الثلاثاء، 1 سبتمبر 2020

04 - قصة ذلك الصياد الذي كان قد لف نفسه في العشب .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

04 - قصة ذلك الصياد الذي كان قد لف نفسه في العشب .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

قصة ذلك الصياد الذي كان قد لف نفسه في العشب .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

[ قصة ذلك الصياد الذي كان قد لف نفسه في العشب ]
حكاية ذلك الصياد الذي كان قد لف نفسه في العشب ووضع باقة ورد
وشقائق كالقلنسوة فوق رأسه حتى تظنه الطيور عشباً ،
وذلك الطائر الذكي فهم بعض الفهم أنه إنسان وقال في نفسه :
لم أر نباتاً على هذا الشكل ، لكن لأنه لم يكن تام الفهم اغتر بوسوسته ذلك أنه لم يكن يقطع في البداية للإدراك الأول ، وقطع بإدراك المكر الثاني هو الحرص والطمع لا سيما عند فرط الحاجة والفقر ، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : كاد الفقرأن يكون كفراً ! !
 
440 - ذهب طائر إلى وسط المرج ، وكان هناك فخ من أجل الصيد .
- وبضع حبات ملقاة على الأرض ، وذلك الصياد كمن مترصداً .
- كان قد لف نفسه ، في الأوراق والأعشاب ، حتى يسقط الطائر المسكين من طريقه ! !
- وتقدم الطائر الصغير منه وكأنه يجهله ، ودار دورة ثم تقدم من الرجل سريعاً
- وقال له : من أنت يا لابس الأخضر ، يا " مقيما " في الصحراء بين هذه الوحوش .
 
445 - قال له : إنني رجل زاهد ، صرت منقطعاً وقانعاً هنا بالعشب .
- وقد اخترت الزهد والتقوى دنيا ومذهبا ، ذلك أنني كنت أرى الأجل " ماثلا " أمامى .
- لقد وعظني موت الجار ، وحطم كسبى وحانوتى .
- وما دمت سأبقى آخر الأمر فرداً ، لا ينبغي أن أعاشر كل رجل وامرأة .
- وما دمت سأتجه في آخر الأمر إلى اللحد ، فمن الأفضل أن يكون الفتى مع الأحد .
 
« 67 »
 
450 - وما داموا سيقومون بربط ذقنى أيها الجميل ، فمن الأفضل أن اقلل من حركة الذقن " في الحديث " ! !
- ويا من ألفت الملابس والأحزمة المذهبة ، أليست نهايتك الكفن ؟ ! !
- لنتجه إلى التراب ما دمنا قد نبتنا منه ، فلما ذا تعلق القلب بمن لا وفاء عندهم ؟ ! !
- إن جدودنا وأقاربنا الأقدمين هم الطباع الأربعة ، ونحن قد طمعنا في قرابة مستعارة
- وإن جسم الإنسان قد صحب العناصر واقترن بها لسنوات عديدة .
 
455 - وروحه في حد ذاتها من النفوس والعقول ، لكنه نكص عن روحه الأصيلة
- ومن النفوس والعقول المليئة بالصفاء ، يأتيه خطاب إلى الروح قائلا : يا عديمة الوفاء ! !
- لقد وجدت أصحاباً لا قيمة لهم يستمرون معك خمسة أيام ، فهل أشحت بالوجه عن الرفاق القدماء ؟ ! !
- والأطفال وإن كانوا سعداء باللعب ، إلا أن ذويهم يجرونهم ليلا نحو الدار ! !
- لقد خلع الطفل الصغير ملابسه عند اللعب ، فسلب اللص خفية قباءه ونعله .
 
460 - لقد انهمك في اللعب حتى نسي تلك القلنسوة وذلك القميص .
- وحل الليل وصار لعبه بلا لذة ، ولا وجه لديه حتى يعود إلى الدار .
- وألم تسمعأَنَّمَا. . .الدُّنْيا لَعِبٌ، وأضعت بضاعتك أدراج الريح وصرت هلعاً ؟ !
- فابحث عن الثوب قبل أن يحل الليل ، ولا تضيع النهار في القيل والقال .
- ولقد اخترت " أنا " خلوة في الصحراء ، إذ رأيت الخلق سارقين للثياب .
 
« 68 »
 
465 - ونصف العمر ضاع في طلب المحبوب ، ونصفه الآخر في الأحزان التي يسببها الأعداء .
- لقد سرق هذا الجبة وسرق ذاك القلنسوة ، ونحن غارقون في اللعب كالأطفال الصغار .
- والآن ، وقد حل ليل الأجل ، خل هذا اللعب ، كفاك ، لا تعد ! ! « 1 » .
- هيا واركب " مركب " التوبة والحق باللص ، وخذ ثيابك منه وعد .
- ومركب التوبة مركب عجيب ، إنه يصل من الحضيض إلى الفلك في لحظة واحدة .
 
470 - لكن داوم على حفظ مركبك من ذلك الذي سرق قباءك خفية .
- حتى لا يسرق مركبك أيضا ، فاحفظ مركبك هذا لحظة بلحظة .
 
حكاية ذلك الشخص الذي سرق اللصوص كبشه ولم يكتفوا
بذلك بل سرقوا ثيابه أيضاً بالحيلة
 
- كان لأحدهم كبش ، وكان يسحبه من ورائه ، فقطع اللص الحبل وسرق الكبش .
- وعندما انتبه ، أخذ يجرى ذات اليمين وذات اليسار حتى يجد سارق الكبش .
- فرأى ذلك اللص على حافة البئر ، وقد أخذ يصرخ قائلًا ووايلتاه ! !
 
475 - فقال له : لماذا تصرخ أيها الأستاذ ؟ ! فقال : لقد سقط كيس ذهبي في البئر .
- فلو استطعت النزول واستخراجه ، أعطيك خمسة عن طيب خاطر .
..............................................................
( 1 ) الشطرة الثانية بالعربية في النص .
 
« 69 »
 
- تأخذ خمس المائة دينار في يدك ، فقال في نفسه : إن هذا المبلغ ثمن عشرة كباش ! !
- فإذا كان بابٌ قد أغلق فقد فتح بدلًا منه عشرة أبواب ، وإذا كان كبش قد فُقِدَ ، فقد عوضنى عنه الله بجمل
- وخلع ملابسه ونزل إلى البئر ، فحمل ذلك اللص الملابس سريعاً .
 
480 - فينبغي حازمٌ حتى يطوى الطريق إلى القرية ، وإن لم يكن حزم فإن الطمع يأتي بالطاعون .
- إنه لص ديدنه الفتنة ، وهو كالخيال ، له صورة مختلفة في كل لحظة .
- ولا يعلم مكره إلا الله ، ففر إلى الله ، وانج من ذلك المحتال .
 
مناظرة الطائر مع الصياد عن الترهب ومعنى الترهب وأن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم
نهى عنه قائلًا : « لا رهبانية في الإسلام »
 
- قال له الطائر : أيها السيد ، لا تتوقف في الخلوة ، فليس الترهب طيباً في دين أحمد ! !
- لقد نهى عن الترهب ذلك الرسول ، فكيف تعلقت ببدعة أيها الفضولي ؟ ! !
 
485 - إن الجمعة شرط والجماعة في الصلاة ، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .
- وتحمل إيلام الأشرار بصبر ، ونفع الناس كالسحاب ! !
- إن خير الناس أنفعهم للناس أيها الأب ، وإن لم تكن حجراً فلم تصاحب المدر ؟ ! !
- فعش بين الأمة المرحومة ، ولا تترك سنة أحمد ، واخضع للحكم .
- قال : إن عقل من لا رسوخ له ، هو في رأى العاقل بمنزلة الحجر والمدر .
 
« 70 »
 
490 - مثل الحمار خبزه أمنية ، وصحبته هي عين الرهبانية .
- ذلك أن كل ما هو غير الحق يصير رفات ، كل آت بعد حين فهو آت « 1 » .
- « 2 » وحكمه هو نفس حكم قبلته ، فسمه ميتاً ما دام باحثا عن الميتة .
- فكل من يكون مع هؤلاء القوم يكون راهبا ، والحجر والمدر رفيقان له « 3 » .
- حتى الحجر والمدر لم يقطعا الطريق على أحد ، ومن " هؤلاء الخلق " كالمدر يحدث مئات الآلاف من الأذى .
 
495 - قال له الطائر : إذن فالجهاد فرض عندما يقف مثلُ قاطع الطريق هذا في وسط الطريق .
- ومن أجل الحفظ والعون والنزال ، يأتي الرجل الشجاع إلى الطريق غير الآمن .
- ويظهر عرق الرجولة في ذلك الوقت الذي يلتقى فيه المسافر بالأعداء في الطريق .
..............................................................
( 1 ) الشطرة الثانية بالعربية في المتن .
( 2 ) ج : 13 / 208 :
- وكل شئ هالك إلا ذلك الوجه * فالملك والملكوت انعكاسان لذلك المالك 
- وبالرغم من أن الظل انعكاس للمرء يا بنى * إلا أنك لن تستطيع أن تستفيد من ظل قط المالك 
- ولا ظل يكون سائراً دون صاحبه * فامض إلى أصل الظل يا رفيق القافلة 
- انتبه ولا تطلب من ظل المرء * ودعك من السبب وامض إلى المسبب 
- فالصديق الجسماني صائر إلى الموت * وصحبة شؤم ، يجب تركها 
( 3 ) ج : 13 / 209 :
- ودعك من الحجر والمدر اللذين لا وجود ( حقيقي ) لهما ، وامض صوب ذلك المنجم من أجل الجود
 
« 71 »
 
- ولما كان ذلك الرسول هو نبي السيف ، فإن أمته " تتكون " من شاقى الصفوف والفحول .
- فالمصلحة في ديننا هي الحرب والمعمعة، والمصلحة في دين عيسى هي الغار والجبل «1».
 
500 - قال " الصياد " : نعم إن كان هناك مئونة وقوة، حتى يهجم بقوته على الشر والفتنة «2» .
- وعندما لا تكون قوة ، فمن الأفضل التوخى فتعلق آنذاك بيسر بقوله " الفرار مما لا يطاق " ( من سنن المرسلين ) ! ! « 3 » .
- قال : " ينبغي صدق القلب في الأمور ، وإلا فان الأصدقاء ليسوا بقليلين بالنسبة لصديقهم " !! 
- فكن صديقاً حتى ترى الأصدقاء بلا عدد ، ومن لا أصدقاء له يبقى بلا مدد .
- إن الشيطان بمثابة الذئب وأنت كيوسف ، فلا تترك جوار يعقوب أيها الصفى .
 
505 - والذئب في الأغلب آخذ لتلك الشاة التي تنبت عن القطيع وتسير وحدها .
- وذلك الذي ترك السنة مع الجماعة ، ألم يسفك دمه في هذا المكان الملىء بالوحوش ؟ ! !
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 209 :
- لقد أعطى لكل إنسان مصلحته على حدة ، فابحث عن المصلحة إن كنت رجل الله
( 2 ) ج : 13 / 209 :
- فتنبغى قوة في هذا الطريق كالرجل ، وينبغي صديق في هذا المكان نسيج وحده
( 3 ) ج : 13 / 209 :
- والصنعة هنا أيها العزيز الشهير ، وفكر وانظر إلى عاقبة الأمور
 
« 72 »
 
- فالسنة هي الطريق ، والجماعة هي الرفيق ، وتسقط في المضيق دون طريق ودون رفيق !! «1» .
- وليس برفيق طريق الذي يكون خصماً للعقل ، فهو يهتبل الفرصة لكي يسلبك ثوبك .
- إنه يسير معك حتى يجد مكاناً خالياً يستطيع فيه أن ينهبك « 2 » .
 
510 - أو يكون جبان القلب عندما يرى الخوف ، يلقى الدروس من أجل الرجوع .
- انه من جبن قلبه يخوف الرفيق ، فاعلم أن مثل هذا الرفيق عدو وليس ولياً « 3 » .
- إن الطريق هو تضحية بالروح وفي كل دغل ، آفة تدفع كل هلع هش الروح « 4 » .
- ومن هنا فطريق الدين ملىء بالمخاطر والفتن ، وهو ليس طريق كل مخنث الأصل .
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 209 :
- وأفضل طريق هو طريق السنة والجماعة ، والجواد يسير جيداً مع الخيل .
- لكن لا تعتبر كل ضال رفيقا لك في السير ، ولا تعتبر الغافلين النيام أيقاظا .
( 2 ) ج : 13 / 210 :
- وباحث عن رفيق طريق تجد منه المدد * مشارك في القلب وفي الألم باحث عن الأحد
( 3 ) - إنه يمضى ، معك من أجل نفعه ، حذار ولا تشرب من عسله فهو وخز
( 4 ) ج : 13 / 210 :
- والصديق السىء حية فاهرب منه ، حتى لا يصب عليك السم ذلك السىء الطوية 
- إنه يضل الرفيق عن الطريق ذلك القاطع للطريق ، ولا يكون رجلًا ذلك الذي يقع تحت أمره
 
« 73 »
 
- وفي الطريق ، هذا الخوف امتحانات للنفوس ، يكون كالمنخل في تمييز النخالة .
 
515 - فما هو الطريق ؟ إنه الملىء بآثار الأقدام ، ومن هو الرفيق ؟ إنه سلم الآراء .
- ولأفرض أن الذئب لم يلحق بك لأنك احتطت له ، إنك بدون الجماعة لن تجد هذا السرور « 1 » .
- إن ذلك الذي يسير وحيداً وسعيداً في الطريق ، يكون مسيره مع الرفاق أضعاف مسيره " وحده " .
- والحمار مع غلظته أيها الفقير ، ينشط من رفاقة ويصير قابلا للقوة .
- وكل حمار يسير منبتا عن القافلة ، يكون ذلك الطريق عليه مائة ضعف من التعب .
 
520 - فهو يتعرض كثيرا للوخز والضرب بالعصا حتى يقطع وحيدا هذه الصحراء .
- وذلك الحمار يحدثك فاستمع جيدا ، يقول لك : إن لم تكن حمار لا تسر وحدك هكذا .
- وذلك الذي يسير سعيداً وحيدا في مفترق الطرق، هو مع الرفاق يسير أكثر سعادة بلا شك.
- وكل نبي في هذا الطريق الصحيح ، أبدى المعجزة وبحث عن الصحاب .
- وإن لم تكن رفقة للجدران ، فمتى تقوم المنازل والمخازن .
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 210 :
- ومتى يسير كل ضال في طريق الدين ، ينبغي حازم يكون رجل طريق .
 
« 74 »
 
525 - وإذا كان كل جدار قد انتصب وحيدا ، فكيف يكون السقف ؟! أيكون معلقا في الهواء؟! 
- وإن لم تكن رفقة بين المحبرة والقلم ، متى كانت الحروف تكتب على الأوراق ؟!
- وذلك الحصير الذي يبسطه إنسان ، إن لم يتصل ببعضه تحمله الريح .
- وعندما خلق الحق من كل جنس زوجين ، ظهرت الجماعة من نتاجهما .
- لقد قال هذا " الصياد " وقال هذا " الطائر " جدلا ، وطالت مناقشتهما في هذا المعنى .
 
530 - فاجعل " المثنوى " خفيفا ومرغوباً ، وأوجز ما حدث وأقصر في " قصه " « 1 » .
- قال " الطائر " بعد ذلك " لمن هذا القمح " ، قال : إنه أمانة من يتيم بلا وصى .
- إنه مال أيتام وأمانة عندي ، ذلك لأنهم يتوسمون فىّ الأمانة .
- قال : إنني مضطر وسىء الحال ، والميتة في هذه الحال لي حلال .
- هيا : لآكل من هذا القمح بإذنك أيها الأمين والزاهد المحترم ! !
 
535 - قال : إنك الذي أفتيت بالضرورة ، وإذا أكلت بلا ضرورة صرت مجرماً ! !
- وحتى وأن وجدت الضرورة فالعفاف أولى أيضاً ، وأن أكلت فلعلك تؤدى ضمانه .
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 211 :
- عندما وقعت أنظار الطائر على القمح ، نفد صبر نفسه وتفتحت
 
« 75 »
 
- فغاص الطائر في نفسه تلك اللحظة كثيرا ، وسحب جواده رأسه من جذب العنان .
- وعندما أكل ذلك القمح سقط في الفخ ، وقرأ سورتي " يس " و " الأنعام " عدة مرات .
- وبعد العجز والسقوط ما الأسف وما الآه ؟ كان هذا التفجع واجبا قبل الآن .
 
540 - وفي ذلك الزمان الذي يتحرك فيه الحرص والهوس ، داوم على الدعاء قائلا : يا مغيث ! ! « 1 » .
- في تلك اللحظة ، أي قبل خراب البصرة ، ربما كانت البصرة ، تنجو من تلك الهزيمة .
- " أبك لي يا باكيى يا ثاكلى ، قبل هدم البصرة والموصل .
- نح على قبل موتى واغتفر ، لا تنح لي بعد موتى واصطبر 
- ابك لي قبل ثبورى في النوى ، بعد طوفان النوى حل البكا " « 2 » .
 
545 - وفي ذلك الزمان الذي يصبح فيه الشيطان قاطع طريق ، ينبغي أن تقرأ يس .
- وقبل أن تصير القافلة بددا ، دق عصيك ذلك الزمان أيها الحارس
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 211 :
- قبل أن تجرح الحبة حلقك ، تصبح حرارة حرصك كالثلج - تفجع وتألم في تلك اللحظة ، وشرد الحرص أيها الذكي .
( 2 ) بالعربية في المتن .


« 76 »
« 1 »  
نام حارسٌ فسرق اللص المتاع ، ودفن البضائع تحت كل تل .
 
- وطلع النهار واستيقظت تلك القافلة ، فرأت أن البضائع والمال والإبل قد ضاعت « 2 » .
- ثم قالوا له : قل أيها الحارس ، ما ذا حدث لهذه البضائع وأين هذا المتاع ؟ ! !
 
550 - فقال : لقد جاء اللصوص منقبين ، وسلبوا البضائع وأسرعوا من أمامى .
- فقال له القوم : يا من أنت مثل تل الرمل ، ما ذا كنت تفعل ومن تكون إذن أيها الميتة ؟ ! !
 
- قال : كنت شخصا واحدا وكانوا جماعة مسلحة شجاعة ذات هيبة ! !
- قالوا : إذا كان أملك في الحرب ضئيلًا ، فصح صيحة قائلا استيقظوا أيها الكرماء ! !
- قال : لأبدوا في تلك اللحظة الخناجر والسيوف قائلين اصمت وإلا قتلناك دون إمهال .
 
555 - ففي تلك اللحظة أغلقت فمي من الخوف ، وفي هذه اللحظة الاستغاثة والصراخ والعويل .
- في تلك اللحظة انقطع منى النفس فلا أنبس ، والآن لأنبه بالقدر الذي تريدون .
- وعندما يسلب عمرك شيطان الافتضاح ، تكون الفاتحة والمعوذتان بلا طعم .
- وإذا كان الصراخ الآن بلا طعم ، فاعلم يقينا أن الغفلة أكثر غثاثة منه ! !
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 225 :
- كان هناك حارس في إحدى القوافل ، كان حارسا على أموال ومتاع أولئك العظماء
( 2 ) ج : 13 / 225 :
- والحارس آخذ في الصياح والتنبيه ، وقد تحمس وكأنه من قطاع الطرق
 
« 77 »
 
- وهكذا دوام على النواح أيها الغث ، قائلا : أنظر إلى الأذلاء أيها العزيز .
 
560 - فأنت قادر في وقت أو في غير وقت ، ومتى فإنك شئ أيها الإله ! !
- إنه ملكُ " قائل " ( لا تأسوا على ما فاتكم )، فمتى يصير المطلوب في غير متناول قدرته؟!
 
!تحويل الطائر وقوعه في الفخ إلى فعل الزاهد ومكره واحتياله ،
وجواب الزاهد على الطائر
 
- قال ذلك الطائر ، هذا جزاء من يستمع إلى وسوسة الزهاد .
- قال الزاهد : لا بل هو جزاء ذلك الأحمق ، الذي يأكل أموال اليتامى ظلماً .
- ثم أخذ في النواح بحيث ارتعد الفخ والصياد ألماً .
 
565 - وأخذ يقول : لقد أنقصم ظهري من تناقضات القلب ، فتعال أيها الحبيب واربت على رأسي .
- وتحت يدك تستريح رأسي ، فيدك آية في عطاء الشكر .
- ولا تحسر ظلك عن رأسي ، فأنا مضطرب وشديد الاضطراب ! !
- فلقد جفا النوم عينىّ ، حزنا عليك ، يا من يحسدك السرو والياسمين .
- فإن لم أكن جديراً فماذا يكون لو أنك للحظة واحدة سألت عمن لا يستحق في حزنه ؟ ! !
 
570 - وأي استحقاق كان للعدم في حد ذاته ، حتى فتح لطفك مثل هذه الأبواب ؟ !
- فهل آذى الكرم التراب الأجرب ؟ لقد وضع في جيبه عشرة جواهر من نور الحس .
- خمسة حواس ظاهرة وخمسة باطنة ، منها صارت النطفة الميتة بشراً .
 
« 78 »
 
- والتوبة دون توفيق منك أيها النور السامي ، ماذا تكون إلا سخرية من لحية التوبة ! !
 
- وأنك لتقتلع شوارب التوبة شعرة شعرة ، والتوبة ظل وأنت قمر مضىء .
 
575 - فيا من منك خرب حانوتى ومنزلي ، كيف لا أنوح عندما تضغط على قلبي !! «1»
- وكيف أهرب ؟ ! ولا حي هناك بدونك ، ولا وجود لعبد دون ألوهيتك .
- فاقبض روحي يا من أنت أصل للروح ، ذلك أنى بدونك صرت ملولا من الروح .
- انني عاشق لفن الجنون ، وصرت ملولا من الفضل والذكاء .
- وما دام الخجل يمزقنى فلأبح بسرى على الملأ ، وكفى من هذا الصبر والاضطراب والارتعاد ! !
 
580 - كنت مختفيا في الحياء ، كالسجاف ، ولأقفز فجأة من تحت اللحاف ! !
- أيها الرفاق ، لقد سد الحبيب الطريق ، ونحن غزلان عرجاء وهو أسد الشرى ! !
- فما الحل سوى التسليم والرضا في كف الهزبر الورد سافك الدماء ؟ ! .
- إنه لا يأكل ولا ينام وكأنه الشمس ، ويجعل الأرواح دون طعام أو نوم .
- قائلا : تعال . . . وكن أنا أو تخلق بخلقى ، حتى ترى وجهي في التجلي .
 
585 - وإن لم تكن رأيته فكيف صرت مفتونا هكذا ؟! وكنت ترابا فأصبحت طالبا للأحياء !!
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 228 :
- ما دامت أموري لا تنتظم بدونك : متى يكون للأمور تمامها ؟ !
 
« 79 »
 
- وإن لم يكن قد أعطاك القوت من حيث لا جهة ، فلماذا بقيت عين روحك " مركزة " على تلك الناحية ؟ !
- إن القط عكف على الجحر ، لأنه صار مطعوما من ذلك الجحر .
- وقط آخر لا يزال يطوف على السطح ، لأنه وجد الطعام من صيد الطير .
- وصارت مهنة " النسج " قبلة لهذا ، وذلك الآخر يعمل حارسا من أجل الراتب .
 
590 - وثالث لا عمل له ، ووجهته اللامكان ، لأنك أعطيته القوت من تلك الناحية .
- إن عمله أنه صار مريدا للحق ، فقطعه عن كل عمل آخر من أجل عمله هذا .
- والآخرون كالأطفال يقومون باللعب هذه الأيام المعدودة حتى ليلة الترحال .
- والنؤوم الذي يهرب من اليقظة ، تغريه حاضنة الوسواس " الخناس " .
- قائلة له : امض فنم أيها الحبيب فلن نسمح أن يفزعك أحد من النوم .
 
595 - وأنت تقتلع نفسك من جذور النوم ، مثل ظمآن استمع إلى خرير الماء .
- وأنا خرير الماء أصل إلى أسماع الظامئين كالمطر من السماء .
- فانهض أيها الفاسق ، وأبد لهفتك ، فهذا خرير الماء وأنت ظمآن . . . ثم تنام ؟ ! !
 
حكاية ذلك العاشق الذي جاء ذات ليلة إلى تلك الحجرة على أمل وعد المعشوق
إذ وأعدته فيها ، وانتظر شطرا من الليل ثم غلبه النوم ، وجاءت المعشوقة لإنجاز
وعدها فوجدته نائما فملأت جيبه بالجوز وتركته نائما ومضت
 
- كان هناك عاشق فيما مضى من أيام ، كان في زمنه حافظا للعهد .
- وظل سنوات على أمل وصار قمره ، مهزوما ومغلوبا من مليكه .
 
« 80 »
 
600 - وفي النهاية . . . من جد وجد ، والفرج يتولد من الصبر .
- قالت له محبوبته ذات يوم ، تعال الليلة ، فقط طبخت من أجلك لوبياء .
- واجلس في الحجرة كذا حتى منتصف الليل ، وأوافيك آنذاك دون طلب منك .
- فذبح الرجل أضحية ووزع الخبز ، عندما أطل قمره مما وراء الغمام .
- وفي الليل جلس في تلك الحجرة ذلك المحزون ، على أمل وعد ذلك الحبيب الحميم .
 
605 - وعند منتصف الليل جاءت فاتنته تلك بصدق وعد تلك الحبيبة .
- فوجدت عاشقها ممددا ونائما ، فمزقت جزءا من كم ثوبه .
- ووضعت عدة جوزات في جيبه ، قائلة : إنك طفل ، خذ هذا والعب به النرد .
- وعندما استيقظ العاشق من النوم في الفجر ، رأى الكم والجوز .
- فقال : إن مليكنا كله صدق ووفاء ، أما ما يحدث لنا فهو منا .
 
610 - فيا أيها القلب الذي لا ينام ، نحن آمنون من هذا " المصير " ، ونحن كالحرس ندق عصى الحراسة على السطوح ! !
- وجوزنا قد تحطم في هذا المطحن ، وكل ما نقوله عن أحزاننا قليل ! !
- ويا أيها العاذل كفاك دعوة لنا إلى أشغال العالم ، وبعد هذا قلل من نصح المجنون .
- إنني لن أسمع بعد إغواء الهجران ، لقد جربته ، فحتام أجربه ! !
- وكل ما هو سوى الفتنة والجنون ، يعد غربة في هذا الطريق .
 
615 - هيا وضع على قدمي هذا القيد ، فلقد حطمت سلسلة التدبير .
- وغير تلك الجدائل التي هي لحبيبى صاحب الإقبال ، لو أتيت بمائة غل حديدى أحطمها .
 
« 81 »
 
- أعشق ونخوة ؟!! لا يتفقان أيها الأخ ، ولا تقف أيها العاشق على باب الكبرياء والنخوة !!
- لقد حان الوقت الذي أصبر فيه عريانا ، أترك الصورة وأصير بأجمعى روحاً .
- فتعال ، يا عدو الحياء والفكر ، فلقد مزقت حجب الخجل والحياء .
 
620 - ويا من عقدت بالسحر نوم الروح، إنك قاسى القلب أيها الرفيق ، لأنك في هذا العالم.
- فهيا وأمسك بحلق الصبر واضغط عليه ، حتى يسعد قلب العشق ، أيها الفارس ! !
- ومتى يسعد قلبه ما لم احترق ؟ ! يا من قلوبنا أهله ومنزله .
- إنك تحرق ومنازلنا ، فاحرقها ، فمن هذا الشخص الذي يقول : لا يجوز .
- احرقها تماما هذه الدار ، أيها الأسد الثمل ، فهكذا أولى بمنزل العاشق .
 
625 - وبعدها أجعل من هذا الحريق قبلة ، وذلك لأننى شمع أضىء بالاحتراق .
- واترك النوم الليلة أيها الأب ، ومر ليلة بحي الذين لا ينامون .
- وأنظر إليهم فقد صاروا مجانين ، وقتلوا بالوصل كالفراش .
- وانظر إلى سفينة الخلق هذه قد غرقت في العشق ، وحلق العشق تخاله قد صار أفعى ! !
- أفعى غير مرئية سالبة للقلب ، والعقل كالجبل وهي " كالمغناطيس " ! !
 
630 - وعقل كل عطار صار منتبها إليها ، أراق كل جعبة في النهر .
- قائلا : امض ، إنك لن تأتى من هذا النهر إلى الأبد ، " لم يكن حقا له كفوا أحد " .
- ويا أيها المزور ، افتح عينيك وانظر ، حتام تقول : لا اعلم هذا وذاك ! !
 
« 82 »
 
- واخرج من وباء الاحتيال والحرمان ، وادخل في عالم الحي القيوم .
- حتى تصبح عدم رؤيتك رؤية مستمرة ، وتصبح كل عدم معرفتك معرفة دائمة .
 
635 - واعبر مرحلة السكر ، وكن واهبا للسكر ، وانتقل من هذا التلون إلى الاستواء معه ! !
- فحتام تفخر بهذا السكر كفاك ، إن على باب كل حي كثيرا من السكارى .
- وإذا امتلأ العالمان بسكارى الحبيب ، لكانوا جميعا واحدا ، وهذا الواحد ليس بالهين .
- إن هذا من كثرته لا يجد ذلة ، ومن يكون الذليل ؟ ! عابد الجسد ، السائر إلى النار « 1 »!
- وإذا صارت الدنيا مليئة بنور الشمس ، متى تكون ذليلة تلك الحرارة حسنة السطوع ؟
 
640 - لكن اعلُ مع هذه الجماعة وتبختر ، ما دامت أرض الله واسعة ومهيأة .
- وهذا السكر وإن كان كالبازى الأشهب، فهناك ما هو أسمى منه في الأرض المقدسة«2»!!
-  فاذهب وكن إسرافيل في تميزه ، واهبا للروح ثملا صانعا للسكارى .
- وعندما صار قلب الثمل ميالا إلى المزاح ، صار ديدنه أن يقول : لا أعلم هذا ، ولا أعلم ذاك ! !
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 238 :
- وإذا كان العالم مغطى بضوء القمر ، متى يكون كاسد أمام صاحب القلب .
( 2 ) ج : 13 / 239 :
- والثمل من الأبرار المقرب أفضل منه ، واسده بالنسبة للمقرب كالثعلب .
 
« 83 »
 
- فمن أي شئ قوله هذا ، لا أعلم ولا أعلم ، حتى تقول من هو هذا الذي نعلمه ؟ !
 
645 - إنه نفى من أجل الإثبات هذا الكلام ، اترك النفي وابدأ بما ثبت .
- انتبه ودعك من قول " ليس هذا " ، و " ليس ذاك " ، وقدم ما هو موجود بالفعل .
- واترك النفي ، وابعد نفس ذلك الوجود ، وتعلم هذا أيها الأب من ذلك التركي الثمل .
 
[ حكاية الأمير التركي المخمور والمطرب ]
استدعاء الأمير التركي المخمور للمطرب وقت الصبوح وتفسير هذا الحديث :
[ إن لله تعالى شرابا أعده لأوليائه إذا شربوا سكروا وإذا سكروا طابوا ] . . .
إلى أخره : إن الخمر لتجيش في دن الأسرار . . . ليشرب كل مجرد من تلك الخمر قال تعالى :إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ . . .هذه الخمر التي تشربها أنت حرام . . . ونحن لا نشرب إلا الخمر الحلال جاهد حتى تصير وجودا من العدم . . . وتصير ثملا بشراب الله - انتبه أعجمي تركى وقت السحر ، ومن خمار الخمر ، طلب مطربا .
 
- إن مطرب الروح هو مؤنس السكارى ، ويكون نُقلا وقوتا وقوة للثمل .
 
650 - فإن المطرب يجرهم نحو السكر ، ثم يتذوق السكر من نفس المطرب .
- وذاك يحمل شراب الحق بذاك المطرب ، وهذا يتجرع شراب الجسد من هذا المطرب ! !
- هذا وإن كان كلاهما عند الحديث يحمل لقباً واحداً ، لكن شتان بين " حسن " هذا و " حسن ذاك " ! !
- وهناك لبس في اللفظ عند البيان ، لكن أين السماء من الحبل « 1 » .
..............................................................
( 1 ) هنا تلاعب لفظي بين حبل " ريسمان " ، وسماء " آسمان " .
 
« 84 »
 
- والاشتراك في اللفظ دائما ما يقطع الطريق ، كاشتراك المؤمن والمجوسي في الجسد .
 
655 - والأجساد كالجرار مغلقة الفوهة ، ولكي تعلم ما في الجرة انظر إليها ! !
- فجرة ذلك الجسد مليئة بماء الحياة ، وقدر هذا الجسد ملىء بالسم القاتل .
- فإذا نظرت إلى المحتوى فأنت ملك ، وإذا نظرت إلى الغلاف فأنت ضال .
- فاعلم أن اللفظ شبيه بهذا الجسد ، ومعناه في داخله شبيه بالروح .
- وعين الجسد دائما ما تكون ناظرة إلى الجسد ، وعين الروح ناظرة إلى الروح المليئة بالفنون ! !
 
660 - ومن ثم فمن صورة ألفاظ المثنوى ، يكون العاكف على الصورة ضالا ، أما المعنوي فهو مهتدى ! !
- وقد قال في القرآن . . . إن هذا القرآن يضل به كثيرا ويهدى به كثيراً .
- وبالله ، عندما ينطق العارف كلمة خمر ، متى تكون شيئا معدوما في رأيه ؟ !
- ولما كان فهمك أن المقصود هو خمر الشيطان ، متى يمكن أن تتخيل خمر الرحمن ؟ !
- إنهما شريكان : المطرب والشارب ، ذاك يأتي بذا وذا يأتي بذاك على وجه السرعة .
 
665 - إن من يعانون الخمار يشربون من نَفَس المطرب ، ويحملهم المطربون صوب الحان .
- ذاك رأس الميدان ، وهذه خاتمته ، وقد صار القلب كالكرة في صولجانه .
- والإذن إنما تمضى حيثما تمضى الرأس ، وإن كان في الرأس صفراء تتهوس بها .
 
« 85 »
 
- ثم يمضى هذان كلاهما إلى فقدان الوعي ، ويصير الوالد والمولود هناك واحدا .
- وعندما تصالحا معا السرور والألم ، أيقظ " تركينا " المطرب ! !
 
670 - وبدأ المطرب ببيت وهو نعسان ، قائلا " أنلني الكأس يا من لا أراك ! !
- أنت وجهي لا عجب ألا أراه ، غاية القرب حجاب الاشتباه .
- أنت عقلي لا عجب إن لم أك ، من وقور الالتباس المشتبك .
- جئت أقرب أنت من حبل الوريد ، كم أقل يا يا نداء للبعيد ؟
- بل الغالطهم . . . أنادى في القفار ، كي اكتم ما معي ممن أغار « 1 » « 2 » .
 
[ دخول ضرير إلى منزل المصطفى صلى اللّه عليه وسلم وهرب عائشة ]
دخول ضرير إلى منزل المصطفى صلى اللّه عليه وسلم وهرب عائشة رضي الله عنها من أمام الضرير . . .  وقول الرسول صلى اللّه عليه وسلم : لما ذا تفرين . . .
إنه لا يراك ، وجواب عائشة رضي الله عنها على الرسول صلى اللّه عليه وسلم
 
675 - دخل ضريرٌ على الرسول صلى اللّه عليه وسلم قائلا : يا واهب الزاد لتنور كل عجين.
- ويا أمير الماء ، إنني طالب السقيا ، المستغاث المستغاث يا ساقيى .
- وعندما دخل الضرير ، أسرعت عائشة من الباب على عجل من أجل الاحتجاب .
- ذلك أن تلك السيدة الطاهرة ، كانت تدرك أن الرسول يغار غيرة شديدة .
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن .
( 2 ) ج : 13 / 248 :
- هذا الكلام لا نهاية له أيها العزيز ، فاستمع إلى نقطة دقيقة يا صاحب التمييز .
 
« 86 »
 
- وكل من كان أكثر جمالًا فغيرته أشد ، ذلك أن الغيرة تحدث من الجمال أيها الأبناء .
 
680 - وعجائز النساء يهدين الزوج مخطية ، لأنهن عارفات بقبحه وشيخوخته وعجزه .
- ولما كان الجمال الأحمدي في الكونين ، " يستمد " من البهاء الإلهى العون .
- كان تنعم الدارين يصل إليه ، فكانت تلك الشمس المضاعفة تصاب بالغيرة .
- قائلة : لقد ألقيت الكرة في عطارد ، فخبئوا أيها النجوم وجوهكم .
- وأفنوا في شعاعى الذي لا نظير له ، وإلا افتضحتم أمام نوري .
 
685 - إنني أغيب كل ليلة كرما ، ومتى أمضى ؟ ! إلا أنني أبدى أنني أمضى ! ! 
- حتى تطيروا بدونى ليلا كالخفاش حول هذه الساحة .
- وحتى تعرضوا أجنحتكم كالطواويس ، وتصبحون ثملين معجبين بأنفسكم متمردين .
- ولا تنظرون إلى أقدامكم التي تصنع القبح ، مثل الحذاء الريفي الذي كان شمعا لإياز .
- ثم أبدى وجهي صباحا من أجل العقاب ، حتى لا تصيروا من " الأنية " من أهل الشمال .
 
690 - أترك هذا " الموضوع " فالكلام فيه يطول ، وقد نهى عن التطويل أمر " كن " .

« 87 »

- قال الرسول صلى اللّه عليه وسلم امتحانا لها ، إنه لا يراك ، فلا تحتجبى .
- فأشارت عائشة بيديها بما معناه : " إنه لا يراني ولكني أراه " .
- إن غيرة العقل على جمال الروح ، ملىء بالتشبيهات والأمثال عند هذا الكتاب الملىء بالموعظة .
- فمع كل هذا الخفاء الموجود للروح ، لماذا يكون العقل غيورا عليها إلى هذا الحد ؟ !


695 - فممن تختفى أيها الغيور ، ذلك الذي نوره حجاب وجهه ؟ !
- إن هذه الشمس تمضى دون نقاب ، وفرط نورها هو نقاب لوجهها .
- فممن تخفيها إذن أيها الغيور ، إن الشمس نفسها لا ترى منه أثرا ! !
- إن الغيرة تزداد في جسدي إلى حد أنني أريد أن أختفى من نفسي ! !
- ومن نار الغيرة الشديدة التي تهاجمنى ، أكون في حرب على عيني وأذنىّ .

700 - فما دامت عندك هذه الغيرة أيتها الروح والقلب ، أغلق فمك إذن واترك القول ! !
- وإنني أخشى إن صمت أن تمزق تلك الشمس الحجاب من ناحية أخرى ! !
- إن قولنا هذا يكون أكثر ظهوراً في الصمت ، فمن منعه يكون الميل إليه في ازدياد .
- فان جاش البحر يصير جيشانه زبدا ، ويصير غليانا لقوله جلا وعلا " أحببت أن أُعرف "!!
- والحديث هو إغلاق لتلك الكوة ، وعين إبداء الكلام هو إخفاؤه ! !

705 - فاصرخ كالبلابل مغرداً على وجه الوردة ، حتى تشغلهم عن شذى تلك الوردة !
 

« 88 »

- وحتى تتشغل آذانهم بالكلام ، ولا يتجه وعيهم إلى أريج الورود .
- وأمام تلك الشمس التي هي شديدة الضياء ، يكون كل دليل في الحقيقة قاطع طريق ! !

حكاية ذلك المطرب الذي بدأ في مجلس الأمير التركي بهذا الغزل : أأنت وردة أو سوسنة أو سروة أو قمر لا أدرى وما ذا تريدين من هذا الموله مسلوب القلب لا أدرى وصيام الأمير التركي له : قل ما تدريه . . . وجواب المطرب على الأمير

- وبدأ المطرب أمام التركي الثمل ، يغنى في إطار النغمات أسرار " ألست "
- لست أدرى أنت قمر أو وثن ، ولست أدرى ماذا تريدين منى

 710 - لست أدرى أي شئ أقوم به من أجلك هل أصمت أو أعبر عنك ؟ ! !
- والعجيب أنك لست منفصلة عنى ولست أدرى أين أنا وأين أنت .
- ولست أدرى كيف تقومين بجذبى ، كيف تجذبينى حينا إلى صدرك وحينا تمر غيننى في الدم .
- وهكذا فقد بدأ القول ب " لست أدرى " ، وجعل من " لست أدرى . . . لست أدرى " لحنا!!
- وعندما جاوزت " لست أدرى " الحد بشكل عجيب ، اجتاحت قلب " تركينا " الحرارة !!

715 - فقفز ذلك التركي وسحب هراوة ، حتى ينزل بها على رأس المطرب .
- فأمسك أحد قواده بالهراوة بيده ، وقال : لا . . . إن قتل المطرب في هذه اللحظة أمر سىء.

« 89 »

- قال : إن تكراره هذا الذي لا حد له ولا طعم له ، بوخ لذتى فلأدق رأسه ! !
- أيها الديوث ، لا تدرى ، إخسأ ، وأن كنت تعلم فادخل في الموضوع مباشرة .
- وقل أيها الأحمق ما تعلمه ، ولا تزد في " لست أدرى . . . لست أدرى " ! !

720 - وأنا أسألك من أين أنت ، أيها العنيد ، وأنت تقول : لا من بلخ ولا من هراة .
- «1» لا من بغداد ولا من الموصل ولا من طراز ، وتمط في "لا" ولا طريقها طويل !!
- قل إذن : أنا من ذلك المكان " واخلص " ، فإن تفصيل المقصود هنا من البله .
- أو أسألك : ما ذا أكلت على الإفطار ، فتقول لي : لا شراب ولا شواء « 2 »!!
- لا قديد ولا ثريد ولا عدس ، قل إذن ما أكلته فحسب .

725 - فلما ذا هذه الثرثرة الطويلة ؟ ! قال المطرب : لأن مقصودى خفى ! !
- إن الإثبات ليفر من أمام نفيك ، فنفيت حتى تشم رائحة عن الإثبات .
- إنني أجعل هذا اللحن قائما على النفي ، وعندما تموت يحدثك الموت بالسر .

تفسير قوله صلى اللّه عليه وسلم : موتوا قبل أن تموتوا مت أيها الصديق قبل الموت إن كنت تريد الحياة فإن إدريس من مثل هذا الموت صار إلى الجنة قبلنا
- لقد عانيت كثيرا ولا زلت في حجاب ، ذلك أنك لم تمت الموت الذي هو أصل الوجود .
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 268 :
- لا من الهند ولا من الروم ولا من الحبش ، ولا من الشام ولا العراق ولا باردين
( 2 ) ج : 13 / 269 :
- لا بقول ولا جبن ولا بصل ، لا لبن ولا سكر ولا عسل

« 90 »

- وما لم تمت ، لا يكون المعاناة تامة ، وبدون أن تتم السلم لا تأتى إلى السطح .

730 - وعندما تكون درجتان ناقصتين من مائتي درجة ، يكون الساعي غير مسموح له بالسطح .
- وعندما ينقص الحبل الذي يبلغ مائة ذراع ذراعا واحدا ، متى يأتي ماء البئر في الدلو ؟
- إنك لن تجد الغرق في هذه السفينة أيها الأمير ، إلا عندما تضع فيها " المن " الأخير .
- فاعلم أن " المن " الأخير أصل فهو " طارق " ، وهو الذي يغرق سفينة الوسواس والغى .
- وتسطع شمس الفلك الأزرق ، عندما تقوم بإغراق سفينة الوعي .


735 - وما دمت لم تمت فقد صار نزع الروح طويلا ، فانطفىء في الصباح يا شمع طراز .
- فاعلم أن شمس الدنيا مختفية ، حتى لا تختفى نجوم " ذواتنا "
- واضرب نفسك بالهراوة ، وحطم " الأنية " ذلك أن عين الجسد هي قطنة في الأذن .
- إنك تضرب نفسك بالهراوة أيها الدنى ، وهذه الأنية هي انعكاس صورتك في فعالي .
- قد رأيت صورتك في صورتي ، ونهضت لقتال نفسك .

740 - مثل ذلك الأسد الذي سقط في البئر ، لقد ظن أن خياله خصم له ! !
- والنفي هو ضد الوجود بلا شك ، حتى تعلم من الضد قليلا عن الضد .

« 91 »


- ولا إعلان في هذا الزمان إلا لنفى الضد ، وفي هذه النشأة لا توجد لحظة بلا فخاخ .
- وإذا أردت أن تكون بلا حجاب يا ذا اللباب ، اختر الموت إذن ومزق الحجاب .
- ليس ذلك الموت الذي تمضى منه إلى القبر، بل الموت التبديلى الذي تمضى منه في النور
 

745 - لقد صار منه رجلا بالغا وماتت تلك الطفولة ، وصار " في بياض " الرومي ومحيت عنه صبغة الزنجي .
- وانقلب التراب إلى ذهب ، ولم تبق له الهيئة الترابية ، وانقلب الحزن إلى فرح ، ولم تبق أشواك الحزن .
- ومن هنا قال المصطفى صلى اللّه عليه وسلم : يا باحثا عن الأسرار ، هل تريد أن ترى ميتا حيتا ؟ !
- تراه حيا يمضى على الأرض كالأحياء ، وهو ميت ، صعدت روحه إلى السماء
- ولروحه مسكن في الأعالي ، وإن يمت فلا انتقال لروحه .


750 - ذلك أنه قد انتقل قبل الموت ، وهذا يصبح مفهوما بالموت لا بالعقل .
- أنه يكون نقلا ، لا كانتقال العوام ، لكنه انتقال من مقام إلى مقام .
- وكل من يريد أن يرى ميتا يمشى على الأرض عيانا هكذا ،
- قل له انظر إلى أبى بكر التقى ، صار من صدقه أمير المحشرين .
- وانظر إلى الصديق في هذه النشأة ، حتى يزداد اعتقادك في الحشر .

« 92 »
 

755 - ومن ثم كان محمد مائة قيامة حاضرة ، ذلك أن حله وعقده ذابا في الفناء .
- إن أحمد هو المولود ثانية في الدنيا ، وكان هو مائة قيامة عيانا .
- وكانوا يسألونه عن القيامة قائلين : أيتها القيامة ، كم الطريق إلى القيامة .
- فكان يرد عليهم كثيرا بلسان الحال ، قائلا : أيسال إنسان من المحشر عن الحشر ؟ ! !
- ومن هنا قال ذلك الرسول صلى اللّه عليه وسلم حسن الرسالة سر [ موتوا قبل الموت يا كرام ] ! !


760 - مثلما مت أنا قبل الموت ، وأتيت من ذلك الطرف بالصيت والصوت .
- فصر قيامة إذن ، ثم انظر إلى القيامة ، وهذا هو شرط رؤية كل شئ .
- فما لم تصر إياه ، لا تعلمه تماما ، سواءً كان ذلك " الشئ " أنوارا أو ظلما ! !
- تصير عقلا ، فتعرف العقل بالتمام ، وتصير عشقا فتعلم ذبالة من العشق ! !
- ولو كان هناك جديرٌ بالقول ، لقلت برهان هذه الدعوى بوضوح ! !


765 - إن التين في هذا الناحية كثير جدا ورخيص ، إذا وصل طائرٌ آكل للتين و " نزل " ضيفا ! !
- وفي كل العالم الناس جميعا من رجال ونساء لحظة بلحظة في نزع وموت .
- فاعتبر كلامهم هذا من قبيل الوصايا التي يقولها الأب لابنه تلك اللحظة .
- حتى تتأتى منه العبرة والرحمة ، وحتى تقتلع جذور البغضاء والحقد والحسد .
- فانظر بهذه النية إلى أقربانك ، حتى لا تحترق قلبك عند " معاناتهم " النزع وعند فقدهم .


770 - وكل آت آت ، فاعتبره حاضرا ، واعلم أن الحبيب في فقد وفي نزع ! !

« 93 »

- وإذا صارت الأغراض حجابا لهذه النظرة ، فالق بهذه الأغراض خارجا من جيبك .
- وإن لم تستطع ، فلا تتوقف جامدا عند العجز ، واعمل أن مع العاجز معجزا قويا ! !
- فالعجز قيدٌ قيدك ، فضع العين على القيد ، إذ ينبغي حله
- ثم تضرع قائلا : يا هادي الحياة ، كنت طليقا ، فصرت مقيدا فمن أي شئ هذا ؟ 
 

 775 - أتراني جعلت القدم أكثر ثباتا في الشر ؟ ! بحيث أنني في خسر من قهرك لحظة بلحظة ! !
- وهل كنت أصم عن نصائحك ؟ ! هل كنت أدعى أنني كاسر الأصنام وأنا صانعها ؟ ! !
- وهل ذكر صنعك أوجب أو ذكر الموت ؟ والموت كالخريف وأنت أصل الأوراق ! !
- إن هذا الموت يدق الطبول لسنوات ، لكن أذنك تتحرك فجأة .
- وتتحدث الروح عند النزع : آه . . . الموت . . . فهل في هذه اللحظة فحسب يعرفك الموت بنفسه ؟ !


780 - لقد أمسك الموت بحلقة عند الصياح ، وقد مزق طبلته من ضربه إياها بشدة ! !
- لقد الزمت نفسك دقائق الأمور ، أتراك أدركت سر الموت هذه اللحظة فحسب ؟ !

« 94 »

تشبيه المغفل الذي يضيع العمر ، وعند الموت في تلك الشدة يأخذ في التوبة والاستغفار ، بقيام شيعة حلب بالتعزية كل سنة في أيام عاشوراء على بوابة أنطاكية ، ووصول شاعر غريب من السفر وسؤاله قائلا : هذه الضجة أي تعزية تكون ؟ !

- في يوم عاشوراء ، يكون كل أهل حلب على باب أنطاكية حتى الليل .
- يتجمع جمع عظيم من الرجال والنساء ، ويقيم مأتم تلك الأسرة " من آل البيت " .
- ويصرخ الشيعة وينوحون باكين ، في عاشوراء ، ذكرى كربلاء .
- ويعددون ذلك الظلم والبلاء الذي لقيه آل البيت من شمر ويزيد .


785 - وتمضى صياحتهم و " تهديداتهم " بالويل والثبور ، حتى تمتلئ بها الصحراء والوادي .
- فوصل شاعر غريب من الطريق يوم عاشوراء وسمع تلك الضجة .
- فترك المدينة واتجه إلى تلك الناحية ، بهدف البحث والتفتيش عن " سر " هذه الضجة .
- أخذ يمضى متسائلا بإمعان : ما هذا الحزن ؟ وعلى من أقيم هذا المأتم ؟ !


790 - أهو رئيس عظيم ذلك الذي مات ؟ إن مثل هذا التجمع لا يكون بالشئ الهين ! !
- حدثونى عن اسمه وعن ألقابه ، فأنا غريب ، وأنتم أهل هذا البلد ! !
- ما اسمه ؟ ! وما عمله ؟ ! وما هي أوصافه ؟ ! حتى أنظم مرثية في مناقبه .
- ولا نظم مرثية ، فإنا رجل شاعر ، حتى أحصل من هنا على الزاد والعطاء .

« 95 »

- فقال له أحدهم . . . ما ذا ؟ ! هل أنت مجنون ، إنك لست من الشيعة ، بل عدو لآل البيت 
 

795 - ألا تعلم أن اليوم عاشوراء ، وهو مأتم لروح تفضل " رجال " قرن بأجمعهم .
- وبالنسبة للمؤمن ، متى يكون هذا الحزن هينا ، أيكون عشق القرط بقدر عشق الأذن ؟ !
- وبالنسبة للمؤمن فإن مأتم طاهر الروح ذاك ، أكثر شهرة من مائة طوفان لنوح


قول الشاعر لنقطة دقيقة طعنا لشيعة حلب

- قال : نعم . . . لكن أين عهد يزيد ؟! ومتى كان هذا الحزن ؟! ولماذا وصل هذا متأخرا ؟!
- لقد رأت عيون العميان هذه الخسارة وسمعت بها آذان الصم .


800 - فهل كنتم نائمين حتى الآن ، بحث تمزقون ثيابكم حداداً !!
- إذن فأقيموا العزاء على أنفسكم أيها النائمين ، ذلك أنه موت سىء هذا النوم الثقيل !!
- إن روح سلطان من السلاطين قد فرت من السجن، فلماذا تمزق الثياب، ولماذا نعض البنان؟!
- ولما كان سيدا للدين ، يكون وقت سرور ذلك الوقت الذي كسر فيه القيد .
- لقد أسرع نحو سرادق الإقبال ، وألقى بالنير والغل .

805 - إنه يوم الملك والسرور والسلطان ، لو كان علمك بهم مثقال ذرة .
- وإن لم تكن عالما فامض وابك على نفسك ، ذلك أنك منكر للانتقال والمحشر

« 96 »

- ونح على قلبك ودينك الخربين ، الذي لا يرى إلا هذا التراب القديم .
- وإن كان يرى ، فلماذا لا يكون شجاعا مؤزرا مضحيا بالروح شبع العين ؟!
- فأين في وجهك النضرة من خمر الدين ، وإذا كنت قد رأيت البحر فأين الكف السخى؟!

810 - إن من رأى الجدول لا يبخل بالماء، خاصة ذلك الذي رأى البحر والسحاب!!


تمثيل الرجل الحريص الذي لا يرى رزق الحق وخزائن الرحمة بنملة تكدم من أجل حبة وهي في بيدر عظيم وتسعى وترتعد وتسحبها بعجلة ولا ترى سعة ذلك البيدر
 
- إعلم أن النملة تكون مرتعدة من أجل حبة ، لأنها تكون عمياء عن البيادر الحلوة .
- أنها تسحب تلك الحبة بحرص وخوف ، إذا أنها لا ترى ذلك البيدر الكريم
- ويقول لها صاحب البيدر : انتبهى . . . يا من بسبب عماك انعدم الشئ أمامك
- لقد رأيت ذلك من بيادرنا ، بحيث تعلقت الروح بتلك الحبة


815 - فيا من أنت في صورتك ذرة ، انظرى إلى عطارد ، وأنت نملة عرجاء ، فامض إلى سليمان ! !
- إنك لست ذلك الجسم الذي رأيته ، وتنجو من الجسم إذا كنت قد رأيت الروح ! !
- إن الإنسان رؤية والباقي لحم وجلد ، وكل ما رأته عيناه هو ذلك " المرئى "


« 97 »

- وإن دنا واحدا ليغرق الجبل من القطر ، إذا كانت عين هذا الدن مفتوحة صوب البحر ! !
- وعندما تكون روح الدن متصلة بالبحر ، فإن الدن يزرى بجيحون .


820 - ولهذا السبب ، يكون نطقه كنطق البحر ، كل من يكون متحدثا بالنطق الأحمدي .
- تكون كل أقواله درر بحر ، وذلك أن قلبه متصل بالبحر .
- وعطية البحر لما كانت من دننا ، فأي عجب أن يستوعب البحر في سمكة ؟ !
- إن عين الحس قد تجمدت على الممر ، إنك تراه ممرا لكنه يراه مستقرا ! !
- إن هذه الأثنينية من أوصاف رؤية الأحول ، وإلا فإن الأول آخر . . . والآخر أول ! !

825 - « 1 » انتبه ! ! من أي شئ يكون هذا معلوما ؟ ! من البحث ، فابحث عن البعث ، وكفاك جدلا في البحث ! !
..............................................................
( 1 ) ج 13 / 326 :
ودعك من صورة الدن وانظر في الدن * ففيه بحر دون بداية ونهاية إنه طاهر
 من البداية والنهاية تلك المياه العذبة * ومن قهرها المحرومون في عذاب 
فاعلم أن هذا الدن هو البحر يقينا * تحيا منه سواء الأرض والسماء 
وصار بحرا ثانيا في عين الوصال * وصار من الجهة إلى لا جهة في عين الوصال 
بل صارت له الوحدة من الوصال * وصار خطابه هو خطاب ذي الجلال 
وبعد ذلك يقول أنا الحق كالمنصور * حتى يصبح ممتطيا مشنقة الشهرة 
وحتى يظهر مثل ذلك السر في النيا * ويصبح المقبل ماهرا في البحث 
وحتى يزيد في جهاده وسعيه * حتى يتيسر له رؤية "هو" وأهل القلب يجرؤن 
وأهل القلب يجرؤن داخله كجدول * وبلا اثنينية صار واحدا في بحر الروح

« 98 »

- وشرط يوم البعث ، هو الموت في البداية ، ذلك أن البعث هو إحياء الميت .
- ومن هنا أخطأ كل العالم الطريق ، إنهم يخافون العدم ، والعدم هو الملاذ .
- من أين نبحث عن العلم ؟ ! من ترك العلم ، ومن أين نبحث عن السلم ؟ من ترك السلم ! !
- ومن أين نبحث عن الوجود ؟ ! من ترك الوجود . . . ومن أين نبحث عن التفاح ؟ ! من ترك اليد ! !


830 - وهو أنت يا نعم المعين ، الذي تستطيع أن تجعل البصيرة الناظرة إلى المعدوم ، مبصرة للموجود ! !
- والبصيرة التي أبدعت من العدم ، رأت المعدوم كله ذات الوجود ! !
- وتصير هذه الدنيا المتسعة محشرا ، إذا بدلت العينان وصارتا أكثر نوراً .
- ومن هنا تبدو هذه الحقائق غير تامة ، إذ أن فهمها حرام على هؤلاء السذج .
- ونعمة الجنان الحلوة صارت محرمة على نزيل جهنم بالرغم من أن الحق سخى .


835 - فإن شهد الجنان يكون مرا في فمه ، لأنه لم يكن من الأوفياء لعهد الخلد .
- ألستم تقومون بنفس الأمر في التجارة ؟ ! ومتى تتحرك اليد إن لم يكن ثم مشتر ؟ ! !
- ومتى تكون نظرة أهل الشراء مثل نظرة أولئك الذين يتجولون من أجل الخداع ؟ !
- أولئك الذين يلحون في السؤال . . . بكم هذا وبكم ذاك ؟ ! من أجل تمضية الوقت والسخرية " من الخلق " ؟ !

« 99 »

- إن " أحدهم " ليطلب منك البضاعة من ملله ، وليس ذلك الشخص بالمشترى الباحث عن البضاعة .


840 - لقد رأى السلعة وردها ، فمتى قاس الثوب ، لقد قاس الريح ؟ !
- فأين حماس المشترى وحركته وإقدامه من مزاج الهازل العابث ؟ !
- وما دام لا يمتلك حبة واحدة " من الذهب " ، فأي طلب منه " لشراء " جبة إلا من أجل الهزل .
- وليس له في التجارة رأس مال . . . ومن ثم فسواء شخصه الكريه والظل .
- والمال في سوق هذه الدنيا هو الذهب ، والمال هناك هو العشق وعينان دامعتان .


845 - وكل من ذهب إلى السوق بلا مال ، أضاع العمر ، وعاد منه سريعا وهو ساذج .
- " وعندما تسأله " : هيا أيها الأخ . . . أين كنت ؟ ! فيقول : لا في مكان قط ، هيا ، ما ذا طبخت من أجل الطعام ؟ لا شئ ! !
- فصر مشتريا حتى تتحرك يدي ، وينتج الياقوت منجمى الحامل " بالجواهر " .
- ومهما كان المشترى واهنا غثا ، ادعُ إلى الدين ، فالدعوة واردة .
- وطير البازي ، وصد حمام الروح ، وتوخ في الدعوة أسلوب نوح .

850 - وداوم على الخدمة من أجل الله ، فما شأنك بقبول الخلق أوردهم ؟ !


قصة ذلك الشخص الذي كان يدق للسحور على باب قصر في منتصف الليل . . .
فقال له الجار : إن الوقت هو منتصف الليل آخر الأمر ، وليس وقت السحر ،
وثانية فإنه لا أحد في القصر ، من أجل من تدق ، وجواب " اللمطرب " عليه ! !



- كان أحدهم يدق للسحور على باب ، كان عتبة عظيم ورواقه .

« 100 »

- أخذ يدق للجسور في منتصف الليل بجد ، فقال له قائل : يا طالب المدد ،
- أولًا : دق من أجل هذا السحور عند السحر ، ولا تكون هذه الضجة والجلة عند منتصف الليل ، 
- وثانيا افهم أيها المتهوس ، أثمة أحد يوجد داخل هذه الدار 
 

855 - فلا أحد هنا إلا الجن والشياطين ، فلما ذا تضيع أيامك عبثاً ؟ !
- إنك تنقر الدف من أجل أذن ، فأين الأذان ؟ وينبغي ذهن حتى يعلم . . وأين " ذلك " الذهن ؟!
- قال " تحدثت ؟ ! فاسمع من تابعك الجواب ، حتى لا تبقى في حيرة واضطراب .
- إذا كان الوقت بالنسبة لك هو منتصف الليل ، فان الصبح بالنسبة لي قد اقترب .
- إن كل هزيمة بالنسبة لي صارت نصرا، وكل الليالي صارت أمام عيني نهاراً؟!!


860 - إن ماء النيل هو دم بالنسبة لك ، وهو عندي ليس دما بل ماء ، أيها النبيل .
- وذلك في رأيك حديد ورخام ، لكنه عند داود النبي شمع يلين .
- وأمامك الجبل ثقيل جدا وجماد ، لكنه أمام داود مطربٌ وأستاذ .
- وفي رأيك أن ذلك الحصى ساكت ، لكنه أمام أحمد فصيحٌ وقانت .
- وأمامك جذع المسجد من قبيل الميتة ، لكنه أمام أحمد عاشق مسلوب الفؤاد .


865 - وكل أجزاء الدنيا أمام العوام ميتة ، لكنها أمام الله عالمة منقادة
- وما قلته أنه لا يوجد أحد في هذه الدار ، فلماذا تدق هذا الطبل ؟ !

« 101 »


- إن الناس من أجل الحق يهبون هذه الأموال ، ويصنعون أسس المئات من أبنية الخير والمساجد .
- ويضحون بأموالهم وأجسادهم في طريق الحج الطويل بسعاده كالعشاق الثملين .
- فهل " سمعتهم " يقولون قط إن هذا البيت فارغ ؟! بل إن صاحب الدار حبيب خفى كالروح "لا تدركه الأبصار"!!


870 - إنه يرى دار الحبيب مليئة ، ذلك الذي له ضياء من نور الإله .
- ومن ثم فالدار المزدحمة المليئة بالناس ، تكون فارغة أمام الناظرين إلى العواقب .
- وكل من تريده ، إبحث عنه في الكعبة ، يطلع أمام وجهك في التو واللحظة .
- والصورة التي تكون فاخرة وعالية ، متى تكون خالية من بيت الله ؟
- إنه يكون حاضرا منزها عن الإقصاء ، وبقية الناس محتاجون إليه .
 

875 - " وهل سمعتهم " قط يقولون أن قولنا لبيك ، لماذا نقوم به آخرا دون أن ينادينا أحد ؟!
- بل التوفيق الذي يأتي بـ " لبيك " هو في كل لحظة نداء من الأحد !!
- وأنا أعلم بالشم " والفراسة " أن هذا القصر . . . هو ملهى للروح وترابه كيمياء .
- وإنني أعرض نحاسى على كيميائه حتى الأبد عن طريق " وترى " الجهير والخفيض .
- حتى يغلى من دق هكذا من أجل السحور ، في نثر الدر وعطاء البحور .

« 102 »
 

880 - والخلق في صف القتال ومعمعة ، لا يزالون يضحون بالأرواح من أجل الخالق .
- وأحدهم في البلاء كأنه أيوب ، وآخر في الصبر كأنه يعقوب .
- « 1 » ومئات الآلاف من الخلق الظامئين المحتاجين يجاهدون طمعا من أجل الحق .
- وأنا أيضاً من أجل الرب الغفور ، أدق على الباب للسحور رجاءً فيه .
- إنك تريد مشتريا تأخذ منه الذهب، ومن يكون - أيها القلب أفضل من الحق مشترياً.


885 - إنه يشترى مما تملك كيسا نجسا ، ويعطيك نورا مضمرا فيك يقتبس " من نوره " ! !
- ويأخذ هذا الجسد الفاني كالثلج ، ويعطيك ملكا خارجا عن أذهاننا .
- ويأخذ عدة قطرات من الدمع ، ويعطى كوثرا يزرى بالشهد .
- ويأخذ آهة حرى مليئة بالرغبة والحزن ، ويعطى من أجل كل آهة مائة من جاه النفع « 2 »!!
- وأليست ربح الآهة التي ساقت الدمع من سحاب العين هي التي سمت الخليل أواها ؟ !
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 337 :
- وأحدهم كنوح في غم وكرب ، وآخر كأحمد في صف الحرب 
- وهذا من الدنيا على حذر كأنه أبو ذر ، وآخر في استقامته كأنه عمر .
( 2 ) ج : 13 / 337 :
- فهات النقد حتى تربح منه ، واترك النسيئة حتى لا تخسر .

« 103 »
 

890 - فهنا في هذا السوق الرائج الذي لا نظير له ، بع الأشياء القديمة ، وخذ الملك الحاضر .
- وإن قطع عليك الطريق ريب وشك ، فاجعل التجار الأنبياء مسنداً " لك " .
- ومن كثرة ما زاد ذلك المليك إقبالهم ، لا يستطيع الجبل أن يتحمل متاعهم .
 .
* * *
شرح قصة ذلك الصياد الذي كان قد لف نفسه في العشب  
( 440 - 450 ) : إن نور الحق دائماً ما يجلى ما يدور في بواطننا من أفكار للوهلة الأولى ولكن ثمة أموراً أخرى من ذواتنا ومن ظروفنا تدفعنا إلى تجرع الخديعة والانصراف عن الإلهام الأول الذي يكون حقيقياً في الغالب ، ومن أهم الظروف التي تدفعنا إلى ذلك الحاجة والحرص والفقر بدرجاته ، ويروى مولانا الحديث النبوي
[ كاد الفقر أن يكون كفراً ]
( أحاديث مثنوى / 45 - كنوز الحقائق 2 / 93 ) والقصة هنا في مغزاها تشبه إلى حد كبير قصة الثعلب الذي جر الحمار إلى الأسد الواردة في الكتاب الخامس ( ابتداء من البيت 2328 ويقطعها مولانا كعادته ثم يعود إليها خلال الكتاب الخامس فلا تنتهى إلا في البيت 2880 ) .
 
والقصة التي بين أيدينا قصة الصياد الذي يتظاهر بالزهد ويصيد الفريسة بشبكة الدين من القصص التقليدى في الآداب الشرقية عموماً ورد في أصلها في أكثر من مصدر في العقد الفريد وفي ربيع الأبرار وإرشاد الأديب وكتاب الأذكياء ولم يلتفت فروزانفر إلى أن سنائى نظم حكاية تشبهها في بعض أجزائها وفي هدفها ( انظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة لكاتب هذه السطور الأبيات 11660 - 11669 وشروحها ) ( مآخذ / 197 ) والطائر الذكي في الحكاية كناية عن الإنسان الذي يمتلك خبرة ناقصة وعلماً ناقصاً ومع ذلك يغتر به فيورده موارد الهلاك ، وربط الذقن أو الفك كناية عن فعل ذلك عند أول موت المرء .
 
( 451 - 456 ) : يخرج مولانا عن سياق القصة ويتحدث عن هذه الحياة التي تمر بها الروح في سيرها التطورى بضعة أيام ، فهل تركن إلى العناصر التي هي أصل الجسد وتنسى أنها من طريقة أخرى في النفوس والعقول ؟ إن هذا هو عدم وفاء منها أن تنسى أصلها وألا تحن إليه دائماً ، فالحنين والشوق هو مطيتها إلى العودة إلى الروح المطلق .
 
« 441 »
 
( 457 - 462 ) : إن اغترار الروح برفاق الدنيا ، ونسيانها لأصلها من هذا الغرور يجعلها تشبه طفلًا يترك داره ، ويجذبه الرفاق فيستغرق معهم في اللعب ، ويأتي اللص فيسرق ثيابه وهو منهمك في اللعب فإن حل الليل ، وآن أوان العودة إلى المنزل ولم يعد للعب طعم ، التفت فلم يجد ملابسه ، فلا هو يستطيع أن يداوم اللعب ولا هو يستطيع أن يعود إلى المنزل ، أتستهين بهذا المثل ، أقرأ إذن في القرآنإِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ( محمد 36 ) .
 
( 464 - 471 ) : الكلام على لسان الصياد ، إن الخلق يسرقون ثيابك ، " الستر ، الحفظ ، الشخصية ، الوقت " فاحتفظ بها ، إياك أن تفقدها ، وقبل أن يحل عليك ليل الأجل عد عن هذا اللعب واقلع عنه ، وإن كنت قد فقدتها لا تجزع ، فهناك مركب يجعلك تلحق بهذا اللص الذي سرق ثيابك ( نفسك ) ، إنه مركب التوبة ، ولا تظن أن الوقت قد ضاع ، فإن مركب التوبة يوصلك إلى الأعالي ، المهم أن تظل مستعداً دائماً بمركب التوبة ، وحذار أن يختم على قلبك فتفقد مركب التوبة أيضاً ، ويغلق أمامك باب التوبة الذي يظل مفتوحاً حتى تطلع الشمس من مغربها ( انظر الكتاب الرابع الأبيات 2503 - 2508 وشروحها ) .
 
( 472 - 482 ) : القصة الواردة هنا لها شبيه في جوامع الحكايات لمحمد عوفي ، وتكاد تطابق أيضاً نادرة في النوادر التي تنسب لجحا ، وهي أقرب إلى التراث الشعبي والدعوة هنا إلى الحزم عند المصيبة ، وعدم الطمع وإلا زادت الخسائر وتوالت ولم تقتصر على الخسارة الأولى .
 
( 483 - 488 ) : عودة إلى حكاية الطائر والصياد . فها هو الطائر ينصح الصياد بعدم الخلوة ، فلا رهبانية في الإسلام ورهبانية أمتي الجهاد ( حديثان نبويان ) والإسلام دين الجماعة والجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة عبداً مملوكاً أو امرأة أو صبياً أو مريضاً ( انقروى 6 - 1 / 119 ) كما أن " خير الناس أنفعهم للناس " والمرء بشر في
 
« 442 »
 
النهاية ينبغي أن يعيش بين البشر وليس حجراً ليعيش بين المدر ، فعش بين الأمة التي قال عنها إمامها ونبيها [ أمتي هذه أمة مرحومة ] للحديث روايتان ( أمتي هذه أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة أما عذابها في الدنيا الفتنة والزلازل والقتل والبلاء ) رواه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي موسى و [ أمتي أمة مرحومة مغفور لها متاب عليها ] رواه الحاكم في الكنى عن أنس ( انقروى 6 - 1 / 120 ) .
 
( 489 - 494 ) : يجيب الصياد الذي يتظاهر بأنه زاهد بأن هذا الكلام ليس مطلقاً ، فليس كل عقل يتصف بالرسوخ والثبات ، وهذه العقول التي لا تتصف بالرسوخ والثبات هي بمثابة الحجر والمدر ، وأغلب الناس عقولهم من هذا القبيل ، وهم جميعاً كالحمر أقصى أمانيهم قوتهم وهمهم بطونهم ، وكل باحث عن الميتة يكون ميتاً ، والرهبانية هي مصاحبة أمثال هؤلاء الناس ، بل إن مصاحبة الحجر والمدر ( أي الخلوة في الجبل ) أفضل ، لأنه لم يسمع أحد أن الحجر والمدر قد قاموا بإيذاء أحد ، وحدث ولا تسل عن إيذاء الناس للناس .
 
( 495 - 499 ) : ويقول الطائر : وكيف يبدي المرء شجاعة إن لم يتصد للشر ؟ تقول أن الناس أصبح ديدنهم الأذى ، فلماذا لا تقوم بمقاومة هذا الأذى ، أليس جهاد الظلمة فرض ؟
أليس رسول الأمة هو نبي السيف وهو القائل [ بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله تعالى وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت رمحى وجعل الذل والصغار على من خالف أمرى ] ( 315 / 125 ) وقال كعب :إن الرسول لسيف يستضاء به * مهند من سيوف الله مسلول.
 
« 443 »
 
( 500 - 513 ) : يقول الصياد : إن الجهاد واجب إن وجدت عليه قدرة وقوة . فإن لم توجد فقد شرع الرسول الفرار ( ! ! ) مصداقا للحديث النبوي [ الفرار مما لا يطاق من سنن الأنبياء ] ( أحاديث مثنوى / 189 )
ويرد الطائر : إن الذي يعشق الوحدة هو ذلك الذي لا يعامل الخلان بصدق ، إنما يجعلهم ينفضون من حوله ، فإن عاملهم بصدق التفوا حوله وكانوا له قوة ومكنة ، ولا تترك جوار يعقوب ، أي لا تترك أولياء الله والشيطان بالنسبة للمؤمن بمثابة الذئب بالنسبة للقطيع
 وروى عن الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم أنه قال [ الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاة القاصية والشاذة ] ( أحاديث مثنوى / 191 ) ،
وأن ذلك الذي يحيد عن سنة الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم وينبت عن الجماعة إنما تسفك دمه ذئاب الأهواء وذئاب المذاهب وغيلان الصحراء الذين يتظاهرون بأنهم مرشدون وناصحون ، فالسنة هي الطريق والجماعة هي الرفيق وما سوى هذا بعدٌ عن الجادة وضياع في مهامه الأهواء ، ولكن إياك اعتبار الغافلين قادة ومرشدين والمهتدين بالصورة مشايخ وأدلاء وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً، إنه صديق مزور مزيف يصادقك ويصاحبك وكل همه أن يسلب ما لديك ، فهو يتحين الفرص من أجل ذلك ، يجدك في شدة ، وبدلًا من أن يعينك ، يأخذ ما لديك ، وربما تكون عينه عليه من البداية ،
فهو يعرفك من أجل أن ينتفع منك ، ثم إياك ومصادقة الجبان ، فإنه عندما يحتاج الأمر إليه ، يخوفك ، ويلقى بالدروس والمواعظ من أجل العودة عن الطريق ، والطريق هو امتحانه الأكبر ،
ففي كل دغل آفة ، وفي كل منحنى كمين ، وطريق الدين لا يزال الشيطان يقف لك فيه بالمرصاد ، يخوفك ويأمرك بالفحشاء ، ويلقى إليك كل لحظة بفتنة ،
ولذلك فطريق الدين في حاجة إلى رجال ، وليس في حاجة إلى مخنثين ، ومعلوم أن الرجل هو ذلك الذي يثبت في الطريق ويصمد ، إنه كالغربال أي الطريق يميز الدقيق من النخالة .
 
« 444 »
 
( 515 - 528 ) : الطريق بين ولائح ، سار فيه الكثيرون ووصفوه فهو ملىء بآثار الأقدام ، إن هؤلاء الواصلين بمثابة السلم الذي تترقى عن طريقه إلى الدرجات العلا ( وصف سنائى الطريق في الحديقة بأنه سلم : حديقة الحقيقة الترجمة العربية لكاتب هذه السطور الأبيات 218 - 225 وشروحها ) ، إنك حتى إن عشت بعيداً عن الجماعة ولم يمزقك الذئب فلن تذوق طعم السرور ، إن السرور مع الجماعة ، حتى الحيوان ، حتى الحمار إن سار في جماعة كان سيره أفضل وتعرضه للضرب أقل ، فما بالك بالبشر ، حتى الأنبياء ومع مالهم من تمكن وتأييد إلهي ، يبحثون عن الصحاب ومن أجل ذلك يبدون المعجزات ، والطبيعة في الجماعة وليست في الانفراد ، كتجمع الجدران فتصير منازل ومخازن ، يتجمع القلم والمحبرة فيصير كتاب ، يجتمع رجل وامرأة فتصير جماعة وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ( الذاريات 49 ) .
 
( 529 - 538 ) لقد طال الجدل بين الصياد والطائر ، والجدل غالباً ما يطول ( كما طال في الكتب السابقة بين المتجادلين حول الكسب والتوكل في الكتاب الخامس وحول الجبر والاختيار في الكتاب الخامس أيضاً وحول لزوم الأنبياء في الكتاب الثالث وحول لزوم الدين والأنبياء في الكتاب الرابع وفي هذه المجادلات يبسط مولانا حجج المتجادلين حتى وإن لم يكن في صف بعضهم ، لكنه يترك النقاش فجأة لأنه يبعده عن خدمته الحقيقية وهي العشق والفقر ، ولأنه يطيل في المثنوى وهو يريده خفيفاً هينا . إن الطائر الجائع الضعيف هش الروح ( مثل الحمار في الكتاب الخامس )
يكون اقتناعه بآرائه هشاً ويمضى خلف الإغراء ،
 فالطائر بعد أن جادل رأى الحب " فنسى جدله وانصرف إليه ، ورغم أن الصياد حاول أن يصرفه عنه ( في الظاهر مثل كثير من رعاة العصر الذين يصدون المريدين بشتى الذرائع ليزيدوهم إصراراً )
فيزداد الطائر إصراراً ، ويأكل الحب لأنه مضطر ، ولا اثم على المضطرفَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ( البقرة
 
« 445 »
 
173 ) لقد صاد الصياد الطائر وهو يعظه ويصده ، لقد وضع الحب من أجل أن يأكله الطائر ، ومع ذلك كان يصد الطائر عن أكله ، لأنه يعلم أن " الإنسان حريص على ما منع " .
 
( 539 - 546 ) يوجه مولانا الحديث إلى كل من يندم بعد العصيان أن الدعاء لازم قبل السقوط ، لكن ما فائدة الاستغاثة بعده ؟ وماذا يفيد الندم بعد خراب البصرة ؟ وماذا يفيد ترياق الحياة بعد موت سهراب ؟ كان ذلك واجباً قبل المصيبة لا بعدها . ما فائدة نواحك بعد موتى ؟ :لا أحسبنك بعد الموت تندبني * وفي حياتك ما زودتنى زادي( انظر الكتاب الخامس الأبيات 478 - 485 وشروحها ) توسل بالقرآن وبسوره يس عند وسوسة الشيطان ، ودق العصى ببعضها قبل أن يتمكن اللصوص من القافلة لا بعد أن يكون اللصوص قد أتوا عليها .
 
( 547 - 561 ) : الحكاية هنا ليست حكاية بالمعنى المفهوم لكن مولانا يلبس البيت الأخير أسلوب الحكاية ، ومن هنا تجاهل الشراح البحث عن أصل لها على أساس أنها من مبتكرات مولانا ، إنه يقدم صوره للحارس الذي يصرخ بعد ضياع كل شئ ، يصرخ حين لا يجب الصراخ ، يقوم بعمله في غير موضعه وبعد فوات وقته ، يكون سخرية للساخرين وهكذا ، عندما يعيش المرء عمره كله تحت سيطرة شيطان الفضيحة ، فماذا عسى المعوذتان والفاتحة والقرآن كله تنفعها بعد ضياع عمره ؟
بدلًا من الندم ، اتجه إلى الله سبحانه وتعالى ، وتب فهو القائل ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ( الحديد 230 ) ،
فسواء قمنا بما ينبغي علينا في أوانه أو في غير أوانه فمن قال أن مغفرتك ورحمتك - جل شأنك - تحتاج إلى أوان ؟
 
« 446 »
 
( 562 - 564 ) : كالعادة ، يحاول الطائر ( الإنسان المخدوع ) أن يضع ذنب سقوطه على الصياد ( الشيطان ) وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ ، سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ،إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ *( إبراهيم 22 )


بل قال الصياد الذي صمم على أن يلعب دوره للنهاية ، بل أنت المخطىء أنت الذي أكلت أموال اليتامى ، وليس أنا ، وهذا جزاء من يأكل أموال اليتامى ظلماإِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً( النساء 10 )
وهكذا المفتون المضلون في كل زمان ومكان يزينون السوء ، ثم يطيلون ألسنتهم بالوعظ والنصح والفتوى على المسيئين .
 
( 565 - 574 ) : من هنا لا يدور الحديث على لسان الطير الذي سقط في الفخ بالطبع بل على لسان كل مذنب يود أن يعود إلى الحضرة الإلهية ، ما يجرى داخل الإنسان من متناقضات تحتاج حياته كلها وتضيع هذه الحياة كلها باللامنطقية وبالعبث ، تناقضات القلب وتأرجحه بين تسام إلى ما لا يبلغه الملائكة ، وانحدار إلى ما لا يصل إليه الشياطين ، تكون قاصمة للظهر ،
فيقال أيها الحبيب انظر إلى نظرة عطف واربت بيدك على رأسي ، فإن نهاية كل هذا التردد والتناقض تكون منك أنت ، وتكون عند اللقاء بك ، وأنا مشوق إلى هذا اللقاء ، يجافي النوم عيني ، ومن ذا الذي يقول أن اللاشيىء لا ينبغي عليه أن يطمح إلى اللانهائى ؟
حتى ولو لم نكن جديرين ، فأنت الماحي لأحزاننا ، وأنت الذي تبدل سيئاتنا إلى حسنات ، وأنت الذي أتيت بنا من العدم إلى الوجود ،
فأي استحقاق للوجود كان عندنا ونحن المخلوقون من تراب حقير حتى تمنحنا الوجود ، تهبنا جواهر عشرة ، هي الحواس الخمسة الظاهرة والخمسة الباطنة ( عن الحواس الباطنة انظر البيتين 3718 ، 3719 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، وكله منك ، والتوبة أيضاً عطاء منك يا ربنا .
 
« 447 »
 
( انظر الكتاب الأول البيت 2216 ) عن التوبة والكتاب الثاني الأبيات 1655 - 1657 عن أن قبح الأعمال يغلق طريق التوبة ) واقتلاع شوارب التوبة كناية عن السخرية من توبة الهازل غير الصادق في توبته .
 
( 575 - 580 ) : لقد تهدم حانوت جسدي ومنزل عقلي من هذه المتناقضات التي أسقط فيها ، ومن حقي أن أصرخ عندما يعتصر قلبي ، فهو كل ما تبقى لي ، ولا يعتصر قلبي سوى الشوق لك والحنين إلى لقائك ، فهل تراني أهرب منك ، وأنت سبب خيارى وأصل وجودي ، وما الروح وأنت أهل الروح ، وماذا يكون العبد إن لم تكن ألوهيتك ، لقد مللت روحي لأننى أحيا بدونك ، فاقبض هذه الروح وخلصني من الوحدة التي أحيا فيها ، فأي فضل وأي علم وأي ذكاء لا يوصل إليك ! !
الجنون والانجذاب هما الطريق إليك ، إذن فلأكن مجنوناً مجذوباً ، وكفاني اختفاءً وحياءً ، لأقفز من تحت هذا الغطاء الذي أغطى به كل ما أحس به ، ذلك الغطاء المتمثل في ما تعارف عليه الناس من تصبر وتظاهر بالوقار ورعاية لما يتطلبه المركز الاجتماعي والجاه الدنيوي ، لأقفز دفعة واحدة ، فكلما فكرت أحجمت ، الأمر في حاجة إلى تصرف .
 
( 581 - 597 ) : وها هو الحبيب يسد أمامنا الطريق ، أي طريق ؟ بل أن كل الطرق تنتهى به ، ومن نكون نحن حتى تحاول أن تتجاوز الطريق الذي يسده علينا ، وبأي شئ ؟
بعرجنا ؟ بعقولنا التي تعرج أو أو هامنا الكسيحة ؟
ما أشبهنا عندما نفكر في أن تتصدى له بغزلان تتصدى لأسد ، فماذا أمامنا سوى التسليم والرضا ، نحن أسارى الأكل والنوم لكنلا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ( البقرة 255 ) ، وهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ ( الأنعام 14 ) إنه ينادينا ، يصيح بنا ، تخلقوا بأخلاقى ، ولا بد أنه يتجلى لنا وإلا أترانا نكون مفتونين هكذا بحبيب لا نراه ؟
بل نراه ويتجلى لنا " في كل معنى رقيق رائق بهج " بل أن هذا التجلي هو الذي يجعلك وأنت مجرد قبضة من تراب طموحاً إلى درجة الطمع في الخلود ، إلى
 
« 448 »
 
معرفة سر الأحياء ، وإذا لم يكن يهبك القوت ( قوت العلم والذوق والعشق والفيض والفكر والفن والإبداع والاختراع ) من حيث لا تدرى ، إنك تتوجه إليه لأنك تعرف أن كل ما يهبط عليك من خير إنما يهبط عليك منه ، لست أقل من قط انظر ، هذا قط يقف على جحر ، لقد صاد منه فأراً ، وقط ثان يطوف بالسطوح ، لقد صاد منها مرة طيراً ، والناس أهواء ومذاهب وأعمال وحرف ، وهناك من يأخذ قوته من أبواب أصحاب القلوب ( انظر الكتاب الثالث الترجمة العربية الأبيات 307 - 312 وشروحها ) ،
وفوق كل هؤلاء ذلك الذي عكف على باب الله ، ذلك لأنه يعلم أنه كل ما يجده إنما يجده من الله فانصرف عن الأسباب إلى المسبب وعن الوسائط إلى معطيها ، وهذا هو عمل الرجال الحقيقيين وغيرهم مجرد أطفال يلعبون في تراب هذه الدنيا بضعة أيام حتى يحين أوان الرحيل ( انظر شروح الأبيات 4348 - 4367 من الترجمة العربية للكتاب الثالث ) ،
إن ذلك الذي يستيقظ من نوم غفلة الدنيا إن لم يتجه إلى هذا الباب فلا سبيل له إلا الشيطان ، إنه يستيقظ قليلًا ، ثم يوسوس له الشيطان فيظل نائماً ، لكن العاشق المشتاق ، يناديه صوت الماء ، فيرى المحبوب فيمضى إليه ، كما يمضى الظمآن إلى الماء مستهدياً بخريره
 ( انظر التفصيلات ومعاني أخرى مشتقة من هذه الفكرة الترجمة العربية الكتاب الثالث الأبيات 4403 - 4405 وشروحها والترجمة العربية للكتاب الرابع الأبيات 745 - 753 وشروحها ) .
 
( 598 - 609 ) : الحكاية المذكورة في هذه الأبيات ، ترمز إلى أحوال الغافلين عن الحق وهو حاضر بين أيديهم ، أو من يبحث عن المحبوب ، فإذا جاء الوصال لم يكن له نصيب فيه ونام ، والمهم كما يقول مولانا أن يكون الوصال نصيبك ، وألا تكون من المقطوعين المبعدين مهما كان جهدك ، فالتوفيق هو الأساس لا الجهد
( انظر في هذا المعنى الكتاب الثالث الأبيات 839 - 841 وشروحها ) وقد ورد أصل القصة في أسرار التوحيد في
 
« 449 »
 
مقامات أبي سعيد لمحمد بن المنور ( ص 67 - 68 من الأصل الفارسي وانظر الترجمة العربية للدكتورة إسعاد قنديل ص 79 - 80 ، الدار المصرية للتأليف والترجمة ب . ت . ) كما وردت في منطق الطير للعطار وفي معارف بهاء والد ( والد مولانا جلال الدين ) ،
وللكاتب المصري المعاصر نجيب محفوظ قصة رمزية تحت عنوان زعبلاوى عن إنسان يبحث عمن يسمى زعبلاوى ، ويسكر وعندما يفيق من السكر يخبروه أن زعبلاوى كان طوال فترة سكره يتحدث معه .
وطبخ اللوبياء المذكورة في البيت كناية عن التمتع بصحبة المعشوق ، ومولانا متفائل دائماً بالنسبة للمعشوق الذي يجد في الطلب ، فقد يوافيه الحبيب وقد يجد هو الحبيب على حين غفلة ( انظر حكاية عاشق طويل الهجران آخر الكتاب الثالث وأول الكتاب الرابع ) ، ولعب النرد كناية عن الاستغراق في لعب الدنيا ولهوها ، وفي البيت رقم 610 ما أصابنا فهو منا ، من بيت شعر لناصر خسرو أصبح مثلًا سائراً . ( انظر ديوان ناصر خسرو ص 499 ، طبعة طهران ، وداستانهاى أمثال الأمير قلى أميني ص 34 ، أصفهان 1351 ) .
 
( 610 - 617 ) : يترك مولانا الحكاية ليتحدث عن العشاق الحقيقيين أولئك الذين لا يروحون في نوم الدنيا ، بل يتميزون بقلوب مستيقظة متنبهة مراقبة لا تغيب ( عنه ) طرفة عين ، لم يعد هناك جوز ( أقل متعة من متع الدنيا ) يلهيهم ، ويا أيها العاذل الذي تدعونا دائماً إلى متع هذا العالم وتريد أن نحيد عن هذا الطريق ، طريق العشق ، فمن ذا الذي ينصح من راحوا في صحارى جنونه وافتتنوا بجماله ، أتأمرنا بالهجران ؟ !
أترانا بعد أن ذقنا قطرة من هذا المحيط نستطيع أن نحيد عنه ، ألم يكفك الهجران الذي عشنا فيه ، والفراق الذي أمضنا ، تدعوننا بالمجانين ؟ إن الجنون الحقيقي هو الغربة عن هذا الطريق ، وهذا هو الحق ، إنهم يرمون المجنون بالحجارة لأنه يقول الحق بلا رياء ( غزليات شمس تبريزى ، ص 9 - 10 ، 1335 ه . ش ) هات قيودك كلها ، فسوف أحطمها ، فلا قيد
 
« 450 »
 
هناك يستطيع أن يمنعني إلا قيد الهوية الإلهية المقيد به الأنبياء والأولياء ، إن سلسلة هؤلاء القوم هي جديلة الحبيب الفواحة بالمسك العاري عن الأسماء والصفات " ( مولوى 6 / 93 ) ( انظر أيضاً الكتاب الثالث 3852 ) فإن العشق ومراعاة ما درج عليه الناس لا يجتمعان .
 
( 618 - 631 ) : العرى هنا هو تعرية الروح من رداء البدن ، والملابس في لغة مولانا كناية عن الحجب وكناية أيضاً عن الجسد الذي يحجب الروح ، وأن هذا الأمر لا يستطيع أن يتحدث به إلا ذلك الذي خلع كل ما تعارف عليه الناس من حياء وخجل ومراعاة لما تعارف عليه الناس ، ولم يعد يهتم بما سوى الله ، فالعاشق هو الذي لا يبالي بحياء أو فكر ، ثم يخاطب المعشوق : لقد حرمت الروح النوم من سحرك الحلال ، أنت مستغن عنا في هذا العالم ،
 فهيا جرب صبرنا ، وهب أن للصبر حلقا داوم الضغط عليه ، فبهذا يسعد قلب العاشق ،
 أليس العاشق يسعد بابتلاء معشوقه له وكلما زاد هذا الابتلاء كان دليلًا على أن المعشوق يفكر في العاشق للحظة ،
ولحاظ المعشوق رحمة مهما كان التعبير عنها ، الموت منه حياة والسم شهد والشوك ورد ،
 ومن لم يحترق في نار الحبيب لم يذق جنته ، إن القلب داره ومنزله فماذا يحدث إن أحرقه ، إن إحراقه للدار يجعلها أكثر عمراناً وألقاً ، إنه يعوضها بألف دار ، لا بل يعوضها بالجنان الخالدة ، إن الشمع لا يتألق إلا إذا احترق وهذا الأسد الهصور ( مولانا في حالة سكر )
لا يفعل شيئاً جزافاً والعمران في الخراب ، ويواصل مولانا يخاطب المعشوق الحق " بالأب " ربما ليبرر لنفسه أن يطلب عدم النوم من الذي لا ينام وذلك كي يرى أحوال الساهرين في عشقه والذين جنوا وجداً به ، وأصبح العشق مبتلعا إياهم وكأنه أفعى ضخمة تبتلع كل شئ ، إنهم كالفراش والعشق كالنار ، وصل ثم احتراق ويرى بعض المفسرين أن مضمون البيتين 630 و 631 يشير إلى توبة العطار الشاعر المعروف وإراقته لجعبه في النهر ، وقد ناقش استعلامى هذا الأمر ( 6 / 254 )
في حين أن الحكاية التي تروى عن توبة العطار الشاعر تختلف عن هذه الحكاية المذكورة
 
« 451 »
 
تماماً ، والعطار هنا لا يخرج عن أي كاسب في هذه الدنيا ، وإراقة الجعب في النهر كناية عن نبذ الأسباب والخروج عن كل ما في الدنيا في سبيل العشق الأزلي الأبدي الحقيقي .
والرمي بها في النهر أي الإلقاء بها في تيار العشق الذي يتجه إلى وجهة واحدة عليا ولا يعود كل ما ألقى فيه .
 
( 632 - 635 ) : المزور المخاطب هنا هو ذلك الذي يدعى العشق وليس عنده من العشق شئ ، أو ذلك الذي يتجه بعشقه إلى غير المعشوق الخالد ، ولا يدرك العشق الحقيقي ، وينظر إلى العشاق الحقيقتين بعين الشك والارتياب ، إنه يقيس الأمور بعلمه يقول اعلم كذا ولا اعلم كذا ، إنه احتيال سار كالوباء بين الناس ، أخرج منه إلى عالم الحي الذي لا يموت والقيوم على كل سعى تقوم به ، حينذاك تكون جديرا بان تمنح الرؤية والمعرفة ، ولا تقل أنك في سكر ، إنك سكران من المخيض ولست سكرانا من العشق الإلهى ، وهناك أنواع من اليقظة تزرى بأنواع من سكر السكارى ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 685 - 720 وشروحها )
دعك من هذا السكر الذي تدعيه حتى تكون أنت نفسك موصلا السكر للمريدين واهبا إياهم هذا السكر ، ودعك من هموم الدنيا المتفرعة العديدة وكن مهتما بالعالم الذي لا تقلب فيه ولا تغير بل استواءٌ واستقامة ، وكفاك فخراً بهذا السكر الذي يشاركك فيه الكثيرون ولست منغمسا وحدك فيه .
 
( 637 - 647 ) : الحديث عن السكارى الحقيقيين سكارى خمر الحب الأزلية ، سكارى الحبيب ، إنهم حقا كثيرون لكنهم كنفس واحدة فهم جميعا وجود واحد ذائب في وجود الحبيب و " المؤمنون كنفس واحدة " ، وكل كثير رخيص إلا هذه الكثرة ، فهل الشمس المنتشرة ذليلة رخيصة ؟ !
إن العلو الحقيقي والسمو الحقيقي والكبرياء الحقيقي موجود مع هذه الجماعة ، فكن معها حينذاك تكون في أرض الله الواسعة أي القلب ( انظر الكتاب الرابع ، الأبيات 1760 - 1764 وشروحها ) إن هذا السكر نادر ندرة وجود البازي
 
« 452 »
 
الأشهب ( عن البزاة البيض في مقابل الغربان ، انظر الكتاب الرابع ، البيت 1700 وشروحه ) في هذه الأرض المقدسة أرض القلب هناك ما هو أسمى من هذا البازي الأشهب ، سئل السيد برهان الدين هل للطريق إلى الله نهاية ، فقال الطريق له نهاية ، والمنزل لا نهاية له ( مولوى 6 / 96 )
إن إسرافيل هو المختص بنفخ صور الأحياء ، وبصوره يتبدل موتى الجسد إلى أحياء الروح ، ومن ثم فهو متميز ، فكن أنت أيضاً مثله آخذاً بأيدي الموتى إلى الحياة الخالدة ، يوم ترى الناس سكارى وما هم بسكارى فإن أولئك الذين يقولون لا أعلم كذا ولا أعلم كذا إنما يمزحون في الحقيقة ، إنه يكررها ونفى النفي إثبات ، فدعك مما لا يعلم ومن النفي ، وادخل فيما تعلم أي الإثبات ، كن معبراً عن الواقع ، تراني شققت عليك بهذا الحديث ؟ ! دعني أفسره لك بهذه اللطيفة
عن ذلك الأمير التركي الثمل ، فما بالك تستفيض في النفي ، وأصل هذا الوجود .
 
( 648 ) : الحديث المذكور في العنوان " إن لله شرابا أعده لأوليائه إذا شربوا سكروا وإذا سكروا طابوا وإذا طابوا طاشوا وإذا طاشوا طاروا وإذا طاروا بلغوا وإذا بلغوا وصلوا وإذا وصلوا اتصلوا وإذا اتصلوا انفصلوا وإذا انفصلوا فنوا وإذا فنوا بقوا وإذا بقوا صاروا ملوكا في مقعد صدق عند مليك مقتدر " وفي رواية " إذا طابوا طربوا " ( مولوى 6 / 97 )
أما الأبيات المذكورة في العنوان ، أما البيت الأول فهو شطرة من رباعية ليست لمولانا أو للعطار أو سنائى ولم أتوصل إلى قائلها ، أما البيت الثاني فهو لفريد الدين العطار ( ديوان فريد الدين عطار نيشابورى ، البيت رقم 9824 ، ص 518 من الديوان ، ط 3 ، طهران 1339 ه . ش )
والبيت الذي يليه لسنائى ( حديقة الحقيقة ، الترجمة العربية ، لكاتب هذه السطور ، البيت 661 ) ويبدو أن أصل القصة من الروايات الشعبية التي كانت سائدة في الأناضول في عهد مولانا إبان حكم السلاجقة الترك للأناضول .
 
« 453 »
 
( 649 - 653 ) : يترك مولانا قصة الأمير التركي الذي انتبه من سكره فلا يعود إليها إلا في البيت 708 ، والمطرب المذكور في البيت التالي كناية عن المرشد الذي يأخذ بيد المريد في حالة سكره فلا يشذ ولا يضل ولا يشطح ، وهو الذي ييسر له عالم الصفاء الروحاني والصفاء الرباني وشأنه شأن مطرب الجسد يمحو عنه غبار الأحزان المتراكمة ( مولوى 6 / 98 )
 
فهذا المطرب الروحاني هو الذي يجر مريديه نحو السكر الإلهى بخمره الإلهية وفتوحاته الربانية ، ومن " نفس " هذا المطرب تحدث القوة من بعد الضعف والصحو من بعد السكر ، ولمطرب الجسد خمره ولمطرب الروح خمره ، والشطرة الثانية تقرأ عند بعض المفسرين مُطرب بفتح الميم وهم المضيق ، والدنيا عند بعض العارفين بمثابة المضيق لا بد للمريد فيها من الشيخ يأخذ بيده ويعبر به ، وكلاهما مطرب ، أي مطرب الجسد ومطرب الروح ، وشتان ما بينهما وإن تشابها في الحروف ، والفرق بينهما كالفرق بين أبى الحسن الوزير الجواد وأبى الحسن الآخر الوزير سلاخ الفقراء
( انظر الكتاب الرابع ، الترجمة العربية لكاتب هذه السطور ، الأبيات 1170 - 1240 وشروحها ) وبالرغم من أن كلمتي آسمان ( السماء ) وريسمان ( الحبل ) متشابهتان في الفارسية ، ولكن شتان بينهما فيما يتعلق بالمعنى ، ويضرب المثل في الفارسية على التشابه في المظهر بين شيئين بينهما في المعنى بون شاسع .
 
( 654 - 661 ) : ينطلق مولانا إلى الحديث عن المظاهر أو الألفاظ وكيف توقع في الظن والخطأ ، واللفظ بمثابة الجسد ، فأي فرق تراه بين المجوسي والمسلم فيما يتصل بالجسد ، ألم يقل الكفار للرسل إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا( إبراهيم / 94 ) . وما هذا الجسد بالنسبة للروح إلا كإطار ، كوعاء تماما ، كجرة ، وقيمة الجرة بما فيها ، فجسد العارف ملىء بالعلم والفيض ، وجرة الفاسق والكافر ملئية بالسم الزعاف ، فانظر دائما إلى ما تحتويه القدور لتكون ملكا ، وإلا إذا وقفت على النظر إلى
 
« 454 »
 
الظاهر تضل ، وهكذا الألفاظ والمعاني فالألفاظ بمثابة الأجساد وبمثابة القدور والمعاني بمثابة الأرواح وبمثابة المحتوى ، وليس كل إنسان بقادر على التمييز ، فهناك عين للجسد لا تستطيع النظر إلا إلى الأجساد مهما كانت ذات فنون وقدرات على رؤية الظاهر ، ولكن أين فنون الجسد من فنون الروح ، وأين قدرات الجسد من قدرات الروح ؟ !
وهكذا أيضاً هذا الكتاب الذي بين يديك قد يكون مشتملا على هزل وقد ترد فيه حكايات خارجة ، هي هكذا لمن ينظر إلى ظاهرها وصورتها ، لكنها بالنسبة لمن يدرك المعاني هادية للسبل ، وألم يقل الله سبحانه وتعالى في شأن القرآن العظيم يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً( البقرة / 26 ) فالكفار والجهال من الحيرة في إدراك حقائق الأمثال يقولون : ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا فبجهلهم زاد إنكارهم على الإنكار فتاهوا في أودية الضلال بقدم الجهالة ، فيضل به كثيرا ممن أخطأهم رشاش النور في بدء الخليفة ، فمن أصابه النور فقد اهتدى ومن أخطأه فقد ضل ، فمن أخطأه ذلك النور في عالم الأرواح فقد أخطأه نور الإيمان هنا ،
ومن أخطأ نور الإيمان فقد . أخطأ نور القرآن ، فكان القرآن لقوم شفاء ورحمة ولقوم شقاء ونقمة ( عن تفسير نجم الدين كبرى ، نقلا عن يوسف بن أحمد المولوي 6 / 100 ) .
 
( 662 - 668 ) : وهكذا فعند ما ينطق العارف كلمة الخمر ، متى يقصد الخمر المعلومة لديك وكل شئ في نظره فإن ، فلا ينظر إلا إلى معاني الأشياء ، إنما تفهم أنت ما يستطيع فهمك أن يصل إليه ، إن ما يصل إليه فهمك هو ظاهر الألفاظ هو هذه الخمر الدنيوية خمر الشيطان وأم الخبائث ، وهكذا تظن خمر العارف وهي من كل هذا براء ، ولكل شراب مطربه الذي يستدعيه ، فإن وجد المطرب لا بد وأن يوجد الشراب وإن وجد الشراب لا بد وأن يوجد المطرب .
وشراب الدنيا في حاجة إلى مطرب الدنيا ، أما شراب الروح ففي حاجة إلى المرشد والشيخ وهو مطرب الروح ، حلقات متصلة شرب يؤدى إلى خمار وخمار يؤدى إلى شرب وإلى ذهاب إلى الحان ( في الجسد والمعنى ) هما معا كميدان له بداية ونهاية ،
 
« 455 »
 
البداية تؤدى دائما إلى النهاية ، والقلب ( موضع العشق ) كأنه الكرة في صولجان ( المشيئة ) ، وكما أن الأذن توجد حيث يوجد الرأس ( انظر الكتاب الثالث ، البيت 2774 وشرحه )
وإن كان في هذه الرأس هيام ما فإن الأذن تتبعه لأنها مجرد تابع ، ثم يندمجان معا التابع والمتبوع والمطرب والمخمور . وفي تفسير آخر للشطرة الثانية من البيت السابق ، عندما يكون باطن الإنسان فارغاً من نور الإيمان ويكون قلقا من الصفراء التي تجتاحه ، فإن هذه الصفراء تجره إلى السوداء والماليخوليا وخيال الباطل فتبعد المرء عن الحقيقة .
 
( 669 - 674 ) : يحاول مولانا العودة إلى حكاية الأمير التركي والمطرب لكن المعاني تجرفه مرة ثانية ، وتصالح السرور والألم أي وصول العاشق إلى مرتبة يكون فيها ألم الفراق عليه وسرور الوصال سيين لديه ، فيكون فانيا في المحبوب ممحوا فيه ، لا يرى لنفسه رغبة أو إرادة . وهكذا أيقظ أميرنا إياه المطربين ، أي طلب من يقوده من عالم السكر إلى عالم الصحو ، والبيتان الأخيران من الأبيات العربية مشروحان في قصة من قصص الكتاب الأول .
 
وفي تعليق للأنقروى ( 6 - 1 / 159 ) أن الأبيات توحى بقول المجنون :
فلاحت فلا والله ما ثم مانع * سوى أن طرفي كان عن حسنها أعمى
 
توهمت قدما أن ليلى تبرقعت * وإن لنا ما بيننا ما يمنع اللثما( انظر الترجمة العربية للكتاب الأول 3063 وما بعده وشروحها ، والبيت الأخير ، انظر الكتاب الثالث الترجمة العربية لكاتب هذه السطور ، الأبيات 1345 - 1354 وشروحها ) .
ولابن الفارض :وقد رفعت تاء التخاطب بيننا * وفي رفعها عن فرقة الفرق رفعتى( انقروى 6 - 1 / 160 ) كما يذكر السبزواري ( ص 421 ) البيتين :
 
« 456 »
 
ولا تسمح بوصلك لي فإني * أغار عليك منك فكيفى منىويذكر للحلاج :بيني وبينك إني ينازعني * فارفع بلطفك إنيى من البينولابن الفارض :فلم تهونى ما لم تكن في فانيا * ولم تفن ما لم تجتلى فيك صورتي
 
( 675 - 680 ) : مصدر الحكاية التي تبدأ هنا يقول فروزانفر ( مآخذ ، ص 201 ) عن نبهان مولى أم سلمة رضي الله عنها ، أنه حدث أن أم سلمة حدثته أنها كانت عند رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم وميمونة قالت : بينما نحن عنده إذا أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه وذلك بعد أن أمر بالحجاب ، فقال رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم احتجبا منه ، فقلنا يا رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم أليس هو الأعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا ، فقال رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم أفعميا وان أنتما ؟ ! ! ألستما تبصرانه ؟ ! !
ورواية مولانا أقرب إلى رواية أخرى لهذا الحديث وردت في تفسير أبى الفتوح الرازي ( مآخذ / 202 ) .
والغيرة المذكورة فيما بعد إشارة إلى حديث نبوي [ إن سعدا لغيور وأنا أغير منه والله أغير منا ومن غيرته حرم الفواحش ما ظهر منها وما باطن ] ( انظر الترجمة العربية للكتاب الأول ، البيتان 1723 - 1724 وشروحهما )
والبيت رقم 680 مختلف التفسير عند استعلامى فهو يرى أن المعنى أن العجائز يحقرن أزواجهن ، وهو تفسير بعيد بل أولى التفاسير ما جاء في ظاهر البيت : إذا كانت الغيرة تصدر عن الجمال لأن الجميل هو الذي يغار من أن ينظر إلى غيره لأنه طعن في جماله ، وهو أعز ما يتدلل به وتجاهل له وهو المعتاد على لفت الأنظار ( وعن قيمة الحجاب بالنسبة للمرأة ولعفافها وإن لم يرها رجل ، انظر الكتاب الثالث ، الترجمة العربية ، الأبيات 3705 - 3709 وشروحها ) .
 
( 681 - 690 ) : الحديث عن الجمال المحمدي ، جمال باطني ومعنوي لا مثيل له في الكونين أي الدارين ، وذلك لأنه يستمد جماله من الجمال المطلق ، ومن الغيرة التي

« 457 »

تصاب بها فلك الأقمار والشموس المتلألئة على هذا الفلك ، فإن هذا الجمال يغيبتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَهي غيبة عن الأبصار لا عن الحقيقة والليل هو ليل الاستتار ( في مقابل نهار التجلي ) ، وعند غيبة الجمال يتبجح القبح فتطير الخفافيش ( أي الأنفس التي لا طاقة لها على مواجهة ، نور شمس الجمال المطلق )
ولا تنظر الطواويس أي أهل الكبرياء والتنفج وأولئك الذين زينوا ظواهرهم ، دون بواطنهم إلى أقدامهم أي نفوسهم وهي مواطن القبح فيهم والتي تدلهم ، على حقيقة قبحهم ونقصهم ، كما كان الحذاء الريفي والسترة الجلدية لإياز مملوك محمود الغزنوي يذكره دائما بأصله ، ( انظر لتفصيلات الكتاب الخامس ، الأبيات 1859 وما بعده و 2051 وما بعده و 3253 وما بعده والبيت 390 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحها ) .
 
ثم إن الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم يتجلى بجماله لكي يحس كل قبيح بقبحه ويحاول أن يستمد من هذا الجمال ، ثم يخلص مولانا إلى أن الحديث عن الجمال المحمدي لا يستوعبه مقال ولا يستطيع مقال أن يعبر عنه ، والله تعالى أمرنا بالقصد في كل شئ ، وفي الحديث والكلام بالطبع .
 
( 693 - 700 ) : في البيتين 691 - 692 يعود مولانا إلى حكايته ، لكنه لا يلبث أن يتركها ليعاود إفاضاته عن الجمال المحمدي وهو الجمال المطلق الساري عن الجمال الكلى في كل الكون ، فهو الجمال الذي يحسده العقل الطالب للكمال والباحث عن المعرفة ( انظر الترجمة العربية للكتاب الثالث الأبيات 2528 - 2538 وشروحها )
وهو يعبر عن هذه الغيرة بكثير من التشبيهات والأمثال ، " أراد أن الولي الكامل عقله كمحمد وروحه كعائشة فكما غار رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم على حسن عائشة ، وعلمت عائشة فأشارت بيدها لتخفى صورتها ، فغيرة العقل على حسن الروح من هذا القبيل ، إذا أرادت التكلم فلعلمها بغيرة العقل من عمى القلوب ، لئلا يعلموا صوتها ، بل مثلت وأشارت وكنت فيفهم العارف .
وهذا المثنوى ناثر لمئات الألوف من أسرار خفية ورموزات علية رحمانية ولو كان مشتملا على بيان حسن
 
« 458 »


وعز المعشوق الحقيقي جل وعلا لكن على وجه التمثيل والكناية لأن العقل الغيور لا يرضى بالتصريح فيطلع على أسرار العشق المحارم ( من أذن لهم ) لا غير ( مولوى 6 / 105 ) .
ولا حاجة بالعقل إلى هذه الغيرة ما دامت الروح خفية هذا الخفاء ، أتراه من فرط المحبة التي يكنها العقل للروح ؟ ومن هو أهل لها يراها مهما أخفيتها ومن هو غير أهل لها لا يراها مهما كانت واضحة ظاهرة .
وكيف تخفيها أيها العقل الغيور والشمس في كبد السماء لا تجد أثرا منها ما لم يسمح لها ، وكيف تضع النقاب على وجهها ونورها يشع من وراء هذا النقاب ؟ ! والجواب : إنني من فرط الغيرة التي أحس بها تجاه هذا المحبوب أريد أن أخفيه حتى عن نفسي ، أغار عليه من عيني أن تراه ومن أذني أن تسمعه ، إذن فلماذا تتحدث ؟ ! ألست تخاف أن تفصح عما لا يجب الإفصاح عنه أمام من ليس بأهل له ؟ ! فيها أيتها الروح وهيا أيها القلب أصمتا تماماً .
 
( 701 - 707 ) : يحاور مولانا قلبه وروحه ويسمع الرد منم هذا القلب والروح : إن الصمت عند أهل المعنى حديث ( انظر الكتاب الثالث عن آفة الحال إدراك المقال ، وعن غسل الدم بالدم وعن الصمت المحال والنار في صوف وقطن ، الترجمة العربية ، الأبيات 4725 - 4739 وشروحها )
لكن الأمر هنا ليس على شاكلة النار في صوف وقطن بل هو على شاكلة الشمس التي تحاول أن تداريها فتمزق الحجب ، إن هذا الحديث ضروري ومهم ولا مندوحة عنه ولا محيص عنه ولا مهرب ، إن بحر المعاني تجيش غواربه فيتحول جيشانه هذا إلى زبد على وجهه ، أليست الحقيقة العليا هي القائلة : كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبى عرفوني " ، اعرف نفسك إذن أيها المخلوق ، أنت زبد البحر الكلى ، ومن ثم فإن الكلام حجاب واخفاء الكلام هو عين إظهاره ، إنك لا تتحدث بل تشير وتومىء فيزداد الكلام من هذه الإيماءات والإشارات ،
هذا يفسره وهذا يزيد منه ، وهذا يؤوله ، فتحدث أنت إذن حتى ينشغل الناس بكلامك عما تعبر عنه ، فأنت تراهم
 
« 459 »
 
ينظرون إلى هذا البلبل الذي يغرد حينا ما بجمال الروضة فينصرفون عن هذا الجمال ، ويتوهون في البحث عن الدليل وينصرفون عن عبير الحقيقة ! !
 
( 708 - 724 ) : المطلع الموجود في العنوان من غزل لم أعرف قائله وإن كان أقرب ما روى إليه غزل لفخر الدين العراقي مطلعه :
أأنت قلبٌ أم فاتنة أو روح أو أحبة . . . لست أدرى * أنت كل الوجود . . . والخلاصة أنني لست أدرى هذا أو ذاك والشطرة الثانية من البيت وردت بمعناها من نفس هذه الغزلية لفخر الدين العراقي ، في البيت السادس والسابع : ما ذا تريدين من هذا المسكين الحائر ، لست أدرى . . .
( ديوان فخر الدين العراقي ، ط 6 ، تهران ، 1370 ، صص 182 - 183 )
 
ويعود مولانا إلى قصة ذلك الأمير التركي ومطربه ، والمقصود بالطبع أن على المرء أن يتحدث عما يدريه وإلا فعليه أن يصمت وإلا باخ الحديث وبأخت المعاني ، فما هذا النفي وما هذا السلب ، إنك تسأل سؤالًا مباشراً فأجب عنه بجواب مباشر .
 
( 725 - 727 ) : لقد وصف التركي من قبل بأنه أعجمي لا يفهم ، وها هو التفسير يأتيه على لسان المطرب ( المرشد ) : إن المقصود بكل هذا النفي هو الوصول إلى الإثبات ، فما لم يصل المرء إلى مرحلة الفناء فإنه لا يصل إلى مرحلة البقاء ( انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث البقاء في الفناء ) ، ألست تعتبر الموت نفياً للذات؟ إن الأسرار كلها تتكشف لك بهذا الموت ، ويتحول نفيك إلى إثبات.
 
( 728 - 735 ) : الحديث المذكور في العنوان يتكرر كثيراً عن الصوفية ومر شرحه في الكتاب الرابع ( أنظر البيت رقم 1372 وشروحه من الكتاب الرابع والأبيات 3672 - 3678 وشروحها من الكتاب الثالث ) والبيت المذكور لسنائى من ديوانه ( ص 52 ) فالفناء ينبغي أن يكون كاملًا حتى يمكن إدراك الحياة الآخرة ، فإياك أن تقف عند درجة وتظن أنك
 
« 460 »
 
بها قد أدركت الفناء ، ينبغي ألا تنقص درجة واحدة من درجات الوصول إلى الله تعالى مهما أطلت فيها ومهما بدى لك أنك وصلت " فمن ظن أنه قد وصل فقد انفصل " ، وإنك لن تصل إلى مرحلة غرق السفينة والذي فيه نجاتها من ملك ( نفس ) يأخذ كل سفينة غصبا إلا إذا وضعت فيها الحمل الأخير والحمل الأخير هو آخر وساوس النفس ومغريات الهوى إن هذا بمثابة النجم الطارق الشارق في ليل الضلالة الداجي لمطاردة شيطان النفس ،
أي أن سفينة الوعي أي الحياة المادية ، تتجلى عليها شمس الروح ، فإن لم تمت هذا الموت الإختيارى ، فقد طال عليك نزع الروح ، وطالت عليك سكرات الموت ، لأنك تكون متعلقاً بالدنيا متشبثاً بها . فيا أيها المحبوب ، يا شمعة جميلة حسناء من شموع مدينة طراز ، بادر بالموت الاختياري ، ولن تتجلى لك شمس الحقيقة ما لم تمت أنجم الذات وذهب ليل الجهالة .
 
( 736 - 740 ) : الحديث من المطرب ( المرشد ) إلى الأمير التركي ( النفس الدنية الجهول ) الذي سحب هراوته ليضرب المطرب يقول له : اضرب نفسك بهذه الهراوة فإن عين جسدك التي هي بمثابة قطنة في إذنك تسد طريق وعيك ، إنك لا تضربني بل تضرب انعكاس وجودك الدنيوي فىّ ، لقد ضايقك منى قولي لست أدرى لست أدرى ، ولم تنتظر حتى أتم ، بل أحسست أنني أقصدك أنت لأنك لا تدرى شيئاً ، وهذا هو ما أغضبك ( انظر لانعكاس شعور الآخرين في الطرف المقابل البيت 3252 من الكتاب الثالث )
والإشارة في البيت 740 إلى ما ورد في الكتاب الأول الأبيات 1304 وما بعده قصة الأرنب والأسد وتكررت في أكثر من موضع من كتب المثنوى الستة ) .
 
( 741 - 747 ) : هذه الفكرة أيضاً من الأفكار التي تكررت في المثنوى كثيراً : إن الأشياء تتكشف بأضدادها ، وفي هذه النشأة الأولى لا تتميز الأشياء إلا بأضدادها ومن ثم لا إثبات إلا بنفي ، فلا لحظة توجد فيها إلا وفي داخلها من فخاخ الشهوات الكثير ، وذا اللباب خطاب من المطرب للأمير التركي وهو للسخرية لأن الأمير في حالة سكره فاقد للعقل
 
« 461 »
 
بالفعل ، إن الحق إذا أردته فهو لا يكون بلا حجاب طالما أنت في حالة الحجب وإن كنت تريده بلا حجاب فاختر الموت ، ليس موت الدفن في التراب بل هو موت الخصال الذميمة والميلاد الثاني في الخصال الحميدة المرغوبة ، مثل موت الطفولة والميلاد في حالة الرجولة ، ومن وصل إليه فقد محيت عنه الألوان وتجلى في النور وصار حزنه سروراً ،
 
وهو ما يعبر عنه مولانا في ديوان شمس :
كنت ميتاً فأصبحت حياً كنت باكياً فأصبحت ضاحكاً * لقد حلت دولة العشق وللعشق دولة خالدة فلى عين شبعى ولي روح شجاعة * ولي جرأة الأسد وصرت متألقاً ككوكب الزهرة ( غزل 1993 ص 539 )
 
( 748 - 754 ) : إن لم تكن تصدق أن هناك حياً مات في الله وفنى فيه وولد الميلاد الثاني في هذه الدنيا فاستمع إلى حديث الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم بشأن أبى بكر الصديق رضي الله عنه [ من أراد أن ينظر إلى ميت يشمى على وجه الأرض فلينظر إلى أبن أبي قحافة ] كما ورد [ من أراد أن ينظر إلى شهيد يمشى على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبد الله ]
 
( أحاديث المثنوى ص 194 ) إن روحه فانية في عالم الغيب وإن كان جسده رضى اللّه عنه لا يزال يدب على الأرض ، ومن ثم فإن الموت بالنسبة لأبى بكر لا يعنى انتقال روحه ، فقد انتقلت ، ولن يفهم أحد هذا إذا قاسه بعقله ، فليس الانتقال هنا انتقالًا بالقدم كما هو مفهوم عند أولئك العوام الذين لا يفهمون المصطلحات الصوفية ، لأنها ذوق ، ومن ذاق عرف ، فلن يكون الأمر مفهوماً ،
( ورد مضمون هذا المعنى أيضاً في الكتاب الثالث : انظر الترجمة العربية ، الأبيات 3431 - 3437 وشروحها ) أنه ليس كسفر المرء من بلد إلى بلد بل كسفر النطفة إلى النهى ، وكسفر البوص إلى مرحلة أن يصبح سكراً ( انظر الكتاب الرابع 553 -
 
« 462 »
 
556 وشروحها ) ، أن أبا بكر هو من هنا أمير المحشرين - المحشر الأول إفناء الذات في هذه الدنيا والمحشر الثاني هو محشر الآخرة ، فإن كنت لا تؤمن بالحشر أنظر إلى أبى بكر كي تكتسب هذا الإيمان .
 
( 755 - 765 ) : إذا كان هذا هو حال أبى بكر الصديق لقربه من محمد صلى اللَّه عليه وسلّم فما بالك بمرتبة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم والخلفاء الأربعة نقاط أربعة من عرقه " إن الله تعالى نظر إلى روح رسول اللّه صلى اللَّه عليه وسلّم قبل إيجاد العالم فظهر منها ستة قطرات من العرق النوراني فخلف من الأربع قطرات أرواح الخلفاء الأربعة وخلق من قطرة الأرز ومن قطرة الورد الأحمر "
( مولوى : 6 / 114 ) : فإذا كان أبو بكر أميرا في القيامة فمحمد هو القيامة نفسها إنه القيامة لأنه دائماً ممحو في صلاته ناظر إلى الرفيق الأعلى من الجنة ، فهو الحشر وكان كلما سئل عن القيامة قال : بعثت أنا والساعة كهاتين ويعقد ما بين إصبعيه ( أحاديث المثنوى / 118 ) إنه من عظمته ومهابته قيامة حاضرة
( انظر الأبيات 1480 - 1482 من الكتاب الرابع وشروحها ) وإن سئل صلى اللَّه عليه وسلّم عن القيامة فإن هذا يعنى أن السائل لم يدرك بعد عظمة الرسول وأنه كان قيامة على الكفر وعلى الترفة والاستعباد والطغيان والانتهاز ، ومحمد هو الذي ولد مرة ثانية في هذه الدنيا ، أنه هو الذي ولد مرتين مرة بالجسد ، ومرة بإفناء الصفات وفي عالم الروح ،
ومن هنا قال الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم : موتوا قبل أن تموتوا ، ذلك لأنه هو الذي جرب الموت قبل الموت وعرف ما فيه من الفوائد الرحمانية والعطايا الإلهية ، لقد تحدث الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم ، إلى أتباعه عن تجربة فقد مات قبل الموت ،
ومن هذه الميتة الأولى كان صيته وكان صوته ، فإن أردت أيها السالك أن تفهم وأن تعرف ، فشرط المعرفة هنا هي الذوق ، كن مثله وسر على منواله حتى تفهمه ، فليس ما تريد أن تفهم سواءً كان نور أو ظلاماً ،
 إن سرت على طريق العقل تيسر لك كل ما يمكن للعقل أن ييسره ، وإن سرت على طريق العشق أدركت قبساته ، ويكفيك هذا القدر من الدلائل والبراهين على وجود الموت الاختياري التبديلى ،
 
« 463 »
 
فهذا على قدر فهمك وهمتك ، فقد قلت مراراً أنني مت حسرة على الفهم الصحيح ( البيت 2100 من الكتاب الثالث ) وحيثما وجد غذاء يوجد آكلة ولا فائدة من معنى يطرح أمام من لا يدركه .
 
( 766 - 781 ) : إذن فهذا العالم كله في نزع وفي موت ، تموت خلايا وتتجدد بدلًا منها خلايا أخرى ، وليس الماء الذي يجرى في الجدول هذه اللحظة هو نفس الماء الذي كان يجرى في اللحظة السابقة ، ( انظر الكتاب الأول : البيت 1150 في كل لحظة لك موت ورجعة ) وما دام الناس كل لحظة في نزع وموت فإن كل ما يتشدقون به من ألفاظ يكون من قبيل الوصايا التي يوصى بها المحتضرون أولادهم ، فانظر إلى كل شئ على أنه غارب ومنته ومنقض حتى لا تفاجأ بالنهاية ف :
لو فكر العاشق في منتهى حسن الذي يسبيه لم يسبه ( بيت لأبي العلاء المعرى ) .
 
ولا تظنن أن النهاية بعيدة فكل آت آت ، وكل آت بعد حين فهو آت ، المهم أن تبعد عن عينيك الأغراض الدنيوية وألا يكون اهتمامك بها فحسب ، وإن عجزت عن ذلك فلا تستسلم لهذا العجز ولا تقف عليه ، فمع عجزك يكون الله معك " ويفعل بالضعيف حتى يتعجب القوى " ، وذوو الأقدام المحطمة الذين سلموا هم أول من وصل إلى المقصد ، هذا العجز قيد ،
 
فانظر إليه - وتضرع إلى الإله الواحد الذي يستطيع أن يحل عن قدمك هذا العجز ، فالإنسان في خسرإِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ( العصر / 2 ) .
 
وهذا هو الحكم العام ولا يستطيع أن ينجيه من هذا الخسر إلا الإله ، وراجع نفسك ما الذي قيد قدمك ، أتراه الشر الذي سعيت فيه وأثقلت به هذا القدم ، أو الصمم الذي أصاب أذنك ، أم الادعاء الذي تدعيه من أنك كسرت أصنام الأهواء في حين أنك كنت تنحتها وتقيمها وتزيد فيها ، أكنت منصرفاً إلى صنمك ترى ذكره واجباً ولا ترى ذكر الموت واجباً ، أجل ، الموت أمامك في كل لحظة رأيته وجربته في فقدك الأحباب يذوون أمامك وينتهون أمامك ، وتتسرب منهم الحياة ، لكنك
 
« 464 »
 
لا تحس إلا إذا داهمك الموت وأخذ بحلقك ، ومن شدة ضربه لجسدك المنفوخ كالطبل يرتفع صياحك ، وهكذا أنت ضيعت عمرك في كسب العلوم الدنيوية قائلًا إنك محيط بدقائق الأمور ، وغفلت عن سر الموت الذي لم تدركه إلا لحظة وقوعه فحسب .
 
( 782 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت في رأى لاستعلامى أنها لم ترد قبل مولانا في مصدر ما وإن وردت بعده في مصادر عديدة . وإن كانت توحى بان احتفالات الشيعة الباكية بعاشوراء تعود إلى ما قبل العصر الصفوي في القرن العاشر الهجري وإن كان الصفويون قد بلوروها وأضافوا إليها كثيراً من المظاهر والشعائر ( انظر مقال الهوية الشيعية واحتفالات عاشوراء في مجلة الهلال عدد يونيه 1992 لكاتب هذه السطور ) .
 
( 784 ) : المقصود شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين رضى اللّه عنه في كربلاء وقد صار علماً على الشر في المأثور الشيعي المعاصر ويزيد هو يزيد بن معاوية .
 
( 796 ) : المقصود كما أن لمحمد بن عبد الله صلى اللَّه عليه وسلّم وزنه وقيمته فللحسين رضى اللّه عنه وشهداء كربلاء قيمتهم ، وإذا كانت الأذن عزيزه يكون القرط عزيزاً أي كل ما يتعلق بالعزيز عزيز وهو مثل فارسي سائر .
 
( 802 - 810 ) : إذا كانت روح هذا السلطان من سلاطين الدين قد فرت من سجن الدنيا فلم التأسف والبكاء ؟ ولماذا التحسر على أنه قد انطلق من قيود الدنيا إلى عالم لا قيود فيه ؟
إن يوم أن تخلصوا من هذه الحياة الوضرة هو يوم العيد ويوم الحرية ولا ينبغي الاحتفال بالبكاء بل بالفرح والسرور ، بل لتبك جهلك الذي جعلك تنوح هكذا ، إنك تنوح لأنه غادر الدنيا ،
 
فأنت لا ترى سوى الدنيا ، ولو رأيت الآخرة لضحيت بهذه الدنيا ولصرت شجاعا مقدماً ، وإذا اتصلت ببحر الغيب لصرت سخى الكف ، فمن رأى الجدول لا يبخل بالماء ( انظر لأفكار أخرى في هذا المعنى الكتاب الثالث الأبيات 3421 - 3428 وشروحها والكتاب الخامس الأبيات 3782 - 3787 وشروحها )
 
« 465 »
 
( 811 - 825 ) : يضرب مولانا مثالًا للإنسان الذي يقف عند الدنيا وعندما يراه من زينتها وزخرفها بالنملة ( تكرر مثال النملة وإدراكها المحدود في المثنوى انظر على سبيل المثال لا الحصر : الترجمة العربية للكتاب الرابع الأبيات 3721 - 3726 وشروحها ) والحبة هي هذا العالم المحدود الذي نعيش فيه إذا قيس بالبيادر ( الأكوان والدار الآخرة ) ، والإنسان ذرة بالقياس إلى عطارد ونملة عرجاء بالقياس إلى سليمان
( المرشد الكامل والنبي الذي دانت له المخلوقات كلها ) ( انظر الترجمة العربية للكتاب الرابع البيت 1287 والأبيات التي تليه مع شروحها ) وهكذا يقدم مولانا المضادات كلها ( وبضدها تتميز الأشياء ) والإنسان بقدر ما يراه ، وقيمة المرء ما قد كان يدركه ( وفي رواية يعلمه ) ثم يدق مولانا على معنى سبق أن قدمه في الكتاب الأول
 ( انظر الكتاب الأول - البيت 1416 ولتفصيل الفكرة راجع الأبيات 1406 - 1417 وانظر أيضاً الكتاب الخامس الأبيات 3676 - 3695 وشروحها )
والدن هو الروح الكاملة وهو رجل الحق وهو البصيرة النفاذة والإدراك ، وإذا كان هذا الإدراك متصلًا بعالم الغيب ، فإنه يكون بحراً من المعارف والعلوم والبصائر يزرى بنهر جيحون ، أما الأقوال التي ينطقها فإنها تكون درا لأنه يكون ناطقا بالله معبراً عنه ، يكون نطقه أحمدياً ،وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى، إنه يستمد من البحر مباشرة ،
فكلامه كله در بحر ، وكل من تخلق بخلقه وسار على هدية يكون له نصيب من البحر ، أليس للسمكة في نهاية الأمر نصيب من البحر وهذا النصيب مهما كان ضئيلا فإنه يدل على البحر كله ،
( انظر افتتاحية المثنوى ، مل هذا الماء من ليس بحوته البيت رقم 17 من الكتاب الأول )
 
ويعود مولانا : إن العين قاصرة ترى في محمد صلى اللَّه عليه وسلّم وسيلة إلى البحر وقمرا إليه بينما هو في الحقيقة هدف ومستقر في حد ذاته ، وهكذا العين الحولاء ترى الدن غير البحر والبحر غير الدن بينما في الحقيقة أنهما واحد لا يتجزأ لا حدود ولا فواصل بين الأول والآخر فالأول هو عين الآخر والآخر هو عين الأول . قال
 
« 466 »
 
نجم الدين : هو الأول في عالم لاهوته والآخر في عالم ملكوته والظاهر في عالم ناسوته والباطن في عالم جبروته وهو إشارة إلى وحدانية ذاته المحيط بالكل ولأجل هذا يبتدأ به ويختم عليه ، وفي قوله وهو بكل شئ عليم من الحقائق اللاهوتية والحقائق الجبروتية والدقائق الملكوتية والشقائق الناسوتية وهذا يفيد أن الله عار من التغير والتبدل والتحيز والتحول باق على وصف واحد ( مولوى : 6 / 124 ) .
 
( 826 - 829 ) : إن هذا الأمر يبدو غامضاً لكن إدراكه لا يكون إلا عن طريق البعث ، أي أن تختار الإرادة الإلهية العبد وتجذبه وتصل به إلى مراتب عليا من مراتب الإدراك ، وهذا يكون بالسير والسلوك ولا يكون عن طريق الجدل وشرطه الأول الفناء ، والناس جميعا قد أخطأوا إذ يخافون من العدم ويخشونه والعدم هو الملجأ والملاذ وهو أصل الوجود ومخزنه ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 3772 - 3773 وشرحهما والكتاب الخامس الأبيات 4182 - 4186 وشروحها )
 
ومن ثم فإن إدراك العلم الباطني لا يكون إلا بترك العلم الدنيوي ( الصبر وانتظار العطايا وعدم التعالم ، كذاك تستطيع أن تصل إلى الوئام والسلام مع الله إذا حاربنا في الدنيا
( وليست النظرية الحربية القائلة أن السلام يفرض عادة بالحروب إلا ترجمة دنيوية لهذه الفكرة ) وهكذا فالوجود الحقيقي تصل إليه عندما تبدأ الوجود العددي والشطرة الثانية تعبير عن مثل فارسي : أن التفاح لم له نصيب فيه وليس لمن طالت يده ، والتفاح بالطبع من نعم الدنيا
( وهنا نعم الدار الآخرة أيضاً عند مولانا ) فالأمر بالتوفيق لا بالجهد ونعوذ بالله من جهد بلا توفيق ( انظر في الكتاب الثالث قصة فرعون مصر وموسى التي تبدأ من البيت 840 ) .
 
( 830 - 835 ) : إنك أنت أيها الإله الذي تمنح هذه البصيرة الناظرة إلى الوجود الصوري قوة النظر إلى الوجود الحقيقي أي العدم . ولماذا لا تكون البصيرة ناظرة إلى العدم وهي التي جاءت أصلًا من العدم ( كل شئ يحن إلى أصله من الأفكار الرئيسية في المثنوى وفي
 
« 467 »
 
الافتتاحية كل من ظل بعيداً عن أصوله ، ظل منجذباً لآنات وصوله البيت رقم 4 من الكتاب الأول )
فإن هذه البصيرة التي تنظر إلى أصلها ترى الوجود كله معدوماً ( من عدم إلى وجود ) ومن وجود إلى عدم في دورة متتالية ) وترى هذا العالم محشراً ( هي أقرب إلى فكرة الآكل والمأكول الواردة في صدر الكتاب الثالث ) لكن هذه الحقائق تظل دوماً محجوبة وناقصة في عيون أولئك الذين لم ينضجوا ، إن هذه الحقائق من قبيل نعم الجنان المحرمة على من كتب عليهم الجحيم ، وإن كان الحق سخياً يهب دنياه للكافر والمؤمن ،
 
وهكذا هذه النعمة التي بين يديك ، تكون مرة في فمك ، لأن الشهد الخالص يكون مرّاً في فم من لم يكن نصيباً له ، فالخبيثات للخبيثين ، إن ذلك الذي حرم من شهد الجنان هو ذلك الذي لم يكن وفياً للعهد الذي أخذ عليه في يوم العهد والميثاق ، لقد رجع في الصفقة ومن رجع في صفقته لا بد وأن يخسر كل شئ .
 
( 836 - 850 ) : تعالوا نتحدث معا بالمنطق الذي تفهمونه : إن إدراك عالم الغيب والبعث إنما يشمل به الله من يكون مشترياً جديراً بهذا السوق وهل تتحرك اليد في التجارة إن لم يكن هناك مشتر ( إن لم يكن ثم طالب فلا عطاء ) إن الأحمق يطوف في السوق وكل همه أن يشاهد البضائع ( أولئك الذين يقفون في الدنيا موقف المتفرجين فلا هم باعة ولا هم مشترون همهم المشاهدة فحسب ) لكن نظرة من يريد أن يشترى تختلف في أنه يميز ويقارن ، يكون بأجمعه منتبهاً إلى ما في السوق من بضائع ، أما المتفرج فهو يمضى الوقت
 ( يحيا حياته ويمضى عنها دون أن يحس بها ) إنه لا يملك ما يشترى به ، فلماذا يجادل في الثمن إلا من أجل السخرية والاستهزاء ، انه يقيس الربح ، انه لا يتاجر فلا رأس مال له ، وليس لديه أي استعداد لأن يكون ممن تنطبق عليهم الآية الكريمة إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ. . .بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ فإن لم تدفع الثمن وقنعت في هذا العالم بدور المتفرج خسرت كل شئ ، والأمر جد لا هزل فيه ، وهكذا فرأس مال الدنيا معلوم ، ورأس مال
 
« 468 »
 
الآخرة هو العشق المفنى ، وهو العينان الدامعتان اللتان تعدلان كل ما في الدنيا من نعيم ، فيها أطلب واسع واجتهد وداوم على الخدمة ، فما لم تسع لن يجود هذا المنجم بالياقوت ، وأطلق بازيك في صيد حديث الأرواح ودعك من النتيجة ، وتوخ أسلوب نوح أي قم بالدعوة دون اهتمام بقول الناس وردهم ( انظر الكتاب الرابع الأبيات 3584 - 3587 وشروحها ) ويروى الأنقروى ( 6 - 1 / 202 ) " مروا بالمعروف وإن لم تفعلوه وانهوا عن المنكر وإن لم تجتنبوه كله " .
 
( 851 - 865 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت في مقالات شمس الدين التبريزي ( انظر مقالات شمس تبريزى تصحيح محمد على موحد 1 / 124 ) والذي يدق للسحور هنا كناية عن الداعي إلى الله وفي منزل خال كناية عن الذي يدعو من لا يستجيب ،
وهو يدعو أيضاً في غير أو ان ، لكن متى كان على الداعي أن ينتظر أواناً لدعوته ثم إنه يدق في صبح الطرب أي صبح انكشاف الأسرار ولا شأن له بحزن الدنيا أو سرورها ومن الأبيات 860 - 865
 
يتحدث عن معجزات الأنبياء مع الجمادات التي تبدو أمام العوام جثة جامدة وهي مليئة بالحياة بالنسبة للأنبياء ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 1008 - 1021 وشروحها والكتاب الرابع 2410 - 2421 وشروحها ) وعن ماء النيل كماء بالنسبة لقوم موسى ودم بالنسبة لقوم فرعون انظر الكتاب الثالث البيت 3030 والكتاب الرابع البيت 3422 ) .
 
( 866 - 876 ) : يواصل الموقظ للسحور حديثه والحديث هنا لمولانا جلال الدين بالطبع :
أنظر إلى ما يفعله الناس من أجل الحق : إنهم ينفقون الأموال ، يتجشمون المشاق ويتعرضون للأهوال ساعين إلى بيت الله صائحين لبيك اللهم لبيك ، فهل تراهم قالوا ما لهذا البيت خال ، لا ، إنهم يدركون أنه موجود ، لكن
 
« 469 »
 
لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُإنه مختبىء كالروح ، انه يرى قلبه مملوءاً بمحبة الله تعالى وهناك الكثير من الدور العامرة بالناس ، لكن أصحاب الأنظار النفاذة يرونها خالية :إني لأفتح عيني حين أفتحها * على الوجود ولكن لا أرى أحداً
إنها مليئة بأولئك الذين لا يعدون أن يكونوا صوراً فانية ، من الذين يعيشون في الدنيا وهي كل همهم ومبلغ علمهم ، وإذا علمت وأدركت أن الكعبة هي بيت الله فإنك إن طلبته تجده أمامك ، فهل تخلو صورة خصها الله بنورة من حضور الله ؟ وهل يخلو ولى من أولياء الله من قبس من النور الإلهى ؟
 
 ألا يكون الله تعالى موجوداً في قلبه حاضراً لديه ، إن الولي دائم الحضور والناس في حاجة إليه ، ألم تسأل نفسك لماذا لا يتساءل الحجيج ما لنا لا نسمع أحداً ينادينا ومع ذلك نقول " لبيك " ؟ بل إنهم يسمعون النداء ، بل أن لبيك هي عين النداء
( انظر الكتاب الثالث الأبيات 189 - 199 وشروحها ) فيها يتولد كل لحظة نداء من الأحد ، وكل ما تريده ابحث عنه في الكعبة يوم عرفة يوم الحجيج ، الوجود كله أم القرى وحكم المكين إلى المكان سرى ( سبزوار / 424 ) وفي المثل الفارسي " الحاج بالحاج يلتقى في مكة " .
 
( 877 - 883 ) : يواصل الداق للسحور إجابته : إنهم يعلمون بفراستهم ( وهي من نور الله ) أن هذا القصر الخالي من الممكن أن يوصله بالله ، وهو بمثابة الكيمياء القديمة التي تحول النحاس إلى ذهب ، وما هذا الدق إلا وسيلة لتحميس الجذب وهو ما يعبر عنه بأن وترى الجهر والخفيض ( الموسيقى - الشماع ) هي التي من الممكن أن تجعل هذه البحور للعرفة تجيش بالعطاء ، وماذا في هذا ، والناس يضحون بأرواحهم جهاداً في سبيل الحق عندما يقاتلون في سبيله ،
 
ومنهم من يصبر على البلاء صبر أيوب عليه السّلام وصبر يعقوب عليه السّلام على فراق يوسف عليه السّلام ، ومن صبره هذا بكى حتى على فقد بصره ، إن كل إنسان يبحث عن وسيلة للتقرب إلى الله تعالى ، فمنهم من يتقرب إليه بالصبر على فقد المحبوب ، وهناك طرق إلى الله تعالى بعدد أنفاس بني آدم ، وأنا - والجواب لمن يدق
 
« 470 »
 
للسحور - أتقرب إليه بدقى للسحور في هذا المكان الخالي ( انظر في الكتاب الأول حكاية الشيخ العازف للصنج بداية من البيت 2083 ) .
 
( 884 - 892 ) : إن هذه هي التجارة الرابحة ، وإن كنت تريد مشترياً يجعلك رابحاً في تجارتك فاجعل عبادتك خالصة لله تعالى وقدم إليه بضاعتك واقرأ قوله تعالىإِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ( التوبة 11 )
 
إنك تقدم إليه مالًا ملوثاً بأدران الدنيا ، يهبك في مقابله نوراً طاهراً مقتبساً من نوره ، نوراً يقتبس العلوم والمعارف ، وتهبه هذا الجسد الفاني شهيداً فيعطيك الخلود الباقي والملك الذي لا يبلى ، وتدمع في مناجاتك دمعا مالحاً يعطيك في مقابله الكوثر الذي لا يعد الشهد إلى جواره شيئاً ، وتذكره فتأوه آهة حرى ، يرفعك بها درجات ودرجات من جاه الآخرة الذي لا يعد جاه الدنيا إلى جواره شيئاً ، أليست الآهة الحرى هي التي فتحت الطريق لإبراهيم عليه السلام إلى أعلى الدرجات ، وسماه الحق تعالى أواهاً فقالإِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ( التوبة 115 - يونس 75 )
 
إنها هي التي تمنح القرب ، وهل فوق القرب من جاه ، إنك في هذا السوق تعطى علائق الدنيا وتأخذ الملك الحاضر ، وتعلم هذه التجارة من الأنبياء ، هم الوحيدون الذين يستطيعون القيام لك بالدلالة في هذا السوق ، فإن بضاعتهم دائماً في ازدياد وأرباحهم في علو بحيث لا يستطيع الجبل أن يتحملها ، وكل هذا من عطايا الملك .
 
( 893 ) : العنوان السابق لهذا البيت يتناول جزءاً من سيرة بلال بن رباح رضى اللّه عنه صحابي الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم ومؤذنه وأحد السابقين في الإسلام المتعرضين للآلام والتعذيب في سبيله ، ولم يكن سيد بلال يهوديا بل هو أمية بن خلف من رؤوس الكفر في قريش ، لكن مولانا يذكر الكفر كلمة واحدة ، وبالنسبة لسحرة فرعون انظر الأبيات 1723 وما بعده من الكتاب الثالث وشروحها والأبيات 4123 وما بعده من الكتاب الخامس ، وبالنسبة لجرجيس وهو أحد الأنبياء أن الكفار كانوا يقتلونه ثم يعود حياً بالعشق الإلهى ( انظر 1244 من الكتاب
 
« 471 »
 
الخامس) وفي الفارسية مثل يقوله من يتعرض دائماً للعذاب والآلام بأن نبيه جرجيس 
وقد مر في الكتب الأخرى للمثنوى بعض جوانب أخرى من سيرة بلال رضي اللّه عنه ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 3519 وما بعده وشروحها ) وسيرة بلال رضي اللّه عنه متعددة المصادر منها سيرة ابن هشام وطبقات ابن سعد وأهم من تناول السيرة من السابقين على مولانا فريد الدين العطار في منظومة منطق الطير .
 .

* * * 
* * *

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: