الأربعاء، 2 سبتمبر 2020

23 - الهوامش والشروح 3023 - 3409 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

23 - الهوامش والشروح 3023 - 3409 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

الهوامش والشروح 3023 - 3409 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

حكاية ذلك الرجل الذي كان يتقاضى راتبا من محتسب تبريز

وقد أورد الأنقروى الأبيات التالية لسعدى الشيرازي في نفس المعنى :
- تلقيت قطعة طين طيبة الرائحة ذات يوم في حمام .
- فقلت لها : أمسك أنت أم عبير * فقد ثملت من رائحتك المحببة .
فأجابت : كنت مدرة لا تذكر * لكنني عاشرت المحبوب فترة .
فأثر فيّ كمال الجليس * وإلا فأنا نفس التراب .

كما أن البيتين التاليين يبينان نفس المعنى :أصحب أخا كرم تحظى بصحبته * فالطبع مكتسب من كل مصحوب.فالريح أخذة مما تمر به * نتنا من النتن أو طيبا من الطيب. ( أنقروى 6 - 2 / 190 - 191 ) والنفس قابلة للطبع ، والمرء على دين خليله ، والجار ثم الدار والرفيق قبل الطريق ( أحاديث مثنوى / 212 ) وانظر : حتى تراب القبر يعامل بقيمة من يودع فيه ، وقد يكون مزارا إذا دفن فيه جسد طاهر :

« 572 »

والناس صنفان موتى في حياتهم * وآخرون ببطن الأرض أحياء 
كما قال الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم : [ من زار قبرى بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي ] . 
وقال صلى اللَّه عليه وسلم : [ من زار قبرى وجبت له شفاعتي ] .


( 3023 ) : البيت المذكور في العنوان لأكثر من شاعر ، وضمنه البحتري في إحدى قصائده ( 1 / 94 من طبعة دار المعارف ) وفي الهامش ذكر أن البيتين في الغالب لعدى بن الرعلاء وهو شاعر جاهلي أو لصالح بن عبد القدوس المقتول على يدي المهدى بتهمة الزندقة .

والحكاية المذكورة ذات سوابق في كتاب المستجاد من فعلات الأجواد تأليف ابن علي محسن بن علي التنوخي كما وردت في الجزء الثالث من إحياء علوم الدين للغزالي ، وكيمياى سعادت ( الملخص الفارسي لإحياء علوم الدين للغزالي ) ( عن فروزانفر مآخذ / 213 ) وليس بطلها في الروايات السابقة على مولانا هو بدر الدين عمر محتسب تبريز الذي لم تذكر الشروح متى وفي أي عصر كان يعيش وهل هو شخصية حقيقة أو شخصية وهمية.


( 3034 - 3037 ) : شمس العرب هو محمد صلى اللَّه عليه وسلّم ، والمؤمنون يعتمدون على شفاعته ، ومن كان اعتماده عليه صلى اللَّه عليه وسلّم أي خوف له من أمثال أبى لهب ، ( قرآن كريم / سورة 111 ، وانظر البيت 432 وما بعده من الكتاب الثاني ) والاعتماد على السحاب أي الاعتماد على المبدأ أو الأصل ، وسحرة فرعون متى كانوا يهتمون بقطع أيديهم وأقدامهم ( انظر الكتاب الرابع ، البيت 2100 وشروحه والكتاب الخامس الأبيات 4123 - 4139 وشروحها ) . والأسد هو الولي الكامل .

 
( 3038 - 3040 ) : قد يتبادر السؤال : كيف يستطيع فرد أن يكون حماية للجماعة وعونا لها ؟ ! ويجيب مولانا : عندما يكون هذا الفرد أمة وحدة ، فإن روح الجماعة تكون كامنة فيه بحيث لا تستطيع مجموعة من البشر تفتقر إلى روح الجماعة أن تتصدى له ، ويضرب مولانا المثل بجعفر عن أبي طالب وفدائيته في القتال المعتمدة في المقام الأول على روح الجماعة


« 573 »


( عن جعفر ، انظر 3580 من الكتاب الثالث و 2060 من الكتاب الرابع وعن روح الجماعة انظر 2042 و 3288 - 3290 من الكتاب الرابع ) وروح الجماعة هي الإيمان الساري في الجماعة والذي يعتبر قوة وحده .

( 3050 - 3066 ) : ظاهر الكلام هو الحديث عن جعفر بن أبي طالب رضي اللّه عنه ، لكن الحديث هنا عن رجال الحق عموماً ، ويضرب مولانا الأمثال بالنجوم والشمس والفئران والقط ، فمهما كان عدد النجوم فإنها لا تطلع متى طلعت الشمس ، ومهما كان عدد الفئران فإن قطا واحدا يتغلب عليها ، مع أنها لو تميزت بروح الجماعة لاستطاعت أن تمزق القط إربا ، إنها الروح ، روح الإيمان ، وروح الجمع وهي ضد التفرقة وتستطيع أن تتغلب عليها مهما كان عددها ، إلا لولا هذه الروح هل كان أسد واحد يستطيع أن يمزق مئات من حمر الوحش ؟ !

إنها عطية الله ، وليست الشجاعة فقط هي التي تنتصر ، بل يمكن أن تكون عطية الجمال الذي يجندل البشر ، بحيث تقطع النسوة أيديهم من جمال يوسف عليه السّلام ويصير ملك غلاما لفتاة لجمالها ، ومن نفس هذا النور يكون لإنسان في ليل الدنيا المظم التفريق بين الخير والشر .

ويضيف الانقروى : قال أبو هريرة رضي اللّه عنه : " ما رأيت أحسن من رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم كأن الشمس تجرى في وجهه " . وعن جابر بن سمرة رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في ليلة فجعلت انظر إلى رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم وإلى القمر وعليه حلة حمراء فإذا هو عندي أحسن من القمر " ( 6 - 2 / 200 ) .


( 3067 - 3079 ) : هذا النور الذي كان ليوسف عليه السّلام ولموسى عليه السّلام وللأولياء جميعاً جعل ظواهرهم نورانية مثل بواطنهم ، ثم يشير إلى نور موسى عليه السّلام وكيف كان يشع من وجهه فلا يطيق أحد النظر إليه " مكث موسى بعدما تغشاه نور رب العالمين وانصرف إلى قومه أربعين ليلة لا يراه أحد إلا مات حتى أنه اتخذ لنفسه برنسا وعليه برقع لا يبدي وجهه لأحد مخافة أن يموت " ( قصص الأنبياء للثعلبي ، ص 174 ، عن فروزانفر ، مآخذ / 214 - سرني 1 / 303 ) ووردت في مصيبت نامه للعطار والرسالة القشيرية وأصلها من سفر


« 574 »

 
الخروج ( 34 / 35 ) .

ويلعب مولانا على موضوع البرقع ، ويضيف أن الله أوصاه بأن يتخذ حجاباً من خرقته ، لأن الخرقة مشبعة بالنور ، فلا يؤثر فيها هذا النور ، فلباس العارف من كثرة التصاقه به يصبر على نوره ، في حين أن أي شئ آخر لن يصبر على هذا النور حتى ولو كان جبل قاف ( اندك جبل الطور من التجلي ) ، هي قدرة الله التي جعلت أبدان أوليائه تتحمل هذا النور الذي لم يتحمله الطور ، وما أجساد رجال الله وقلوبهم إلا على مثل المشكاة والزجاجة التي ضرب الله بها المثل لنوره وأين المثل هنا من الممثول ( النور / 35 ) ؟ ! !


( 3080 - 3086 ) : ألا تصدق أن قلوب أولياء الله تسع هذا النور الإلهى إذن فاقرأ قول الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم : [ ما وسعتنى أرضى ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن ] ، وهذا ما لا يصل إليه ملك مقرب ، إنها معرفة تتم فحسب عن طريق القلب الذي هو بمثابة المرآة تنعكس فيها الأنوار الإلهية ، وبأمثال هؤلاء الذي ينعكس النور الإلهى على مرايا قلوبهم تنهمر الرحمة الإلهية ، وكم من القلوب التي وسعت الكونين بل ووسعت ما لا يسعه هذان الكونان ، وأنواع السرور التي تشعر بها هذا القلوب لا تصل إليها أنواع السرور التي تحدث من خمسين عرس ، وأي بيان يستطيع أن يعبر عنها . ويعلق السبزواري ( ص 478 - 479 )


لأنها تتحقق بتحقق مراتب الوجود من العوالم العشرة ، تسعة منها علوية فلكية وعالم واحد سفلى عنصرى ومراتب الوجود ستة أحدها الكون الجامع وهو المرآة وبقيتها خمس مراتب مرتبة الأحدية ومرتبة الواحدية وهي حضرة الأسماء والصفات ، ومرتبة الجبروت أي الأرواح المجردة المرسلة ، ومرتبة الملكوت الأرواح المجردة المضاعفة ، ومرتبة الملك أي عالم الشهادة والأجساد الطبيعية وهذه المراتب الخمسة للوجود بتعينات هذه العوالم العشرة بمقتضى النكاح الساري في جميع الذراري في عرس واحتفال ، والكون الجامع هو الإنسان الكامل هو الواسطة والمرآة 
 

( 3087 - 3099 ) : عودة إلى رواية نور موسى عليه السّلام والحجاب الذي صنعه من خرقته ،

« 575 »

والذي ما كان الحديث حتى يتحمله إذا لم يكن قد صنع من تلك الخرقة التي تشبعت بالنور من وجد موسى عليه السّلام وعشقه للخالق سبحانه وتعالى ، لقد ائتلفت هذه الخرقة بالنور مثلما يتحمل المحترق النار ، لم يكن نورا عادياً ، كان نور الرشاد ، كان ذلك النور الذي حرم " صافورا " ابنة شعيب وزوج موسى عليه السّلام من تلك العين الناظرة إلى الدنيا وفتحت منها عين الباطن فلما رأت اللذة المتأتية من مشاهدة الباطن ، ضحت بعينها الصورية الأخرى ، وتمنت لو كان لها ألف عين لضحت بها من أجل مشاهدة هذا الجمال ، لقد حصلت على الكنز وبعد الحصول عليه في الخرابات أيمكن أن يذكر أحد رواقه ومنزله ؟ !

إن ذلك النور الباطني الباطن بمثابة الكنز ، والعين الجسدية بمثابة الخرابة فهل يأسف أحد على ضياع العين الجسدية إذا ظفر بهذا النور ؟ ! وقال الشاعر :ما لي سوى روحي وباذل روحه * في حب من يهواه ليس بمسرف. ( انقروى 6 - 2 / 205 )

 

( 3100 - 3114 ) : ونور الحق في صورة يوسف عليه السّلام ، كان ساطعا بحيث كان ينعكس على نوافذ الدور والقصور عندما يمر في الطرقات فكان الناس يعلمون انه يمر ، كانوا يعرفون نور الحق من مروره ، وكان هذا النور ينعكس حتى على الجدران ، فاطلب هذا النور وافتح كوة قلبك تجاه نور وليك ومرشدك ، وابدأ في المشاهدة ، فإن هذا المشاهدة هي العشق الحقيقي ، وبه يحل النور في الصدر ، وفي يدك أن تنظر إلى الوجوه المحبوبة ، وجوه رجال الحق ، وذلك إذا ركزت تفكيرك في أولئك الرجال ، وصحبتهم كمياء تحول المعادن الخسيسة إلى معادن ثمينة ، والقشور إلى لباب ، ويتحول الأعداء إلى أصدقاء ، فكن جميلا ترى الوجود جميلا ، وظلال الرجال هي التي تنمى بساتين الأرواح ، وأنفاسهم تحيى قتلى الغم ، أليس هو سبحانه وتعالى الذي أعطى يوسف عليه السّلام ملكة تعبير الرؤيا فوق جماله ، لقد جره الحسن إلى السجن ، بينما رفعه العلم إلى أعلى عليين ( التعبير مأخوذ من حديقة سنائي ) .

« 576 » 

( 3115 - 3124 ) : عودة إلى حكاية المدين الذي جاء على أمل محتسب تبريز الجواد ، وحديث شديد العاطفية ملىء بالوجد لمولانا عن تبريز موطن مرشده وأستاذه ومثار وجده شمس الدين التبريزي ( حديثه عنها كحديثه عن بخارى في قصة عاشق صدر جهان في الكتاب الثالث ) فهي دار السلام بالنسبة له ، وهو محمول فوق محفة من ورود الآمال ، وتبريز هي روضة الرجال ، ومنها يأتي نسيم المحبوب كما كانت رائحة قميص يوسف تأتى نحو يعقوب عليهما السلام في أرض كنعان ، وكعادة مولانا جلال الدين عندما يشفه الوجد ينطلق بأشعار عربية ، وعلى لسان المريد الذي يخف إلى حلال مشاكله ، يتحدث عن رحلة في صحراء شاسعة على ناقة ( رحلة الحج ) ، حيث الجنة على الأرض وحيث مناخ الصدور ، وبهاء الفردوس ، فالنور لا يزال ينزل من فوق العرش على أهل تبريز ( ربما ببركة شمس الدين التبريزي ) فتسعد أرواحهم بهذه الأنوار .


( 3133 - 3152 ) : بينما يواصل مولانا حكايته لا يزال يتحدث عن عيوب الاعتماد على الدنيا وأهل الدنيا مهما كانوا يتمتعون به من مزايا ، ويفيق ذلك المدين من غشيته الواقعية عندما سمع خبر وفاة المحتسب وغشيته الروحية عندما وضع اعتماده كله على إنسان يفنى ولم يضعه إلى الحي الذي لا يموت ، وعندما انصرف عن المسبب معتمدا على الأسباب ، فمهما كان عطاء السيد ( المحتسب ) أين هو من عطاء الله الوهاب ؟ !

الله سبحانه وتعالى يهب الأصول التي بدونها لا تقوم الفروع التي كان يهبها المحتسب : فلا قلنسوة بلا رأس ، ولا ذهب دون يد تعد الذهب ، ولا دابة دون عقل يسوسها ولا شمع دون عين تبصر النور ، ولا راتب دون عمر ينفقه ، ولا منزل إلا بأرض ، بل إن رحمته جزءٌ من تلك الرحمة الكلية الإلهية ، والذهب من خلق الله وليس من خلقه ،

والرزق من الله وهو مجرد سبب ، إن رحمتك أيها الإله بنا رحمة أزلية ، كانت قبل أن توجد ، كل ما في الكون خلق لنا من قبل أن توجد ، فرحمته وعطاؤه سبقا خلقنا وأعدا لنا ما اشتقت منه طبائعنا وأعاننا على التعايش مع
  

« 577 »


هذه الطبيعة التي خلقها قبلنا ، وأراد أن يعرفنا عليه فجعل آدم عليه السلام دليلا عليه ومرصدا يطل علينا منه ومظهراً لآياته وأوصافه ، خلق آدم على صورته ( انظر الكتاب الرابع 1195 ) إن الوجود الصوري للإنسان بمثابة شبكة الأصطرلاب ، تثبت صفات الأزل وتبينها ، وهذا الوجود الهش ( العنكبوتى ) للإنسان وضع فيه من العلوم والفنون ما جعله يعلم به أسرار الغيب والروح المطلق لكافة المخلوقات " وعلم آدم الأسماء كلها " ، لكن هذا الأصطرلاب يريد منجما يستخدمه لكي يصل به إلى هذه الأسرار ، وإلا سقط فيها محتقرا بين أيدي العوام يعتبرونه هذا الجسد الذي يشترك فيه مع الدابة ، هؤلاء المنجمون القادرون على استخدام هذا الأصطرلاب هم الأنبياء .


( 3153 - 3159 ) : لكن بالرغم من وجود الأنبياء فإن أهل الأزمنة المتتالية سقطوا في بئر الغرور ، واغتروا بهذه الدنيا ، وما أشبههم في هذا بالأسد الذي أسقطه أرنب في البئر ( انظر الكتاب الأول ، الأبيات 1313 - 1317 ) ،

وكل ما تراه في بئر الغرور هذا صورة لأصل موجود في عالم الغيب ، فما هجومك على الصورة وتركك للأصل ؟ !

إن هذا هو سبب هلاكك في هذا البئر ، وذلك الأسد لأنه كان مقلدا تجرع خداع الأرنب ( انظر للفرق بين المقلد والمحقق ، البيت 3095 من الكتاب الثالث والبيت 2778 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، لقد خدع من خياله هو ، إن هذه الصورة ليست عطية حقيقية لكنها من عطاء ماء البئر إنها مجرد غش من ذلك الغشاش .


( 3160 - 3164 ) : وهكذا أنت أيضاً بالنسبة لعدوك ، محدود في مضيق هذه الدنيا وفي الجهات الستة وفي رأى في الحواس الستة ( الحواس الخمسة والحس المشترك ) ، وهي ما لم تتنور بنور الله لا تخلو من الخطأ .

 ( مولوى 6 / 435 ) أو يرى السبزواري أنها أغلاط المدارك الستة لأن للإنسان خمس مدارك ظاهرة يدرك بها عالم الشهادة والصورة وواحد لدرك العالم الباطن وهو العقل ( ص 395 ) .
إن جذور عداوة العدو انعكاس لقهر الله تعالى ،

  
« 578 » 

فاطلب كشفها من الله تعالى ، ثم إن حقد العدو عليك لا بد وأنه نابع من عيب فيك أنت فعالج عينيك أولا وعالج نفسك أولا ، إن عدوك مرآة لك ، انعكس عليها جرمك أنت ، وبدلا من أن تعالج نفسك حتى ترى صورة حسنة في المرأة ، إذا بك تحطمها ، كيف تحطم المرأة والعيب فيك أنت ( انظر الكتاب الثاني ، البيت 2698 والفكرة أصلا مأخوذة من حديقة سنائى ، الترجمة العربية ، الأبيات 4035 - 4042 ) .


( 3165 - 3169 ) : وهاك مثل آخر على سوء تقدير الإنسان : هل يأتي ذلك الإنسان الذي يؤمن بالنجوم على انعكاس صورة نجمة في الماء ويحثوها التراب ويعتبرها نحسا ؟ ! إنها مجرد صورة وهو يخلط بها وبين النجمة الحقيقية ، وعندما يحثوها بالتراب وتختفى تظن أن النجمة الحقيقية قد اختفت ، إن النجمة في السماء ، مثلما تكون جذور الخير والشر في داخلك أنت وتطلبها وتبحث عنها ، اطلب نجمة النحس من السماء . وقد يكون المقصود بالمرآة هو المؤمن مصداقاً للحديث النبوي : [ المؤمن مرآة المؤمن ] ( انقروى 6 - 2 / 220 ) .

( 3170 - 3181 ) : ما هذا الذي أقوله ؟ ! بل انظر إلى حيث لا جهة ، إلى من لا تحده الجهات ( انظر البيت 1021 من الكتاب الذي بين أيدينا والبيت 351 من الكتاب الخامس ) ،

فلا نحس ولا سعد من النجوم ، وإليه يرجع الأمر كله ، وكل ما تأتيك به الحواس الخمسة والجهات الستة انعكاس للعطية الحقيقية ، فارجع إليه ، واطلب منه ، حتى ولو كانت عطايا الآخرين عدد الرمل ، فإنك لن تستفيد منها شيئا إلا فترة العمر وهو عمر قصير ، أما عطية الحق لرجال الحق فإنها تستمر أبد الدهور ، فارجع إليه وافن فيه

( انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الثالث ) ، إنه يطعى قوت الروح من المعرفة ومن الفيض ومن النور ( انظر 1268 من الكتاب الثالث وقوت الأرواح البيت 2113 من الكتاب الثالث ) وإن السمنة المختفية هي القدرة الباطنية التي تجعل الإنسان مستغنيا عن السمنة المادية ، إن رجل الله يحيا كما

« 579 » 

يحيا الجن بالرائحة ( هكذا في معتقد القدماء ، انظر 3072 من الكتاب الثالث ) حتى الروح ليست سند الحياة ، لكنه عشق الروح للحق " من عاش بالعشق لم يمت أبداً " ، فاطلب منه العشق ، فبالعشق تحيا الروح ، واطلب منه رزق الروح من المعرفة والنور لا الطعام .

 

( 3182 - 3193 ) : إن كل الكائنات تتجلى فيها آثار الوجود الحق ( انظر الكتاب الذي بين أيدينا من 3147 - 3150 ) مثل انعكاس النجمة في الماء ( انظر 3165 )

والحقيقة عبر القرون واحدة ، والحق هو الحق ، لكن تجلياته هي التي تتغير ، مثلما يمر الماء في الجدول ثم يحل محله ماء آخر ( إنك لا تنزل نفس الجدول مرتين ) ، هذه التجليات ليست تامة ، لكن أساسها ثابت ، وهذه الصفات التي تتجلى فينا معتمدة على صفات أخرى معنوية ، هي نجوم عالم المعنى تشاهد صورتها في وجودنا العابر الفاني ،

إن عشق الحسان على سبيل المثال هو مجرد صورة لعشق الجمال الكلى ( انظر الترجمة العربية للكتاب الخامس الأبيات 372 - 379 وانظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الرابع ، ص 14 ) .


نقل الأنقروى ( 6 - 2 / 225 ) عن ابن الفارض :وكل مليح حسنه من جمالها * معار له بل حسن كل مليحة. ومن ثم عندما يفنى الحسن يعود إلى أصله ( عندما يفنى كل شئ في الحقيقة يعود إلى أصله انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 4424 - 4440 وشروحها ) . إن كل الصور انعكاس له ، وعندما تنظر جيدا فليست كل الكائنات إلا إياه ، ( أساس فلسفة جلال الدين أن كل الموجودات فاضت عن الله تعالى ) .


( 3194 - 3201 ) : عودة إلى قصة المدين ومحتسب تبريز ، إن مولانا يجعل من محتسب تبريز في مرتبة أكمل الواصلين بحيث يقضى حاجة المدين بعيداً عن موازين هذا العالم ، وفيما سبق كان المدين يتأسف ويبدي ندمه على أنه حمل حاجته إلى المخلوق ولم يحملها إلى الخالق ، لكن عقله المدرك يعود فيقول له : ما هذا الحول ؟ ! ما هذه الإثنينية ؟ ! إن الخل هو

« 580 »

الدبس والدبس هو الخل ، أي أن عطاء الحق وعطاء رجل الحق من مصدر واحد ، وإن كان أحدهما شديد الحلاوة كالدبس والآخر كالخل ، إنه من تصور فهمك أن تظن أن السيد المحتسب كغيره من الناس ، وهذا يثير غيرة الحق الذي لا بد وأن تثور غيرته ، من أجل أوليائه ، فكيف تعتبر هذا السيد الذي جاوز الأثير بجوده ومآثره مثل بقية الخلق الذين يشبهون الفئران القابعة في جحورها ولا تقوى على الخروج في ضوء الشمس ؟ !

إنك أن فعلت هذا تكون كإبليس الذي لم ير من آدم إلا الطين ولم يدرك روح الحق التي نفخت فيه وكانت سبب الأمر بالسجود ، وإياك أن تعتبر مدرك شمس الحقيقة مثل أهل الدنيا ( الخفافيش ) ،
 إن خلقته وإن كانت مثل الناس بالصورة ، إلا أنه رباني لأن الله سبحانه وتعالى لا يتجلى على مثال الصورة ، إنه أدرك شمس الحقيقة ، وزال عنه جمود الصورة وجمود الإنسانية ، وفيه رائحة من الحق مثلما يحمل زيت الورد رائحة الورد ويختلف بهذا عن زيت السمسم .


( 3202 - 3224 ) : إن رجال الحق عندما بدلوا ، لم يعودوا من الخلق ، أي لم يعد بينهم وبين الخلق وجه مشاركة ( عجنت أجسادهم أيضاً من النور ، الكتاب الثالث البيت 8 ) ، فدعك من كل خياراتك هذه وصحيح بصرك بالنسبة لهم ، إنهم أرواح فحسب والإنسان روح ، فكيف يأمر الله الملائكة بالسجود لآدم إذا كان يعتبر آدم مجرد جسد من تراب فحسب ؟

 لقد كان السجود لآدم لأنه روح ، روح واصلة ومتصلة بالوجود الحقيقي وجزء منه ، لكن هذا الوجود الصوري مجرد جدول ، وتجلى الحقيقة فيه بمثابة تجلى صورة تفاحة من هذا الجدول من شجر توجد خارجه ، لكن الإنسان من جرد هذا القبس المتجلى على هذه الصورة يمتلئ بمعارف الغيب ( الثمرة دليل على الشجرة وصورة الثمرة دليل على الثمرة ) فلا تكن مثل أولئك الذين نزلت فيهم الآية الكريمة ،وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ ( الأنعام / 39 ) ،

وما حاق بهم هذا الجزاء إلا لأنهم كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ( الأنعام / 5 ) ،

لكنك إن أسلمت أمرك كله لله ، ونشدت الحقيقة ، صارت رؤيتك هي رؤية الحق ، وفعلك فعل الحق ، مثل أحمد المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم الذي نزلت فيه الآية الكريمة وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ

« 581 »


اللَّهَ رَمى( الأنفال / 17 ) ، إن هذه الكوة التي تتجلى فيها شمس الحقيقة هي التي تدل عليها [ من رآني فقد رأى الحق ] ( انظر البيت 2253 من الكتاب الثاني ) ، ومن ثم فطاعته هي طاعة الحق ،مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ( النساء / 80 ) .

إن هذا النور ذاتي في محمد المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم وليس رهنا بنور قادم من الكواكب تغيب بغياب هذه الكواكب ، لكنه منور بالنور الذي لا ينقطع ( عن الفرق بين النور والضياء ، انظر الترجمة العربية ، للكتاب الرابع ، الأبيات 16 - 21 وشروحها ) ،

إن محمد صلى اللَّه عليه وسلّم وإن كان مثل كل الأنبياء كوة لنور الحقيقة ، لكن نور الحقيقة لا تغيب عن هذه الكوة أبدا ولا يخفيه سحاب ( من أدران العالم ) ،

فهناك ألفة وأنس ومحبة بين هذه الكوة وبين مصدر النور ، ومن هذا النور تنبت الثمار المعنوية إنها حاضرة مقطوفة ، تقدم إليك في سلة ، وفي طبق ، دون تعب منك ، ومن ثم فهو صلى اللَّه عليه وسلّم منبع السعادة والإقبال ، وليس عيبا أن أسمية شجرة ففي ظلاله يستظل الخلق ، ومن ثماره المعنوية يغفر للخلق :

فاق النبيين في خلق وفي خلق * ولم يدانوه في علم وفي كرم
وكلهم من رسول الله ملتمس * غرفا من البحر أو رشفا من الديم
وواقفون لديه عند حدهم * من نقطة العلم أو من شعله الحكم ( من قصيدة البوصيري عن مولوى / 6 / 443 ) ،

إنها شجرة الإقبال تكون منها السعادة لكل من يستظل بها ، وهذا هو الطعام النوراني الحقيقي الذي به تزيد الروح صحة والجسد بهاء ، لكن طعام الدنيا الذي يجلب المرض والاسهال لا تسمه طعاماً ، إنه أشبه بعقار المحمودة ( السقم ونيا ) الذي يجلب الاسهال ، ويسميه مولانا أحياناً طعام الفلك ، ويعلن عن عدم رغبته فيه أو ميله إليه :
إن خبز هذا الفلك وماءه كالسيل بلا وفاء * وأنا تمساح أشتاق إلى المحيط ( كليات ديوان شمس ، غزلية 441 ، ص 203 )
وإذا كان هذا الجسد المحمدي مظهرا لكل هذه التجليات الإلهية ومصدرا لكل هذه الأنوار

« 582 »

الروحانية فلماذا تسمية جسداً ،وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ، لا تعتبره ترابا بل اعتبره كحلا للعين وجلاء للبصر ، وكيف تطلب نور النجوم ، وقد سطع عليك النور الإلهى ؟ !

وكيف تعتبره - من وقاحتك وجهك - وجودا جسدياً ، وهل يبقى المدر جافا وقد غرق في بحر الفيض الإلهى ؟ !
وألا يتشرب حتى هذا الجسد بعض هذا الفيض الرباني ؟ !
إنه قمر وكل من يُلجأ إليهم سواه أهلّه ، إنه قمر النور الإلهى ، وهو غالب بطل مثل رستم فهل تصمد أمام رستم امرأة عجوز فانية ؟ !
إن هذا الإله طالب في أثرك وغالبٌ على تدابيرك وذلك حتى لا تجد سبيلا إلا اللجوء إليه واليأس مما في يد الخلائق والطلب منه ( تمهيد للعودة إلى قصة المدين ) .

( 3225 - 3229 ) : هكذا يخاطب المدين نفسه ، كيف تعتبر " السيد المحتسب " منفصلًا عن خالقه ؟ إنه وسيلة الخالق في إجراء أمره ، وإذا كان قد عاد إلى خالقه فقد فنى فيه وعاد إلى أصله ، وكيف يكون العبد منفصلًا عن سيده مفارقاً إياه ؟

إنك إن نظرت إلى العبد والسيد على أنهما اثنان ، فقد ارتكبت الشرك وفقدت المعرفة بالنص ما دمت لم تفهم ديباجته ، إنها كلها وسائل إلى المعرفة ولن تصل إلى المعرفة ما دمت قد فقدت الوسيلة إليها وأخطأت الخطأ الذي لا يزال الناس جميعاً يقعون فيه ، وهي أنك تنظر إلى الطين ، وتعتبر الجسد شيئاً والروح شيئاً عندما تنظر إلى الأولياء ، لا ، أنظر إليهما على أنهما شيىء واحد ، وإلا صار وجودك كنبات المرخ ذاك الذي تحمى به النار يضيع ويصير بددا بمجرد اشتعال النار .

( 3230 - 3240 ) : يترك مولانا قصة المدين ثانية ويدخل في قصة أخرى مفادها أنك إذا تركت الطريق الأصلي الذي يفضى بك إلى الحقيقة فيستوى بالنسبة لك كل طريق إذا ضللت وسوف تكون النتيجة واحدة مثل ذلك الذي كان يسمى عمر وفشل في شراء الخبز من جميع حوانيت مدينته مدينة كاشان المشهورة بتشيعها ، والقصة تبدو أنها من المأثور الشعبي الذي كان سائداً في صراع المذاهب إيان العصر الذي عاش فيه مولانا جلال الدين وما سبقه وما 

« 583 »

تلاه من عصور ولم يهتم فروزانفر وبقية شراح الحديقة بالبحث عن أصل لها . والقصة لها شبيه في الكتاب الخامس ( من البيت 846 ) حكاية البحث عمن يسمى أبو بكر في سبزوار .
وما هذا الفشل إلا من الحول الذي يجعل الناس يظنون أن أولياء الله جسد وروح وليسوا روحاً خالصة ( عن الحول انظر البيت 327 من الكتاب الأول والبيت 828 من الكتاب الثاني )

ويقص مولانا الحكاية بسخريته المعهودة ومن ضيق أفق الرجل الذي ينتقل بين الحوانيت مصمماً على أن اسمه عمر ، وضيق أفق أصحاب الحيوانيت الذين يصممون على عدم إعطائه الخبر ، ولو كان الرجل واسع الأفق لفهم من الحانوت الأول ، ولقال إن اسمه على فما قيمة الأسماء وأولياء الله كلهم نفس واحدة ؟

فلو لم يكن الرجل أحول لما ابتلى بالجوع في مدينة كاشان . ولم لم يكن الباعة من المصابين بالحول لما أهمهم اسم الرجل في شئ .

 

( 3241 - 3257 ) : الأحول ذو النظرتين حرم من الشرب لأنه كسر الزجاجة عندما صمم من حوله على أنها زجاجتان وقال له أستاذه اكسر أحديهما فكسرها ولم تكن توجد أخرى بالطبع ( الكتاب الأول الأبيات 328 - 333 )

وإذا كان هذا هو مصير الأحول ذي النظرتين فما بالك بمن هو موزع النفس والنظر بين عشرات المهاوس والنزوات والشهوات في هذه الدنيا :
المال والجاه والمنصب والنساء ، وويلك ، ستظل مثل عمر في كاشان ، ولن تنال شيئاً ، ما دمت تنتقل من اتجاه إلى اتجاه ومن مكان إلى آخر ، وحيثما يبدو لك النفع الدنيوي ، وتنتقل من مذهب إلى المذهب ومن اتجاه سياسي ومسلك فكرى إلى اتجاه سياسي آخر ومسلك فكرى آخر ،
وأنت مستعد لبيع أمك في سبيل هذا النفع ، وليس ثم في الدارين إلا حقيقة واحدة هي الحبيب ، وإن عرفته نجوت من التنقل الذي لا طائل من ورائه ولا نفع فيه ،

ولو أنك رأيت في رجل الله ورجل الحق بعض الثمار ، فلا تظن أن كل الأشجار تنبت الثمار ، حتى ولو تساوت الأشجار في الهيئة والصورة وما أشبهك ببلقيس حين دخلت الصرح فحسبته لجة فكشفت عن ساقيها ( النمل 44 ) فلا تنظر إلى هذا البلور وانظر إليه حقيقة في وجود رجل 

« 584 » 

الحق ، إن القيم الروحانية التي يحملها كل إنسان مختلفة فلا تتعامل مع أولياء الحق كما تتعامل مع غيرهم ، فإن لديهم ماء الخضر عليه السلام الذي لا يموت من شربه ، وليس الماء الذي تشرب منه الوحوش والحيوانات ، والقمر فيه حقيقي وليس صورة قمر ، تلك الصورة التي أضلت الأسد وأسقطته في البئر ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 2740 وما بعده وشروحها والأصل من الكتاب الأول البيت رقم 1059 وما يليه ) .

( 3258 - 3272 ) : عودة إلى قصة المدين : لقد رق له أحدهم وتوسل بالكدية وطاف بكل مدينة بتبرير يجمع له الأموال ، لكن متى كانت الكدية تصلح ؟ متى كان المتكدى يغتنى ؟ إن رجلا كريما واحداً قد يغنى يكون أداة في يد الله سبحانه وتعالى يسيره للمعروف ، ومن ثم يكون شكر هذا المتفضل من شكر الله لأنه مصداقاً للحديث النبوي [ من لم يشكر الناس لم يشكر الله ] وفي الجامع الصغير [ أشكر الناس لله أشكرهم للناس ]

وقال أبو الصلت عبد السلام بن صالح بإسناده عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم [ يؤتى بعبد يوم القيامة فيوقف بين يدي الله عز وجل فيأمر به إلى النار فيقول : أي رب أمرت بي إلى النار وقد قرأت القرآن ؟

فيقول الله : أي عبدي إني أنعمت عليك ولم تشكر نعمتي فيقول : أي رب أنعمت على بكذا شكرتك بكذا وأنعمت على بكذا فشكرتك بكذا فلا يزال يحصى النعم ويعدد الشكر فيقول الله تعالى :

صدقت عبدي إلا أنك لم تشكر من أجريت لك نعمتي على يديه وإني قد آليت على نفسي ألا أقبل شكر عبد لنعمة أنعمتها عليه حتى يشكر من ساقها من خلقي إليه ] ( جعفري 14 / 288 - 289 ) ( أحاديث مثنوى 213 )

حتى حنان الأم ، الله سبحانه وتعالى هو الذي يسره فيها لكنه سبحانه وتعالى أمرنا بشكر الأم على أساس أنها هي الوسيلة ( لتفصيل الفكرة أنظر الترجمة العربية للكتاب الثالث الأبيات 323 - 330 وشروحها )

 إن حق المنعم من البشر ملحق بحق الحق الذي هو أصل كل النعم ، أما أن الله سبحانه وتعالى قال في حق خير البشر ( صلى اللَّه عليه وسلّم )صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً( الأحزاب 56 ) لأنه صلى اللَّه عليه وسلّم مشفع في أمته وأمورهم كلها تحال

« 585 » 

عليه ،يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ(النحل 89).


( 3273 - 3307 ) : يقف المدين على قبر المحتسب ويقدم مرثية فيها كل صفات الجود الواردة في الشعر العربي فهو الظهير والمرتجى والغوث وهو والد الفقراء وعشيرتهم ، وهو البحر ، منه يكون السحاب الذي يمطر حتى على البعيدين عنه ،

ويضيف مولانا بعض الصفات الواردة في التراث الصوفي : فهو شمس الحقيقة التي تشد من الأزر ، وهو الروح الموجودة في خرائب الجسد وهو الذي لم يعبس قط في وجه أحد " تراك إذا ما جئته متهللًا ، كأنك تعطيه الذي أنت سائله " و " وما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم " ، وهو متصل القلب ببحر الغيب وواهب الفيض ، وهو شبيه بميكائيل في كيل الأرزاق 
( أنظر الكتاب الخامس الأبيات 1589 وما بعده وشروحها ) وهو عنقاء جبل الجود والسخاء


( أنظر الأبيات 839 ، 3712 من الكتاب الرابع ) وهو أعظم من هباته من حاتم ، فحاتم يهب الرزق الذي ينفد وهو يهب الأسباب التي لا تنفذ ، وهو في كل نفس من أنفاسه يهب حياة لموتى الفقر والمعوزين وليس المقصود الغنى المادي كما يقول الأنقروى ( 206 / 249 )


 فالأغنياء هم الموتى مصداقاً للحديث النبوي [ إياكم ومجالسة الموتى قالوا ومن الموتى يا رسول الله ، قال صلى اللَّه عليه وسلّم الأغنياء ] فالكنوز المذكورة هي كنوز الحكمة كما ورد في ديباجة الكتاب الثالث ويأخذ من كنز الحكمة الأموال العظيمة التي لا تكسر ولا تورث ميراث الأموال وقال الحكيم الترمذي الجود التام بذل العلم فإن متاع الدنيا عرض زائل ينقصه الإنفاق والعلم عكسه فإنه دائم وباق " ( انقروى 6 - 2 / 250 ) .


( لعل مولانا يتجه بمدحه إلى الشيخ ) ويخلص من المدح إلى أنه الراعي والناس كالقطيع ، وهي صفة من صفات الأنبياء ( يرى يوسف بن أحمد المولوي أنه وإن كان الخطاب للمحتسب إلا أن المقصود هو النبي صلى اللَّه عليه وسلّم 6 / 454 ) وذلك مصداقاً لقول رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم : ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم ، قيل : وأنت يا رسول الله قال : نعم ، ويسوق

« 586 » 


حكاية عن سيدنا موسى عليه السلام ، أرجعها فروزانفر إلى تاريخ البيهقي ( مآخذ 215 ) وأرجعها استعلامى ( 6 / 385 ) إلى البيهقي ونظام الملك في سياست نامه ، ومن ثم كان رعى الغنم - في رأى لمولانا - اختباراً للأنبياء وليرى الله هل هم جديرون برعى الأصفياء والأولياء والناس عموماً أو غير جديرين بها وهكذا كل أمير وكل مسؤول [ كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ] ، والراعي الذي يجيد الرعاية هو الذي يمنحه الله تعالى رعاية الأرواح ، وهكذا محتسب تبريز المتوفى ، لا بد وأن الله سبحانه وتعالى قد منحه الرئاسة في آخرته، لأنه أحسن استغلال الرئاسة في دنياه.


( 3314 - 3332 ) : العالم المقصود هنا هو عالم الروح ، وقد يكون المقصود هو المحتسب " عالم يمشى على قدمين " بتعبير سنائى ، لا إنه من المستحيل أن يسع باطن الأرض هذا العالم ، بل إنك طائر محلق نحو عالم الغيب لكن ظلك لا يزال مبسوطاً على عالم الشهادة ، أنت حي بآثارك مثلما تكون الروح حية بآثارها والجسد الذي يحملها نائم أو غافل ، ولا يدرك أحدٌ هذا السير والجولان للروح ، لأن الروح هي من أمر الله قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي

والياقوت الناثر للسكر والعقيق القاضم للسكر هو الفم حلو الحديث في المأثور الأدبي الفارسي ، والقلب هنا مرتبة من مراتب السير الباطني أو الأطوار ، والنفس مقصود به حديث المعرفة وذو الفقار سيف الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم أهداه إلى علي رضي الله عنه ، ومثال الفاختة التي تهتف كوكو أين أين مر ذكره في الكتاب الثالث ( أنظر في الأبيات 1299 - 1305 وشروحها )

 

ويضيف إليها مثلًا ثانياً من الواقع المعاش ، ويتلاعب بين لفظي ماكو أي مكوك النساج ولفظ كو أي أين فكأنه أصبح نساجاً يتحدث دائماً قائلًا " ماكو ، ماكو " ويرى الأنقروى ( 6 - 2 / 257 ) أن الخطاب هنا قد يكون من مولانا لشمس الدين التبريزي ، كما يرى أن المحتسب قد ضاقت به الأرض لأن كل شئ يحن إلى أصله وفي المجلد الأول كل من يبقى بعيداً عن أصوله ظل منجذباً لآنات وصوله


« 587 »
  

( 3332 - 3335 ) : مائة نوع من البروق كناية عن تجليات الحق المختلفة وهي التي لا تشرق من شرق أو من غرب لكنها تشرق على الشرق والغرب ( استعلامى 6 / 386 ) ،

كان عقل المحتسب في جزر ومد ، والجزر كناية عن الافتراب من الأمور الدنوية ، والمد كناية عن الميل إلى العالم الآخر وقد غاب عن الدنيا ( الجزر ) وتعلق بالمد ( العالم الآخر ) ، والواضح أن الخطاب هنا اختلط فيه خطاب المدين للمحتسب بخطاب مولانا جلال الدين لشيخه وإن لم يحدده .
 

( 3340 - 3354 ) : يعود المدين فيخاطب المحتسب على قبره : لقد رجعت إلى الله ، وعلىّ أيضاً أن أرجع إليه ، فمأوى الجميع إليه وما الآية الكريمةوَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ( يس 32 ) إلا دليل على هذا ، إنها كلها صور عند النقاش يحضرها أنى شاء ويرسمها ويمحوها أنى شاء يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ( الرعد 39 ) ،

وهكذا يفعل الله أيضا مع كل مدركات الإنسان ، ويقدم مولانا جلال الدين عدة صور لما يطرأ على الخليقة من تغير فهي المتغيرة المتبدلة وهو سبحانه وتعالى الخالد الذي لا يفنى والثابت الذي لا يتغير ، والخلق في يد خلقه كالمادة في يد الصانع يصور منها ما يشاء من صور وأشكال وأدوات .

فإلى متى تظل الكمامة على عينيك ، ولو رفعت هذه الكمامة لافتتن المصنوع بالصانع هياماً ووجداً ، وليست كل عين جديرة بأن ترفع عنها هذه الكمامة ، ولا تكن كالسفهاء الأجلاف ولا تنظر بعيونهم ، وكن مستقلًا في نظرتك وفي سمعك ، كن صاحب رأى ودعك من آراء ، الآخرين ، وكن صاحب عقل ودعك من التقليد .
 

( 3355 - 3372 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت لم يهتم أحد من مفسري المثنوى بأن يبحث عن مصدر لها ، ويرى استعلامى ( 6 / 388 ) أن كل الحكايات التي يرويها مولانا عن الخوارزمشاهيه من وضعه ، وخوارزمشاه هنا هو علاء الدين محمد خوارزمشاه آخر الأسرة الخوارزمشاهية التي انتهت بالغزو المغولي ، وليس من المهم أن يكون عماد الملك وزيراً

 
« 588 »

  
له ، وإن كان زرين كوب يرجح أنه عماد الملك ساوه الذي كان صاحب حظوة عند خوارزمشاه في أخريات أيامه وكان في يده الحل والعقد ( سرني 1 / 309 ) ، فعماد الملك هنا رمز للمرشد وخوارزمشاه رمز للمريد الذي لديه جانب من الذوق وفي حاجة إلى المرشد وصرف قلبه عن مغريات الدنيا ( الجواد في هذه الحكاية ) والبيت المذكور من إلهي نامه " حديقة الحقيقة " لسنائى الغزنوي هو البيت 11180 منها ( انظر الترجمة العربية لكاتب هذه السطور البيت وشروحه ) والإنسان الحقيقي هو هيكل التوحيد كما قال الإمام على عندما سئل عن الحقيقة فقال : نور يشرق من صبح الأزل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره ( سبزوارى ص 483 ) ،

 
ويرى مولانا جلال الدين أن الشئ الذي يجذب انظر لايهم أن يكون المرء محروماً منه ، بل لأن الحق يضفى عليه صفات خاصة تجعله مقبولًا ، وهذه هي جدلية مهمة ، تبين رأى مولانا جلال الدين الدائم في وجود قوة خاصة للأشياء المغرية ، إن خوارزمشاه معجب بالجواد لكنه يعرف أنه ليس من حقه ، ويستغفر ، ويحوقل ، لكنه يزداد تعلقاً به ( ليس الوسيلة الوحيدة للانصراف عن الشهوات هو كبتها ) ، ويفسر مولانا هنا بأن خوارزمشاه كلما قرأ الفاتحة كلما زاد هوساً ، الأمر إذن ابتلاء ، و " المزين في الحقيقة هو الله " و " ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه " ( انقروى 2 - 6 / 277 ) .

 
إنه لا يزال - سبحانه وتعالى - يبتلينا بالأغيار ( كل ما هو غير الحق ) ، فان ابتلانا فهذا تمويه علينا ، وإن صرف عنا البلاء فهذا امتحان لنا ، وإلا فان خوارزمشاه كان مفتوناً بجواد حي ، فما بالك بالكفار المنجذبين إلى عبادة أصنام حجرية على هيئة الجياد والثيران ، إن الكافر يرى أن الصنم بلا مثيل في بهائه وجماله ، إنها الجاذبية ، الجذبة ، ولا تسأل عن هذه الجاذبية فهي خافية جداً ، فلا تسألني عنها ، فلا العقل يستطيع أن يدركها ولا الروح نفسها تستطيع أن تدركها ، فحاول أنت أن تدرك سرها إن كنت تستطيع .
 

( 3380 ) : فسر استعلامى البيت ( 6 / 389 ) بأنه كالهلال في طلب النور من الشمس ، وكذلك

« 589 » 
 
فسره المولوي ( 6 / 467 ) ، والشمس المذكورة هنا شمس الحقيقة ومن ثم قد يكون المقصود أنه كان صوفياً واجداً لها مثل هلال الصحابي الشهير الذي ذكرت حكاية عنه ( انظر الكتاب الذي بين أيدينا 1155 - 1225 وشروحها ) .
 

( 3395 - 3409 ) : الأبيات هنا مناجاة في السر يقوم بها عماد الملك " المرشد " أمام الله طالباً الصفح لمن طلب منه الوساطة لدى الملك ولم يطلب العون من الله مباشرة ، ومن يكون هو أمام القدرة الإلهية ؟ 

إنه يكون كالشمع والذبالة أمام الشمس الساطعة ، وهذا يكون من قبيل الكفران بالنعمة ، فالعطاء كله من الله ، والشكر يوجه لغيره وما أشبه البشر بخفافيش الظلام تلك التي تغمض عينها عن الشمس وتأكل دودة ربتها الشمس بليل ، ولا تذكر الشمس بل تنكرها ، وأين هي من ذلك الصقر الملكي الساكن ساعد السلطان الملازم له حاد البصر الناظر إلى الحقيقة ؟ 

وهؤلاء من كفرانهم بالنعمة معرضون دائماً للعقاب الإلهى ، وما هذا العقاب الإلهى الذي ينزل بهؤلاء الجاحدين إلا من أجل أن يثوبوا إلى رشدهم ويتجهوا إلى خالقهم .
.
* * * 
* * *
.
* * *
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: