الأربعاء، 2 سبتمبر 2020

19 - الهوامش والشروح 1116 - 1488 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

19 - الهوامش والشروح 1116 - 1488 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

الهوامش والشروح 1116 - 1488 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

قصة هلال الذي كان عبدا مخلصا لله صاحب بصيرة غير مقلد
( 1116 ) : تتناول القصة هنا هلال مولى المغيرة بن شعبة وهو في روايات الصوفية من الأولياء المكتومين وبناءً على رواية نقلها فروزانفر ( مآخذ / 203 - 204 ) عن نوادر الأصول " روى أبو الدرداء قال : كنت مع رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم فقال يدخل من هذا الباب رجل من أهل الجنة فقام رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم إلى الصلاة ، فقال أبو الدرداء فخرجت من ذلك الباب فمضيت ، فنظرت هل أرى أحدا فلم أر أحدا ، فدخلت فقعدت إلى الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم فقال أما أنك لست به يا أبا الدرداء ثم جاء رجل حبشي ، فدخل من ذلك الباب وعليه جبة صوف فيها رقاع من ادم رام بطرفه في السماء حتى قام على رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم فسلم عليه ، فقال : كيف أنت يا هلال ؟ ! فقال بخير يا رسول الله ، جعلك الله بخير ،
 
فقال صلى اللَّه عليه وسلم : ادع لنا يا هلال واستغفر لنا فقال :
رضى الله عنك يا رسول الله وغفر لك ، فقال أبو الدرداء ، فقلت استغفر لي يا هلال ، فأعرض عنى ثم عاودت الثانية
فأقبل على رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم ثم قال : أراض أنت عنه يا رسول الله ، قال نعم ، قال : رضى الله عنك وغفر لك ، ثم خرج وهو رام بطرفه إلى السماء وما يقلع ، فقال صلى اللَّه عليه وسلّم : لئن قلت ذاك إن قلبه لمعلق بالعرش أما أنه لن يبقى فيكم أكثر من ثلاثة أيام فأحصيت الأيام ،
فلما كان اليوم الثالث ، وصلى رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم الفجر خرج من المسجد ونحن معه ، فخرج يوم دار المغيرة بن شعبة فلقى المغيرة خارجا من داره ، فقال له : آجرك الله يا مغيرة ، فقال ، يا رسول الله ما مات في دارنا الليلة أحد ،
قال : بلى توفى هلال فالتمسه رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم فوجده في ناحية الدار في اصطبل له خارا على وجهه ساجدا ميتا ، فأمر أصحابه فاحتملوه وولى أمره رسول الله بنفسه حتى دفن ثم اقبل على أبى الدرداء ،
فقال : يا أبا الدرداء أما أنه أحد السبعة الذين بهم كانت تقوم الأرض وبهم كنت تستقون المطر بل هو خيرهم " وفي العنوان إشارة إلى من وصلوا إلى تحقيق الحقيقة وهم في ثياب العبودية ومنهم لقمان ويوسف عليهما السلام ، ومعنى كان مسلما لكنه كان أعمى ،
 
أي كان مسلما لكنه كان أعمى عن عوامل الباطن فلم يدرك قيمة عبده هلال ، والبيت المذكور لسنائى الغزنوي من حديقة الحقيقة ( البيت رقم 384 ) والمعنى أن الغافل يعلم أن الله موجود لكنه لا 
« 482 » 
 
يستطيع أن يدرك مدى عظمته ، ولا حل إلا أن يفتح الله بصيرته ليرى بها الغيب ويستطيع أن يدرك جوانب هذه العظمة ، والعبارة الموجودة في آخر العنوان ذكرها الأنقروى ( 6 - 1 / 257 )
على أنها حديث نبوي ومن تعليق للأنقروى على البيت الآخر المذكور في العنوان ( في هامش النص ، لأنه ليس موجوداً في كل النسخ ) أنه مأخوذ من قول الإمام على رضي اللّه عنه .حياة القلب علم فاغتنمه * وموت القلب جهل فاجتنبه
 
( 1118 - 1122 ) : المثل الذي ساقه مولانا هنا يبدو وأنه كان من الفكاهات التي كانت شائعة في عصره ، ويضرب بها المثل على الإنسان الذي يكون أكثر تقهقرا في سلوكه بحيث يكون يومه شرا من أمسه وغده شرا من يومه فتحل به اللعنة " من استوى يوماه فهو مغبون ومن كان يومه شرا من أمسه فهو ملعون " .
 
( 1123 - 1129 ) : الحكاية المذكورة هنا تبدو مثلًا ، فالنفس المتقهقرة بمثابة ذلك الجواد الحرون الذي يمضى في سيره القهقرى فلا يصل إلى الهدف ( يذكر بناقه قيس ، انظر الكتاب الرابع ، الأبيات 1535 - 1542 وشروحها ) فإذا كانت النفس حرونا همها الدنيا ، فاجعل ذيلها نحو الهدف الذي تريده ، اجعل سير النفس القهقرى يكون سير الروح إلى الكمال ، عندما تجعل شهوتها دبر ظهرها ، يكون العقل ، ليس ذلك العقل الذي تعلمه ، بل العقل الشريف العالم بالروح والمتصل بها والذي لا يعارضها .
 
( 1130 - 1135 ) : ما أسعد أولئك الذين يسيرون في طريق الحق قدما لا يتقهقرون ولا يتراجعون ، يعرفون أن الطريق مهما طال ومهما كان صعباً فهو مقطوع لا محالة ، وانظر إلى موسى عليه السّلام الذي قال :لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً ( الكهف / 60 ) ( انظر أيضاً الكتاب الثالث ، الأبيات 1969 - 1971 وشروحها ) لقد كانت لديه الإرادة والنور الإلهى والتوفيق الرباني ( وهما دائما مع الإرادة التي هي في مصطلح الصوفية الطلب
 
« 483 » 
 
والإقامة عليه ) هذا سير جسده فما بالك بسير روحه ( سير العارف في كل لحظة حتى عرش المليك البيت 2182 من الكتاب الخامس ) هؤلاء هم الفرسان الحقيقيون ، همالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ( الواقعة / 10 ) .
 
( 1136 - 1139 ) : يضرب مولانا مثالا آخر : ذلك المسافر الذي هده البرد الشديد ، فوصل إلى قرية ، وأراد أن يدخل دار ليستريح ، فهتف به هاتف من داخل الدار ، بل دع متاعك خارج الدار وادخل واسترح " دع نفسك يا بنى وتعال " وهكذا فإن أردت تلك الدار ، وإذا أردت أن تستريح منها من وعثاء الطريق وآلام الدنيا ، فدع كل ما أنت متعلق به باذل فيه جهدك صارف إليه قلبك ، تجرد ثم ادخل .
 
( 1140 - 1144 ) : يذكر مولانا هلالًا على أنه كان أستاذاً في الطريقة نور قلبه بنور الله ، كان سائساً في اصطبل الأمير ، هذا ظاهره ، لكنه كان سلطان سلاطين الطريق قال عنه الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم [ ما أطلت الخضراء ولا أقلت الغبراء مثل يقين هذا العبود لو أقسم على الله أن يغفر لأهل الأرض جميعاً لفعل ]
وفي رواية المولوي أن عمراً رضى اللّه عنه حضر غسله مع الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم والراوي في الرواية ليس أبا الدرداء لكنه أبو هريرة ( مولوى 6 / 164 - 165 )
لكن الأمير والمقصود سيد هلال لم يكن يدرك من أمره شيئاً كان ينظر إليه نظرة إبليس إلى آدم وعلى أنه مجرد ماء وطين ، لم يكن ير داخله تلك الروح العظيمة التي ميزت آدم ، لقد رأى الحواس ولم ير أصل الحواس ، وهذه هي النظرة التي أضلت الكفار عن الأنبياء وقالوا لهمإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا.
 
( 1145 - 1154 ) : المنارة هي الجسد ، والبازي الملكي هو الروح ، وهناك آخر يرى الطائر مجرد طائر إنه مؤمن لكنه ليس عارفاً ، وثالث يكون من العارفين فيرى الإفاضات العلمية والأنوار الروحانية الموجودة عند الطائر ذلك لأنه ينظر بنور الله ، فالطير هو العلم ، والشعرة هي اليقين . وهكذا فضع عينيك على هذه الشعرة الدقيقة في فم الطائر حتى تنكشف
 
« 484 »
 
لك الأمور ، إن الأول ركز على الطين المصور المنقوش في الوحل ( الجسد ) لكن الآخر رأى العلم والعمل وقوله : سواء افترضت أنها ثلاثمائة طائر أو طائران : أي سواء أفترضت هذا العلم وهذه الطاعة قليلة أو كثيرة ، والرجل الأوسط : المؤمن الذي لا يعترف بالباطن ( سيد هلال ) هو الذي يرى الطائر ، لكنه لا يرى الشعرة ، وهي النور ، وهو نور مستمر ومتواصل لأنه متصل بالنور الإلهى ( كاتصال الدن بالبحر فيكون له ما للبحر ولا ينفذ ماؤه ) . ليس الأمر عنده مستعاراً لكنه أصلى .
 
( 1155 - 1163 ) : عودة إلى قصة هلال : لقد مرض هلال ، ولم يدر سيده بمرضه ، فهو مجرد عبد لا يفتقد إذا غاب ، لكن في حين كان سيده لا يدرى عنه شيئاً ، فإن سيد البشر الرحمة المهداة فقد علمه ، لأن علمه وأصل إلى كل مكان فهو مستمد من الوحي ، فها هو القمر وفي أثره النجوم [ أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ] .
 
( 1172 - 1174 ) : هلال العرش أي ذلك الموجود السماوي المتصل بعرش الله ، إنه متخلق بأخلاق الملائكة ، جاء إلى الدنيا لتفقد أحوال أهلها ، فهو جاسوس على القلوب ( عن عبارة لأحمد بن عاصم الأنطاكي : جالسوهم بالصدق فإنهم جواسيس القلوب ) ( استعلامى 6 / 280 ) .
 
( 1180 - 1191 ) : إن محبته صلى اللَّه عليه وسلّم محت عن الإصطبل كل ما فيه من سمات ( مثلما محت عن الدنيا كل ما فيها من أدران وأوشاب ) لقد شم هلال رائحة الرسول كشذى غير معهود وسط هذا المحيط مثلما شم يعقوب عليه السّلام رائحة يوسف عليه السّلام من القميص فارتد بصيراً ، إنها رائحة التجانس ، لا يشمها إلا من كان من جنسها
( انظر الكتاب الرابع 2670 - 2675 وشروحها والكتاب الذي بين أيدينا 2980 - 2990 )
ولهذا تكون المعجزات : إنها بالنسبة للعدو قهر لكنها بالنسبة للحبيب إبرازٌ للتجانس وجذب وجلب ، فالحبيب مؤمن سواء رأى المعجزة أو لم يرها ، ومن ثم ألهم الله سبحانه وتعالى أبا بكر الصديق رضي اللّه عنه عندما رويت له معجزة
 
« 485 »
  
المعراج ولم يكن قد قابل الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم بأن قال : إن كان قد روى ذلك فقد صدق ، ولم ينكر حتى وهو على البعد ، وهكذا يبرز هلال محبته وشوقه إلى الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم ولا يسأله حتى أن يدعو له بالشفاء ، إن مجرد الرؤية رويت في هلال أرضاً ظمأى ، وأشرقت بها الشمس في باطنه .
 
( 1192 - 1197 ) : وهكذا كان هلال آمناً من الغرق في هذا البحر مثلما كان عيسى عليه السلام آمناً على الماء ، وأضاف الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم لو ازداد يقيناً لمشى على الهواء ، مثلما كان الهواء مركب الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم ليلة المعراج ، إن مجرد رؤية هلال للرسول منحته إحساساً بالعلو والتسامى وحررته من العبودية والدونية ، وأنقذته من الفقر الجسدي ، ونقلته إلى الغنى الروحاني الذي لا فقر بعده .
 
( 1198 - 1207 ) : ينطلق مولانا جلال الدين في حالة هلال الخاصة التي تبدلت تماماً بمجرد إشراق شمس الكائنات عليها ، إلى الحديث عن أن الإنسان عموماً يستطيع أن يتخلص من كيفيته ( حاله ، وضعه الحاضر وواقعه المر المداس المهان ) وهذا التخلص من الكيفية يعنى ارتفاع المرء عن ظروفه وتساميه عن واقعة وتعلقه بالعالم المطلق ، هنا ينجو من دنسه وتعلقه بالدنيا وشهواتها ونزواتها وانغماسه فيها وجعلها مبلغ علمه ومنتهى إدراكه واهتمامه ،
 
وهذا التعلق بالعالم المطلق يجعله إنساناً واهبا للأحوال والكيفيات وليس محبوساً في إطار محدود من أطر الدنيا ، فشرط الخلاص من الكيفية هو الطهارة من الحالة التي يجد فيها المرء نفسه في الدنيا ، طهارة الظاهر وطهارة الباطن ، فإن الله طهور لا يقبل إلا طهورا .
 
 وقال القشيري : للظواهر طهارة وللسرائر طهارة ، فطهارت الأبدان بماء مطهر وطهارة القلوب بالندم والخجل . ( مولوى 6 / 173 ) .
وعند الانقروى أن قول مولانا هو مصداق لهذا البيت :ما لم تقامر بنفسك كلية * فأنت جنب نجسأنقروى : 6 - 1 / 274


« 486 » 
 
لكن كيف يكون ذلك ؟ ! كيف لا يقترب الدنس من الماء وطهارته لا تكون إلا بالماء ؟ !
وإلى من يلجأ المذنب لكي يتوب إذا كان شرط اقترابه أن يكون طاهراً من الذنب ؟ !
كيف لا اقترب من حوض ماء الطهور ولا يوجد خارج هذا الحوض إلا التراب ؟ !
وكيف لا أختلط بالطاهرين ما دمت لن أحصل على هذه الطهارة طالما أنا موجود بين المذنبين ؟ !
إن الماء أي كرم الله تعالى يقبل المذنبين والدنسين ويطهرهم جميعاً دون أن يلحق بي أدنى دنس .
 
( لتفصيل هذه الفكرة انظر الكتاب الخامس ، الأبيات 201 - 236 وشروحها ) . وما البديل لهذا ، هل يقضى المشتاق في شوقه والمتحسر في حسرته ؟ !
 
( 1208 - 1222 ) : ما دام الحديث عن الهلال فلا بد أن يتداعى الحديث عن البدر ، وما البدر إلا ذلك المريد الكامل الذي قبل نور الشيخ بأجمعه ، وهو بالنسبة لمولانا حسن حسام الدين الذي لقبه مولانا بلقب ضياء الحق ، وهو يحتوى على نور لا يشاهده الدنسون والأشرار
 
 ( شر الطيور ) فالخفاش لا يستطيع أن ينظر إلى الشمس ، والناقصون لا يقبلون نور هذا البدر ولا يحسون به لأنه محجوب عنهم بشدة ضوئه ولمعانه وتألقه وارتقائه المستمر في مدارج الطريقة ومراحلها ، وفرق كبير بين نور البدر ونور الهلال ، وما دمنا قدم تحدثنا عن هلال فلنتحدث قليلا عن نور البدر ، ذلك أن هناك اتحاداً بين البدر والهلال
 
( فالأولياء كنفس واحدة ) والمغايرة بينهما من حيث الصفات لا من حيث الذات ( مولوى 6 / 175 ) ، لكن هذا ليس المقصود ، فالهلال هو السالك الذي يرتقى في مدارج الطريق مرحلة بعد مرحلة في سماء ليل الحياة المظلمة ، وهذا هو الطريق الصحيح بالنسبة للسالكين . فكيف يتم النضج دون تدرج ؟
 
إن الأمر ليس من قبيل " السلق " بل هو تحمل لنار الطريق قليلا قليلا وبتأن ودون عجلة - لقد خلق الله الدنيا في ستة أيام - وكان يستطيع أن يخلقها ب " كن فيكون " وكان يستطيع أن يخلق الإنسان بنفس الأمر لكنه خمر طينته أربعين صباحا ( أحاديث مثنوى / 198 ) وذلك لكي يعلم الإنسان أن الأمور تؤخذ بالتدريج ، فالتأنى من صفة الرحمن والعجلة من الشيطان .
  
« 487 » 
 
( 1223 - 1227 ) : إن هذا ليس مثل الساذج الذي يقطع الطريق عدواً كي يصل إلى مرتبة الإرشاد وهو لا يزال طفل الطريق . ما أشبه هذا بقول العطار :
لقد تحملت كثيرا من المشاق عمرا طويلا * حتى فتح لي باب واحد بمائة مذلة وأنت كيف تصل إلى هذا الباب بهذه السرعة * وكيف تصل إلى السطح من الدرجة الأولى ( سبزوارى / 432 )
 
وما أشبهه في تسلقه وارتكانه على غيره بثمرة القرع الواهية تتسلق على شجرة شامخة ، لكن لأن جذورها ليست ممتدة في الأرض لا تلبث أن تصفر وتسقط ، بينهما لا تحس الشجرة لا بتسلقها ولا بسقوطها ،
 
وقد لا يرى الناظر وجودها الهزيل بين أغصان الشجرة المتساقطة ، وما أكثر المتسلقين في هذا العالم يقفون على أكتاف الآخرين فإذا سقطت الأكتاف سقوطا وإذا لم تسقط سقطوا أيضاً ، وما اشقى ذلك الذي لا يرتكن على ذاته بل يرتكن على أكتاف الآخرين ، وما أشبهه بذلك الجمال المستعار الذي يأتي من الخضاب يزول ، بزواله ويحل محله قبح لا يحتمل .
 
( 1228 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت مأخوذة من التراث العربي ومن أبيات نسبت في ربيع الأبرار لرحال بن ممدوح الحميري وفي عيون الأخبار لأحد الأعراب :
عجوز ترجى أن تكون فتية * وقد غارت العينان واحدودب الظهرُ
تدس إلى العطار سلعة أهلها * وهل يصلح العطار ما أفسد الدهرُ
 
أما راوية الزمخشري :
فما غرنى إلا خضاب بكفها * وكحل بعينيها وأثوابها الصفر
أتوني بها قبل المحاق بليلة * فكان محاقا كله ذلك الشهر
ألا ليتهم زفوا إلى مكانها * شديد القصيرى ذا عرام من النمر
إذا شد لم ينكل وإن هم لم يهب * جرىء الوقاع لا ينهنه بالزجر
 
« 488 » 
 
كما أن الأبيات التي نسبها الزمخشري في ربيع الأبرار لأبى طلق عدى بن حنظلة التميمي تقترب من مضمون الحكاية وهما :إستعينى بقطرة من جمال * هي خير من كل ما تصنعينا
ذاك أدنى للحسن من أن تخفى * بخيوط الكتان منك الجبيناوأشار الشاعر الفارسي خاقانى ( القرن السابع اهجرى ) إلى هذا المعنى في قوله :
لا تخدعى القلب بألوان الدنيا فليس هذا بالجدير * فكيف يجعل الخضاب من العجوز شابة ( عن مآخذ فروزانفر ، صص 204 - 205 )
 
( 1234 - 1242 ) : يترك مولانا الحكاية فلا يعود إليها إلا من البيت 1274 ، ويقدم الصورة المقابلة للشاب الذي يريد أن يأخذ مكان الشيخ والمرشد ، أولئك الذين شابوا وشاخوا ولم يتركوا التحامق ولم يقلعوا عن إيذاء الخلق ، ولم يقلعوا عن الحرص ، وأولى بالشيخ أن يترك الحرص ، وحتى الكلب عندما يشيخ وتتساقط أسنانه يقلع عن عقر الناس ويكتفى بأكل البعر ، لكن هؤلاء الشيوخ الذين يخفون شيخوختهم بملابسهم الأنيقة الغالية ، ويتصابون ويرتكبون الموبقات ، وليس هناك عند الله أكثر سقوطا من شيخ عاص فاسق هؤلاء هم حطب جهنم ، وملائكة العذاب في انتظار سلخ جلودهم على فحوى " من جاوز الأربعين ولم يغلب خيره شره فليتبوأ مقعده من النار " ( مولوى 6 / 178 ) ،
 
ومع ذلك يود هؤلاء لو يعمرون ويسعدون أيما سعادة عندما يدعو لهم بطول العمر ، ولعله يريد أن يزيد في رصيد شره وذنوبه ، في حين أنه لو علم أنه لو أخذ سريعا لكان خيراً له وأولى به أن يرد هذا الدعاء على قائله .
 
( 1243 - 1247 ) : وما أشبه هذا الدعاء بطول العمر بذلك الشحاذ الذي دعا لذلك الجيلاني بأن يرده الله إلى أهله ، فإذا بالجيلانى يقول له : إذا كنت تقصد هؤلاء الأهل الذين ابتعدت عنهم لشرورهم فردك الله أنت إليهم ، إن الجيلاني رد دعاء السائل الذي دعاه له بنية الخير
 
« 489 » 
 
وهكذا الأراذل والسفهاء يقتلون المعاني السامية في نفوس قائلها فلا ينطقون بها ، وينزلون بهم إلى مستواهم في الحديث على أساس " أن الله يلقن الحكمة على لسان الواعظين بقدر همم المستمعين " ( أحاديث مثنوى ، ص 198 ) ، كما ورد على لسان الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم [ نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم ونكلم الناس على قدر عقولهم ] ( مولوى 6 / 179 ) .
 
( 1248 - 1255 ) : يدل العنوان على أن مولانا سوف يعود إلى حكاية العجوز لكنه لا يعود إليها وإن كان قد قام بوصفها ووصف كل أولئك الذين هم على شاكلتها : أولئك الذين يتوقفون عند شهوة معينة أو هوس معين ثم لا يتحركون وكأنهم هذه العجوز الذي تريد أن تعيش في غير زمنها ، فلا أساس لهم ولا رأس مال حتى قابلية القيم انعدمت عندهم ، لا هم يعطون ، ولا معاني لديهم ، ولن تكون لديهم ، لا لسان لهم يتحدثون به ، لا عقل لديهم يفكرون به ، ولا غيبة لديهم ولا صحو ، ولا دلال ولا جمال ، بل عفن فوق عفن ، لا حماس لطريق أو لشئ ، ألا يلتقى المرء بكثيرين على هذا النسق في حياته اليومية ؟ !
 
( 1256 ) : اللطيفة التي تبدأ بهذا البيت تجاهل شراح المثنوى الإشارة إلى أصولها وهي تذكر بحكاية واردة في الكتاب الثاني عن حكاية جحا وابنه ، حينما كانا يشهدان جنازة وكان أحدهم ينوح خلف النعش واصفا القبر دون أن يذكره فقال ابن جحا لأبيه : تراهم يأخذونه إلى منزلنا ؟ ! ( الأبيات 3127 - 3138 من الكتاب الثاني ) ولا بد لهذه الحكاية من أصل .
 
( 1265 - 1273 ) : يقدم مولانا صوراً أخرى لذلك الذي لا يتميز بأي سمات أو صفات فلا هو بالبازى ( الشيخ ) ولا هو بالطاووس ( حسن الظاهر ) ولا هو بالببغاء ( الفصيح أو الشاعر ) ولا هو بالبلبل ( المطرب أو المنشد أو القوال ) ولا هو بالهدهد ( الدليل والقادم بالرسائل ) ولا هو باللقلق ( الوقور المتسامى ) فماذا يكون ؟ !
 
وينصح مثل هذا الصنف من الناس : هيا ما دمت حتى الأن لا تتميز بأي ميزة بحيث يشتريك الناس ، فاسم إلى دكان الفضل ، فالله مشتريك مصداقا لقوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ ( التوبة / 111 ) ، وثق
 
« 490 »
  
بأنك الرابح لأن الله سبحانه وتعالى يقول في حديث قدسي [ إنما خلقت الخلق ليربحوا علىّ ولم أخلقهم لأربح عليهم ] ( أحاديث مثنوى ، ص 58 ) .
 
( 1274 ) : لولا بعض الأبيات التي أضافها جعفري من نسخة مزيدة من المثنوى لكان المعنى غامضا بحيث وقع استعلامى في الخطأ ففسر الذهاب إلى العرس بأنه طلب الزواج أو الرغبة في الزواج والواقع أنها مدعوة في عرس .
 
( 1288 - 1296 ) : الكلام هنا موجه إلى العجوز وفي نفس الوقت إلى كل أولئك الذين يعيشون عالة على مواجيد غيرهم وكدهم وسعيهم وأولئك الذين يتشدقون بكلام المشايخ ، وما هذه الأقوال إلا كالخضاب على الوجه القبيح ليس منه في شئ ، ثم يأتي الموت ذلك المحك ، الذي يظهر الزيف من الصحيح ، ولا ينفع مقالٌ في يوم الفعال ، إنه عالم الصمت ، فليتك أيها المدعى تسكت قبل أن تلحق بهذا العالم ، وأجل صدرك من الصدأ الذي ران عليه يتفتح ويصير قابلا للحقائق ، تنقش عليه الصور والعلوم والمعارف ، وينزل عليه الفيض ، ألم أقل لك من قبل إن كتاب الصوفي ليس من الحروف المكتوبة على الأوراق ، بل إن قلبه دفتر أبيض كالثلج ( البيت 160 من الكتاب الثاني )
 
وألم يقل لك غيرى إن علم العشق ليس موجودا في كتاب ، إنك تستطيع أن تعود شابا جميلا لكن ببركة فيض الشيخ ، كما فاض دعاء يوسف عليه السّلام على زليخا فردها جميلة شابة ، وألم تكن نخلة مريم جافة لا تثمر ، لكن حرقتها ودعاءها وحاجتها جعلتها تساقط عليها رطبا جنيا ( انظر 3498 من الكتاب الرابع ) .
 
( 1299 - 1315 ) : بدأ مولانا إحدى الحكايات هنا ثم تركها بعد بيت واحد ولم يهتم شراح المثنوى بالبحث عن أصل للحكاية عن أساس أنها تبدو من اللطائف الشعبية التي كانت سائدة في زمانه ، وينطلق مولانا من فكرة أن حركة نبض عرق اليد تدل على ما في القلب إلى فكرة أن كل خفى وراءه ما يحركه ويدل عليه ( انظر لتفصيل الفكرة الكتاب الرابع ، الترجمة العربية ، الأبيات 125 - 155 وشروحها ) ، وحين يكون القلب ثملا فإن ذلك يبدو في منظر
 
« 491 » 
 
العينين ، وهكذا حتى أعلى قيمة في هذه الحياة وهي معرفة الحق ، فقد أرسل الرسل بالمعجزات التي لا تجرى على يد بشر عادى لكي يدل على نفسه ، ومن بعد الرسل هناك الأولياء وكراماتهم وهؤلاء يؤثرون فيمن حولهم ، ويعطونهم مما لديهم ، فتنتقل إليهم السعادة من السعداء مصداقا للقول المأثور " من أراد أن يجلس مع الله فليجلس مع أهل التصوف " ( مولوى 6 / 187 )
 
وإذا كانت المعجزة قد أثرت على الجماد فحولت الحجر إلى متحدث وانشق القمر وتحولت العصا إلى حية وتحدث الحصى وأن الجزع ، وكلها آثار ليست من هذه الجمادات تخلقها تلك الروح الحلوة التي تجلى تأثيراتها على الجمادات فما بالك بالبشر ، لا بد وأنهم سوف يتأثرون إذا لم تكن قلوبهم أقسى من الحجارة ، إنها كمائدة عيسى عليه السّلام نزلت من السماء دون انقطاع ، وهي كذلك النخل الذي هزته مريم وكان جافا فتساقط رطبا جنيا ، وهذه المعجزات لا بد لها من روح كاملة هي روح المرشد الذي يستطيع أن يجعل المريد يتقبلها ،
 
هذا إذا كان طائر هذا البحر ولم يكن طائر بريا لا يستطيع أن ينزل بحر المعنى والفضل الإلهى " وهكذا الناقص لا يصل إلى الكرامات وكلما رأى كرامة ظنها استدراجاً " لأنه لا إخلاص له ولا استعداد لديه فالكامل في الحقيقة في خصوص الكرامات برئ من النقصان والهلاك ، لأنه قادر على التمييز بين الكرامة والاستدراج يعلم محل إظهار الكرامة ومحل إخفائها ، فكل ما ظهر منه موافق لإرادته تعالى فإذا أثرت في ضمير التابع قيل لها كرامة ، ( مولوى 6 / 189 - 190 ) .
 
( 1316 - 1325 ) : لا يزال مولانا يتابع الحديث في هذه النقطة : إن الأمور كلها عطايا :
فعطية من لم يؤذن له الإنكار والعجز وعدم الفهم ، وعطية النجى الملازم القدرة على الفهم والتقدير والتقبل ، فإن لم تجد في نفسك أثرا للمعجزة والكرامة فتتبع الظاهر لكي تصل إلى الباطن ، فإن الظاهر عنوان الباطن ، فالآثار الظاهرة على الحواس مخبرة عن المؤثر ، واللسان ترجمان القلب ، ولديك دلائل كثيرة على هذا الأمر . فإنك إن نظرت إلى الدواء لن
 
« 492 » 
 
تستطيع أن تدرك قوة الشفاء فيه ، فإذا انتقلت من القوة إلى الفعل أدركت قيمة هذا الدواء من الشفاء الذي تصل إليه عن طريقه ، وفي كل ما تراه ولا تعرف آثاره يكون كل ما تراه قشرا ويكون اللب مختفيا في داخله ، وكلها آثار الحق ، ودلائل وجوده المطلق ، وإنك متعلق بالمظهر والأثر والعلامة ، ومنصرف عن واهب الأثر ، وهكذا تعلقك بالخلق : فأنت متعلق بإنسان لجماله أو لجاهه أو لسطوته أو لماله ، لكنك تنصرف عن سلاطين الدين أولئك الذين طبقت شهرتهم وآثارهم الشرق والغرب ، وهذا كلام لا نهاية له أيها العظيم ، لكن متى كانت هناك نهاية لطلب العلم الإلهى ، إنني أدعو الله ألا يصرفنا عنه أبداً ! !
 
( 1332 ) : إشارة إلى الآية الكريمةإِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا ، أَ فَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ ، اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ( فصلت / 40 ) . والمقصود هنا أن الكافر لا يقبل علاجا . قال نجم الدين كبرى " أفمن يلقى في النار وهي الطبيعة الإنسانية النفسانية الحيوانية التي هي منشأ دركات جهنم خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة ، أي منظور بنظر عنايتنا محفوظ من شر نفسه بفضل رعايتنا وقوله اعملوا ما شئتم إشارة إلى كلاءتهم إلى هوى أنفسهم فإنهم بالطبع يهوون إلى الدرك الأسفل ( مولوى 6 / 192 ) .
 
( 1337 ) : في النص حمزه يرست وفي ترجمة كلمة حمزة اختلاف ، فالأنقروى والمولوي واستعلامى ترجموها بحساء البرغل ، بينما يرفض فروزانفر هذه التسمية رفضا تاماً ويترجم حمزه بالجر جير ( حواشي معارف بهاء ولد ، ج 2 ، ص 186 - 188 )
ويحتج بمعاجم لغوية وأشعار عربية تراثية ويرد ترجمة يوسف بن أحمد المولوي ، وتبعه في هذا سعد صادق كوهرين في معجمة " فرهنگ لغات وتعبيرات مثنوى " ج 4 ، ص 166 - 167 ، من طبعة طهران 1341 انتشارات دانشكاه طهران ) .
 
( 1339 ) : إشارة إلى الآية الكريمةوَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ( البقرة / 195 ) .
 
« 493 » 
 
( 1343 - 1351 ) : يترك مولانا سياق الحكاية ويتحدث عن مرض من الأمراض الشائعة بين الخلق ويشبهه بالسل " من الشائع قديما أن مريض السل يظن نفسه في تحسن وهو يسرع نحو الهاوية " هذا المرض هو أن أي إنسان يتعرض لبعض المشاكل يصب غضبه وصفعه على الآخرين وكان للآخرين دخلا في الأمر ، ويرى مولانا أن الأمر كله من الشيطان وربما يقصد أن هذا الذي أبتلى من الله بدلا من أن يتوجه إلى الله ليرفع عنه البلاء يسول له الشيطان أن ينفس عن نفسه في ظلم الآخرين وإيذائهم فهو يفهماعْمَلُوا ما شِئْتُمْ
على أساس أنه مطلق اليد في الخلق ، بدلا من أن يعالج المريض نفسه ويلجأ إلى الله تعالى يبحث عن عيوب الخلق وهو إنما يعالج نفسه بالهوى ، ويغفل عن الجزاء ، إن الشيطان الذي سول له ذلك هو الذي وسوس لآدم بأن شجرة القمح هي السبيل إلى الخلود والحياة الدائمة وقال لهما أي لآدم وحواء ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ ( الأعراف / 20 ) لكن إياك أن تنسى أن هذه الصفعة ردت لإبليس ، وكان آدم كالجبل فيه السم والترياق
 ( الصورة من حديقة سنائى البيت رقم 429 من الترجمة العربية لكاتب هذه السطور ، دار الأمين ) وما الترياق في وجود آدم إلا الاستعداد للتوبة والاعتراف بالذنب والسير في طريق الحق .
 
( 1352 - 1360 ) : التوكل الخليلي إشارة إلى توكل الخليل إبراهيم عليه السّلام ، وهو يذبح إسماعيل عليه السّلام اعتمادا على الحق وعلى أنه سوف ينجيه ( انظر أيضاً البيت 4177 من الكتاب الثالث )
والإشارة إلى عبور موسى عليه السّلام وقوم موسى للبحر ، وليس النيل ، كما هو موجود في النص ، والمقبل هو الذي ينجو من الخطر المحقق ، ويزل ، ثم يعود إلى وعيه ، وكلها من عطايا الحق سبحانه وتعالى ، لكن لم إذا يكن لديك اليقين في أن الله تعالى سوف ينجيك لا تضع نفسك في مواقع الخطر والزلل ، فمن منارة الغرور وعبادة الذات ، كم سقط كثيرون ممن لم يكن لهم هذا الإقبال ، فدقت رؤوسهم ، مثل قوم عاد الذين أهلكت ظواهرهم وبواطنهم بريح
 
« 494 »
 
الصرصر ، وإذا كنت لا تستطيع السير على الحبال فسر على الأرض ، وجناحاك من الورق فلا تطر بهما ، وهنا إشارة إلى قصة إسماعيل بن حماد الجوهري ، مؤلف الصحاح ، الواردة في معجم الأدباء لياقوت ( ج 6 / 157 ) إذا اعترته وسوسة فانتقل إلى الجامع القديم بنيسابور فصعد إلى سطحه وقال : أيها الناس إني عملت في الدنيا شئيا لم أُسبق إليه فسأعمل للآخرة أمرا لم أسبق إليه وضم إلى جنبيه مصراعي باب وربطهما بحبل وصعد مكانا عاليا من الجامع وزعم أنه يطير فوقع فمات .
 
( 1361 - 1365 ) : يعود مولانا إلى قصة المريض والصوفي في بيت واحد ثم ينتقل إلى الحديث عن تقدير عواقب الأمور ، ولو أن ذلك الطائر قدر عواقب الأمور لرأى حبل الشراك ولم ير الحبة ، ولو أن كل امرئ نظر إلى عواقب الأمور لحفظ جسده ونفسه من مصائب كثيرة ، وسيدنا محمد صلى اللَّه عليه وسلّم هو النموذج لتقدير العواقب وهو القائل [ ما رأيت في الخير والشر كاليوم ، إنه صورت الجنة والنار حتى رأيتهما ، دون الحائط ] ( أحاديث مثنوى / ص 199 ) .
 
( 1366 - 1387 ) : إن النظر إلى العاقبة يستوى مع النظر إلى العدم كأساس للوجود ويشير مولانا إلى أنه تحدث عن هذا الموضوع كثيراً ( انظر على سبيل المثال لا الحصر ، الأبيات 492 إلى 496 والبيت 2595 من الكتاب الأول ، طبعة استعلامى والكتاب الثاني ، البيت 690 والكتاب الثالث البيتان 3373 و 3374 والكتاب الخامس الأبيات 1027 - 1036 ومواضع أخرى عديدة ) ويقدم مولانا بعض الأفكار الجديدة حول هذا الموضوع
 
( وان كان بعضها قدم أيضاً ) وتدور أيضاً حول فكرة أن الصانع لا يصنع فوق شئ مصنوع ، إن كل صنعة فكرة ، البداية من العدم ، ثم بناء على عدم ، فالوجود قبل أن يكون صوريا يكون فكرة ويكون خيالًا ثم يكون حقيقة وبناء ، ومن ثم فإن من سذاجة الإنسان أن يهرب من هذا العدم ولا يطلب منه : فيطلب العلم من المدارس مع أن علم المدارس علم متغير ومتبدل ، ويطلب
  
« 495 »
  
الزرع من الأرض ، ويطلب الكسب من الحوانيت ، إن كل بحث أوله العدم ، فكيف يتوقى الإنسان من العدم وكيف يهلع منه ؟ إن العدم هو الوجود غير المرئى وهو الوجود المطلق ( انظر أيضاً الأبيات 809 ، 810 ، 922 ، 2779 ، 3577 من الكتاب الذي بين أيدينا ) إن العدم هو بحر المراد ، فالموت زاد بينما نسميه عدما ورقى بينما تعتبره تنزلا وبداية بينما تعتبره أنت نهاية ، ما هذا الظن السىء ، وكيف تنظر إلى الوجود وهو عدم تفر من العدم وهو وجود ؟ إنه سر صنعته التي لا تعرف عنها شيئاً وسوف تعرف ذلك غداً ( لتفصيل هذه الفكرة انظر الكتاب الخامس الأبيات 421 - 459 وشروحها ) .
 
( 1389 ) : الحكاية الواردة هنا كما أشار مولانا منقولة عن فريد الدين العطار دون تحديد لمنظومة . وهي واردة في مصيبت نامه للعطار ( ص 276 من نسخة تحقيق د . نوراني وصال ، تهران ، زوار ، 1338 ه . ش ) وواضح أن الطفل هنا نموذج للعبد الذي لا يعرف لطف الحق ويفرمنه ، وأم الطفل رمز للطبع والنفس ومحمود رمز لسلطان السلاطين الذي ينظر إلى قهره ولا يدرى أحد لطفه ( استعلامى 6 / 290 ) .
( 1392 ) : يشير إلى مولانا إلى أن القصة موجودة بتفصيلاتها عند العطار ، والحقيقة أنها لا تزيد في تفصيلاتها عما يرويه مولانا جلال الدين هنا .
 
( 1406 - 1412 ) : يقدم مولانا المستفاد من الحكاية : فمحمود في رأى مولانا هو الفقر الذي تخوف منه دائما أم الطبع أو النفس التي يسول لها الشيطان الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ ( البقرة 268 )
ولو علم كل إنسان قيمة الفقر وأن المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم فخر به فقال [ الفقر فخرى ]
ودعا لنفسه به فقال [ اللهم أحيني مسكيناً وأمتنى مسكيناً واحشرنى في زمرة المساكين ] لدعا الله أن يجعله في هذا الطريق المحمود العاقبة ( انظر الكتاب الأول البيت 2357 والكتاب الخامس البيت 674 والأبيات 715 - 717 وشروحها )
وأنها أم الطبع تلك التي تخوفك من الفقر مثلما كانت أم الغلام الهندي تخوفه من السلطان محمود بالرغم من 
 
« 496 »
  
أنه رأى على يد محمود من الإقبال ما لم يكن يحلم به ، فإذا سلك طريق الفقر فإنك سوف تبكى سروراً مثلما كان الغلام الهندي يبكى في حضرة محمود . وهكذا يأخذ الجسد طريق روحك ويخدعك بأنه يربيك ويظهر رقة مفسدة ، ورقة الأم دائماً ما تكون مفسدة بل يلزم أب العقل ، وقسوته أكثر فائدة للطفل من رقة الأم وحنانها ، وهذا الجسد ظلوم ، لأنه يسد عليك طريق الروح ، ويوهمك أن فيه الحماية لك في حين أنه كهذا الدرع المكون من حلقات متراصة لا يرد حرّاً ولا يحمى من برد .
 
( 1413 - 1429 ) : لكن هذا الجسد ، هذا الرفيق السىء لازم للطريق ولا يخلو من فائدة ، فإنه يعلم الصبر ويجعلك دائماً منتبهاً إلى الطريق ، ويشرح الصدر لأن صبرك هو طريق الفرج ، ثم هل يتجلى القمر إلا في ظلمة الليل ؟ وهل يتجلى جمال الورد إلا إذا كان محاطاً بالأشواك ؟ ( لتفصيل الفكرة انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الرابع والأبيات 575 - 581 من الترجمة العربية للكتاب الخامس وشروحها ) ،
أنظر إلى الصبر كيف يحول الفرث والدم إلى لبن سائغ للشاربين ؟ أو أقرأ قوله تعالى وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ ( النحل 66 )
أو فارجع إلى أول بيت في الكتاب الثاني ( تنبغى مهلة كي يصير الدم لبناً سائغاً ) ، وألم يكن كل ما ناله الأنبياء من دولة سرمدية خالدة نتيجة صبرهم على المنكرين الكفار وعلى أذاهم ، دعك من كل هذا وانظر إلى الناس : أليس كل من تراه يحيا في رفاهية إنما يكون ذلك من صبره على كسبه وتحمله ، وبالتالي فأن كل من لم يمارس كسباً بصبر بقي عارياً محروماً ، وهكذا فإنك إن لم تصبر على الأليف الوفي لا نقطعت عنه ووقعت بين براثن الآفلين ، علمت إذن من هو الأليف الوفي ، ومع من ينبغي أن يكون أنسك ، مع الذي لا يأفل ، مع من تزداد بالألفة معه علماً وعطاءً كالذهب النضار ،
مع ذلك الذي يقدر عملك ، يجيزك على الحبة بسبعمائة حبة وقد يضاعف لك ، إنه أعلم بطبعك ، وأعلم بما يرضى هذا الطبع ، تراك تترك هذه الألفة
 
« 497 » 
 
العظيمة ، ثم تمضى وتكون ألفتك مع الذئاب ! ! دعك من الذئاب ، ولتكن ألفتك مع تلك الروح الجميلة، تلك الروح الأليفة التي لا تضيعك ولا تخوفك ولا تبيعك ولا تلقى بك في بئر الغرور.
.
* * * 
* * *

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: