الأربعاء، 2 سبتمبر 2020

26 - الهوامش والشروح 4220 - 4602 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

26 - الهوامش والشروح 4220 - 4602 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

الهوامش والشروح 4220 - 4602 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء السادس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

شرح قصة الشخص الذي دلوه على كنز في مصر وبيان تضرعه من الفقر في حضرة الحق
( 4220 - 4230 ) : الحكاية الواردة هنا أرجعها فروزانفر ( مآخذ / 220 ) إلى كتاب عجايب نامه الذي ذكر انه من مؤلفات القرن السادس ولم يذكر اسم مؤلفه ، والهدف من الحكاية هو ما يدق عليه مولانا في الأبيات السابقة أن هدف العاشق لا يوجد إلا داخله ، وأن السير إنما يكون للوصول إلى هذا الدخل ، وها هو الوارث الذي يتلف ميراثه ، لأنه لم يتعب فيه يئن إلى الله تعالى " وكل من في السجن عابدون " ، هكذا ، وكأنه النادي ، عندما يفرغ يئن ، وينسب قولا إلى الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم منسوب في كتب الصوفية إلى أبى طالب المكي : " مثل المؤمن كمثل المزمار لا يحسن صوته إلا بخلاء بطنه " ( استعلامى 6 / 433 ) .
 " وبين الإصبعين " ،
 
« 632 »
 
إشارة إلى الحديث النبوي الشريف : [ قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء " ( انظر شروح البيت 3562 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ومن بكاء هذا الوارث الذي أفلس ودموعه لجناب الحق فما دينه وإيمانه .
 
( 4231 - 4251 ) : يتحدث مولانا عن دور الدعاء في القرب من جناب الحق مهما تأخرت الاستجابة ( الاستجابة في الحقيقة قرينة الدعاء ، انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 189 - 196 وشروحها ) وتأخير الاستجابة يكون من أجل أن الله تعالى يسير من دعاء عبده المؤمن ، ويحبه دائما على بابه . عن أبي عبد الله قال : إن العبد ليدعو فيقول الله تعالى : قد استجبت له ، ولكن احبسوه بحاجته فإني أحب صوته وإن العبد ليدعو فيقول الله تبارك وتعالى :
عجلوا له حاجته فإني أبغض صوته " ( عن جعفري 14 / 463 ) .
 
( هناك صورة أخرى في الكتاب الثالث ، أن الله تعالى لم يبتل فرعون بأدنى ألم حتى لا يسمعه يتضرع إليه ، انظر الأبيات 200 - 204 ) كما روى حديث في هذا المجال ، قال صلى اللَّه عليه وسلّم [ إذا أحب الله عبدا ابتلاه ليسمع تضرعه ] ( جامع 1 / 16 ) .
 
ويقدم مولانا عددا من صور الواقع المعاش أجملها صورة مشترية الخبز الجميلة التي يؤخرها الخباز بينما يصرف القبيحة .
 
( 4252 - 4254 ) : عودة إلى قصة الفقير الذي أتلف ميراثه وأخذ في الضراعة ، ويدق مولانا على حتمية استجابة الدعاء من قبل الله تعالى ، ما دام العبد صادقا فيه مقيما عليه " فمن دق الباب ولج ، ولج " ، ومن دق هذا الباب يجد مائة ربيع في انتظاره ، المهم أن يصحح النية ، ويقبل على التوبة والإنابة " فإن الذنوب هي التي تؤخر الاستجابة " كما يقول سنائى .
 
( 4269 ) : الشواهد المذكورة في العنوان :وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ( البقرة / 216 ) . وسَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً( الطلاق / 7 ) وإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً( الشرح / 6 ) و " اشتدى أزمة تنفرجى " ( انظر شروح البيت 2271 من الكتاب الخامس ) .
 
« 633 »
 
( 4288 - 4294 ) : الحديث رواه أحمد والترمذي عن الحسن رضي الله عنه [ دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة ] ( مولوى 6 / 578 ) ويسوق مولانا أحاديث عن الصدق وكيف أن ذلك الفقير الذي قبض عليه العسس بتهمة اللصوصية نجا ببركة صدقه ، إن الصدق في القلب بمثابة العود يفوح من حرقة القلب ويدركه اللهم إلا قلب فيه علة أو فيه .
غرض ، إن الدعاء الصادق من قلب الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم أصاب هدفه من القمر فانشق ( انظر الكتاب الأول البيت 118 ) .
 
( 4295 - 4300 ) : يواصل مولانا حديثه عن الكلام والحديث : فحديث ينطلق من جهنم القلب الذي لا إيمان فيه ، ويأتي على صورة ألفاظ ، وحديث ينطلق من مدينة الروح ، من عالم الغيب فيثبت في حي الشفة ، في باطنها على ساحل بحر الغيب ( عندما أقول الشفة فإنني أقصد ساحل البحر ، البيت 1769 من الكتاب الأول ) ( استعلامى 6 / 435 ) ( لب بالفارسية شفة وساحل )
 
وباطن الإنسان عالم الغيب يزيد الروح وينعشها وهذه الدنيا بحر متلاطم ملىء بالجراح والمصائب وكوارث " ، وهذا الساحل " الشفة " ساحل بحر الغيب برزخ بين هذا العالم وذلك العالم ، وانظر إلى قول الله تعالى في سورة الرحمن : مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ ( الرحمن 19 ، 20 وانظر الكتاب الأول البيت 298 ) ،
هذه الشفة وهذا الساحل مثل قافلة تنتقل بين المدن ، تأتيها المنافع من كل ناحية ، ومن ثم فهذا البرزخ الذي هو موضع اللقاء بين العالمين الروحي والمادي بمثابة السوق الذي يعرض فيه كل إنسان قيمته ( قيمة الكلمة والمبدأ والمعتقد وكل مقومات الشخصية )
فهناك بضاعة النشال " يقمشها من هنا وهناك ويزيفها وكل همه بلبلة الأفكار " ، وهناك بضاعة أخرى من الدر الفريد در التوحيد والإيمان وعالم الطهر ، فهي للأول دار للذنوب وهي للآخر موطن للربح ، وكل بقدر ما يريد ، وكل إنسان بقدر همته ، وبقدر فهمه ، وبقدر خبرته في هذه التجارة .
 
( 4301 - 4305 ) : إن العالم متسع أمامك ، وكل أجزائه من الممكن أن تقربنا من المعرفة
 
« 634 »
 
أو تبعدنا عنها فهي إما قيد ومانع وسد بالنسبة للغبى الذي لا يستطيع أن يفهمه حق الفهم ويعرفه حق المعرفة ، وهكذا ، فمن الممكن أن يكون سما لأحدهم وسكرا لآخر ، قهراً لأحدهم ولطفاً لآخر ، متحدثوها صامتون أمام أحدهم فلا يفهم عنهم شيئاً ونطقهم وصمتهم سواء بالنسبة له ، وجماداتها متحدثة أمام من يريد الله له الخير ،
( أنظر الحديث الجمادات إلى الأنبياء في الكتاب الثالث الأبيات 1008 - 1022 وشروحها وعن الجمادات في الكتاب الرابع الأبيات 2412 - 2422 وشروحها )
 والكعبة تشهد للحاج ، والمسجد يشهد للمصلى ويَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها، ولم لا ، ألم يحدث هذا ؟ ألم يميز الجماد ؟
الريح تهلك قوم عاد وينجو المؤمن ، والنيل يصير دما لآل فرعون ماءً زلالًا لقوم موسى وقد مر كله وحدثتك عنه .
 
( 4306 - 4315 ) : تقول يا حسن حسام الدين ( وليس أي شخص كما يقول استعلامى 6 / 436 ) أننا ذكرنا هذه الفكرة عدة مرات ، وماذا في هذا ؟ ! لكن لا أمل من بيان هذه الأفكار فأنا أشتاق كثيراً إليها ومن ثم أبينها ، وكيف يتأتى الملال من غذاء الروح ولا يتأتى الملال من غذاء الجسد ؟ ألست كلما تجوع تأكل نفس الخبز ونفس أنواع الطعام فلماذا لا تمل ؟
الجوع هو الذي يجدد الطعام القديم أمامك ، والشوق هو الذي يجدد المعاني القديمة أمامك به تتجدد أعضاؤك ، أترى لذة الطعام من الطعام ، إن لذتك من الجوع وليست من الطعام ، والمختوم لا يتمتع بلذة أي طعام ( انظر عن الملال والتخمة في الطعام والأفكار الكتاب الثالث 2679 - 2701 وشروحها ) ،
 
أتراك تمل من حديث الروح وعالم المعاني وأنت لا تمل من السعي في هذه الدنيا والمساومة فيها ولا تمل من الغيبة وأكل لحوم الناس ، أم تراك نسيت الكلام الذي تقوله وتعيد فيه وتزيد بنفس الحماس وأنت " تصيد " أنثى لتأخذها بين أحضانك ؟ ! !
إنك في المرة الأخيرة كنت أكثر حماساً منك في المرة الأولى ، لماذا لم تمل إذن من ذلك ؟ .
 
( 4316 - 4326 ) : يعود مولانا إلى الحديث عن متطلبات الباطن وأشواقه والتي يعبر عنها
 
« 635 »
 
بالألم ، ولعل مولانا هنا سبق الأفكار المعاصرة التي تقول أن الألم هو منبع الإبداع ، إن الألم هو الذي يجعلك تستخدم العلاج القديم ويبدو لك جديداً ( كل عملية إبداع تجدد المبدع ) ، وإذا كان الألم هو دليلنا ، فلماذا تشكو من هذا الدليل ( انظر حديقة الحقيقة الأبيات 4543 - 4548 والأبيات 6044 - 6046 وشروحها )
لكن عندما تشعر بالألم ، عليك أن تكون حذراً في اختيار الدواء ، لا تختر دواءً عشوائياً يدمرك وأنت لا تدرى أنك تبتعد عن الشفاء ، وما أشبه هذا الدواء العشوائى بالماء الملح يصرفك عن الماء الحلو ولا يروى ظمأك ، وما أشبهه بالعملة الرديئة التي تطرد العملة الصحيحة من السوق ، لقد خدعك هذا الدواء الخادع ، عندما قال لك : سوف أمحو ألمك ، وهو في حد ذاته ألم ، إهرب إذن من هذه الأدوية الكاذبة ، واحتفظ بالألم ، واحتضنه بعشق ( انظر البيت 3755 من الكتاب الثالث ) .
 
( 4336 - 4344 ) : تؤكد هذه الأبيات المعنى الذي أشرنا إليه آنفاً ، كنوزنا موجودة داخلنا ومع ذلك نشقى شقاءً لا حد له ، ونسعى ونلهث طوال حياتنا في سبيل الحصول على غير ما هو موجود متناسين بالفعل وغافلين عما هو موجود لدينا بالفعل ( انظر لتفصيل الفكرة الكتاب الرابع الأبيات 2540 - 2554 وشروحها ) ، لقد كان هذا الألم ، وكان هذا الصفع والتحقير والاتهام صعوداً لي في الحقيقة ، وهبوطاً لك ، فلو انك أيها الشرطي سعيد لحصلت أنت على هذا الكنز ، وما كانت أشد تعاستى لو كان هذا الأمر معكوساً .
 
( 4345 - 4349 ) : الدرويش الفقير وإن لم يعرفه أحد ، فإنه يعرف نفسه " إن لم تكن شديد الشهرة في البلاد ، فلست بالقليل والله أعلم بالرشاد ) فما قيمة أن يعرف الناس كلهم المرء وهو لا يعرف نفسه ؟ !
ومعرفة النفس هي المقدمة لمعرفة الرب " من عرف نفسه فقد عرف ربه " ، أتراني إذن أحمق أيها الشرطي ، ولن أرد فبدلًا من اللجاج والخصومة آتاني الإقبال خيراً مما آتاك ، وإلا فقد أعطاني عطية عقلي الذي دفعني إلى الخروج من بغداد والسعي الذي جعل الكنز من نصيبي " والناس بقدر عقولهم يرزقون " .
 
« 636 »
 
( 4350 - 4359 ) : في العنوان غرائب إشارات الحق ، أي المواقع التي تجذبنا فيها إرادة الحق إلى طريق في حين أن هذا الطريق لا يفضى إلى المقصود ، ومن أجل أن نفهم أن للحق إرادة تعلو كل إرادة ( انظر البيت 4191 ) ، والتأويلات هي النتائج التي ندركها من غرائب إشارات الحق ، وكل هذه الأمور من تصاريف الحق المعكوسة التي لا تجعل الأمور كما تدل عليها ظواهرها ، ونفس هذا الضلال يقلبه الله سبحانه وتعالى إلى عين الرشد ، وهذا كله لكي لا ييأس مذنب ، ولا يخلو محسن من الخوف ، فطالما يفكر الإنسان في الإرادة الإلهية ، فليس الطريق الذي تسير فيه يفضى بك بالضرورة إلى المقصود ، بل تظل هناك دائماً إرادة الله غالبةوَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَإن الترياق غالباً ما يكون مخفياً في السم ، والله سبحانه وتعالى هو صاحب اللطف الخفي ، وليس مهماً أن يكون ذلك اللطف مرتبطاً بصلاتك ، فكم غفر الله تعالى للمذنبين ، فمن أسمائه الغفور والغفار كما أن من أسمائه اللطيف والكريم .
 
( 4360 - 4399 ) : يدق مولانا على فكرة من الأفكار التي تتكرر كثيراً في المثنوى ، إن عوامل السلب في الدنيا هي التي تساعد في ظهور عوامل الإيجاب وتثبيتها ، كما أن التحدي هو الذي يظهر كثيراً من الأمور الكامنة عند أصحاب العوامل الإيجابية ، ( انظر لا جهاد بلا عدو ولا صبر بلا ميل ولا عفة بلا شهوة ، الكتاب الخامس الأبيات 575 - 581 وشروحها )
 
إذن فلو لا وجود المنكرين والساخرين من الأنبياء لما أظهر الله اجتباءه واصطفاءه لهم ، ولما أجرى على أيديهم البراهين والمعجزات التي هي بمثابة الشاهد ، فإذا لم يكن ثم خصم أو منكر فمتى يطلب القاضي شاهداً ، وكلما كان يزداد إنكار المنكرين ، كانت البراهين والشواهد على صدق النبوة تزداد ، وانظر إلى فرعون الذي كان مكره أضعاف المكر العادي ( انظر الكتاب الثالث 964 - 966 وشروحها )
 
 لولا هذا المكر ما أجرى الله المعجزات على يد موسى عليه السلام ، وبقدر ما كان مكر فرعون كانت معجزات موسى عليه السلام ، ولقفت عصاه كل
 
« 637 »
 
عصى السحرة ، ويسوق موسى قومه هرباً ويتبعهم فرعون وجنوده قاصدين القضاء عليهم فينشق البحر ، وتكون معجزة جديدة له تثبت لبنى إسرائيل الشاكين في رسولهم المرتابين فيه ، كان بنو إسرائيل خائفين من فرعون وجنوده وعنفوانه ، وفروا خائفين ، وفي خوفهم هذا كان الأمن ذاته مطوياً ، وينقل الأنقروى حديثاً قدسياً [ بعزتي وجلالي لا أجعل أمنين ولا خوفين في جوف عبدي إن أمننى في الدنيا أخفته في الآخرة وإن خافنى في الدنيا أمنته في الآخرة " ( 6 - 2 / 463 ) ،
والسحرة الذين يمشون على أقدامهم عندما آمنوا بموسى عليه السلام وقطعت أيديهم وأرجلهم وجدوا الأيدي الحقيقية والأرجل الحقيقية في تقطيع الأيدي والأقدام ، وأبدلهم الله خيراً منها ، والخوف أيضاً يكون مطوياً في الأمن ، والعارفون في أمن طالما كانوا في خوف من الله من أن تزل أقدامهم بعد ثبوتها ويضلهم الله على علم ، انظر إلى ذلك الأمير اليهودي الذي كان يتجسس على عيسى عليه السلام لينقل أخباره إلى اليهودي ، فوضع الله عليه شبه عيسى ، فصلب بدلًا منه : وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ( النساء 151 )
( الرواية مذكورة في تفسير البيضاوي وفي قصص الأنبياء للثعلبي ) ( عن مآخذ فروزانفر ص 221 ) وانظر كيف يفسخ الله العزائم ويقلب الأمور رأساً على عقب ، فالجندى يذهب ليظفر ويغنم فإذا به ينقلب قتيلًا ويكون متاعه فيئاً ، والتاجر يمضى نحو الكسب فيخسر ، وهكذا الأمور تحدث على عكس النتيجة المرجوة منها في هذا العالم ،
وفي هذا يكون إثبات المشيئة الإلهية ، وانظر إلى أبرهة ملك الحبشة يأتي بجنده وفيلته لكي يحطم الكعبة لكي يذهب عزها ويعلى من عز كنيسته ، فما النتيجة ، يتحطم أبرهة وتتحطم فيلته وتزداد الكعبة عزاً ومنعة بعد أن ثبت بالدليل الإلهى أن لها رباً يحميها ، وهكذا يكون فسخ العزائم مثلما حدث في قصة المسافر من بغداد إلى مصر للبحث عن الكنز .
 
( 4400 - 4423 ) : عودة إلى قصة الأمراء الثلاثة : وكرر الأميران النصح بما يوحى بأنهما أكثر معرفة من الأمير الأكبر بالأسرار ، وإن لم يكن هناك ثم إذن بالبوح ، ومن ثم
 
« 638 »
 
فهما كالضفادع إن سكتت تحت الماء فاختناق وإن تحدثت لم تنج من خطر ( مثل فارسي ) ويعرض مولانا هنا باختلاف الأمراء الثلاثة رغم كونهم جميعاً من السالكين في طريق الحقيقة ، تراهم كانوا يريدون البوح له بأن الأمر ليس في يدك وليس بجهدك ، حتى وإن كانا قد فعلا ذلك فإن ذلك الصنف من السالكين لا يقبعون في انتظار التوفيق والعناية والمصادفة وتنتهى أحوالهم دفعة واحدة . لقد ظل عشق الصورة كامنا في قلبه ، ومن ثم رأى أن كماله الروحاني موقوف على إنهاء حياته
 ( جلال الدين همائى : داستان قعلهء ذات الصور ، ص 30 - 31 ) إنه يعلم أنه لن يصل إلا بعد أن يفنى وجوده الصوري ومن ثم يقف وينعى نفسه ودنياه قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ( النساء / 197 ) .
 
عبارة واحدة وانطلق بعدها كالسهم ، ودخل على ملك الصين ، رمز الخالق عند استعلامى ، ورمز القطب أو الغوث الأعظم أو ولى العصر عند همائى ( ص 29 ) ، وكان الملك يعرف كل شئ عن أحوالهم ، أولها وأخرها ، وحزنهم وتزلزلهم ، وحيرتهم وولههم ، وهل يخفى على الراعي أحوال القطيع ، ما معنى كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ،
وكيف تكون هناك مسؤولية دون علم ومعرفة أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، لقد كان الملك عالما بكل شئ ، لكنه لم يتدخل ، كان صامتا وصمته مصلحة ، يكون حاضرا حضور النار تحت القدر يدفعه إلى الغليان ، وهكذا غليان عاشق الروح ، مخفى في العروق ، وبالرغم من أنه لم تكن هناك حاجة عند الأمير لشرح أحواله المعروفة برمتها عند الملك بنور العرفان ، إلا أنه تركه يتحدث ويستفيض ، " إن الله يحب أن يسمع ضراعة عبده " . ويستفيض الأمير : لقد تعلقت بأهداب سرج دولتك ، فجد على جودا ملكيا .
 
( 4424 - 4437 ) : يعرض الملك أن يهب الأمير ملكا يبلغ أضعاف ملكه ، ولكن عاشق وجه الله لا يعوضه شئ عن شفغه ولو كان ملك الأرض " حسب الواجد إفراد الواحد له " ، ( من أقوال الحلاج عن تذكرة الأولياء ، ص 593 ، عن استعلامى 6 / 443 ) ، ويصور الأمير>
 
« 639 »
 
نفسه صوفيا مزق خرقته وألقى بها في مجلس السماع ، يجمعها بقية الصوفية ولا ترد إليه ، والخرقة هنا هي الجسد ، لقد خرجت عن جسدي ولا أبغى عنها عوضا سواك ، ( في محضر الملك اختفى الحديث عن ابنته تماما وصار الملك نفسه هو المطلوب )
إن الصوفي إن خرج عن خرقته أثناء الوجد إن استردها فإن وجده لا يكون صادقا ، فالعشق في حد ذاته يساوى أن يضحى في سبيله العاشق بمائة جسد لا بجسد واحد ، فما الدنيا ؟ ! وما سكرها ، الذي يسبب الصداع ، وما قيمتها إلا لعباد الجسد ، أي ملك ، إن العزل عن ولاية العشق لا يعدله ملك الدنيا ، والمنصب الدنيوي الذي يجعل المرء معزولا عن وجهك ، هو العزل الحقيقي ! !
 
( 4438 - 4449 ) : يقول الأمير الذي تهور وانطلق إلى بلاط المليك : لقد تأخرت في المجىء إليك والمثول بين يديك واجتلاء حضرتك ذلك لأننى لم أكن جديرا بهذه الحضرة ، " العطايا بقدر القابليات " ، وماذا في يدي والجدارة أيضاً ممنوحة منك ، " القابليات أيضاً هبة منك " ، وكيف آتيك بلا استعداد ؟ !
وأية فائدة تتأتى لي إذا جئتك بلا استعداد وكل فائدة من الدنيا إنما تتأتى من الاستعداد لها ، هل يذهب غير عالم بالمناجم إليها ؟ !
هل يشترى عنين جارية ، هل يضاء مصباح بلا زيت أو فتيل ، هل يدخل أخشم إلى روضة ؟ ! هل تكون حسناء فاتنة في حضرة عنين ؟ !
وكيف يخوض رجل الدنيا بحار المعرفة ؟ ! وكيف يمضى إنسان إلى طاحون دون قمح ؟ !
وماذا يكون حاصله منها إلا أن يبيض شعره وشعر لحيته ؟ !
إن جئناك بالزاد المعنوي وهبتنا الشأن والسلطان الروحي ، لا زلت طفلا صغيرا فأية لذة لي من طعام الكبار ومن متعتهم ؟ !
 
( 4450 - 4462 ) : يقول للأمير : إن هذا الكلام كله لا طائل من ورائه ، فأولى بك أن تذهب وتستعد ، أي استعداد ، لقد قعد للأمير طوال هذه الفترة من أجل أن يستعد ( أي فترة ؟ ! )
لكن هذا الاستعداد ، لم يحدث ، لأن الاستعداد بدوره عطية من المليك ؟ ! وأي صيد للمليك ؟ !
إن من يريد أن يصيد المليك يسقط هو ويصير صيداً ويتكرر هذا التعبير عن مولانا " كل من تراه عاشقا إعلم انه معشوق " ( 1750 من الكتاب الأول ) ،
و " وماذا يكون الحبيب في
 
« 640 »
معناه إلا الحبيب ( انظر 2266 من الكتاب الذي بين أيدينا ) أتريد إمارة العشق ؟ !
أبشر إذن بأنك سوف تسقط أسيرا للعشق ، ولم لا ؟ ! وكل أمور الدنيا معكوسة ، إن كل هؤلاء العبيد للدنيا يسمون سادة الدنيا ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 3000 - 3010 وشروحها ) .
وكن أيضاً أيها الجسد معوج السير ( بعكس رغباتك وشهواتك ) فإنك بسيرك هذا قد استعبدت أرواح آلاف الأحرار ، فاترك هذا المكر إذن ، وعش حرا ، وإن كنت عاكفا على هذا العيش راضيا به ، وكنت كالدلو لا سير لك إلا في البئر ، فدعني ، دع روحي حرة ، وامض وابحث عمن سواي ، هيا لقد انتهى دور إقامتي معك ، لقد سلبت عمرى ، فدعني وابحث عن سواي . . .
 
( 4463 ) : اتركنى وابحث عن آخر ، من هذه العبارة يدخل مولانا جلال الدين في حكاية أخرى ، ظاهرها الهزل لكنها تدور حول نفس المستوى ( لها أصل من ألف ليلة وليلة ، الليالي من 592 إلى 595 ) ( عن فروزانفر ، مآخذ 221 - 226 ) والقاضي في القصة والذي تجرى على لسانه العبارة رمز للروح التي لم تتخلص بعد من كل علائقها المادية ، وامرأة جحا رمز للشهوات الدنيوية .
 
( 4473 - 4483 ) : من الحديث عن الضجة في منزل القاضي ينتقل مولانا إلى الحديث عن الضجة الموجودة في باطن الإنسان ، إن منزل الرأس ملىء بالرغبات والوساوس والمهاوس ، في حين أن بقية الأعضاء ساكنة هامدة ، أما الصدور فقد تعبت وحطمت من الرغبات التي تنتقل إليها ، وخوف الحق : هو الخوف من ألا تقبل أعمال المرء حتى لو قام بفرائض العبودية ، ومن هنا يشبهها مولانا بالخريف وبالرياح ، لكنها على كل حال ملجأ للعبد يستطيع أن يهرب إليه من مهاوس الدنيا ، وشقائق الأمس ، أي نعم الدنيا التي لا دوام لها كزهرة الشقائق ، فهذه الشقائق لا تعيش ، وفي نفس الوقت تفوت الفرصة على تربية الزهور التي تخرج البراعم من شجرة القلب ، فإن هربت منها إلى النوم استيقظت في عالم المعنى ، وعالم المعنى يقظ فتى حي ، بينما تحسبه أنت راقدا معدوما ، وهكذا كان أيضاً أصحاب الكهف تَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ.
 
 
« 641 »
 
( 4495 - 4496 ) : الحوار هنا بين جحا وزوجته ( منقول من حديقة الحقيقة ، الأبيات 11504 - 11506 انظر إليها وشروحها ) .
 
( 4510 - 4513 ) : يتحدث مولانا خارج قصة جحا وزوجته فيتحدث عن من هم داخل الصندوق بالرغم من أنهم يظنون أنهم خارجه ، أي يظنون أنهم أحرار وهم في الحقيقة عبيد ، فالعاشق الموجود في أسر معشوقه يظن أنه خارج الصندوق وهو في الحقيقة داخله ، إنه حبيس داخل أحزانه وهمومه فكأنها صندوق حوله ، ولم ير طوال حياته سوى هذا الإطار الذي يبدو حوله كالصندوق " بالتأكيد يتحدث عن العاشق الأرضي " . وإن ذلك الذي يظل حبيسا لرغباته في هذه الدنيا ولا يطمع إلى آفاق السماوات هو في الحقيقة داخل صندوق ، وخروجه من صندوق البدن يؤدى به إلى صندوق آخر ومن قبر إلى قبر ومن قفص إلى قفص .
 
( 4517 - 4533 ) : يدعو مولانا خارج نطاق الحكاية وبوحي منها ، الله سبحانه وتعالى أن يهبنا قوما من ذوى الأرواح من المرشدين والأولياء يشروننا من صندوق البدن ومن مهاوسه ووساوسه ، ومن بين آلاف البشر قد يكون هناك واحد حسن النظر يستطيع أن يدرك ما وراء هذه القشور ( انظر البيت 1467 من الكتاب الذي بين أيدينا والبيت 673 و 422 من الكتاب الرابع ) إن هذا المجتبى المصطفى لا يكون من هذا العالم بل يكون مخلوقا من الأزل من عهد ألست واطلع ما على هو ضد هذه الدنيا وبالضد عرف الضد ، ومن هنا قيل العلم ضالة المؤمن ، والحديث المروى هو " الحكمة ضالة المؤمن " .
 
نقل جعفري ( 14 / 504 ) عن الإمام علي رضي الله عنه الحكمة ضالة المؤن فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق . لكن هذا العارف أينما يؤمن بنفسه ويوقن في نفسه فهو على ثقة من علمه ولذلك فهو ضالة نفسه ، لا بد لمن يريد أن يضيق من هذا الصندوق أن يكون قد جرب الحرية أن يكون على علم بذلك العالم الذي هو خارج الصندوق ، لكن الذي ولد في الرق لا يعرف سوى هذه الصندوق ، إنه حبيس في


« 642 »
 
أقفاص الدنيا المتعددة ، يمضى من قفص إلى قفص ، ومن ثم فهو يظل حبيسا لا يطمح إلى النفاذ إلى السماء ، فلا سلطان معه ، ولا مرشدين له ، ولا قدرة له ، وإلا فإن الله سبحانه وتعالى قد طلب من الجن والإنس أن ينفذوا من أقطار السماوات والأرض إن استطاعوا يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا ، لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ ( الرحمن / 33 ) ،
وهكذا يظل حبيس الصندوق رهنا به ناظرا إليه عاشقا له فهو لا يعرف سواه لكن الذي لا يغتر ، يكون كالقاضي المذكور في الحكاية تواقا إلى الخروج من هذا الصندوق صارخا كل لحظة : أخرجوني ، يكون مرتعدا في كل لحظة ، ضائقا من هذا الصندوق ومن سجنه فيه .
 
( 4540 - 4551 ) : يتحدث مولانا عن الستر ، إن من يسعى في نصح الآخرين لا بد وأن يكون آمنا على نفسه في البداية متأكدا من أنه لن يفتضح أو أنه لا يرتكب ما يدعو إلى الفضيحة ، وإلا فإنه معرض أيضاً لأن ينطبق عليه الصندوق ، ومن سعى في فضح أخيه فضحه الله ، وينقل الأنقروى ( 6 - 2 / 486 )
إن الله ستار يحب الستر ، كما ينقل : من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله . فالله سبحانه وتعالى بالمرصادإِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ( الفجر / 14 ) ، والله سبحانه وتعالى محيط بكل ما يفعله المرء وبكل الخليقة ، فحذار إذن ، إياك أن تبتعد عن الدين أو ترتكب الظلم ، فالثواب في العدل ، والعقاب في الظلم ، ويجيب جحا : نعم كل هذا كلام جميل ، لكن البادى أظلم . وينقل جعفري ( 14 / 513 ) عن ابن الحجاج عن أبي الحسن " الإمام موسى بن جعفر رضي الله عنه " في الرجلين يتسابان ؟ !
قال البادى منهما أظلم ما لم يعتذر إلى المظلوم " أي أن القاضي الموجود في الصندوق هو البادى بظلم جحا لأنه كان قد هم بالاعتداء على عرضه ، ويجيب النائب : بل ونحن البادئون ، والإشارة بالطبع إلى اتهام النائب لجحا وزوجته بأنهما هما اللذان بدا المؤامرة من أولها ، وقد يقصد أن من يقع عليه الظلم لا يجأر بالشكوى ، فلا بد أن هذا الظلم انتقام من ظلم وقع منه ، ومن هنا
 
« 643 »
 
فكلنا ملوثون ، ومع كل الذنوب التي نرتكبها نحن سعداء مسرورون آمنون نستبعد أن يقع علينا ظلم ، وكلنا في كل لحظة في معرض الخطر والشر والوقوع في الإثم ، والألطاف الإلهية هي التي تشرينا من هذا الزلل ومن هذا الظلم .
 
( 4552 - 4566 ) : من يهديك يكون مولاك بمعنى سيدك ولا أدرى ما مناسبة سوق هذا الخبر الذي لم يثر خبر آخر في الإسلام مثلما أثاره هذا الخبر : حديث غدير خم ، حديث الوصاية والولاية والنص الصريح بالخلافة عند الشيعة ، أما السنة فهم يعترفون بالحديث لكنهم لا يعترفون بأنه يحتوى على كل هذه المعاني ،
والأمر لا يعدو مجرد وصية بعد حجة الوداع بآل البيت الذين يمثلهم علي رضي الله عنه أو على أكبر تقدير بالرجوع في الأمور الدينية والفتيا إلى علي رضي الله عنه بعد انتقال الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم إلى الرفيق الأعلى ،
ومن ثم يضيف مولانا : إن الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم سمى نفسه بالمولى وسمى عليا بالمولى لأن الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم يحط عنك إصرك والأغلال التي في قدمك ،
فالنبوة هادية إلى الحرية ، والنبوة للبشر بمثابة الربيع للنباتات والرياض ، يحييها بعد موتها ، وتصبح الأغصان حاملا بالثمار والخيرات التي تحيى الأرواح مثلما يحييها المسيح عليه السّلام فكأنها في حملها مريم البتول وإنما ينطق عيسى عليه السّلام من بهاء مريم فنطقه تبرئة لها وشهادة بعفافها ، كما أن نطق آدم كان من النفس الإلهى الذي نفخ فيه ،
لكن قمر الأنبياء جميعا سطع بلا نطق ، بعد الخلوة والعزلة والانقطاع عن الناس ، ومن أجل أن تزيدوا الشكر لا تزال المؤائد ممدودة ولا تزال الثمار متزايدة ، وإياكم أن تحتجوا بالحديث [ عز من قنع وذل من طمع ] ،
فإن هذا الحديث يقصد الأمور الدنيوية ، ولكن إياك أن تقنع فيما يختص بأمور الآخرة ، فالذل لمن قنع والغنى لمن طمع واستزاد فيما يقربه من خالقه ، وهذا موكول في ألا تتبع النفس ، وأن تكون متنبها إلى هاتفي الغيب الذين يشرونك .
 
( 4577 - 4578 ) : يدور الحديث هنا بين جحا والقاضي بمصطلحات لعبة النرد .
 
( 4581 - 4602 ) : انتقال من الخمسة والستة " في زهر النرد " بين القاضي وجحا إلى
 
« 644 »
 
العارف الذي نجا من قيد الخمسة " الحواس " والستة " الجهات " ، وبذلك جعلك عارفا بما وراء هذه الخمسة وهذه الستة ، ولم يكن ذلك من كثير سياحة أو كثير دراسة ، بل لأنه جاوز الأوهام واعتزل ، ومن هنا فإن إشاراته أصبحت إشارات الأزل " فبى يسمع وبي يبصر " ،
وإن لم يكن العارف خارج بئر الدنيا ، فكيف يستطيع أن ينجى الأرواح من داخله ، إن العارف مشرف ببصيرته على الفلك الأعلى ، ومع ذلك فهو ببشريته ومواساته للبشر واهتمامه بخلاصهم ونجاتهم منصرف إلى البئر يخلص منه السالكين ويصل بهم إلى الملك الذي لا يبلى ،
وهذا هو مصير الأرواح الناظرة إلى الحق والتي يرمز لها بيوسف الصديق عليه السّلام نعم إن الآخرين باحثون عن الماء في البئر أي عن النفع في الدنيا لكنه هو أي العارف باحث عن نجاة الصحاب من قاع البئر ومن ثم فدلوه ( وجوده ) ليس دلوا ،
إنه ماء ، هو نفسه قوت لأرواح أسماك بحر الحياة ، والناس الآخرون متعلقون بالأفلاك ، لكنه - أي العارف - موجود دائما بين إصبعين من أصابع الرحمن ثم يعود مولانا قائلا : ما هذا الذي أقول ؟!
ما الدلاء وما الجبال وما الأفلاك ؟! 
ما هذه التشبيهات التي ألجأ إليها ، ما هذا التعبير الركيك ؟! 
المشكلة أنه لا يمكن التعبير عن هذا العالم المعروف بالعارف ، فكل التعبيرات إلى جوار وجوده الحقيقي تعبيرات ركيكة ، إنه مئات الآلاف من الرجال ، فيه قدرتهم الروحية مهما كان جسده نحيلا أو ضعيفا ، إنه نموذج لقدرة الحق ، إنه فتنة ، لأنه مفتون بالحق ، وهو أيضاً فتنة للمنكرين وغير العالمين وكلهم في مقابل عظمته وقدرته حفنة ، أو هو نفسه حفنة أدمجت فيها كل البيادر ، وذرة أدمجت فيها مائة شمس ، وإن أبدت هذه الذرة قوتها لانمحت أمامها كل الأفلاك والكواكب ،
مثل هذه الروح العظيمة لا يمكن أن يحتويها جسد إن هذا يشبه أن تصب البحر كله في قربة ، إنها في عظمة جبريل والمسيح والكعبة ، وإن تبدت في صورة حقيرة تمويها واخفاءً وضناً وغيرة ، إنه رباني ، الهى ، على مثال الله ، إنه موضع سجود عالم المعنى ، لأن الآخرين عن طريقه يرتبطون بعالم الروح وأمثال إبليس إنما يضلهم
 
« 645 »
 
أمثالك ، إنهم يظنونك صورة ، مجرد صورة لا تستحق السجود ، ولا يدركون أن منك قبساً من ذي الجلال .
.
* * * 
* * *

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: