولا تكن كالصدى مردداً لأقوال الآخرين بل ذق أنت وأعرف أنت ، كل ما لديك انعكاسات وردود أفعال ، تقليد ، تسر لأسباب شهوانية " مما تجلبه القوادة "
 
وتغضب لأسباب خارجية " غضب الشرطي " الذي يظهر إخلاصه لسيده بالتجبر على الضعفاء ، إنك تنبهر بشئ ، تنبهر بآراء الآخرين وأقوال الآخرين بل ونجاح الآخرين " وأحياناً مظاهر الآخرين " وتحاول تقليدهم ، متى تصبح " نفسك " ؟
 
متى يكون اعتمادك على نفسك ؟ بحيث يكون كل ما تحصل عليه لك ولا ينال أحد منه شيئاً ، كل ما تحصل عليه يكون لك ولا يشاركك فيه أحد . يقول الأنقروى ( 6 - 2 / 511 ) وكان شيخنا أبو مدين يقول في فتوح الغير أطعمونا لحماً قديداً أي لا تنقلوا إلينا من فتوح غيركم إلا ما يفتح عليكم في قلوبكم يرفع بهذا همة أصحابه لطلب الأخذ من الله ) .
 
( 4682 - 4686 ) : الكلام لا يخرج عن نوعين : إما وحى وإما هوى ، وما لا يكون من الوحي فهو من الهوى ، وإن كان هذا القول لا يبدو لك صحيحاً ، فهيا اقرأ من سورة النجموَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى( النجم 3 - 4 ) ،
 
فليكن لك الوحي يا أحمد فأنت جدير به " وما للأنبياء يكون للأولياء " ، أما أرباب الجسد فتصلح لهم وسائلهم من تحر وقياس ودرس وقراءة وقال وقيل ، فهؤلاء لا يدركون الوحي ، فهم مضطرون ، والمضطر يأكل الميتة ، لكن من يقبل الوحي يكون كمن هو داخل الكعبة ، لا يتحرى عن جهة القبلة ( لا رسم للقبلة داخل الكعبة 1172 من الكتاب الثاني ) .
 
( 4687 - 4717 ) : ماذا يحدث لو أن القياس والتحري لم يعط نتيجة ؟ حرقة البدعة والضياع في السبل والطرق ، وطالما ضربت لكم الأمثال ، سيروا في القرون وانظروا ،
 
« 650 »
 
واستخدموا القياس فهل كانت كل ريح حمالة للعرش كما حملت سليمان عليه السلام ؟ لا بل حملت قوم عاد ، كما يحمل القصاب الحمل ، يحمله ليذبحه ، ثم قلبت الفراء من وجهه الجميل إلى وجهه القبيح وشتان ما بين الوجهين ( التعبير مأخوذ من الإمام علي رضي الله عنه " لبس الإسلام لبس الفر ومقلوباً " ( من الخطبة 107 من نهج البلاغة تحقيق وترجمة فيض الإسلام ص 324 )
 
فكانت دماراً حطمهم ، وحطم الذيول التي يتشبثون بها ، بعد أن أمنتهم ( انظر الكتاب الرابع الأبيات 125 - 130 وشروحها والكتاب الذي بين أيدينا الأبيات 2198 - 2200 وشروحها والأبيات 4831 - 4836 وشروحها )
 
فهيا حطم الهوى قبل أن يحطمك الهوى كما حطم قوم عاد ، والرياح أنواع يا بنى يسرها الله سبحانه وتعالى كيف يشاء " ريح للظفر وريح للحراسة ريح للطلق وريح للولادة ريح تسير السفن وريح تؤلم الأسنان " ( انظر الكتاب الرابع الأبيات 130 - 149 ) .
 
( 4718 - 4736 ) : الدنيا بمثابة حلق يبصق علينا جميعا ، وأفواهنا لا تأكل إلا التراب ، أليس الطعام الذي نأكله مهما كان شهيا والشراب الذي نشربه يتحول إلى لحم وجلد ، أليس اللحم والجلد هو في النهاية تراب طريق ، ما أشبه الطعام بتراب يرتق الطين ثم يتحول إلى تراب ، مثلما تتحول كل الألوان والصور والجنسيات إلى تراب ،
كل الألوان وزينات الدنيا تتحول إلى تراب ، كلها أقنعة وثمة لون واحد يبقى ، ما كان لله ، صبغة الله ( البقرة / 138 والبيت 770 من الكتاب الأول و 1349 من الكتاب الثاني )
أو اللون الواحد ( البيت 504 الأول ) أو اللالون ( 2479 و 3490 من الكتاب الثاني ) أو اتحاد اللون ( 1316 من الكتاب الخامس )
 
وهي كلها ليست واحدا من هذه الألوان لأنها لا ألوان ، معنى ممتد على كل الخليفة ليس له لفظ يعبر عنه ، وكل الألوان غيره أعراض ، مثل الألوان التي تطلى على رقاب الإبل ، ومن الواضح أن صبغة الله لا لون لها ، هل هناك لون للتقوى والصدق واليقين ؟ !
هل هناك لون للكفر والشك والنفاق ؟ !
إن الحسن والقبح لا لون ولا مفهوم صوري لهما ، إن
 
« 651 »
 
انعكاسهما فقط هو الذي يبدو على الوجه ، سرور دائم أو عبوس دائم ، وما أشبه هذه الصور بتماثيل من عجين يلعب بها الطفل ، ويعض عليها بالنواجذ ، ثم يأكلها ، إنه دائما في عناد من أجلها ، والله الحمد إنه في عناده هذا لا قوة له .
 
( 4737 - 4754 ) : انظر إلى الأطفال و ( الرجال الأطفال ) ، وماذا يصنعون في الدنيا من شر وفتنة وظلم ؟ انظر عندما يجتمع الجهل والسلاح معاً ! ! " سيف في زنجي ثمل ، البيت 1438 من الكتاب الرابع " إن من العصمة ألا تجد في طلب البسطة لا تجتهد أو كما قال علي رضي الله عنه " من العصمة تعذر المعاصي ( انظر الكتاب الثالث ، البيت 3382 ) والإنسان الجائع المحتاج متجه دائما إلى الله ، وبعيد عن وساوس الشيطان ( الجوع طعام الله ، الكتاب الخامس ، البيت 297 ) ،
انظر إلى أولئك الذين امتلأت بطونهم كيف يعرض عليهم تجار السوء بضائعهم ( من جنس ومخدرات وخمر وشذوذ يجعل البطن المليئة تشتهى ! ! ) فيضيع العقل كما ضاع الجسد ، فياله من خالق عظيم ذلك الذي يجعلنا نتقاتل على تراب " وأحيانا على وهم وخيال وأحيانا على ما يدمرنا " ، يجعلنا كالأطفال نتشاجر على التراب ، وشتان ما بين الطفل والبالغ : الطفل مهما كان ضخما وكبيرا المتلق بهذا التراب الملون ، والبالغ الذي وصل إلى كماله الروحي والمعنوي شتان ما بين الفاكهة الناضجة وما بين الحصرم ، ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 1795 - 1800 وشروحها ) .
إنه في شك وتردد ، ترى هل يصل إلى مرتبة أن يكون عنبا ناضجا ، هل يترك مرحلة الفجاجة والحصرمية ؟ ! !
 
( 4755 - 4772 ) : لا يزال المتردد الذي يرى نفسه حصرما ويتوق إلى الوصول إلى النضج يتساءل : ليس لي رجاءٌ في شئ قط ، لكن الله سبحانه وتعالى يقول :لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ( يوسف / 87 ) وانظر البيت 984 من الكتاب الثالث ) وطالما مدلنا موائد كرمه ونعمه وقال لنا لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ( الزمر / 53 ) ،
 ومهما كنا يائسين من أنفسنا ، نسقط في حفر الكآبة والقنوط ، لكنه عندما ينادينا بالعطاء علينا أن نمضى إليه
 
« 652 »
 
راقصين سعداء مسرورين ، كأننا جياد تسرع إلى مرعاها ، هنالك يكون الإسراع بلا خطو ، والشراب بلا كأس ، ليست حركة الجسد بل حركة الروح ، إلى عالم الروح ، حيث المعاني ولا أجسام ، والشموس ولا ظلال ، أليست الجدران العالية تحجب أنوار القمر ؟ ! فإن انهارت وصار خلاء ، سطع القمر ( انظر 553 - 559 من الكتاب الثالث ) .
 
وما القصور ، وما الجدران ، وما الشرف ، وما الأسوار ، إن الجبل ليندك إن سطع عليه هذا النور ، بل ليندك من شوقه إلى هذا النور ، لقد اندك لأنه تجلى على ظاهره ( الأعراف / 143 ) والبيتان 25 و 26 من الكتاب الأول )
فما بالك إذا كان قد سطع على باطنه ، لكان قد تفتت لتنال كل ذرة فيه نصيبها من النور ، انظر إلى الجائع يتفتح عندما يجد رغيف خبز ، فما بالك بالنور والغذاء الروحي وقوت الملائكة والأبدال ، إن هذا النور يساوى أيتها الأرض التمزق إلى آلاف القطع ، فانهضي من بين الفلك ، ترى هل كان مولانا جلال الدين يعتبر الأرض كرة معلقة في فضاء الفلك ، كرة معتمة إن تمزقت سطع عليها النور ؟ !
الله أعلم ، الخلاصة هنا إنه إن لم يكن ثم حياة مادية ، تراب ، يسطع النور على كل شئ ، لكن الأرض على كل حال هي مهد الأطفال ( طه / 53 ) ،
( المهد متأرجح ومتحرك ) وهي لازمة طالما كان البشر أطفالا ، فإن نضجوا وبلغوا مبلغ الرجال ضاقت بهم الأرض . ويا أيها المليك ، وسع عليهم هذه الدار ، فإن فيها أيضاً بعض الناضجين البالغين ، وهم في حاجة أيضاً إلى الحركة .
 
( 4773 - 4791 ) : عودة إلى قصة الأمراء الثلاثة وقلعة ذات الصور : وها هو الأمير الثاني الذي تعرض لعناية ملك الصين ونال من ألطافه ، يدخل في " الحال " الذي أرداه : ها هو يسقط صريعا للوسوسة وأن ما وصل إليه إنما بحوله هو ووحى قلبه هو ، ويصبح " مستغنيا " عن عنايات ملك الصين إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى ( العلق / 6 - 7 )
( انظر قصة كاتب الوحي وسطوع نور الوحي المحمدي عليه ، البيت 3241 وما بعده من الكتاب الأول ) ويشير مولانا في العنوان إلى ملك القلب ويقصد به ملك الصين أو الوجود
 
« 653 »
 
المطلق ، ومعنى لا علم له عن صورة الملك أي أن الجرح الذي أصابه لم يكن هناك دخل لوجود الملك الصوري فيه ، لقد كان الراتب الروحي يصل إليه دون دخل منه ، كان قوتا مستطابا ، لأنه لو كان الرزق الذي وعد به بالمؤمن هو الطعام والشراب لما رزق غير المؤمن منه ( انظر 1563 و 1862 من الكتاب الرابع )
لقد ظن الأمير نفسه قمراً ، ناسيا أن القمر نفسه يستمد ضياءه من الشمس ذات البهاء ، وأن الأنبياء والأولياء فحسب هم الشموس الساطعة ذات الأنوار المستمدة من ذواتها ، لقد استغنى الأمير وانتهى الأمر ، ولم يعد الملك ذو الألطاف في رأيه إلا مانعا في الطريق ( غبار يقف على وجه القمر ) ،
لقد أحس الأمير " بأنيته " ، وتولدت فيه نفسه الأمارة بالسوء ، ظن أن المعرفة ( الماء ) نابعة من داخله ( جدوله ) وحين تتولد النفس داخل الإنسان ، فنها تفتح كل أبواب الشرور ألعن من الحرص وألعن من الحسد ، ثم نفسْ السوء التي تنظر إلى كل الوجود فتراه شيئا قبيحا ، لكن الملك كان يعلم بكل ما يدور في داخلهأَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، ولقد تأمل الملك من هذا الجحود العطاياه الغيبية وأخذ يخاطب الأمير الجحود ( الإنسان المنكر على وجه العموم ) بخطابه القاسى : لماذا هذا الشر الصاعد برغم العطاء النازل .
 
( 4792 - 4810 ) : حذار من غيرة المليك التي تثار عندما يتوجه العشاق إلى أنفسهم وإلى كل ما سواه وانعكس هذا على الأمير ، وحسر طائر الدولة ظله عنه ، وافتضح كل شئ وتمزق حجابه ، وضربه بجناح غضبه ، وانصرف عنه منتحيا جانبا ، وبدأ يحس بأن هذا الانعامات التي تتوالى ،
وأفاق الأمير من سقطته وزال عنه سكر الكبرياء ، وبدأ الذنب يدق رأسه ، وبعد السكر يكون الخمار ، وهكذا كان آدم عندما آكل من الشجرة المحرمة شجرة الحنطة ( البقرة / 25 ) فبدت له سوءته ، وطرد من جنة الله ، لقد شرب الأمير شربة النفس والغرور ،
فانقلب من طاووس يتبختر في رياض الجنة ، إلى بوم ينعق في خرابة الدنيا ، لقد انقلب عز آدم إلى مجرد حراث يسوق بقرة ، وأخذ يخاطب نفسه : أيتها الكافرة " الهندية " ،
 
« 654 »
 
لقد جعلت أسد الروح مجرد أسيرا لذيل بقرة النفس الأمارة ، لقد اخترت قمح الغرور ، فانقلبت كل حبة منه إلى عقرب لادغ ، وتغلبت عليك الأنية ، فعقدت قدمك عن الانطلاق بقيد يزن خمسين منَّا ، لماذا انقلبت على مليكى ؟ !
 
لماذا كفرت بالنعمة التي صبها على صبا ؟ لقد أفاق ، واستغفر ، وتاب وأناب واستعان على هذا كله بالألم والإيمان ، فلا كانت هناك للإنسان قوة واستغناء ، فهو عندما ينجيه الله من الصبر على الحرمان يطمع في الزيادة وصدارة المجلس ، ولا كان للإنسان قدرة على الظلم ، فهو حينئذ ظلوم جهول لا يؤدى حقا لله ولا للناس ، وأولى بالإنسان إذا أراد أن ينجو أن يكون مبتلى مشغولا ببلائه ، ذلك أن نفسه كافرة بالنعمة ميالة إلى الشر ( انظر عن صفات النفس ، الكتاب الثالث الأبيات 2550 - 2558 وشروحها ) .
 
( 4811 ) : نموذج آخر لمن انصبت عليه الأنعام الإلهية ثم صار نموذجاً في الكفر والضلال : النمرود مدعى الألوهية والواقف في وجه أبى الأنبياء إبراهيم عليه السّلام ، والحكاية المروية هنا يرى فروزانفر أنها ترجع إلى الكتاب المسمى عجايب نامه ،
كما نقل رواية شبيهة بها وردت في كتاب جوامع الحكايات ولوامع الروايات لمحمد عوفي ( مآخذ / 226 - 228 ) وعن عزرائيل ودوره في قبض أرواح الأموات ، لتفصيلات انظر : الكتاب الخامس الأبيات 1651 - 1684 وشروحها ) .
 
( 4829 ) : الرواية المذكورة هنا عن شيبان الراعي ذكرت رواية شبية بها عن أبي حليم حبيب بن سالم الراعي ( انظر كشف المحجوب ، الترجمة العربية لكاتب هذه السطور وآخرين ، ص 113 - 114 )
أما شيبان الراعي فهو أبو محمد الدمشقي وكان صديقا لسفيان الثوري ومعاصرا للشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما ( انظر تعليقات كفافى على ترجمة الكتاب الأول ، ص 484 ) والكرامة المنسوبة هنا ، والحكاية هنا أيضا ، مذكورة في الكتاب الأول أيضاً في معرض ذكر دائرة هود حول المؤمنين ( انظر الكتاب الأول الأبيات 860 -
 
« 655 »
 
863 ) وأشار فروزانفر ( مآخذ 10 - 11 ) إلى أصل الحكاية أنها وردت في حلية الأولياء لأبي نعيم ط مصر ج 8 / 318 ) وبالنسبة لهود عليه السّلام ودائرته انظر تعليقات كفافى على البيت 855 من الكتاب الأول وانظر تعليقات الأبيات 4687 - 4717 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 4837 - 4844 ) : يخاطب مولانا المؤمن بالطبيعة ، اعلم أن الطبيعة هي الأخرى في حكم التصريف الإلهى ، ولا تنكر نص القرآن الكريم ، أو أن استطعت فامنع قراءته ، واقض على كل من يعلمه ويقرأه ويتدبر آياته ويفهمها بقلبه ، إن كل هذا من ضلالك وعجزك ، وكم كان لك من قبل من أصناف العجز ، نجاك الله منها مرحلة بعد مرحلة وأنت لا تدرك ولا تفهم ، ويوم أن تفهم ، سيفتضح عجزك على الملأ ولا تملك له رداً ، اعترف إذن بعجزك ، وتحير في الخليقة ، فالحيرة عبادة ، تجعلك في ظل الحبيب الحي الباقي ، وافهم عجزك في الدنيا ، وعجزك في الآخرة ومت قبل الموت ، واختر دين العجائز متمثلًا بقول الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم [ عليكم بدين العجائز ] ( مولوى 6 / 641 )
وانظر إلى زليخا امرأة العزيز ، لقد ارتدت شابة بدعاء يوسف ( يوسف وزليخا للجامى استفادت من هذا ، انظر الترجمة العربية لعبد العزيز مصطفى ) والرواية ذكر فروزانفر أنها وردت في كتاب بحر المحبة المنسوب إلى أحمد الغزالي " فتحير يوسف من ضعفها وعجزها وكبر سنها لأنه كان لا يعلم أنها حية أو ميتة ، فقال له جبريل إن الله تعالى يقول اقض حاجتها ، فقال لها ما حاجتك ؟ قالت أنى أريد أن أكون لك زوجة وأنت لي زوجاً ،
 
 قال ما أصنع بك فإنك عجوز فقيرة عمياء كافرة فنزل جبريل عليه السلام فقال يا يوسف إن الله تعالى يقول إن كانت عجوزاً فأنا أجعلها صبية وإن كانت فقيرة فأنا أجعلها غنية وإن كانت عمياء فأنا أجعلها بصيرة وإن كانت كافرة فأنا أجعلها مؤمنة لأنها تحب من يحبنا بلا واسطة فمسح جبريل عليها فصارت أحسن من زمانها وهي بكر فآمنت بالله القدير وأسلمت " ( عن فروزانفر مآخذ 227 )
وعن الحياة في الموت انظر مقدمة الترجمة العربية الكتاب الثالث . و " مت بالإرادة تحيا بالسعادة " انقروى ( 6 - 2 / 536 ) .
 
« 656 »
 
( 4845 - 4878 ) : عودة إلى قصة تربية النمرود " وفي رواية شداد بن عاد " لقد ربى النمرود كما يربى العارفون ، يربيهم الله سبحانه وتعالى بلا واسطة ، وهكذا لطفه وكرمه جل شأنه ، انظر إلى أيوب عليه السلام ، لم يقض عليه الدود بأمر الله تعالى " حتى أن الدود لما يقع على جراحة كان يرفعه عن الأرض ويضعه على جراحة ليأكل " ( مولوى 6 / 642 ) ،
( وعن تعليم الأمهات وصنعة الله في حنان الأم انظر الكتاب الثالث الأبيات 328 - 330 وشروحها )
ويعود إلى حكاية النمرود : لقد يسر الله تعالى له كل شئ وهو الذي كان بلا والد ولا والدة ولا إنسي حوله ، كان يريده أن يعلم أن كل ما فيه من تربية الله سبحانه وتعالى ، ثم ماذا كانت النتيجة ؟ لقد صار محرقاً للخليل عليه السلام ، وهكذا الأمير في محضر ملك الصين لقد تجبر فختم الله على قلبه فخفيت عليه ألطافه ، تماماً مثل النمرود
( انظر الحكاية البيت 378 والبيت 4140 وشرحيهما من الكتاب الذي بين أيدينا ) ،
 
وفي الأبيات التالية يخلط مولانا بين رواية إبراهيم عليه السلام والنمرود ورواية موسى وفرعون
( انظر الكتاب الثالث الأبيات 840 وما بعده وشروحها ) ، ترى إذا كان الآخرون من الكفار يقولون وجدنا آباءنا ، ما حجة هذا النمرود الذي لم يعرف له أباً أو أماً ، وبم يحتج : إنه لم يرث الملك عن أبيه حتى نقول : ظلوم ابن ظلوم ، لقد وجد الانعامات الإلهية مباشرة ، أتدري ما السر ، إنه النفس الغشوم ، هي كلب وخنزير وذئب مفترس وأفعى
( انظر شروح الأبيات 4792 - 4810 من الكتاب الذي بين أيدينا ) فليت المرء يقرا الحديث النبوي [ طوبى لمن ذلت نفسه وطاب كسبه وحسنت سريرته وكرمت علانيته وعزل عن الناس شره ] ( جامع 2 / 54 ) ،
 
 لكن وآسفاه إنك جلد لم يدبغ بعد ولم يصبح أديما طائفياً يصلح لأن يكون خفاً للمحبوب ( قرينا للحق ) ، والسهيل هو رجل الحق وقد ورد تشبيه رجل الحق بالسهيل ، والصورة كلها في ديوان شمس تبريز " يلمع سهيل شمس الدين التبريزي في اليمن وإلا لصار الجلد غير المدبوغ أديماً طائفيا في كل مكان " ( عن استعلامي 6 / 467 ) وكان أهل الطائف يدبغون الجلد في
 
« 657 »
 
شعاع نجم السهيل ومنه يأخذ لونه ( انظر لغت نامه على أكبر دهخدا الطبعة الأولى من النسخة الجديدة المعدلة ج 1 ص 1351 تهران انتشارات دانشكاه تهران - خريف 1372 ه . ش ) ولماذا أطيل عليك في الكلام إن القرآن الكريم كله شرح لخبث النفس ، وهلاك القرون ، وفساد الدنيا من جراء فسادها .
 
( 4879 - 4890 ) : كان مصير الأمير الثاني قد حسم ، لقد تحركت غيرة الملك ، لقد كان محواً ، وجوداً غير مرئى ، وتسير الحكاية بين الوجود المطلق والوجود الصوري للملك بشكل متواز ، وقتل الأمير بسهم من الملك ، عندما تجلى غضب " المريخ " في وجوده ، لكن القتل كان بشكل غير متعمد ، وهذا الوجود المتوازى جعل مفسرا مثل همائى يفسره بأنه الغوث والقطب ، وهو أكثر إقناعاً لأن الله لا يقتل ، ولا يقتل دون أن يدرى : قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ ( في رواية سابقة عن البسطامي قتل مريدوه أنفسهم دون أن يدرون انظر الكتاب الرابع الأبيات 2102 - 2139 وشروحها ) ،
المهم أن الملك علم بأن السالك المغرور قد قتل بعد أن رأى سهماً ناقصاً من كنانته ، لقد سأل الحق ، فقال الله إن السهم الذي أصماه من كنانته ،
 وهنا يتجلى الوجه الآخر ، وجه الرحمة ، لقد عفا عنه المليك ، لكن السهم كان قد قضى عليه ، ومن هنا أخذ ينوح عليه ويبكيه ، إن العاشق والمعشوق في الحقيقة واحد ، وإن لم يكن كذلك ، فكيف يكون كليا ، كيف يجمع بين الأوصاف المتناقضة ، كلها تجليات أوصاف الحق ، يتجلى على أحدهم بالطف ويتجلى على الآخر بالقهر ، وقد يتجلى على أحدهم باللطف وبالقهر الواحد تلو الآخر ، وربما يكون مولانا ناظراً إلى حديث يرويه الصوفية " من أحبني قتلته ومن قتلته فأنا ديته ، ( استعلامى 6 / 467 وانظر الكتاب الرابع البيت 2966 وشروحه ) ،
 
 والعاشق القتيل مع أنه قتل ، أخذ يردد الشكر ، لقد فنى الجسد ولم تفن الروح ، فنى الجسد ، وأصبح المعنى باتصاله بالحق خالداً ، لقد أو ذي الجلد وكان ثمن إيذائه الوصول إلى الحبيب ، لقد تمسك بأهداب سرج الملك ( الغوث ) ومن هذا التمسك وصل إلى إلى الكمال ، وفي بيت واحد
 
« 658 »
 
يعبر مولانا عن مصير الأمير الأصغر ، كان أكثرهم استسلاماً لم يبد فنا ولا حيلة ، فاختطف الصورة والمعنى ، وفي نسخة جعفري ( 14 / 607 ) أبيات زائدة ( ومعظم المفسرين والباحثين لا يعتبرونها ) أن الأصغر أخذ الفتاة والملك والخلافة ، وليس ذلك إلا نتيجة للذلة والعجز والضراعة ، وإن كان مولانا يشير في الحكاية التالية مجرد إشارة إلى أن هذا بالفعل كان مصير الابن الأصغر .
 
( 4891 - 4916 ) : هنا لطيفة يقصها مولانا ويرى استعلامى أنها لا توجد في مصدر قبل المثنوى ( 6 / 468 ) ، لكن الأبناء الثلاثة هنا لم يقصوا أية حكاية عن كسلهم ليثبتوا للقاضي أيهم أكسل الجميع ، والمعنى المفهوم ضمناً أن الأصغر لم يقص أية حكاية لإبداء كسله أنه حتى لا يريد أن يقص حكاية من أجل الحصول على الثروة والميراث كله لأن معظم الأبيات التالية تتحدث عن فضيلة الصمت ،
ويعلق مولانا بأن العارفين هم أكثر من في الدارين كسلًا ، فهم في ألطاف الله بمجرد تسليم القلوب له ، ولا يحسبون حساباً لفعلهم وكسبهم ، فهم في انتظار الأمر ، وبما أن العوام يفتقدون هذه الصلة فهم في كد ليل نهار وليس معنى هذا أن مولانا يدعو إلى عدم العمل فهو يقول ازرع ثم توكل
 
( انظر الكتاب الأول الأبيات 951 ، 621 - 645 ، 1473 - 1503 والكتاب الرابع 1384 - 1402 والكتاب الخامس من 2965 وما يليه والبيت 650 ، 1448 من الكتاب الذي بين أيدينا )
وهكذا يطلب القاضي من الأبناء الوارثين الثلاثة الكلام " مما يؤكد ما ذهبت إليه في أول تفسير هذه الأبيات ، ويحمل كلام مولانا هنا مضمون قول الإمام علي رضي الله عنه " تكلموا تعرفوا فإن المرء مخبوء تحت لسانه " فإن اللسان " وهو الحجاب الصغير لا يستطيع أن يغطى مئات المعاني الموجودة داخل القلب ، والصدق له رائحة ، والكذب أيضاً له رائحته
 ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 160 - 171 وشروحها )
هذا مثلما ينبئ كل نسيم عن المكان الذي يهب منه ، مثلما تنبىء رائحة القدر عما فيه ، قال تعالى وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ محمد 30 وانظر الكتاب الثالث البيت


« 659 »
 
790 وما يليه وشروحها ) ، وإن لم يكن في القدر شئ ، فإن صوت الدق عليه ينبئ عما إذا كان سليماً أو مكسوراً . والمقصود بالمعرفة في ثلاثة أيام من مقارنة أحواله وتصرفاته .
 
( 4917 - 4932 ) : يرى استعلامى أن المثال هنا غير مرتبط بتيار الحديث ( 6 / 469 ) عن الصمت وعن كسل العارفين . والواقع أنه مرتبط أشد الارتباط ، فنصيحة الأم نصيحة من جانب واحد متناسية أن للشبح أيضاً أماً ، وهو ما فطن إليه الطفل الصغير بتلقائية ودون تعلم . ثم يواصل مولانا حديثه عن الصمت وكيفية معرفة الشخص إن صمت والحيلة هي الصمت أمامه أيضاً ( انظر الكتاب الثالث : الصبر مجن عظيم الأبيات 1837 - 1856 وشروحها )
 
والإشارة في الأبيات إلى التواصل الإيحائى أو التلباتى في المصطلح الحديث فعندما تصمت الألسنة تكون القلوب في تواصل ( هذا لمن سلموا أمورهم لله فإنه يلقى في قلب كل منهم ما يقوله الآخر ) حين ذاك يكون الضمير مساعداً على التواصل لأنه يكون في نور سهيل اليماني والمقصود بالميمنة هنا يمين القلب موضع الصدق . ترى هل كان يريد أن يبلغ رسالة أخيرة !!!
إذا كنت قد صمت عن الكلام في هذا الجزء من المثنوي فإنك تستطيع إن إستنار قلبك أن تواصل معي الحديث عن طريق القلب !.
*
تم بحمد الله تعالى رب العالمين
عبدالله المسافر بالله
.
* * * 
* * *

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: