الأربعاء، 2 سبتمبر 2020

27 - الهوامش والشروح 4602 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

27 - الهوامش والشروح 4602 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

الهوامش والشروح 4602 - 4932 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

شرح عودة إلى تفصيلات قصة الأمير وملازمته لحضرة الملك
( 4603 - 4609 ) : عودة إلى قصة الأمراء الثلاثة ، كان الأمير قد توقف في الجزء الأخير من القصة - قبل أن يقطعها مولانا بقصة جحا وزوجته والقاضي على أنه قد جاء إلى الحضرة دون الاستعداد الكافي ، وأن هذا الاستعداد أيضاً عطاءٌ من الله سبحانه وتعالى ، وها هو الأمير في مقام الحيرة ،
فبالنسبة له لا يمكن إدراك الوجود المطلق بموازين عالم المادة ، وربما كان من الأوفق هنا أن نقول أن ملك الصين هو فعلًا رمز القطب أو الغوث وأنه وإن بدى روحانيا خالصاً في بعض أجزاء الحكاية إلا أن مولانا مهد بوصفه السابق للعارف بالحديث عن ملك الصين أيضاً ، كوجود صوري ، فالملك في نظر الأمير هو الأفلاك السبعة ممثلة في قبضته من الطين ( وهكذا كل إنسان انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الرابع " الإنسان ذلك العالم الكبير ) ،
 
وفي أثناء هذه الحيرة التي فرضت الصمت ، كانت روح الأمير مع روح الملك في حديث مستمر ، كان الأمر غريباً جداً أمام الأمير ، إن الملك كله معنى من المعاني فما هذه الصورة التي له ، إنها صورة حقاً لكنها ليست ككل الصور ،
وذلك الكلام المستمر الذي يجرى دون لسان يخلصك وينجيك من كل كلام ، فما دمت مشغولًا به لن تكون لك علاقة بكلام البشر ،
وذلك السقام الذي أنت فيه ينجيك من كل سقام ، وعلى الأمير إن أراد أن يفنى في ملك الصين أن يعبر وجوده الجسدي ، وبعدها لن يراه مجرد قبضه من طين ، وسوف يراه كله معنى ، وعلى هذا يطلب الأمير من الجسد أن يخلص الروح حتى يتصل بالوجود المطلق .
 
( 4610 - 4621 ) : في هذه الأبيات يصف مولانا التجليين الصوري والباطني للأمير ، إن ملك الصين يكرم روح السالك ، وهذا النضج المعنوي الروحاني ذوبان لجسد السالك ، ومن ثم فإن هذا الذوبان هو نمو وتعال ، ومن هنا يتهلل العاشق به ولا يذبل بل يقول " زيدونى " ، إن هذه
 
« 646 »
 
اللحظة ، لحظة ارتباط السالك بعالم الغيب قيمتها خارج حساب المكان والزمان ، وكل ما يفعله السالك في هذه اللحظة عندما يكون رجل حق ، في هذه اللحظة لا يوزن بموازين الطاعة والمعصية ويقول الأمير : إذا كان الملك قد قال أن العشاق غير الجديرين بابنته أو مدعى أسرار الغيب ينبغي أن يعدموا ، فسوف أطلب أن أعدم في كل لحظة لا مرة واحدة ، وعن ابن الفارض :ولم تعسفى بالقتل نفسي بل لها * به تسعفى أن أنت أتلفت مهجتي
وقال آخر :ما لي سوى روحي وباذل روحه * في حب من يهواه ليس بمسرف( انقروى 6 - 2 / 499 ) ، ( للعشاق في كل لحظة موت 3886 من الكتاب الثالث )
إن الرأس التي تقطع في سبيل هذا العشق تعوض بمئات الرؤوس ، ولا زلت أيضاً مستعداً للتضحية بهذه المئات من الرؤوس ، إن الرأس التي أتحدث عنها رأس أخرى والقدم التي أتحدث عنها قدم أخرى ، ومن هنا فكل المجالس تنتهى ، إلا مجلس العشق ، فالعاشق متجدد ، وفي كل لحظة يزداد مجلس عشق الحق حرارة ، وهذه الحرارة ليست في هذا العالم بل في اللامكان ، في عالم الغيب ومن ثم فهو حار بحيث لا تساوى حرارة الجحيم شررا واحداً منه .
 
( 4622 - 4628 ) : عندما يتحدث مولانا عن نار العشق وكيف أن الجحيم منها شرر واحد يذكر الحديث النبوي المذكور أكثر من مرة في المثنوى وهو أن النار تقول للمؤمن عندما يعبر الصراط " جز يا مؤمن فإن نورك أطفأ ناري "
والعبارة المذكورة في العنوان : نورك أطفأ لهيبى ، هذا النفس أي نفس العشاق الحار هو الذي يطفئ لهيب الكفر ، فأودع نار كفرك آهة العاشقين حتى تطفئها ولا تجعلك محترقاً بها في نار جهنم ، ويضيف أيضاً فكرة جديدة وهي أن الجنان أيضاً لا تتحمل العاشق ، فإنها رغم عظمتها لا تعد شيئاً إلى جوار عظمته " لا جزاء للعاشق إلا وجه الله " .
 
« 647 »
 
( 4629 - 4633 ) : عودة إلى قصة الأمراء الثلاثة أو قصة الأمير الأكبر : كان الأمير قد وصل إلى بلاط ملك الصين ، لكن هذه القطرة لم تكن قد وصلت بعد إلى مرحلة يتيسر لها فيها أن تذوب في البحر ، كان يحترق انتظاراً لابنة ملك الصين ، وكان يتحمل الفراق وكأنه خلع الأضراس ، وبلغ عمره آخره ، وحان أجله ، لكنه مقيم على معنى المعشوق ولا علاقة له بتجليات المعشوق في عالم الصورة ، إنه يريد المحبوب بغير حجاب ،
مهما كانت تجلياته الصورية العظيمة ، فان عين الحقيقة دون هذه التجليات أعظم ، إن روحي قد ألقت عنها لباس الجسد ، ومن ثم فإن وجوده المطلق قد ألقى عنه لباس الخيال أي التجلي الصوفي ، والآن أجد نفسي مستعد للالتحاق ببحر الوجود المطلق ، إنه وصال بعد الموت ، بينما وصال الرجال يكون قبل الموت .
 
( 4634 - 4647 ) : هكذا ، وإلى هنا ينبغي عليك أن تصمت ، فمن بعد هذه المرحلة . . . لا تعبير . وصلنا إلى البحر ، فدعك من الجواد والسرج ( البيان ) ولم يعد يصلح لك إلا المركب الخشبي ، الزورق وهو الصمت ، قد يكون هذا الصمت ، يلقى بك في الملال ، لكن عن هذا الصمت حديث وولولة في عالم العشاق ،
 لكنك لأنك منفصل عن هذا العالم لا تسمع ، وكما أنك تتعجب من صمته يتعجب هو أيضاً من ثقل سمعك ( إن ما يلقن للواصلين في عالم الغيب هو أن اصمتوا الكتاب الخامس البيت 2242 )
( الشفة صامته والقلب ملىء بالأصوات 2240 من الكتاب الخامس ) إن العاشق هو الذي يدرك ، وغير العشاق إلى جواره لا يعرفون ، كنائم إلى جوار حالم لا يدرى بما يجرى في أحلامه ، ويصل العاشق إلى مرحلة انكسار المركب الخشبي " الصمت " ، وكالسمكة يصبح غريقاً في بحر الأبدية ،
 لكنه الواصل الكامل لا يمكن وصفه فلا هو صامت ولا هو متحدث ولا اسم هناك يعبر عنه ، وهو لا يستوعب وصفه حديث ، على كل حال ، ليكن معلوماً لكن أنني أعتبر ما تسمعه من كلام هنا تعبيراً ركيكاً عما أريد قوله ، لكن هذا هو أفضل ما وجدته من العالم المحسوس .
 
« 648 »
 
( 4648 - 4671 ) : يلتقى الابن الأوسط بالملك في جنازة أخيه ، ومع أن الملك يعرفه إلا أنه يسأل متعمداً " من يكون هذا ؟ يبدو أنه سمكة من نفس البحر " أي يبدو أنه أيضاً سالك يريد أن يصل إلى بحر الغيب وبإكرامه لذلك الأخ الأوسط صاده أيضاً وجعله مفتوناً بالوجود المطلق ، وذلك الملتاع في مصيبة أخيه ،
رأى أن روحاً جديدة قد نفثت في جسده ، لقد كانت العطية عظيمة ، مجرد التفات من الوجود الحقيقي ، وهو التقات بلا حول ولا طول ولا جهد ، لقد قامت ضجة عالية في قلبه ، فلم يكن قلبه متوقعاً لها ، وانعكست مشاعره هذه على كل ما حوله ، فحتى الجمادات اكتسبت روحاً جديدة ووصلها فيض العطاء ، كل ذرة أخذت تتضخم أمامه وتكشف عن أسرارها ،
وكل شئ مما هو موجود حوله أخذ يكتسب معنى جديداً ، لقد انقلب إلى روح منفصل عن الجسد ، والروح عندما تنفصل عن الجسد يصبح العالم كله أمامها جديداً ، ليس هذا فحسب بل إن كثيراً مما لم تكن تراه تبدأ تراه من جديد ، لقد كان يقرأ في الكتب عن هذه الأحوال ، لكنه خبرها عياناً الآن وتجلت أمامه ، وليس ذلك إلا من عناية ذلك الملك العظيم الذي كحل عينيه بكحل المعرفة ، لم يكن الكحل من يده ، بل من غبار مطيئته ، فكأنه قبض قبضة من أثر الرسول ،
وأخذت الفيوضات تنهمر عليه وهو يصيح : هل من مزيد ، لقد كان في روضة من المعاني تختلف عن تلك الرياض التي ترونها والتي يمكن أن تصبح صعيداً زلقاً أو يصبح ماؤها غوراً ، إنها روضة نامية من القلب ، دائماً في ازدياد ، ربيعها دائم ومتجدد ، وكل ما تعلمه من علوم ، حتى العلوم التي تعترف بها والتي ترى أنها ذات طعم ، حتى علوم القلب هي مجرد باقة أو باقتان من هذه الرياض فليس كل من ذاق منها استطاع أن يعبر عن كل ما ذاقه ،
 
وإننا لنشعر بالضعف تجاه هذه الباقات ، لأنك لم تدرك هذه الروضة ولم تدرك قيمتها ، وأغلقت أبواب الروضة أمامك لأن مفاتيح هذه الأبواب ضاعت منك وأنت مشغول بهموم العيش وإن فرغت منها لحظة ، انصرفت باحثاً عن النساء ، ثم طف عندك هذا الميل وهذا الهوس فانقلبت من حية إلى تتبين ذي سبعة رؤوس إلى
 
« 649 »
 
جهنم ، تحتاج إلى مدينة من الخبز والنساء ( انظر النفس تنين 3 / 1053 ) .
 
( 4672 - 4681 ) : مزق شبكة الدنيا التي تحيط بك ، واحرق حبوب الحرص وافتح أبواباً جديدة لهذه الدار ، كن عاشقاً ، ولا تكن شحاذاً ملحاحاً يعتمد على تنغيم صوته وتباكيه ورفع هذا الصوت ، ولا تكن كالصدى مردداً لأقوال الآخرين بل ذق أنت وأعرف أنت ، كل ما لديك انعكاسات وردود أفعال ، تقليد ، تسر لأسباب شهوانية " مما تجلبه القوادة "
 
وتغضب لأسباب خارجية " غضب الشرطي " الذي يظهر إخلاصه لسيده بالتجبر على الضعفاء ، إنك تنبهر بشئ ، تنبهر بآراء الآخرين وأقوال الآخرين بل ونجاح الآخرين " وأحياناً مظاهر الآخرين " وتحاول تقليدهم ، متى تصبح " نفسك " ؟
 
متى يكون اعتمادك على نفسك ؟ بحيث يكون كل ما تحصل عليه لك ولا ينال أحد منه شيئاً ، كل ما تحصل عليه يكون لك ولا يشاركك فيه أحد . يقول الأنقروى ( 6 - 2 / 511 ) وكان شيخنا أبو مدين يقول في فتوح الغير أطعمونا لحماً قديداً أي لا تنقلوا إلينا من فتوح غيركم إلا ما يفتح عليكم في قلوبكم يرفع بهذا همة أصحابه لطلب الأخذ من الله ) .
 
( 4682 - 4686 ) : الكلام لا يخرج عن نوعين : إما وحى وإما هوى ، وما لا يكون من الوحي فهو من الهوى ، وإن كان هذا القول لا يبدو لك صحيحاً ، فهيا اقرأ من سورة النجموَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى( النجم 3 - 4 ) ،
 
فليكن لك الوحي يا أحمد فأنت جدير به " وما للأنبياء يكون للأولياء " ، أما أرباب الجسد فتصلح لهم وسائلهم من تحر وقياس ودرس وقراءة وقال وقيل ، فهؤلاء لا يدركون الوحي ، فهم مضطرون ، والمضطر يأكل الميتة ، لكن من يقبل الوحي يكون كمن هو داخل الكعبة ، لا يتحرى عن جهة القبلة ( لا رسم للقبلة داخل الكعبة 1172 من الكتاب الثاني ) .
 
( 4687 - 4717 ) : ماذا يحدث لو أن القياس والتحري لم يعط نتيجة ؟ حرقة البدعة والضياع في السبل والطرق ، وطالما ضربت لكم الأمثال ، سيروا في القرون وانظروا ،
 
« 650 »
 
واستخدموا القياس فهل كانت كل ريح حمالة للعرش كما حملت سليمان عليه السلام ؟ لا بل حملت قوم عاد ، كما يحمل القصاب الحمل ، يحمله ليذبحه ، ثم قلبت الفراء من وجهه الجميل إلى وجهه القبيح وشتان ما بين الوجهين ( التعبير مأخوذ من الإمام علي رضي الله عنه " لبس الإسلام لبس الفر ومقلوباً " ( من الخطبة 107 من نهج البلاغة تحقيق وترجمة فيض الإسلام ص 324 )
 
فكانت دماراً حطمهم ، وحطم الذيول التي يتشبثون بها ، بعد أن أمنتهم ( انظر الكتاب الرابع الأبيات 125 - 130 وشروحها والكتاب الذي بين أيدينا الأبيات 2198 - 2200 وشروحها والأبيات 4831 - 4836 وشروحها )
 
فهيا حطم الهوى قبل أن يحطمك الهوى كما حطم قوم عاد ، والرياح أنواع يا بنى يسرها الله سبحانه وتعالى كيف يشاء " ريح للظفر وريح للحراسة ريح للطلق وريح للولادة ريح تسير السفن وريح تؤلم الأسنان " ( انظر الكتاب الرابع الأبيات 130 - 149 ) .
 
( 4718 - 4736 ) : الدنيا بمثابة حلق يبصق علينا جميعا ، وأفواهنا لا تأكل إلا التراب ، أليس الطعام الذي نأكله مهما كان شهيا والشراب الذي نشربه يتحول إلى لحم وجلد ، أليس اللحم والجلد هو في النهاية تراب طريق ، ما أشبه الطعام بتراب يرتق الطين ثم يتحول إلى تراب ، مثلما تتحول كل الألوان والصور والجنسيات إلى تراب ،
كل الألوان وزينات الدنيا تتحول إلى تراب ، كلها أقنعة وثمة لون واحد يبقى ، ما كان لله ، صبغة الله ( البقرة / 138 والبيت 770 من الكتاب الأول و 1349 من الكتاب الثاني )
أو اللون الواحد ( البيت 504 الأول ) أو اللا لون ( 2479 و 3490 من الكتاب الثاني ) أو اتحاد اللون ( 1316 من الكتاب الخامس )
 
وهي كلها ليست واحدا من هذه الألوان لأنها لا ألوان ، معنى ممتد على كل الخليفة ليس له لفظ يعبر عنه ، وكل الألوان غيره أعراض ، مثل الألوان التي تطلى على رقاب الإبل ، ومن الواضح أن صبغة الله لا لون لها ، هل هناك لون للتقوى والصدق واليقين ؟!
هل هناك لون للكفر والشك والنفاق ؟!
إن الحسن والقبح لا لون ولا مفهوم صوري لهما ، إن
 
« 651 »
 
انعكاسهما فقط هو الذي يبدو على الوجه ، سرور دائم أو عبوس دائم ، وما أشبه هذه الصور بتماثيل من عجين يلعب بها الطفل ، ويعض عليها بالنواجذ ، ثم يأكلها ، إنه دائما في عناد من أجلها ، والله الحمد إنه في عناده هذا لا قوة له .
 
( 4737 - 4754 ) : انظر إلى الأطفال و ( الرجال الأطفال ) ، وماذا يصنعون في الدنيا من شر وفتنة وظلم ؟ انظر عندما يجتمع الجهل والسلاح معاً ! ! " سيف في زنجي ثمل ، البيت 1438 من الكتاب الرابع " إن من العصمة ألا تجد في طلب البسطة لا تجتهد أو كما قال علي رضي الله عنه " من العصمة تعذر المعاصي ( انظر الكتاب الثالث ، البيت 3382 ) والإنسان الجائع المحتاج متجه دائما إلى الله ، وبعيد عن وساوس الشيطان ( الجوع طعام الله ، الكتاب الخامس ، البيت 297 ) ،
انظر إلى أولئك الذين امتلأت بطونهم كيف يعرض عليهم تجار السوء بضائعهم ( من جنس ومخدرات وخمر وشذوذ يجعل البطن المليئة تشتهى ! ! ) فيضيع العقل كما ضاع الجسد ، فياله من خالق عظيم ذلك الذي يجعلنا نتقاتل على تراب " وأحيانا على وهم وخيال وأحيانا على ما يدمرنا " ، يجعلنا كالأطفال نتشاجر على التراب ، وشتان ما بين الطفل والبالغ : الطفل مهما كان ضخما وكبيرا المتلق بهذا التراب الملون ، والبالغ الذي وصل إلى كماله الروحي والمعنوي شتان ما بين الفاكهة الناضجة وما بين الحصرم ، ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 1795 - 1800 وشروحها ) .
إنه في شك وتردد ، ترى هل يصل إلى مرتبة أن يكون عنبا ناضجا ، هل يترك مرحلة الفجاجة والحصرمية ؟!!
 
( 4755 - 4772 ) : لا يزال المتردد الذي يرى نفسه حصرما ويتوق إلى الوصول إلى النضج يتساءل : ليس لي رجاءٌ في شئ قط ، لكن الله سبحانه وتعالى يقول :لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ( يوسف / 87 ) وانظر البيت 984 من الكتاب الثالث ) وطالما مدلنا موائد كرمه ونعمه وقال لنا لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ( الزمر / 53 ) ،
 ومهما كنا يائسين من أنفسنا ، نسقط في حفر الكآبة والقنوط ، لكنه عندما ينادينا بالعطاء علينا أن نمضى إليه
 
« 652 »
 
راقصين سعداء مسرورين ، كأننا جياد تسرع إلى مرعاها ، هنالك يكون الإسراع بلا خطو ، والشراب بلا كأس ، ليست حركة الجسد بل حركة الروح ، إلى عالم الروح ، حيث المعاني ولا أجسام ، والشموس ولا ظلال ، أليست الجدران العالية تحجب أنوار القمر ؟ ! فإن انهارت وصار خلاء ، سطع القمر ( انظر 553 - 559 من الكتاب الثالث ) .
 
وما القصور ، وما الجدران ، وما الشرف ، وما الأسوار ، إن الجبل ليندك إن سطع عليه هذا النور ، بل ليندك من شوقه إلى هذا النور ، لقد اندك لأنه تجلى على ظاهره ( الأعراف / 143 ) والبيتان 25 و 26 من الكتاب الأول )
فما بالك إذا كان قد سطع على باطنه ، لكان قد تفتت لتنال كل ذرة فيه نصيبها من النور ، انظر إلى الجائع يتفتح عندما يجد رغيف خبز ، فما بالك بالنور والغذاء الروحي وقوت الملائكة والأبدال ، إن هذا النور يساوى أيتها الأرض التمزق إلى آلاف القطع ، فانهضي من بين الفلك ، ترى هل كان مولانا جلال الدين يعتبر الأرض كرة معلقة في فضاء الفلك ، كرة معتمة إن تمزقت سطع عليها النور ؟ !
الله أعلم ، الخلاصة هنا إنه إن لم يكن ثم حياة مادية ، تراب ، يسطع النور على كل شئ ، لكن الأرض على كل حال هي مهد الأطفال ( طه / 53 ) ،
( المهد متأرجح ومتحرك ) وهي لازمة طالما كان البشر أطفالا ، فإن نضجوا وبلغوا مبلغ الرجال ضاقت بهم الأرض . ويا أيها المليك ، وسع عليهم هذه الدار ، فإن فيها أيضاً بعض الناضجين البالغين ، وهم في حاجة أيضاً إلى الحركة .
 
( 4773 - 4791 ) : عودة إلى قصة الأمراء الثلاثة وقلعة ذات الصور : وها هو الأمير الثاني الذي تعرض لعناية ملك الصين ونال من ألطافه ، يدخل في " الحال " الذي أرداه : ها هو يسقط صريعا للوسوسة وأن ما وصل إليه إنما بحوله هو ووحى قلبه هو ، ويصبح " مستغنيا " عن عنايات ملك الصين إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى ( العلق / 6 - 7 )
( انظر قصة كاتب الوحي وسطوع نور الوحي المحمدي عليه ، البيت 3241 وما بعده من الكتاب الأول ) ويشير مولانا في العنوان إلى ملك القلب ويقصد به ملك الصين أو الوجود
 
« 653 »
 
المطلق ، ومعنى لا علم له عن صورة الملك أي أن الجرح الذي أصابه لم يكن هناك دخل لوجود الملك الصوري فيه ، لقد كان الراتب الروحي يصل إليه دون دخل منه ، كان قوتا مستطابا ، لأنه لو كان الرزق الذي وعد به بالمؤمن هو الطعام والشراب لما رزق غير المؤمن منه ( انظر 1563 و 1862 من الكتاب الرابع )
لقد ظن الأمير نفسه قمراً ، ناسيا أن القمر نفسه يستمد ضياءه من الشمس ذات البهاء ، وأن الأنبياء والأولياء فحسب هم الشموس الساطعة ذات الأنوار المستمدة من ذواتها ، لقد استغنى الأمير وانتهى الأمر ، ولم يعد الملك ذو الألطاف في رأيه إلا مانعا في الطريق ( غبار يقف على وجه القمر ) ،
لقد أحس الأمير " بأنيته " ، وتولدت فيه نفسه الأمارة بالسوء ، ظن أن المعرفة ( الماء ) نابعة من داخله ( جدوله ) وحين تتولد النفس داخل الإنسان ، فنها تفتح كل أبواب الشرور ألعن من الحرص وألعن من الحسد ، ثم نفسْ السوء التي تنظر إلى كل الوجود فتراه شيئا قبيحا ، لكن الملك كان يعلم بكل ما يدور في داخلهأَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، ولقد تأمل الملك من هذا الجحود العطاياه الغيبية وأخذ يخاطب الأمير الجحود ( الإنسان المنكر على وجه العموم ) بخطابه القاسى : لماذا هذا الشر الصاعد برغم العطاء النازل .
 
( 4792 - 4810 ) : حذار من غيرة المليك التي تثار عندما يتوجه العشاق إلى أنفسهم وإلى كل ما سواه وانعكس هذا على الأمير ، وحسر طائر الدولة ظله عنه ، وافتضح كل شئ وتمزق حجابه ، وضربه بجناح غضبه ، وانصرف عنه منتحيا جانبا ، وبدأ يحس بأن هذا الانعامات التي تتوالى ،
وأفاق الأمير من سقطته وزال عنه سكر الكبرياء ، وبدأ الذنب يدق رأسه ، وبعد السكر يكون الخمار ، وهكذا كان آدم عندما آكل من الشجرة المحرمة شجرة الحنطة ( البقرة / 25 ) فبدت له سوءته ، وطرد من جنة الله ، لقد شرب الأمير شربة النفس والغرور ،
فانقلب من طاووس يتبختر في رياض الجنة ، إلى بوم ينعق في خرابة الدنيا ، لقد انقلب عز آدم إلى مجرد حراث يسوق بقرة ، وأخذ يخاطب نفسه : أيتها الكافرة " الهندية " ،
 
« 654 »
 
لقد جعلت أسد الروح مجرد أسيرا لذيل بقرة النفس الأمارة ، لقد اخترت قمح الغرور ، فانقلبت كل حبة منه إلى عقرب لادغ ، وتغلبت عليك الأنية ، فعقدت قدمك عن الانطلاق بقيد يزن خمسين منَّا ، لماذا انقلبت على مليكى ؟ !
 
لماذا كفرت بالنعمة التي صبها على صبا ؟ لقد أفاق ، واستغفر ، وتاب وأناب واستعان على هذا كله بالألم والإيمان ، فلا كانت هناك للإنسان قوة واستغناء ، فهو عندما ينجيه الله من الصبر على الحرمان يطمع في الزيادة وصدارة المجلس ، ولا كان للإنسان قدرة على الظلم ، فهو حينئذ ظلوم جهول لا يؤدى حقا لله ولا للناس ، وأولى بالإنسان إذا أراد أن ينجو أن يكون مبتلى مشغولا ببلائه ، ذلك أن نفسه كافرة بالنعمة ميالة إلى الشر ( انظر عن صفات النفس ، الكتاب الثالث الأبيات 2550 - 2558 وشروحها ) .
 
( 4811 ) : نموذج آخر لمن انصبت عليه الأنعام الإلهية ثم صار نموذجاً في الكفر والضلال : النمرود مدعى الألوهية والواقف في وجه أبى الأنبياء إبراهيم عليه السّلام ، والحكاية المروية هنا يرى فروزانفر أنها ترجع إلى الكتاب المسمى عجايب نامه ،
كما نقل رواية شبيهة بها وردت في كتاب جوامع الحكايات ولوامع الروايات لمحمد عوفي ( مآخذ / 226 - 228 ) وعن عزرائيل ودوره في قبض أرواح الأموات ، لتفصيلات انظر : الكتاب الخامس الأبيات 1651 - 1684 وشروحها ) .
 
( 4829 ) : الرواية المذكورة هنا عن شيبان الراعي ذكرت رواية شبية بها عن أبي حليم حبيب بن سالم الراعي ( انظر كشف المحجوب ، الترجمة العربية لكاتب هذه السطور وآخرين ، ص 113 - 114 )
أما شيبان الراعي فهو أبو محمد الدمشقي وكان صديقا لسفيان الثوري ومعاصرا للشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما ( انظر تعليقات كفافى على ترجمة الكتاب الأول ، ص 484 ) والكرامة المنسوبة هنا ، والحكاية هنا أيضا ، مذكورة في الكتاب الأول أيضاً في معرض ذكر دائرة هود حول المؤمنين ( انظر الكتاب الأول الأبيات 860 -
 
« 655 »
 
863 ) وأشار فروزانفر ( مآخذ 10 - 11 ) إلى أصل الحكاية أنها وردت في حلية الأولياء لأبي نعيم ط مصر ج 8 / 318 ) وبالنسبة لهود عليه السّلام ودائرته انظر تعليقات كفافى على البيت 855 من الكتاب الأول وانظر تعليقات الأبيات 4687 - 4717 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 4837 - 4844 ) : يخاطب مولانا المؤمن بالطبيعة ، اعلم أن الطبيعة هي الأخرى في حكم التصريف الإلهى ، ولا تنكر نص القرآن الكريم ، أو أن استطعت فامنع قراءته ، واقض على كل من يعلمه ويقرأه ويتدبر آياته ويفهمها بقلبه ، إن كل هذا من ضلالك وعجزك ، وكم كان لك من قبل من أصناف العجز ، نجاك الله منها مرحلة بعد مرحلة وأنت لا تدرك ولا تفهم ، ويوم أن تفهم ، سيفتضح عجزك على الملأ ولا تملك له رداً ، اعترف إذن بعجزك ، وتحير في الخليقة ، فالحيرة عبادة ، تجعلك في ظل الحبيب الحي الباقي ، وافهم عجزك في الدنيا ، وعجزك في الآخرة ومت قبل الموت ، واختر دين العجائز متمثلًا بقول الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم [ عليكم بدين العجائز ] ( مولوى 6 / 641 )
وانظر إلى زليخا امرأة العزيز ، لقد ارتدت شابة بدعاء يوسف ( يوسف وزليخا للجامى استفادت من هذا ، انظر الترجمة العربية لعبد العزيز مصطفى ) والرواية ذكر فروزانفر أنها وردت في كتاب بحر المحبة المنسوب إلى أحمد الغزالي " فتحير يوسف من ضعفها وعجزها وكبر سنها لأنه كان لا يعلم أنها حية أو ميتة ، فقال له جبريل إن الله تعالى يقول اقض حاجتها ، فقال لها ما حاجتك ؟ قالت أنى أريد أن أكون لك زوجة وأنت لي زوجاً ،
 
 قال ما أصنع بك فإنك عجوز فقيرة عمياء كافرة فنزل جبريل عليه السلام فقال يا يوسف إن الله تعالى يقول إن كانت عجوزاً فأنا أجعلها صبية وإن كانت فقيرة فأنا أجعلها غنية وإن كانت عمياء فأنا أجعلها بصيرة وإن كانت كافرة فأنا أجعلها مؤمنة لأنها تحب من يحبنا بلا واسطة فمسح جبريل عليها فصارت أحسن من زمانها وهي بكر فآمنت بالله القدير وأسلمت " ( عن فروزانفر مآخذ 227 )
وعن الحياة في الموت انظر مقدمة الترجمة العربية الكتاب الثالث . و " مت بالإرادة تحيا بالسعادة " انقروى ( 6 - 2 / 536 ) .
 
« 656 »
 
( 4845 - 4878 ) : عودة إلى قصة تربية النمرود " وفي رواية شداد بن عاد " لقد ربى النمرود كما يربى العارفون ، يربيهم الله سبحانه وتعالى بلا واسطة ، وهكذا لطفه وكرمه جل شأنه ، انظر إلى أيوب عليه السلام ، لم يقض عليه الدود بأمر الله تعالى " حتى أن الدود لما يقع على جراحة كان يرفعه عن الأرض ويضعه على جراحة ليأكل " ( مولوى 6 / 642 ) ،
( وعن تعليم الأمهات وصنعة الله في حنان الأم انظر الكتاب الثالث الأبيات 328 - 330 وشروحها )
ويعود إلى حكاية النمرود : لقد يسر الله تعالى له كل شئ وهو الذي كان بلا والد ولا والدة ولا إنسي حوله ، كان يريده أن يعلم أن كل ما فيه من تربية الله سبحانه وتعالى ، ثم ماذا كانت النتيجة ؟ لقد صار محرقاً للخليل عليه السلام ، وهكذا الأمير في محضر ملك الصين لقد تجبر فختم الله على قلبه فخفيت عليه ألطافه ، تماماً مثل النمرود
(انظر الحكاية البيت 378 والبيت 4140 وشرحيهما من الكتاب الذي بين أيدينا)،
 
وفي الأبيات التالية يخلط مولانا بين رواية إبراهيم عليه السلام والنمرود ورواية موسى وفرعون
( انظر الكتاب الثالث الأبيات 840 وما بعده وشروحها ) ، ترى إذا كان الآخرون من الكفار يقولون وجدنا آباءنا ، ما حجة هذا النمرود الذي لم يعرف له أباً أو أماً ، وبم يحتج : إنه لم يرث الملك عن أبيه حتى نقول : ظلوم ابن ظلوم ، لقد وجد الانعامات الإلهية مباشرة ، أتدري ما السر ، إنه النفس الغشوم ، هي كلب وخنزير وذئب مفترس وأفعى
( انظر شروح الأبيات 4792 - 4810 من الكتاب الذي بين أيدينا ) فليت المرء يقرا الحديث النبوي [ طوبى لمن ذلت نفسه وطاب كسبه وحسنت سريرته وكرمت علانيته وعزل عن الناس شره ] ( جامع 2 / 54 ) ،
 
 لكن وآسفاه إنك جلد لم يدبغ بعد ولم يصبح أديما طائفياً يصلح لأن يكون خفاً للمحبوب ( قرينا للحق ) ، والسهيل هو رجل الحق وقد ورد تشبيه رجل الحق بالسهيل ، والصورة كلها في ديوان شمس تبريز " يلمع سهيل شمس الدين التبريزي في اليمن وإلا لصار الجلد غير المدبوغ أديماً طائفيا في كل مكان " ( عن استعلامي 6 / 467 ) وكان أهل الطائف يدبغون الجلد في
 
« 657 »
 
شعاع نجم السهيل ومنه يأخذ لونه ( انظر لغت نامه على أكبر دهخدا الطبعة الأولى من النسخة الجديدة المعدلة ج 1 ص 1351 تهران انتشارات دانشكاه تهران - خريف 1372 ه . ش ) ولماذا أطيل عليك في الكلام إن القرآن الكريم كله شرح لخبث النفس ، وهلاك القرون ، وفساد الدنيا من جراء فسادها .
 
( 4879 - 4890 ) : كان مصير الأمير الثاني قد حسم ، لقد تحركت غيرة الملك ، لقد كان محواً ، وجوداً غير مرئى ، وتسير الحكاية بين الوجود المطلق والوجود الصوري للملك بشكل متواز ، وقتل الأمير بسهم من الملك ، عندما تجلى غضب " المريخ " في وجوده ، لكن القتل كان بشكل غير متعمد ، وهذا الوجود المتوازى جعل مفسرا مثل همائى يفسره بأنه الغوث والقطب ، وهو أكثر إقناعاً لأن الله لا يقتل ، ولا يقتل دون أن يدرى : قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ ( في رواية سابقة عن البسطامي قتل مريدوه أنفسهم دون أن يدرون انظر الكتاب الرابع الأبيات 2102 - 2139 وشروحها ) ،
المهم أن الملك علم بأن السالك المغرور قد قتل بعد أن رأى سهماً ناقصاً من كنانته ، لقد سأل الحق ، فقال الله إن السهم الذي أصماه من كنانته ،
 وهنا يتجلى الوجه الآخر ، وجه الرحمة ، لقد عفا عنه المليك ، لكن السهم كان قد قضى عليه ، ومن هنا أخذ ينوح عليه ويبكيه ، إن العاشق والمعشوق في الحقيقة واحد ، وإن لم يكن كذلك ، فكيف يكون كليا ، كيف يجمع بين الأوصاف المتناقضة ، كلها تجليات أوصاف الحق ، يتجلى على أحدهم بالطف ويتجلى على الآخر بالقهر ، وقد يتجلى على أحدهم باللطف وبالقهر الواحد تلو الآخر ، وربما يكون مولانا ناظراً إلى حديث يرويه الصوفية " من أحبني قتلته ومن قتلته فأنا ديته ، ( استعلامى 6 / 467 وانظر الكتاب الرابع البيت 2966 وشروحه ) ،
 
 والعاشق القتيل مع أنه قتل ، أخذ يردد الشكر ، لقد فنى الجسد ولم تفن الروح ، فنى الجسد ، وأصبح المعنى باتصاله بالحق خالداً ، لقد أو ذي الجلد وكان ثمن إيذائه الوصول إلى الحبيب ، لقد تمسك بأهداب سرج الملك ( الغوث ) ومن هذا التمسك وصل إلى إلى الكمال ، وفي بيت واحد
 
« 658 »
 
يعبر مولانا عن مصير الأمير الأصغر ، كان أكثرهم استسلاماً لم يبد فنا ولا حيلة ، فاختطف الصورة والمعنى ، وفي نسخة جعفري ( 14 / 607 ) أبيات زائدة ( ومعظم المفسرين والباحثين لا يعتبرونها ) أن الأصغر أخذ الفتاة والملك والخلافة ، وليس ذلك إلا نتيجة للذلة والعجز والضراعة ، وإن كان مولانا يشير في الحكاية التالية مجرد إشارة إلى أن هذا بالفعل كان مصير الابن الأصغر .
 
( 4891 - 4916 ) : هنا لطيفة يقصها مولانا ويرى استعلامى أنها لا توجد في مصدر قبل المثنوى ( 6 / 468 ) ، لكن الأبناء الثلاثة هنا لم يقصوا أية حكاية عن كسلهم ليثبتوا للقاضي أيهم أكسل الجميع ، والمعنى المفهوم ضمناً أن الأصغر لم يقص أية حكاية لإبداء كسله أنه حتى لا يريد أن يقص حكاية من أجل الحصول على الثروة والميراث كله لأن معظم الأبيات التالية تتحدث عن فضيلة الصمت ،
ويعلق مولانا بأن العارفين هم أكثر من في الدارين كسلًا ، فهم في ألطاف الله بمجرد تسليم القلوب له ، ولا يحسبون حساباً لفعلهم وكسبهم ، فهم في انتظار الأمر ، وبما أن العوام يفتقدون هذه الصلة فهم في كد ليل نهار وليس معنى هذا أن مولانا يدعو إلى عدم العمل فهو يقول ازرع ثم توكل
 
( انظر الكتاب الأول الأبيات 951 ، 621 - 645 ، 1473 - 1503 والكتاب الرابع 1384 - 1402 والكتاب الخامس من 2965 وما يليه والبيت 650 ، 1448 من الكتاب الذي بين أيدينا )
وهكذا يطلب القاضي من الأبناء الوارثين الثلاثة الكلام " مما يؤكد ما ذهبت إليه في أول تفسير هذه الأبيات ، ويحمل كلام مولانا هنا مضمون قول الإمام علي رضي الله عنه " تكلموا تعرفوا فإن المرء مخبوء تحت لسانه " فإن اللسان " وهو الحجاب الصغير لا يستطيع أن يغطى مئات المعاني الموجودة داخل القلب ، والصدق له رائحة ، والكذب أيضاً له رائحته
 ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 160 - 171 وشروحها )
هذا مثلما ينبئ كل نسيم عن المكان الذي يهب منه ، مثلما تنبىء رائحة القدر عما فيه ، قال تعالى وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ محمد 30 وانظر الكتاب الثالث البيت


« 659 »
 
790 وما يليه وشروحها ) ، وإن لم يكن في القدر شئ ، فإن صوت الدق عليه ينبئ عما إذا كان سليماً أو مكسوراً . والمقصود بالمعرفة في ثلاثة أيام من مقارنة أحواله وتصرفاته .
 
( 4917 - 4932 ) : يرى استعلامى أن المثال هنا غير مرتبط بتيار الحديث ( 6 / 469 ) عن الصمت وعن كسل العارفين . والواقع أنه مرتبط أشد الارتباط ، فنصيحة الأم نصيحة من جانب واحد متناسية أن للشبح أيضاً أماً ، وهو ما فطن إليه الطفل الصغير بتلقائية ودون تعلم . ثم يواصل مولانا حديثه عن الصمت وكيفية معرفة الشخص إن صمت والحيلة هي الصمت أمامه أيضاً ( انظر الكتاب الثالث : الصبر مجن عظيم الأبيات 1837 - 1856 وشروحها )
 
والإشارة في الأبيات إلى التواصل الإيحائى أو التلباتى في المصطلح الحديث فعندما تصمت الألسنة تكون القلوب في تواصل ( هذا لمن سلموا أمورهم لله فإنه يلقى في قلب كل منهم ما يقوله الآخر ) حين ذاك يكون الضمير مساعداً على التواصل لأنه يكون في نور سهيل اليماني والمقصود بالميمنة هنا يمين القلب موضع الصدق . ترى هل كان يريد أن يبلغ رسالة أخيرة !!!
إذا كنت قد صمت عن الكلام في هذا الجزء من المثنوى فإنك تستطيع إن إستنار قلبك أن تواصل معي الحديث عن طريق القلب !.
 
*
تم بحمد الله تعالى رب العالمين
عبدالله المسافر بالله
.
* * * 
* * *
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: