الأربعاء، 12 أغسطس 2020

03 -  ظن ذلك الشخص الخيال هلالا في عهد عمر المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

03 - ظن ذلك الشخص الخيال هلالا في عهد عمر المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

03 -  ظن ذلك الشخص الخيال هلالا في عهد عمر المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

ظن ذلك الشخص الخيال هلالا في عهد عمر رضي الله عنه
 
- لقد حل شهر الصوم في عهد عمر ، فأهرع جماعة من الناس إلى قمة جبل .
- لكي يستطلعوا هلال الصوم مستبشرين ، فقال أحدهم : " يا عمر هاك الهلال هناك
" !!
 
115 - ولما لم ير عمر الهلال في كبد السماء ، فقال : لقد طلع هذا الهلال من خيالك .
- وإلا فإنني أحد منك رؤية للأفلاك ، فكيف لا أرى الهلال الطاهر ؟
- ثم قال : بلل يدك ، وامسح بها حاجبك ، ثم انظر آنذاك صوب الهلال .
- وعندما بلل حاجبه ، لم ير الهلال ، فقال : يا أمير المؤمنين ، لا هلال هناك ، لقد اختفى !!
- قال : أجل ، لقد صارت شعرة من الحاجب بمثابة القوس ، وصوب نحوك سهما من الظن !! « 1 »
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 133 : وعندما أنحنت شعره واحدة من حاجبه ، بدت كشكل الهلال لكن الشعرة منه .
 

« 35 »
 
120 - وعندما انحنت شعرة قطعت على الطريق ، حتى ادعى هازلا رؤية القمر .
- وما دامت شعرة ملتوية تكون حجابا على الأفلاك ، عندما تلتوى كل أجزائك ، كيف يكون الأمر ؟ !
- فقوم أجزاءك من المستقيمين ، ولا تلو العنان يا مستقيم السير عن تلك العتبة !!
- فإن الميزان هو الذي يصلح الميزان ، والميزان أيضا هو الذي ينقص الميزان .
- وكل من صار متوازنا مع المعوجين ، فقد وقع في النقصان ، وغاب عقله .
 
125 - فامض وكن من الأشداء على الكفار ، وصب التراب على تعلقك بالأغيار .
- وكن كالسيف على رؤوس الأغيار ، هيا ، ولا تقم بحيل الثعالب ، وكن أسدا .
- وذلك حتى لا ينقطع عنك الرفاق ( غيرة على الحق ) ، ذلك أن الأشواك أعداء لهذه الزهرة .
- واضرم النار في الذئاب وكأنهم العود ، ذلك أن أولئك الذئاب أعداء يوسف .
- إن إبليس يقول لك : يا روح أبيك ، فحذار ، حتى لا يخدعك بوسوسته الشيطان اللعين .
 
130 - لقد قام يمثل هذا التلبيس مع أبيك ، وذلك المفتضح هزم آدم .
- فإنه ماهر في لعبة الشطرنج هذه ذلك الغراب ، فلا تنظر إلى اللعبة بعين ناعسة .
- إنه يعلم الكثير من ( ألعاب ) صف جنود الشطرنج ، بحيث يغص به حلقك وكأنه القذى .
- ويبقى قذاه في الحلق لسنوات ، فما هو هذا القذى ؟! إنه حب الجاه والأموال .
 

« 36 »
 
- والمال قذى ، لأنه يا عديم الثبات يكون في حلقك مانعا لماء الحياة .
 
135 - فإن سلب مالك عدو شديد الاحتيال ، مثله كقاطع طريق سلب قاطع طريق آخر .
 
سرقة مشعوذ حيات لحية من مشعوذ حيات آخر
 
- سرق لص حقير حية من مشعوذ حيات ، ومن بلاهته كان يعتبرها غنيمة .
- ونجا مشعوذ الحيات ذلك من لدغ الحية ، وقتلت الحية سارقها قتلا شنيعا .
- وراه مشعوذ الحيات وعرفه ، وقال : لقد خلصته حيتى من روحه 
- لقد كنت تطلبها منه في دعائك يا حبيبي ، قائلا : لأجدها وأستردها منه .
 
140 - والشكر لله أن ذلك الدعاء صار مردودا ، وكنت أظنها خسارة وهي نفع 
- ورب دعاء تكون فيه الخسارة والهلاك ، ولا يستجيب إليه الإله الطاهر من كرمه «1 » .
 
التماس رفيق عيسى عليه السلام منه عليه السلام إحياء العظام
 
- لقد صاحب أحد البلهاء عيسى ، فرأى عظاما في حفرة عميقة .
- فقال : أيها الرفيق ! ! ذلك الاسم السنى الذي يحيى الموتى .
- علمني إياه حتى أقدم أنا أيضا بالإحسان ، وأجعل هذه العظام ترتد فيها الروح .
 
145 - قال : اصمت ، فليس هذا من شأنك ، وليس لائقا بأنفاسك وأقوالك .
- ذلك أنه يريد نفسا أطهر من المطر ، وأكثر إدراكا في مسيره من الملاك .
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 140 : إنه مصلح ويعرف المصلحة ، وإنه يرد مثل هذا الدعاء ، وذلك المتجه بالدعاء يكون شاكيا ، ويظن ظن السوء وهذا سىء ، ولا يعلم أنه يريده بلاءه ، ومن كرم الحق لم يستجب له مباشرة .
 
« 37 »
 
- وإنما تلزم أعمار حتى يصير النفس طاهرا ، ولكي يصبح ( صاحبه ) أمينا لمخزن الأفلاك .
- ولقد أمسكت هذه العصا بيدك اليمنى ، ومن أين لليد قوة موسى ؟ !
- قال : إن لم أكن أنا تاليا للأسرار ، فاتل أنت الاسم على العظام .
 
150 - قال عيسى : يا رب أية أسرار هذه ، وما ( سر ) ميل هذا الأبله في هذا التسخير ؟ !
- وكيف لا يهتم هذا المريض بأمر نفسه ؟ ! وكيف لا تهتم هذه الجيفة بالروح ؟
- لقد أهمل جيفته هو ، ويبحث عن رتق جيفة الغريب ؟
- قال الحق : إذا كان المدير طالبا للإدبار ، فإن جزاء زراعته ( أن يحصد ) الشوك .
- وذلك الذي يغرس بذور الشوك في الدنيا ، حذار حذار ، لا تبحث عنه في البستان « 1 »
 
 155 - فإن أمسك وردة بيده تنقلب إلى شوك ، وإن اتجه إلى صديقه ، انقلب إلى حية .
- وإن كيمياء ( تبديل ) السم والحية عند ذلك الشقي ، مخالفة لكيمياء ( تبديل ) التقي .
 
نصيحة الصوفي الخادم بالعناية بدابته ، ودو قلة الخادم
 
- كان أحد الصوفية يسيح عبر الآفاق ، حتى نزل ذات ليلة ضيفا بزاوية .
- كانت لديه مطية ، فربطها في الحظيرة ، وجلس في صدر الصفة مع الرفاق .
...............................................................
( 1 ) ح / 3 - 144 : فحذار لا تعتمد على قوله وفعله ، فهو كشجر الصفصاف ، ليس لديه ثمر .
 

« 38 »
 
- وصار في ( مقام ) المراقبة مع رفاقه ، والحضور مع الرفاق كتاب زائد ( الفائدة ) .
 
160 - وليس دفتر الصوفي في سواد الحروف ، ليس إلا قلبا أبيض كأنه الثلج .
- وزاد العالم آثار القلم ، وما هو زاد الصوفي ؟ آثار القدم .
- إنه كالصياد مضى يطلب الصيد ، فرأى أثر خطو غزال ، ومضى خلف الأثر .
- ولقد كان خطو الغزال لازما له فترة من الزمان ، ومن بعد ذلك صارت نافجة الغزل مرشدا له .
- وعندما شكر ( القدرة ) على الخطو وقطع الطريق ، فلا جرم أنه قد وصل من ذلك الخطو إلى مبتغاه .
 
165 - والمسير لمسافة منزل واحد على رائحة النافجة ، أفضل من ( المسير ) مائة منزل من الخطو والطواف « 1 »
- وذلك القلب الذي يطلع على أضواء الأقمار ، هو بالنسبة للعارف مصداق لفُتِحَتْ أَبْوابُها.
- إنه بالنسبة لك جدار وبالنسبة لهم باب ، إنه بالنسبة لك حجر ، وللأعزاء جوهر .
- وما تراه أنت في المرآة عيانا ، يراه الشيخ في قطعة لبن من قبل ذاك .
- والشيخ أقصد به من لم يكن من هذا العالم ، فلقد كانت أرواحهم في بحر الجود .
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 147 : وسير الزاهد كل شهر حتى العتبة . وسير العارف كل لحظة حتى عرش الملك ! !
 
« 39 »
 
170 - ومن قبل أن يخلقوا أجسادا ، عاشوا أعمارا ، ومن قبل أن يزرعوا جنوا الثمار ! !
- ومن قبل أن يصوروا ، تقبلوا الروح ، ومن قبل أن ( يوجدوا ) في البحر ثقبوا الدر .
- لقد كانت المشورة لا تزال تدور من أجل إيجاد الخلق ، بينما كانت أرواحهم في بحر القدرة ( غارقة ) حتى الحلوق .
- وعندما كان الملائكة يمانعون في إيجاد الخلق ، كانوا هم خفية يسخرون من الملائكة .
- كانوا على علم بصورة كل ما صار موجودا ، وذلك من قبل أن تخلق هذه النفس الكلية .
 
175 - ومن قبل الأفلاك ، رأوا عطارد ، ومن قبل الحبوب ، رأوا الخبز .
- وبدون أن تكون لهم قلوب أو ألباب ، كانوا مليئين بالتفكير ، ودون جيش أو حرب ، عقدوا لواء النصر
- وذلك العيان ، هو بالنسبة لهم فكرة ، وإلا فإنه بالنسبة للمبعدين رؤية .
- والفكرة تكون من الماضي ومن المستقبل ، وما داموا قد نجوا من هذين فقد حلت المشكلة .
- والبصيرة لما كانت بلا كيفية ، فقد رأت كل من لا كيفية له من قبل ، والصحيح والزائف من قبل ( أن يوجد ) المنجم .
 
180 - ومن قبل أن تخلق الكروم ، شربوا الخمور ، وأظهروا الوجد .
- وفي تموز الحار ، يرون شهر دى ، وفي شعاع الشمس يرون الفيىء .
- وفي قلب العنب قد رأوا الخمر ، وفي الفناء المحض ، رأوا الموجود .
 
« 40 »
 
- والسماء من حولهم شاربة للجرعات ، والشمس من جودهم ، متشحة باللباس الذهبي ! !
- وعندما ترى منهم رفيقين مجتمعين ، يكونان واحدا ، وستمائة ألف .
 
185 - وأعدادهم على مثال الموج ، فإن الريح هي التي جعلته ( يبدو ) متعددا .
- وإن شمس الأرواح قد تفرقت داخل كوات الأبدال .
- وعندما تنظر في قرص الشمس فهو واحد في حد ذاته ، ومن هو محجوب بالأبدان ، لا يزال في شك .
- إن التفرقة تكون في الروح الحيوانية ، والنفس الواحدة ، هي الروح الإنسانية .
- وما دام الحق قد رش عليهم نوره ، فلا يتفرق أبدا نوره « 1 »
 
190 - ألا فلتتركنى لحظة أيها الرفيق الملول ، حتى أسوق وصفا لخال من ذلك الجمال .
- وإن جمال حاله لا يتأتى في بيان ، وما العالمان ؟ إنهما انعكاس لخاله
- وعندما أتحدث أنا عن خاله الجميل ، يريد النطق أن يشق جسدي .
- فأنا سعيد في هذا البيدر كنملة ، بحيث أحمل حملا يفوق استطاعتي .
 
انغلاق تقرير معنى الحكاية بسبب ميل المستمع 
إلى استماع ظاهر الحكاية
 
- ومتى يتركنى ذلك الحاسد للضياء ، أن أقول ما هو فرض وما هو جدير بالقول .
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 158 - 159 : - والروح الإنسانية كنفس واحدة ، والروح الحيوانية سفلى جامدة .
- والعقل الجزئي ليس عارفا بسر هذا ، وليس واقفا على هذا السر سوى الله 
- وأي أمر لعقلك مع هذا الهوس ، وآية فائدة للموجود أهم من ( قول ) السر .
 

« 41 »
 
195 - وإن البحر ليطف بالزبد ويقيم سدا ، ويكون جزر ومن بعد الجزر يقوم بالمد .
- فاستمع هذه اللحظة ، وما المانع ؟ ربما مضى قلب المستمع إلى موضع آخر .
- لقد انصرف خاطره إلى الصوفي الذي نزل ضيفا ، وفي ذلك الهاجس انغمس حتى عنقه .
- ومن ثم صار لازما الانصراف عن هذا المقال ، صوب تلك الحكاية وصفا للحال .
- فلا تعتبر أن الصوفي هو هذه الصورة أيها العزيز ، فحتام أنت كالأطفال ( متعلقا ) بالجوز والزبيب ؟
 
200 - وأجسادنا هي الجوز . والزبيب يا بنى ، فإن كنت رجلا دعك من هذين الشيئين !
- وإن لم تدعها فإن إكرام الحق يجعلك تدعها من فوق الطباق التسع .
- واستمع الان إلى الحكاية ، لكن أنتبه ، وافصل الحب عن التبن .
 
التزام الخادم برعاية الدابة وإهماله
 
- وعندما وصلت حلقة أولئك الصوفية طلاب الفائدة إلى آخر الوجد والطرب .
- مدوا المائدة من أجل الضيف ، فتذكر الدابة في تلك اللحظة .
 
205 - فقال للخادم : امض إلى الحظيرة ، وهيىء من أجل الدابة التبن والشعير .
- قال : لا حول ، ما هذه الزيادة في الكلام ؟ ! إن هذه الأمور هي عملي منذ أمد بعيد .
- قال : بلل شعيره من البداية ، فإن ذلك الحمار هرم وأسنانه واهية .
- قال : لا حول ، ما ذا تقول أيها العظيم ؟ ! إنما يتعلم منى ( الناس ) هذه الأعمال
 
« 42 »
 
 
- قال : أنزل عنه السرج هونا ، وضع دهان المنبلى على ظهره الجريح .
 
210 - قال : لا حول ، الخلاصة أيها الحكيم ، إن مئات الآلاف من أمثالك نزلوا علينا ضيوفا .
- وكلهم مضوا عنا في غاية الرضا ، فالضيف هو بمثابة الروح والأهل عندنا
- قال : اسقه ، لكن ليكن ( الماء ) دافئا من الصنبور ، قال : لا حول ، إنما اعترانى الخجل منك .
- قال : قلل من القش في شعيره ، قال : لا حول : اقصر من هذا الكلام .
- قال : اكنس مكانه من الحصى والبعر ، وإن كان مبللا ، صب عليه ترابا جافا ! !
 
215 - قال : لا حول ، استعذ يا أبى بالله ، وقلل الحديث مع الرسول الحكيم .
- قال : خذ المشط ، وحك به ظهر الحمار ، قال : لا حول ، أخجل يا أبى « 1 » .
- قال الخادم هذا القول وسد باب ( القول ) سريعا ، قائلا : لأمض وألقى بالتبن والشعير سريعا .
...............................................................
( 1 ) ج 3 / 189 - 190 : - قال : قصر له طرف الزمام ، حتى لا يسقط عند التمرغ في القيد 
- قال : لا حول ، لا تشك كثيرا أيها الأب ، ومن أجل الحمار لا تتحامق كثيرا 
- قال : ألق " العراقة " على جسده سريعا ، ذلك أن الليلة باردة بأنجم الفضل .
- قال : لا حول ، لا تتحدث أيها الأب هكذا كثيرا ، ولا تبحث عن العظام في اللبن وهي لم تكن فيه .
- إنني أكثر مهارة منك في علمي ، ويأتيني الضيوف من طبيب وصائغ .
- وأخدم كل ضيف بما يليق به ، وأكون في الخدمة ( سعيدا ) كالورد والسوسن .

« 43 »
 
- ومضى ولم يتذكر الحظيرة قط ، وهدأ من ذلك الصوفي بحيث ( نام ) نوم الأرانب .
- مضى الخادم ومضى إلى جمع من السوقة ، وسخر من وصايا الصوفي .
 
220 - وكان الصوفي قد تأخر عن المسير وطال به ( الوقت ) ، فأخذ يحلم وهو مفتوح العينين .
- بأن حماره كان قد سقط بين براثن ذئب ، وأن ( الذئب ) يقطع من ( لحم ) ظهره وفخذه .
- فقال : لا حول ، أي هذيان هذا ، واعجبا ، أين ذلك الخادم الرحيم ؟ ! !
- ثم أخذ يرى أن حماره في مسيره ، حينا يسقط في بئر ، وحينا في حفرة .
- وأخذ يرى من الواقعات السيئة اشكالا وألوانا ، فأخذ يقرأ ( الفاتحة ) و ( القارعة ) .
 
225 - فقال : ما الحل ؟ لقد انصرف الرفاق ، ومضوا ، وأغلقوا الأبواب ( من ورائهم ) جميعا .
- ثم أخذ يقول : عجبا ألم يشاركنا ذلك المخادع الحقير الخبز والملح ؟ ! !
- إنني لم أبد له إلا اللطف واللين ، فلماذا يبدي لي في مقابله الحقد ؟
- وكل عداوة ينبغي أن يساندها سبب ، وإلا فإن التجانس يلقن الوفاء .
- ثم أخذ يقول : وآدم مع كل لطفه وجوده ، متى كان قد جار على إبليس ذاك ؟ !
 
230 - وما ذا فعل الإنسان للثعبان والعقرب ؟ ! بحيث لا يفتأ يريد له الموت والألم
- وخاصية الذئب التمزيق ، وهذا الحسد بين الخلق ظاهر للعيان .
- ثم أخذ يقول : بل إن سوء الظن هذا خطأ ، فلماذا يكون ظني هكذا بأخي ؟
- ثم عاد يقول : بل إن سوء الظن من الحزم ، وكل من لا يكون سىء الظن ، متى يبقى سالما ؟
 
 
« 44 »
 
- وظل الصوفي في وسوسته ( وفكر ) حماره إلى درجة لا كانت جزاء للأعداء
 
235 - وذلك الحمار المسكين بين التراب والحصى ، مائل السرج ، ممزق الزمام .
- متعب حتى الموت من الطريق ، وطوال الليل بلا علف ، حينا يعاني نزع الروح وحينا يعاني الهلاك .
- وأخذ الحمار يذكر طوال الليل قائلا : يا الله ، لقد صرفت النظر عن الشعير فجد بقبضة من التبن .
- وبلسان الحال أخذ يقول : أيها الشيوخ ، الرحمة ، فلقد هلكت من هذا الساذج الهازل .
- وذلك الذي رآه ذلك الحمار من الألم والعذاب ، يراه الطائر المنزلى من السيل العباب ! !
 
240 - ثم رقد على جنبه تلك الليلة حتى الفجر ، ذلك الحمار المسكين ، من الجوع الشديد « 1 »
- وطلع النهار ، فأتى الخادم في الصباح وسريعا وضع السرج على ظهره .
- ووخزه وخزتين أو ثلاثا مثلما يفعل باعة الحمر ، وفعل مع الحمار ما يليق بالكلب .
- وبرطع الحمار من حدة الوخز ، وأين اللسان لكي يشرح الحمار أحواله ؟ !
 
ظن أهل القافلة أن دابة الصوفي مريضة
 
- وعندما ركب الصوفي واتخذ طريقه ، أخذت ( الدابة ) تسقط في كل لحظة
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 191 : أخذ يئن من فراق التبن والشعير ، ثملا من الشوق إليهما . 
وهكذا من المحنة والألم والحرقة أخذ يطلق الأهات طوال الليل حتى طلوع النهار .
 
« 45 »
 
245 - وكان الناس يرفعونها ، وظنوا بأجمعهم أنها مريضة .
- كان أحدهم يشد أذنيها بشدة ، وكان آخر يبحث فيما بين فكيها وتحت لسانها .
- وكان أحدهم يبحث في حدوتها عن حصاة ، وكان آخر يبحث في عينها عن بقعة .
- ثم أخذوا يقولون : يا شيخ ما سبب هذا ؟ ألم تكن تقول بالأمس الشكر لله ، فهذا الحمار قوى .
- قال : ذلك الحمار الذي كان قوته في الليل حوقلات ، لا يستطيع السير إلا على هذا النمط .
 
250 - ولما كان قوت الحمار في الليل من الحوقلات ، فلا شك أنه يسبح طوال الليل ، ويقضى يومه في سجود « 1 »
- وأغلب الناس من أكلة لحوم البشر ، فقلل انتظار الأمان حتى من ( مجرد ) سلامهم .
- وقلوبهم جميعا منازل للشيطان ، فقلل من قبول الوسوسة من شياطين الإنس .
- وكلّ من يسمع من نفثة الشيطان الحوقلة ، يكون مثل ذلك الحمار يكب على رأسه
- وكل من يتجرع في الدنيا خداع الشيطان ، ويتجرعه أيضا من العدو المتظاهر بالصدارة المرائي ،
 
255 - وفي طريق الإسلام وعلى جسر الصراط ، يكب على رأسه مثل ذلك الحمار متخبطا .
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 199 : - وإذا لم يكن أحد ممتحنا من همك ، فينبغي لك القيام بكل أمرك
 
« 46 »
 
- فلا تستمع إلى إغواءات صديق السوء ، حذار ، وأنظر إلى الشبكة ولا تمش على الأرض آمنا .
- وانظر إلى مائة الف إبليس يحوقلون ، فيا آدم ، أنظر إلى إبليس ( داخل ) الحية ! ! 
- يفح قائلا لك : يا حبيبي ، ويا صديقي ، حتى يسلخ عن ( هذا المسمى ) صديقا الجلد كالقصاب .
- ينفث حتى يسلخ جلدك ، وويل لذلك الذي يذوق الأفيون من ( أيدي ) الأعداء .
 
260 - يضع قدمه على رأسك وكأنه القصاب ، وينفث حتى يسفك دمك بغلظة وشدة .
- وكالأسد ، قم بصيدك بنفسك ، واترك إغواء القريب والبعيد .
- واعلم أن رعاية الأخساء من قبل رعاية ذلك الخادم ، والعزلة أفضل من إغواء الأخساء ! !
- ولا تجعل لنفسك منزلا في أرض الناس ، وقم بالعمل لنفسك - ولا تقم بالعمل للغريب .
- فمن هو الغريب ؟ إنه جسدك المخلوق من تراب ، وهو الذي يكون من أجله كل همك ! !
 
265 - وما دمت تمد الجسد بالدسم والحلو ، فإنك لا ترى سمنة ( وصحة ) في جوهرك ! !
- والجسد حتى وإن ربا بين المسك ، يفوح منه النتن ، في يوم الوفاة .
- فلا تضمخ الجسد بالمسك ، بل ضمخ به القلب ، وما هو مسك ( القلب ) ؟ إنه اسم ذي الجلال الطاهر .
 

« 47 »
 
 
- وذلك المنافق يضمخ جسده بالمسك ، ويضع الروح في قاع المستوقد ! !
- فاسم الحق على اللسّان ، وفي روحه ، أنواع العفن من فكره الذي لا إيمان فيه
 
270 - والذكر منه كخضرة فوق دمن ، كأنها ورد وسوسن على رأس مرحاض .
- وذلك النبات في ذلك المكان على سبيل العارية ، فإن الموضع ( الحقيقي ) لذلك الورد المحفل ومجلس اللهو ! !
- والطيبات إنما تتجه نحو الطيبين ، والخبيثات للخبيثين ، ألا فلتنتبه ! !
- ولا تكن حقودا ، كأولئك الذين ضلوا من الحقد ، فقبور أولئك الذين أضلهم الحقد توضع إلى جوار قبور الحاقدين ! !
- والجحيم هو أصل الحقد ، وحقدك ، وجزء من ذلك الكل ، وخصم لدينك .
 
275 - وما دمت جزءا من الجحيم فانتبه ، فإنما يقر قرار الجزء إلى جوار ( كله )
- والمر يقينا يلحق بمن فيهم هذه الصفة ، ومتى يكون نفس الباطل قرينا للحق ؟
- وإن كنت جزءا من الجنة يا ذائع الصيت ، فان سروروك وعيشك يكون ثابتا في الجنة .
- ويا أيها الأخ إنك أنت نفس ما لديك من فكر ، وما بقي منك عظام وعروق .
- فإن كان فكرك وردا ، فأنت روضة ، وإن كان شوكا ، فأنت مستوقد .
 
280 - وإن كنت ماء ورد فإنما تعطر بك الجيوب ، وإن كنت كالبول فإنهم يلقون بك بعيدا .
- وانظر إلى صناديق العطارين ، فإن كل بضاعة توضع إلى جوار جنسها ! !
- ثم إن البضائع قد اختلطت ببعضها، ومن هذا التجانس، إنبتقت زينة تسر الناظرين.
 
 
« 48 »
 
- حتى وإن إمتزج العود والسكر عنده ، فإنه يستطيع أن يفصل كل واحد منهما عن الآخر ! !
- لقد انكسرت الصناديق ، وسالت الأرواح ، واختلط الصالح والطالح كل منهما مع الآخر « 1 »
 
285 - وأرسل الله تعالى الأنبياء بالكتب ، حتى يوضع كل صنف من هذه الحبوب في طبقه « 2 »
- ومن قبلهم كنا جميعا بأجا واحدا ، ولم يكن أحد يعلم أخيارا كنا أو أشرارا
- وكان الزائف والصحيح كلاهما يمضيان في الدنيا ، فقد كان الليل سائدا مدلهما ، ونحن كالسراة فيه .
- حتى أشرقت شمس الأنبياء ، وقالت : أيها الزائف ابتعد ، وأيها الخالص الصحيح تعال .
- والعين تستطيع أن تفرق بين الألوان ، والعين تستطيع أن تميز بين الياقوت والحجر .
 
290 - والعين تستطيع أن تميز بين الجوهر والقذى ، ومن هنا فإن القذى يؤذي العين بوخزه .
- وهؤلاء الزائفون أعداء للنهار ، وأنواع الذهب في المناجم عشاق للنهار .
- ذلك أن النهار هو مرآة التعريف ، وذلك لكي يلقى الذهب الأشرفي التشريف .
- ومن هنا فإن الحق جعل القيامة يوما " نهارا " ، فالنهار هو الذي يبدي جمال الأصفر والأخضر .
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 200 : - ولقد أرسل الحق الأنبياء من أجل هذا ، حتى يفصل فيهم بين الكفر والدين .
( 2 ) ج / 3 - 200 : والمؤمن والكافر والمسلم واليهودي ، كانوا يبدون من قبلهم على نمط واحد .
 
« 49 »
 
 
- ومن ثم إن النهار في الحقيقة هو سر الأولياء ، والنهار أمام " وجوههم " القمرية كأنه الظلال .
 
295 - فاعلم أن النهار هو انعكاس أسرار رجال الحق ، وانعكاس سترهم هو الليل الذي يغمض العيون .
- ومن هنا قال الله :وَالضُّحى، والضحى هو نور ضمير المصطفى ! !
- ومن قائل أن هذا الضحى هو مطلب الحبيب ، ذلك أنه كان إنعكاسا لنوره .
- وإلا فإن القسم بالفاني لا يصح ، والفناء في حد ذاته أية جدارة له بأن يتحدث عن الله ؟ !
- وإن كان الخليل قد قاللا أُحِبُّ الْآفِلِينَ، فكيف يطلب الله سبحانه وتعالى شيئا فانيا ؟
 
300 - لقد قال ذلك الخليل : لا أحب الآفلين ، فمتى يقسم بالفاني الرب الجليل ؟ !
- ثم إن وَاللَّيْلِ هي ستره ، على جسده ذاك المصاب بالصدأ
- وعندما أشرقت شمسه من ذاك الفلك ، قال لليل الجسد : انتبه . . .ما وَدَّعَكَ.
- ووجد الوصل من عين البلاء ، ومن حلاوته نزلتما قَلى
- وكل عبارة في حد ذاتها علامة على حال ، والحال بمثابة اليد ، والعبارة كالآلة .
 
305 - وآلة الصائغ في يد الحذاء ، تكون كبذرة تزرع في أرض رملية .
- وآلة الإسكاف عند الزارع ، تكون كوضع القش أمام الكلب والعظام أمام الحمار .
- لقد كانت " أنا الحق " نورا بين شفتي المنصور ، وكانت " أنا الله " من شفتي فرعون زورا وبهتانا .
 
« 50 »
 
- ولقد كانت العصا في يد موسى دليلا ، وكانت في كف الساحر هباء منثورا .
- ومن هنا فإن عيسى عليه السلام ، " لم يكن يريد " أن يعلم رفيق الطريق اسم الحي الصمد .
 
310 - لأنه لا يعلم ، ويعيب على الآلة ، وأنت إن ضربت حجرا بمدر ، متى تشتعل النار ؟ .
- واليد والآلة مثيلان للحجر والحديد ، ينبغي أن يقترنا ، ومن أجل الميلاد ، ينبغي أن يكون هناك زوج وزوجة .
- وذلك الذي جل عن الزوج والآلة هو الواحد الأحد ، وفي العدد شك ، وهذا الواحد لا ريب فيه .
- وأولئك الذين قالوا بالاثنين والثلاثة وما فوق ذلك ، متفقون يقينا على الواحد .
- وعندما يستبعد الحول ، يصيرون على نسق واحد ، ويصبح القائلون بالاثنين والثلاثة قائلين بالواحد .
 
315 - وإن كنت في ميدانه " كرة " قائلة بالواحد ، فإنما يثار الغبار في الميدان " بك " من صولجانه .
- وتصبح الكرة آنذاك مستوية مبرأة من النقصان ، كما أنها تصبح راقصة من ضربة المليك .
- واستمع إلى "هذه المعاني" أيها الأحول بوعيك ، وعالج عينيك عن طريق الأذن .
 
« 51 »
 
- ومن ثم فالكلام الطاهر في القلوب العمياء لا يستقر ، بل يمضي إلى أصل النور .
- ووسوسة الشيطان تلك في القلوب المعوجة ، تمضي وكأنها النعل المعوجة في قدم معوجة .
 
320 - وحتى إن قمت ( بتعلم ) الحكمة عن طريق التكرار ، ما دمت لست من أهلها ، فإنها تفر منك .
- حتى وإن كتبتها ودللت عليها ، أو ثرثرت بها ، وأخذت تبينها .
- فإنها تحجب وجهها عنك يا شديد العناد ، وتحطم القيود ، وتفر منك .
- وإن لم تقرأ ، لكنه يرى حرقتك ، يكون العلم هو الطائر المدرب على يديك .
- وهو لا يستقر عند كل من لا يكون ماهرا في صنعته ، ويكون كأنه الطالووس في منزل القروي .
 
عثور الملك على الصقر في منزل عجوز طاعن في السن
 
325 - ليس الدين هو ذلك البازي الذي هرب من الملك ، إلى تلك العجوز التي نتخل الدقيق .
- حتى تطبخ عصيدة لأولادها ، فرأت ذلك الصقر الجميل الأصيل .
- فقيدت سويقيه ، وقصقصت جناحه ، وقلمت أظافره ، ووضعت القش أمامه قوتا .
- وقالت : إن أولئك الأخساء لم يقوموا برعايتك كما ينبغي ، فطال جناحك زيادة عن الحد ، وطالت أظافرك .
- ويد كل خسيس تصيبك بالمرض ، فتعال إلى أمك ، كي تقوم برعايتك .

« 52 »
 
 
330 - واعلم أن حب الجاهل يكون على هذا النسق أيها الرفيق ، فالجاهل يمشي معوجا دائما في الطريق .
- وذات يوم تأخر الملك في البحث عنه ، حتى وصل إلى منزل تلك العجوز ومخيمها .
- فرأى الصقر فجأة بين العناء والهم ، فأجهش عليه بالبكاء وناح .
- وقال له : مهما كان هذا الجزاء فهو من فعل يدك ، لأنك لم تكن صادق الوفاء لنا ،
- فكيف تهرب من جنة الخلد إلى الجحيم ، غافلا عن "لا يَسْتَوِي أَصْحابُالجنة وأصحاب النار " ؟ !
 
335 - وهذا جزاء من يهرب من الملك العزيز ، حائرا نحو منزل امرأة عجوز. «1»
- وأخذ الصقر يحك يد الملك بجناحه ، ويقول بلا لسان : لقد أذنبت .
- ومن ثم فأين يتضرع ويئن اللئيم ، إن لم تكن قابلا إلا الطيب أيها الكريم ؟ ! « 2 » 
- وإن لطف المليك ليجعل من الروح باحثة عن الذنب ، ذلك لأن المليك يجعل كل قبيح جميلا .
- فامض ، ولا ترتكب الإثم ، فإنه حتى حسناتنا تبدو قبيحة أمام فاتتنا .
 
340 - ولقد رفعت لواء العصيان ، ذلك أنك ظننت أن لعبادتك أجرا .
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 230 : - هي عجوز نتنة هذه الدنيا الدنية ، وكل من مال إليها ذليل غبي . 
- فالدنيا جاهلة وعابدة للجاهل ، والعاقل هو من نجا من تلك الجاهلة . 
- وكل من يكون نجيا للجاهل ، يحبق به ما حاق بذلك الصقر .
( 2 ) ج / 3 - 230 : - وأين يضع رأسه الظلوم الخجل ، إلا على عتبتك أيها الغفور ؟
 

« 53 »
 
- وعندما أذن لك بالذكر والدعاء ، امتلأ قلبك بالغرور من هذا الدعاء .
- ورأيت نفسك أيضا متحدثا مع الله ، وما أكثر الذين أبعدوا من جراء هذا الظن .
- والملك حتى وإن جلس معك على الأرض ، اعرف " قدر " نفسك ، واجلس بأدب أكثر .
- قال البازي : أيها الملك ، لقد ندمت ، وتبت ، ودخلت من جديد في الإسلام
 
345 - وذلك الذي أصبته بالسكر وصار صيادا للأسود ، إن مشى متمايلا من السكر ، فالتمس له العذر .
- وإن كنت قد فقدت المخالب وأنت لي ، فإنني أقتلع لواء الشمس ! !
- وإن كان قد ذهب عني الجناح ، وتلطفت علي ، فإن الفلك نفسه ينقل عني في ممارسته لفنون الصقور .
- وإن تهبني شرف خدمتك ، أحطم الجبل ، وإن وهبتني قلم " السلطة " أحطم الأعلام .
- وإن جسدي في النهاية ليس أضعف من جسد البعوضة ، فإنني بجناحي أزيل ملكا " كملك " النمرود .
 
350 - فاعتبر أنني في ضعفي كطير الأبابيل ، واعتبر أن كل خصم بمثابة الفيل
- فإنني ألقي حصاة " بحجم " البندقة ، بندقة محرقة ، والبندقة في فعلي كمائة منجنيق .
- وحصاتي - وإن كانت كحبة الحمص ، لا تتبقى منها في الهيجاء رأس ولا خوذة .
- لقد أتى موسى إلى الوغى بعصا واحدة ، وهاجم بها فرعون ذاك وسيوفه
 

« 54 »
 
- وكل رسول قرع هذا الباب بمفرده ، وصمد بمفرده أمام كل الآفاق .
 
355 - ونوح ، عندما طلب منه سيفا ، صار منه موج الطوفان في طبع السيف .
- ويا أحمد ، ما ذا تكون جيوش الأرض " أمامك " ؟ ، أنظر إلى القمر فوق الفلك ، وشق جبينه .
- حتى تعلم " كواكب " السعد والنحس الغافلة ، أن النوبة نوبتك ، وليست نوبة القمر ! !
- النوبة نوبتك ، ذلك أن موسى الكليم ، كان يرجو دائما أن يكون من أمتك .
- وذلك لأنه رأى عز نوبتك ، وأن صبح التجلي كان ينبثق منها .
 
360 - فقال : يا رب ، يا له من عهد للرحمة ! ! ، لقد فاقت حدود الرحمة ، إنها رؤية ! !
- فأغرق موسى الذات في البحار ، ثم استخرجه منها إبان نوبة أحمد .
- قال : يا موسى ، لقد أبديت لك هذا الأمر ، وفتحت لك طريق الخلوة .
- فأنت في هذه النوبة بعيد عن تلك النوبة أيها الكليم ، فاضمم ساقيك ، فهذا الكليم طويل عليك .
- وأنا كريم ، أبدي الخبز لعبدي ، حتى ليغلبه البكاء طمعا فيه .
 
365 - والأم تحك أنف طفلها ، لكي يستيقظ ، ويطلب الطعام .
- لأنه قد نام جائعا غافلا ، وهذان الثديان يشعران بالوخز ، من أجل إدرار اللبن له .
- " كنت كنزا رحمة مخفية ، فانبعثت أمة مهدية " « 1 »
...............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن .

« 55 »
 
- وكل كرامات تطلبها بروحك ، قد أبداها هو لك ، حتى تطمع فيها .
- ولقد حطم أحمد الأصنام في هذه الدنيا فترة من الزمان ، حتى أصبح أتباعه عابدين لله .
 
370 - ولو لم يكن جهد أحمد ، لكنت أنت أيضا عابدا للصنم ، مثل أجدادك .
- ولقد خلص رأسك هذه من السجود للصنم ، حتى تعرف حقه على الأمم .
- وإن تحدثت ، فاشكر هذا الخلاص ، حتى يخلصك بأجمعك من صنم الباطن .
- وما دام قد خلص رأسك من السجود للأصنام ، فبتلك القوة ، خلص أنت أيضا القلب .
- وإنك لتمتنع عن شكر " الله " أن " حباك " الدين ، لأنك ورثته عن أبيك بالمجان .
 
375 - ومتى يعلم الوارث قدر المال ، لقد جاهد رستم جهاد المستميت ، ونال زال " نتيجة سعيه " بالمجان .
- وعندما تبكي ، تفور رحمتي ، وذلك الذي يجأر لي " بالدعاء " ينال نعمتي .
- وإن لم أكن سأعطي ، فإنني لا أبدي ، وما دمت قد قيدته " إلى " ، فلأفتح له القلب .
- وإن رحمتي موقوفة على هذا البكاء الجميل ، وما دام المرء قد بكى ، فقد ارتفع الموج من بحر الرحمة . « 1 »
 
شراء الشيخ أحمد بن خضرويه الحلوى لغرمائه بإلهام من الحق تعالى
 
- كان هناك أحد المشايخ مدينا على الدوام ، وذلك من فرط جود ذلك الشهير .
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 232 : - وما لم يبك السحاب ، متى تضحك الرياض ؟ وما لم يبك الطفل ، متى يفور اللبن من الثدي ؟


 
« 56 »
 
380 - وكان قد اقترض عشرات الآلاف من العظام ، وأنفقها على فقراء الدنيا .
- كما أقام من القروض زاوية ، وأنفق المال والروح والزاوية .
- وكان الله تعالى يقضي عنه الدين في كل مكان ، والله سبحانه وتعالى جعل الرمل دقيقا للخليل .
- وقال الرسول صلى الله عليه وسلّم : هناك في الأسواق دائما ملكان يقومان بالدعاء .
- قائلين : اللهم أعط المنفقين الخلف ، واللهم أصب الممسكين بالتلف .
 
385 - وبخاصة ذلك المنفق الذي جاد بالروح ، وضحى بحلقه للخلاق .
- وقدم حلقه وكأنه إسماعيل ، ولم تجرؤ السكين على العمل في حلقه .
- ومن ثم فالشهداء أحياء وفرحون ، فلا تنظر إلى هذا الجسد كالمجوسي .
- وما دام قد أخلف عليهم بالروح الباقية ، فالروح آمنة من الحزن والعناء والشقاء .
- وظل الشيخ المدين لسنوات على ديدنه هذا ، يأخذ ويرد ، كما ينبغي لعظيم .
 
390 - وكان يغرس البذور من أجل يوم الأجل ، حتى يصبح يوم الأجل الأمير الأجل .
- وعندما بلغ عمر الشيخ منتهاه ، ورأى في جسده أمارات الموت .
- تجمع الدائنون حوله ، والشيخ يذوب سعيدا وكأنه شمعة .
- وصار الدائنون قانطين عبوسين ، لقد تجمع ألم القلوب مع ألم الكلى .
- وقال الشيخ : أنظر إلى هؤلاء الذين يسيئون الظن ، أليس عند الحق أربعمائة دينار ؟ !


 
« 57 »
 
395 - وصاح صبي من الخارج مناديا على حلواه ، وظل يكرر النداء آملا في دانق .
- وأشار الشيخ إلى الخادم برأسه بما معناه : إمض ، واشتر كل هذه الحلوى .
- ربما عندما يأكل الغرماء من هذه الحلوى ، لا ينظرون إلى بغضب ومرارة لحظة واحدة .
- وفي التو خرج الخادم من الباب ، حتى يشتري كل الحلوى بثمنها .
- وسأله : بكم هذه الحلوى جملة ؟ قال الصبي : نصف دينار وقليل .
 
400 - قال : لا ، لا تزد في الثمن على الصوفية ، لأعطيك نصف دينار ، ولا تتحدث ثانية .
- ووضع الطبق أمام الشيخ ، فانظر إلى بواطن الشيخ التي تفكر في الأسرار ! !
- وأشار إلى الغرماء ، إن هذا النوال على سبيل التبرك ، فكلوه هنيئا حلالا .
- وعندما فرغ الطبق ، أخذه ذلك الصبي ، وقال : هات الثمن يا ذا النهى .
- قال الشيخ : من أين أتي بالدراهم ؟ إنني مدين ، وأمضي صوب العدم ! !
 
 405 - ومن غضبه ، ألقى الصبي بالطبق على الأرض ، وبدأ في الشكوى والبكاء والصراخ .
- كان الصبي يبكى من الغبن بكاء مرا ، صارخا : لقد كسرت كلتا قدمي .
- ليتني طوفت حول مستوقد ، ولم أمر بباب هذه الزاوية .
- فالصوفية الشرهون الطماعون ، لهم قلوب كالكلاب ، وملحاحون كالقطط .
- ومن ضجيج الصبي ، تجمع حوله الناس من كل صنف ، وتجمع حوله ما يشبه الحشر .

 
« 58 »
 
410 - ودخل على الشيخ صائحا : أيها الغليظ ، تيقن أن " الأسطى " سوف يقتلني .
- وإن ذهبت إليه خاوي الوفاض ، سوف يقتلني ، فهل تجيز هذا ؟
- واتجه أولئك الغرماء أيضا إلى الشيخ قائلين : ما الخبر هذه المرة ؟
- لقد أكلت أموالنا ، وحملت مظالمها ، فأي ظلم هذا إذن تضعه فوقها ؟
- وبكى ذلك الصبي حتى صلاة العصر ، والشيخ قد أغمض عينيه ، لا ينظر إليه .
 
415 - كان الشيخ فارغ " الفؤاد " من الجفاء والخلاف ، وقد غطى وجهه القمري باللحاف !!
- كان سعيدا مع الأبد سعيدا مع الأزل ، مسرور الخاطر ، فارغ الفؤاد من تشنيع الخواص والعوام .
- فذلك الذي تتهلل الروح في وجهه وكأنها السكر ، أي ضير يصيبه من عبوس الناس في وجهه ؟
- وذلك الذي تقبل الروح عينيه ، متى يهتم بالفلك أو بغضبه ؟
- وفي الليلة المقمرة ، أي بأس على القمر من الكلاب ومن نباحها ؟
 
420 - فالكلب كان يقوم بواجبه ، والقمر يبسط أنواره على الوجوه .
- وإن كل إمريء ليقوم بشئونه ، والماء لا يترك صفاءه من أجل خسيس
- والقذى يمضي ، كما يمضي القذى فوق سطح الماء ، والماء يمضى صافيا دون اضطراب .
- والمصطفى يشق القمر في منتصف الليل ، بينما أبو لهب يجدف من الحقد
- وذلك المسيح يقوم بإحياء الموتى ، وذلك اليهودي يقتلع شاربه غضبا .

 
« 59 »
 
425 - فهل يصل نباح الكلب أبدا إلى أذن القمر ؟ وبخاصة القمر الذي يكون من خواص الله ؟
- والملك يشرب على حافة الجدول حتى السحر ، ويشغل بالسماع ، غير آبه بنقيق الضفادع .
- ولقد وزع بعضهم على الصبي بعض الدوانيق ، لكن همة الشيخ قطعت ذلك السخاء .
- حتى لا يعطي أحد ذلك الصبي شيئا ، وقوة المشايخ تزيد على هذا أيضا
- وانتهت صلاة العصر ، فجاء خادم ، وفي كفه طبق ، من جواد مثيل لحاتم .
 
430 - فلقد أرسل صاحب مال وحال هدية إلى الشيخ ، إذ كان عالما بأمره .
- وفي جانب الطبق أربعمائة دينار ، ونصف دينار أيضا ملفوف في ورقة .
- ودخل الخادم ، وأدى فروض الطاعة للشيخ ، ووضع ذلك الطبق أمام الشيخ الفريد .
- وعندما كشف عن ذلك الطبق الغطاء ، ورأى الخلق هذه الكرامة منه ،
- سرعان ما انطلقت الآهات والصيحات من الجميع ، قائلين : يا رأس المشايخ والملوك ، أي شيء كان هذا ؟
 
435 - أي سر هذا ؟ وأية ملوكية مرة ثانية ؟ يا سيد سادة السر ؟
- إننا لم نكن نعلم ، فاعف عنا ، فلقد كان ذلك الكلام الذي صدر عنا شديد اللغو
- ونحن الذين كنا نلوح بالعصي كما يفعل العميان ، لا جرم أننا كسرنا القناديل .
- ونحن كالصم دون أن نسمع أي خطاب ، أجبنا هازلين اعتمادا على قياسنا .
 
 
« 60 »
 
- كما أننا لم ننتصح بموسى ، ذلك الذي صار من إنكاره على الخضر شاحب الوجه .
 
440 - ومع مثل هاتين العينين اللتين تسرعان إلى العلا ، ونور عينيه الذي كان يشق السماوات .
- ويا موسى ، لقد قارن عينه التي تشبه عين فأر الطاحون بعينك ! !
- وقال الشيخ : إن كل هذا القول والمقال ، سامحتكم فيه ، فليكن حلالا لكم .
- والسر هو أنني طلبت من الله ، فلا جرم أنه أبدى لي الطريق السليم .
- وقال : إن ذلك الدينار وإن كان مبلغا قليلا ، إلا أنه موقوف على بكاء الصبي وصياحه ! !
 
445 - وما لم يبك الصبي بائع الحلوى ، فإن بحر الرحمة لا يجيش بالعطاء
- أيها الأخ ، إن الطفل هو إنسان عينك ، واعلم تماما أن رغبته موقوفة على النواح والبكاء . « 1 »
- وإن كنت تريد أن تصل إليك هذه الخلعة ، فاجعل إنسان العين باكيا على الجسد .
 
تخويف أحدهم لزاهد قائلا : قلل البكاء لئلا تصاب بالعمى
 
- قال لزاهد أحد أصدقائه : إبك قليلا في عبادتك ، حتى لا تصاب عينك بالخلل
- قال الزاهد : إن الأمر لا يخرج عن شيئين ، فإما أن ترى العين ذلك الجمال أو لا تراه .
 
450 - فإن رأت نور الحق ، أي حزن من بعد ؟ وما أهون عينين " ثمنا " للوصول إلى الحق .
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 251 : - وإذا كنت تريد أن يحل المشكل ، وأن يتبدل الحرمان إلى ورد .

 
« 61 »
 
- وإن لم تكن تريد رؤية الحق ، فقل لها إبيضي ، وقل لمثل هذه العين الشقية :
ألا فلتصابي بالعمى .
- ولا يزدد همك على العين ، ما دام عيسى ذاك لك ، ولا تمش معوجا ، حتى يهبك عينين صحيحتين .
- وإن عيسى روحك لحاضر معك ، فاطلب منه النصرة ، فهو ناصر طيب .
- لكن سخرة الجسد الملئ بالعظام ، لا تضعها على قلب عيسى في كل لحظة .
 
455 - مثل ذلك الأبله الذي ذكرناه في القصة ، " مثلا " من أجل الصادقين .
- ولا تطلب حياة الجسد من عيسى " الخاص بك " ، ولا تطلب هوى فرعون من موسى الخاص بك .
- وقلل من وضع هم المعاش على قلبك ، فالقوت لا يقل ، لكن على عتبته .
- وهذا البدن مجرد خيمة حول الروح ، أو على مثال السفينة بالنسبة لنوح .
- وعندما يوجد التركي ، يجد المعسكر ، خاصة عندما يكون عزيزا لدى عتبة " السلطان " .
 
إتمام قصة إحياء العظام بدعاء عيسى عليه السلام
« 1 »
 
 460 - ولقد قرأ عيسى اسم الحق على العظام ، بناء على التماس ذلك الشاب .
- وحكم الله من أجل ذلك الرجل الساذج ، أحيا صورة تلك العظام .
- ومنها قفز أسد أسود ، وهجم بمخالبه ، ومزق جسده .
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 266 : - رأى عيسى أن هذا الرفيق الأبله ، لا يعرف طريقا سوى العناد . 
- ولا يرتدع لنصيحة من بلهه ، ويظن به بخلا من ضلاله .
 
 
« 62 »
 
- ونزع رأسه ، فسال مخه منها لتوه ، مخ جوزة لا لباب فيها .
- فلو كان له مخ ، لما حدث نقص على جسده أصلا من تمزقه .
 
465 - قال عيسى : لماذا مزقته هكذا سريعا ؟ قال " لأنك قد تضايقت منه .
- وقال عيسى : لماذا لم تشرب من دم الرجل ؟ أجاب : لم يكن رزقا لي فيما قسم من الأزل .
- وما أكثر الذين مضوا عن هذا العالمن ، مثل ذلك الأسد الهصور ، دون أن يأكلوا صيدهم .
- ليس له نصيب مثقال قشة ، وحرصه كالجبل ، لا نصيب له ، بينما حصل الأنصبة " للآخرين " « 1 » .
- ويا من كتبت علينا في الدنيا السخرة والإجبار ، خلصنا منها .
 
470 - ولقد أظهرت لنا الطعم ، وكان شصا ، ألا فلتبده لنا يا إلهي كما هو عليه .
- قال الأسد : أيها المسيح ، إن هذا الصيد ، كان خالصا من أجل الاعتبار
- وإن كان ثم رزق قد بقي لي في هذه الدنيا ، فأي أمر كان يكون لي في الأصل مع الموتى ؟
- وإن هذا جزاء من يجد الماء الصافي ، ثم يبول كالحمار في الجدول الصافي .
- ولو علم الحمار قيمة ذلك الجدول ، لوضع رأسه فيه بدلا من أن يضع قدمه .
 
475 - ويجد مثل ذلك الرسول ، قيما على ماء " المعرفة " مرب للحياة ،
- ثم لا يموت أمامه بأمر " كن " ، قائلا له : يا أمير الماء أحينا ! !
...............................................................
( 1 ) ج / 3 - 266 : لقد جمع المال ومضى صوب القبر ، وأقام أعداؤه احتفالا بموته .
 


« 63 »
 
- فحذار ، لا تطلب الحياة لكلب نفسك ، فهو عدو لروحك من قديم الزمان
- وليكن التراب على رأس تلك العظام التي تكون حائلا أمام ذلك الكلب عن صيد الروح .
- ولست كلبا ، فكيف تكون عاشقا للعظم ، ولماذا تكون عاشقا للدم كدودة العلق ؟
 
480 - وأي عين هذه التي لا تحتوي على رؤية ؟ ! وليس لها عند أنواع الامتحان إلا الفضيحة ؟ !
- والظنون تكون بين الحين والآخر من قبيل السهو ، وأي ظن هذا من هذا الأعمى الذي جاء من الطريق ؟
- فتعالي أيتها العين ، أتنوحين على الغير ؟ ألا فلتجلسي فترة تبكين على نفسك
- ومن السحاب الباكي ، يصير الغصن طريا ، وذلك الشمع من بكائه ، يزداد ضياء .
- فاقبع حيثما تجد أناسا ينوحون ، ذلك أنك أولى بالأنين .
 
485 - ذلك أنهم فانون في الفراق ، غافلون عن بكاء المنسوبين إلى منجم "الحسن".
- وذلك أن صورة التقليد سد أمام القلب ، فامض ، وامح بدمع العين هذا السد .
- فإن التقليد آفة على كل حسن ، وهو قشة ، وإن كان يبدو جبلا راسخا .
- وإذا كان المرء ضريرا ، فهو سمين حاد الغضب ، وما دام لا يملك عينا ، فاعتبره قطعة من اللحم .
- هذا وإن كان يتحدث بحديث أدق من الشعرة ، فإن باطنه يظل بلا دراية عن حديثه .

 
« 64 »
 
490 - إنه ثمل بكلامه ، لكن بين موضعه وبين الخمر طريقا طويلا .
- وهو مثل نهر ، لا يشرب ماءه ، وعن طريقه ، يصل الماء إلى الشاربين .
- والماء في النهر لا يقر له قرار ، ذلك أن النهر ليس ظمآن وليس شاربا للماء .
- وكالناي ، يئن أنينا حزينا ، لكنه يفعل ذلك سخرة من أجل سامع .
- والنائح المقلد عند الحديث ، لا يكون له مراد سوى الطمع ، ذلك الخبيث .
 
495 - والنائح إنما يتحدث بحديث موجع، لكن أين حرقة قلبه وطرف ردائه الممزق؟
- وهناك فروق بين المقلد والمحقق ، فهذا مثل داود ، أما الآخر فهو رجع الصدى .
- وقول هذا نابع من الحرقة ، وذلك المقلد يكون متعلما للقديم .
- فحذار ، لا تغتر بهذا القول الحزين ، فالحمل على الثور ، ومن العجلة الأنين 
- وليس المقلد أيضا محروما من الثواب ، والنائح أيضا له أجره يوم الحساب .
 
500 - والكافر والمؤمن كلاهما يقول يا الله ، لكن بينهما فرقا شاسعا .
- فذلك الشحاذ يقول يا الله من أجل الخبز ، بينما يقولها المتقي من لب الروح .
- ولو كان الشحاذ يعلم " حقيقة " ما ينطق به ، لم تبق " قيمة " أمام عينيه لقليل أو كثير .
- إنه يقول " يا الله " ذلك الطالب للخبز لسنوات ، إنه كالحمار يحمل المصحف من أجل التبن .
- ولو أن قول شفتيه انعكس نوره على قلبه ، لتفتت جسده إلى ذرات .
 
505 - واسم الشيطان يؤتي أكله في فعل السحر ، وأنت تريد أن تكسب من اسم الله شروي نقير ؟ !
.
* * *
شرح ظن ذلك الشخص الخيال هلالا في عهد عمر رضي الله عنه
( 113 ) : الحكاية هنا فيما يرى فروزانفر ( مآخذ / ص 43 ) وردت في صحيح مسلم ، وأن الحوار كان بين عمر وأنس بن مالك رضي الله عنهما في حوار لا علاقة له بشعرة الحاجب أو غيرها .
 
( 119 - 124 ) : إذا كانت شعرة حاجب بهذا القدر من الضآلة قد حجبت رؤية الأفلاك ، فإذا كان الإعوجاج في كل أعضائك ، حتى تطمع في رؤية ؟ ! ! وإنما تكون مستقيماً بصحبة المستقيمين ، وهم لك بمثابة الميزان ( أنظر عن المرآة والميزان بمثابة المحك الكتاب الأول ، الأبيات 3559 - 3564 وشروحها ) وكما تستقيم من المستقيمين ، إنما يصيبك الإعوجاج من المعوجين .
 
( 125 - 135 ) : وإذا كنت حقا من متابعى الرجال ومن متابعى محمد صلى الله عليه وسلم ، فكن ممن جاء ذكرهم في الآية الكريمةمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ( الفتح / 29 ) ، فكيف تقوم بحيل الثعالب وأنت أسد من أسود الله ، وكيف تترك لذئاب النفوس الطريق إلى يوسف القلب ، وها هو إبليس يوسوس لك مثلما وسوس لأبيك ، إنه يناديك بحلو الألفاظ ، ليهزمك في لعبة شطرنج الحياة ، فهو ماهر فيها ، يتناوم أمامك كالغراب بحيث تخطىء في اللعب ، ويرغبك في قذى الحياة وهو مالها وجاهها ، إن حلقك يغص به فيمنع من نزول ماء الحياة فيه ، يمنعك عن المعرفة الإلهية ، ومال الدنيا ليس ملكاً لأحد ( ! ! )
فإن سطا أحدهم على آخر ، فكأن لصا قد سطا على لص آخر ! ! ( 136 ) : الحكاية القصيرة التي وردت هنا عن المشعوذ الذي سرق حية من
 
 
« 335 »
 

مشعوذ آخر لم يهتم أحد من شراح المثنوى بالبحث عن أصلها ، ومن الواضح أنها من وضع مولانا لكي يلبس المعنى الوارد في البيت رقم 135 شخوصا تجليها وتبين معناها ، والبيت رقم 141 ناظر إلى الآية الكريمة :وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا( الإسراء / 11 ) وهكذا تدور الحياة في تشاحن وبغضاء ، وتفسد الأسرة ، ويفسد المجتمع ، وينقلب إلى غابة في سبيل التشاحن على المادة ، وجعل المادة هدفاً للحياة .
 
( 142 - 152 ) : الحكاية هنا فيما يراه فروزانفر ( مآخذ / 43 ) مأخوذة من منظومة إلهي نامه لفريد الدين العطار ، ولها مثيلات في فحواها ومغزاها وهو أن الإنسان يطلب أحيانا ما يضره ، وما لا يقوى على تحمله ( مثل حكاية من أراد أن يتعلم لغة للطير المذكورة في الكتاب الثالث ) والاسم السني المذكور في البيت 143 هو نفس الاسم الأعظم ، وهو الاسم الذي لو أقسم به على الله تعالى لأبر واستجاب . ولكن في اعتقاد بعضهم أن الذي يجعل الأقطاب والأوتاد قادرين على الإتيان بالافعال الخارقة ليس كلمة واحدة ، لكنها قدرة روحانية ورابطة معنوية تربط قدرة العبد بقدرة الحق ، فتكون إرادة العبد وفعله هي إرادة الحق وفعله ، وفي الكتاب الرابع في قصة سليمان وبلقيس ، ينقل آصف بن برخيا عرش بلقيس بقوة اسم الله الأعظم ( استعلامى 2 / 185 ) .
ويقول المولوي ( 2 / 48 ) أسماء الله تعالى كلها عظام وبالعمل بما أمر الله على لسان حبيبه يكون الرجل أمين خزائن مفاتيح الأفلاك ، ويفسر مولانا بأن القوة لم تكن في عصا موسى عليه السلام ، بل في شخصية موسى نفسه ، وإن قوة كل امرئ كما جاء على لسان عيسى عليه السلام في نفس الحكاية ليست نابعة من خارجه ، بل من داخله هو " من الروح " ، ومن لا يهتم بالروح فهو مجرد جيفة ، والاهتمام بها هو الذي يهب الإنسان
 
« 336 »

 
القوة ، ومن لا يهتم بنفسه وبالسمو بجسده هو وبإحياء العظام الرميمة التب يحتوي عليها هذا الإهاب من الجلد ، كيف يمكن له أن يهتم بإحياء العظام الرميمة الملقاة في الطريق ؟ ! 
ومن لا يصلح نفسه ، كيف يمكنه أن يصلح الآخرين ، إبدأ بنفسك ، هذا هو المبدأ السامي الذي لو نفذ لصلح المجتمع كله بصلاح أعضائه .
 
( 153 - 156 ) : وهكذا يكون المحروم من إقبال الحق ومن السعادة الأزلية ، إنه لا يصدر عنه إلا كل سوء ، تكون نتائج أعماله كلها شؤما عليه وخسارة ، إنه يطلب ما يظنه خيراً ، وهو شر عليه ، هذه علامة من علامات الشقاء ، إن كيمياء التبديل ( الوسائل التي يلجأ إليها المرء للوصول إلى أغراضه ) عند هذا المرء الشقي معكوسة النتائج ، فالورود في يده أشواك ، والصديق معه حية ، وكل ما يطلبه ويسعى في أثره يأتي بعكس ما يريد ويرجو ، وذلك لأن الله تعالى لم يفتح بصيرة قلبه ، فصار ما يطلبه لغير الله ، ولغير صالح نفسه .
 
( 157 ) الحكاية التي تبدأ بهذا البيت فيما يبدو مما التقطه مولانا جلال الدين من الحكايات الشعبية الشائعة حول الصوفية ومن ثم لم يهتم شراح المثنوى بالبحث عن أصول لها . وعن لا حول ولا قوة إلا بالله ، ورد في الحديث الشريف : قال عليه السلام : ألا أخبرك بتعبير لا حول ولا قوة إلا بالله ؟ ! أي لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله ( انقروى 2 / 47 ) .
 
( 159 - 161 ) : يترك مولانا سياق الحكاية ، ويقول أن الصوفي ربط مطيته في الحظيرة ، وجلس مع رفاقه للمراقبة ( عن المراقبة ، أنظر شرح البيت 1561 من الكتاب الأول ) ، ثم يتحدث مولانا عن فائدة الصحبة ( الحضور مع الرفاق )
 
 
« 337 »
 
 
وعن أنها تعدل كتابا زائد الفائدة ، بل إن معاملات الصوفي كلها لا تحتاج إلى الكتاب ، بل يحتاج إلى قلب تقى طاهر في بياض الثلج ( عند حافظ : امح الأوراق إن كنت رفيقا لنا في الدرس ، فإن علم العشق لا يوجد في دفتر ) ، ويفرق ما بين العالم والصوفي ، فالعالم زاده سعى العلماء من قبله ، لكن الصوفي زاده آثار القدم أي الآثار الأزلية الموجودة في الآفاق والأنفس والرياضة وتصفية القلب وهذا ما ورد في أقوال أوائل الصوفية ، فهو عند الجنيد ذوق تضمحل فيه معالم الإنسانية وتتلاشى علائم النفسانية وعند الشبلي إسقاط رؤية الخلق ظاهرا وباطناً ، وعند الجنيد أيضاً فناء النفس بسطوة الأحدية ( مولوى 2 / 51 ) العلماء يأخذون علمهم ميتاً عن ميت والصوفية يأخذون علمهم عن الحي الذي لا يموت
( 162 - 168 ) : الصوفي صياد المعاني وهو يرى الدرب الذي سار عليه الصوفية من قبله ، ويقتفى آثار غزال الحقيقة ، والسير على الآثار يوصل إلى الذات ( نافجة غزال الحقيقة ) ، إن طلب هذه النافجة لمسافة منزل واحد ( خطوتان وقد وصل ) وإن شكر النعمة التي وصل إليها ، انفتح الطريق أمامه ، وسطعت أنوار أقمار الطريق في قلبه ، وفتحت له أبواب جنة السرو وفردوس الأحدية ، وهو بالنسبة لك يا من لم تسر في هذا الطريق جدار أصم ، وخيال ، لا حقيقة فيه ، ومجرد أقوال لا تدرى عنها شيئاً ، وحجر فوق حجر ، لكنه بالنسبة لمن ذاق وعرف واتصل حقيقة لا خيال فيها ، وباب يدلفون منه إلى أسمى المعاني وأرق المعارف ، وجوهر تراه أنت عند التجلي ويراه الشيخ العارف ( في مرتبة التراب وعالم الغيب ) ( مولوى 2 / 53 ) والبيت 168 مأخوذ من بيت معروف أورده ظهيرى السمرقندي في ترجمة سندباد نامه ( استعلامى 2 / 187 ) .
 
( 169 - 183 ) : حديث عن العارفين والشيوخ الكمل الواصلين ( أنظر أيضاً البيت 2954 من الكتاب الأول ) وهو إشارة أيضا إلى موضوع الأعيان الثابتة ،
 
 
« 338 »
 
 
فهم موجودون في علم الله الأزلي والأبدي ، والله تعالى أعطاهم الوجود من جوده عطية لم تكن مجال طلب ، ولا هي عن عوض ( انظر البيت 470 والبيت 2072 من الكتاب الأول ) تمتعت أرواحهم بالعطاء الإلهى قبل أن يخلقوا أجسادا ،« سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى »لقد خلقت أرواحهم قبل أجسادهم ، بينما كانت المشورة لا تزال دائرة من أجل خلق البشر ( البقرة / 30 - 39 ) ،
لقد كانت أرواحهم تسخر من الملائكة الذين لم يدركوا حكمة الله من خلق البشر وقالواأَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ. قال صاحب المدارك في تفسير هذه الآية : وإنما أخبرهم تعالى بذلك ليعلمهم طريق المشاورة في أمورهم قبل أن يقدموا عليها وهو غنى بعلمه وحكمته البالغة عن المشاورة ( انقروى 2 / 4 ) .


كانوا مسرورين لأنهم يعلمون أن الله سبحانه وتعالى لن يقبل اعتراض الملائكة ، وسوف يخلق البشر ، ويصطفيهم من بنى البشر ، ويخصهم بعلمه ( در بحره ) ، ولقد علموا أيضا صورة كل شئ قبل أن تخلق النفس الكلية ، وعلموا صورة زحل قبل أن تخلق الأفلاك ، ورأوا محصول الحياة من قبل أن تغرس بذرتها ، ومن قبل أن تخلق لهم الألباب ، كانت عندهم الفكر ، كان لهم وجود ذهني وقوى عقلية من قبل أن تخلق أجسادهم ، لم يكن وجودهم المعنوي في حاجة إلى أدوات مادية ،
ولقد كانت لهم المشاهدة بديلة عن الفكر - فالفكر مرتبط بالزمان ، لكن المشاهدة غير مرتبطة به ، لقد ذاقوا خمر المعرفة الإلهية من قبل أن تخلق الكرم .
ولابن الفارض :شربنا على ذكر الحبيب مدامة * سكرنا بها من قبل ان تخلق الكرم .ولقد شربوها وأحسوا منها بالوجد والذوق والشوق الحقيقي والانفعال وإنما عمر الكون ببركاتهم ، وحفظ من أجلهم ، وكل جمال في الكون انعكاس من جمال أرواحهم .
 
 
« 339 »
 
 
( 184 - 189 ) : الحديث عن وحدة الأولياء وحدة باطنية ومعنوية " الأولياء كنفس واحدة " إذا اجتمع منهم اثنان ، يكونون من ناحية التصرف والقوة بمثابة ستمائة الف " وهذا ينبئ على أن حقيقة الأرواح واقعة وهو الروح الأعظم وحقيقة الحقائق والحقيقة المحمدية ، وتعددهم من جهة التعين باعتبار تعدد أبدانهم ، وأخوة الدين منشأها صلب النبوة وحقيقة نطفها نور الله ( مولوى 2 / 58 ) .
ويقدم مولانا عدة صور بهذا المعنى : فالموج واحد وإنما تفرقه الريح ، وشمس الأرواح تفرقت داخل كوات الأبدان ( أنظر أيضا الأبيات 30 - 35 من الكتاب الثالث وشروحها ) ألم يقل تعالى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ *، النفس الواحدة إذن هي الروح الإنسانية ، والروح الحيوانية ( أساس البدان ) هي عامل التفرقة ، والحق تعالى خلق الخلق في ظلمة ورش عليهم من نوره ( أنظر البيتين 764 و 765 من الكتاب الأول وشروحهما ) .
 
( 190 - 192 ) : يطلب مولانا جلال الدين من المريدين أن يتخلصوا من الملل حتى يصف لهم جمال الروح الإنسانية ، ونقطة الخال ( مركز هذا الجمال ) لا يتأتى وصفه في بيان ، ولا يحتويه مقال ، فالمراد به نقطة الوحدة المطلقة والهوية الذاتية الإلهية ، فإن الدنيا والآخرة والظاهر والباطن عكس نقطة الذات ، واعلم أن أكبر المحققين شبهوا الهوية بالخال ، والكون بالخد ، فقالوا :الكون خد قد بدا من خاله * ولقد تجلى خاله من خده( مولوى 2 / 61 ) وقال المغربي على العكس : الكون خال قد بدا من خده ، ولقد تجلى خده من خاله ( انقروى 2 / 44 ) .
 
وإنني مهما تحدثت عن هذا الجمال فإنما أكون تماما كنملة سحبت حبة من بيدر « وأسحب حمل الأمانة أزيد من وجود بشريتى وأكثر من مقدارى حتى أشكر فيما أنا مسرور به من نعمة » ( مولوى 2 / 62 ) .
 
 
« 340 »
 
 
( 194 - 202 ) : يتناول مولانا جلال الدين هنا جدلية - ظاهر الحكاية ( القش ) والمعنى ( البر ) ، ظاهر الحكاية الذي يتعلق به المستمع ويمنع مولانا من الاسترسال في تعليمه وإفاضاته وجزر بحره ومده ( كلام العارف عن الحقائق الإلهية ) أتراك تود منى أن أعود إلى حكاية الصوفي ؟ ! ! ومن أدراك أنني بهذا الصوفي أقصد صوفيا بالفعل ؟ ! وما تعلقك هكذا بظاهر الصوفي مثل تعلق الأطفال بالجوز والزبيب ؟ ! وما تعلقنا بالأجساد إلا من قبيل تعلق الأطفال بهذا الجوز والزبيب ، لكن إن وصلك إكرام الحق من خلف الطباق التسع فإنك تستطيع أن تدعها وتتركها تماما ، لكنك تريد أن تسمع صورة الحكاية ، إسمعها إذن ، لكن إفصل حبها ( معناها ) عن تبنها ( ظاهرها ) ،
ويشير المولوي ( 2 / 64 - 65 ) إلى هذا الباطن أنه إذا أتى صوفي إلى خانقاه ورأى من خادمها وشيخها تزويرا وتلبيسا إلا يوصى ببهيمة نفسه لهم ولا يسلمها لهم لإصلاحها ولا يغتر بمداهنتهم وتزويرهم ، ولا يخلو عن التقيد بلوازم نفسه كي لا يهبط ويخسر ، والرمز للنفس بالبهيمة ورد في أكثر من موضع من مواضع المثنوى .


( 220 - 223 ) : برغم كل ما قاله خادم الإصطبل لم يكن الصوفي مطمئنا ، ويشير مولانا إلى بعض الحقائق النفسية في هذه الأبيات ،
 أولاها : أن الطمأنينة الزائدة عن الحد الصادرة من اللسان إنما تأتى بنتيجة عكسية تماما ،
والثانية : أن مخاوف اليقظة تنعكس كوابيس عند النوم ، كما يشير إلى عادة عند المسلمين هي قراءة سورتي الفاتحة والقارعة فكلاهما - في المعتقد الإسلامي - يحفظ الإنسان من العذاب يوم القيامة ، قال صلى الله عليه وسلم « من قرأ القارعة أمنه الله من فتنة الدجال وشدائد يوم القيامة » ( مولوى / 2 - 68 ) .
( 226 - 229 ) : يتساءل الصوفي : ترى ما الذي يدفع ذلك الخادم إلى إهمال
 
 
« 341 »
 
 
خدمة دابته وإلى عداوته ؟ ! !
إنه لم يبد له سوى اللطف واللين ، ثم يشير مولانا إلى أن الحقد في بعض النفوس طبع والعداوة للبشر صفة متأصلة عند بعض الناس ، ويتساءل مرة ثانية : هل تكون العداوة بلا سبب ؟ !
إن الطبيعة هي التجانس وهي التعاون في الحياة ، هذه هي القاعدة . ويعود الصوفي فيتساءل :
وما ذا كان ذنب آدم عند إبليس وأي سوء قدمه آدم لإبليس في الأصل ؟ ! ( عن التجانس أنظر الأبيات من 623 إلى 645 و 867 - 903 من الكتاب الأول وشروحها وعن آدم وإبليس أنظر الأبيات من 1206 إلى 1207 و 1290 و 1623 من الكتاب الأول وشروحها ) .
 
( 230 - 233 ) : إشارة إلى ما قيل أنه حديث نبوي " سوء الظن من حسن الفطن " " الحزم سوء الظن " ( أحاديث مثنوى / 74 ) ( مولوى / 2 - 70 ) كما ورد في نهج البلاغة " إذا استولى الصلاح على الزمان وأهله ثم ساء رجل الظن برجل لم تظهر منه خزية فقد ظلم ، وإذا استولى الفساد على الزمان وأهله فأحسن رجل الظن برجل فقد غرر " وفي لامية العجم للطغرائى :
وحسن ظنك بالأيام معجزة * فظن شرا وكن منها على وجل.
( عن جعفري 3 / 191 - 192 ) ( أنظر أيضا الترجمة العربية للكتاب الثالث ، الأبيات 267 - 279 وشروحها ) .
 
( 249 - 260 ) : القوة الكاذبة لا يكون من نتيجتها إلا فعلٌ كاذب أو لا فعل على الإطلاق ، والشحن الكاذب لآلاف البشر بل ملايين البشر بالأغانى والأناشيد وخطب الزعماء دون فعل حقيقي يدعمها تكون نتيجته في النهاية الخراب الكلى والمطلق . ولن يقوم بعملك سواك ، فأي بشر تتكىء عليهم وتستند عليهم وتنتظر منهم أن يقوموا لك بما ينبغي أن تقوم به بنفسك ؟ ! إنهم جميعاً

« 342 »
 
 
مسيرون بالشيطان ، لهم وسوسة كوسوسة الشيطان وإلا ما وصفهم الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بأنهم شياطين الإنسيُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً، وهكذا يكون من يسلم قياده لهم ، يكب على جسر الصراط ،
 كما كان حمار الصوفي يكب على رأسه ، إنهم أبالسة في صورة البشر ، كلهم يوسوس لك ،
إن الحية كانت في باب الجنة مليحة الشكل ، فدخل الشيطان بصورته الجنة فلم يصل لسيدنا آدم ، فاجتمع مع الحية وحل بوجودها ثم تشكل بشكلها ودخل الجنة ولاقى سيدنا آدم ورغبه في أكل الحنطة وجرى ما جرى ، ( مولوى / 75 ) وهكذا مثلما حل الشيطان في الحية يحل الشيطان في بعض البشر ، ويتلبس بصورهم ،
فيكون من يتظاهر لك بالصداقة كالقصاب الذي يقوم بسلخ جلدك .
 
( 261 - 263 ) : « قم لصيدك بنفسك » هذه هي النتيجة التربوية التي يصل إليها مولانا في هذا العدد من الأبيات ، نوع من تربية الشخصية ذات التفرد والشموخ ، ومن ثم فليست العزلة لازمة فحسب للطريق الصوفي ، بل إن كل عمل فذ من أعمال الفكر والفن والأدب احتاج إلى نوع من العزلة ، حقيقة شهد بها التاريخ وصدقتها التجربة ، فما بالك بالطريق الصوفي وهو أشق الطرق وأصعبها قاطبة " أوحى الله إلى داود يا داود لا تكن منتبذا وحدانيا ، قال : يا رب تركت الخلق لأجلك ،
قال له : يا داود كن يقظاناً واتخذ لنفسك إخواناً ، وكل خدن لا يوافقك على طاعتي اعتزل عنه ولا تصاحبه فإنه لك عدو ، وقال أبو بكر الوراق الترمذي : وجدت خير الدنيا والآخرة في العزلة وشرهما في الكثرة والخلطة .
وقال الغزالي : إن الناس يفسدون ما يحصل لك من العبادة والطاعة وإن لم يعصم الله فعليك بالعزلة عن الناس والاستعاذة من شر هذا الزمان ، ( مولوى
 

« 343 »
 
 
2 / 76 ) . والواقع أن موقف مولانا ليس داعياً في الحقيقة إلى العزلة والاعتزال ، فهو يكره التنطع والمبالغة ( في هذا الأمر أنظر الكتاب الثالث الأبيات 1636 - 1640 و 1674 - 1690 وشروحها ) .
 
( 264 - 272 ) : مرحلة أخرى من مراحل هذه الفكرة : إذا كان عليك أن تقوم بالعمل بنفسك ولنفسك وليس للقريب فأعلم أنك تتعامل مع اثنين : جسدك وهو غريب عنك ، وقلبك وهو سرك وجوهرك ومادة وجودك ومهبط فكرك ومحل ذكرك ، ولا شك أن المقصود بالقلب هنا الروح ، لكنك تهمل نفسك وتقوم بتربية الغريب عنك ، تضمخ جسدك بالمسك وما له التراب ، ويتراكم الرين فوق القلب وهو الصائر إلى رب العالمين ،
وهو في هذا ناظر إلى قول القشيري " القلب موضع نظر رب العالمين فيا عجبا ممن يهتم بوجهه الذي هو منظر الخلق فيغسله عن الأقذار والأدناس فيزينه بما أكله لئلا يطلع مخلوق على عيبه ، ولا يهتم بقلبه الذي هو منظر رب العالمين حتى يطهره ويطيبه لنظر ربه " ( مولوى 2 / 78 ) .
وكل هذه عند مولانا من علامات النفاق ، والنفاق هو وجود النفق ( المسافة ، الفاصلة ) بين الظاهر والباطن والجسد والقلب والقول والفعل ، وأعمال المنافق كلها إلى خراب وهي مؤقتة ظاهرة الحسن قبيحة المآل ( كخضراء الدمن ) .
 
( 273 - 280 ) : يفسر مولانا الآية الكريمةالْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ( النور / 26 ) ، على أساس فكرته في أن كل المظاهر الموجودة في الكون من مادية ومعنوية جزء من كل موجود في العالم الآخر ، وأصل الخبث النار والجحيم ، وأصل الطيبة الجنة ، ولا بد للجزء من أن يلتحق بكله ، وكل صفاتنا هنا الطيبة أو القبيحة تتجسد في مظهر من مظاهر الجحيم أو مظاهر الجنة ، ومآلك بحسب صفاتك ، وأنت وما
 
 
« 344 »
 
 
تفكر فيه ، واختلف المفسرون في معنى الفكر في هذا البيت ( 278 ) وقال بعضهم أن المقصود النفس الناطقة القابلة لأنواع العلوم والفكر ( انقروى 2 / 56 ) إلا أن الأبيات التالية فيما يرى جلبنارلى ( الترجمة الفارسية 2 / 71 ) ترى أن الفكر هنا ما هو إلا المذكور في المثل العربي ( فكر المرء قيمته ) وقد سئل مولانا في حياته عن معنى هذا البيت فقال : أنظر إلى هذا المعنى على أساس أن الفكر المقصود هو ذلك الفكر الخاص ، وقد عبرنا عنه بالفكر للتوسع ، ولكنه ليس من جنس ذلك الفكر الذي يفهمه الناس . إذن ما هو : هو ذلك الكلام الذي يتولد من الفكر ( جلبنارلى 2 / 71 ) والواقع أن القدماء توسعوا في معنى البيت دون حاجة تذكر ، فإن قيمة المرء ما قد كان يحسنه ، والمرء بأصغريه لسانه وقلبه ، وآفاق الفكر هي التي تحدد في عالم اليوم القيمة الحقيقية للإنسان ، ومولانا نفسه في الأبيات التالية لذلك البيت أشار بأن الذي يحدد وجود الإنسان هو الفكر الذي يؤمن به ذلك الإنسان ويمارسه ، وهو الذي يجعل منه إما جنة وإما جحيما ، إما مسكاً وإما بولا ، إما شيطاناً وإما إنساناً .
 
( 281 - 294 ) : يشير مولانا هنا إلى أن البشر في أصل الخليقة متمايزون متغايرون مختلفون فيما يتعلق بالنفوس وبالفكر وبالقلوب وبالأرواح ، وإن تشابهت الأجساد والصور ، وبالأجساد والصور يتم الامتزاج والاختلاط والمعاشرة ، وزينة الدنيا في هذا الامتزاج والاختلاط ، والفصل بينهما في هذه الحياة الدنيا أمر صعب ، ويعبر مولانا عن انتقال الأرواح المتمايزة في عالم المثال وامتزاجها في عالم الكون بانكسار الصناديق .
 
( 285 - 294 ) : من هنا تجلت حكمة الخالق - جل شأنه - في إرسال الأنبياء بالكتب ، وذلك لفصل الصالح عن الطالح والمحسن عن المسىء أو بتعبير مولانا :
الزائف والصحيح ، ومن قبلهم كنا بأجا واحداكانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً


« 345 »
 
 
( البقرة / 213 ) وهؤلاء الأنبياء بمثابة العين الخبيرة الواعية التي تستطيع أن تميز بين الزائف والصحيح ( في الكتاب الثالث شبه بلالا رضي الله عنه بأنه كإنسان العين صغير لكنه يرى عالما واسعا ، وشبه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه إنسان عين المؤمنين ، أنظر الكتاب الثالث ، الأبيات 3252 - 3528 وشروحها ) .
وهم - أي الأنبياء - كالنهار أعداء للزيف مثلما يكون الزيف عدوا لهم ، فهم مرآة التعريف ، وميزان الحق والمرآة والميزان لا يكذبان ولا يزيفان ولا يخفيان الحقيقة ( انظر الكتاب الأول ، الأبيات 3559 - 3561 وشروحها ) . من هنا أيضا كانت القيامة نهاراً ، ووصفت بأنها يوم ، وذلك لكي تبين أفعال الناس كما هي وعلى حقيقتها .
 
( 295 - 303 ) : والنهار على الحقيقة ( مبين أحوال الناس كما هي ) هو باطن الأولياء الذي سطعت عليه شمس الحقيقة العليا وانعكست أشعتها عليها ، كما أن الليل هو ذلك الستر الذي يقوم به الأولياء ، فيسترون على عباده عيوباً يرونها ، ويمنعهم ما يتوخونه من ستر عن البوح بها ، ومن هنا أقسم الله تعالى بالضحى ، والضحى المحسوس فإن وزائل وهل يقسم الباقي بالفاني ؟ !
إذن فلا بد أن للضحى هنا معنى آخر : هذا الضحى هو النور المحمدي ، النور الذي يقسم به الله تعالى هو هذا النهار ، فما كان الضحى ضحى إلا بعكسه لنور المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وإلا لفنى وزال وغاب كما غابت شمسه وافل ، وإبراهيم الخليل عليه السلام قال :لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ( الأنعام / 76 ) .
ثم إن الله تعالى أقسم بالليل أيضاً ، وما الليل هنا إلا ستر حقيقته المحمدية في لباس الجسد ، وعندما أشرقت شمس الوحي بعد غيبة على النبي صلى الله عليه وسلم ، قال له : ما ودعك . . أي ما ترك جوهرك الإلهى مخفياً خلف ستار الجسد بانقطاع الوحي ، وما قلى : أي ما غضب عليك ، ومن ثم صار له من البلاء ( انقطاع الوحي ) الولاء والوصال .
 
 
« 346 »
 
 
( 304 - 309 ) : وهكذا - وليس الأمر مقصوراً على تفسير ما مر من آيات القرآن المجيد - فإن كل عبارة بيان لحالة : فالحال بمثابة اليد والعبارة بمثابة الأداة والآلة التي تعمل بها اليد - وكما أن لكل صنعة آلة ، فإن لكل حال عبارة ، وكما أنه يحدث العديد من الأخطاء إذا استخدمت آلة صنعة في صنعة مختلفة ، فالعبارة تكون قاتلة وفضيحة إذا استخدمت لغير حالها ، وهكذا نقرن بين مقولة منصور الحلاج " أنا الحق " وبين مقولة فرعون " أنا ربكم الأعلى " ، وفرق بين العصا في يد موسى ، والعصا في يد الساحر ، ( أنظر البيت 280 وما بعده من الكتاب الأول ) ، ومن ثم كان الحرص على العبارة ، ولم يكن عيسى عليه السلام يريد أن يعلم الاسم الأعظم لذلك الأبله ( أنظر البيت 142 وما بعده من الكتاب الذي بين أيدينا ) ( ولم يكن موسى يرضى أيضا بتعليم لسان الطيور لذلك الأبله الآخر المذكور في الكتاب الثالث ) فلا هذا ولا ذاك كانا يمتلكان الحال الذي يستوجب العبارة .
 
( 310 - 324 ) : وهكذا تستوجب سنة الله في خلقه : التوفيق ما بين اليد والألة ، وجود التناسق بينهما والضرورة حتى ينتج الفعل ، كما أنه لا بد من زوج وزوجة حتى يحدث الميلاد ، على كل حال هذه هي مظاهر عالم الكثرة ، أما عالم الوحدة فلا يوجد فيه شك . فالشك إنما يظهر من الأعداد ، وإياك أن تظن أن الواحد الأحد قابل للكثرة ، فحتى من قالوا بالاثنين ( الزردشتية الذين قالوا بوجود اله للنور وإله للظلمة ) ومن قالوا بالثلاثة ( المسيحيون ) سرعان ما عادوا ( فقال الزردشتية بزروان الاله الذي نتج منه آهورامزدا وأهريمن وقال المسيحيون ثلاثة في واحد ) وهذا عندما ينتهى حول الروح الذي يرى الواحد أكثر من واحد ، وما أنت إلا كرة في صولجان حكمه ، يلقى بك حيث يشاء ،
 
 
« 347 »
 
 
وبحسب عقيدتك تساق ، والمهم أن تكتحل بنور المعرفة الصادر من الكمل الواصلين ، عالج عينيك عن طريق أذنك ، واجعل قلبك مستعدا لإصدار الحكمة لا لتلقيها ، وإلا فمهما تلقيتها وثرثرت بها وبينتها دون أن تكون ذا قلب واع ، فلا قيمة لها بالنسبة لك ، وأنت تلقى السمع وأنت شهيد ، وأن تكون مشتاقاً متحرقاً ، طالبا ودؤباً ، وإن افتقرت إلى هذه الصفات صارت الحكمة عندك كأنها طاووس في منزل قروى ، وجوده مؤقت ، وفناؤه مؤكد .
 
( 325 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت ورد ذكرها قبل مولانا في كشف المحجوب للهجويرى ( ص 8 من النص الفارسي ، ص 12 من النص العربي ) كما ورد في اسرار نامه للعطار ، وفي مقالات شمس الدين التبريزي ( مآخذ / ص 44 - 45 ) ، كما أشار مولانا إلى نفس المعنى في إحدى غزليات الديوان الكبير : " لقد كنت بازيا خاصا في حجرة امرأة عجوز ، فلما سمعت طبل العودة ، ذهبت إلى اللامكان " ، والملك في الحكاية هو الله والبازي الروح والمرآة العجوز الدنيا ورفاق السوء ، وفي الكتاب الرابع ( ابتداء من البيت 362 يروى مولانا القصة ثانية لبيان معان أخرى .
 
( 337 ) في إحدى روايات الأفلاكى ( مناقب العارفين / 1 - 523 ) أن مولانا جلال الدين ذهب يوماً لزيارة قبر والده وبعد فترة من المراقبة طلب دواة وقلما وذهب إلى الشاهد الجيرى على قبر ولده علاء الدين ( المتهم باغتيال شمس الدين : أنظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الأول ) وكتب هذا البيت :إن كان لا يرجوك إلا محسن * فبمن يلوذ ويستجير المجرم( وفي الكتاب الرابع ابتداء من البيت 81 حكاية الواعظ الذي كان لا يدعو إلا للظلمة والمجرمين ) .

 
« 348 »
 
 
( 338 - 342 ) : الإنسان يذنب ، والله يتوب ، ولولا طمع الإنسان في عفو الله ما تجرأ على ارتكاب الذنب ،إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً( الفرقان / 70 ) .
وهناك ثمة نقطة كانت مثار خلاف في مسألة التوبة ، وخاض علماء الإسلام في التوبة عن الكبائر والتوبة عن الصغائر ، والوقت المعين للتوبة ، فضلا عن أن تحويل السيئات والكبائر عند التائب إلى حسنات قد يضرب مسالة العدل الإلهى في الصميم ، فإن الأمر هنا لا يتوقف على المساواة بين الصالح والطالح فحسب ، بل ويتفوق الطالح التائب الذي تتحول سيئاته إلى حسنات ، والواقع أن الروايات التي قيلت في هذا المجال متناقصة أشد التناقض ، وربما كان الحث على التوبة بمثابة الحث عن الانصراف عن طريق العصيان ، وما زينه الشيطان ، ويبقى للتائب بعدها وجدانه وضميره الذي قد يثقل عليه أحياناً لما ارتكبه من ذنوب بما يفوق عقاب الآخرة ، والندم عند التوبة ، والدمع ، والبكاء في حضرة الباري تعالى كلها من عبادات الخواص ، وهذا هو المقصود بإبدال السيئات إلى حسنات . ثم تبقى نقطتان لازمتان جدا للتوبة وخصوصاً عن الكبائر : رد الحقوق والتعرض للقود الذي قد يدفع التائب حياته نفسها ثمنا لها . ويشير مولانا إلى نقطة أخرى : ذلك العجب الذي ينتاب الطائع ، فيحس أنه بمعاملته هذه قد قدم ما طلبه منه الخالق ، وهو بهذا يطلب المقابل ، فتكون تجارة لا عبادة ، وجرأة على الحق ، وتزيدا على الخالق ، وهذا هو عين الذنب ، فانظر إلى الطاعة في الذنب وإلى الذنب في الطاعة ( وهو ما عبر عنه مولانا في مواضع أخرى بالنعال المعكوسة ، أنظر الكتاب الأول 2493 وبشكل أكثر تفصيلا في الكتاب الخامس ، الأبيات 2753 وما بعده ) ويقدم مولانا صورة أخرى : هل إذا قرب الملك أحدهم يكون هذا مدعاة لجرأته وتوقحه ؟ ! وأليس في هذا في حد ذاته مدعاة لفقدانه القرب بل
 
 
« 349 »
 
 
فقدانه رأسه ؟ !
وفي تفسير نجم الدين كبرى في تفسير الآية الكريمةالَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ( أي الخشوع بالظاهر والباطن أما الظاهر فخشوع الرأس بانتكاسه ، وخشوع العين بانغماضها عن الالتفات ، وخشوع الأذن بالتذلل للإستماع ، وخشوع اللسان بالقراءة مع الحضور ، وخشوع اليدين بوضع اليمين على الشمال مع التعظيم كالعبيد ، وخشوع الظاهر بانحنائه في الركوع مستويا ، وخشوع الفرج بنفي الخواطر الشهوانية ، وخشوع القدمين بثباتهما على الموضع وسكونهما عن الحركة . أما الباطن فخشوع النفس سكونها عن الخواطر والهواجس ، وخشوع القلب بمداومة الذكر ودوام الحضور ، وخشوع السر بالمراقبة في ترك اللحظات والمكونات ، وخشوع الروح استغراقه في بحر المحبة وذوبانه عند تجلى صفات الجمال والجلال ، ( مولوى 2 / 97 - 98 ) .
 
( 343 - 355 ) : يقدم الصقر ( الروح ) هنا عذرا صوفيا وهو سكر العاشقين الذي يدعوهم إلى الانبساط في حضرة المليك ( عن السكر أنظر البيتين 579 و 580 من الكتاب الأول ) . وما دام الله قد أعطانا الاستعداد للكمال ، فمن المطلوب منا أن نسعى في سبيل الوصول إليه ، وأية قيمة للخلقة المحسوسة مهما كانت ضخامتها إذا فقدت قوة الله ، ومهما كانت ضآلتها إذا استمدت قوتها من الله سبحانه وتعالى ، وما ذا يضر الجسد إذا قل ما دامت الروح باقية ، ما ذا يضير الفارس إن ضاع الجواد إذا كان الفارس باقياً ؟ !
وانظر : ألم تكن نهاية النمرود المتجبر على يد بعوضة ؟ !
سلط الله عليه أحقر خلقه وأهونهم شأناً ( أنظر الكتاب الأول ، بيت 1197 ) وألم يسلط الطير الأبابيل على فيلة أبرهة ، وألم يسلط موسى عليه السلام على فرعون وفي يده مجرد عصا ؟ ! وألم يجعل الطوفان جيش نوح عليه السلام وسلاحه ؟ !
 
( 356 - 363 ) : كل القدرات والقوى التي وهبت للأنبياء إنما هي انعكاس
 
 
« 350 »
 
 
للقدرة التي وهبها جل شانه لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وكل ما كان للأنبياء متفرقين ، كان له وحده ، وبحركة من إصبعه عليه السلام انشق القمر ، وموسى الذي يضرب به المثل في الأنبياء بالقوة تمنى أن يكون من أمة محمد ( رأى كعب الأحبار حبراً من اليهود يبكى فقال له : ما يبكيك ؟ !
قال : ذكرت بعض الأمر ، فقال كعب الأحبار : أنشدك الله لئن أخبرتك بما أبكاك لصدقتنى ؟ قال : نعم ،
قال : أنشدك الله هل تجد في كتاب الله المنزل على موسى عليه الصلاة والسلام أن موسى نظر في التوراة فقال : إني أجد أمة هي خير الأمم أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالكتاب الأول والأخر ويقاتلون أهل الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الدجال .
فقال موسى : رب إجعلهم أمتي قال : هم أمة محمد يا موسى ) . ثم يستمر الخبر فيصف أمة محمد صلى الله عليه وسلم ( بما أراده الله منها وبما ينبغي أن يكون فيها ) فقال موسى : يا ليتني من أصحاب محمد .
 
( قصص الأنبياء للثعلبي ص 205 - 206 ) كما وردت في تفسير الطبري ، وللحافظ ابن نعيم في دلائل النبوة وفي تفسير أبى الفتوح الرازي ( فروزانفر : مآخذ / 45 - 46 ) .
 
( 364 - 368 ) : إن الله تعالى يذيق عبده بعض رحمته حتى يطمع في الرحمة كلها ( نظيرها : إذا أحب الله أن يلزم عبدا حرفة أذاقه بعض حلاوتها ليلزمها ) هذا هو الجذب الإلهى من الله للعبد ، وهو شبيه بجذب الأم التي توقظ طفلها من النوم ليرضع ، المُعطى يريد العطاء مثلما يطلبه المُعطى ، الماء يريد الظمآن مثلما يريد الظمآن الماء ، وما بالك إذن بالرحمة الإلهية ( وكل ما في الأرض من أنواع الرحمة يبلغ فحسب عشرها ) هذا هو المستفاد من الحديث الذي يرويه الصوفية عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : كنت رحمة مخفية فانبعثت إلى أمة مهدية
 
 
« 351 »
 
 
( استعلامى 2 / 197 نقلا عن نيكلسون كما وردت في شرح الأنقروى 2 / 70 ) ومحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم إنما أبدى الكرامات لك لكي تطمع فيها مصداقا ل " ما للأنبياء يكون للأولياء " .
 
( 371 - 378 ) : يشتم من هذه الأبيات أن مولانا يريد أن يبين دور الأولياء بعد دور الأنبياء ، وقيامهم بمهام النبوة في نوبتهم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم خلص الجسد من السجود للأصنام ، ووجدت أنت هذه الهدية بالمجان فلم تعرف قدرتها ، وبقي عليك أن تخلص القلب من السجود لصنم النفس ، والهداية كلها من الله تعالى :
إنه أراد هدايتك ودلك عليه وفتح في قلبك كوة معرفته ، ورزقك نعمة الدمع ، وفضيلة البكاء ، وموهبة الدعاء ، هذا إذا أراد أن تنزل عليك رحمته وعطاياه .
 
( 379 ) : الشيخ أحمد بن خضرويه البلخي من عرفاء القرن الثالث الهجري ، متوفى سنة 240 ه ، والحكاية التي ينقلها مولانا هنا وردت قبله في الرسالة القشيرية وفي تذكرة الأولياء للعطار كما لفقها مولانا مع حكاية أخرى وردت في اسرار التوحيد في مقامات الشيخ أبي سعيد ( الترجمة العربية لاسعاد قنديل ، ص 112 / الأصل ص 78 ) ( فروزانفر / مآخذ : 46 - 47 ) .
 
( 382 ) : قصة تحول الرمل إلى دقيق لإبراهيم الخليل عليه السلام أوردها الأنقروى في أكثر من موضع من شرحه على الجزء الثاني من المثنوى ووردت في قصص الأنبياء صص 95 - 96 .
 
( 383 - 384 ) : إشارة إلى الحديث النبوي الشريف " ما من يوم يصبح فيه العباد إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفا " ( صحيح مسلم 3 - صص 83 - 84 ) ، وأنظر أيضا الكتاب الأول الأبيات 2234 - 2236 وشروحها .
 
( 385 - 388 ) : أعظم الإنفاق إنفاق الروح ، فإنه يهب الحياة ، يقدم حلقه
 


 
 
« 352 »
 
 
للسكين كإسماعيل عليه السلام ( عن رواية الذبح ، أنظر الثعلبي ، قصص الأنبياء 91 - 95 ) ، وهكذا كل شهيد ، إن ماتت منهم حلوق الأجساد ، تفتحت حلوق الأرواح ، وهذا هو مصداق الآية الكريمةوَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ( آل عمران / 169 - 171 ) .
 
( 432 ) : الشطرة الأولى إشارة إلى المعجزة المعروفة للرسول صلى الله عليه وسلم ( أنظر الأبيات 118 و 1085 من الكتاب الأول و 356 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
( 438 ) : إشارة إلى قصة عيادة الأصم لجاره المريض الواردة في الكتاب الأول ( 439 ) : عن موسى والخضر ، أنظر الأبيات 225 و 2982 من الكتاب الأول ( 445 - 447 ) : الظاهر : أن بكاء الطفل بائع الحلوى حرك رحمة الله ، والمعنى الذي فسر به مولانا هو طفل العين أو إنسان العين الذي ينبغي أن يبكى من أجل أن تتحرك رحمة الله سبحانه وتعالى ( أنظر 630 و 824 و 1552 من الكتاب الأول و 367 - 378 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 448 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت في أكثر من موضع من طبقات ابن سعد والبيان والتبيين للجاحظ وتمهيدات عين القضاة ، وأقرب ما ورد إلى الحكاية هنا ما ورد في ربيع الأبرار للزمخشري " كان في زمن الحسن بن قتادة عابدة اسمها بريرة وكانت بكاءة ، فقيل له عظها فإنا نخشى على عينيها فقال لها : إن لعينيك عليك حقا فاتقي الله ، فقالت : إن أكن من أهل النار فأبعد الله بصرى ، وإن أكن من أهل الجنة ليبدلنى الله بهما خيراً " ( مآخذ / 49 ) .
 
( 452 - 459 ) : المقصود بعيسى هنا روح الولي المتصلة بالروح الإلهية والتي لا تكون في حاجة إلى عينين من أجل الرؤية ، وليس معنى ذلك أن تحمل الولي
 


 
 
« 353 »
 
 
هموم جسدك ، فتكون مثل ذلك الأبله الذي رويت طرفا من قصته من قبل " الذي طلب من عيسى عليه السلام تعلم الاسم الأعظم " " بداية من البيت 142 " أتراك تطلب حياة الجسد من عيسى وتطلب هوى فرعون من موسى ؟ ؟
وما اهتمامك هكذا بالمعاش ؟ ! ( والله تعالى قد مد موائده أكثر من الآكلين " كما قال سنائى الغزنوي في الحديقة )
المهم أن توجد الروح ، فإن وجدت لا جدال أن يوجد الجسد حولها " فالروح هي الكيان والبدن مجرد خيمة ، الروح هي التركي المغير المهاجم وإن وجد لا بد وأن يقيم له السلطان ( الله ) خيمة في المعسكر .
 
( 460 - 466 ) : نهاية مصير ذلك الأبله الذي طلب فوق ما تحتمله قواه ( مثل أبله الكتاب الأول الذي طلب ان تحمله الريح إلى الهند ، وأبله الكتاب الثلث الذي طلب من موسى عليه السلام أن يعمله لغة الطير ) ، فقد تمثلت العظام أسدا ، وحطمت مخ ذلك الذي طلب أن يتعلم اسم الله الأعظم ، وكان أصلًا بلا عقل ، لأن لو كان له عقل ، لما طلب ما طلب . كان قد بقي للأسد بعد أن تحول إلى رميم رزق في الدنيا ، وكان لا بد أن يرتد حيا وأن يناله ( هكذا عند استعلامى 2 / 202 ) وإن كان مولانا يفسر بأن الأسد قضى على الرجل لأنه ضايق عيسى عليه السلام ، وإن لم يشرب دمه لأنه لم يكن رزقا له فالرزق ينتهى مع الأجل .
 
( 467 - 470 ) : ملاحظة اجتماعية أخرى عن أولئك الذين " يصيدون " ولا يأكلون " صيدهم " يكون قسمة لغيرهم ، يعيشون عيشة الفقراء ويحاسبون حساب الأغنياء وتكون أموالهم للورثة ، يكون بلا نصيب بينما هو يهىء الأنصبة للآخرين ، يعيش في الدنيا مسخرا مجبراً .
ومن ثم يتجه مولانا إلى الله تعالى بأن يخلصنا في الدنيا من السخرة والإجبار ، وألا نسرع كالأسماك في أثر طعم موجود في شص فيه نهايتنا ، نلهث خلفه كالأسماك ثم يأخذ بحلوقنا ، ويدعو


 
 
« 354 »
 
 
بذلك الدعاء الذي دعاه الرسول عليه الصلاة والسلام « اللهم أرنا الأشياء كما هي » واللهم أرنا الأشياء كما تريها صالح عبادك " ( أنظر أحاديث مثنوى / 45 ) .
 
( 471 - 481 ) : يجيب الأسد على عيسى عليه السّلام بسبب آخر من أسباب افتراسه للأحمق ، وهو أنه فعل الأمر لمجرد الاعتبار والعظة ، أي أن يجعل منه عبرة وعظة لأولئك الذين يكرمهم الله بصحبة الأولياء فلا يطلبون منهم إلا مال الدنيا وجاه الدنيا ولا يطلبون كنز الأرواح ونجاة الروح ، وما أشبههم بذلك الذي يقف أمام قيم المياه " المشرف على توزيع المياه " وبدلا من يطلب منه نصيبه من المياه ، يبول في تلك المياه ، ومن هذا المثل نصل إلى مثل آخر ، ماء المعرفة وقيمة الرسول ، وبدلا من أن يطلب الحياة الخالدة ، وموت الجسد بأمر " كن فيكون " ، يطلب الحياة لكلب النفس ، وهو العدو اللدود ف " أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك " لكن ما ذا تفعل إزاء معرفة أهل الظن الذي لا يغنى من الحق شيئاً ؟ ! ! هذا عن أهل الظن ، والظن يعتريه عين الآن والآخر على سبيل السهو فما بالك بمن حجبت رؤيته تماما فهو متخبط ! !
 
( 482 - 487 ) : تعالى إذن أيتها العين ( يا صاحب العين ) الباكية من أجل الآخرين ، وابك على نفسك ، فمن هذا البكاء والدمع الغزير تخضر حديقة معرفتك ، ويتألق شمع روحك ، وابحث عن النائحين الآنين من خوف المطلع وسوء العاقبة وهول الملتقى ، وابك معهم على نفسك وخطيئتك ، وأولئك الباكون منهم من يبكى شوقاً إلى الباقي ، ومنهم من يبكي لفوات الفاني ، منهم من هم من أهل التقليد ، ومنهم من هم من أهل التحقيق ، والتقليد سد أمام القلب لا يمحوه إلا البكاء ، وهو آفة كل حسن فأي حسن هذا الذي يعبر عنه بالتقليد ولا يعبر عنه بذوق التحقيق .
 


 
 
« 355 »
 
 
( 488 - 494 ) : فاقد بصيرة المعرفة وإن كان ضخما فخما فهو مجرد كومة من اللحم ، إنه متفيهق لبق اللسان حلو الحديث يفيض حكمة ، لكنه مجرد لسان ناطق ، هو بائع للكلام غير منتفع به ، حامل للعلم وعلمه معه لا ينفعه ، مزدهر الظاهر ، لكن باطنه أجدب من كف اللئيم ، وأشد ظلمة من قبر الكافر ، هو نهر ماء لا يستفيد من مائه ، ومزمار يئن مجبرا من أجل سامع ، هو نادبة أجيرة وليست ثكلى ، ليس في القلب حرقة ، وكل همها الأجر ، وإن كان كلامها موجعا يثير الدموع من الآخرين .
 
( 495 - 505 ) : تريد فروقا أخرى بين المحقق والمقلد : الأول مثل داود في ترتيله لمزاميره ، والثاني مجرد مردد لصدى الصوت فهو غير نابع منه وإن كان حسناً ، الأول أقواله نابعة من حرقة قلبه ، والثاني مجرد متعلم ، الأول يشعر بالحمل على كاهله ، والثاني يئن كعجلة العربة التي عليها الحمل الذي يجره الثور ، ومع ذلك فالمقلد أيضا ليس محروما من الثواب ، فكل ما ينطق باسم الله يكون له ثوابه ، ولكن بقدر هدفه من هذا النطق ، الكافر ينطقهوَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ( العنكبوت / 61 ) ، لكن شتان بين نطقه لاسم الله ونطق المؤمن لاسم الله ، والشحاذ ينادى باسم الله من أجل الخبز ، ولو علم من ينادى لما بقي للدنيا كلها قدر عنده ، وما أشبه الله على لسانه " بالحمار يحمل أسفارا " ، ولو أدرك قيمة ما ينطق لتفتت جسده إلى ذرات ، وأليس من المعيب أن يستخدم اسم الشيطان في الشعوذة من أجل جلب الدنيا ثم يستخدم اسم الله من أجل نفس الهدف ؟ ! فما ذا يكون الفرق إذن ؟ !
.
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: