الأربعاء، 2 سبتمبر 2020

11 - عقاب يوسف الصديق بالحبس بسبب طلبه العون من غير الحق .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

11 - عقاب يوسف الصديق بالحبس بسبب طلبه العون من غير الحق .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

عقاب يوسف الصديق بالحبس بسبب طلبه العون من غير الحق .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

عقاب يوسف الصديق صلوات الله عليه بالحبس بضع سنين بسبب طلبه العون
من غير الحق وقوله اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ وشرحه
« 291 »
  
3410 - مثل يوسف عليه السّلام الذي طلب العون من سجين بضراعة وخضوع وتذلل ؛
- طلب العون ، وقال : عندما تخرج وتستوى أمورك عند الملك ،
- أذكرنى أمام عرش ذلك العزيز ، حتى يخلصني أيضاً من هذا السجن .
- ومتى يخلص سجينٌ في الأسر سجينا آخر ؟ ! !
- وأهل الدنيا برمتهم سجناء ، وهم في انتظار الموت في الدنيا الفانية .
 
3415 - اللهم إلا شخص شديد الندرة ، جسده في السجن وروحه في عطارد .
- ومن ثم فعقاباً على أنه رأى فيه معينا ، لبث يوسف في السجن بضع سنين .
- لقد محا الشيطان ذكر يوسف من خاطره ، ومحا الشيطان من قلبه هذه الوصية .
- ومن ذلك الذنب الذي بدر من حسن الخصال ذاك، بقي في السجن - بحكم الله - بضع سنين.
- كان الأمر يعنى : أي تقصير بدر من شمس العدل ، حتى تسقط كالخفاش في الظلمة ؟
 
3420 - انتبه ، أي تقصير بدر من البحر والسحاب، حتى تطلب العون من الرمل والسراب؟
- فإذا كان العوام في طبع الخفاش ويجوز لهم هذا ، فيا يوسف ، إن لديك في النهاية عينا مبصرة .
- فإذا كان خفاش قد مضى في العمى والظلمة ، فماذا حدث لبصيرة بازى السلطان ؟ !
- ومن ثم أدبه الأستاذ لهذا الجرم ، قائلًا له : لا تجعل لك عمادا من خشب مهترىء .
 
« 292 »
 
- لكنه شغل يوسف بنفسه ، حتى يحس بألم في قلبه من ذلك الحبس .
 
3425 - فأعطاه الحق الأنس " به " والسكر ، بحيث لا السجن بقي أمامه ولا الظلام .
- فليس هناك سجن أشد وحشة من سجن الرحم ، فهو سىء ومظلم وملىء بالدم ، ووخم ! !
- وعندما فتح لك الحق فيه كوة إليه ، يزيد جسدك كل لحظة في الرحم .
- وفي ذلك السجن من اللذة لا حد لها ، تفتحت الحواس سعيدة من غراس جسدك .
- ومن هنا كان الخروج من الرحم صعباً عليك ، فأنت هاربٌ من رحمها نحو الظهر .
 
3430 - فاعلم أن طريق اللذة من الداخل لا من الخارج ، واعلم أنه من البلاهة البحث عن القصور والحصون ! !
- فأحدهم في زاوية المسجد في نشوة وسعادة ، وذاك في البستان عبوس ومكتئب .
- فالقصر ليس شيئا ، فدمر البدن ، فالكنز في الخرائب يا أميري .
- ألست ترى انه في مجلس الشراب ، يسعد الثمل عندما يتهدم تماماً ؟ !
- فبالرغم من أن الدار مليئة بالرسوم فاهدمها ، وابحث عن الكنز ثم عمرها بهذا الكنز .
 
3435 - فالدار المليئة بنقوش التصوير والخيال ، تكون صورها ونقوشها كالحجاب على كنز الوصال ! !
- إن شعاع الكنز وبريق الذهب ، هي التي تجعل الصور تغلى في هذا الصدر ! !
 
« 293 »
 
- وأيضاً من اللطف وصورة الماء ذي الشرف، صارت أجزاء الزبد حجابا على وجه الماء!.
- وأيضاً من لطف الروح القيمة وجيشانها ، صار شخص الجسد حجابا على وجه الروح .
- فاستمع إذن إلى مثل تتداوله الأفواه ، هو : إن ما حاق بنا أيها الأخ . . . منّا .
 
3440 - ومن هذا الحجاب فإن هؤلاء الظامئين عبدة الزيد ، وقعوا بعيدا عن الماء الصافي .
- أيتها الشمس مع مثلك قبلة وإماما ، نقوم بعبادة الليل ، وطبع الخفاش .
- فاجعلي إلى نفسك طيرانا لهذه الخفافيش، واشتريهم من طبعهم الخفاشى، يا مجيرة" الحيارى" .
- إن هذا الشاب ضال من هذا الجرم ومعتد إذ جاء إلى أنا ، لكن لا تأخذه بذنبه .
- كانت هذه الأفكار تغلى في عماد الملك كأنها الأسد في الآجام .
 
3445 - كان ظاهره واقفا أمام السلطان ، وكانت روحه ملحقة في رياض الغيب .
- كان كالملائكة في إقليم " ألست " ، يثمل كل لحظة بشراب جديد .
- ولما كان باطنه في محفل وظاهره مليئا بالحزن ، وفي جسدٍ كأنه اللحد عالم عظيم .
- كان في هذه الحيرة وهذا الانتظار ، منتظراً ماذا يتأتى من الغيب والأسرار .
- وجاء القواد في تلك اللحظة جارين الجواد أمام خوارزمشاه .
 
3450 - والحق أنه تحت هذا الفلك الأزرق ، لم يكن هناك مهر في قده ، وخطوه .


« 294 »
 
- كان لونه يخطف كل بصر ، مرحبا بهذا الذي ولد من البرق والقمر ! !
- كان كالقمر وكعطارد حاد السير ، لم يكن طعامه من الشعير بل من الرياح الصرصر ! !
- فهو قمر يقطع مساحة السماء في ليلة ، في مسيره وذهابه .
- وإذا كان القمر قد قطع الأبراج في ليلة واحدة ، فمن أي شئ تصير منكرا للمعراج ؟ ! !
 
3455 - إنه كمائة قمر ذلك الدر اليتيم العجيب ، فبإشارة واحدة منه انشق القمر .
- وذلك العجب الذي أبداه في شق القمر ، كان بقدر ضعف حس الخلق .
- إن أعمال الأنبياء والمرسلين وشؤونهم خارجة عن الأفلاك والكواكب .
- وأنت أيضاً أخرج عن الأفلاك ودورانها ، ثم انظر آنذاك إلى هذه الأعمال والشؤون .
- ذلك وأنت داخل البيضة كالأفراخ ، لا تستمع إلى تسبيح طيور الهواء .
 
3460 - إن المعجزات لن تصير مشروحة هنا ، فتحدث عن الجواد وخوارزمشاه ، وقصتهما .
- إن شمس لطف الحق في كل ما سطعت عليه من كلب أو جواد قد وجد مجد الكهف .
- فلا تعتبر إشراق لطفها ، على نسق واحد ، لقد أعطى أمارة " لنا " الحجر والياقوت .
- فللياقوت منها كنز مقتبس ، وللحجر الحرارة والدفء فحسب ! !
- وأن تشرق الشمس على جدار ، لا يكون مثلما تشرق على الماء وتحدث الاضطراب .
 
3465 - عندما تحير منه لحظة ذلك الملك الفريد ، التفت نحو عماد الملك قائلًا :
- أيها الأخ . . . أليس هذا جوادا في غاية العظمة ، أيكون من الجنة وليس من الأرض ؟ !
- فقال له عماد الملك : أيها السيد : إن الشيطان من ميلك ينقلب إلى ملاك .
 
« 295 »
 
- إن كل ما يقع عليه خطرك يصير جميلًا ، وهذه المطية جميلة جداً وفاتنة لكن ؛
- لكن تلك الرأس موضع نقص في قوامه ، فإنك تخال رأسه هذه رأس ثور .
 
3470 - وأثر ذلك القول في قلب خوارزمشاه ، وحقر الجواد في نظر الملك .
- وعندما صار الغرض دلالا وواصفاً ، تجد يوسف بقيمة مجرد ثلاثة أذرع من الكرباس .
- وعندما يصير الشيطان دلال درٌ الإيمان ، عند فراق الروح ؛
- يبيع الأبله الإيمان سريعا في تلك الشدة بإبريق ماء .
- ويكون ذاك خيالا وليس إبريقا ، ولا يكون قصد ذلك الدلال إلا الشعوذة .
 
3475 - وفي ذلك الزمان الذي تكون فيه صحيحا سمينا ، تهب الصدق في مقابل خيال .
- وتبيع في كل لحظة در المنجم ، وكطفل تأخذ في مقابله حبات الجوز .
- إذن ففي كرب يوم الأجل ، ليس بالمستبعد أن يكون هذا عملك .
- إن صورة ما تغلى في خيالك ، لكنها مهترئة كجوزة عند دقها .
- إن ذلك الخيال في البداية مثل البدر ، لكنه في النهاية يصير مثل الهلال .
 
3480 - فإذا نظرت إلى أوله كما تنظر إلى آخره ، فإنك تفرغ من خداعه السخيف .
- إن الجوز المتحلل هو الدنيا أيها الأمين ، فامتحنها قليلًا وانظر إليها عن بعد .
- لقد رأى الملك ذلك الجواد بعين الحال ، بينما رآه عماد الملك بعين المآل ! !
- كانت عين الملك ترى ذراعين من اللغز ، وعين ذلك الناظر إلى العواقب " ترى " خمسين ذراعاً ! !
- فأي كحل هذا ؟ ! إنه هو الذي يضعه الله ، بحيث ترى الروح الرشد من خلف مائة حجاب .
 
3485 - ولما كانت عين السيد مقترنة بالعاقبة ، سمى بهذه الرؤية الدنيا جيفة .
 
« 296 »
 
- ومن ذلك الذم الوحيد الذي سمعه الملك فحسب ، برد في قلبه حب الجواد .
- لقد ترك عينه هو واختار عين الوزير ، وترك وعيه هو ، وسمع قول الوزير .
- كانت هذه مجرد ذريعة ، وذلك الديان الفرد من الضراعة ، برده في قلب الملك .
- لقد أغلق باباً على حسنه أمام البصر ، وذلك الكلام كان موجوداً كصرير الباب .
 
3490 - ووضعت تلك النقطة حجابا أمام عين الملك ، بحيث يبدو القمر أسود من ذلك الحجاب .
- فتقدس من بناء يقيم الحصون في عالم الغيب من القول والرقى .
- اعلم أن القول هو صوت الباب من قصر السر ، فهل هو صوت فتح يا ترى أو إنغلاق ؟
- إن صوت الباب محسوس والباب خارج عن الحس ، إنكم تسمعون هذا الصوت ولا ترون الباب ! !
- ولما كان صنج الحكمة حسن الصوت ، فأي باب قد فتح من روض الجنان .
 
3495 - وصوت قول الشر . . . عندما ينفتح بابه ، فأي باب ينفتح من سقر على أثره ؟ ! !
- فاستمع إلى صوت الباب ما دمت بعيداً عن بابه ، وما أسعده ذاك الذي تفتح له شُرفُه !
- وما دمت ترى أنك تفعل الخير ، فأنت تطرق على الحياة وعلى الراحة ! !
- وعندما يحدث تقصير أو فساد ، تختفى تلك الحياة ، وتزول تلك اللذة .
- فلا تترك نظرك من أجل نظر الأخساء ، فإن هذه النسور تجذبك نحو جيفة .
 
3500 - فيغمض عيناً كأنها النرجس قائلًا : ماذا حدث . . . هيا . . . أعطني آخذا باليد ، فأنا أعمى أيها الأخ ! !
 
« 297 »
 
- وذلك الآخذ باليد الذي اخترته في السفر ، ترى أنت نفسك أنه أكثر عمى منك ! ! .
- فاستمسك بيدك بحبل الله كما يفعل العميان ، ولا تطف إلا حول الأمر والنهى الإلهيين .
- فما هو حبل الله ؟ ! إنه ترك الهوى ، فإنه هذا الهوى صار صرصرا من أجل عاد .
- والخلق قد قبعوا في السجن من الهوى ، وقيدت أجنحة الطيور من الهوى .
 
3505 - والسمكة في لهيب المقلاة من الهوى ، والحياء قد انتفى عن المحصنات من الهوى .
- وغضب الشرطي شعلة نار من الهوى ، والصليب وهول المشنقة من الهوى .
- لقد رأيت شرطة الأجساد على الأرض ، فانظر أيضاً إلى شرطة أحكام الروح .
- وللروح في الغيب أنواع من التعذيب ، لكن ما لم تهرب ، فالتعذيب في الخفاء .
- وعندما تنجو ، ترى التعذيب والدمار ، ذلك أن الضد يظهر من ضده .
 
3510 - وذلك الذي ولد في جب وفي ماء أسود، أي علم له بالفرق بين لطف الوادي وألم الجب؟!
- وعندما تتخلص من الهوى خوفا من الحق ، تصل إليك كأس من تسنيم الحق .
- " لا تطرق في هواك . . . سل سبيلا من جناب الله نحو السلسبيل .
- " لا تكن طوع الهوى مثل الحشيش ، إن ظل العرش أولى من عريش " « 1 »
- قال السلطان : ردوا الجواد سريعاً ، واشترونى ثانية من هذه المظلمة .
..............................................................
( 1 ) ما بين القوسين بالعربية في المتن .
 
« 298 »
 
3515 - ولم يحدث الملك قلبه قائلًا : لا تخدعوا الأسد برأس البقر .
- إنك تدخل قدم الثور فيما بيننا إدعاءً ، فامض ، لا يضع الحق على جواد قرن ثور ! !
- فهل تراها صنعة مناسبة تماما لهذا الأستاذ العظيم، أن يضع على جسد جواد عضوا من ثور؟!
- ذلك أن الأستاذ قد صنع الأبدان متناسبة ، وبنى قصورا متحركة ! !
- وبين القصور تخريجات وصهاريج من هذه الناحية إلى تلك الناحية .
 
3520 - ومن داخلها عالم بلا انتهاء ، ومن بين خيام المعسكر فضاءٌ واسع .
- وأحياناً يبدي القمر وكأنه الكابوس ، وأحياناً يبدي قعر الجب كالروضة ! !
- وقبض عين القلب وبسطها من ذي الجلال ، ما دام يقوم في كل لحظة بالسحر الحلال .
- لهذا السبب طلب المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم من الحق قائلًا : أرني القبيح قبيحاً والحق حقاً ! !
- حتى لا أسقط من الندم والقلق عندما تتغير الأمور في النهاية .
 
3525 - وذلك المكر الذي قام به عماد الملك الفريد ، أرشده إليه مالك الملك .
- إن مكر الحق هو منبع ألوان المكر هذه ، والقلب بين إصبعى الكبرياء .
- إن من يضع في قلبك المكر والقياس ، يستطيع أن يضرم النار في الغطاء .
 
العودة إلى قصة ذلك الرجل الشهم وذلك الغريب المدين وعودتهما من قبر السيد
ورؤية الرجل الشهم للسيد في النوم . . . إلى آخره
 
- لقد بقيت هذه القصة اللطيفة بلا نهاية ، وعندما عاد الغريب من قبر السيد ؛
- اصطحبه الرجل الشهم إلى منزله ، وأودعه مائة دينار مختومة .
 
« 299 »
 
3530 - أحضر له لذيذ الطعام وسامره ، بحيث تفتحت في قلبه من الأمل مائة وردة .
- كان قد رأى يسراً من بعد العسر ، وتحدث مع الغيب عن قصة هذا الأمر .
- ومر منتصف الليل ، عندما حمل النوم المتسامرين إلى مرعى الروح .
- رأى الرجل الشهم ذلك السيد الميمون في المنام تلك الليلة " واقفا " في صدر القصر .
- وقال له السيد : أيها الرجل الشهم المليح ، لقد سمعت كل ما قلته بتفصيلاته .
 
3535 - لكن لم يكن عندي الأمر بالجواب ، وأنا لا أجرؤ على فتح فمي دون أن يصدر إلى أمر بذلك .
- ذلك أننا ما دمنا قد صرنا واقفين على الكم والكيف ، فقد وضعت أختام على شفاهنا .
- حتى لا تنتشر أسرار الغيب ، وحتى لا ينهدم العيش والمعاش .
- وحتى لا تتمزق حجب الغفلة تماماً ، وحتى لا يبقى قدر المحنة فجا نصف مطبوخ « 1 » .
- فنحن كلنا آذان وإن ذهبت صورة الأذن ، ونحن كلنا نطق وإن صمتت الشفاه « 2 » .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 335 :
- حتى لا يقع عن الطبق غطاء الغيب ، ولا ترى عين الريب ما ينبغي أن يُرى .
( 2 ) ج : 14 / 335 :
- ونحن كلنا عيون وإن ذهبت صورة العين ، نعم كلنا عيون لا سحاب أمامها ولا غين 
- ونحن غرق في البحر وإن كلنا قطرة ، وكلنا في عبوس وإن كنا ذرة 
- ونحن كلنا في صفاء دون حجاب الطين ، وقد صرنا معافين في دار الخلود
 
« 300 »
 
3540 - وكل ما أعطيناه رأيناه هذه اللحظة ، هذه الدنيا حجاب ، والآخرة هي العين .
- إن يوم الغراس هو يوم الإخفاء ، وهو يوم بذار البذور في التراب .
- أما الحصاد ، فهو وقت استخدام المناجل ، وهو يوم الجزاء والظهور .
 
قول السيد في النوم لذلك الرجل الشهم من أي موضع تقضى ديون ذلك الصديق
ودلالته لمكان دفن ذلك المال ورسالة إلى ورثته قائلًا : لا تنظروا إليه على أنه كثير إطلاقا ، ولا تمنعوا منه شيئاً وحتى إن لم يقبله أو يقبل بعضه دعوه في مكانه يأخذه من يريده إذ نذرت لله ألا تعود حبة من هذه الفضة إلىّ أو إلى ورثتى
 
- انظر الأن إلى عطية الضيف الجديد ، كنت أرى انه سوف يصل .
- لقد سمعت خبراً عن ديْنه ، فادخرت من أجله جوهرتين أو ثلاثة .
 
3545 - بحيث تكون وفاءً لدينه أو تريد ، حتى لا يعود ضيفي وفي صدره جرح .
- إن عليه دينا تسعة آلاف دينار ذهبي ، فقل له اقض دينك من بعض هذه " الجواهر " .
- وسوف يتبقى من ثمنها الكثير فانفقه ، واذكرني من دعائك .
- لقد أردت أن أسلمها لك بيدي ، وقد أدرجت في دفتر كذا كيفية توزيعها .
- لكن الأجل لم يمهلنى ، حتى أسلمه خفية هذه الدرر العدنية .
 
3550 - فهناك عقيق وياقوت موجود في جرة عليها اسمه من أجل قضاء دينه .
- وقد دفنتها في طاق كذا ، ذلك أن هم هذا الصديق القديم أهمنى .
- ولا يعرف قيمتها سوى الملوك ، " فاجتهد بالبيع ألا يخدعوك " .
 
« 301 »
 
- وفي البيوع ، خوفا من الخداع افعل كما علمك الرسول ، ثلاثة أيام من الاختيار ! !
- ولا تخشى كسادها ، ولا تقع في الخسارة فإن رواجها لن يضيع أبداً .
 
3555 - وأبلغ ورثتى منى السلام ، وانقل إليهم هذه الوصية بحذافيرها .
- حتى لا يتهيبوا من كثرة ذلك الذهب ، ويسلموه بلا تباطؤا لهذا الضيف .
- وإن قال هو : لا أحتاج إلى هذا القدر ، فقل له خذه وأعطه لمن تشاء .
- فإنني لن استرد نقيراً مما أعطيت ، فلا يعود لبن قط إلى الثدي .
- فإن مسترد النحلة في قول لرسول صلى اللَّه عليه وسلّم كأنه الكلب يأكل ما تقيأه .
 
3560 - وحتى إن أغلق الباب كيلا يأخذ الذهب ، عليهم أن يصبوا ذلك العطاء على الباب .
- بحيث يأخذ كل من يمر من هذا الذهب ، فإن هدية المخلصين لا ترد .
- لقد ادخرتها من أجله منذ عامين ، ونذرت النذور لله تعالى .
- ولو أنهم سمحوا لأنفسهم بأن يأخذوا منها شيئاً فإن الخسارة سوف تحيق بهم ، عشرين ضعفاً ! !
- ولو أنهم أصابوا روحي بالذبول ، فسريعاً ما ستفتح أمامهم مائة باب من المحنة .
 
3565 - إنني أدعو الله بكل " لسان " لبق ، أن يوصل الحق سريعاً للمستحق .
- ثم تحدث عن مسأليتن أخرين ، لن أتطرق إليهما أنا بالحديث .
- حتى تبقى القضيتان سرا مكتوماً ، ولا يطول المثنوى بذكرهما ! .
- فقفز من النوم مطرقعاً بأصابعه ، حيناً متغنياً بالغزل وحينا نائحاً .
- قال الضيف ، ترى ما حل بك من ماليخوليا أيها الرجل الشهم بحيث نهضت ثملا سعيداً .
 
« 302 »
 
3750 - وماذا رأيت في النوم ليلة الأمس يا أبا العلاء ، بحيث لا تسعك مدينة أو فلاة ؟ !
- هل رأى فيلك الهند في النوم ؟ ! بحيث ابتعدت عن حلقة الأصدقاء ؟ ! .
- قال : لقد رأيت رؤيا شديدة النفع ، وفي قلبي رأت شمساً .
- لقد رأيت السيد اليقظ في النوم ، ذلك الذي اسلم الروح من أجل رؤية " الحبيب " .
- لقد رأيت في النوم السيد الذي يعطى المنى ، " وواحد كالألف إن أمر عنى " « 1 » .
 
3757 - وظل يعدد " الأوصاف " ثملا فاقد الوعي على هذا المنوال حتى سلب السكر عقله ولبه .
- وسقط ممدداً في صحن الدار ، وتجمع حوله خلق كثار .
- وعاد إلى وعيه فقال : يا بحر السور ، يا من وضعت الألباب في انعدام الألباب .
- ووضعت اليقظة في النوم ، ووضعت العزاء في استلاب القلب ! !
- فإنك تخفي الغنى في ذل الفقر ، وعقدت طوق الدولة في غل الفقر .
 
3580 - إن الضد مندرج خفية في الضد ، فالنار مندرجة في الماء المغلى .
- والروضة مضمرة في نار النمرود ، والدخول نامية من النفقات والبذل .
- حتى قال المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم ملك النجاح : " السماح يا أولى النعمى رباح " .
- ما نقص مال من الصدقات قط ، إنما الخيرات نعم المرتبط " « 2 » .
- إن زيادة الذهب ورباه في الزكاة ، والعصمة من الفحشاء والمنكر في الصلاة .
..............................................................
( 1 ) ما بين القوسين بالعربية في المتن .
( 2 ) ما بين القوسين بالعربية في المتن .
 
« 303 »
 
3585 - إن زكاتك هذه حارسة على كيسك ، وصلاتك هذه راعيتك من الذئب .
- والفاكهة الحلوة مخفية بين الغصون والأوراق ، والحياة الخالدة تحت الموت .
- لقد صارت القمامة قوة للتراب من العطاء ، ومن التغذى عليها أنتجت الأرض الثمر .
- والوجود خبىء في العدم ، وفي طينة الساجد ، مسجود له .
- والحديد والحجر مظلمان من الخارج ، وفي الداخل نور وشمع للعالم .
 
3590 - وآلاف من أنواع الأمن مضمرة في الخوف ، وفي سواد العين نور كثير .
- وداخل نور الجسد يوجد أمير ، وهناك كنز مخفى في خرابة .
- بحيث يهرب حمار عجوز من ذلك النفيس ، ويراه ثورا وليس ملكاً ، وأعنى " بالحمار " إبليس ! !
 
[ قصة ذلك الملك ووصيته لأولاده الثلاثة ]
حكاية ذلك الملك ووصيته لأولاده الثلاثة قائلًا : في سفركم هذا إلى ممالكى ،
رتبوا مكان كذا على هذا النسق ومكان كذا نصبوا النواب على هذا النسق ،
لكن بالله عليكم لا تذهبوا إلى قلعة كذا ولا تحوموا حولها
 
- كان هناك ملك وكان له ثلاثة أبناء ، كلهم من أصحاب ألفطنة ومن أصحاب النظر .
- كان كل واحد منهم خليقا بالمدح أكثر من الأخر ، في السخاء وفي الوغى وفي الكر والفر .
 
« 304 »
 
3595 - ووقف هؤلاء الأمراء مجتمعين أمام الملك ، فهم قرة العين للملك كأنهم الشموع .
- فعن طريق خفى يستمد نخيل ذلك الأب ماءً من عيني ابنه .
- وماء هذه العين يسرع من الابن جاريا نحو رياض الأم والأب .
- فتتجدد رياض الوالدين ، وتجرى عيناهما من هاتين العينين .
- وعندما تصير العين عليلة من المرض ، تجف أوراق ذلك النخيل وفروعه .
 
3600 - وتتحدث يبوسة النخل إلى العين قائلة : إن ذلك الشجر يأخذ طله من الابن .
- وما أكثر القنوات الخفية على هذا النسق ، والمتصلة بأرواحكم أيها الغافلين .
- ويا من جذبت المواد من السماء والأرض حتى صار جسدك سميناً .
- لقد سرقت الجسد من أجزاء العالم ، اقتطعتها جزءاً جزءاً من هذا وذاك .
- ومن الأرض والشمس والسماء ، خطت الرقع على الجسد والروح .
 
3605 - فلعلك تظن أنك أخذتها بالمجان ، ولن يستردها منك هذا وذلك ؟ !
- إن البضاعة المسروقة لا تستمر على حال ، لكنها تأتى باللص حتى أسفل المشنقة .
- إن هذه كلها عارية ينبغي ألا تتمسك بها ، فإن عليك أن تؤدى ما أخذت .
- اللهم إلا " النفخة " التي أنت من الوهاب ، فكن للروح ، فما عداها باطل وعبث .
- أقول أنها باطل وعبث بالنسبة للروح ، لكن ليس بالنسبة إلى صنعه المحكم .
 
« 305 »

بيان استمداد العارف من نبع الحياة الأبدية واستغنائه عن الأستمداد والجذب من عيون الماء التي لا وفاء لها .
وأن أمارة ذلك التجافي عن دار الغرور إذ أن الإنسان عندما يعتمد على
إمدادات تلك العيون يهن في قلب العين الباقية الدائمة :
ينبغي أن يكون العمل من داخل روحك * بحيث لا يفتح أمامك باب على سبيل العارية فان نبعا واحداً من الماء في داخل الدار * أفضل من ذلك النهر الذي يأتي من الخارج
 
3610 - حبذا القناة التي هي أصل الأشياء ، إنها تجعلك فارغاً من هذه القنوات .
- إنك تجذب شرابك من مائة نبع ، وإن قل من هذه المائة نبع واحد ، قلت سعادتك .
- وعندما تفور من الداخل عين سنية ، تصير غنياً عن اختلاس الينابيع .
- وعندما تكون قرة عينك من الماء والطين ، يكون راتب هذه القرة من ألم القلب .
- وعندما يأتي الماء للقلعة من الخارج ، يكون في ازدياد في أوقات السلم .
 
3615 - لكن العدو عندما يحيط بها ويحاصرها ، وذلك حتى يغرق " أهلها " في دمهم .
- يقطع ذلك الجيش الماء من الخارج ، حتى لا يكون للقلعة ملجأ منهم .
- وفي ذلك الوقت يكون بئر مالح من الداخل ، أفضل من مائة بئر حلو كجيحون من الخارج .
- إن قاطع الأسباب وجيوش الموت ، تأتى مثل الشتاء قاطعة للفروع والأوراق .
- ولا يكون لها مدد في الدنيا من الربيع ، اللهم إلا إذا كان في الروح ربيع وجه الحبيب .
  
« 306 »
 
3620 - ومن هنا لقبت الأرض بدار الغرور ، فإنها تجذب القدم إلى الوراء يوم العبور .
- ومن قبل كانت تسرع حولك ذات اليمين وذات اليسار قائلة : لأزل عنك الألم ، ولم تزل شيئاً .
- وكانت تحدثك قائلة عند الأحزان ، ليبتعد عنك الألم وليكن بينك وبينه عشرة جبال .
- وعندما هجم جيش الألم ، لم تنبس ، حتى ولا تقول لك " لقد رأتك من قبل " .
- وقد ضرب الحق مثلًا بالشيطان على هذا النسق ، إنه يأتي بك إلى القتال بحيلة « 1 » .
 
3625 - ويقول لك : سأقدم لك العون ، أنا معك ، وفي الأخطار سوف أسرع أمامك .
- أكون لك درعاً عند إطلاق السهام ، وسأكون منقذاً لك عند الضيق .
- وسوف أضحى في سبيلك بروحى منعشاً إياك ، فيا رستم ، أيها الأسد ، كن كما يكون الرجال .
- وبهذه الإغراءات أتى به إلى الكفر ، ذلك الجوال في الخداع والمكر والدهاء .
- وعندما خطا خطوة واحدة سقط في الخندق ، ففتح ذاك فمه ضاحكاً مقهقهاً .
 
3630 - فيناديه ، تعال ، إني أنتظر منك الكثير ، فيقول له : امض امض أنا ضائق بك .
- إنك لم تخف من عدل الإله ، لكني أخاف ، فامض عنى .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 353 : - إنه يقول لك أنا ظهير لك ، في البلاء والجفاء والعناد .
 
« 307 »
 
- قال الحق ، إنه نفسه قد فصل بالرغم من " سابق " خيره ، ومتى تنجو أنت بهذا التزوير ؟
- والفاعل والمفعول عند الحساب مفتضحان ومعرضان للرجم .
- وقاطع الطريق ، ومن قطع عليه الطريق في الحكم والعدل ، في بئر البعد وفي بئس المهاد .
 
3635 - والمخدوع ، والغول الذي خدعه ، مما يدعو إلى العجب إن فازا وان نجيا .
- والحمار وآخذ الحمار كلاهما هنا في الطين ، هما هنا غافلان وهناك آفلان .
- اللهم إلا أولئك الذين يتوبون عن ذلك ، وينتقلون من الخريف إلى ربيع الفضل .
- يتوبون ، والله يقبل التوب ، يتلقون أو امره ، وهو نعم الأمير .
- وعندما يئنون ندما ، فإن العرش يهتز من أنين المذنبين .
 
3640 - تهتز مثلما تهتز الأم من أجل وليدها ، يأخذ بأيديهم ، ويرفعهم إلى أعلى « 1 » .
- ويقول لهم : يا من اشتراكم الله من الغرور ، هذه هي رياض الفضل وهذا هو الرب الغفور .
- ومن بعد هذا يكون لكم الزاد والرزق الخالد ، من هوى الحق ، لا من القناة .
- وعندما يبدي البحر غيرته على الوسائط ، يكون الظامىء كالسمكة ، تترك القربة .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 354 : - فقدم قصة الأمراء ، فإن هذا الحديث يزيد عن حد الامكان .
 
« 308 »
سير الأمراء في الممالك بعد توديعهم للملك
وإعادة الملك لوصيته عند الوداع
 
- لقد عزم هؤلاء الأبناء الثلاثة على الطريق ، نحو أملاك أبيهم برسم السفر .
- " قائمين " بالطواف حول مدنه وقلاعه، من أجل تدبير الديوان و" أمور " المعاش « 1 ».
- وقبلوا يد الملك وودعوه ، فقال لهم ذلك الملك المطاع :
- حيثما تجذبكم قلوبكم امضوا في أمان الله ، وسيروا خفافاً .
- إلا ، إلى تلك القلعة المسماة " هُش ربا : سالبة اللب " ، فإنها تضيق القباء على لا بسى التيجان .
- ناشدتكم الله من تلك القلعة ذات الصور ، ابتعدوا عنها ، وخفوا من الخطر .
 
3650 - فإن واجهات أبراجها وظهورها وسقفها وأرضها كلها تماثيل ورسوم وصور .
- مثل تلك الحجرة التي كانت لزليخا ، كانت مليئة بالصور ، حتى تضطر يوسف إلى النظر إليها .
- ولما كان يوسف عليه السلام لا ينظر نحوها ، جعلت منزلها مليئاً بصورها من الكيد .
- حتى يجد ذلك الحسن العذار وجهها حيثما ينظر ، برغم أنفه .
- إن الإله الفرد جعل الجهات الستة مظهراً للآيات ، من أجل ذوى الأبصار المستنيرة .
 
3655 - وحتى يرعى أولئك الناس من رياض الحسن الرباني ، عندما ينظرون إلى كل حي ونبات ! !
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 361 : - طلبوا من الملك الاذن عند العزم ، فسمح لهم عندما رأى نيتهم صادقة .
 
« 309 »
 
- ومن هنا خاطب هذا الجمع قائلًا : حيث وليتم فثم وجهه .
- وإن كنتم من العطش تشربون الماء من القدح ، فأنتم ناظرون إلى الحق داخل الماء .
- ومن ليس عاشقاً يرى صورته هو في الماء يا صاحب النظر .
- وعندما تفنى صورة العاشق فيه ، قل لي من يرى آنذاك في الماء ؟ ! .
 
3660 - إنه يرى حسن الحق في وجوه الحور ، مثل القمر في الماء ، من صنع الغيور .
- وأن غيرته تكون على العاشق والصادق ، وليست غيرته على الشيطان وعلى الدابة .
- وحتى إن صار الشيطان عاشقاً ، يكون قد اختطف " كرة " السبق ، يصبح مثل جبريل ، وتموت فيه الشيطانية .
- ومن هنا نفسر " أسلم شيطانى " وبحيث يصير من هو كيزيد في فضل أبي اليزيد .
- وهذا الحديث لا نهاية له أيها الجمع ، انتبهوا وقوا وجوهكم من تلك القلعة .
 
3665 - وحذار أن يقطع عليكم هو سكم الطريق ، بحيث تسقطون في الشقاء إلى الأبد .
- إن التوقي من الخطر فرض ، فاسمعوا مني حديثا بلا غرض .
- من الأفضل أن يكون للعقل رأس حادة في البحث عن الفرج ، والابتعاد عن مكمن البلاء أفضل ! ! 
- ولو لم يكن الأب قد قال هذا الكلام ، ولو لم يكن قد أمر بتجنب تلك القلعة ؛
 
« 310 »
 
- لما ذهبت خيولهم أصلا إلى تلك القلعة ، ولما مالوا إلى الذهاب إلى تلك الناحية .
 
3670 - فلم تكن معروفة ، بل كانت مهجورة تماماً ، وكانت بعيدة عن القلاع والمسالك .
- وعندما منعهم عنها ، من مقاله ذاك ، سقطت قلوبهم في الهوس وفي حي الخيال .
- لقد نبتت الرغبة من هذا المنع في قلوبهم ، وأنه ينبغي التفحص عن سرها .
- فمن الذي يمتنع عن الممنوع ! ! لأن " الإنسان حريص على ما مُنع " .
- إن النهى لأهل التقى صار تبغيضاً ، والنهى لأهل الهوى صار تحريضاً .
 
3675 - ومن هنا فإنه " يغوى به قوما كثيراً " ومن هنا " يهدى به قلبا خبيراً " « 1 » .
- فمتى يهرب من هذا البوص الحمام الأليف ، بل يجفل من ذلك البوص حمام الهواء .
- ثم قالوا له ، لك ألف احترام ، ونحن ملتزمون بالسمع والطاعة .
- ولن نحول وجوهنا عن أمرك ، فمن الكفر الغفلة عن إحسانك .
- لكن الاستثناء وتسبيح الله ، كان بعيدا عنهم من ثقتهم في أنفسهم .
 
3680 - ولقد تحدثنا عن الاستثناء والحزم الملتوى في بداية المثنوى .
- وإذا كان هناك مائة كتاب فهي ليست سوى باب واحد ، وإذا كان هناك قصد لمائة جهة فليس ثم إلا محراب واحد .
- وهذه الطرق تفضى جميعا إلى منزل واحد ، وهذه الآلاف من السنابل من حبة واحدة .
..............................................................
( 1 ) ما بين الأقواس بالعربية في المتن .
 
« 311 »
 
- وأنواع المآكل تبلغ مئات الآلاف ، ولكنها كلها تعتبر شيئاً واحداً .
- وعندما تشبع من أحدها تماما ، يبوخ في قلبك خمسون نوع من الطعام .
 
3685 - وعندما تكون جائعاً تكون أحول البصر ، بحيث ترى الصنف الواحد آلاف الأصناف .
- كنا قد تحدثنا عن مرض تلك الجارية ، وعن الأطباء وعن قصور فهمهم .
- كان أولئك الأطباء كالخيول مفلوتة الزمام ، غافلة غير مستفيدة من الفارس .
- كانت أفواههم مليئة بالجراح من قرع اللجام ، وكانت حوافرها جريحة من تحويل الخطى ! .
- ولم تفهم أنه إنما يقف على ظهرها الان سائس ماهر مظهر للأستاذية .
 
3690 - وأن حيرتها ليست من هذا الزمان ، وليست إلا من تصاريف الفارس المحب ! .
- وأنها كانت تمضى من أجل الورد نحو البساتين ، وأنه أبدى الورد وكان شوكاً ! .
- ولم تكن لها قط أن تقول بتأثير العقل ، ترى من الذي يقوم بر كلنا في حلوقنا ؟ !
- إن أولئك الأطباء كانوا عبيداً للسبب بحيث احتجبوا عن مكر الله .
- وإذا كنت قد ربطت ثورا في اصطبل ، ثم وجدت حمارا في مكان الثور .
 
3695 - فمن الحمارية أن تتجاهل الأمر كالنائم ولا تبحث متى تم هذا العمل خفية ! !
- ولا تتساءل قط من يكون هذا المبدل ؟ إنه ليس ظاهراً فلعله من الأفلاك ! !
- لقد أطلقت سهما ناحية اليمين ، فذهب سهمك صوب اليسار ، هل رأيت ؟ !
عقاب يوسف الصديق صلوات الله عليه بالحبس بضع سنين بسبب طلبه العون
من غير الحق وقوله اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ وشرحه
- وهاجمت صوب غزال من أجل أن تصيده ، فجعلت نفسك صيداً لخنزير .
- وأسرعت في أثر صفقة من اجل الكسب ، ثم رأيت نفسك واقعا في سجن !
 
3700 - وحفرت الآبار من أجل الآخرين ، ثم رأيت نفسك ساقطا فيها 
- ولما ردك الله خائبا برغم أخذك بالأسباب ، فلماذا لا تسىء الظن بالأسباب ؟
- وكثيرٌ من الناس صاروا سادة عظاما من مصدر كسب ما ، ومن نفس المصدر ، صار آخر عرياناً .
- وكثير من الناس من زيجة ما صاروا في غنى قارون ، وكثيرٌ من الناس من زيجتهم صاروا مدينين ! !
- ومن هنا فما دامت الأسباب في تحولها مثل ذيل الحمار ، فمن الأفضل أن تقلل اعتمادك عليها .
 
3705 - وإن أخذت بالسبب ، لا تأخذ به هكذا بجرأة ، فإن كثيراً من الآفات مخفية وراءه ! !
- وسر الاستثناء هو الحزم والحذر ، ذلك أن القدر يبدي الحمار ماعزاً « 1 » .
- وذلك الذي أغمض عينيه وإن كان ماهرا ، فمن حوله يكون الحمار ماعزا في عينيه ،
- ولما كان الحق هو مقلب الأبصار ، فهو أيضاً يقلب القلوب والأفكار .
- فترى البئر منزلا لطيفا ، وترى الفخ حبة ظريفة .
 
3710 - وهذه ليست سفسطة ، إنها تقليب الله ، هو يبدي أين تكون الحقائق .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 : 363 :
- لقد أبدى المشركين في أعين أهل بدر قلة . . . حتى لا يعطوهم أي وزن ! !
 
« 313 »
 
- وذلك الذي ينكر الحقائق ، يطوف بأجمعه حول خيالات ،
- لا يقول إن تصور الخيال يكون لك أيضاً خيال ، فحك عينيك ! !
 
ذهاب أبناء السلطان بحكم أن الإنسان حريص على ما منع نحو تلك القلعة الملعونة :
لقد أبدينا عبوديتنا . . . لكن طبعك السىء لم يعرف شراء العبيد لقد أهملوا كل وصايا
والدهم ونصائحه حتى سقطوا في بئر البلاء وأخذت النفوس اللوامة تقول لهم
أَ َلمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ، فأخذوا يقولون باكين دامعين :
لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ! !

- إن هذا الكلام لا نهاية له ، وهذه الجماعة ، اتخذت طريقها نحو هذه القلعة !
- لقد وقعوا على شجرة الحنطة المنهى عنها ، فخرجوا من حظيرة المخلصين .
 
3715 - وعندما صاروا أكثر حماساً من منعه ونهيه ، اتجهوا نحو تلك القلعة .
- وخلافا لقول الملك المجتبى ، اتجهوا إلى القلعة محرقة الصبر سالبة اللب .
- وبرغم العقل الناصح ، جاءوا إلى الليل المظلم ، وانقلبوا عن النهار .
- وفي تلك القلعة الجميلة ذات الصور ، هناك خمسة أبواب على البحر وخمسة أخرى إلى البر .
- خمسة منها كالحواس " الظاهرة " عاكفة على اللون والرائحة ، وخمسة منها كالحواس الباطنة باحثة عن السر .
 
3720 - وبين تلك الآلاف من الصور والنقوش والزخارف ، أخذوا يتنقلون من جهة إلى أخرى ، بلا قرار .
- فقلل السكر من أقداح الصور هذه ، حتى لا تصير ناحتا للأصنام عابداً لها .
 
« 314 »
 
- ودع عنك أقداح الصور ولا تتوقف عندها ، فالخمر في الكأس ، وليست من الكأس .
- وافتح فمك عن آخره نحو واهب الخمر ، فعندما تصل الخمر لا يعز الكأس « 1 » .
- ويا أيها الإنسان ابحث عن معناى الثابت في القلب ، واترك قشر القمح وصورته .
 
3725 - وما دام الرمل قد صار طحيناً من أجل الخليل ، اعلم أن القمح معزول أيها الجليل .
- والصورة تأتى إلى الوجود من اللاصورة ، كما أن الدخان قد تولد من النار .
- وأقل عيوب الشئ المصور وخصاله ، وأنك عندما تراه باستمرار يأتيك الملال .
- وانعدام الصورة يأتيك بالحيرة المحضة ، ومئات الأنواع من الآلات تولدت من انعدام الألة ! ! 
- وبانعدام الأيدي ، تقوم الأيدي دائما بالتسبيح ، والإنسان يصور روح الروح ! !
 
3730 - كما تنسج خيالات متنوعة في القلب من تأثير الهجر والوصال .
- فهل يشبه هذا المؤثر الأثر أبداً ؟ ! وهل يشبه الصراخ والعويل الضرر ؟ !
 - فللنواح صورة والضرر بلا صورة ، " والناس " تعض بنان الندم من الضرر الذي لا يد له .
- وهذا المثل لا يليق بطالب الدليل ، وهو جهد المقل احتيالا على الإفهام ! !
 - إن الصنع الذي بلا صورة يزرع صورة ، وينمو جسد منها ذو حواس وآلة .
 
3735 - ومثلما تكون الصورة ، يأتي وفقا لها بالجسد إلى الخير وإلى الشر .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 370 :
- وعندما تصل الخمر لا يعز الكأس ، وما دام لك أذن يأتيك الصوت باستمرار .
 
« 315 »
 
- فعندما تكون صورة نعمة يكون شاكراً ، وعندما تكون صورة مهلة يكون صابراً .
- وعندما تكون صورة الرحمة يصير ناميا ، وعندما تكون صورة الجرح يصير شاكياً .
- وعندما تكون صورة الحَضَرَ تأخذ في السفر ، وعندما تكون صورة السهم يأخذ المجن .
- وعندما تكون صورة الحسان ، يلهو ، وعندما تكون صورة الغيب ، يقوم بالخلوة « 1 » .
 
3740 - وعندما تكون صورة الحاجة يأتي به نحو الكسب ، وعندما تكون صورة قوة الساعة يأتي بالغضب ! !
- وهذا خارج عن الحد وعن الحصر ، داعى الفعل من تنوع الخيال .
- والمذاهب والحرف بلا نهاية ، وكلها ظلال لصورة الأفكار .
- والقوم قد وقفوا على سطح ما سعداء ، فانظر إلى ظل كل واحد منهم على الأرض .
- إن صورة الفكر على السطح المشيد ، وذلك العمل كالظل ظاهر على الأركان .
 
3745 - والفعل على الأركان والفكرة مكتومة ، ولكنهما يكونان معا عند التأثير والاتصال .
- وتلك الصور في مجلس اللهو التي تكون من كأس السرور ، فائدتها الانسلاخ عن الذات وفقدان الوعي .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 370 :
- وعندما تكون صورة الخير يتدلل ، وعندما تكون صورة الصنج يأتي بالألحان ! !
 
« 316 »
 
- وصورة الرجل والمرأة والملاعبة والجماع ، فائدتها فقدان الوعي عند المواقعة !
- وصورة الخبز والملح وهما نعمة ، فائدتها القوة التي لا صورة لها .
- وفي الحرب تكون تلك الصورة للسيف والدرع ذات فائدة لصورة هي الظفر ! !
 
3750 - والمدرسة وخط التعليق وصورهما ، عندما اتصلت بالمعرفة صارت مطوية .
- وإذا كانت هذه الصور عبيدا لما لا صورة له ، لماذا هي إذن تنكر صاحب النعمة .
- إن هذه الصور ذات وجود مما لا صورة له ، فأي جحود هذا تقدمه لموجدها ؟ !
- إنها نفسها تجد منه إبداء هذا الإنكار ، وهذا ليس إلا عمل معكوس ! !
- فاعلم أن صورة الجدار ، والسقف في كل مكان هي ظل فكر المعمار .
 
3755 - وبالرغم من أنه في محل الفكر في حد ذاته ، لا حجر ولا خشب ولا طوب ظاهر .
- والفاعل المطلق يقينا بلا صورة ، والصورة في يده كأنها الآلة .
- وذلك الذي لا صورة له يبدي أحيانا الصورة من كتم العدم كرما منه .
- حتى تجد كل صورة المدد منه ، من الكمال والجمال والقدرة .
- ثم إن من لا صورة له عندما أخفى وجهه ، جاء من أجل الكدية إلى اللون والرائحة .
 
3760 - وإذا بحثت صورة من صورة أخرى عن الكمال ، فهذا هو عين الضلال .
 
« 317 »

- إذن فأي عرض ذلك يا عديم الأصل لاحتياجك على محتاج آخر ؟ !
- فما دامت الصور عبيداً ، لا تقل إنها إله ، ولا تظن أنه صورة ولا تبحث عن تشبيه له .
- وابحث عنه في التضرع وفي إفناء نفسك ، فمن الفكر لا تأتى أمامك إلا الصور ! !
- وإن لم يكن يأتينك البهاء إلا من الصور ، فإن الصورة التي تتولد فيك بدونك تكون أفضل لك ! !
 
3765 - إن صورة المدينة التي تمضى إليها ، تجرك إلى لذة لا صورة لها أيها السالك .
- فأنت إذن تمضى في المعنى إلى اللامكان ، فإن اللذة غير المكان والزمان .
- وصورة الرفيق الذي تمضى إليه ، أنك تمضى إليه من أجل أنسه .
- فأنت بالمعنى مضيت إلى ما لا صورة له ، مهما كنت غافلا عن هذا القصد .
- والحقيقة إذن أن الحق هو المعبود الكلى ، ففي سبيل اللذة يكون السير في السبل .
 
3770 - لكن بعضهم اتجهوا إلى الذيل ، وبالرغم من أن الرأس هي الأصل ، فقد فقدوا الرأس .
- لكن تلك الرأس أمام أولئك الضالين ، سوف تقتص لحق الرأس عند طريق الذيل ! !
- فذاك يجد الجزاء من الرأس وذاك من الذيل ، وقوم آخرون فقدوا القدم والرأس .
- وعندما فنوا بكليتهم ، وجدوا كليةً ، ومن القلة أسرعوا نحو الكل .
 
« 318 »
 
رؤيتهم في هذه القلعة ذات الصور صورة وجه بنت ملك الصين
وفقدان الثلاثة للوعى وافتنانهم وبحثهم عن صورة من هذه ! !

- إن هذا الكلام لا نتيجة له ، لقد رأت تلك الجماعة صورة ذات حسن وبهاء .
 
3775 - كانت هذه الجماعة قد رأت أجمل منها بكثير ، لكنهم جميعاً غاصوا في بحر عميق .
- لك أن مخدرهم وصل من هذه الكأس ، إن الكئوس محسوسة والمخدر خفى .
- لقد فعلت فعلها قلعة " هش ربا " - سالبة العقل - وأوقعت ثلاثتهم في بئر البلاء .
- لقد أصمى سهم النظرة القلب بلا قوس ، فالأمان الأمان يا من لا يطلب الأمان من أحد .
- لقد أحرقت صورة حجرية أهل القرون ، وأضرمت نارا في دينهم وقلوبهم .
 
3780 - وأن تكون روحانية فماذا تكون فتنتها ، لا بد أنها تكون على شكل في كل لحظة .
- وعندما أخذ عشق الصورة يطعن قلوب الأمراء كالسنان .
- أخذ كل منهم يذرف الدمع كالسحاب ويعض بنان الندم ويقول : وا آسفاه ! !
- لقد رأينا الأن مما رآه الملك في البداية ، لقد أخذ علينا كثيرا من المواثيق ذلك الذي لا ند له .
- وللأنبياء حق علينا كثير ، ذلك أنهم أخبرونا عن نهاياتنا .
 
3785 - وأن ما تزرعه لا ينبت إلا الشوك ، وطيرانك في هذا الطرف لن يجد مجالًا .
 
« 319 »
 
- فخذ البذر منى حتى يعطى الريع ، وحلق بجناحي فإن السهم ينطلق من تلك الناحية .
- وأنت لا تعرف وجوب هذا ولا وجوده ، ثم تقول في النهاية : لقد كان ذاك واجباً « 1 » .
- إنه أنت ، وكلنه ليس هذه الأنت بل تلك الأنت التي تكون واقفة على الخروج في النهاية ! !
- ومن ثم فهذه الأنية الأخيرة جاءة صوب أنتيك الأولى من أجل العقاب والعطاء ! !
 
3790 - وأنيتك دفنت في أنية أخرى ، وأنا غلام لرجل ترى نفسه على هذا النسق .
- وذلك الذي يراه الشاب في المرأة ، يراه الشيخ في لبنة من قبله .
- لقد خرجنا عن أمر ملكنا ، وعصينا عنايات أبينا .
- وتساهلنا في أمر الملك ، وتلك العنايات التي لا أشباه لها .
- والأن منه سقطنا جميعا في خندق ، صرنا قتلى البلاء وجرحاه دون قتال .
 
3795 - كان اعتمادنا على عقلنا وعلى فضلنا ، حتى حاق بنا هذا البلاء .
- لقد رأينا أنفسنا خلوا من المرض ومتحررين " من الموت " ، مثلما يرى مريض السل نفسه .
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 383 :
- إنه أنت ، لكن لست هذه الأنت التي هي الجسد ، إنها تلك الأنت الأعلى من نحن وأنا 
- إن هذه الأنية الطاهرة التي تظن أنها أنت ، هي في جبهة ، وأنت من اللامكان 
- فلماذا أنت مرتعد من أجل صدقة أيها الجوهر ، اعتبر ذاتك سكرا لا بوصا 
- إن هذه الأنية الموجودة معك أنية غريبة ، فاعثر على أنيتك ودعك من الإثنينية ! !
 
« 320 »
 
- وقد صارت العلة الخفية ظاهرة الآن ، بعد أن سقطنا أسارى وفرائس .
- إن ظل المرشد أفضل من ذكر الحق ، وقليل من القناعة أفضل من مائة دسم وطبق .
- والعين المبصرة أفضل من ثلاثمائة عصا ، العين التي تميز بين الجوهرة والحصى .
 
3800 - فأخذوا في التساؤل وهم في هم عظيم ، صورة من هذا عجباً ، أهي في الدنيا ؟ !
- وبعد كثير من التفحص في جولاتهم ، كشف ذلك السر شيخ بصير .
- لا عن طريق الأذن ، بل عن طريق وحى اللب ، فإن الأسرار تكون أمامه دون قناع .
- وقال : إن هذه الصورة التي تزرى بالثريا ، هي صورة بنت ملك الصين .
- إنها مختفية كالروح والجنين ، وهي مخفية في الحجب ، ودونها الإيوان ! !
 
3805 - فلا طريق إليها لرجل أو لامرأة ، فقد أخفاها الملك من الفتن .
- إن الملك غيور على سمعته ، بحيث لا يحلق - حتى الطائر - فوق سقفه .
- فويل لذلك القلب الذي تطرقه الرغبة في هذا الأمر ، ولا ابتلى أحد بمثل هذه الشهوة .
- وهذا هو جزاء الذي زرع بذور الجهل ، وحقر تلك النصيحة واستهان بها .
- واعتمد على تدبيره قائلًا ، سوف اجعل عملي في تقدم اعتماداً على عقلي .
 
3810 - ونصف ذرة من تلك العناية ، أفضل من ثلاثمائة مرصد من تدبير العقل .
- فاترك مكر نفسك أيها الأمير ، وجر قدميك نحو العناية ومت سعيداً .
 
« 321 »
 
- إن هذا ليس معدوداً بقدر الحيلة ، فلا نفع في هذه الحيل ما لم تمت « 1 » .
 
حكاية صدر جهان بخارى الذي كان يحرم كل سائل يسأل بلسانه من صدقته العامة التي لا تنقطع ، وذلك العالم الفقير الذي سأل بلسانه في الموكب لنسيانه من فرط حرصه وعجلته ، فأشاح عنه صدر جهان بوجهه ، وكان كل يوم يقوم بحيلة ، فحينا يجعل نفسه امرأة تحت الملاءة ، وحينا يتظاهر بالعمى ويخفى عينه ووجهه فكان يعرفه بفراسته . . . إلى آخره
 
- كانت خصلة سيدنا الأجل في بخارى حسن الفعال مع الطالبين .
- وكانت الهبة الكثيرة والعطاء الذي لا حصر له ، فكان حتى الليل واهبا للذهب .
 
3815 - وكان يلف الذهب في قطع الورق ، وكان يبذل الجود ما كان موجوداً .
- كان كالشمس والقمر لا عبا بطهر ، ما يأخذاه من ضياء يبذلانه ثانية .
- ومن الذي يهب الأرض الذهب ؟ إنها الشمس ، إن الذهب منها في المنجم والكنز في الخراب ! !
- كان لكل جماعة راتبٌ كل صباح منه ، حتى لا ترد جماعة خائبة " من نواله " .
- فكان يعطى المبتلين في يوم ، وفي يوم آخر يسخو على الأرامل .
 
3820 - وفي يوم آخر للعويين الفقراء مع الفقهاء الفقراء العاملين .
- وفي اليوم الثالث للمعوزين من العوام ، وفي اليوم الرابع لأسارى الدْين « 2 »
..............................................................
( 1 ) ج : 14 / 384 :
- فما لم تمت لن تحصل على نفع ، فاذهب ومت وخذ نصيبك من الوجود .
( 2 ) ج : 14 / 390 :
- وفي يوم رابع لليتامى الصغار ، وفي خامس للضعفاء الأسارى .
- وفي السادس لأبناء السبيل ، وفي السابع كان كفيلا للمكاتبين .
 
« 322 »
 
- وكان شرطه ألا يطلب أحد المال بلسانه ، ولا يفتح فاه على أي وجه .
- بل أن يقف المفلسون حول طريقه صاميتن كأنهم الجدران .
- وكل من يسأل بلسانه فجأة ، لم يكن يأخذ حبة من المال بسبب هذا الذنب .
 
3825 - كان قانونه : من صمت منكم نجا ، كان كيسه وكأسه للصامتين .
- ونادرا ما حدث ذلك الذي حدث من شيخ قال له ذات يوم ، أعطني من الزكاة فأنا شديد الجوع .
- فمنع الشيخ ، وألح الشيخ في الطلب ، وتعجب الخلق من إلحاحه .
- فقال له : إنك شيخ وقح جدا أيها الأب ، فقال الشيخ : إنك أشد وقاحة منى !
- فقد حزت على هذه الدنيا ، وتريد من طمعك أن تجمع بين الدنيا والآخرة .
 
3830 - فضحك وأعطى المال لذلك الشيخ ، ونال الشيخ وحده ذلك الإكرام .
- وغير ذلك الشيخ لم ير منه سائلٌ قط نصف حبة من الذهب أو جزءا من الدانق .
- وذات يوم من أيام نوبة الفقهاء ، صرخ فقيه فجأة من الحرص .
- وناح كثيراً ، لكن ذلك لم يجد فتيلا ، وتحدث بما شاء له الحديث ولم يجده نفعا .
- وفي اليوم التالي لف ساقه بضمادة " وجلس " منكس الرأس في صف المبتلين .
 
3835 - وضع الساق في الجبائر من يمين ومن يسار ، حتى يظن أنه مكسور القدم .
- فرآه وعرفه ولم يعطه شيئا ، وفي اليوم التالي غطى وجهه باللباد .
 
« 323 »
 
- فعرفه أيضا ، ولم يعطه ذلك العزيز شيئا قط من ذنب السؤال ومن جرمه .
- وعندما فشل برغم مائة حيلة قدمها ، وضع طراحة على رأسه كالنساء .
- وذهب فجلس وسط الأرامل ، وطأطأ رأسه وأخفى يده .
 
3840 - فعرفه أيضا ولم يعطه صدقة ، فأصابته حرقة في قلبه من الحرمان .
- فذهب إلى أحد طلاب " التبرع " بالأكفان ، وقال له : لفنى في اللباد وضعني أمام طريقه .
- ولا تفتح فمك ، اجلس ، وانظر فحسب حتى يمر صدر جهان من هنا .
- فلعله يراني ، ويظننى ميتا ، وعلى ظنه هذا ، يلقى بالمال من أجل شراء الكفن .
- وسوف أعطيك نصف ما يعطيه ، وكذلك فعل ذلك الفقير طالب العطية .
 
3845 - فلفه في اللباد ووضعه على الطريق ، وتصادف أن مر صدر جهان من ذلك المكان .
- فألقى بالذهب على اللباد ، فأخرج ذلك الفقيه يده من عجلته .
- حتى لا يأخذ طالب الأكفان تلك العطية ، وحتى لا يخفى منها شيئا ذلك للشره .
- مد " الميت " يده من تحت اللباد ، وأطل برأسه من بعد يده من تحت الغطاء .
- وقال لصدر جهان : " أنظر " كيف آخذه ، يا من أغلقت أمامى أبواب الكرم ؟ !
 
3850 - قال له : لكن لو لم تمت أيها العنود ، لما حملت من جنابى أي جود .
- وهذا هو سر [ موتوا قبل الموت ] ، فمن بعد الموت ، تصل الغنائم .
- وغير الموت ، لا فن آخر قط ، يؤثر في الله أيها المحتال .
- إن عناية واحدة أفضل من مائة نوع من الإجتهاد ، فالخوف على الجهد من مائة نوع من الفساد .
- وتلك العناية ، متوقفة على الممات ، ولقد جرب هذا الطريق الثقات .
 
« 324 »


3855 - بل إن موته ليس بلا عناية أيضاً ، انتبه ، ولا تقف في مكان ما دون عناية .
- فهي الزمرد بالنسبة للأفعى العجوز، ومتى تقلع عين الأفعى دون أن يوجد زمرد؟!.
 
.
* * *
شرح عقاب يوسف الصديق بالحبس بسبب طلبه العون من غير الحق
"الأبيات هنا ( 3395 - 3409 ) :  مناجاة في السر يقوم بها عماد الملك " المرشد " أمام الله طالباً الصفح لمن طلب منه الوساطة لدى الملك ولم يطلب العون من الله مباشرة ، ومن يكون هو أمام القدرة الإلهية ؟ إنه يكون كالشمع والذبالة أمام الشمس الساطعة ، وهذا يكون من قبيل الكفران بالنعمة ، فالعطاء كله من الله ، والشكر يوجه لغيره وما أشبه البشر بخفافيش الظلام تلك التي تغمض عينها عن الشمس وتأكل دودة ربتها الشمس بليل ، ولا تذكر الشمس بل تنكرها ، وأين هي من ذلك الصقر الملكي الساكن ساعد السلطان الملازم له حاد البصر الناظر إلى الحقيقة ؟ وهؤلاء من كفرانهم بالنعمة معرضون دائماً للعقاب الإلهى ، وما هذا العقاب الإلهى الذي ينزل بهؤلاء الجاحدين إلا من أجل أن يثوبوا إلى رشدهم ويتجهوا إلى خالقهم ."
 
( 3410 - 3424 ) : وهذا هو ما حدث ليوسف عليه السلام عندما نسي الله في السجن وطلب من صاحب السجن أن يذكره عند الملك قال تعالى : وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ( يوسف 42 ) قال يوسف النبي عليه السّلام الذي كان يحاضر السجناء في التوحيد ، عندما غلبت عليه النفس وتذكر ما فيه من أسر أراد أن يتوسل بغير الله ، وبمن ؟ ! بمن سجنه ( ! ! )
وبسجين مثله في أسر الشهوات وأسر الدنيا لا يخلصه منها إلا الموت ، ولا ينجو من هذا المصير إلا من كان جسده في هذه الدنيا ، لكن روحه دائماً في أعلى عليين القرب ، وبالرغم من أن يوسف عليه السّلام كان نبياً ، لكن الشيطان وجد سبيله إليه ، وأنساه فكان العقاب ، قائلا له : انتبه يا هذا ، ممن تطلب العون ؟ !
وهل لجأت إلينا وخذلناك ، وكيف وأنت النبي تتصرف كالعوام ، كيف وأنت البازي تتصرف كالخفافيش ، وكيف وأنت العماد العظيم ترتكن على خشب مهترىء ! !
 
« 590 »
 
( 3425 - 3442 ) : لكن يوسف عليه السّلام عندما ذكر ذنبه وثاب إلى رشده واستغفر ربه منحه الله الأنس به ، والسكر بصحبته ، فلا بقي السجن سجنا ولا بقي الظلام ظلاما وهذا ديدن الله سبحانه وتعالى في خلقه ، فكلنا خرجنا من سجن الرحم ، وحتى ونحن في سجن الرحم كنا من عطايا الله مؤتنسين به نظن أنه هو العالم الوحيد ، وكنا هاربين نحو ظهر الأمام نخشى الخروج ، ( لتعبير آخر عن الفكرة انظر الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 50 - 60 وشروحها )
 
كنت سعيداً حتى وأنت في الرحم ، وهذا يثبت لك أن اللذة والمتعة تنبتان من داخلك أنت ، لا مما يحيط بك من قصور أو حصون أو بروج ، ألست ترى المرء يكون سعيدا في المسجد لقربه من ينبوع السعادة والبهجة ، وآخر تراه في البستان مكتئباً وحزيناً ؟ !
هذا القصر هو بدنك ، فدمر هذا البدن ، فالكنوز في الخرائب ، ألا يصل السكير إلى السعادة عندما يصبح ثملا مهدما ، دمر هذا الدار المليئة بالصور والنقوش فإن تحتها كنزا وعمرها بهذا الكنز ( لتفصيل هذه الفكرة انظر الترجمة العربية للكتاب الرابع ، الأبيات 2540 - 2568 وشروحها )
وهكذا فكل هذا ابتلاء ، أنت مبتلى بالصور مأخوذ ببريق الذهب وماء معرفتك مغطى بالزبد ، وروحك الوالهة ذلك العالم من العجائب محجوب عليها بحجاب الجسد ، إذن فكما يقول المثل الفارسي : إن ما حاق بنا هو منّا ، والمثل ورد أول ما ورد في شعر ناصر خسرو ( استعلامى 6 / 392 ) . نحن الذي نستطيع أن نكون ماء أو نكون زبداً ، أن نكون جسداً أو نكون روحا ، أن يكون اتجاهنا إلى شمس الحقيقة والنور والفيض أو نكون كالخفافيش نتجه إلى الليل ولا منجاة لنا إلا بهدى الله إنه يهدى من يشاء .
 
( 3446 - 3448 ) : إقليم " ألست " هو الجنة يوم عقد الميثاق أو أخذ العهد من ظهور بني آدم على العبودية للإله الواحد ( الأعراف / 172 ) والشراب الجديد هو الفيض الرباني الذي ينهمر من هذه الصلة المستمرة ، واللحد هو الجسد ، والعالم العظيم هو عالم الروح الملىء بالعجائب ، والسرار هو عالم الباطن وعالم الغيب .
 
« 591 »
 
( 3452 ) : عطارد حاد السير لأنه يقطع الفلك في مدة 88 يوم فقط ويدور حول الشمس في أقل من ثلاثة شهور .
 
( 3453 - 3464 ) : ينتقل مولانا خارج الحكاية إلى عوالمه الخاصة متحدثا عن حدة السير وسرعته : إذا كان القمر يقطع الأفلاك كلها في ليلة واحدة فكيف تنكر على من انشق القمر بإشارة منه أن يكون معراجه في ليلة واحدة ؟ ! كيف تنكر هذا على ذلك الدر الفريد اليتيم المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم ؟ ! إنك تنكر هذا لأنك تقيسه بمقياس حواسك أنت وبمقياس إدراكك أنت فكيف وأنت لا تزال كالفرخ داخل بيضة الحواس وبيضة الدنيا فكيف تدرك أحوال الأولياء الذين يسيرون خارج عالمك الضيق المحدود ويتحدثون مع الحق ؟ !
دعك من الحديث عن المعجزات وعن عالم الأولياء والأنبياء فلن يفهمها أحد ، عد إلى الحديث عن ذلك الجواد ، وحتى الحديث عن ذلك الجواد لن تفهمه ما لم ندرك أن الجمال كل الجمال هو هبة من الحق .
وينقل الأنقروى هنا ( 6 - 2 / 283 )
حديثا نبويا : [ لما أراد الله أن يخلق الخيل قال لريح الجنوب إني خالق منك خلقا أجعله عزا لأوليائي ومذلة لأعدائى وحمالا لأهل طاعتي ، فقالت الريح اخلق يا رب فقبض منها قبضة فخلق منها خلقا فرسا ] .
وهو يخرج المخلوقات عن طبعها ويجعل من كلب قرينا لأهل الكهف مذكورا معهم إلى يوم القيامة ، وهذا اللطف الإلهى لا يجرى على نسق واحد فعطاياه مبذولة لكل الخلق ، لكنها مرتبطة أيضاً بجدارة كل مخلوق ، فنصيب الجدار من إشراق الشمس غير نصيب الماء ونصيب الحجر من الشمس غير نصيب الياقوت ، إن النور لا ينعكس من الجدار لكنه ينعكس من الماء ( الجدار لا ينم على النور والماء ينم عليه ) .
 
( 3471 - 3482 ) : الدلال هو السمسار ، وعندما يكون مغرضا يكون مثيل يوسف عليه السّلام في الجمال مساويا لثلاثة أذرع من الكرباس وهو نوع من القماش الرخيص إشارة إلى الآية الكريمة وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ( يوسف / 20 )
والبيت لسنائى ( انظر شرح البيت 3355 من الكتاب الذي بين أيدينا ) وهكذا الشيطان يقوم
 
« 592 »
 
بالسمسرة والبضاعة إيمانك ، يأتيك في حمى الموت ، ويريد أن يقايض على إيمانك بشربة ماء ، وفي الأبيات إشارة إلى حكاية وردت في مقالات شمس الدين التبريزي ( ج 1 ، ص 231 - 232 من نسخة محمد على موحد )
وفحواها انه أي شمس الدين - قرأ في طفولته حكاية في كتاب أن إبليس ظهر لشيخ عن النزع وقد تحلق حوله مريدون يطلبون منه أن ينطق بالشهادة وهو يحول وجهه عنهم ويقول : لا أنطق ، ومهما ألحوا عليه لم ينطق بها وعندما ارتفع صراخهم وضجيجهم وتساءلوا فيما بينهم إذا كان هذا هو حال الشيخ فماذا ستكون عليه أحوالنا ، أفاق الشيخ : قال ماذا حدث ، فقصوا عليه ما حدث ، فقال : لا علم لي بما كنتم تقولون ، لكن الشيطان كان قد زارني وأخذ يحرك قدحا من الماء المثلج أمامى
ويقول :
أظمآن أنت ؟ ! وأقول له نعم ، فقال : قل أن لله شريكاً وأعطيك إياه وكنت أحول وجهي عنه ، وأقوله له : لا أقول هذا ، وهكذا أنت أيضاً كالطفل تبيع الغالي بالرخيص ، وهناك أماني وآمال وصور في خيالك لكنك لا تدرى أن هذا كله خذاع وأن هذه الصور الضخمة الفخمة أمامك سوى يكون مآلها إلى الانمحاق مثلما يمحق البدر هلالًا .
 
( 3482 - 3489 ) : العاقل هو من تدبر العواقب ونظر إلى عواقب الأمور ، فالدنيا بمثابة الجوز المتعفن وكل شئ فيها مآله إلى زوال ( لتفصيل الفكرة انظر الترجمة العربية للكتاب الرابع الأبيات 1543 - 1617 وشروحها ) والفرق هنا أن خوارزمشاه كان ناظر إلى " حال " الجواد ، لكن عماد الملك كان ناظر إلى " مآله " " وكل نعيم لا محالة زائل " ولولا أن الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم كان قد نظر إلى مآل الدنيا وعاقبتها ، أتراه كان يسميها جيفة ويسمى طلابها كلاباً ؟ ! لقد أصاب " قول " عماد الملك الملك في الصميم لأن القول لم يكن صادرا عنه ، وترك عينه واختار عين الوزير لأن عين الوزير كانت أحد بصرا ، لكن كل هذه أسباب وذرائع ، لكي يبرد حب الجواد في قلب الملك ، ويغلق الباب على حسنه ، ولم يكن كلام الوزير إلا مجرد صرير لهذا الباب ، فالأبواب الإلهية تفتح وتغلق ، ونحن لا ندرك إلا صريرها .
 
( 3491 - 3502 ) : يترك مولانا القصة وينطلق في تحميد الخالق ذي الآثار العظيمة على
 
« 593 »
 
بواطن العباد ، يغيرها ويبدلها كيف يشاء ، يقيم من المواقع والعقبات أمام أفكارهم وتدابيرهم ، ويحولهم عن طريق " فسخ العزائم " إلى طرق أخرى ( عن فسخ العزائم انظر الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 4465 - 4475 وشروحها )
وما حديث القلب ( القول والرقى ) إلا من فعله تعالى ، وهي كلها مثل باب قصر السر ، وهذه الوساوس والرقى والأقاويل من قبيل صرير الباب وكل قول وكل حديث نفس ينبئ عما يجرى في الباطن ، وهل يفتح باب الحق أو يغلق ، فانظر في باطنك أتوجه أصوات الفتح أو أصوات الغلق ، فإذا كان الصوت في باطنك صور باب الحكمة الإلهية ، هو داعى الخير ، فإن بابا قد فتح لك من رياض الجنان ، وفي الحديث هذه الأصوات يظهر دليلها في أفعالك ، لكنك قد تكون لغيرك مكشوفة وكأنه يطل من " شرفة " ، ألست تحس بالراحة من فعلك الخير ، وتختفى هذه الراحة عندما ترتكب شراً ، أنت معيار نفسك ، فانظر إلى باطنك ، فأنت أدرى به من غيرك ، فلعلك تعلم أنه من الحمق والبله أن تترك نظرك أنت فيما يتعلق بك أنت ، وتسلم نفسك إلى أنظار الأخساء الذين يجذبونك نحو جيفة الدنيا وكأنهم النسور الجارحة ، ولك عين واسعة كأنها زهرة النرجس ، ومع ذلك تصبح كالأعمى تريد من يأخذ بيدك ، وتكتشف فيما بعد إنك من استعنت به للأخذ بيدك هو أكثر عمى منك ، فهل يكون غيرك أكثر دراية منك بأحوال نفسك
 
( 3503 - 3513 ) : لكنك لا زلت تقول أنك لا تستطيع وتريد من يأخذ بيدك ، حسنا ، إليك من يأخذ بيدك ، إنه حبل الله المتين ، الذي أمرك الله سبحانه وتعالى بأن تعتصم به ( آل عمران / 103 ) وهو ليس عند أحد ، لكنه في حوزتك أنت ، إنك إن فعلت ما أمرك الله به ، وانتهيت عما يأمرك الهوى به ، فقد استمسكت بحبل الله فكل ما حاق بالقوم إنما حاق بهم من الهوى ، لقد انقلب الهوى على قوم عاد ريحا صرصرا ( الحاقة / 6 وانظر البيت 1357 من هذا الكتاب ) . وكل ما يحيق بالناس يحيق بهم من هوى النفس وشهواتها ووساوسها ، السمكة
 
« 594 »
 
توقعها شهوتها إلى الطعم في المقلاة ، والمحصنة تترك حياءها من الهوى ، والعقاب الذي يوقعه الشرطي إنما يكون من جراء الهوى ( لأفكار وتعبيرات مشابهة انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 1695 - 1699 وشروحها ) ، كل هذا يحيق بأتباع الهوى على الأرض فما بالك بشرطة الأرواح وأحكامها ، تلك التي تعذب هنا من الداخل ، ويوم القيامة يكون العذاب على الملأ ، وذلك عندما تنجو من جسدك ، وإنك تدرك هذه المعاني ما دمت غارقا في جب الإثم والفساد ، فهل تراك تتخيل أو تستطيع أن تتخيل أن هناك خارج هذا الجب رياضا وجنانا ، لك أن تعلم الأضداد من أضدادها فبضدها تتميز الأشياء ، فإن تركت الهوى شربت من نهر التسنيم في الجنة ، وكن ثابتا كالدوحة الباسقة لا تكن مثل العشب يميل عند أي هواء ( هوى ) وسل الله سبحانه وتعالى أن يهبك سلسبيل الجنة ودعك من هذه المساكن الواهبة ، فظل الله هو الباق .
 
( 3514 - 3527 ) : نهاية قصة خوارزمشاه وطمعه في جواد الغير ، إن الله عندما يريد يجعل لكلام رجل الحق تأثيرا يغلب على رأى صاحب البصر وعلى هواه ، إن الرجل العظيم خوارزمشاه لم يسأل نفسه ، كيف يضع الله رأس ثور على جسد جواد ؟ !
 
كيف يفعل ذلك وهو الذي أتقن كل شئ صنعاً ؟ ! إنه هو الذي خلق الأبدان متناسبة ، وجعل الأعضاء مناسبة للأبدان ، انظر إلى هذه الأجساد المتحركة وخليفتها كأنها القصور الشامخة العظيمة ، وجعل لها مخارج ذات اليمين وذات اليسار ومن فوق ومن تحت ، وجعل فيها صهاريج ، وضع في البدن بعضه حالات هي محل للفيض الروحاني صهاريجها الحواس ومياهها متغيرة وهناك أيضاً حواس باطنة ، وفي جوف هذه الخلقة عالم لا متناه ، وبين خيام الشعر فضاء زائد واسع كالصحارى والبراري ( مولوى 6 / 482 - 483 ) " أتزعم انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر " ، ( انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الرابع ، الإنسان ذلك العالم الكبير ) ثم انظر إلى صنعة الله كيف يبديها لعباده ، يجعل أحيانا من القمر - وهو في الخسوف - كأنه
 
« 595 »
 
الكابوس ( في خسوف القمر أثبت العلم الحديث أن كثيرا من الكوابيس تبدو للخلق ) ، وألم يجعل قاع الجب روضة على يوسف عليه السّلام ؟ ! كان راضيا وكان الله قد أبدى له أن الجب هو بداية العرش والملوكية ، أحياناً يكون القلب في قبض ، وأحياناً في بسط ( إصبعى اللطف والقهر والجمال والجلال اللذين فسر بهما الصوفية حديث المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم [ قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه حيث يشاء ] ، وإذا لم يكن الأمر كذلك وأن الأمور قد تكون عكس ما تبدو عليه ، لماذا طلب المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم من الله سبحانه وتعالى قائلًا : [ اللهم أرنا الأشياء كما هي ]
إن ما قام به عماد الملك لم يكن إلا مكرا ، لكن الله سبحانه وتعالى هو الذي أرشده إلى هذا المكروَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ *( آل عمران / 54 ) ( ومن هنا فالقلب بين إصبعيه ) ( انظر لتفسير مولانا عن الإصبعين الكتاب الثالث ، البيت 2779 ) ، حتى مكرك وقياسك وجدلك وتفلسفك وفيهقتك الله تعالى هو الذي يضعها في قلبك ، يستطيع أيضا أن يمحو هذه الأشياء كلها ويضرم فيها نار الغيرة الإلهية ، ويشير الانقروى ( 6 - 2 / 305 ) إلى حديث نبوي هنا : [ من ضيع أيام حراثه ندم في وقت حصاده ] .
 
( 3536 - 3542 ) : في ثنايا الحكاية يتحدث مولانا جلال الدين على لسان الواصلين ، فهم يكتمون الأسرار حتى يبقى نظام الدنيا على ما هو عليه . ويشير الانقروى ( 6 - 2 / 303 - 304 ) إلى حديث الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم [ لو تعلمون ما أنتم ملاقون بعد الموت ما أكلتم طعاماً على شهوة أبداً ولا شربتم شرابا على شهوة أبداً ولا دخلتم بيتا تستظلون ولرقيتم إلى الصعدات تلدمون صدوركم وتبكون على أنفسكم ] .
 
( انظر الكتاب الأول البيت 2077 ) عماد الدنيا قائم على هذه الغفلة ، ( لتفصيل نفس الفكرة انظر الترجمة العربية للكتاب الرابع ، الأبيات 1324 - 1353 وشروحها )
ومعنى أن قدر المحنة يصبح نصف ناضج أي أن المريد الذي لم يصل إلى الحقيقة بعد قد يكون سماع الأسرار مضرا به ( استعلامى 6 / 397 ) ، إن ما يتركه الواصلون عند مغادرتهم الدنيا هو الصورة : هو الأذن والشفاة الظاهرة فلا سمع ولا نطق بها
 
« 596 »
 
ويعوضون عنها بشفاه المعنى التي تنطق بما لا يفهمه البشر وتلك الأذان التي تسمع ما لا يسمعه البشر ، إن كل العطايا التي كانت معنوية في عالم الجسد أصبحت محسوسة واضحة في عالم الروح . ألست تخفى البذرة التراب ، وإن صارت نباتاً ظهر على وجه الأرض ؟ ! ( 3547 ) : إشارة إلى الحديث الدال على الخير كفاعله ( انقروى ، 26 / 306 ) .
 
( 3552 ) : والإشارة هنا إلى الملوك " تحت الأطمار " ( انقروى 6 - 2 / 308 ) .
 
( 3553 ) : إشارة إلى الحديث النبوي الشريف : [ إذا بايعت فقل لا خلابة ولى الاختيار ثلاثة أيام ] ( انظر البيت 3498 من الترجمة العربية للكتاب الثالث وشروحه ) .
 
( 3559 ) : من حديث نبوي ورواه ابن ماجة عن ابن عباس رضي اللّه عنه في الجامع الصغير :
[ العائد في هبته كالعائد في قيئه ] ( جامع / 2 - 67 ) ، وفي رواية [ العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه ] ( مولوى 6 / 488 - جامع ) .
 
( 3572 ) : رؤية الفيل للهند في النوم كناية عن الحنين إلى الموطن ( حنين الإنسان أيضاً إلى موطنه الأصلي ) ( انظر الكتاب الثاني الترجمة العربية البيت 2239 وانظر الترجمة العربية للكتاب الثالث البيتين 4204 ، 4205 وشرحهما والترجمة العربية للكتاب الرابع الأبيات 3068 - 3073 وشروحها ) .
 
( 3575 - 3592 ) : في نهاية قصة المدين ومحتسب تبريز يسوق مولانا فيض معرفته في موضوع من الموضوعات المجبة إليه وهو أن في عمل الحق علل وأسباب لا تتطابق مع موازين الحياة المادية المحسوسة ، وبحر السرور يعنى الوجود المطلق وبحر عالم الغيب ( انظر الأبيات 809 ، 1382 ، 3280 من الكتاب الذي بين أيدينا )
 
واليقظة في النوم والألباب في انعدام الألباب تعنى أنه قد ينفتح في النوم عالم من السرور قد لا ينفتح في اليقظة ، وأن العقل في ترك العقل والتدابير في انمحاء التدابير ، وهكذا ، ففي ذل الفقر يكون الغنى الروحاني والدولة السرمدية ، إن الأضداد دائماً ما هي مختفية داخل بعضها ( انظر الكتاب
 
« 597 »
 
الأول البيت 1140 والبيتين 741 ، 3509 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ألست ترى الماء المغلى ، إن النار قد امتزجت بالماء ، ونار النمرود صارت على إبراهيم عليه السلام روضة زهور نضرة ، والمال يربو من الزكاة والصدقات أي الإنفاق ولذلك قال صلى اللَّه عليه وسلّم [ السماح رباح والعسر شؤم ] ( أحاديث مثنوى ص 217 ) و [ ما نقص مال من الصدقات قط ] إشارة إلى الحديث النبوي الشريف [ ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً وما تواضع أحد لله إلا رفعه ] ( الجامع الصغير 2 / 153 ) وفي الحديث النبوي : [ مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار عذب على باب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات ، فما يبقى ذلك من الدنس شيئاً ] ( انقروى 6 - 2 / 317 ) وعن الوجود المخبأ في العدم والأشياء التي تبدو بعكس ظواهرها ( أنظر الكتاب الخامس الأبيات 1010 - 1051 وشروحها وتأويل : لقد أخلص آدم في السجود لله فجعله مسجوداً للملائكة ) .
 
( 3593 - 3609 ) : في هذه الأبيات نبدأ آخر حكاية طويلة من حكايات المثنوى وبنهايتها ينتهى الكتاب السادس من المثنوى . وتسمى هذه القصة بقصة قلعة ذات الصور أو القلعة التي تسلب اللب ، ومعظم مفسري المثنوى يعتبرون هذه القصة ناقصة وبالتالي يعتبر المثنوى ناقصاً ، وهذه النظرة نشأت من معرفة أصول الحكاية ثم صمت مولانا عن إكمالها وفي الواقع
- والكلام لاستعلامى - أن القصة ليست ناقصة وبالتالي ليس المثنوى ناقصاً . لماذا ؟
 
في بداية المثنوى تمثل الروح العارفة بعالم الغيب بالناى الذي يشكو من أنه أجتث من منبته ، وقيد في عالم التراب ، والناس جميعاً يضجون من أنينه وشكواه ويبحثون عن أوان وصلهم ، هذه الشكوى الموجهة من الناى منبثة من كل المثنوى ، وفي الواقع فإن الأبيات الثمانية عشرة الأولى من المثنوى هي خلاصة خلاصته ، وفي الحكايات الأخرى الواردة في كل أجزاء المثنوى هناك شخصيات باحثة كما كان الناى يبحث ، هؤلاء الباحثون عن المبدأ العشاق للحق أحياناً يسرعون ويتعجلون ويسقطون ، وأحياناً يسقطون ضحايا للأنانية والنرجسية فيتعرضون
 
« 598 »
 
لغضب الحق ، وأحياناً يواصلون رحيلهم الروحي بصبر وصمت فتكشف لهم أسرار الغيب .
وفي الحكاية التي بين أيدينا يمثل كل ابن من الأبناء نمطاً من أنماط السلوك ، ويعتبر بعض شراح المثنوى الملك هنا بمثابة المرشد والأبناء الثلاثة بمثابة النفس والعقل والروح الباحثة عن المعرفة ، ويعتبرونها مراحل ثلاثة لكمال المريد ، وهذا التفسير ليس صحيحاً لأن الصفات التي يقدمها مولانا للأبناء الثلاثة لا تجعلهم مختلفين إلى هذا الحد بحيث يمثل كل واحد منهم مرحلة من هذه المراحل الثلاثة ، فالثلاثة عشاق لمعشوق واحد غير مرئى ، وكل واحد يدل الآخر - دون وجود روح المنافسة - على طريق الوصول إلى محبوبه ، فنحن بالفعل أمام ثلاثة أنماط من السالكين إلى طريق الحق ، وكأن مولانا كان يقول لمريديه قبل نهاية المثنوى أن السير في طريق الحق يتمثل في هذه الأساليب الثلاثة .
 
والأمير هو الإنسان عموماً وتكرر المعنى كثيراً في المثنوى ( وهو أشد وضوحاً في الحديقة ) ، ووالدهم هو عالم التراب هذا ، هؤلاء الأبناء يتركون والدهم طلباً للرحيل في الآفاق والأنفس ، ويريد والدهم أن يردهم إلى عالمهم ويحذرهم من الرحيل إلى قلعة ذات الصور ففيها صور قد تجرهم إلى عالم آخر ، وليست هذه الصور إلا تجليات عالم الغيب في عالم الشهادة .
 
وفيها توجد صورة ابنة ملك الصين تسلب لب الأبناء الثلاثة ،
بحيث ينسون العودة إلى والدهم ، هذه الصورة هي كأس خمر تهب الأبناء الثلاثة خمر الروح ،
وواهب الخمر ملك الصين رمز للخالق يصفه مولانا بأوصاف الحق ، فهو عالم ببواطن هؤلاء السالكين ، يهبهم أضعاف أضعاف ما فقدوه في عالم التراب .
 
هذه الحكاية هي في الواقع حكاية السلوك الصوفي يبدأ من بلاط ملك العالم وبعد قطع الفيافي والوهاد والجبال يحوزون وصال ملك الصين أي الوجود المطلق ، في هذا السلوك نرى ثلاثة من السالكين ،
كل منهم ممدوح عن الآخر " لكن أسلوب السلوك ليس واحداً ، فالأكبر من رؤيتة للصورة يرى أنه ينبغي على من هذا التجلي الصوري أن يبحث عن بنت ملك الصين ، لكنه متسرع يلقى بنفسه في بلاط ملك الصين دون أن يتأكد أن هذا
 
« 599 »
 
البلاط سوف يقبله أو لا يقبله ، ويتطف معه الملك ، لكن تسرعه يرديه وينتهى عمره دون أن ينضج ويرى النور ، ويحضر الابن الثاني على جثة أخيه في حضور ملك الصين ويشمله الملك برعايته ، لكنه لا يملك الاستحقاق ، ويعتبر عناية الملك به للكمال فيه ، ويطغى ويتمرد قائلًا أنا أيضاً ملك وابن ملك ، فيصميه سهم الملك ، لكن الابن الأصغر لا يبدي أي فضل أو ادعاء أو تسرع ، فلا هو متسرع كالأول ولا هو مغرور كالثانى ، بل ولا يذهب إلى بلاط ملك الصين لأنه فان في العشق قبل كل هذه المنازل ،
والإبنان الآخران يعدان نفسيهما من محبوبي الملك دون أن يقطعوا كل مراحل الكمال ،
وعندما يرمى الملك الابن الثاني بسهم ويصميه يبكى على جثته .
والحكاية ( أو بعضها وملخص شديد لها ) موجود في مقالات شمس الدين التبريزي ، وفي تفصيل مصير الابن الثالث الذي لم يرد في المثنوى يقص شمس الدين أنه بعد مصرع أخويه يثبت على حب الأميرة ، وبنصيحة مربية الأميرة التي تعجب بصدقة وثباته تهب لمساعديه وتضع ثورا ذهبياً تضعه داخله وتحمله إلى مخدع الأميرة ، فيسرق نقابها ويعرضه دليلًا على وصالها ثم يصمت شمس الدين فلا يكمل الحكاية بدوره
( انظر استعلامى 6 / 299 - 401 ومقالات شمس الدين التبريزي ، تحقيق موحد 1 / 246 - 247 وباختصار ص 269 - 270 )
لكن مولانا تحدث عن مصير الابن الثالث في حكاية تالية تبدو منفصلة ، لقد كان أكثر كسلا من أخويه فاختطف الصورة والمعنى ، إن صمت الابن الثالث وعدم محاولته يبين أنه وصل إلى تمام المعرفة ، وهذا يكفى - في رأى استعلامى ( 6 / 401 ) - لكي تكون للقصة نهاية .
 
وتفسير استعلامى يبدو معقولا : إلا في نهاية القصة ، فالنهاية جديرة ومتسقة بالفعل مع نسق التفكير الصوفي لكن من ناحية أخرى ، فالوصول لا يستوعبه حديث ، ونهاية التجربة لا يعبر عنها بالكلام ، ومن ظن أنه قد وصل فقد فصل ، والعارف دائما ما هو معرض للاستدراج ،
 
« 600 »
 
وقد يكون ظن الوصول من قبيل الاستدراج فيغتر العارف ، وفي غروره يكون موته المعنوي وإنزال رتبته ، ثم إن الحكاية كلها حكاية عشق ، ومن قال أن للعشق نهاية ؟ !
 
كل حكايات العشق في كتب المثنوى الستة لا نهاية لها تشبه النهايات التي توضع عادة للقصص ، فالمراد بها في الأصل بيان الأحوال التي تتوالى على العاشق ، ولا يُدرى لها نهاية ، فلماذا نريد نهاية للحكاية ؟ !
 
ويقدم مولانا صورة بشعور الأب تجاه أولاده وكيف انه يستمد منهم أسباب وجوده ومادة حياته نظرة إليهم تروى أوراق عمره الذابلة ، إنها عوامل روحانية ، وقنوات يصنعها الله تعالى لكي يجعل للحياة معنى ، إن كل وجودك قد صنع من أجزاء العالم ، أخذت جزءاً فيه من الأرض ، وجزءا من السماوات ، وجزءا من العناصر ، أتظن أنها لن تسترد منك ؟ !
 
كلها سوف تسترد منك اللهم إلا النفخة الإلهية ، الروح ، إنني أقول لك إن وجودك الجسدي عبث ، لكن هذا أمر نسبى ، إنه عبث بالنسبة للروح لكنه ليس كذلك بالنسبة لصنعة المحكم ، فالحكيم لم يخلق شيئا عبثا ( عن فكرة أن الأجزاء الأرضية من جسد الإنسان تعود إلى أصولها والروح تعود إلى أصلها ، أنظر الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 4424 - 4444 وشروحها ) .
 
وهناك تفسيران آخران للحكاية جديران هنا بالذكر : الأول قدمه ملا هادي السبزواري ( شرح مثنوى - ص 493 وما بعدها ) ويرى أن المقصود بالملك وأولاده الثلاثة ، العقل الكلي وأولاده النفس الناطقة القدسية والعقل النظري والعقل العملي ، والرحلة هي قطع العوالم القدسية : الملكوت والجبروت واللاهوت ، ومجىء الأمراء إلى قلعة ذات الصور هبوط من عالم العقول الكلية إلى العالم الصوري الجسماني ،
 
ومملكة الصين إشارة إلى نفس عالم الصورة العنصري والنفوس الهيولانية ، وقلعة ذات الصور المراد بها عالم البرزخ المثالي والصورة المثالية من الصور والنفوس الطبيعية التي شاهدتها النفس العلوية قبل هبوطها إلى العالم الجسماني في نشأة الأرواح المثالية ،
 
 وما تراه في عالم المحسوسات الجسماني هو شعاع من نفس تلك الصور المثالية ، والمقصود من بنت ملك
 
« 601 »
 
الصين البدن العنصري الذي تندرج وتنطوى فيه كل الصور ، وشدة تعلق النفس الملكوتية بصورة البدن العنصري الطبيعي ألقى بها في بئر البلاء ، لأن مشاغلها الحسية الطبيعية قد منعتها عن السير في الأصقاع الربوبية ، وقد عبر عنه بالبنت بسبب أنوثة العالم الجسماني وانفعال مادته ،
إذن فقلعة ذات الصور هي نفس هذا الهيكل الجسماني والبدن الطبيعي العنصري ، وكون أن له خمسة أبواب إلى البحر وخمسة أبواب إلى البر كناية عن الحواس الظاهرة والحواس الباطنة ، ولأن الأكبر يعبر عن النفس الناطقة لأنه لما كانت مدة هبوطه قد انتهت ، وتوفي بالأجل الطبيعي ، فقد أنهى ما تبقى من سيرة الكمال ،
بالرغم من أنه لم يتوصل إلى وصال صاحبة تلك الصورة التي رآها في القصر ،
يعنى أنه كان قد خرج ناقصا من الدنيا لأن النفس الناطقة متجهة إلى ذات الحق ،
وفي كل وقت تتجه إلى الكمال ، وعندما رفضت الجسد بالموت الطبيعي ،
وتخلصت من شواغل الحس المادي ، تجد حالة تجردها الأصلي وتصل إلى الكمال اللائق بها فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ، وسبب الموت الطبيعي هو هذا لا كما يقول الحكماء الطبيعيون . وهناك أسباب عديدة للموت لكنها ليست واقعية ، فالروح العلوية بذاتها متجهة إلى العالم العلوي ، وفي سبيلها إلى الكمال المطلق ، ولا يتم ذلك إلا بترك البدن ، ومن هنا يستقبل العارفون الموت بحب .
 أما الابن الأوسط فهو العقل النظري ، والأغلب أنه لما كان العقل النظري لا يسبب الكمال البشرى ، وإصابته بطعنة من باطن ملك الصين ، وعين الكمال عنده لنفس هذا القصور الذاتي استكمال ، وأيضا لأن النفس المسولة واللوامة والأمارة تتلقى من الجراح وتهلك قبل أن تصل إلى الكمال المترقب ،
أما الابن الأصغر فهو العقل العملي الذي يتملك ابنة البدن ، ويدبر معاشها ومعادها ، ويصل إلى وصال الصورة والمعنى .
أما التفسير الثاني فهو تفسير جلال الدين همائي ( تفسير مثنوى مولوى - داستان
 
« 602 »
 
قلعهء ذات الصور يا ذر هوش ربا - انتشارات دانشكاه تهران - تهران 1349 هـ . ش .
صص 26 - 32 ) ويرى همائي أن هجرة الأمراء من موطنهم إشارة إلى ذلك الصنف من السالكين لطريق الرشد الذين لا يقنعون بأفكار الموروثة ، ويقومون بأنفسهم وهمهم التحري عن الحق والحقيقة ، وأكبر خطر يواجه هذه الجماعة هو نفس هذا الفناء والخسران الأبدي الذي نصحهم أبوهم بتجنبه ، ويمثل أبوهم العقل الناظر إلى المصلحة الذي يدبر أمور الدنيا ، ومن ثم ينصحهم بعدم الذهاب إلى القلعة التي تخدع العقل وتوقع في العشق والفتنة وتسبب اضطراب الكسب والمعاش وتحصيل الجاه ،
وذلك لأن هذه الجماعة تفرط في رفاهيتها الموجودة في موطنها ، وهذا ناتج عن الغفلة .
فسفر الأمراء من الملك الموروث إلى ديار الصين وتجوالهم مثال على أحوال تلك الطبقة من المحققين الذين يغتربون عن أوطانهم ، ويلقون بأنفسهم كريشة في مهب ريح غير معلومة لديهم ، وهم في الواقع طلاب للمجهول ، بحيث يفتنون بصورة دون أن يعلموا صورة من هذه ، وما هو الطريق إلى وصالها .
 
وقلعة ذات الصور هي الدنيا ، كل صورة منها خادعة للعقل واللب في طريق البشر :
فصورة منها للمال والثروة ، وصورة أخرى للدولة والحكم ، وصورة ثالثة للإسم والجاه ، وكل منهم قطعت عليه صورة من هذه الصور الخادعة طريق العقل واللب ، لكن تلك الصورة التي كانت في القلعة هي صورة الجمال الذي يخلق العشق ،
وخواص البشر إن لم نقل أكثرهم مبتلون بهذا الفخ وهذه المحنة ، فإذا كان العشق المجازى منحته السعادة الأبدية التي يطلبها العارفون والمصطفون ، فإن نتيجته الشقاء الأبدي الذي حذر الوالد الأمراء الثلاثة منه .
 
ومملكة الصين كناية عن بداية منزل الغرائب والعجائب الروحانية التي يصل إليها السالكون في أودية السلوك الصوفي ، وتحدد مصيرهم النهائي الأبدي ، وهو صورتهم الفعلية الأخيرة في ذلك العالم .
والشيخ الذي يقابل الأمراء في أيام الحيرة والاضطراب ويكشف لهم سر الصورة ، هو شيخ الإرشاد المعين الذي أرسل من قبل قطب الوقت وولي العصر لهداية
 
« 603 »
 
الطلاب والسالكين ، وملك الصين هو القطب والغوث الأعظم أو ولي العصر ، وكمال كل سالك موقوف على عنايته واهتمامه الباطني ، والأمراء الثلاثة مثالٌ على أنواع السالكين الطالبين الظامئين في وادى الطلب لزلال التحقيق ، والذين يقسمون طبقا لأوضاعهم وأحوالهم الداخلية والخارجية وقربهم وبعدهم وحرمانهم وتوفيقهم في الوصول إلى منزل المراد ، يقسمون بشكل عام إلى ثلاث طبقات ،
وكل واحد منهم نموذج لطبقته ، وأساس هذا التقسيم مبني على درجة معرفة الطالب وقربه أو بعده عن المطلوب مع مراعاة مطابقة أصل الجهد والسعي مع العناية ، والطبقات الثلاث هي : الأكبر نموذج لأولئك الذين يرون أن الحصول على المقصود متوقف على جدهم وجهدهم وتنتهي أحوالهم دفعة واحدة .
 
لقد ظل عشق الصورة في قلبه ، ومن ثم رأى أن كماله الروحاني موقوف على انتهاء حياته .
والأوسط نموذج لأولئك الذين لا يقومون بأنفسهم بالجد والطلب لكن لقاءهم بالمشايخ وأرباب الحال يعطيهم الموهبة التي لا يعرفون قدرها فيفقدون هذه النعمة دون أن يحسوا ،
كان وصول الابن الأوسط أثناء جنازة أخيه مصادفة ، وحدث له فجأة ما حدث لأخيه ، ولم ينج من مصير أخيه ، والابن الأصغر يمثل أولئك الذين لا يسعون بل ينتظرون التوفيق والعناية الربانية ، وعندما يهب عليهم نسيم العناية ، يصلون إلى مقاصدهم .
 
( 3610 - 3623 ) : أساس حديث مولانا هنا أن كل القنوات التي تمد في العمر من الخارج لا دوام لها ، والرباعية المذكورة في العنوان لمولانا جلال الدين الرومي ( كليات ديوان شمس ، ص 1382 ، الرباعية رقم 778 مع اختلاف الشطرة الثانية إلى ومن سماع القصص لا تحل هذه العقدة ) ، والتجافي عن دار الغرور مذكورة في حديث نبوي
( انظر البيت 3083 من الكتاب الرابع ) ، القناة التي تستمدها من باطنك تغنيك عن كل القنوات التي تأتى من الخارج ، فإن تدفق الماء يستمر فيها ما دام متصلا بالبحر ( الفيض ، المعرفة ) ، وقرة العين لا ينبغي أن
 
« 604 »
 
تكون من الماء والطين فهي معرضة للموت والفناء ( والفشل والجحود والنكران ) وقد تكون مصدر ظمأ وليست مصدر إرواء ، وما أشبه ذلك الأمر بقلعة يأتيها الماء من الخارج ، فهي مرتوية ريانة ما دام السلم موجودا فإن قامت الحرب قطع عنها الماء وغرقت في بحر من الدم ، ولا يسد ظمأها إلا نهر عين من الداخل حتى وإن كان ماؤها ملحا أجاجا ،
 
 وهكذا يقطع عليك الموت تلك الأنهار التي تستعيض بها عن النهر الحقيقي ، ألا تقطع جيوش الموت وجيوش الخريف والشتاء الأوراق والفروع عن الأشجار الباسقة ،
بل أن ربيعها لا يكون ربيعا إلا إذا اقترن بوجه الحبيب ، ألست ترى أن الدنيا قد لقبت بدار الغرور ومن ثم فإن علامة وصول النور إلى قلب المؤمن " التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل حضوره " . . .
لقد خدعتك ، قالت : سوف أزيل عنك الألم ، كانت تخاطبك بحلو الحديث قائلة : ليبتعد الألم عنك ، لكنها عندما أحدقت بك الأخطار ، تركتك وانصرفت إلى سواك ، وما أشبهها في هذا الأمر بالشيطان الذي ورد ذكره ،
في سورة الأنفال : وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ ، فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ( الأنفال / 48 ) ( انظر لتفصيلات حول الأفكار الواردة في الأبيات الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 4039 - 4055 وشروحها ) .
 
( 3633 - 3643 ) : لا تظن انك غير مسؤول ، وانك سوف تأتى يوم القيامة وسوف تقول يا إلهي : كنت مخدوعاً ، فالاختيار في يدك ، ( عن الإرادة الإلهية والحرية الإنسانية انظر :
مقدمة الترجمة العربية للكتاب الخامس من المثنوى ) .
وهكذا فكلاهما : اللوطي والملوط به ، والمخدوع والخادع ، ومن قطع عليه الطريق إلى الله وقاطع الطريق عليه ( الحمار وآخذ الحمار ) ، كلاهما سوف يتعرضان للعقاب ، ذلك إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ( أنظر الكتاب الخامس ، الأبيات 2220 - 2229 وشروحها ، حيث
 
« 605 »
 
شبه التوبة بالربيع الذي يقضى على خريف الذنوب ) . فالعرش يهتز من أنين المذنبين وإعلانهم التوبة ( اهتزاز العرش عند سعدى الشيرازي من بكاء اليتيم ) ،
مثل ذلك الإنسان الذي يتوب الله عليه ، ويقبل توبته ، يسعد في رياض الفضل والعطاء ، فالله سبحانه وتعالى على عبده التائب الآئب أكثر رحمة وحنانا من الأم بولدها ، يعلم المذنب آنذاك أنه كان يطرق باب هذا وباب ذاك ،
 يسلك هذه القناة وتلك القناة تاركا البحر الذي منه تستمد كل هذه القنوات ، وعندما يبدي الحق غيرته ، يسد أمامه طرق القنوات والوسائط ، فيصبح كالسمكة ، لا حياة لها بعيدا عن البحر ، ولا عوض لها عنه من القرب .
 
( 3651 - 3664 ) : يشبه مولانا قلعة ذات الصور ، بأنها حجرة زليخا التي ملأتها زليخا بصورها بحيث أن يراها يوسف عليه السّلام حيثما نظر عندما كان يحول بصره عنها وهذا كيدها ، والله تعالى جعل الدنيا مظهرا لآياته ، " وفي كل شئ له آية . . . تدل على أنه الواحد " ، وذلك من أجل ذوى الأبصار المستنيرة ، الذين يرون الله في كل شئ " أراه في كل معنى رقيق رائق بهج " ، فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ، وينقل الأنقروى ( 6 - 2 / 333 )
 بيت ابن الفارض :وكل شخص بدا لي أنه قدحى * وكل لحظٍ أراه فهو لي ساقى. يبديهما لشيطان ؟ ! بل إن الشيطان إن وجد هذه الجرعة وصار عاشقاً لا نقلب إلى ملاك ومن هنا قال صلى اللَّه عليه وسلّم ( ما منكم من أحد إلا وله شيطان إلا أن شيطانى أعانني الله عليه فأسلم ) ،
ومن هنا يصير الإنسان الذي يبلغ من الشر مبلغ يزيد بن معاوية ( قاتل أبناء الرسول ) خيرا خالصا وفي فضل صوفي عارف بلغ شأواً بعيداً في مدارج الروح مثل أبى اليزيد البسطامي ، ويفضل الملائكة ( عن أبي يزيد انظر الترجمة العربية للكتاب الخامس الأبيات 3396 - 3397 وشروحها ) .
 
( 3638 - 3676 ) : يذكر حديث الأب هنا بنهى الله سبحانه وتعالى لآدم عليه السلام عن
 
« 606 »
 
الأكل من الشجرة المحرمة ، فلو لم يكن الأب قد نهى أولاده عن الذهاب إلى القلعة لما فكروا أصلًا في الذهاب إليها ، وهكذا فالإنسان حريص على ما منع ( انظر البيت 854 من الكتاب الثالث ) ،
وأكثر الخلق لا يرون تجليات الحق بالجمال في هذا العالم ، وانظر إلى مولانا يفرق بين تلقى فئتين عن النهى : أهل التقى الذين ينهون النفس عن الهوى ، إن مجرد النهى يبغضهم في ما نهى عنه ، لكن أهل الهوى يقعون في ما نهوا عنه لمجرد أنه منهى عنه ، ألم يرد في شأن القرآن الكريم يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ ( البقرة 26 )
 
والمعيار : الإنسان نفسه إذا كان لديه الاستعداد للهدى أو الاستعداد للضلال ، والحمام الأليف المخلد إلى الأرض هو غالباً الذي يقع بين البوص " حبائل الدنيا ومغرياتها " ، لكن الحمام المحلق في سماء العرفان نادراً ما يقع في هذه المغريات .
 
( 3679 - 3689 ) : يعود مولانا إلى فكرة دق عليها في بداية المثنوى وهي الإنسان من فرط ثقته بنفسه وغروره بقدراته ، أحياناً يعتمد على حوله وطوله ، ويبدأ في عمل ما دون أن يستثنى أي دون يقول " إن شاء الله " ويعود مولانا - وهو في ختام الرحلة ونهاية المطاف - فيذكر بما سبق أن مر في حكاية مرض الجارية ومحاولة الأطباء علاجها دون جدوى ( الكتاب الأول الأبيات 25 - 247 )
كان كل منهم واثقاً في نفسه - الطباء والأبناء - عارفاً بفنه ، مقتنعاً بقدرته ، معتمداً على العلوم التي حصلها والأسباب التي أخذ بها ، والنتيجة ؟ ! الفشل الذريع لأن كل هذه أمور لا تنفع إذا كان الله لا يريد
( عن الاستثناء انظر 48 - 50 من الكتاب الأول و 1640 من الكتاب الثالث ) ،
إن الأشياء التي لا يريدها الله أن تتم لا تتم ، هذا هو لب الأمر ، قلتها ، وسأظل أقولها وإن كان هناك مائة كتاب فهي ليست سوى معنى واحد " لا وجود إلا لله ولا إرادة حقيقية إلا لله " ، والطرق كثيرة ، والمذاهب كثيرة بعدد أنفاس بني آدم ، لكنها تفضى إلى منزل واحد ، المبدأ والمعاد ، حتى في وجودك الجسدي أيها الإنسان إن شبعت ( وصلت إلى الحقيقة ) فإن كل المآكل تستوى أمامك لكن عند الجوع ( الحيرة عدم

« 607 »
 
الوصول إلى المعرفة ) لا تبالى أي شئ تأكل ، تكون المآكل أمامك عديدة ، تجار أيها تأكل ، مهلًا إن الأصناف العديدة كلها بالنسبة للجائع صنف واحد ، ويعود مولانا إلى حكاية الجارية المريضة : كان كل هؤلاء الأطباء كالخيول الجامحة لا تدرى إلى أين تنطلق لا تدرى وجهتها ، فعندما يفقد المرء الوجهة ، يفقد كل شئ ، إن هذه الخيول لم تدرك أن ثمة فارس يركبها ، وأن الزمام ليس مفلوتاً ، لكن الفارس لا يأبه بها ولا يوجهها .
 
( 3691 - 3712 ) : أيتها الخيول الجامحة ، إن كل ما تعانون منه إنما هو من مكر هذا الفارس ، إنكم لا تدرون شيئاً لأنكم تركتم الإيمان به ومن ثم فأنتم تساقون نحو الأشواك وتحسبونها وروداً ( انظر الكتاب الثالث مكر ذلك الفارس أنه أثار الغبار فانطلقتا في أثره ، الأبيات 383 - 389 وشروحها ) ،
إن كل أولئك الذين يعتمدون على أنفسهم يقولون : لقد أخذنا بالأسباب ، أترى الآخذ بالأسباب فحسب يوصل إلى نتائج ؟ انظر إلى من أخذوا بنفس الأسباب ومع ذلك لم يصلوا إلى نتائج ؟ ؟ وإذا كنت قد أخذت بالأسباب ( ربطت ثوراً ) ثم وجدت النتيجة مختلفة ( وجدت حماراً ) ، فهذا أمر لا يتجاهل ولا بد أن نتساءل عن من بدل الأمور هكذا ، وتذكر قول الأمام علي رضي الله عنه " عرفت الله بفسخ العزائم وحل العقود ونقص الهمم " ( انظر الترجمة العربية للكتاب الثالث الأبيات 4458 - 4473 ) ،
انظر : أنت تمضى في أثر تجارة ما آملًا الكسب ولا كسب ، خسارة ثم دين ثم إفلاس ثم سجن ، أتظن أن التجارة هي أساس الكسب ؟ ، فلم يفلح تاجر ويخسر تاجر آخر ؟ ،
تحضر البئر لأخيك فتقع فيه أنت ، تتزوج غنية لتغتنى فتأتي هي على ما لديك بالفعل ، وتستدين ، كيف حدث هذا ؟ لقد رأيت فلاناً تاجر وكسب ، ورأيت آخر تزوج غنية فصار غنياً ، لكنها المقادير تضع غشاوة على العيون ، إن الله سبحانه وتعالى هو مقلب القلوب والأبصار ، إنه يبدي الماعز ( الذكي الخفيف الحاد ) حماراً ( في غبائه وعناده )
( انظر لتقليب الرب الكتاب الذي بين أيدينا البيت رقم 221 والمبدل البيت رقم 3696 ) ، إن الأمر ليس سفسطة ، بل إن الله تعالى يتم ما قدره في
 
« 608 »
 
علمه وسابق أزله ، لكنك اعتمدت على الطريق وعلى الأسباب ، وعلى خيالك ، ومنكر الحقائق لو فكر أن التفكير في خياله هو مجرد خيال ، لوصل إلى بداية طريق الحقيقة .
 
( 3713 - 3720 ) : البيت المذكور في العنوان من غزلية لسنائى الغزنوي ( ديوان سنائى - بسعى واهتمام مدرس رضوى ط 3 تهران 1362 ه . ش ، ص 970 ) ، وتعبير النفس اللوامة مأخوذ من القرآن الكريم ( سورة القيامة 2 ) ، وقد ذكر نجم الدين الرازي في مرصاد العباد ثلاث مراتب لتكامل النفس : النفس الأمارة بالسوء والنفس الملهمة والنفس المطمئنة والنفس اللوامة التي يوجهها الظالم إلى نفسه لأن لديه الاستعداد للطريق القويم لكنه يسلك طريق الضلال فيلوم نفسه ( مرصاد العباد ص 343 وانظر عن النفس المطمئنة البيت 572 من الكتاب الأول و 3419 من الكتاب الرابع و 558 من الكتاب الخامس )
والآية المذكورة في العنوان من سورة الملك ( انظر أيضاً تعليق آخر عليها في الترجمة العربية للكتاب الخامس الأبيات 2873 وما بعده وشروحها ) ،
ثم يشير مولانا إلى الأكل من الشجرة المحرمة المنهى عنها ، لقد تركا كل فاكهة الجنة واتجها مباشرة إلى تلك الشجرة المنهى عنها ، وهكذا فعل الأبناء اتجهوا مباشرة إلى القلعة المنهى عنها ، إنها قلعة توصف بوصف يذكر بوصف الجسد لها خمسة أبواب إلى البر
 ( الدنيا ، الحواس الخمسة الظاهرة ) ، أي أنه من الممكن حتى عن طريق قلعة ذات الصور الوصول إلى الحقيقة ، المهم أن تغلق أبواب البر وتفتح أبواب البحر وتصرف بصرك عن تلك الصور .
 
( 3721 - 3733 ) : يترك مولانا القلعة ويتحدث عن الدنيا ( ذات الصور ) إن زينتها لا تجلب السكر ، إنها كالأقداح البلورية لا تؤدى في حد ذاتها إلى السكر ، وهكذا يضيع عمر الإنسان في البحث عن الأدوات لا البحث عن معنى للحياة ، التضحية بالمعاني في سبيل المادة ، التضحية بالخمر في سبيل الكأس ، وهي ليست واهبة الخمر
( الفيض ، العطاء ) ، فافتح فمك نحو واهب الخمر ، فهيا أيها الإنسان : دعك من صورة القمح " الحياة المادية " وانظر : ألم
 
« 609 »
 
يتحول الرمل للخليل عليه السلام إلى قمح ؟ ( انظر 382 من الكتاب الثاني ) ، وما كل عكوفك على الصورة ألست ترى الصور تأتى جميعها من العدم ؟ ! ( انظر 2781 والبيت 3588 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحها ) ألست ترى الأيدي هي التي تنسج ، فانظر إلى فاقد الأيدي عندما ينسج ( إشارة إلى حكاية وردت في الكتاب الثالث انظر الترجمة العربية الأبيات 1707 - 1720 وشروحها )
والقلب أليست تتقاطر على الخيالات والأفكار من جزاء الهجر والوصال ؟ ما الفرق بينها إذن وبين هذا العالم الصوري ؟ ! أليست كلها خيالات ولا وجود لها في الحقيقة ؟ ويلاه ، والأمثلة التي أضربها قاصرة عن التعبير لك ، فلا دليل لها يكون محسوساً لديك ، وانظر إلى عدم التشابه بين المؤثرات والآثار ؟ ! هل الضرر الذي حاق بك يشبه النواح الذي تقوم به ؟ النواح صورة والضرر محسوس ، إنه جهد المقل حتى في التعبير ، وطالما قلت لك أن آفة الحال إدراك المقال ( الكتاب الثالث البيت 4730 وشروحه ) .
 
( 3734 - 3750 ) : إن قدرة الله على الخلق تجعله يصور عند الإنسان خيالات وأفكار ثم لا يلبث أن يلبسها لباس الحواس ( ألم يكن هذا الكتاب صورة في ذهن المؤلف ثم في ذهن المترجم والشارح ثم تولد كتاباً ؟ ! )
لقد كان الإنسان نفسه صورة عند الخالق ، ثم ألبسه لباس الجسد والحواس ، وكل ما يطرأ على هذا الوجود هو مجرد صور ، يترتب عليها خير أو شر ( سلوك محسوس ) فعندما تكون ثم نعمة يكون المرء شاكراً ، وعندما يتأخر عليه الخير يكون صابراً ، وإن كانت ثم رحمة فهو مستبشر نام ، وإن كان ثم جرح وعذاب فهو شاك باك ، والإنسان في كل ما يقوم به ، إنما يقوم به بناءً على أفكار هي مجرد صور تتم طبقاً لها سلوكيات معينة محسوسة ، إن تولدت في قلبه صورة الخضر يهاجر عن موطنه ، وإن تاق إلى مشاهدة عوالم الغيب انفصل عن الدنيا واختلى بنفسه ، هل لإحساس القوة صورة ؟ ! ومع ذلك فهو الذي يدعو إلى التعدي والظلم ، الفكر
 ( في مصطلح مولانا الخيال ) هو داعى الفعل ، وما هذه المشاغل والحرف والمعتقدات إلا من نتاج الأفكار التي تطورت إلى أفعال ، وكأنها
 
« 610 »
 
جماعة واقفة على سطح منزل تنعكس ظلال أجسادها على الأرض ، ونفس الصور تؤدى إلى أحاسيس ومدركات : كأس السرور في مجلس الشيخ يؤدى إلى الانسلاخ عن الذات وفقدان الوعي ، الملاعبة والجماع يؤديان إلى النشوة وفقدان الوعي ، الخبز والطعام يؤديان إلى القوة ، الظفر والنصر من السيف والدرع ، الصور تؤدى إلى ما لا صورة له ، وما لا صورة له يؤدى إلى ما له صورة ، العلم المكتوب صورة ، يؤدى إلى العلم الموجود في الصدور ( لا صورة ) ، وطلب العلم (لا صورة) يؤدى إلى اللجوء إلى الكتب والدرس والأستاذ (صور).
 
( 3751 - 3773 ) : إذا كانت كل هذه الصور ( الخليقة ) عباداً لمن لا صورة له ( الوجود المطلق ) ، فما بالك تنكر صاحب هذها النعم ذلك الذي صورها لك أحسن تصوير ، إنها كلها منه ، فما هذا الإنكار وما هذه الجحود ؟ ! إن الإنكار في حد ذاته إثبات في ذهن المنكر . إنه عمل معكوس يبدي غير ما هو واضح وحقيقي ( عن العمل المعكوس ، انظر الأبيات 1594 - 1641 و 1745 من الكتاب الذي بين أيدينا و 426 من الكتاب الخامس وشروحها ) .
 
فهل ينكر أحد ما لا وجود له ؟ ! لكني مع ذلك أستطيع أن أضرب لك مثالا محسوساً ، إن البناء الذي تراه هو صورة في فكر المهندس ، فهل رأيت طوبا وخشبا في فكر هذا المهندس ، فإذا كان هذا فاعلا محدوداً ، فلماذا تريد أن يكون الفاعل المطلق ذا صورة ؟ !
 
إنه من كرمه يبدي لنا الصور ( المحسوسات ) أحيانا من كتم العدم ويتحلى فيها ، إن هذا الجمال والقدرة التي تراها عند المخلوقات وهي قبس من تجليه بجماله وقدرته ، لكن هذا التجلي عندما يخفى عن من لا بصيرة لهم ، ينصرفون إلى هذا العالم المادي يلدون منه ، وهذا هو عين الضلال ، فكيف تلجأ الصورة إلى الصورة ، وكيف يلجأ محتاج إلى محتاج ؟ !
وكيف تكون الصور وهي عبيد آلهة ؟ ! إن هذا هو عين التشبيه ، ضراعتك ، فحسب هي السبل إليه وفناء ذاتك وأنيتك ، وعدم التفكر في ذات الحق
( وعن هذا التشبيه يقول الأنقروى نقلا عن شرحه لفصوص الحكم : إن المراد بخلق آدم على صورة الله ، ليس الصورة كما تفهم فليس لله صورة بل المقصود
 
« 611 »
 
الصفات ، ( 6 - 2 / 354 ) . " انظر وتفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في ذات الله ، البيت 3701 من الكتاب الرابع ) وإن لم تستطع الوصول ، فدع صورة تتولد فيك دون أنيتك ، إنك بمقاييسك الأرضية الذي تفسد كل شئ ( انظر الصورة التي لا نهاية لها ، والصورة التي لا صورة فيها في البيتين 3499 - 3500 من الكتاب الأول )
 
إن لذة تصور جمال المدينة التي تمضى إليها هي التي تدفعك - أيها السالك - إلى السفر وإلى الحركة ، إذن فمن الممكن عن طريق الباطن السفر إلى اللامكان وإلى عالم الغيب ، فاللذة التي تسوقنا هي غير المكان وغير الزمان ، إن الدافع إلى هذا السير والسلوك عاملٌ لا صورة له ، تراك حتى إن قصدت المحسوسات تقصد شيئا آخر غير المعنويات : تمضى إلى صديقك وهو محسوس قاصداً الأنس به وهو معنى ، فإن حركة الإنسان دائما هي نحو المعنى ، فالطرق كلها تؤدى إلى اللذة الخالصة ، لكن الناس تنظر إلى الذيل ، إلى الدنيا ، ويبتعدون عن الرأس ( انظر الحكاية الأولى في الكتاب الذي بين أيدينا ، البيت 129 )
 
أي عن عالم الغيب الذي هو مبدأ كل حركة ومع ذلك فإن هذه الرأس ليست مختفية عن عيون أولئك الضالين ، إنها تتجلى في عالمهم المادي ، إنهم يجدون العطاء أيضاً في هذا العالم المادي ( انظر ليس المقلد أيضاً محروما من الثواب ، البيت 499 من الكتاب الثاني )
 
 لكن آخرين خسروا الدنيا والآخرة ، فلا هم تدبروا آلاء الخالق في الدنيا ولا هم ساروا إليه ، لكن الذين يجدون الجزاء كله هم الذين يفنون بالكلية ، ومن الفناء يصلون إلى البقاء .
 
( 3774 - 3780 ) : عودة إلى حكاية قلعة ذات الصور : وها هم الأمراء الثلاثة يرون الصورة ، صورة الأميرة التي تبدو - كما سنعلم - تجليا لوجود لا يرى ( انظر 3801 وما يليه ) ،
لم يكن الأمر أمر جمال - فقد رأو من قبل أجمل منها ، لكنها كانت الكأس الذي وصل إليهم الجمال الحقيقي عن طريقه ( مثلما كان خمر قيس عن طريق ليلى وخمر يعقوب عن طريق يوسف الذي كان سما لاخوته ) ؛
( انظر لتفصيل أن الصورة هي الكأس والحسن هو الخمر
 
« 612 »
 
والله يعطى كل كأس ما فيها من شراب ، الترجمة العربية للكتاب الخامس الأبيات ( 3290 - 3309 وشروحها ) ،
إن سهام النظرات التي صوبتها الصورة إلى قلوبهم سهام لا قوس لها أي إنها سهام روحانية ، ولا أمان منها ولا حذر ( انظر البيت 906 من الكتاب الذي بين أيدينا :
العشق قهار ) ، إن أهل القرون قد هلكوا من عشقهم لأحجار وأصنام ، فما بالك إن كان المعشوق روحانيا ( انظر الكتاب الذي بين أيدينا ، الأبيات 795 و 3135 و 3185 وشروحها ) . إن هذه الفتنة الروحانية تتشكل في كل لحظة ، إن هذه الصورة ، لم تكن صورة ، كانت تجليا روحانيا طاغيا ، يثير العشق والجنون .
 
( 3784 - 3799 ) : لقد بدأ هؤلاء الأمراء الثلاثة يرون ويذوقون كل ما كان والدهم قد أحس به من البداية ، وهكذا الأنبياء والأولياء والمرشدون ، فالأنبياء قد أخبرونا بالعاقبة والمآل وإن كل ما نزرعه هنا نحصد منه شوكا ، وأن الجهات التي تذهب إليها طائرا لن تجديك نفعاً ،
ويوم تعلم ، تعض بنان الندم ، وأنت نفس الشخص ، لكنك ألست أنت الذي كنت تفعل الإثم وتعطى الأنبياء أذنا بها وقر ؟ ،
 
ومن ثم يسلط الله عليك نفسك اللوامة تشتد في لومك وعقابك وإيذائك ، لقد كانت أنيتك الحقيقية النزاعة إلى الحق مختفية خلف أنية الهوى ، وليتك علمت من البداية أن ما تراه واضحاً شديد الوضوح أمامك وكأنك تراه في مرآة إنما يراه الشيخ حتى إذا نظر في مواد لا تعكس الصور
( انظر البيت 168 من الكتاب الثاني و 2033 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ،
 
وهكذا يحدث الأمراء أنفسهم لائمين إياها على إهمال نصيحة الأب " المرشد " ، وتجاهل أوامر المليك ، واعتمادهم على عقولهم وأو هامهما ، فسقطوا في نفس الخندق الذي امتلأ برؤوس عشاق الأميرة
 ( الصورة من رواية شمس الدين ) ، وما كان أشبههم بمريض السل ، تبدو على الصحة والمرض ينخر في داخله ، وذكر الحق لا ينبغي عن وجود المرشد ، فأحياناً لا يوصل الذكر إلى جناب الحق عندما يكون رياءً وسمعة ، وعين المرشد المبصرة هي التي تدل على الذكر الحقيقي وتميز بين العبادة الحقيقية والذكر الحقيقي وبين
 
« 613 »
 
عبادة الرياء والسمعة والذكر الذي لا يجاوز التراق ، ويرى الأنقروى ( 6 - 2 / 366 ) : إن بنت ملك الصين هنا هي العلم اللدني المكتوم عن غير الخاصة ويروى ما رواه أبو هريرة عن أبي بكر عليه السّلام : حفظت من رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم دعاءين فأما أحدهما فنبأته وأما الآخر فلو نبأته لقطع منى هذا البلعوم " . وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما :ورب جوهر علم لو أبوح به * لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
 
( 3800 - 3812 ) : رغم الندم والألم يتساءل الأمراء عن صاحبة الصورة ، ترى من تكون ؟
لقد سقطوا وانتهى الأمر ، وبدلًا من العودة عن الطريق عزموا على مواصلته ، وظلوا يتساءلون حتى كشف لهم عن السر شيخ بصير ( ما علاقة الشيخ ببنت ملك الصين إذا كان دنيوية ؟ ليس عن طريق الأذن تعرف هذه الحقيقة بل عن طريق الإلهام ، إنها بنت ملك الصين ، والملك غيور
 
[ إن سعداً لغيور وأنا أغير منه والله أغير منها ومن غيرته حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ]
ملك الصين لا يمكن أن يكون هنا سوى رمز للحق يخفى الحقيقة حتى لا يسقط من ليسوا بأهل لها افتتاناً بها ، إنها غيرة الحق على أسراره ، وحتى الطيور المحلقة في أجواء الفضاء
 
( المرشدون ) الذي لم يصلوا بعد إلى مرحلة الكمال ولم يؤذن لهم لا يصلون إليها فما بالك بأولئك الذين زرعوا بذور الجهل ، وضربوا بنصيحة المرشد عرض الحائط ، ولم يسقطوا التدابير ، وليتهم اعتمدوا على عنايته وهي تكفى في هذا الطريق ، فهيا أيها الأمير
 
( يا ابن الخليفة ) ودع عنك التدابير وادعاء الفضل والاعتزاز بالعقل ، وكن بين يدي المرشد كالميت بين يدي الغسال يقلبه كيف يشاء ، ولا حيلة تنفع هنا ، ليس إلا الموت قبل الموت ، الموت عن الدنيا والحياة بالآخرة .
 
( 3813 - 3825 ) : يترك مولانا قصة قلعة ذات الصور ليسوق حكاية أخرى عن الاستسلام وعدم الطلب ( ناقش مولانا فكرة الأولياء الداعين والأولياء الصامتين في قصة رؤى الدقوقى في الكتاب الثالث فقد حرم الدقوقى من صحبة الأولياء لأنه تدخل في أمر الله ودعا ) وبطل
 
« 614 »
 
القصة هو صدر جهان ( يذكره مولانا بلقب صدر جهان والصدر الأجل ويرى استعلامى أنه أحد حكام آل برهان في بخارى ، وقد مر ذكره أيضاً في الكتاب الثالث في حكاية العبد الهارب منه والذي عاد إليه بعد أن عذبه الفراق . انظر الكتاب الثالث ابتداء من البيت 3688 )
والقصة غير مسبوقة وإن كان استعلامى يرى أن هناك حكاية تشبهها في الهى نامه للعطار وخصوصاً بالنسبة للخاتمة وإن كان ما يقصه لا يدل على أن شبه بالحكاية التي بين أيدينا ( استعلامى 6 - 412 ) وذكر فروزانفر
( مآخذ 219 ) مثيلًا ملخصا لها عن كتاب الجواهر المضيئة ( لم يذكر مؤلفه أو العصر الذي عاش فيه ، وانظر مناقب العارفين / 1 / 122 - 123 . )
وبالطبع يهدف مولانا بهذه الحكاية إلى الحديث عن الموت قبل الموت والنور هو المستعار والضياء هو النور الذاتي ، وهناك من الكواكب ما لا يستمد نوره من الشمس ، ويدق مولانا على فكرة قديمة أخذها عن سنائى هي أن الشمس هي التي تحول الحجارة إلى معادن ثمينة ، ويعبر عن هذه الفكرة دائماً في معرض التبديل الروحاني . لم يكن صدر جهان يمنح أحد يسأله بلسانه ، وكأنما كان شعاره الحديث النبوي الشريف [ من صمت نجا ] ( أحاديث مثنوى ص 219 ) .
 
( 3827 - 3829 ) : الحوار هنا بين صدر بخارى والشيخ وخاصة الحجة التي أفحم بها الشيخ صدر بخارى له أشباه في حوارات كثيرة بين دراويش وملوك ورويت عن بهلول أنه قالها لهارون الرشيد " إنما الزاهد أنت لأننى أزهد في ملك الدنيا وهو فان وأنت زاهد في ملك الآخرة وهو باق " .
 
( 3851 - 3856 ) : يعود مولانا إلى مبحث الموت قبل الموت " كل لحظة موت وحياة " ويعبر سنائى بأن الصوفية يقيمون في كل لحظة عيدين ( انظر الحديقة الترجمة العربية البيت رقم 5394 وشروحه ) ، وكل موت يؤدى إلى مرحلة من اكتمال ، من جماد إلى نبات ومن نبات إلى حيوان ومن حيوان إلى إنسان ومن إنسان إلى ملاك ثم إلى ما لا يحده وهم ( انظر الكتاب
 
« 615 »
 
الثالث الأبيات 3903 - 3909 وشروحها والكتاب الخامس الأبيات 800 - 810 وشروحها ) ، وليس ثم كمال إلا عن هذا الطريق ، وعنايته سبحانه وتعالى أفضل من مائة جهد فجذبة من الحق تساوى عمل الثقلين ، عنايته موكولة بالموت قبل الموت ( انظر سنائى مت قبل الموت أيها الصديق إن كنت تريد الحياة ، فمن هذا الموت صار إدريس إلى الجنان قبلنا - ديوان ص 52 ) . ونقل الأنقروى ( 6 - 2 / 372 ) : العناية تهدم الجناية وتوجب الهداية وتورث الولاية . بل إن هذا الموت نفسه موكول بالعناية ، فالعناية هي بمثابةالزمرد الذي يقتلع عين هذه الأفعى ( الدنيا ) وهذا في اعتقاد القدماء .
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: