الأربعاء، 2 سبتمبر 2020

15 - الهوامش والشروح 01 - 128 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

15 - الهوامش والشروح 01 - 128 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

الهوامش والشروح 01 - 128 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

شرح [ الدفتر السادس ]
( النص )

( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) *

شرح ديباجة مولانا الدفتر السادس .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي
[ شرح الأبيات ]
( 1 - 9 ) : بالنسبة لحسن حسام الدين انظر الترجمة العربية للكتاب الأول ، مقدمة المترجم .
والقسم السادس هو هذا الكتاب السادس والأخير من المثنوى المعنوي ، ولأن المثنوى هو اقتراح حسن حسام الدين وقد أملى عليه . 
فهو الذي يجذبه ، وهو الذي يوحى به ، وهو الذي لا يفتأ يطالب مولانا جلال الدين بان يتمه ( عن الجذب وقيمة المستمع بالنسبة لقول

« 415 »

الأستاذ ، انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 3604 - 6314 وشروحها ) .
وحسامى نامه اسم من أسماء المثنوى لم ينتشر كثيرا ، ولعل مولانا يشير بأنه من الأجدر أن يسمى المثنوى حسامى نامه مثلما يسمى الديوان الكبير " ديوان شمس تبريز " على اسم شمس الدين التبريزي ، وعن أن هذا الكتاب السادس هو تمام المثنوى بنص مولانا جلال الدين صراحة ، وبعد انتهاء مولانا من نظم هذا الكتاب السادس ( سنة 668 هـ ) 
ظل السنوات الأربعة الأخيرة من حياته لا ينظم شيئاً ( توفى سنة 672 هـ ) ومن ثم فإن ما دار حول ظهور جزء سابع ، ونسبه لمولانا ، أمر غير ثابت ، بل إن هناك من يرى أن الأبيات الأخيرة من الكتاب الخامس كانت تشير إلى أن مولانا كان ينوى أن يختم المثنوى عند الكتاب الخامس ، وانه قدم الكتاب السادس هدية لحسام الدين ( عبد الحسين زرين كوب : سرني ، جلد 1 ، ص 31 ، تهران ج 3 ، سنة 1368 هـ . ش )

ومع ذلك ففي البيتين رقم 6 ورقم 7 يعد مولانا بأنه إذا وصل الأمر ، سوف يفيض علينا ببيان أقرب من بيان المثنوى ، وهو ما لم يقدمه مولانا والمقدمة هنا وما سيرد في متن الكتاب يشير إلى أن الكتاب السادس هو الكتاب الأخير بالفعل ، هذا وإن كانت الكتب الخمسة السابقة قد لقيت ما لقيت من معارضة ، ولقيت آذانا بها وقر فإن هذا لا يعينه في شئ ، فهذه الصحف الستة في مقابل الجهات الستة ، أو التي تملأ جهات العالم الستة موجودة ، وميسرة لقرائها ومن الممكن أن " يطوف بها " ككعبة لروحه في كل آن وزمان ومكان من لم يطف بها من قبل ، وعلى الداعية أن يدعو فحسب ، وليس له شأن بقبول الناس أوردهم .

( 10 - 22 ) : ورد مثال نوح عليه السّلام في المثنوى أكثر من مرة ، بحيث استخدم مولانا تعبير الدعوة النوحية إشارة إلى الدعوة المستمرة والتي لا شأن لها بقبول الناس أوردهم ومثال : الكلاب تنبح والقمر في سيره ، أو الكلاب تنبح والقافلة تسير ورد من قبل في الكتاب الرابع ( انظر الأبيات 1465 وما بعده ) . والمثال هو " لا يضر السحاب نباح

« 416 »
 
الكلاب " ( معجم الأمثال العربية ، رياض عبد الحميد ، ج 4 ، ص 53 ، نشر جامعة محمد بن سعود سنة 1986 ) .
عن نوح عليه السّلام ورد في القرآن الكريموَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ( العنكبوت / 4 )

روى ابن عباس : إن قوم نوح كانوا يضربونه حتى يسقط ويظنوه إنه قد مات فيخرج في اليوم الثاني ويدعو قومه ، وفي البيت 15 إن كل إنسان ميسر لما خلق له ، وإن هذه هي الخدمة التي عليه أن يقوم بها ، وهذا هو واجب المرشد ، فالشيخ في قومه كالنبي في أمته ، وعليه أن يثبت على دعوته مهما واجه فيها من عنت . هذا هو قدره وهذه هي مسئوليته ، بل كلما زاد الناس في الإعراض ( الخل ) عليه هو إن يزيد في مجهود الدعوة ( السكر ) ، ألم ينتصر نوح في النهاية ؟ ! وكيف لا ينتصر من يثبت على دعوته ، ومن يكون الحق تعالى ظهيره ؟ !

( 23 - 28 ) : يترك مولانا ضرب المثال بسيدنا نوح ، وينتقل إلى الأولياء ، وما للأنبياء للأولياء ، إن الواحد منهم بمثابة ألف يستطيع أن يصمد للإنكار ، والاستهزاء والسخرية دون أن يحيد عن طريقه ، وتعبير واحدٌ كالألف . ورد في مقصورة ابن دريد وفي شعر للبحترى ، كما وردت في حديث نبوي ، ففي الحديث النبوي : [ ليس شئ خيرا من ألف مثله إلا الإنسان المؤمن ] .

وقال البختري :ولم أر أمثال الرجال تفاوتا * لدى المجد حتى عد ألف بواحدوفي مقصورة ابن دريد :والناس ألف منهم كواحد * وواحد كالألف إن أمر عنى( بديع الزمان فروزانفر : أحاديث مثنوى ، ط 5 ، تهران 1370 ، ص 184 ) .
إنه عبد الله ، جسده بمثابة الدن ، لكن روحه متصلة بالبحر الأعظم دائما ما يأتيه منه المدد ، أي بحر ؟ ! إن البحار إذا شاهدت هذا البحر توارت خجلا وحياءً ، إن هو إلا تقريب للمعنى ،

« 417 »

وإلا ، فما الصلة أصلا بين عالمنا هذا والعالم الآخر الباقي ؟ ! إن هي إلا عبارات نستخدمها نحن ، وإلا فإذا كان يمكن التعبير عن المعاني التي نحتاج إليها في عالمنا هذا بنعيب الغربان ، فذاك العالم في حاجة إلى تغريد البلابل نفس المشكلة التي يعود إليها مولانا جلال الدين ( انظر تفصيلاتها في شروح الأبيات 4722 - 4736 من الترجمة العربية للكتاب الثالث من المثنوى لكاتب هذه السطور ) .

( 29 - 35 ) : لا ينفى مولانا عالم الوجود ، إن لكل منا دوره ومكانه ، وفي " هذا السوق " طبقا للمشيئة الإلهية ، وكل خلق لفائدة ، ولم يخلق الله سبحانه وتعالى شيئا عبثا ، بل من وجود هذه المتضادات تظهر القدرة الحقيقية لله سبحانه وتعالى ، فالشوك للنار ،
والورد للمنتشي والخبث للخنزير ، والماء للتطهير ، والثعابين في الجبل والنحل أيضاً ، وإذا كان من يحسون بالمرارة يملئون العالم بالمرارة ،

فالعالم أيضاً ملىء بشهد المشايخ والأولياء والمرشدين ، فإذا كان السم موجودا فالترياق أيضاً موجود ، والقيمة الحقيقية في وجود هذه المتضادات و " الاختيار " بينها ( انظر فكرة لكل نبات حوضه الخاص في البستان في الكتاب الرابع من المثنوى ، الترجمة العربية لكاتب هذه السطور ، الأبيات 1083 - 1092 وشروحها ،

وفكرة أهمية وجود مغريات لكي يحقق الإنسان ذاته بمصارعتها في الكتاب الخامس ، الترجمة العربية لكاتب هذه السطور ، الأبيات 575 - 581 وشروحها ) .

( 36 - 43 ) : إن هذا التضاد هو الذي يقوم عليه هذا العالم ، هذا الصراع القائم بين متضادات العالم ، هذا الاختلاف وهذا التنافر هو أساس هذا العالم وهو قدره ، وهذه الحرب بين كل ذرة من ذرات هذا العالم والذرة الأخرى هي قوام هذا العالم ( قريب منها فكرة أن هذا العالم كله آكل ومأكول الواردة في مقدمة الكتاب الثالث ، انظر الترجمة العربية ، الأبيات 30 - 49 وشروحها ) .
وفكرة العظام الواردة في نهاية الأبيات هي نفس فكرة انتهاء الحرب بفناء الذرات في الشمس ، تماما كما أن الحرب بين الإيمان والكفر واجبة . أو هكذا من

« 418 »

المفروض ، حتى الانتصار النهائي لإيمان . والانتصار النهائي لإيمان المؤمن هو في الفناء في حقيقة الوجود وأصله والبحر الذي فاضت عنه ينابيعه ، كل الينابيع تعود إلى الجدول وهذا هو المعنى الحقيقي ، لقوله تعالى إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ( البقرة / 156 ) ، 
الغرض إذ من هذا المثنوى أن يساعدك في العودة إلى أصولك ، تصبح وليدا لها من جديد ، تكف نفسك عن لبن الدنيا وترضع لبن الأصول ( عن الفناء بالتفصيل انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث لكتاب هذه السطور تحت عنوان فلسفة البقاء في الفناء عند جلال الدين (ص 13 - 25 ) تترك هذا الماء المالح وتشرب من الماء الزلال ، وتأخذ أسرار الغيب من مصدرها .

( 44 - 50 ) : الغول في مصطلح مولانا جلال الدين أي شئ يبعد العبد عن طريق الله سبحانه وتعالى ، والغول في الصحراء يضل القوافل ويجعلها تترك الجادة وتمضى إلى الطرق الفرعية ، وكثيرون هم الذين يمضون بعيداً عن جادة الدين وتتفرع بهم السبل والطرق ، إنهم يظنون أنهم يبحثون في " الأصول " الشرعية بينما هم في الحقيقة قد سقطوا بعيدا عن أصل الأصول التي ينبغي أن ينصرفوا إليها ، أما الأولياء والواصلون فإن حربهم وسعيهم وجهدهم مبذول للوصول إلى " عين الوجود " لا " صورة الوجود " .

يقول السبزواري ( 6 / 412 ) إنه لا يصح أن يقال في عين أو في نور العين ففي ليست موجودة والخطاب يا نور العين . ليست حروب أوليائنا - وأحسبه صحيحاً - مثل حروب هذه الدنيا ، وذلك لأن قلوبهم موجودة بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ( انظر للحديث البيت 779 من الترجمة العربية ، للكتاب الثالث وشروحه )

وعين الوجود ناظرة في كل أمر من أمورها إلى فعل الحق ، وهذا هو أساس الحرب الحقيقية التي يقوم بها الولي يهدف بها إلى الوصول إلى أصل الأصول ، وهي غير تلك الحرب التي تقوم في هذا العالم .

وفي داخل كل إنسان . ذلك أن العالم والإنسان كليهما قائم على عناصر أربعة متضادة ومتنافرة 

« 419 »

ومتقابلة ، ترى المرء هادئا في الظاهر وفي داخله ضجة وغوغاء بحيث يصرخ صرخة حافظ الشيرازي :
لن أدرى من يوجد في داخلي * أنا صامت وهو في ضجة وصخب أحوالك كإنسان وكبشر قائمة على عناصر متضادة هي التي تتقاتل فيما بينها ، ولا تنتهى هذه الحرب إلا بنهاية هذا البناء القائم على العناصر ، وذلك الذي يكون وجوده قائما على الحرب داخله ، كيف يتواءم مع الآخرين ، ومن هنا فالحرب قائمة بين البشر ولا حرب بين الأولياء فهم كنفس واحدة .

( 50 - 66 ) : وانظر إلى أحوالك ، أنت منجذب بين ملاك وشيطان ، بين داعى الخير وداعى الشر ، تتوالى عليك ، وأنت ممزق على رؤوس الطرق ، تجذبك حينا الطاعة ، وحينا المعصية ، فهل تستطيع وأنت موزع هكذا ، أن تقوم بقتال الآخرين ( العناصر ؟ )
لكن هذا الصراع هو ديدن البشر ، وهو طبيعة الحياة البشرية ، حياة الألوان المختلفة المتنافرة ، ولا سلام حقيقي إلا عندما يشريك الحق ويخلصك من دار الحرب هذه ، وتمضى إلى دار السلاملَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ( الأنعام / 137 )

حيث لا أضداد ، ولا ألوان ، ولا فناء بل بقاء سرمدي خالد ، وإن كنت لا تصدق فاقرألا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً( الإنسان / 13 )
فنفى عنها الضدين هناك حيث تتصالح الأضداد ، وحيث عالم اللالون أي انتقاء ظواهر هذا العالم وصفاته ( استعلامى 6 / 227 وانظر الأبيات 1127 - 1135 من الكتاب الأول ) ،

وإن أصل كل لون موجود في هذه الدنيا موجود في العالم الآخر ، وإن الآلام تجد مفهومها عندما تظهر أضدادها في العالم الآخر ، والعاشق يعلم طعم الفراق ، وكيف كان مرا عندما يغادر دنيا الفراق إلى دنيا الوصال ،
 وعالم الأحزان إلى عالم السرور الباقي ، وأن حروب العالم إنما تقوم على ابتعاد خلق هذا العالم عن الفطرة فكأن الصلح والسلام هو الأصل ، والحروب هي الفروع ، والحروب والتناقضات من صراع العناصر ، لكن لما كانت

« 420 »

الروح من الكبرياء أي من الأوصاف الإلهية ، أو من النفخة الإلهية ( انظر الكتاب الرابع البيت 2677 وشروحه ) .

هناك حروب أخرى إياك أن تعتبرها من قبيل حروب الدنيا ، وهي حروب الأنبياء ، أو الحروب التي قام بها رسول اللّه صلى اللَّه عليه وسلّم ، المغازي ، فالمقصود بها الرحمة للعالمين ، أن يدخل الناس - ولو برغم أنوفهم - في رحمة الله سبحانه وتعالى ، فالرسول صلى اللَّه عليه وسلّم مصداقا للحديث [ ما انتقم رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم لنفسه من شئ ] "

أحاديث مثنوى ، ص 185 " كانت حروبه سوقا للناس إلى الجنة ( أنظر الكتاب الثالث الترجمة العربية ، الأبيات 4550 - 4563 وشروحها )
وفي البيت رقم 66 : يقدم صورة أخرى للعبارة المشهورة " ما لا يدرك كله لا يترك كله " ( انظر الأبيات 17 - 20 من الكتاب الخامس وشروحها ) .
 
( 67 - 71 ) : وإذا كنت غير قادر على البحار المعنوية لأنها ليست في متناول يدك ، فهاك أحد البحار المعنوية ، بل هو بمثابة الجزيرة وسط هذه البحار ، تنزه فيها ، وهذا لن يتيسر لك إلا عندما تنظر إلى هذا الجدول المعنوي بعد أن تفصل عن سطحه ما علق به من شوائب وأدران . فاعلم أن جسدك حزمة من التبن تحتها بحر الروح، وإن كنت في الظاهر ذرة فأنت مائة شمس في الباطن ( كليات ديوان شمس، غزل 1787 ، ص 672 ).
حينذاك تسفر لك المعاني عن وجودها ، مرجانا وثمارا ، وهكذا المعاني دائما عندما تتجرد عن لباس اللفظ .

( 72 - 81 ) : في هذه الحالة ، هاك طريقة قراءة المثنوى إن كنت تريد أن تفهم منه شيئاً ، إن جردته من الحكايات والصور والألفاظ ، يصبح المتحدث " الشاعر " والسامع " القارئ " والكلام " الشعر " كيانا واحدا ، وإذا كنت لا تستطيع أن تدرك هذا فقارن بالطعام المادي بالخبز ، ألا يصير الأكل والآكل شيئا واحدا ويتحول هذا الخبز إلى معنى وروح ؟ !
( انظر لتفصيل هذه الفكرة الكتاب الثالث : الترجمة العربية ، الأبيات 4185 - 4192 وشروحها ) ،

« 421 »

حتى تعلم أن المعاني هي الثابتة ، وإن كان ثم مقامات ثلاث للصورة ( الآخذ والعاطى والشئ نفسه ) فإنها كلها تتوحد في المعنى ، والصور كلها تتحول إلى تراب ، لكن إياك أن تصدق أن المعنى أيضاً يمضى ، فالأعيان الثابتة مقيمة في عالم الروح ، وفي عالم الغيب وبأمر الله قد تكون في صور وقد لا تكون ، والكلام هنا عن فلسفة جلال الكبرى في وحدة الوجود ، فالوجود الحقيقي وجود واحد نرى تجليه في هذا العالم ( انظر الأبيات 440 - 452 وشروحها من الكتاب الرابع الترجمة العربية لكاتب هذه السطور ) ،

وأقرأ في القرآن الكريمأَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ( الأعراف / 54 ) فالخلق هو الصورة ، والأمر هو المعنى والروح . التي هي من أمر الله ، فالأمر " الروح " هي الراكب ، والخلق " الصورة ، الجسد " هي المركوب والجسد في هذا العالم " العتبة " والأمر في البلاط " عالم الغيب " وهذا هو التواصل المستمر بين العالمين ( عن الراكب والمركوب ، انظر الكتاب الأول : الأبيات 1977 - 1979 وشروحها ) .

وهكذا فالجسد مجرد قدر ، إطار فارغ ، لكن عندما يريد له الحق الامتلاء ، يأمر الروح بامتطاء الجسد ، وهكذا عندما يستدعيها يأمرها بالنزول والعودة إلى المطلق ( استعلامى 6 / 228 ) .

( 82 - 90 ) : كعادة مولانا عندما يرى أن سياق الكلام سوف يجره إلى ما لا يقال ، أو ما لا يمكن التعبير عنه ، أو ما يكون فوق فهم الحاضرين ، وعادة ما يتحدث مولانا عن حسرته على قلة الفهم الصحيح ، " مت حسرة على الفهم الصحيح " ( أنظر الأبيات 694 من الكتاب الأول و 3737 من الكتاب الثاني و 2100 من الكتاب الثالث و 904 من الكتاب الرابع )

ويعبر عنها الأفهام القاصرة هنا بأنها القدور الصغيرة التي تغلى سريعاً ، وأولئك الذين لم يجدوا من بستان الغيب إلا النذر اليسير ،
أو إلا الكلمات التي يخفى سبحانه وتعالى المعاني فيها ، لكن حتى هذه الرائحة ، إذا وصلت إلى مشامك تتبعها بوعيك ، فمن الرائحة تصل إلى أصلها وهي التي تحرك ، فحاذر أن نفقد الوسيلة إلى هذه الرائحة ، وأن تتوقف أنفك

« 422 »

المزكومة على الروائح الأخرى ، روائح الدنيا وأهواء النفس ، أو أن يفسد عليك عامي من العوام غير المأذون لهم الأمور ، هؤلاء متيبسون كالقديد على حبال الدنيا ، لم تشرق عليهم شمس المعرفة فتحولوا إلى جبال من ثلج ، حتى كلماتهم متجمدة باردة لا تدل على شئ .
 
( 91 - 101 ) : وعندما يزداد الثلج في الأرض ، فليس أمامك إلا أمثال " حسام الدين " ليزيح سيفه المعنوي وحماسه للطريق وشوقه إلى إكمال هذا المثنوى ، ليزيح هذا الثلج من فوق الأرض ، إن هذه الشمس المعنوية كفيلة بان تزيل كل ثلوج الأرض ، وهي شمس لا شرقية ولا غربية ، فهي كلها نور على نور ( النور / 35 )

والله يهدى لنوره من يشاء ، إن أمثال هذه الشموس المعنوية تكون قذى لكل منجم ، فكيف يعرفها ومطالعها ليست المطالع التي يعرفها ومسارها ليس المسار الذي يعرفه ، ومدارها ليس المدار الذي يتشدق به ، ولذلك فهو يحول بينك وبين هذه الشمس المعنوية، فقل له كما قال إبراهيم الخليل عليه السّلام لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ(الانعام / 76).

وهكذا فمن جاهليتك ظننت القمر إليها ، وقوس قزح حزامه ، أتراك أصبحت غافلا عن أن القمر قد انشق ؟ ! ( القمر / 1 ) وهل ينشق الإله ؟ ! وألم تقرأ أيضاًإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ( الشمس / 1 ) أو لم تمر بك آيةوَالنَّجْمِ إِذا هَوى( النجم / 1 ) كلها هذه الكواكب والنجوم لا أثر لها في مصير حياتك ، إلا بمقدار ما يؤثر الخبز دون أن تضع في الحسبان إرادة صانع الخبز ، وألا يسبب الخبز نفسه الموت في بعض الأحيان ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 4795 - 4797 وشروحها )

وكذلك الزهرة تأثيرها عليك لا يزيد عن تأثير الماء، ألا يغص حلقك بالماء أحياناً ؟!
إن حبك لهذه النجوم والكواكب يجعل كل نصيحة أقدمها لك تذهب أدراج الرياح . 
إن الكلام موجه في هذه الأبيات إلى علماء الدنيا أولئك الذين يربطون الأمور ببعض الظواهر والأسباب غافلين عن المسبب .

« 423 »

( 102 - 112 ) : وهذا هو بالضبط موقفك من المثنوى ، الذي يعبر عنه مولانا هنا بأنه مجرد نصيحة ، إنه نجم الكتب وقمر المعاني ، بل إنه يسمو على شمس الدنيا ويزيد عليها ، لقد خضعت له الأفلاك والكواكب ولا خضوع لك ، وأنت لا تخضع له ولا تعترف به إلا إذا فتح الله عليك بمفتاح خاص ، يفتح أختام قلبك ، ويجعلك باحثا عن الوحي ، فيناديك قائلًا : يا من استوعبك مكان تعال إلى اللامكان ، فما عكوفك على علم التنجيم وعلى ما يقوله لك المنجم . في حين أن هذه الكواكب والأنجم تلقن ذلك المنجم الذي هجر الروح وعكف على الألوان والصور . إنه لا يزال يرصد وينجم وهو غافل عن مقاليد السماوات .
 

قال رسول اللّه صلى اللَّه عليه وسلّم لما سئل عن المقاليد ، فأجاب : [ لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله وبحمده واستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم بيده الخير يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير ] ( مولوى 6 / 22 ) .

 
( 113 - 128 ) : لا تزال النجوم في جدلها مع المنجم منتصرة للمثنوى على اهتمامات المنجم ، إذا كان المطلوب هو أن تهرع إلى الروح فإن هذا الكتاب هو روح الروح ، وهو لب الفكر ، إن كنت طالبا للفكر ، وعلى كل فإن ما نسميه فكرا ، هو النور ، ولفظ الفكر يستخدم من أجل تقريب المعاني ليس أكثر ، إنها كلها أمور تقريبية ، وإلا فإن نجمنا هذا لا يستوعبه برج في الأعالي ، وما تحدثت عن النجوم والأفلاك إلا من أجل تقريب المعاني عند ذوى العقول التي تجمدت عند مقولات بعينها تظل تلوكها ، وهي لا تزال تنادى العقل وهي لا تدرى أن هذا العقل عقال وأنها عقول الدنيا ، لا تستطيع أن تفكر إلا في الدنيا ، إن الأمر كله ليس مثلا لكنه مجرد مثال ( عن الفرق بين المثل والمثال انظر البيت 3409 من الكتاب الثالث و 462 من الكتاب الرابع وشروحها ) .
ومهما كان العقل حاداً إلا أنه واهى القدم ، أي أن منطقة جولانه محدودة ( أو بتعبير آخر لمولانا جلال الدين ، له قدم لكنها

« 424 »

قدم خشبية ، انظر الكتاب الأول البيت 2138 ) وعن العقول وتصنيفها انظر الكتاب الرابع ، الأبيات 1960 - 1968 وشروحها ، والأبيات 1985 - 1991 وشروحها ) .

إن هؤلاء العلماء المفكرين دائما ما هم في هوى أنفسهم ، كل مهمتهم أن يضخموا في ذواتهم ، لكن هناك أملا في أن يرتفع هذا الصنف من العلماء عن ذواتهم ، ألا يصبح المنى بشرا عندما يتصل بالروح ! !

إذن على هؤلاء أيضاً أن ينظروا إلى مرحلة ما بعد وجودهم ، لأن كل مخلوق ناظر إلى المرحلة التالية على مرحلة وجوده ، فالجماد يتجه إلى النباتية ، والنبات يتجه إلى الحيوانية والحيوان يتجه نحو الإنسانية فلماذا لا تتجه الروح نحو الأحبة ، وتستقر في الخلود ( عن تفصيل المراحل ، انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 3903 - 3909 وشروحها )

وبهذا البيت يختم مولانا جلال الدين المقدمة الشعرية للكتاب السادس والأخير من كتب المثنوي ، تحدث فيها عن حسن حسام الدين الملهم والجاذب الذي يمثل مجموعة المريدين اللازمين للشيخ ، فلا شيخ بلا مريد ولا أستاذ بلا تلميذ ، ثم تحدث عن نظرية قيام هذا العالم ما دام باقيا على الحرب، ولا تتوقف الحرب إلا بالفناء في الله.

 ثم تحدث عن فئة من العلماء والعقلاء والمنجمين يقفون عن الأسباب ولا ينظرون إلى المسبب ومن ثم فهم ينظرون إلى المثنوى بعين الاستخفاف والشك ، وفي النهاية لم يخف أمله من أن يرتقى هؤلاء العلماء بعقولهم حتى يصب عليهم النور صبا ويصبحوا من المدركين للحكمة العلياء .
.
* * * 

* * *

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: