الثلاثاء، 1 سبتمبر 2020

03 - سؤال سائل عن طائر حط على ربض المدينة أرأسه أفضل وأعز أم ذَنَبه؟ .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

03 - سؤال سائل عن طائر حط على ربض المدينة أرأسه أفضل وأعز أم ذَنَبه؟ .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

سؤال سائل عن طائر حط على ربض المدينة أرأسه أفضل وأعز أم ذَنَبه؟ .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

سؤال سائل عن طائر حط على ربض المدينة أرأسه أفضل وأعز وأشرف وأكرم ؟
أم ذَنَبه ؟ ! وجواب واعظ عليه بقدر فهمه
 
- سأل سائل " ذات يوم أحد الوعاظ قائلًا : يا من أنت لائق بالمنبر الأسنى ،
 
130 - إن لدى سؤالًا يا ذا اللباب ، فأجبني عليه في هذا المجلس :
- على رأس البرج حط طائرٌ ، فهل رأسه أفضل أو ذيله ؟ ! !
- قال : إذا كانت رأسه إلى المدينة وذيله إلى القرية ، فاعلم أن رأسه أفضل من ذيله .
- وإذا كان ذيله ناحية المدينة ورأسه ناحية القرية، فكن تراباً لذلك الذيل ، ودعك من رأسه!!
- إن الطائر يطير بجناحه نحو عشه ، وجناح الإنسان هو الهمة أيها الناس .
 
135 - والعاشق الذي لوث بالخير والشر ، لا تنظر إلى خيره وشره ، بل أنظر إلى همته .
- والبازي حتى وإن كان أبيض بلا نظير ، إذا كان صيده الفأر فقد صار حقيراً .
- وإذا كان بومة وميله إلى الملك ، فهو فوق البازي ، ولا تنظر إلى العرف « 1 » .
- والإنسان وهو على قدر طست من الخمير ، قد سما على السماوات وعلى الأثير .
- فهل سمعت السماء قط آيةكَرَّمْناتلك التي سمعها الإنسان كثير الأحزان .
..............................................................
( 1 ) ج 13 / 93 :
- ولو جندل الكلب النمر والذئب ، فهو أسد الميدان بلا ريب ولا شك . إن الآدمي معجون من قبضة طين ، وجاوز الفلك والكواكب بقلبه .
 
« 42 »
 
140 - وهل عرض أحدهم على الأرض والفلك الحسن والعقل والعبارات والهوس ؟ ! !
- فهل تجليت قط على السماوات . . . يا جمال الوجه وأيتها الإصابة في الظن ؟ !
- وهل عرضت قط أيها الولد أمام صور الحمام جسدك الفضي ؟ ! !
- فهل تمر على هذه النقوش التي تشبه الحور ، وتتجلى أمام عجوز نصف عمياء ؟ ! !
- فما الذي في العجوز ولم يكن فيها ، بحيث اختطفتك من هذه النقوش ؟ ! !
 
 145 - إنك لا تقول ، لكني أقول لك مبيناً ، إنه العقل والحس والإدراك والتدبير والروح .
- إن في العجوز روحاً قائمة بالامتزاج ، وليس في صورة الحمام روح .
- ولو تحركت صورة الحمام ، فإنها تفصلك عن العجوز في التو واللحظة .
- وما ذا تكون الروح ، إنها العالمة بالخير والشر ، وهي الفرحة من الإحسان والباكية من الضرر .
- ولما كان الوعي هو سر الروح وماهيتها ، فكل من هو أكثر وعياً أقوى روحاً .
 
150 - وتأثير الروح هو الوعي ، وكل من لديه وعى أكثر فهو إلهي .
- ولما كان الوعي هو لازمة الروح أيها القلب ، فكل من هو أكثر وعياً أقوى روحاً .
- وعالم الروح بأسره عالم من الوعي ، وكل من لا روح له فهو فارغ من العلم .
- ولو كانت العلوم خارج هذا الأصل ، لكانت تلك الأرواح جماداً في ذلك الميدان .
 
« 43 »
 
- لقد كانت الروح الأولى مظهراً للبلاط ، أما روح الروح فقد صارت مظهراً لله .
 
155 - لقد كان أولئك الملائكة بأجمعهم عقلا وروحاً ، ثم خلقت الروح الجديدة ، وكانوا جسداً لها .
- وعندما وقعوا على تلك الروح صاروا من سعادتهم خدما لها كأنهم الجسد .
- إن إبليس ذاك قد عصى تلك الروح لأنه لم يتوحد بالروح وكان عضوا ميتاً .
- ولما لم تكن له روح لم يصر فداءً لها ، ولم يطع الروح ذلك المبتور اليد .
- والروح لم تنقص بانفصال ذلك العضو عنها ، وذلك أنها تستطيع بيدها أن تقوم بالوجود .
 
160 - وهناك سر آخر فأين أذنٌ أخرى ؟ ! ! وأين الببغاء المستعد لذلك السكر ؟ !
- ولخواص الببغاوات سكر كثير ، وعوام الببغاوات نالت نصيباً من ذلك الطعام ! !
- ومتى يتذوق درويش الصورة من تلك الزكاة ، إنها معنى وليست بحراً من الشعر ! !
- وليس السكر بممنوع من حمار عيسى ، لكن الحمار بطبعه محب للتبن .
- ولو كان السكر مزيداً لطرب الحمار ، لصب أمام الحمار قنطاراً من السكر ! !
 
165 - فاعلم أن هذا هو معنىنَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ، وهذا أمرٌ مهم بالنسبة للسالك .
- حتى عن طريق خاتم الأنبياء ، ربما يرفع عن الشفة ذلك الختم الثقيل .
- وذلك أن الأختام التي تركها الأنبياء قد رفعت بالدين الأحمدي .
 
« 44 »
 
- كانت قد بقيت عنهم أختام لم تفتح ، فكنها فتحت بكف من نزلت فيهإِنَّا فَتَحْنا! !
- فهو شفيع لهذه الدنيا وتلك الدنيا ، " يوجه هذه " الدنيا صوب الدين ، والأخرى صوب الجنان ! !
 
170 - وتقول هذه الدنيا : أبِد لهم الطريق ، وتقول تلك الدنيا : أبِد لهم القمر ! !
- وإن عمله في الظهور وفي الكمون ، مصداقا لقوله : [ اهد قومي إنهم لا يعلمون ] .
- وبنفسه انفتح كلا البابين ، ودعوته في الدارين مستجابة .
- ومن هنا صار " الخاتم " فما كان له مثيل في الجود ولكن يكون .
- وعندما يبز أستاذ في صنعته ، ألست تقول له : ختمت الصنعة بك .
 
175 - إنك " الخاتم " في فتح الأختام ، وأنت " حاتم " في عالم واهى الروح .
- إن إشارات محمد صلى اللّه عليه وسلم هي المراد ، إنها فتح كلى في فتح في فتح .
- فمئات الآلاف من الثناء على روحه ، وعلى قدومه وعلى نوبة أبنائه .
- سواءٌ كانوا من بغداد أو هراة أو الري ، هم أبناؤه دون امتزاج الأجساد .
 
180 - وحيثما ينبت غصن الورد يكون ورداً ، وحيثما يغلى دن الخمر يكون خمراً ! !
- ولو أن عين الشمس تطل من المغرب ، فهي عين الشمس وليست شيئاً آخر .
- فاجعل الباحثين عن الغيب عمياناً عن هذا النفَس بسترك يا الله .
- قال الله : لقد أغلقت عين الخفاش سىء الخصال عن الشمس التي بلا مثال .
- بل إن أنجم تلك الشمس في خفاء عن أنظار الخفاش الوضيع « 1 » .
..............................................................
( 1 ) ج 13 / 95 :
- إن الأنجم كأنها المريد والشمس هي الشيخ ، والشمس في يقينها كالبدر المنير .
 
 
« 45 »
 
ذم النظم العتيقة التي تمنع لذة الإيمان وهي دليل على ضعف الصدق وقاطعة لطريق ألف أبله ، كما قطعت الخراف طريق ذلك المخنث ولم يستطع العبور
وسؤال المخنث الراعي : عجباً هل خرافك تعض ؟ !
فأجاب : إذا كنت رجلا وفيك عرق الرجولة فكلها فداءٌ لك وإذا كنت مخنثا فكل واحد منها أفعى بالنسبة لك . . .
وهناك مخنث آخر عندما يرى الخراف يعود في الحال عن الطريق ولا يجرؤ على السؤال ويخاف . . .  ويقول : ربما لو سألت تقع فىَّ الخراف وتعضنى
 
185 - يا ضياء الحق يا حسام الدين تعال ، يا جلاء الروح ويا سلطان الهدى .
- وامنح المثنوى ساحة مفصلة ، وانفث الروح في صورة أمثاله .
- حتى تصير حروفه بأجمعها عقلًا وروحاً ، وتصير محلقة نحو خلد الروح .
- فهي بسعيك أيضاً جاءت من الأرواح ، نحو شراك الحروف ، وأضمرت فيها .
- وليكن عمرك في الدنيا " كعمر " الخضر ، مزيداً للروح ومعيناً ودائماً .
 
190 - وتبقى في الدنيا كالخضر وإلياس ، وحتى تصبح الأرض من لطفك كالسماء .
- ولو لم تكن تلك الجلبة التي يقيمها حسادك ، لتحدثت عن لطفك جزءاً من مائة جزء .
- لكن من أولئك الحاسدين ذوى الأنفاس الصفراوية ، قد تلقيت طعنات محطمة للروح .
- ولن أتحدث عن أحوالك في بيانى إلا رمزاً عند ذكرى لأحوال الآخرين .
- ولعل هذه حجة من حيل القلب ، خاصة عندما تكون أقدام القلب مغروسة في الطين .
 
« 46 »
 
195 - لقد صار أحدهم عاشقاً للصانع بمائة قلب وروح ، لكن عين السوء وأذن السوء صارت مانعا في طريقه .
- وحتى أبو الطالب الذي كان عم الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، كانت تبدو له شنعة الأعراب شيئاً مهولًا .
- وقال : ماذا يقول العرب عنى ؟ أيقولون : لقد صبأ عن ديننا بتأثير ولده ؟ ! « 1 »
- قال له : يا عم : انطق بالشهادة مرة واحدة ، حتى أدافع عنك أمام الحق .
- قال : لكنهم يسمعون بها وتشيع ، وكل سر جاوز الاثنين شاع .
 
200 - وأبقى أنا على ألسنة العرب ، وأذل أمامهم لهذا السبب .
- لكن لو كان قد كتبها له في سابق لطفه ، فمتى كان هذا الجبن مع جذبات الحق ؟ !
- فالغياث يا غياث المستغيث ، من التردد في الاختيار الخبيث .
- إنني من حيل القلب ومكره ، قد ذهلت حتى عجزت عن الصراخ .
- ومن أكون أنا ؟ ! والفلك بكل هيلمانه ، صرخ من مكمنه " رافضا " الاختيار .
 
205 - قائلًا أيها الإله الكريم الحليم ، أنقذنى من التردد في الاختيار .
- إن الجذب إلى الطريق المستقيم مباشرة ، أفضل من التردد بين طريقين أيها الكريم .
- وبالرغم من أن المقصد كله من هذين الطريقين هو أنت ، لكن نزع الروح يتأتى من هذه الإثنينية .
..............................................................
( 1 ) ج 13 / 129 :
- لقد بقي في منصب آبائه وأجداده ، لكنه فيما يخص أحمد ساق هذا الضلال وتائبه ذلك الرسول الطاهر المجتبى ، من أجل أن يخلصه وينجيه .
 
« 47 »
 
- ومن هذين الطريقين بالرغم من أن العزم ليس إلا إليك ، لكن القتال ليس كاللهو على آية حال .
- فاستمع في القرآن بيان " هذه النقطة " من الله في آية (أَشْفَقْنَأَنْ يَحْمِلْنَها) .
 
210 - وهذا التردد في القلب كأنه الوغى ، فالمرء يتساءل : ترى أهذا أفضل أم ذاك بالنسبة لحالى ؟ ! !
- فكلاهما يصطدم بالآخر في هذا التردد ، فالخوف ورجاء الخير في كر وفر « 1 » .
 
مناجاة ، والتجاءٌ إلى الله من فتنة الاختيار وفتنة أسباب الاختيار ،
فإن السماوات والأرضين جأرت بالشكوى من الاختيار وأسباب الاختيار ،
وخافت ثم جاءت خلقة الآدمي مولعة بطلب الاختيار وأسبابا لاختيار عنده ، كما يكون مريضا ويرى لنفسه اختياراً فليلا فيريد الصحة وهي سبب الاختيار حتى يزيد اختياره ،
ويريد المنصب حتى يزيد اختياره ، ومهبط القهر في الأمم الماضية كان فرط الاختيار
وأسباب الاختيار ، فلم ير أحد فرعون متضرعاً قط
 
- إن هذا « 2 » الجزر والمد قد وصل إلىّ في البداية منك ، وإلا فإن هذا البحر كان ساكناً أيها المجيد ! !
..............................................................
( 1 ) ج 13 / 130 :
- ومن هذا التردد لتكن عاقبتنا خيرا ، فاجعل أرواحنا سعيدة يا الله .
( 2 ) ج 13 / 141 :
- يا أيها الكريم ذا الجلال الرؤوف ، يا دائم المعروف ويا ملك الدنيا - يا كريم العفو حي لم يزل ، يا كثير الخير ، يا مليكاً بلا بديل .
 
« 48 »
 
- وأيضا فلأنك أعطيتني هذا التردد ، اجعلني بكرمك خاليا من التردد .
- أم تراك تبتلينى ؟ الغياث ، يا من الذكور من بلائك كالإناث .
 
215 - فحتام هذا الابتلاء ؟ لا تفعل يا إلهي ، امنحنى دينا واحداً ولا تجعلني أتبع عشرة أديان ! ! 
- إنني بعير نحيل جريح الظهر ، ومن الاختيار أصبح شكلى كالسرج .
- فهذا العِدل يصير حيناً ثقيلًا من هذه الناحية ، وذلك العدل حينا يصير جارّا ( إياي ) من تلك الناحية .
- فالق من فوقى الحمل غير المتوازن ، حتى أرى روضة الأبرار .
- ومثل أصحاب الكهف أرعى من بستان الجود ، وهم ليسوا بأيقاظ بل هم رقود .
 
220 - أكون نائماً على اليمين أو على اليسار ، ولا أصير إلا مثل كرة بلا اختيار .
- وأصير بتقليبك ذات الشمال أو ذات اليمين يا رب الدين .
- كنت آلاف السنين في طيران ، مثل الذرات في الهواء بلا اختيار .
- فإذا كنت نسيت ذلك الوقت والحال ، فعندي منه تذكار هو الارتحال في النوم .
- فانجو من هذا الصليب ذي الفروع الأربعة ، ومن هذا المناخ " المضيق " ارتع في ساحة الروح .
 
225 - وإنني أتذوق لبن الأيام الماضية من حاضنة النوم أيها الصمد .
- وكل الناس يهربون من اختيارهم ووجودهم في رؤوسهم المنتشية الثملة .
- ولكي يتحرروا لحظة من الوعي ، يضعون على أنفسهم عار الخمر والزمر .
 « 49 »
 
- فلقد علموا جميعهم أن هذا الوجد فخ ، وإن التفكير في الاختيار وتذكره من قبيل جهنم .
- فهم يهربون من الذات إلى التجرد عن الذات ، إما بالسكر أو بالعمل . . . أيها المهتدى .
 
230 - وإنك لتجذب النفْس من ذلك العدم ، ذلك لأنها صارت في انعدام الوعي معدومة السلطة « 1 » .
- " ليس للجن ولا للإنس أن ، ينفذوا من حبس أقطار الزمن
- " لا نفوذ إلا بسلطان الهدى ، من تجاويف السماوات العلى
- لا هدى إلا بسلطان بقي ، من حراس الشهب روح المتقى " « 2 » .
- وليس لأحد طريق إلى حظيرة الكبرياء إلا عندما يكون فانياً .
 
235 - فما هو معراج الفلك ؟ ! إنه هذا العدم ، والعدم هو مذهب العاشقين ودينهم .
- إن السترة الحلبية والحذاء الريفي هما محراب اياز من ضراعته في طريق العشق .
- بالرغم من أنه كان محبوباً للملك ، وكان لطيفاً جميلًا ظاهراً وباطناً .
- لقد صار خاليا من الكبرياء والرياء والحقد ، وصار وجهه مرآة لحسن السلطان .
- وعندما ابتعد عن وجوده ، كان منتهى أمره محموداً .
 
240 - ومن هنا كان تمكين اياز أكثر قوة ، لأنه كان يحترز خوفا من الكبر .
..............................................................
( 1 ) ج 13 / 142 : وينبغي العدم إذ أنه من الحق ، حتى يرى فيه حسن الأحد .
( 2 ) بالعربية في المتن .
 
« 50 »
 - كان قد تهذب وصار مقداما ، وقطع رقبتي الكبر والنفْس .
- فإما أنه كان يقوم بهذه الأمور من أجل التعليم ، أو من أجل حكمة بعيدة عن العقول .
- أو أنه أحب رؤية حذاءه الريفي ، فان للوجود عُلقة بنسيم العدم .
- فما دام يفتح ذلك القبر الذي يفضى إلى العدم ، يجد نسيم السرور والحياة « 1 » .
 
245 - إن الأفلاك والأموال والثياب الفاخرة في هذا المرحلة ، هي بمثابة السلاسل على الروح خفيفة السير .
- لقد رأت الروح السلسلة الذهبية وأصابها الغرور ، فبقيت في قعر جب محرومة من الوادي .
- إن صورتها جنة ، لكنها جحيم بالمعنى ، إنها أفعى ممتلئة سما وصورتها صورة حسناء .
- وبالرغم من أن سقر لا تضر المؤمن ، لكن من الأفضل له أن يتجازوها .
- وبالرغم من أن الجحيم يبعد عنه النكال ، لكن الجنة أفضل له على كل حال .
 
250 - فالحذر أيها الناقصين من هذه الحسناء ، التي تكون جحيماً عند الصحبة « 2 » .
..............................................................
( 1 ) ج 13 / 142 : وما لم يغلق القبر على هؤلاء الموتى ، تأتى رائحة سرور تلك الدنيا .
( 2 ) ج 13 / 142 - 143 :
- الفرار أيها الغافلون من هذه الروضة ، فهي في الحقيقة أسوأ من مستودع القمامة 
- وحذار أيها الجهال من ذلك الورد بالسكر ، الذي يحرق الفم كالشرر 
- وحتام أقول لك أن هذا العسل ، زهر " قتال ، فابتعد عنه - لكن قولي بدى لك مرا ، وأخذ النوم يغلبك من موعظتى 
- فافق لحظة واحدة آخر أيها السيد ، وانتفع بحياتك هذه - هيا اسلك الطريق واترك اللحية ، وفتش في الفناء والعدم
 
« 51 »
 
حكاية الغلام الهندي الذي أحب ابنة سيده في السر وعندما عقدوا للفتاة
على ابن عظيم وعلم الغلام مرض وأخذ يذوب ، ولم يكن للطبيب قط أن يعرف علته
ولم تكن له جرأة على الحديث
 
- كان لأحد السادة عبد هندى ، قام بتربيته وتنشئته واحيائه .
- علمه العلم والأدب على خير وجه ، وأشعل في قلبه شموع الفضل .
- ورباه منذ طفولته على العز . . . في كنف لطفه . . . ذلك المكرم .
- وكان للسيد أيضاً ابنة جميلة قضية القوام حسناء حسنة الجوهر .
- ومن طرف كل الكبراء كان يأتي خاطب للبنت لحظة بلحظة .
- قال السيد : ليس للمال ثبات ، إنه يأتي نهاراً ويمضى بدداً ليلًا .
- وحسن الصورة أيضاً ليس له اعتبار ، فان الوجه يصفر من وخزة شوكة .
- ومن السهل أيضاً بالنسبة لطيب الأصل أن يكون مغترا بماله وخيله .
 
260 - ورب ابن لعظيم صار من فتنته وشره وفعله السىء عارا على أبيه .
- وكثير الفضل وإن كان نفيساً ، فهو قليل العبادة ، واعتبر من إبليس .
- كان عنده العلم ، لكن لما كان خاليا من العشق ، لم ير من آدم إلا صورة الطين .
- فبالرغم من أنك تعلم العلم بدقة أيها الأمين ، إلا أنه لا تتفتح منك عينان ناظرتان إلى الغيب .
- انه لا يرى سوى عمامة ولحية ، لكنه يسأل عمن يعرفه بأحواله كثيرها وقليلها .
 
265 - ويا أيها العارف إنك فارغ ممن يعرفك ، فأنت ترى بنفسك لأنك نور بازغ .
 
« 52 »
 
- وأمر التقوى والدين والصلاح الذي يكون منه له في الدارين الفلاح .
- فاختار زوجا صالحا كان فخر أهل وعشيرته .
- ثم قال النسوة : لا مال له . . . ولا عظمة عنده . . . ولا حسن . . . ولا استقلال .
- قال : إنها أمور تابعة للزهد والدين ، وهو بلا ذهب كنز فوق الأرض .
 
270 - وعندما شاعت جدية أمر تزويج الفتاة ، وجهاز العرس والعلامات والقماش .
- سرعان ما صار الغلام الصغير الذي في الدار مريضا ونحيلا .
- أخذ يذوب كمريض السل ، وقليلا ما عرف طبيب علته .
- كان العقل يقول أن علته من القلب ، ودواء الجسد باطل في غم القلب .
- ولم يتحدث ذلك الغلام الصغير عن حاله ، ومن أي شئ كان يأتيه الوخز في صدره ! !
 
275 - فقال الزوج لزوجته ذات ليلة : استفسرى " منه " عن حاله في خلوة .
- فأنت منه في منزلة أمه ، ولذلك قد يبثك همه .
- وعندما سمعت السيدة هذا الكلام ، اقتربت في اليوم التالي من الغلام .
- وأخذت تلك السيدة تمشط شعره بحنان شديد وبرفق وود .
- ولا طفته كما تفعل الأمهات الحنونات ، حتى تحدث قائلًا :
 
280 - لم يكن أملى منك أن تزوجى الفتاة لغريب معتد .
- إنها ابنة سيدي ، وكبدي ممزق من أجلها . وأليس من الخسارة أن تمضى إلى مكان آخر ؟ !
- فهت تلك السيدة بضربه وإلقائه من فوق السطح نتيجة لما اعتراها من غضب .
 
« 53 »
 
- فمن يكون هو ؟ ! هندى ابن زانية يطمع في بنت سيده ؟ !
- لكنها قالت لنفسها : الصبر أولى ، وضبطت نفسها ، ثم قالت للسيد : اسمع هذه العجيبة .
 
285 - إن مثل هذا العبيد خائنٌ بينما كنا نظنه ثقة « 1 » .
 
أمر السيد لأم الفتاة بالصبر قائلًا : لا تنهرى الغلام فسوف أورده عن هذا الطمع دون عقاب
بحيث لا يحترق السفود ولا يبقى الشواء نيئاً
 
- قال السيد : اصبرى وقولي له . . . إننا سوف نفصل بينها وبين " الزوج المرتقب " ونعطيها لك .
- فربما أخرج هذا " الأمر . " من قبله . . . وشاهدي أنت كيف سأصرفه عنه .
- اجعليه راضيا وقولي له : اعلم حقيقة أن ابنتنا هي يقينا زوجتك .
- ونحن لم نكن نعلم أيها الخاطب الطيب ، وما دمنا قد علمنا فأنت أولى " بها " .
 
290 - و " لتبق " نارنا في تنورنا ، إن ليلى عندنا وعندنا أيضاً المجنون بها .
- حتى يطيب خياله ويطيب فكره ، إن الأفكار الحلوة تجعل المرء سميناً .
- إن الحيوان إنما يسمن بحسن مرعاه ، اما الإنسان فيسمن من العز والشرف .
- إن الإنسان يسمن عن طريق الأذن ، والحيوان يسمن عن طريق الحلق وحلو " الطعام " .
- فقالت تلك السيدة : متى يتحرك فمي بهذا العار المهين ؟ !
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 161 :
- لقد حدثني عن أحواله وقال كذا * وأردت من غضبى أن أقتله
 
 
« 54 »
  
295 - وكيف ألوك هذا الهذر من أجله ، قل له فليمت هذا الخائن المتطبع بطبع إبليس .
- قال السيد : لا ، لا تخافي بل خادعيه بلطف القول ، حتى تذهب العلة عنه من هذا اللطف الطيب .
- ولك العهد بأن صده على أنا أيتها المحبوبة ، واتركى الأمر حتى يشفى ذلك الذي يجدل برقه ! !
- وعندما تحدثت السيدة إلى المريض هكذا ، لم تكن الأرض تسعه من الفرح .
- سمن وامتلأ واحمر وتفتح كالوردة الحمراء ، وأمطرها بآلاف من الشكر .
 
300 - لكنه كان يقول بين الآن والآخر : لا كان هذا يا سيدتي احتيالا وخدعة « 1 » .
- وأقام السيد احتفالا ووليمة ، ليعلن فيها : إنني سوف أصاهر " فَرَجاً " ! !
- حتى يقوم المدعوون بالخداع والهرج قائلين : بارك الله في هذه المصاهرة يا فرج ! !
- حتى ازداد فرج يقينا من هذا الكلام ، وذهبت عنه العلة كلية من الأساس .
- وبعد ذلك في ليلة العرس ، خضب أحد المُرد بالحناء مخادعاً وكأنه امرأة .
 
305 - وملأ ساعده بالزينة والحلى كالعروس ، لقد أبدى له دجاجة لكنه أعطاه ديكاً .
- وألبس ذلك الجلف الأمرد حجاباً وحلة عروس غالية .
- وفي الخلوة قام بإطفاء الشمع سريعاً ، وبقي الهندي مع مثل ذلك السوقي الفظ .
..............................................................
( 1 ) ج 13 / 164 :
- لكن السيدة كانت تؤكد له قائلة : إننا ننجز هذا الأمر فطب نفساً ! !
وعندما رأى السيد أنه قد سمن واحمر وذهبت عنه العلة وأفاق ، أخذ يقوى قلبه بالخداع والكلام المعسول ، حتى يزداد سروره وكأنه الديك .
 
« 55 »
 
- وأخذ الهندي المسكين يصرخ ويستغيث، لكن أحداً في الخارج لم يكن يسمع من نقر الدفوف.
- فإن ضرب الدفوف والتهليل من الرجال والنساء ، أخفت صياح ذلك المستغيث .
 
310 - ظل " ذلك الأمرد " حتى الصباح يلوط بذلك الهندي المسكين ، فكيف يكون خرج من الدقيق أمام كلب ؟ !
- وفي الصباح جاءوا بالطاس والزمر الكبير ، وذهب فرج إلى الحمام كعادة العرسان .
- ذهب إلى الحمام مريض الروح ، ممزق البر كملابس الوقادين .
- وجاء من الحمام إلى المخدع ، و " ليتم " الخداع جلست الفتاة أمامه " على أنها " العروس .
- وجلست أمها هناك للمراقبة ، إذ لا ينبغي أن يقوم بامتحان " الأمر " نهاراً .
 
315 - ونظر إليها برهة مستنكراً ، ثم أخذ يفرد أصابع يديه كليتهما في وجههما معترضاً .
- وقال : لا كان لاحد اتصال بمثلك عروساً قبيحة سيئة الفعال .
- إن وجهك في النهار هو وجه السيدات النضر ، وذكرك القبيح ليلًا أسوأ من ذكر الحمار ! ! 
- وكذلك يكون كل نعيم هذه الدنيا ، يبدو جميلًا على البعد وقبل الامتحان .
- إنه يبدو للنظر على البعد ماءً ، حتى إذا جئته وجدته سراباً بقيعة .
 
320 - إنها عجوز نتنة ، ومن شدة نفاقها وخداعها ، تبدى نفسها كالصبية العروس .


« 56 »
 
- فانتبه ، ولا يغرنك خضابها ، ولا تتذوق من عسلها الممزوج بالوخز .
- وأصبر فالصبر مفتاح الفرج ، حتى لا تسقط مثل " فرج " في مائة حرج .
- إنها واضحة " الحب " لكنها خفية الفخ ، يبدو لك إنعامها حلوا في أوله .
 
في بيان أن هذا الغرور لم يكن عند هذا الهندي وحده بل إن كل إنسان مبتلى
بهذا الغرور في كل مرحلة إلا من عصمه الله
 
- وعندما تتصل بها . . . يا ويلتاه ، يشتد أنينك ونواحك ندماً ! !
 
 325 - إنها إمارة ووزارة وملوكية . . . بالاسم ، وفي باطنها الموت والألم والأحتضار ! !
- فكن عبداً " لله " وسر على الأرض كالجواد ، لا كالنعش الذي يحمل على الأعناق ! !
- وإن الكفور يريد جميع " الناس " حمالين له ، يأتون به إلى القبر كالفارس الميت .
- إن كل من تراه في النوم في هيئة الفارس عالي الركاب ، " تعبيره " أنه يكون في جنازة .
- إن ذلك التابوت يكون حملا على كواهل الخلق ، وهؤلاء الكبار ألقوا بأحمالهم على الخلق .
 
330 - فلا تضع حملك على أحد وضعه في نفسك ، وكفاك طلباً للرئاسة ، فالدرويش أفضل .
- ولا تعتل أعناق الخلق متخذاً منها مركباً ، حتى لا تصاحب بالنقرس في كلتا قدميك .
« 57 »
 
- والمركب الذي تعترض عليه في النهاية ، عندما تعجز في مدينة خربة أو قرية خربة .
- اعترض عليه الآن ما دامت المدينة " العامرة " قد ظهرت لك ، وحتى لا يلزمك أن تلقى عصاك في الخراب ! !
- اعترض عليه الآن فلك مائة بستان ، حتى لا تصير عاجزاً عابداً للخراب .
 
335 - قال الرسول صلى اللّه عليه وسلم : إذا كنت تريد الجنة من الإله فلا تطلب شيئاً من أحد .
- وعندما لا تريد شيئاً من أحد فأنا كفيل لك بجنة المأوى ولقاء الله .
- وذلك الصحابي صار طامعا في هذه الكفالة وكان قد ركب ذات يوم .
- فوقع سوطه من كفه ، فنزل هو بنفسه ولم يطلبه من أحد .
- وذلك الذي لا يتأتى من عطائه أي سوء ، يعمل ويعطى دون طلب .
 
340 - وإذا أردت بأمر الحق فهذا جائز لك ، ومثل هذا الطلب هو طريق الأنبياء .
- ولا يبقى سوء ما دام الحبيب قد أشار ، لقد صار الكفر إيماناً ما دام الكفر من أجله .
- وإن كل سوء يقدمه أمره ، يَجُب كل حسنات العالم .
- وإذا كان الجلد يتألم من ذلك الصدق ، فلا تعترض . . . ففيه مئات الآلاف من الدرر .
- وهذا الكلام لا نهاية له فعد صوب الملك وكما يعود البازي .
 
345 - وعد إلى المنجم الذي يحتوى على الذهب الخالص ، حتى تتحرر يداك من " استخدامها " في الاعتراض ! !
 
« 58 »
 
- فعندما يعطى عابد لصورة الطريق إلى القلب ، فإنه من ندمه يقوم في النهاية بالاعتراض .
- واللص الذي يفيض مرارة عند القطع ، إنما يشنع " بيديه " على لذة السرقة . . . وكأنه امرأة ! !
- لقد رأيت حركة تشنيع واعتراض " باليد " من حزين ، انظر إلى التشنيع من هذا المبتور اليد .
- وأيضاً فالمزور والمجرم والفاسق ، عند تجرع المرارة يقومون بالتشنيع على اللهو واللذة .
 
350 - وانهم ليتوبون ، لكن كتوبة الفراش ، ويجرهم النسيان ثانية نحو نفس العمل .
- وكتلك الفراشة ، رأت النار نوراً من بعيد ، فعقدت إليها الأحمال .
- وعندما جاءتها وأحرقت جناحها ، هربت ، ثم سقطت ثانية كالأطفال وسكبت الدموع .
- ومرة ثانية على الظن وطمعا في النفع ، ألقت بنفسها على نار ذلك الشمع سريعاً .
- فاحترقت ثانية أيضاً ، وتقهقرت ، ثم جعلها حرص القلب مرة ثانية ناسية ثملة ! !
 
355 - وفي ذلك الوقت الذي كانت تتقهقر فيه من الاحتراق ، كانت كالهندى " إياه " يعترض على الشمع بحركة يده ! !
- قائلة له : يا منير الوجه كقمر يضئ بالليل ، ويلاه من الصحبة الكاذبة التي تحرق المغرور .
- ثم تمضى عن ذاكرتها مرة ثانية التوبة والأنين ، مصداقا ل « أوهن الله كيد الكائدين » .
 
« 59 »

سؤال سائل عن طائر حط على ربض المدينة أرأسه أفضل وأعز وأشرف وأكرم ؟
أم ذَنَبه ؟ ! وجواب واعظ عليه بقدر فهمه

في عموم تأويل هذه الآية : كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ
 
- "كلما هم أوقدوا نار الوغى ، * أطفاً الله نارهم حتى انطفى" « 1 » .
- لقد عزم قائلًا : أيها القلب لا تتوقف في ذلك المكان ، ثم صار ناسيا لأنه ليس من أولى العزم ! !
 
360 - ولأنه لم تكن لديه بذور الصدق مغروسة ، سلط الله عليه نسيان ذلك .
- فبالرغم من أنه يقدح زناد القلب ، فإن كف الحق تقوم بإطفاء شعلته تلك ! !
 
قصة في تقرير هذا المعنى أيضاً
 
- « 2 » سمع أحد السادة ليلا وقع أقدام ، فأمسك الزند ليشعل النار « 3 » .
- وجاء اللص في تلك اللحظة وجلس أمامه ، وعندما أمسك " صاحب الدار " بالذبالة ، أخذ يخفظها ! !
 - وكان يضع طرف إصبعه على اللهب ، حتى يقضى على لهب النار .
 
365 - وكان السيد يظن أنها تنطفىء من تلقاء نفسها ، ولم يكن يرى أن اللص يطفئها .
- وقال السيد " لنفسه " إن هذه الذبالة رطبة ، ومن رطوبتها ينطفئ اللهب سريعاً .
- ومن شدة الظلمة والدجى من أمامه ، لم يكن يرى من يطفئ النار وهو أمامه .
- إن مثل هذا المطفىء للنار يوجد في قلب الكافر ولا يراه ، من عماه ! !
- وكيف لا يعلم قلب العالم ، أن مع المتحول محولًا .
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن .
( 2 ) ج 13 / 178 : - ذهب لص ذات ليلة إلى منزل عظيم ودخل من طريق خفى كالذئب
( 3 ) ج 31 / 178 : - وسمع صاحب الدار الصوت ليلا ، فأمسك بالزند ليشغل به ذلك الوحيد أن يقدح الزند لإشعال شمعة ، حتى يعرف سر هذا الصوت عيانا .
 
« 60 »
 
370 - وكيف لا تقول أن النهار والليل يأتيان من تلقاء نفسيهما ويمضيان دون رب ؟ !
- أتطوف حول المعقولات ؟ ! أنظر إلى انعدام عقلك أيها المهين .
- أيكون المنزل مع " وجود " البناء أكثر معقولية أو بغير وجوده ؟ ! قل يا قليل الفضل « 1 » .
- وهل يكون الخط بوجود الكاتب أكثر معقولية أو بغير وجوده ؟ ! فكر يا بنى ! !
- وكيف تكون جيم الأذن وعين العين وميم الفم بلا كاتب . . . أيها المتهم ! !
 
375 - وهل الشمع يكون مضيئاً دون مُشعل أو بمشعل عالم ؟ !
- والصنعة الحسنة أتكون أولى من كف مشلول ضرير أو من صانع بصير ؟ !
- إذن فما دمت قد علمت أنه يقهرك ، وأنه يدق رأسك بمقامع الفتنة ؟ !
- فادفعه إذن كالنمرود بالحرب ، وأطلق السهم من القوس نحوه في القضاء .
- وكجيش من المغول داوم على إطلاق سهامك نحو السماء درءً لنزع الروح ! !
 
380 - أو اهرب منه لو استطعت ، وامض . . . وكيف تمضى وأنت رهينة في كفه .
- لقد كنت في العدم ولم تنج من كفه ، وكيف تنجو من كفه يا خفيف اليد ! !
- إن رغبة البحث عن الفرار تكون أمام عدله سفكاً لدماء التقوى .
- وهذه الدنيا فخ وحبها الشهوة ، فاهرب من الفخاخ واتجه إليه سريعاً .
- وعندما تمضى هكذا ترى مائة فتح ، وعندما تمضى إلى الناحية المضادة ترى الفساد « 2 » .
..............................................................
( 1 ) ج 13 / 178 : ومنزل بهذه العظمة والأبهة كيف يكون دون أستاذ مجيد
( 2 ) ج 13 / 179 : وعندما تمضى إلى الضد فإنك تعرف ضده ، فالضد يعرف من ضده أيها الشاب .


 
« 61 »
 
385 - ومن ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم : استفتوا القلوب ، وإن كان مفتوكم من الخارج يحدثونكم بالخطوب « 1 » .
- واترك رغبتك لتأتيه الرحمة لك ، وقد جربت أن هذا هو ما ينبغي له .
- وما لا تستطيع الهرب فاخدمه ، حتى تمضى من سجنه إلى روضته .
- وما دمت مراقبا لحظة بلحظة ، فإنك ترى العدل والحكم أيها الغوى .
- وإذا أغلقت عينيك من الاحتجاب ، فمتى تترك الشمس عملها « 2 »
 
[ تتمة حكاية إياز ]
إظهار الملك للأمراء والمتعصبين بالنسبة لإياز سبب فضله ومرتبته وقربه وراتبه عليهم ، على وجه لا تبقى معه حجة أو اعتراض عندهم
 
390 - وعندها هاج الأمراء من الحسد ، طعنوا في الملك نفسه .
- قائلين : إن إياز هذا ليس له ثلاثون عقل ، فكيف يأخذ راتب ثلاثين أمير ؟ ! !
- فخرج الملك مع أولئك الأمراء الثلاثين إلى الخلاء والجبل من أجل الصيد .
- ورأى الملك قافلة من بعيد ، فقال لأحد الأمراء : إمض أيها المتحدث بالإفك ،
- امض وأسال تلك القافلة الموجودة على الرّصد . . . من أي مدينة هي قادمة ؟ !
 
395 - فذهب وسأل وعاد قائلا : " من الري " ، فقال الملك : إلى أين هي ذاهبة ؟ ! فعجز عن الجواب ؟ !
- فقال لآخر : امضى يا أبا العلا . . . وسل القافلة إلى أين هي ذاهبة .
..............................................................
( 1 ) ج 13 / 186 :
- واستمع إلى استفت قلبك من الرسول وإن كان المفتى الخارجي يحدثك بالفصول
( 2 ) ج 13 / 186 :
سق ثانية نحو اياز ورتبته وتلك الفضيلة في كمال رفعته


« 62 »
 
- فذهب وعاد وقال : إلى اليمن ، فسأله : وما بضاعتها أيها المؤتمن ؟ ! ! 
- فحار جوابا ، فقال لثالث : امض وأسأل عن بضاعة هذا النفر .
- فعاد وقال : من كل صنف ، وأغلبها من أواني الري .
 
400 - فسأل : متى خرجوا من مدينة الري ، فتحير ذلك الأمير واهن الخطى « 1 » .
- وهكذا حتى ثلاثين أمير وأكثر ، كانوا واهنى الرأي ناقصين في الكر والفر « 2 » .
- فقال للأمراء : لقد قمت ذات يوم بامتحان " إيازى " هذا وحده .
- وقلت له : فمضى وسأل عن كل هذه الأشياء .
- ودون توصية أو أمر عرف أحوالهم بالتفصيل حالا حالًا .
 
405 - وكل ما كشف من هؤلاء الأمراء الثلاثين في ثلاثين مرة ، كشف منه بأجمعه في لحظة واحدة
 
احتجاج الأمراء بشبهة جبرية وجواب الملك عليهم
 
- ثم قال أولئك الأمراء : إن هذه المهارة من العناية ، وليست بحوله وطوله .
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 187 :
- فقال لرابع : اذهب واستفسر متى كانت حركة القافلة ؟ ! 
- فعاد وقال : السابع من رجب فسأل : ترى ما هي أسعار بضائعها ؟ ! 
- ولما لم يكن يعلم لم ينبس أرسل الملك أميرا آخر من الجماعة
( 2 ) ج : 13 / 187 :
- كل واحد ذهب من أجل سؤال واحد كانوا ناقصين عاجزين عن إدراك الكمال
 
 
« 63 »
 
- إنها قسمة الحق، أن يكون للقمر وجه لطيف، وعطاء الإقبال أن يكون للورد رائحة زكية «1».
- قال السلطان : بل إن ما تولد من النفس ، هو من دخل الإجتهاد ، ومن نتائج التقصير .
- وإلا فمتى كان آدم يحدث الله قائلًا : « ربنا إنا ظلمنا أنفسنا » ؟ !
 
410 - ولكان قد قال : إن هذا هو عيب الحظ ، ما دام القضاء كان هكذا فما فائدة الحزم ربنا ؟ ! 
- مثل إبليس الذي قال « أغويتني » ، فهل تكسر أنت الكأس ثم تضربنا نحن ؟ !
- بل إن القضاء حق وجهد العبد حق ، هيا ولا تكن أعور مثل إبليس الخلق .
- لقد بقينا مترددين بين أميرين . . . فمتى يكون هذا التردد دون اختيار ؟ !
- ومتى يقول مقيد اليدين والقدمين : أأفعل هذا ؟ ! أم أفعل ذاك ؟ !
 
415 - فهل يعترى رأسي هذا التردد بين أن أمشى على الماء في البحر أو أطير في الهواء ؟ ! .
..............................................................
( 1 ) ج : 13 / 190 :
- بل إن عناية السلطان عندما تسبغ عليه * يضرب من الفخر خيمته فوق القمر
 
« 64 »
 
- لكني قد أتردد بين أن أمضى إلى الموصل أو أمضى إلى بابل من أجل تعلم السحر ! !
- إذن ، تتبغى قدرة من اجل التردد ، وإلا كان الأمر ضحكاً على الشوارب .
- فقلل التعلل بالقضاء أيها الشاب ، فكيف تضع جرمك على كواهل الآخرين .
- فهل يسفك زيدٌ الدم ويكون القصاص على عمرو ؟ ! ! ، أيشرب عمرو الخمر ويكون على أحمد حد الخمر ؟ !
 
420 - ففتش في نفسك ، وانظر إلى جرمك ، وانظر إلى الحركة من نفسك لا من الظل ! !
- فإن جزاء الأمير لكن يكون خطأ ، ذلك أنه يعرف الخصم ، ذلك الأمير البصير .
- وما دمت قد أكلت العسل فان الحمى لم تصب سواك ، وأجر " عملك " نهار لا يصل إلى سواك ليلًا ! !
- ففي أي شئ قمت بجهد ولم يعد إليك ؟ ! وماذا زرعت ولم يأتك ريع من زراعته ؟ !
- إن فعلك الذي يتولد من روحك وجسدك ، هو مثل ولدك يأخذ بطرف ثوبك .
 
425 - وهم في الغيب يصورون الفعل ، ومن أجل جرم السرقة ألا ينصبون المشنقة ؟ !
- فمتى تشبه المشنقة السرقة ؟ ! لكن ذلك هو تصوير الله عالم الغيب .
 
« 65 »
 
- إلا أن الحق عندما وضع الإلهام في قلب الشرطي، قال له : صورها هكذا من أجل العدل !!
- حتى تكون أنت عالماً والقضاء عادلًا، فكيف يعطى العدل والجزاء "بشكل" غير مناسب؟!!
- ولما كان الحاكم يفعل هذه الأمور باختياره ، فما بالك بفعل أحكم الحاكمين .
 
430 - فعندما تزرع الشعير لا ينمو إلا الشعير ، وأنت اقترضت فممن يطلب الرهن ؟ !
- فلا تضع جرمك على شخص آخر ، وعاقب أذنك ولبك به ! !
- ضع الجرم على نفسك ، فأنت الذي زرعته ، وأرض بجزاء الحق وعدله .
- فللألم سبب ، هو فعل السوء ، فاعلم أن السوء من فعلك وليس من الحظ .
- إن ذلك النظر في الحظ يجعل العين حولاء ، ويجعل الكلب كسولا ملازما للحظيرة .
 
435 - فقم باتهام نفسك أيها الفتى ، وقلل اتهام الجزاء العدل .
- وتب ، واتجه إلى الطريق برجولة ، إذ أنه : منيَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ
- وقلل اغترارك بوساوس النفْس ، فإن شمس الحق لا تخفيها ذرة ! !
- إن هذه الذرات الجسمية ، أيها المفيد ، ظاهرة أمام هذه الشمس الجسمانية ! !
- لكن ذرات الخواطر والأفكار ، تكون واضحة ظاهرة أمام شمس الحقائق « 1 » .
..............................................................
( 1 ) ج 13 / 191 :
إنها ظاهرة للحق خفى عنك * إنها من أسرار الغيب فلا تفكر فيها
 
« 66 »
.
* * *

شرح سؤال سائل عن طائر حط على ربض المدينة أرأسه أفضل وأعز أم ذَنَبه




( 129 - 133 ) : الفكاهة التي تبدأ بهذا البيت قال استعلامى ( 6 / 231 ) نقلا عن فروزانفر ( مآخذ / 197 ) أنها مستوحاة من بيت لسنائى ورد في الحديقة وهو " الطائر الذي يكون ذيله صوب المدينة ورأسه صوب القرية ، يكون ذيله أفضل من رأسه ( لم أتوصل إلى ترتيب البيت وموضعه في الحديقة ) وهمة الطائر مبذولة هنا إلى المدينة ( العقل . . . والطريق )
وليس إلى القرية ( الجهل والنفس ) ( لتفصيلات حول هذا المعنى انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 517 - 523 وشروحها )
 
« 425 »
 
( 134 - 137 ) : وهكذا الإنسان ، يكون بقدر همته وبقدر اهتماماته ، فهمته هي الجناح الذي يطير به ، فمن كانت همته الدنيا فقيمته أيضاً تكون بقدر همته ، ومن كانت همته العشق سما به مهما تعرض في طريقه إليه من خير وشر ، والبازي حتى وإن كان أبيض وكان همه صيد الفئران ، فقد سقط من اعتبار الملك ولا يشفع له شكله ، والبومة وإن كانت ساكنة الخرائب وكان ميلها إلى الملك ، فهي بمثابة مائة بازى ، ليس الأمر بالصورة أو بالإدعاء ، لكن بالعمل ( انظر عن الادعاء 1439 وما بعده من الكتاب الثالث ) .
 
وثمة حديث رواه الأنقروى ( 6 - 445 ) [ إن الله يحب معالى الهمم ويبغض سفاسفها ] . وتوحى توصية جلال الدين بالهمة العالية والقوة والتسامى إلى سبقه الفلسفات المعاصرة ( عند نيتشه وفيخته مثلا ) في هذا المجال ( جعفري 14 / 100 ) .
 
( 138 - 147 ) : والإنسان كرم على المخلوقات ورزق في البر والبحر ليس لخلقته ، بل لأنه جدير بأسرار الغيب وإدراكها ، طموح على الدوام إلى الخروج عن وضعه ، تواق إلى الارتفاع عن جسده وعن إمكانات هذا الجسد ، لا تسعه الأرض على اتساعها ، فيجتاز طباق الجو ويمضى إلى أعماق البحار ، يستطيع أن يسمو على شهواته ونزواته ويصل إلى مرتبة الملائكية يميل دائما إلى من يشاركه في هذا النفس ، حتى ولو كانت عجوزا في الغابرين .
 
إن الذي يجعلك تميل إلى عجوز ولا تميل إلى صورة هو أن في العجوز روحاً ، هذه الروح هي التي تزاوج روحك وتمتزج بها ومن هنا يحدث الميل ، ولو نفثت الروح في صورة الحمام لملت إليها ولهجرت العجوز ( انظر الكتاب الثاني ، الأبيات 703 - 708 وشروحها ) .
 
( 148 - 159 ) : الحديث عن الروح ، ويعرض مولانا مراتب الروح فالروح عند مولانا ليست سوى الوعي والإدراك والمعرفة ، وكلما زادت ، معرفة الروح في إنسان ما بما هو خارج نطاق الاهتمامات المادية كان الجانب الروحي أقوى فيه ، الروح روح بقدر ما هي متصلة
 
« 426 »
 
بعالم الغيب وهذا هو ما يعبر عنه بالوعى والمعرفة أو بمعنى أصح العرفان ، وإن لم تزدن الروح بهذه المعرفة وهذا الوعي لكانت قيمتها أقل من جماد ، فهي ليست روحا إلهية ، والروح الأولى هي الروح التي انبتقت منها الحياة كلها ، هي الروح المسموح لها بالحظيرة القدسية ، أما روح الروح فهي الوجود المطلق للخالق . وفي رأى سبزوارى ( ص 415 ) أنها النفس الكلية الإلهية ، وينقل البيت " لا أحد يدلك على نفسك كما هي إلا قلبي المسكين المغتم " .
 
والروح تسمو دائما إلى الاتصال بها ، وليس وراء ذلك مطمح ، أما الروح الجديدة فهي روح آدم التي نفخها الله تعالى فيه وهي قادرة على إدراك الغيب ، والملائكة بالنسبة لها كأنهم الجسد ، ولم تكن هذه الروح موجودة عند إبليس ، ومن ثم لم يستطع الاتصال بالوجود المطلق ، كان عضو ميتاً مبتور اليد ، عاجزا ، فلم يدرك سر أمر الله له بالسجود ، كان الخيط الذي يربط بينه وبين الله مقطوعا
( الروح المشتركة ) ومن ثم عصى ولم يفهم ، لكن هذا العصيان لم يكن لينقص شيئاً من عالم الروح ، فهي تزاول نشاطها دون تدخل من إبليس ، وهذا العضو المبتور المطرود من رحمة الله سبحانه وتعالى ، لا يصيب فعلها بأي خلل طالما كانت صلتها بالخالق وبروح الروح مستمرة .
 
( 160 - 164 ) : بعد أن تحدث مولانا عن سر عصيان إبليس يريد أن يتحدث أن سر آخر ، لكن هذا السر الآخر ليس مبذولا لكل أذن ، فهو يريد أذنا أخرى ، أذنا باطنية غير هذه الأذن الظاهرة ، وخواص الببغاوات : أي أهل المعرفة والسكر ، هو النور ، أما درويش الصورة ، فهو ذلك الدرويش الذي توقف تصوفه على الشكل والظاهر والخرقة ولا يطمح إلى عالم المعرفة ، والزكاة هنا هي النصيب الخاص المبذول للخواص لا للعوام ، ولأن هذه الزكاة معنى من المعاني وليست شكلا
( بيتا من الشعر ) فإن درويش الصورة والظاهر يظل بلا نصيب منها ، وحمار عيسى هو الجسد الذي يحمل الروح ( عيسى ) وهو أيضاً المطالب النفسانية عند الناس .
وهو أيضاً الدرويش الذي لا يترقى مهما حمل من علم كالحمار الذي
 
« 427 »
 
حمل نبيا وظل حمارا كما هو ( انظر لتفصيل هذا المعنى الكتاب الثاني ، الأبيات 1851 - 1857 وشروحها ) والمعنى أن النفس لو كانت تعلم حقائق الغيب لما بخل الله عليها ولأمدها بما تريد منها ( استعلامى 6 / 133 ) .
 
( 165 - 184 ) : وهذا هو معنىالْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ( يس / 65 ) . فالختم هو الحرمان ، وعدم التذوق لعدم الجدارة والاستحقاق . وهذه الأختام التي وضعها الله على الأفواه ، إنما فتحت وحلت ورفعت بالدين الإسلامي ، فبالدين الإسلامي واتباع محمد صلى اللَّه عليه وسلّم يمكن أن تحل هذه الأختام ويفتح طريق المعرفة التي هي حرام على الكافر حلال للمؤمن ، إن معنىإِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ( الفتح / 1 )
ليس خاصا بالرسول صلى اللَّه عليه وسلّم بل هو خاص بالمؤمنين جميعا ( انظر البيت 4306 من الكتاب الثالث ) وفي البيت 17 - إشارة إلى حديث نبوي [ إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ] 
( انظر أحاديث مثنوى / 186 - استعلامى 6 / 234 )


و [ اهد قومي إنهم لا يعلمون ] دعاء للرسول صلى اللَّه عليه وسلّم قاله عندما ألقى بحجر في أحد . والجود العام هو الهداية ، وهو سيد الصنعة ، في هذا المجال ، مجال الهداية الممنوحة دون انتظار جزاء أو عوض ، والأبناء المذكورون في البيت 177 ، ليس المقصود بهم الأبناء الجسمانيين ، بل كل من تبعه باحسان صلى اللَّه عليه وسلّم وينص على هذا في البيت 178 خشية أن يفهم من حديث أنه يقصر الولاية على آل البيت رضوان الله عليهم ،
فيقول أن هذه النبوة حاصلة دون امتزاج الأجساد ، ويطلب مولانا من الله سبحانه وتعالى أن يسدل حجب ستره على هذه المعاني حتى لا تسقط في يد كل وضيع ومنكر وباحث عن العيب ( انظر في نفس هذا المعنى البيت 411 من الكتاب الرابع و 2892 من الكتاب الخامس )


المقصود بتلك الشمس : الحقيقة المحمدية التي لا يقوى مفكر على النظر إليها وكل خفاش لا يرى ضوء الشمس من عماه فينكره
 
« 428 »
 
( انظر 857 من الرابع ) وفي البيتين إشارة إلى قوله تعالى وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ( الأعراف / 198 ) .
 
( 185 - 193 ) : العنوان السابق على هذا البيت ، يذم مولانا الأفكار المسبقة ويصفها بالبالية والعتيقة ، إن هذا أشبه بمخنث يخاف من عض الخراف ، في حين أن الخراف كلها خلقت للذبح ، وهناك مخنث يسأل قبل أن يمضى في الطريق ( الجديد الذي لا يعرفه ) وآخر يعود عن الطريق لمجرد رؤيته الخراف ، والخراف هنا رمز لكل فكرة بالية سقيمة تقف في الطريق وتخفيف المخنثين
( الذين لا يقوون على الطرق الجديدة ويخافون منها ) ويفسر يوسف بن أحمد ( 6 / 36 ) " وأراد بالمخنث الأول الذين يحضرون مجالس الأولياء ولا يقدمون على سؤال شئ منهم إلا بعد شدة الاضطرار لعدم اعتقادهم .
وبالمخنث الثاني الذين يرون جماعة المشايخ لكن لا يقدرون على الذهاب إلى حضورهم من شدة إنكارهم وعداوتهم لهم " .
والمقصود بالطريق الجديد هنا المثنوى نفسه ، فهذا هو الكلام الذي ينكره بعضهم ، وما إنكارهم له إلا لأنه جديد عليهم ، ولذا فهو يطلب من حسن حسام الدين الذي يصفه بأنه صقال الأرواح " صقال مرايا القلوب لتتقبل المعاني " .
هيا وجل المثنوى في أروع صورة ، وجرده من لباس الحروف لكي تتجلى معانيه ، وتقود نحو عالم الغيب ، ما دامت هذه المعاني بشيمتك وجذبك أيضاً قد نزلت من عالم الأرواح وعالم الغيب وسجنت في لباس الحروف ، فأنت الذي تستطيع كما يستطيع الخضر وإلياس ( وهما نبيان لا يموتان إلى يوم القيامة ) أن تقوم بالهداية فتنقلب الأرض من طهرها إلى سماء .
 
ولكني يا حسام الدين لا أستطيع أن أوفيك حقك ، من حسد أولئك الحاسدين الذين تضيق عقولهم عن فهم مثل هذه العلاقة السامية بين الشيخ والمريد ( انظر لتفصيل هذا المعنى الكتاب الثالث الترجمة العربية ، الأبيات 2112 - 2117 وشروحها ) وشرح حال الأحبة على سبيل الرمز
 
« 429 »
 
عند ذكر الآخرين ورد في الكتاب الثالث في الأبيات المذكورة كما ورد في الكتاب الأول ( خير لنا أن يجئ سر الأحبة في حديث الآخرين ، البيت 136 ) .
 
( 194 - 201 ) : إنغراس أقدام القلب في الطين كناية عن الانصراف عن مدح الصانع إلى مدح المصنوع ، فكل مدح غير مدح الحق لا يليق ، حتى ولو كان ذلك خوفا من الناس ، لأن الحديث عن عشق الحق لا يليق أن يطرح أمام كل إنسان ، لكن هذا الخوف مجرد عثرة في الطريق ، الست ترى أن تفكير أبى طالب في تشنيع العرب عليه على أنه تبع ولده ،
( والقضية فيها خلاف كبير بين السنة والشيعة ، فإجماع السنة على أن أبا طالب رفض النطق بالشهادتين وهو على فراش الموت خوفا من أن يعير بها ، ثم نطقها جزعا من الموت ، وإن العباس رضي اللّه عنه قال : إنه سمعه يهمس بها ، لكن الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم أنكر أنه سمعها ، سيرة ابن هشام ، ج 1 ، ص 184 ، طبعة البابي الحلبي سنة 1955 .
ويرفض الشيعة رفضا تاما فكرة أن أبا طالب مات دون أن ينطق بالشهادتين ، وينقل جعفري ( 13 / 131 - 136 ) 


روايات شيعية عن ابن بابويه وجعفر الصادق رضي اللّه عنه تشكك في روايات عدم إيمان أبي طالب ، وواضح أن مولانا جلال الدين يقبل الرواية السائدة ولا يشكك فيها ، ويرى أنه لو كان الله سبحانه وتعالى قد كتب الإيمان لأبى طالب في سابق علمه ، لآمن ، فضلا عن أن أبا طالب كان ذا بصيرة ، لكن هذه البصيرة ليست منفتحة على عالم الغيب .
 
( 202 - 211 ) : ( عن التردد وكيف أنه تفسير تكريم الإنسان بالاختيار ، انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الخامس ، الإرادة الإلهية والحرية الإنسانية ، لكاتب هذه السطور ) ،


وفي تفسير نجم الدين كبرى للأمانة " وهي التي عبر عنها بالفوز العظيم وقد فسرنا الفوز العظيم بالفناء في الله والبقاء بالله وهو عبارة عن قبول الفيض الإلهى بلا واسطة وقد اختص الإنسان بقبول هذا الفيض وحمله من بين سائر المخلوقات لاختصاصه بإصابة رش النور الإلهى لقوله صلى اللَّه عليه وسلّم : [ إن الله خلق الخلق في ظلمة ورش عليهم من نوره ]
فكل روح أصابه نور الله صار مستعداً لقبول الفيض الإلهى بلا وساطة فكان
 
« 430 »
 
عرض الفيض عاماً على المخلوقات وحمل الفيض خاصا بالإنسان ، وحمله مخصوص بالقلب بلا واسطة ، ثم من القلب بواسطة العروق ( مولوى 6 / 40 ) .
 
( 212 - 221 ) : لا يزال مولانا في مناجاته التي يطب فيها من الله تعالى النجاة من " فتنة الاختيار " فتنة المسؤولية ، فتنة أن يكون المرء مسئولًا عن أعماله ، وينطلق مولانا في عنوان الأبيات إلى الاختيار على مستوى الأمم وهو هنا يمكن أن يترجم إلى السيطرة ، تكون كل الأسباب مجموعة في يد إحدى الأمم ، تغوص إلى أعماق المحيطات ، وتنطلق بين الكواكب والأقمار ، فإذا لم تكن ثم قوة روح إلى جوار هذه السيطرة ، كانت النتيجة وبالًا ، ويأتي قهر الحق لكي تفيق هذه الأمم من غلوائها وتعترف أن هناك إلها ، وأن التقدم العلمي المذهل إن لم تسنده حضارة روحية قوية وإيمان قوى ، تكون نتيجته معروفة ، وإن لم تصدق فانظر إلى مصائر الأمم ، يتحدث القرآن الكريم دائما أنهم كانوا أشد قوة وأكثر جمعاً ، وعمروا الأرض أكثر مما عمرها من يخاطبهم القرآن الكريم ، ومع ذلك بادوا ، وتلك مساكنهم تدل عليهم ، ويضرب المثل بفرعون على القوة التي لم يبلغها بشر ، أليس هو القائل " أنا ربكم الأعلى " إذن فاعلم أن فرعون موجودٌ ، في كل جبلة ، موجود في كل نفس ، ( أنظر الكتاب الثالث ، 1056 - 1059 و 1255 - 1258 وشروحها وانظر أيضا مقدمة الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
إن هذا البلاء يحول أبطال الطريق إلى مجرد إناث ، ( أنظر 1995 من الكتاب الخامس و 15 من الكتاب الذي بين أيدينا ) إن الإنسان الذي يسير على طريق واحد ومذهب واحد إنسان متوازن ، لكن الإنسان الذي يكون كبعير تحمل حملين غير متوازنين
( رأيين ومذهبين ودينين وأحياناً أكثر ! ! ) يفقد توازنه يصاب بالجنون ، إن مولانا يطلب أن يكون دائما بين أصابع الحق يقلب قلبه كيف يشاء ، يكون كأصحاب الكهف تَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ ، وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ .( الكهف / 18 )
أي لأنى دائما يا الله نائم عن قدرتى واختياري مستيقظ بين يدي مشيئتك ، ويقول نجم
 
« 431 »
 
الدين : أي التقليب بين الإفناء والإبقاء والترقي من مقام إلى مقام ومن حال إلى حال إلى أن بلغناهم مبلغ الرجال البالغين ووصلوا إلى درجات المقربين ( مولوى 6 / 42 ) .
 
( 222 - 229 ) : الطيران هنا هو السياحة في ما وراء هذا العالم المادي ، والتفكر في مراحل خلق الإنسان ومراحل وجوده ، ومرحلة وجود الإنسان كذرة في هذا الكون دائرة فيه دون هدف ودون قصد ، وقبل أن يتمثل إنسانا ذا جسد ، وروح ، وقت أن كان خاليا من كل مسؤولية ، ذرة من الهباء تحملها الريح حيث تشاء ، وذلك الوقت إن كان الآن قد صار منسيا ويصور لي غرورى الإنسانى ، أنى هكذا كنت منذ الأزل ، فإن وجودي في حال النوم ، حيث أسلب كل فكر وذكر وأبهة وعظمة ، وأتحول مرة ثانية إلى هباء ، ينبؤنى عما كنت ، عندما أنجو من العناصر الأربعة ( انظر 2112 من الكتاب الثالث )
 
والطبائع الأربعة ، وهي أساس هذا العالم المادي ، حينذاك أرتفع في عالم الروح متحرراً من الجهات ومن الطبائع ومن أصول الحياة المادية ، هذا هو رضاع الحياة الماضية أيام لم تبتل الروح بهذه الحياة المادية وبهذا الماء والطين .
 
وانظر إلى الناس بأية وسيلة يهربون من هذه المسؤولية الملقاة على عواتقهم مسؤولية الاختيار ، إنهم يهربون في عشرات المشاغل والملاهي وبعضهم يهرب إلى الخمر وإلى اللهو ، والله تعالى هو الذي يعطى الخمر والمخدرات هذه الخاصية ، ولديه مئات الآلاف مما يسلط على الإدراك .
 
( لتفصيلات على أن الإنسان يهرب بوسائله الخاصة من ذاته ومن نفسه انظر الأبيات 2683 - 2697 من الترجمة العربية للكتاب الرابع ، لكاتب هذه السطور وشروحها ) ويعود مولانا فيقول : إن هذه الحياة فخ ، والناس جميعا يسعون بطريقة أو بأخرى إلى الخلاص من هذا الفخ ، أو إيهام أنفسهم بأنهم تخلصوا من هذا الفخ بشكل أو بآخر ، وكلها ، ما عدا الفرار إلى الله تعالى وسائل معدومة القيمة ، تأثيرها خادع ووقتي .
 
« 432 »
 
( 230 - 235 ) : ثم إنك يا الله تعيد النفس مرة ثانية من هذا العدم ( النوم ) إلى سلطانها ، وإلى تسلطها ، فلا سلطان لها إلى الخروج من حبس هذا الزمن ، إلا بسلطان إلهييا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا ، لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ ( الرحمن / 33 ) ،
إن الشرط هنا هو الفناء ، ترك النفس ، الخروج عنها ، كيف تكون وجوداً ثم تريد أن تمضى إلى عالم العدم الذي هو أساس هذا الوجود ومعدنه ؟ !
تخلص أولا من ذاتكو أنيتك ووجودك ، ثم عُد إلى مصدرك ، ومن هنا فليس للعشاق دين ، فما حاجة العدم إلى الدين ؟ !
( عن العدم كأصل للوجود ومصنع له ، انظر الترجمة العربية للكتاب الخامس الأبيات 1960 - 1973 وشروحها ) .
 
( 236 - 244 ) : الإشارة في الأبيات إلى السترة الجلدية والحذاء الريفي وإياز تنظر تفصيلاتها بداية من البيت 1859 من الترجمة العربية للكتاب الخامس وهي أطول حكايات الكتاب الخامس وتشير إلى نظر الإنسان إلى نفسه ومعرفته مم خلق ، وقيمته أمام السلطان الأكبر ، كما يراجع البيت 359 وما بعده من نفس الكتاب الذي بين أيدينا ) ، والأمر كله فتح لباب العدم حتى تعرف قيمة الوجود ، لقد صار نديم السلطان بعد أن كان مجرد راع ، إن إياز لم يفعل ذلك لأنه كان يخشى الكبرياء ، لا ، لقد كان واصلا كاملا ( عن الواصل الكامل انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 2410 - 2412 وشروحها ) بل كان يقوم بكل هذه الأمور يريد أن يفتح قبرا للأنية يهب منه نسيم الحياة الأبدية ، البقاء الذي لا يهبه سوى الفناء الكامل ( انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث ) .
 
( 245 - 250 ) : الحديث عن الروح التي تبتلى بهذه الحياة الدنيا وهي في الأصل خفيفة الحمل خفيفة السير ، وهذه المتع الدنيوية بالنسبة لها كأنها السلاسل التي تقيد حركتها حتى وإن كانت سلاسل ذهبية ، فهي تلقى بها في جب دار الغرور محرومة من أرض الروح التي تستطيع أن تتجول في كل مكان ، وهذه الدنيا وإن بدت جنة إلا أنها جحيم ، ومثلما
 
« 433 »
 
يكون الجحيم برداً وسلاما بالنسبة للمؤمنقُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ[ ولا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمن بردا وسلاما كما تكون على إبراهيم ] ( أحاديث مثنوى / 181 )
والحسناء التي تتحول إلى جحيم عند الصحبة أو المعاشرة هي الدنيا ( 251 - 256 ) : تجاهل فروزانفر أصل الحكاية التي تبدأ بهذه الأبيات ، وتبدو من المأثور الشعبي الذي كان شائعا قبل مولانا جلال الدين ، وقد البس مولانا شخوص الحكاية رموزا شديدة الوضوح ، ويترك مولانا سياق الحكاية من البيت 261 ويتحدث عن المعجب بتقواه كأنه إبليس الذي كان قبل العصيان طاووس الملائكة ، لكن علمه كان محدودا فلم يدرك معنى تكريم آدم ومعنى السجود له فعصى ، وهكذا علماء الظاهر وعلماء الكتب وعلماء المدارس أو كما عبر عنه مولانا بعلم أهل الحس ( الكتاب الأول ، بيت 1020 ) .
 
وبهذا العلم لا يمكن أن تدرك حقائق العشق وحقائق العالم الآخر ، فلا تغتر بهذا العلم مهما كانت عمامة صاحبه كبيرة ( انظر حكاية الفقيه ذي العمامة الضخمة في الكتاب الرابع ، الأبيات 1578 - 1690 وشروحها ) إنها كلها أدوات تعريف ، سواء العمامة أو اللحية ، إنه يريد أن يقول أنه عالم ، أما العارف فيعرف بنوره البازغ .
 
( 283 ) : بالرغم من أن الغلام الهندي بمثابة الابن ، إلا أن النظام السائد في المجتمع لا يعطيه الحق في أن تكون ابنة سيده مطمحا له ، هذا مفهوم ، أما ما يحدث في سياق القصة فيذكر بتلك القصة الأخرى المشهورة في الكتاب الأول ، قصة الجارية التي أخذت تذوى ، وعالجها الطبيب فعرف أن مرضها لمفارقة حبيبها الصائغ السمرقندي ، وعندما يستدعى الصائغ السمرقندي يعطى دواءً لكي يذوب أمامها ، وتنجو من حبه ، والواقع أن إخضاع هذا القبيل من الحكايات لأي منطق لا يصل بها إلى نتيجة ، حتى ولو قيل في قتل الصائغ السمرقندي أنه من قبيل قتل الخضر عليه السّلام للغلام ( انظر الحكاية وتعليقاتها في الكتاب الأول
 
« 434 »
 
الأبيات 35 - 246 وشروحها ) . والحكاية التي بين أيدينا أيضاً من هذا القبيل ، لقد جعل السيد من عاطفة عبده تجاه ابنته مادة للسخرية والضحك ، والقى بالعبد بين براثن مارد يلوط به ، أكان البيان عن سخرية الدنيا بعشاقها ، إذ تبدوا كالعروس وهي مدمرة في الحقيقة تحتاج إلى إعادة صياغة هذه الصورة الشعبية البشعة ؟ ! أجل فعندما يكون الحديث عن الخروج عن إطار المنطق والمعقول ، لا يهم مستوى التعبير ! !
 
( 318 - 322 ) : المراد من الحكاية أن كل نعيم للدنيا هو في ظاهره كهذه العروس وفي باطنه كهذا العتل الذي لاط بفرج العبد الهندي ، ونعيم الدنيا كالسراب يبدو من بعيد ماءً ، وهي عجوز نتنة مصداقا للحديث النبوي الشريف [ يؤتى بالدنيا يوم القيامة على صورة عجوز شمطاء زرقاء أنيابها بادية لا يراها أحد إلا كرهها فتشرف على الخلائق فيقال لهم : أتعرفون هذه فيقولون : نعوذ بالله من معرفتها ، فيقال هذه الدنيا التي تفاخرتم بها وتقاتلتم عليها ] ( مولوى 6 / 54 ، أحاديث مثنوى 187 ، انقروى 6 - 1 / 85 ) وتشبيه الدنيا بالعجوز التي تزوجت ألف زوج تشبيه شائع جدا في الأدب الفارسي وفي بيت شهير لحافظ الشيرازي ، وقد نقل الأنقروى بيئاً لم يذكر قائله : إن الدنيا عروس جميلة الصورة لكن كل من اتصل بها أعطاها عمره صداقا لها .
 
( 326 - 334 ) : إن العظماء في الدنيا بمثابة الموتى المحمولين على كواهل الخلق ، قال صلى اللَّه عليه وسلّم [ إياكم ومجالسة الموتى ، قالوا ، وما الموتى يا رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم ، قال صلى اللَّه عليه وسلّم : الأغنياء ] وفي رواية أخرى ، أهل الدنيا ، أنهم محمولون على كواهل الخلق و " ملعون من ألقى كله على الناس " ( جعفري 13 / 169 ) حياتهم من عرقهم وأعمالهم غرامة عليهم ، فلا تكن حملا على أحد ، لكن كن كالجواد المسرع تمشى على الأرض ،وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً( الفرقان / 63 ) وإن المؤمن هو الذي يقوم بكل أعماله بنفسه لا يكلف بها أحد ولا يعتمد فيها على أحد ، أما هذا الكفور ، فيظل محمولا على كواهل
 
« 435 »
 
الخلق ، يصبح كالميت ، يحملونه إلى قبره ، ويشير في الأبيات التالية إلى ما أشار إليه ابن سيرين في منتخب الكلام في تفسير الأحلام ، أن من يُشاهد ميتا محمولا في النوم ، فهذا يدل على أنه سوف يصل إلى الرفعة والمنصب والجاه ، ( عن استعلامى 6 / 242 )
فكأن مولانا يزاوج بين أولئك الذين يعيشون عالة على الخلق محمولين على أعناقهم وبين الموتى بالفعل ، إياك أن تعيش متكاسلا لا تقوم بعمل ، فإن جزاء هذا أن تصاب بالنقرس في قدميك ، سوف يأتي يوم تضيق هذا المركب ، تعجز وتصاب بالملل ، وتحس بعالمك من حولك قد تحول إلى خراب ، فلم تعد لك صولتك ولم يعد الخلق يتحملونك ، اعترض على هذا المركب الصعب الأن مهما بلغت مغرياته وفكر في ذلك اليوم الآتي لا محالة .
 
( 335 - 339 ) : الأبيات هنا قائمة على رواية لثوبان ، روى عنه رضى اللّه عنه أنه قال : قال رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم من يضمن لي شيئا أضمن له الجنة ، قال ثوبان فقلت أنا يا رسول الله ، فقال صلى اللَّه عليه وسلّم لا تسأل الناس شيئاً أضمن لك الجنة ، فكان ثوبان لا يسأل الناس شيئاً حتى سقط يوما سوطه فنزل وأخذه ولم يأمر أحد أن يناوله إياه ( مولوى 6 / 56 ) ولذا قال ابن عطاء الله السكندرى ، " ربما استحيا العارف أن يرفع حاجته إلى مولاه اكتفاه بعلمه ومشيئته فكيف لا يستحى أن يرفعها إلى خلقه "
وفي بيت لحافظ :
يا حافظ لا ترق ماء وجهك أمام باب كل سافل * ولنحمل حاجتنا إلى قاضى الحاجات
 كما قال ابن عطاء في الحكم " لا ترفعن إلى غير حاجة فكيف يرفع حاجتك عنك من لا يستطيع أن يرفع حاجته عن نفسه " ( انقروى 6 - 1 / 89 ) .
وعن أبي عبد الرحمن عوف بن مالك الأشجعي قال : كنا عند رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم تسعة أو ثمانية أو سبعة فقال : ألا تبايعون رسول الله ، وكنا حديثي عهد ببيعته فقلنا ، قد بايعناك يا رسول الله فقال ، قال : ألا تبايعون رسول الله فبسطنا أيدينا وقلنا قد بايعناك يا رسول الله ، فعلام نبايعك . ؟ ! قال :
أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً والصلوات الخمس ، وتطيعوا ، وأسر كلمة خفيفة ولا
 
« 436 »
 
تسألوا الناس ، فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحد يناوله ] ( جعفري 13 / 170 ) . كان رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم يركب الحمار ويخصف النعل ويرقع القميص ويلبس الصوف ويقول من رغب عن سنتي فليس منى . ( جامع 2 / 117 ) .
 
( 340 - 345 ) : لكن الله إن أمر فاصدع بما أمر الله سبحانه وتعالى ، فالله في بعض الأحيان قد أمر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بان يأخذ من أموال الأغنياء ، فقالخُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها، وهناك بعض الأوامر الإلهية تبدو لك سيئة ، كقتل الخضر للغلام ، وخرقة للسفينة ، وهناك كثير من الناس ظهروا كعلماء جهابذة لكنهم مردودون من الله مثل بلعم بن بعوراء الذي نزلت فيه كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ، إن الأمر الإلهى في بعض الأحيان يكون في الظاهر صعبا مؤلم التنفيذ ، لكن هذا في ظاهر الذي يبدو كالصدف ، لكنه ملىء الدر في الباطن ، دعك من هذا الكلام إذن ، وعد إلى تلك المناجم التي تحتوى على الذهب الخالص ، والتي لا تناقض فيها بين قسوة الظاهر ولطف الباطن .
 
( 346 - 357 ) : إن عابد الصورة عندما يعطى للصورة طريقاً إلى قلبه يندم في النهاية ، ويعبر عن ندمه هذا بحركة يديه ، أنظر إلى اللص عندما يحمل إلى إقامة الحد إنه إنما يستخدم يديه في التشنيع والتفجع والتضجر كما تفعل النساء ، والحزين المذكور في البيت التالي إشارة إلى الغلام الهندي ، وهكذا فنحن جميعاً نعلن عن نفورنا من فعل السوء ونشنع عليه ، لكن بعد فوات الأوان ، فتوبتنا هي توبة الفراشة ( لتوبة الفراشة انظر الكتاب الرابع 2287 - 2294 وشروحها ) إن هذا يشبه ما ورد في الآية الكريمة وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ وأوهن الله كيد الكائدين مستوحاة من الآية الكريمة إن الله موهن كيد الكاذبين ( الأنفال 18 ) والكلام كله مصداق " توبة الكذابين على أطراف لسانهم " ( أنقروى 6 - 1 / 93 ) .
 
« 437 »
 
( 358 - 361 ) : الآية الكريمةكُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ( المائدة 64 ) والنسيان من انعدام العزموَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً( طه 115 ) فالتوفيق في طريق الحق شرطه حسن النية ، وإلا فإن الحق لا يوفق العبد فيما يزعم أنه مزمع عليه ، فالصدق هو الروح الربانية ( البيت 303 من الكتاب الرابع ) .
 
( 362 - 382 ) : الحكاية الواردة هنا من الحكايات التي تجاهل فروزانفر البحث عن مصدر لها ، وتبدو من حكايات المعاني التي يلبسها مولانا شخوصاً لكي يوضح معانيها ، فالرجل صاحب الدار في عماه ( الظاهري والباطني ) لا يرى من يطفئ الشمع وهو أمامه ، مثل ذلك الكافر الذي يكيد في قلبه فيوهن الله كيده وهو لا يعلم من عمى قلبه من الذي يوهن هذا الكيد ( عن وقوف الله لكيد الكافرين بالمرصاد أنظر الكتاب الثالث الأبيات 1094 - 1098 وشروحها )
حتى على سبيل العقل إن لم يكن لك قلب ، كيف تدعى أن لك عقلًا ثم تنكر وجود الخالق ، ألا يقول لك عقلك أن الشئ المتحول يلزمه محولا ؟ !
أهناك تعاقب ليل ونهار دون أن يكون هناك رب ؟ ! أثمة منزل دون بناء ؟ ! وخط دون خطاط وشمع دون مشعل لهذا الشمع، وإذا كانت هذه الصنعة حسنة أفلا يلزمها صانع قدير؟!
دعك من هذا ، إنك نفسك تنوى التي ولا تستطيع أن تنفذ نيتك هذه ؟ ! ألا يدلك هذا القهر الدائم لك ولنواياك على وجود قاهر لك ؟ ألم تعرف الله حتى بفسخ عزائمك ، لقد أعددت للأمر كله عدته ، رسمته وقدرته وعملت حساباته ومع ذلك لم يتم ، فكيف لم تفهم ؟
( عن معرفة الله بفسخ العزائم أنظر الأبيات 4465 - 4475 من الكتاب الثالث وشروحها ) لقد عرفت إذن أنه قاهرك ، فيها ، قم بحربه وافعل كما فعل النمرود ، هيا وتعلق بعدد من النسور يحملونك إلى السماء لكي تقوم بقتاله ، وتطلق سهامك عليه
( انظر 4140 و 4863 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، أتراك وأنت في العدم نجيت منه ، أليست كفه التي صورتك وجوداً من العدم ،
 
« 438 »
 
فكيف تستطيع إذن أن تنجو من كفه وأنت وجود ، إنك مجرد مصنوع مخلوق ، وهو الصانع والخالق ، تريد أن تفر كي تفارقك التقوى إلى الأبد ، فإنك قد سفكت دماءها بهذا .
 
( 383 - 389 ) : إن شهواتنا هي التي تسمر أقدامنا في هذا العالم المادي وتبعدنا عن طريق الله ، فدعك منها ، واتجه إلى الله سبحانه وتعالى فإنك ترى الفتوحات تتوالى عليك من مجرد اتجاهك " فمن تقرب منه باعاً تقرب منه هو ذراعاً ، ومن سعى إليه مشياً سعى إليه هو هرولة " وإن كنت لا تصدق ، فاستفت قلبك ، فإن كان قلبك مضيئاً بذكره فسوف يدلك على الطريق ، استفت قلبك ولو أفتاك المفتون ( أحاديث مثنوى / 186 )
وما أكثر المفتين الذين يبعدونك عن طريق القلب ، سل تسلم ، وكن بين يديه كالميت بين يدي الغسال ، لا رغبة ولا نية ولا خطة ولا فعل ، حينذاك تنزل عليك الرحمة الإلهية ، وما دمت لا تستطيع الهرب فجرب الخدمة ، هذه يد لن تستطيع أن تقطعها فقبلها ، سوف ينقلك من قهره إلى لطفه ، وفي الحقيقة أنت لا تملك سوى هذا إن قدرت عليك ، وهب أنك سوف تتجاهل هذه الحقيقة ، فهل توارت الشمس بالحجاب لأن أعمى أغلق عينيه حتى لا يراها ؟
 
( 390 ) : إياز هو مثال العبد الصالح والعارف الكامل الواصل ( انظر الأبيات 2151 ، 3253 ، 3287 من الكتاب الخامس ) وفي الكتاب الخامس ذكرت قصة اياز وسترته الجلدية وحذائه الريفي بكل تفصيلاتها ، كما ذكرت قصة أخرى عن طاعته للملك دون سؤال في حكاية عطية الجوهرة ( الأبيات 4037 - 4120 من الكتاب الخامس ) لكن الحكاية الواردة هنا لم يعن أحد بالبحث عن مصدر لها .
 
( 406 - 412 ) : يحتج الأمراء الثلاثون على مهارة أياز وفهمه لأسئلة السلطان ولما يريده السلطان دون أن يسأل وإحاطته وحبه بما كان يسأل عنه الأمراء الثلاثون ، بان الأمر عطاء من الله سبحانه وتعالى ، هذه هي الحجة الجبرية المذكورة في العنوان ، ويرد السلطان بأن الأمر ليس عطاءٌ فحسب بل هو أيضاً جهد ، وينتهز مولانا جلال الدين الفرصة فيسوق
 
« 439 »
 
أمثلة وشروحاً حول رأيه في حرية الإنسان وكونه مختاراً وليس مجبراً ، وهذا يشبه تماماً حجة إبليس الذي قال الله تعالى " بما أغويتني " بينما قال آدم وحواء " ربنا ظلمنا أنفسنا " ، ويوفق مولانا فالقضاء حق والجهد حق وهو أشبه هنا بالكسب الذي يكون للعبد وقت الفعل الذي يقول به المعتزلة ، وعلى كل حال نوقشت هذه القضية بشكل مفصل في مقدمة الترجمة العربية للكتاب الخامس .
 
( 413 - 424 ) : الخلاصة في هذه الأبيات أن قراراتنا وترددنا وإقدامنا على أمر ونفورنا من أمر آخر كلها دلائل على مسؤوليتنا عن أفعالنا ، وما دمنا مسئولين فنحن مختارون ، فكيف تكون المسؤولية على مجبر ؟ ثم أن القدرة على الاختيار بين عملين لا يمكن أن يكون فيهما جبر ما دمت تستطيع أن تقوم بكلا العملين على نفس المستوى الجيد ، وإن كان عليك أن تختار بين عمل تستطيع القيام به وعمل لا تستطيع القيام به ، فسوف تقوم بالتأكيد بالعمل الذي تستطيع القيام به ، ثم إذا لم تكن مسئولًا لماذا يقتص منك ؟ لماذا يقام عليك الحد ، أتشك إذن في عدالة أحكم الحاكمين ؟ !
 
( 452 - 439 ) : لكل عمل صورة ظاهرة ومرئية وصورة غيبية ، ليس من اللازم أن تكون شبيهة بالصورة الظاهرة للعمل ، أو تكون مشابهة له على أي وجه من الوجوه ( أنظر لعدم تشابه الأفعال مع نتائجها أو على عقابها أو ثوابها الكتاب الثالث الأبيات 3445 - 3455 وشروحها ) ، والقضاء المذكور هو القضاء الإلهى ، والكلب الكسول كناية عن النفس ، والمعنى مأخوذ هنا من حديقة سنائى " الكلب المرابط في الحظيرة وإن كان سميناً ليس كالعربى يحسن في الصيد " ( البيت 313 ص 78 من حديقة الحقيقة ، انظر الترجمة العربية المشروحة لكاتب هذه السطور ) والرجولة كل الرجولة أن يتحمل المرء نتيجة أعماله ، وأن يكون موقناً أنفَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ( الزلزلة 7 - 8 ) وإياك ووساوس النفس ، إنها من قبيل الذرات أمام شمس الحقيقة ولا
 
« 440 »
 
تسطيع أن تخفيها ، وهذه الذرات ( الهباء ) موجودة أمام شمس الدنيا فهل تستطيع أن تخفيها ، مثلها كل ما يدور في ذهنك من وساوس وأفكار ظاهرة أمام شمس الحقائق ، وتكون مسئولًا عنها ، مثابا أو معاقبا بها .
.
* * * 
* * *

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: