الاثنين، 10 أغسطس 2020

07 - بيان التوكل ومطالبة الحيوانات للأسد بترك الجهد المثنوي المعنوي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

07 - بيان التوكل ومطالبة الحيوانات للأسد بترك الجهد المثنوي المعنوي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

07 - بيان التوكل ومطالبة الحيوانات للأسد بترك الجهد المثنوي المعنوي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

« 110 »
بيان التوكل ومطالبة الحيوانات للأسد بترك الجهد
- كانت جماعة من الحيوان في واد نضير ، في صراع دائم مع الأسد .
905 - ومن كثرة ما كان الأسد يخطف منها من مكمنه ، كان المرعى قد صار نكدا عليها كلها .
- فاحتالوا جميعا ، وجاءوا إلى الأسد ، وقالوا له : سنجرى عليك راتبا بما يشبعك .
- فلا تسع من بعد الآن في إثر صيد ، حتى لا تتمرر في حلوقنا هذه الأعشاب ،
 
جواب الأسد على الحيوانات وحديثه عن فائدة الجهد
- قال : أجل ، إن رأيت الوفاء لا المكر ، إذ رأيت كثيرا من الحيل من هذا وذاك .
- إنني هالك من أفعال الخلق ومن مكرهم ، وأنا الملدوغ من الحية ومن العقرب .
 
910 - والنفس من قبيل الخلق كامنة في داخلي ، وهي أسوأ منهم جميعا مكرا وحقدا .
- ولقد سمعت أذني الحديث " لا يلدغ المؤمن " ، فاختارت قول الرسول بالروح والقلب .
 
ترجيح الحيوانات التوكل والتكسب على الجهد
- قالوا جميعا : أيها الحكيم العالم ، " الحذر ، دع ، ليس يغني عن قدر " « 1 »
- وفي الحذر إثارة للفتنة والشر ، فامض وتوكل ، فالتوكل أفضل .
...............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن .
« 111 »

- ولا تعاند القضاء أيها الحاد المتهور ، حتى لا يعاندك القضاء بدوره .

915 - وينبغي أن يكون المرء ميتا أمام حكم الحق ، حتى لا يأتينه الطعان من رب الفلق .
ترجيح الأسد ثانية الجهد والاكتساب على التوكل والتليم
- قال : أجل ، إذا كان التوكل رائدا ، فالأخذ بالسبب أيضا سنة نبوية .
- فلقد قال الرسول بصوت عال : اعقل ركبتي البعير وتوكل .
- واستمع إلى الرمز القائل " الكاسب حبيب الله " ، ومن التوكل لا تكن متكاسلا في الأخذ بالسبب « 1 »
ترجيح الحيوانات للتوكل على الاجتهاد
 
- قال له الحيوان : إن الكسب من ضعف الخلق ، فاعلم أنه لقمة رياء على قدر الحلق . « 2 »
 
920 - ولا كسب هناك أفضل من التوكل ، وأي شيء يستحب من الخلق أكثر من التسليم ؟
- وكثيرون من هم في الدنيا يفرون من البلاء إلى البلاء ، وكثيرون هم الذين يهربون من الحية إلى التنين .
- لقد احتال الإنسان ، وكانت حيله شركا له ، ومن ظنه حبيبا كان سافكا لدمه .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 420 فاذهب أيها العم وتوكل مع الكسب ، وداوم على الجهد . . . وداوم على الكسب شعرة بشعرة . 
- وجاهد وأبد الجهد حتى تنجو وإن قعدت عن الجهد فاعلم أنك أبله .
( 2 ) ج / 1 - 423 : - إذن فاعلم أن الكسب إنما نشأ من الضعف والاعتماد على الغير في التوكل خطأ .
 
« 112 »
- وأغلق الباب والعدو داخل داره ، وكيد فرعون من هذا القبيل .
- فلقد قتل مئات الآلاف من الأطفال ذلك الحقود ، في حين أن من كان يقصده كان داخل داره .
 
925 - ولما كانت هناك كثير من العلل في عيوننا ، فاذهب وأفن بصيرتك في بصيرة الحبيب .
- فأن بصيرته نعم العوض عن بصيرتنا ، وإنك لتجد في بصيرته كل ما تهوى .
- والطفل طالما أنه لا يمسك ولا يسعى ، لا يكون له من مطية سوى عنق أبيه . ، 
- لكنه عندما صار فضوليا وأبدى له يدا وقدما ، وقع في العناء من البلايا والمحن 
- وأرواح الخلق قبل أن " تكتسي " أيدي وأقداما ، كانت تحلق في الوفاء من الصفاء .
 
930 - وعندما صارت سجينة بأمر " اهبطوا " ، صارت حبيسة للغضب والرضا والحرص .
- ونحن عيال الحضرة " الإلهية " نطلب منها الرضاع ، ولذا قال الرسول الخلق عيال " للإله " 
- وذلك الذي يرسل المطر من السماء ، يستطيع أيضا أن يهب الخبز من رحمته .
ترجيح الأسد الجهد على التوكل
- قال الأسد : أجل ، لكن رب العباد وضع سلما أمام أقدامنا .
- وينبغي الصعود إلى السطح درجة درجة ، والطمع الساذج هنا من قبيل الجبر .
 
935 - ولك قدم فكيف تجعل من نفسك أعرج ؟ ولك يد ، فكيف تخفي قبضتك ؟
- ولو وضع السيد فأسا في يد عبد ، فإنما يكون مراده معلوما دون بيان .
« 113 »
- واليد كالفأس في إشاراته ، والتفكر في العواقب عباراته .
- وعندما تتمسك بإشاراته بالروح ، وتضحي بالروح وفاء لتلك الإشارة ؛ 
- تعطيك إشاراته الأسرار ، ويضع الإصر عن كاهلك ، ويعطيك العمل .
 
940 - وأنت حامل " للأمانة " فيجعلك محمولا " في البر والبحر " ، وأنت قابل " لأمره " فيجعلك مقبولا .
- وإن كنت قابلا لأمره يجعلك قائلا " لأسراره " ، وإن بحثت عن الوصل تصبح بعدها واصلا .
- والسعي يكون شكرا لنعمة القدرة ، وجبرك إنكار لتلك النعمة .
- وشكر القدرة يزيدك قدرة ، والجبر يجعل النعمة تتسرب من كفك .
- وجبرك يكون نوما فلا تنم في الطريق ، لا تنم ما لم تر هذا الباب والبلاط .
 
945 - انتبه ، ولا تنم أيها الكسول فاقد الاعتبار إلا تحت تلك الشجرة المثمرة .
- حتى تجعل الرياح الأغصان ناثرة للثمار في كل لحظة ، وتصب علي النائم الثمار والزاد .
- أثمة جبر ونوم بين قطاع الطرق ؟ ومتى يجد الطائر المغرد في غير أو ان أمانا ؟
- وإنك إن تكبرت على إشاراته ، تظن نفسك رجلا ، وأنت " في الحقيقة " امرأة .
- ويضيع حتى هذا القدر من العقل الذي لديك ، والرأس الذي يطير العقل منه يصبح ذيلا .
950 - ذلك أن الجحود يكون شؤما وشنارا ، يحمل الجاحد إلى الدرك الأسفل من النار .
« 114 »
- وإن توكلت فزاول العمل ، زاول الكسب ، ثم اعتمد على الجبار . « 1 »
ترجيح الحيوان ثانية التوكل على الجهد
- فرفعوا عليه جميعا أصواتهم قائلين : هؤلاء الحريصون الذين تذرعوا بالأسباب ؛
- وهم مئات آلاف الآلاف من الرجال والنساء ، لما ذا صاروا إذن محرومين من منافع الدهر ؟
- ومئات الآلاف من الأجيال من بداية الدنيا ، فتحوا مثل التنانين مئات الأفواه ؛
 
955 - ولقد مكرت كثيرا تلك الجماعة من أرباب العلم ، بحيث كانت الجبال تقتلع من أساسها من جراء هذا المكر ،
- ولقد وصف مكرهم ذو الجلال ، بأنه تزول منه الجبال 
- فلم يتحقق لهم من الصيد ومن العمل ، إلا ما كتب لهم من قسمة الأزل .
- فكفوا جميعا عن التدبير وعن العمل ، وبقي فعل الله وكلمته .
- فلا تعتبر الكسب إلا مجرد اسم أيها الشهير ، ولا تظنن الجهد إلا من قبيل الوهم أيها العيار .

إمعان عزرائيل النظر في رجل ،
وهروب ذلك الرجل إلى قصر سليمان عليه السلام ،
وتقرير ترجيح التوكل على الجهد وقلة فائدة الجهد
960 - دخل أحد الوجهاء وقت الضحى إلى مجلس مظالم سليمان وهو يهرول .
- كان وجهه شاحبا من الخوف وشفتاه زرقاوين ، فسأله سليمان ما الخبر أيها السيد ؟
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 431 : - اعتمد على الجبار حتى تنجو ، وإلا سقطت في بلاء الضلالة .

« 115 »

- قال : لقد نظر إليّ عزرائيل هكذا نظرة مليئة بالغضب والحقد .
- قال : هيا قل ما ذا تريد الآن ؟ اطلب ، قال : مر الريح يا ملاذ الروح ؛
- أن تحملني من هنا إلى الهند ، ربما أنجو بروحي إن ذهبت إلى هناك .
 
965 - وأليس الخلق هاربين من الفقر ، ومن ثم فهم فرائس للحرص والأمل ؟
- فخوف الفقر مثال على ذلك الرعب ، واعلم أن الهند رمز للحرص والسعي .
- فأمر الريح أن تحمله على وجه السرعة من فوق المحيط إلى قلب الهند .
- وفي اليوم التالي ، عند انعقاد الديوان ولقاء " الرعية " ، قال الملك سليمان لعزرائيل :
- لماذا نظرت بغضب إلى ذلك المسلم بحيث فارق أهله ؟ « 1 »
 
 970 - قال : متى نظرت إليه بغضب ؟ لقد وجدته في طريقي فنظرت إليه بعجب ؛
- لأن الله تعالى كان قد أمرني بأن أقبض روحه في الهند . « 2 »
 - فقلت مندهشا : لو كان له مائة جناح ، فبعيد عليه أن ينتقل إلى الهند . « 3 »
- وأنت أيضا - أيها الأسد - قس أمور الدنيا كلها على هذا النسق ، وافتح عينيك وانظر .
- فممن نهرب ؟ أمن أنفسنا ؟ ! يا للمحال ، وممن نختطف ؟ من الحق ؟ ! يا للوبال ! ! !
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 445 : لأي سبب نظرت بغضب إلى ذلك المسلم ، قل يا رسول الرب 
- فعجيب ذلك الذي فعلته ، بحيث شردته عن أهله وداره .
( 2 ) ج / 1 - 445 : - قال له : يا ملك الدنيا ، لقد أخطأ الفهم وتخيل أمورا .
( 3 ) ج / 1 - 445 : - ورأيته هنا واندهشت كثيرا ، وفكرت وازدادت حيرتي . 
- وعندما وصلت إلى الهند بأمر الحق ، رأيته هناك وقبضت روحه .

« 116 »

ترجيح الأسد ثانية للجهد على التوكل وبيانه لفوائد الجهد
975 - قال الأسد : أجل ، لكن أنظر أيضا إلى جهود الأنبياء والمؤمنين . « 1 » 
- لقد صدق الله تعالى جهدهم وما عانوه من جفاء ومن حلو ومر .
- فأصبحت كل جهودهم حالا لطيفا ، " وكل شيء من ظريف هو ظريف " . « 2 » 
- وشباكهم بأجمعها صادت طيور الفلك ، وكل ما كان لديهم من نقص انقلب إلى زيادة .
- فجاهد ما استطعت أيها العظيم في طريق الأنبياء والأولياء .
 
980 - والجهاد ليس من قبيل مغالبة القضاء ، فهو أيضا ما كتبه علينا القضاء .
- وإني لأكون كافرا إن قلت إن السائر في طريق الإيمان والطاعة ، قد أحدث ضرا للحظة واحدة .
- وإذا كانت الرأس لم تشج فلا تربطها ، وجاهد ليوم أو يومين ، ثم اضحك فيما تبقى " من أيام " .
- فذلك الذي طلب الدنيا ، بحث عن محال سئ ، أما الذي طلب العقبى ، فقد طلب حسن الحال .
- وأنواع المكر في طلب الدنيا شيء سخيف، وأنواع المكر في طلب الآخرة أمر مطلوب.
 
985 - والتدبير يكون في إحداث فجوة في السجن ، والمكر في سد هذه الفجوة أمر سئ .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 448 : - والسعي للأبرار والجهاد للمؤمنين ، حتى الآن منذ بدء الخلق .
( 2 ) بالعربية في المتن .
 
« 117 »
- وهذه الدنيا سجن ونحن سجناء ، فانقب السجن وخلص نفسك .
- وما هي الدنيا ؟ هي الغفلة عن الله ، ليست في الكساء والمال والميزان والنساء .
- والمال الذي تحمله من أجل الدين ، سماه الرسول " نعم المال الصالح " .
- والماء في السفينة هلاك للسفينة ، والماء تحت السفينة ظهير لها ومعين .
 
990 - وذلك عندما يطرد المرء عن قلبه المال والملك ، ومن هنا لم يسم سليمان نفسه سوى بالمسكين .
- والجرة المغلقة في البحر العباب ، طفت فوقه من قلبها الملئ بالريح .
- وعندما يكون الهواء في باطن الدرويش ، يصبح ساكنا فوق بحر العالم . « 1 »
- وبالرغم من أن هذا العالم كان ملكا لسليمان ، كان الملك في نظره هباء .
- فأغلق فوهة القلب إذن واختم عليها ، واملأه بهواه الكبرياء الإلهي .

995 - فالجهد حق ، والتداوي حق ، والألم حق ، والمنكر لهذا جاهد من أجل أن ينفي الجهد « 2 »

تقرير ترجيح الجهد على التوكل

- وعلى هذا النمط ساق الأسد كثيرا من البراهين ، بحيث مل الجبريون من الرد عليها .
- فترك الثعلب والغزال والأرنب وابن آوى الجبر والقيل والقال .
- وعاهدوا الأسد المفترس ، ألا يبخس في هذا البيع .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 449 : - فلا يستطيع الماء أن يغرقه ، فإن له قلبا سعيدا بالنفخة الإلهية .
( 2 ) ج / 1 - 449 : - فزاول الكسب واسع وجاهد ، حتى تعرف أسرار العلم اللدني . 
- وبالرغم من أن هذا العالم قائم على الجهد ، فمتى صار الجهد شهدا في فم الجاهل ؟

« 118 »

- فيأتيه رزقه كل يوم بلا تعب منه ، ولا تعود به حاجة إلى طلبه . « 1 »

1000 - ومن كانت القرعة تقع عليه يوما بعد يوم ، كان يسرع نحو الأسد وكأنه الفهد .
- وعندما وصلت هذه الكأس في دورانها إلى الأرنب ، صاح قائلا : حتام هذا الجور ؟

إنكار الحيوان على الأرنب تأخره في الذهاب إلى الأسد

- قال له القوم : لنا ردح من الزمن ونحن نضحي بأرواحنا فداء للحفاظ على العهد والوفاء .
- فلا تطلب لنا سوء السمعة أيها العنود ، وحتى لا يغضب الأسد ، هيا ، اذهب إليه بأسرع ما يمكنك .
 جواب الأرنب عليهم
 
- قال : أمهلوني أيها الرفاق ، حتى تنالوا النجاة الكبرى .
 
1005 - وحتى تجد أرواحكم الأمان بمكرى ، ويبقى هذا ميراثا لأبنائكم .
- وكل نبي بين الأمم في هذه الدنيا ، يكون على هذا النسق ، فيسمي بالمخلص .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 457 : - وعندما أخذوا بينهم موثقا وذهبوا آنذاك إلى المرعي أمنين من الأسد المفترس . 
- اجتمعت تلك الحيوانات في مكان واحد ، وقد ثارت بينهم ضوضاء وضجة . 
- كان كل منهم يطرح رأيا وتدبيرا ، وكان كل منهم يسعى في دم الآخر . 
- وفي النهاية اتفقوا فيما بينهم ، أن تطرح القرعة فيما بينهم . 
- وكل من تقع عليه القرعة يكون الفريسة ، ويكون طعاما للأسد دون مناقشة . 
- واتفقوا فيما بينهم جميعا ، أن تكون القرعة مناط الاختيار .

« 119 »
 
- فقد كان طريق النجاة يوحى إليه من الفلك ، بينما كان " هذا الطريق " مختفيا كإنسان العين .
- ورآه الخلق صغيرا كإنسان العين ، ولم يفهم إنسان عظمة إنسان العين .

اعتراض الحيوان على كلام الأرنب
- قال له القوم : استمع أيها الحمار ، وسيطر على نفسك ، كما ينبغي لأرنب .
 
1010 - وانتبه ، ما هذا التنفج الذي لم يدر بخاطر من هم أفضل منك ؟
- فهل أُصبت بالعجب ؟ أو أن قضاءنا في أثرك ؟ وإلا فمتى كان هذا الحديث لائقا بمن هم مثلك ؟
 
جواب الأرنب على الحيوان
- قال : أيها الرفاق ، لقد ألهمني الحق ، وألا يقع لضعيف رأى قوى ؟
- وما علمه الحق للنحل ، لا يكون للأسد ولا لحمار الوحش .
- إنه يصنع بيوتا مليئة بالشهد الطري ، فلقد فتح الله عليه أبواب العلم .
 
1015 - وما علمه الحق لدودة القز ، هل علم فيل قط هذا النوع من العلم ؟
- وآدم المخلوق من تراب تعلم العلم من الحق ، حتى تألق علمه في السماء السابعة ! ! 
- فحطم أسماء الملائكة " وحط " من قدرها ، برغم أنف ذلك الذي كان يشك في الحق .
- فصنع لذلك العجل الذي بلغ من العمر ستمائة ألف عام كمامة ، أجل . . . لذلك العجل .
« 120 »
- وذلك لكي لا يستطيع أن يتجرع لبانة علم الدين ، وحتى لا يطوف حول ذلك القصر المشيد .
 
1020 - وعلوم أهل الحس صارت كالكمامة بالنسبة لهم ، وذلك لكي لا يشربوا لبانة ذلك العلم السامي .
- وفي قطرة القلب سقطت جوهرة ، لم يهبها - جل شأنه - للبحار والأفلاك .
- فحتام أنت عاكف على الصورة يا عابد الصورة ، ألم تنج روحك من الصورة التي لا معنى لها ؟
- ولو كان الإنسان إنسانا بالصورة ، لكان أحمد وأبو جهل سيين .
- والصورة على الجدار تشبه الإنسان ، فانظر . . ماذا يقل عن الصورة ؟
 
1025 - إنه ينقص الروح ، فاذهب إلى تلك الصورة اللامعة ، وابحث عن ذلك الجوهر النادر .
- لقد صارت رؤوس كل أسود العالم حقيرة دنية ، عندما مدت الأيدي إلى كلب أصحاب " الكهف " 
- فأي ضرر أصابه من تلك الصورة المنفرة ، ما دامت روحه قد غرقت في بحر النور ؟
- ولا صور ولا أوصاف في أقلام " الحق " ، وصفات العالم والعادل موجودة في الكتب .
- والعالم والعادل كلها معان فحسب ، ولا تجدها في مكان ، قدام أو وراء .

1030 - إنها تحط على الجسد من اللامكان ، وشمس الروح لا يستوعبها فلك .

« 121 »
ذكر علم الأرنب وبيان فضيلة العلم ومنافعه
- إن هذا الكلام لا نهاية له فتنبه ، واصرف اهتمامك إلى قصة الأرنب .
- وبع أذن الحمار ، واشتر أذنا أخرى ، فإن أذن الحمار لا تدرك هذا الكلام .
- وامض ، وانظر إلى أرنب يقوم بألاعيب الثعالب ، وانظر إلى مكر الأرنب وقضائه على الأسد .
- فالعلم هو الخاتم بالنسبة لملك سليمان ، والعالم بأجمعه صورة ، وروحه العلم .
1035 - ومن هذا الفضل ، صارت مخلوقات البحار والجبال والأودية كلها بلا حيلة أمام الإنسان .
- فالأسد والنمر كلاهما خائف منه وكأنها فئران ، والتمساح والبحر كلاهما منه في هم وحزن .
- ومنه لجأ الجن والشياطين إلى سكنى السواحل ، وكل منهم اتخذ له مخبأً في مكان ما .
- فللإنسان أعداء كثار مختفون ، والإنسان الحذر إنسان عاقل .
- فالمختفون من الخلق قبيحهم وطيبهم ، يطرق أذاهم الخلق في كل لحظة .

1040 - تمضى من أجل الغسل إلى جدول ما ، فتؤذيك شوكة داخل الماء .
- وبالرغم من أن الشوك صغير مختف في الماء ، إلا أنه عندما يخزك تعلم أنه موجود .
- وأشواك الإيحاءات والوساوس ، تكون من آلاف الأشخاص ، لا من شخص واحد .
- فانتظر حتى تتبدل أحاسيسك ، وتراها ، ويحل لك الإشكال .
« 122 »

- حتى تعلم أحاديث من قد رددت ، وحتى تعرف من جعلتهم أئمة لك .

طلب الحيوان ثانية من الأرنب البوم بسر تفكيره
1045 - ثم قالوا : أيها الأرنب الهمام ، اعرض علينا ما وصل إليه إدراكك .
- ويا من اشتبكت مع أسد ، بح لنا بما فكرت فيه من رأى .
- فإن المشورة تمنح الإدراك والذكاء ، والعقول تسدى العون للعقول .
- وقال الرسول : شاور يا صاحب الرأي فالمستشار مؤتمن .امتناع الأرنب عن البوم بالسر لهم « 1 »
- قال : لا ينبغي البوح بكل سر ، فإن الأمور قد تصيب أحيانا وقد تخيب . « 2 »
 
1050 - وإنك إن تحدثت بصفاء مع المراة ، سرعان ما يتكدر وجهها أمامنا .
- وتحدث قليلا عن هذه الأمور الثلاثة : عن ذهبك وذهابك ومذهبك .
- فإن لهذه الأمور الثلاثة خصوما وأعداء كثيرين يترصدونك ، فكيف يعرفونها ؟
- وإن قلتها لواحد أو اثنين فالوداع ، " كل سر جاوز الاثنين شاع " « 3 »
- وإنك إن ربطت ثلاثة طيور إلى بعضها ، تبقى متألمة سجينة على الأرض .
 
1055 - ثم تتشاور فيما بينها من طرف خفي " وتتحدث " كناية وبشكل مختلط وبما يلقي الغير في الخطأ .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 479 : - ينبغي الاستماع إلى قول الرسول بالروح ، فكرره ليُعلم مقصودك سريعا .
( 2 ) حر : فحينا يأتي فردا ما تتوقعه زوجا ، وحينا يأتي زوجا ما تظنه فردا .
( 3 ) بالعربية في المتن .

« 123 »

- لقد كان الرسول يشاور من طرف خفي ، وكان يجيب على صحابه دون أن يدرى من لا علم له " بالأمر " .
- وكان يقول رأيه مغلفا بالمثال ، بحيث لا يدرى الخصم رأسه من قدمه .
- فكان يأخذ الجواب " الذي يقنعه " منه ، لكنه لم يكن يظفر من " جواب " لسؤاله إلا بالنذر اليسير . « 1 »

قصة مكر الأرنب
« 2 »
- لقد تأخر ساعة في الرحيل ، ثم امتثل أمام الأسد الضارب بمخالبه .
 
1060 - ولأنه تأخر في الذهاب إليه ، كان الأسد يزمجر وهو ينكت في التراب .
- وهو يقول : ألم أقل أن عهد هؤلاء الأخساء واه غير محقق شديد الفجاجة ؟
- لقد فضحتني « 3 » أقوالهم الجوفاء ، فحتام يخدعني هذا الدهر ؟ حتام
- إن الأمير المتسيب يصاب بالعجز الشديد ، بحيث لا يدرى ما وراءه وما قدامه من حمقه .
- فالطريق ممهد لكن الشباك تحته ، وهناك قحط في المعنى موجود بين الأسماء .
 
1065 - والألفاظ والأسماء كالشباك ، واللفظ الحلو كالرمل " يمتص " أعمارنا .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 479 : - هذا الكلام لا نهاية له ، فعد نحو الأرنب الشجاع لنرى ما فعل .
( 2 ) ج / 1 - 483 : - الخلاصة أن الأرنب لم يفصح عن تدبيره ، وفكر مع نفسه كثيرا .
- ولم يبح بالسر خيره وشره للحيوان ، إذ كان يعتبر روحه وسره أمرا واحدا .
( 3 ) حر : أوقعتني من فوق الحمار .
 
« 124 »
 
- وذلك الرمل الذي يفور منه الماء نادر جدا ، فامض وابحث عنه .
- هذا الرمل يا بني هو رجل الله ، الذي اتصل بالحق وانفصل عن ذاته .
- وماء الدين العذب يفور منه ، ومنه الحياة والنماء لطالبيه .
- ومن هو غير رجل الحق اعتبره رملا جافا ، يتشرب ماء عمرك في كل لحظة .
 
1070 - فكن طالبا للحكمة من رجل حكيم ، حتى تصبح منه بصيرا وعليما .
- يصبح طالب الحكمة منبعا للحكمة ، ويصبح فارغا من التحصيل وتوخي السبب .
- ويصبح اللوح الحافظ لوحا محفوظا ، ويصبح عقله ذا حظ من الروح .
- لقد كان عقله بمثابة المعلم له من البداية ، ومن بعد هذا صار العقل تلميذا له .
- ويقول له العقل - كما قال جبريل - يا أحمد . . لو تقدمت خطوة لاحترقت .
 
1075 - فاتركنى ، وانطلق من الآن فصاعدا ، فهذا هو حدى يا سلطان الروح .
- وكل من يبقى من كسله بلا شكر ولا صبر ، كل ما يعلمه أن يتعلق بقدم الجبر .
- وكل من توسل بالجبر فقد أمرض نفسه ، حتى وسده جبره ، في النهاية ثرى قبره 
- إذ قال الرسول إن من يتمارض يصيب نفسه بالمرض ، ويظل حتى ينطفئ كالمصباح .
- فما هو الجبر ؟ إنه جبر الكسير أو وصل عرق متفسخ .
 
1080 - وما دمت لم تكسر قدمك في هذا الطريق ، فممن تسخر ؟ وأي قدم ربطت ؟
- وذلك الذي كسر قدمه في طريق الجهد ، أتى إليه البراق فامتطاه .
- كان حاملا للدين فأصبح محمولا به ، كان قابلا للأمر فأصبح مقبولا " من الله " .
- ولقد قبلت الأمر حتى الأن من المليك ، ومن بعد ذلك تلقي على الجيش بأوامرك .
- وحتى الآن كان الفلك ذا تأثير عليك ، ومن بعد هذا تكون أميرا على الفلك .
 
« 125 »
 
1085 - وإن كان ثمة إشكال يعن لك عند النظر ، فإنك تشك إذن في آية " إنشق القمر " .
- فجدد الإيمان لا بقول اللسان ، يا من جددت الهوى في باطنك .
- وما دام الهوى متجددا ، لا يتجدد الإيمان ، فهذا الهوى ليس إلا قفلا على البوابة .
- ولقد قمت بتأويل الكلام البكر ، فأول نفسك ، لا تقم بتأويل الذكر .
- إنك تؤول القرآن على هواك ، فصار المعنى السني منك دنيا معوجا .زيف التأويل الركيك للذبابة« 1 »
 
1090 - أخذت تلك الذبابة ترفع رأسها كالملاح ، فوق الأوراق " الساقطة " والقش وبول الحمار .
- وقالت : لقد تمنيت البحر والسفين ، وبقيت فترة أفكر فيهما .
- وهاهو البحر ، وهذه هي السفينة ، وأنا الملاح وأهل للرأي والتدبير .
- وأخذت تسوق السفينة فوق البحر ، وكان هذا الأمر يبدو لها فائقا عن الحد .
- كان ذلك البول بلا شطآن بالنسبة لها، فأين ذلك النظر الذي يرى ذاك الأمر على حقيقته؟
 
1095 - لقد كان عالمها بقدر رؤيتها ، والعين الواسعة الأفق بحرها بقدر رؤيتها .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 496 : - إن أحوالك تشبه أحوال تلك الذبابة الغريبة ، التي كانت تعتبر نفسها إنسانا . 
- لقد كانت ثملة بالإحساس بالذات دون شراب ، وكانت ذرة واعتبرت نفسها شمسا . . 
- ولقد سمعت أوصاف البزاة ذلك الزمان ، فقالت : إنني عنقاء الوقت دون جدال . . .

« 126 »

- وصاحب التأويل الباطل كالذبابة ، وهمه بول الحمار ، وتصوره القذى والغثاء .
- ولو تركت الذبابة تأويلها برأيها ، لحولها الإقبال إلى طائر البُلح المبارك .
- ولا تكون ذبابة تلك التي تعتبر ، إذ لا تكون روحها جديرة بصورتها .

ضيق الأسد من تأخر الأرنب

- مثل ذلك الأرنب الذي هاجم الأسد ، متى كانت روحه جديرة بجسده ؟
 
1100 - قال الأسد محتدا غاضبا ، لقد أغمض العدو عيني عن طريق أذني .
- ولقد قيدتني حيل الجبريين ، وسيفهم الخشبي قد جرح جسدي .
- ومن الآن فصاعدا لن أسمع هذا الكلام المعسول ، فكلها أصوات شياطين وغيلان .
- فلتمزقهم أيها القلب ولا تتوقف ، ولتسلخ عنهم جلودهم ، فليسوا إلا جلود .
- وما هو الجلد ؟ إنه زخرف القول ، فهو كنقش ترس على الماء لا دوام له .

1105 - فالكلام كالجلد ، واعتبر المعنى كاللب ، والكلام كالصورة ، والمعنى كالروح .
- والجلد يكون غطاء للب المعيوب ، أما اللب الجيد ، فالغيب يخفيه غيرة منه .
- وعندما يكون القلم من الريح والورق من الماء ، فإن كل ما تكتبه يفنى سريعا .
- وإن طلبت الوفاء من النقش على الماء ، فإنما تعود عاضّا بنان الندم .
- والريح في الناس هي الهوى والشهوة ، وعندما تجاوز الهوى تكون رسالة الحق .

1110 - ورسائل الخالق تكون طيبة ، فهي ثابتة من قمة الرأس إلى أخمص القدم 
- وخطب الملوك في تغير مستمر ، والمجد المجد هو مجد الأنبياء وخطبهم .
- فجلال الملوك يكون من الهوى ، وكتاب أعمال الأنبياء من الكبرياء " الإلهي "
 
« 127 »
 
- وأسماء الملوك تمحى من فوق الدراهم ، والسكة تضرب إلى الأبد باسم أحمد .
- واسم أحمد هو اسم كل الأنبياء ، فالمائة عندما تذكر تتضمن التسعين . « 1 »
 
أيضا في بيان مكر الأرنب
1115 - لقد تأخر الأرنب كثيرا في المضي إليه ، ومكر مكرا فيما بينه وبين نفسه
- واتخذ طريقه بعد تأخر شديد ، لكي يسر في أذن الأسد بسر أو سرين .
- فيالها من عوالم موجودة في سويداء العقل ، وياله من شاسع ذلك البحر المسمي بحر العقل . « 2 »
- وصورنا في هذا البحر العذب ، تسرع كأنها الأواني فوق سطح الماء .
- وما لم تمتلئ فهي كالطسوت فوق سطح الماء، وعندما يمتليء الطست يغوص في الماء.

1120 - فالعقل عالم مختفٍ وظاهر ، وصورنا هي الموج ، أو قطرة منه .
- وكل من يجعل من الصورة وسيلة له ، فإن البحر يلقي به بعيدا من جراء هذه الوسيلة .
- بحيث لا يرى القلب من يلقي فيه بالأسرار ، وبحيث لا يرى السهم من يلقي به بعيدا .
- ويحرن جواده ، ومن العناد ، يسوق هذا الجواد في الطريق الوعر .
- وذلك الفارس يعلم أن جواده حرون ، والجواد يسوقه هو نفسه وكأنه الريح .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 499 : - وهذا الكلام لا نهاية له يا بنى ، فحدث عن قصة الأرنب والأسد الهصور .
( 2 ) ج / 1 - 504 : - فعقل البشر بحر بلا نهاية ، وينبغي للبحر غواص يا بنى .
 
« 128 »
 
1125 - وهو في صراخ وبحث وتفتيش ذلك الحائر ، يظل متسائلا وباحثا من باب لباب .
- قائلا : من الذي سرق جوادي ؟ ومتى ؟ فما هو الموجود تحت فخذك أيها السيد ؟
- أجل . . إنه الجواد . . لكن أين هذا الجواد ؟ أفق أيها الفارس الباحث عن الجواد « 1 »
- والروح ضالة عن الوجود والقرب ، كالدن ، باطنه مليئ بالشراب وهو متيبس الشفة . « 2 »
- فمتى ترى الأحمر والأخضر والأصفر ما لم تر فوق هذه الأنوار الثلاث ؟
 
1130 - لكن ما دام تمييزك بين الألوان قد ضل ، فقد وضع حجاب أمامك دون نور تلك الألوان .
- وما دامت تلك الألوان تكون مستورة عنك ليلا ، تعلم إذن أن رؤية تلك الألوان كانت من النور .
- فلا رؤية للون دون النور الخارجي ، وهكذا أيضا لون خيال الباطن .
- وهذا النور الخارجي من الشمس ومن السها ، أما الباطني فهو من انعكاس أنوار العلا .
- والنور نور العين ، وهو نفسه نور القلب ، فأنوار العيون حاصلة من أنوار القلوب .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 504 : - ويقول له المستمع الأوصاف سرا ، حتى يعرف الرجل جواده ثانية .
( 2 ) ج / 1 - 504 : - فزد الألم في باطنك ، حتى ترى الأحمر والأخضر والأصفر .
« 129 »

 
1135 - ثم إن نور نور القلب هو نور الله ، وهو منزه ومنفصل عن نور العقل ونور الحس .
- وفي الليل لا يكون نور ولا ترى الألوان ، ومن ثم ثبت لك أنه ضد النور . « 1 » 
- فرؤية النور في البداية ، ثم رؤية اللون ، وتعلم هذا من ضد النور . . على الفور 
- ومن أجل ذلك - إذن - خلق الله الألم والحزن ، حتى تبدو السعادة لهذا الضد .
- وتظهر الخفايا من ثم بأضدادها ، ولما كان الحق لا ضد له يظل خفيا .
 
1140 - فالنظر يستند على النور ، ثم يدرك اللون ، والضد يظهر بالضد كالرومي والزنجي .
- فهذا الكلام وذاك الصوت إنما نبعا من الفكر ، وأنت لا تدري أين يوجد بحر الفكر .
- فبضد النور - إذن - عرفت النور ، فالضد يبدي ضده عند الظهور .
- وليس لنور الحق ضد في الوجود ، حتى يمكن لك أن تدركه بضده .
- فلا جرم أن أبصارنا لا تدركه ، وهو يدركها ، وشاهد " هذا الأمر " بموسى والجبل .
 
1145 - واعلم أن الصورة من المعنى كالأسد من الغاب ، أو كالصوت والكلام من الفكر 
- لكنك عندما ترى موج الكلام لطيفا ، تعلم أن بحره أيضا يكون بخرا شريفا .
- وعندما طف موج الفكر من المعرفة ، صنع صورة من الكلام والصوت .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 505 : - إنك لا ترى اللون ليلا إذ لا نور فيه ، وماذا يكون اللون آنذاك إلا خرزة عمياء زرقاء ؟
 
« 130 »
 
- صنع صورة من الكلام ثم إنعدم ، وحملته الأمواج ثانية إلى البحر .
- لقد انبعثت الصورة مما لا صورة له ، ثم عادت إليه مصداقا ل " إنا إليه راجعون " .
 
1150 - ومن ثم فإن لك في كل لحظة موتا ورجعة ، وقد قال المصطفى : الدنيا ساعة .
- وفكرنا سهم منطلق منه - جل شأنه - في الهواء ، ومتى يستقر في الهواء ؟ إنه يعود إليه .
- وفي كل نفس تتجدد الدنيا ، ونحن بلا تنبه إلى التجدد والبقاء .
- فالعمر كالجدول يصل أولا بأول ، ويبدي استمراره في الجسد .
- ولقد تشكل من الانطلاق المستمر ، مثل شرر تحركه بيدك بشكل سريع .
 
1155 - إنك تحرك عودا مشتعل الطرف بشكل منظم ، فتبدو لك النار شديدة الطول .
- والطول الموجود في الزمان من سرعة الصنع ، ولكي تبدى لك سرعة الصنع 
- ويا طالب هذا السر - إن كنت علامة - هاك حسام الدين ، فهو سامي الكتاب . "1" 
 
وصول الأرنب إلى الأسد وغضب الأسد عليه
 
- ورأى الأسد وهو في نار " غيظه " وفي غضبه وثورته ، أن ذلك الأرنب يقترب من بعيد ؛ 
- مسرعا غير هياب وبجرأة شديدة ، غاضبا هو أيضا حادا مندفعا عابس الوجه
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 506 : - وإن وصفه ليستغني عن الشرح ، فامض وارو الحكاية فقد تأخر الوقت .

« 131 »
 
1160 - فمن المجيء بانكسار تكون التهمة ، ومن الجرأة جلاء لكل ريبة .
- وعندما دنا أكثر من صف " المواجهة " ، صاح به الأسد : هكذا أيها العاق .
- أمعي أنا ؟ أنا الذي مزقت الفيلة إربا ، أنا الذي عركت أذن الأسد الهصور ؟
- فمن يكون أرينب حقير ، حتى يضرب بأوامرى عرض الحائط ؟
- فدعك من نوم غفلة الأرنب ، واستمع أيها الحمار إلى زئير الأسد .
 
اعتذار الأرنب
 
1165 - قال الأرنب : الأمان . . فإن لي عذرا . . . لو أعانني عفو سيادتك . « 1 » 
- قال : أي عذر هذا ؟ أتقصير من البلهاء ثم يمثلون بعده أمام الملوك ؟
- إنك طائر صحت في غير أوان ، ومن ثم ينبغي ذبحك فلا ينبغي الاستماع إلى عذر الأحمق .
- فإن عذر الأحمق أقبح من ذنبه ، وعذر الجاهل سم لكل معرفة .
- وعذرك أيها الأرنب خال من العلم ، ولست بالغافل حتى تثقل على أذني به .
 
1170 - قال : أيها الملك ، فلتعتبرن الخسيس أيضا مخلوقا ، واستمع إلى عذر من وقع عليه الظلم .
- وذلك على سبيل زكاة جاهك ، فلا تطرد ضالا عن طريقك .
- والبحر الذي يعطي ماءه لكل جدول ، يسمح لعود من القذى أن يطفو فوقه .
- ولن يقل البحر من هذا الكرم ، ومن الكرم لا يحل بالبحر نقصان أو زيادة .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 536 : - ولأفض به إليك إذا تفضلت ، وأنت سيد وملك وأنا عابر سبيل .

 
« 132 »
 
- قال : إنني متصف بالكرم ، لكن في موضعه ، وأنا أخيط ثوبا لكل إمرىء بقدر قامته .
 
1175 - قال " الأرنب " : إستمع إليّ ، وإن لم أكن جديرا باللطف ، لوضعت رأسي أمام أفاعي العنف .
- كنت عند الضحى قادما مع رفيق لي صوب جلالتك .
- كان معي من أجلك أرنب آخر ، كانت الجماعة قد أرسلتنا زوجا من أجلك .
- ولقد هاجمني أسد في الطريق ، هاجمنا نحن الرفيقين القادمين إليك .
- قلت له : نحن عبدا الملك ، ونحن من أقل أتباع ذلك البلاط .
 
1180 - قال : ومن يكون الملك ؟ إخجل ، ولا تذكر أمامي كل خسيس .
- ولأمزقنك أنت وملكك ، إن ذهبت أنت ورفيقك عن بابي .
- قلت له : دعني ، حتى أشاهد وجه الملك مرة أخرى ، وأنبؤه بأمرك .
- فقال : أترك رفيقك رهنا لدى ، وإلا فأنت أيضا ضحية في رأيي .
- ولقد توسلنا إليه كثيرا ، ولم يجد نفعا ، وأخذ رفيقي وتركني وحدى .
 
1185 - ولقد كان رفيقي ضعفي سمنة وامتلاءا ، وأفضل مني لطفا وجمالا وقواما 
- ومن بعد الآن ، أغلق الطريق بذلك الأسد ، هكذا كان حالي ، وقد قصصته عليك 
- واقطع الأمل الآن من الراتب ، وها أنا أقول لك الحق ، والحق مر .
- فإن أردت الراتب طهر الطريق ، هيا . . أقدم وادفع ذلك الوقح .
 
موافقة الأسد للأرنب وسيره معه
 
- قال : بسم الله ، تعال . . أين هو ؟ . . هيا تقدمني إن كنت تقول الصدق .

« 133 »
 
1190 - حتى أوقع به جزاءه ومائة من أمثاله ، وإن كان ما قلت كذبا أجازيك بما تستحق .
- فتقدم أمامه كدليل الطريق ، حتى يقوده نحو الفخ الذي نصبه له .
- نحو بئر كان قد وضع عليه علامات ، كان قد جعل البئر العميق فخا لروحه .
- وظلا يسيران معا حتى فوهة البئر ، فهاك أرنب كأنه ماء تحت تبن .
- والماء يحمل القشة إلى البحر ، فكيف - ويا للعجب - يحمل الماء جبلا ! ! 
 
1195 - كانت شبكة مكره وهقا للأسد ، فياله من أرنب عجيب . . كان يخطف أسدا .
- ورجل مثل موسى يقتل فرعون في البحر مع عسكره وجمعه الغفير .
- وبعوضة تشق مفرق النمرود بنصف جناح ولا يعتريها خوف .
- وهذا هو حال الذي إستمع إلى العدو ، فانظر جزاء ذلك الذي صار رفيقا للحسود 
- حال فرعون الذي إستمع إلى هامان ، وحال النمرود الذي إستمع إلى الشيطان .
 
1200 - فالعدو وإن تحدث إليك بلهجة الصديق ، اعتبره فخا وإن حدثك عن الحب 
- فإن أعطاك سكرا اعتبره سما ، وإن تلطف إليك ، إعتبر تلطفه قهرا .
- وعندما يحم القضاء لا ترى سوى القشر ، ولا تميز بين الأعداء والحبيب ، 
- وإذا صار الأمر هكذا ، فابدأ في الابتهال ، واجعل لنفسك عدة من الضراعة والتسبيح والصوم .
- وداوم الضراعة قائلا : يا علام الغيوب ، لا تدقنا تحت حجر المكر السيء . « 1 »
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 541 : - " يا كريم العفو ستار العيوب " ، لا تنتقم منا بذنوبنا . - وكل ما هو في الكون من أشياء وكل ما هو موجود ، أبده للروح على ما هو عليه .



« 134 »
 
1205 - فإذا كنا قد أبدينا أخلاق الكلاب يا خالق الأسد ، لا تسلط علينا الأسد من هذا المكمن .
- ولا تبد لنا الماء العذب في صورة النار ، ولا تضع على النار صورة الماء .
- وعندما تهب سكرا من شراب القهر ، تعطي المعدومات صور الوجود .
- وما هو السكر ؟ إغماض العين حتى لا ترى العين ، حتى يبدو الحجر جوهرا والصوف حجر يشم .
- وما هو السكر ؟ إنه إبدال الأحاسيس ، وتحول خشب الطرفاء إلى خشب صندل .
 
قصة الهدهد وسليمان عليه السلام . .
في بيان أنه عندما يحم القضاء تغمض العيون المبصرة
 
1210 - عندما نصب لسليمان مخيمه ، أتت الطيور كلها إلى محضره .
- فقد وجدوا من يشاركهم اللسان ومن هو مأذون له بأسرارهم ، فأسرعوا إليه واحد واحد بأرواحهم .
- لقد تركت كل الطيور شقشقاتها ، وصارت مع سليمان " أفصح من أخيك " .
- إن المشاركة في اللسان قرابة وصلة ، والمرء مع الغرباء عنه مثل سجين مقيد .
- فرب هندى وتركي شريكين في اللسان ، ورب تركيين كلاهما غريب عن الاخر .
 
1215 - ومن ثم فلسان المأذون له لسان من نوع آخر ، والمشاركة في القلوب أفضل من المشاركة في الألسنة .
- وغير النطق وغير الإشارة وغير الكتابة ، هناك مئات الألوف من التراجمة تنبع من القلب .

 
« 135 »
 
- وأخذ كل واحد من الطيور يبدي أسراره ، وما لديه من علم وفضل وعمل .
- أخذ يقصه لسليمان بالتفصيل ، مادحا نفسه ، عارضا خدماته .
- لا على سبيل الكبرياء أو إبداء الذات ، بل لكي يسمح له بالتقدم إليه .
 
1220 - كما يحدث من عبد بالنسبة لسيد ما ، يقوم أمامه بعرض ما يتقن .
- لكنه عندما يشعر بالنفور من مشتريه ، يتظاهر بالمرض والشلل والصمم والعرج .
- ووصل الدور إلى الهدهد وحرفته وبيان صنعته وما لديه من فكر .
- قال : أيها الملك ، أقول لك أدنى ما عندي من فنون ، فخير الكلام ما قل ودل .
- قال : قل ، لنر أي فن ذاك ، قال : إني أكون طائرا في الأوج ؛ 
 
1225 - وأنظر من الأوج بعين اليقين ، فأرى الماء تحت طباق الأرض .
- أرى موضعه وعلى أي عمق يكون وما لونه وأينفجر من صخر أو من تراب .
- فقال سليمان : أنت نعم الرفيق إذن في الصحارى الشاسعة التي لا ماء فيها . « 1 » 
- حتى تجد الماء من أجل العسكر ، وتقوم في السفر بالسقاية للصحاب . « 2 »
 
طعن الزاغ في دعوى الهدهد
 
1230 - عندما سمع الزاغ ، تقدم من حسده ، وقال لسليمان : لقد كذب وقال محالا .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 550 : - تكون قائدا لنا ودليلا ، ومن أجلنا تكتشف الماء .
( 2 ) ج / 1 - 551 : - ومن بعد ذلك صحبه الهدهد ، فقد كان عالما بالماء الخفي .


 
« 136 »
 
- وليس من الأدب الحديث أمام الملك حديثا يعد نفاجا كاذبا ومحالا .
- فإن كان لديه هذا النظر على الدوام ، فكيف لم يكن يرى الفخ تحت قبضة من تراب ؟ ! 
- وكيف كان يسقط في الفخ ؟ وكيف كان يحبس في القفص خائبا محروما ؟
- فقال سليمان : أيها الهدهد هل يليق أن يبدومنك الدردى والكأس في أوله ؟
 
1235 - فكيف تبدى السكر يا من شربت المخيض ثم تتنفج أمامى . . أثم كذب ؟
 
جواب الهدهد على طعن الزاغ
 
- قال : أيها الملك ، بالله لا تستمع في أنا المتجرد الشاذ إلى قول العدو .
- فإن كانت دعواي بالباطل ، فإنني أضع رأسي ، فاذبحني .
- والزاغ الذي ينكر حكم القضاء كافر وإن كانت لديه آلاف العقول .
- وما دامت فيك صفة من صفات الكافرين ، فأنت موضع للنتن والشهوة كما بين الفخذين .
 
1240 - إنني أرى الشبكة وأنا في القضاء ، إن لم يضع القضاء على عين عقلي حجابا .
- وعندما يحم القضاء تنام المعرفة ويسود القمر وتصاب الشمس بالكسوف .
- ومتى يكون هذا الفعل نادرا من القضاء ؟ ومن ينكر القضاء إعتبر إنكاره أيضا من " سوء " القضاء .
 
قصة آدم عليه السلام وإغماض القضاء بصره
عن مراعاة صريح النهي وترك التأويل
 
- إن أبا البشر وهو السيد المشرف ب " علم الأسماء " ، كان يجري في كل عرق منه مئات الألوف من العلوم .



« 137 »
 
- لقد وهب روحه اسم كل شيء على ما هو عليه وحتى عاقبته .
1245 - وكل لقب علمه إياه لم يبدل، وما سماه جلدا نشيطا لم يتحول إلى كسول. "1"
- وكل من كانت عاقبته مؤنا رآها من البداية ، وكل من كان في عاقبته كافرا ظهر له وبدى . « 2 » 
- فاستمع إلى اسم كل شيء من العالم به ، واستمع إلى سر علم الأسماء .
- واسم كل شيء بالنسبة لنا هو ظاهره ، واسم كل شيء بالنسبة للخالق سره وباطنه .
- وعند موسى كان اسم عصاه مجرد عصا ، لكن اسمها عند الخالق كان حية .
 
1250 - واسم عمر هنا كان عابد الصنم ، لكن اسمه يوم العهد كان مؤمنا .
- وما كان عندنا اسمه قطرة من المني ، كان أمام الحق على الصورة التي تمخضت عنها قطرة المني .
- كانت قطرة المني صورة في العدم موجودة أمام الحق بلا زيادة ولا نقصان .
- والخلاصة أن حقيقة أسمائنا ، كانت أمام الحق بناء على ما تكون عليه عاقبتنا .
- فالمرء يسمى على ما تؤول إليه عاقبته ، لا على الاسم الذي وضع على شيء هو فيه عارية .
 
1255 - وعندما نظرت عين آدم بالنور الطاهر ، انكشف له سر الأسماء وروحها .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 554 : - وكل من سماه مقبلا حرا ، بقي عزيزا هانئا سعيدا .
( 2 ) ج / 1 - 554 : - وكل ناظر للعاقبة يكون مؤمنا ، ومن هو ناظر إلى المزود فهو بلا دين .
 
« 138 »
 
- وعندما أدرك كالملك أنوار الحق بداخله ، عكف على السجود ، وجد في الخدمة « 1 » 
- ومدح آدم هذا الذي أذكره ، أكون قاصرا لوفصلت فيه إلى القيامة .
- لقد علم كل هذا ، وعندما حم القضاء ، صارت معرفة نهي واحد أمرا صعبا عليه . .
- وتسائل : ويحي . . أكان النهي من أجل التحريم ، أو كان الأمر على وجه التأويل والإبهام ؟
 
1260 - وعندما رجحت كفة التأويل في قلبه ، أسرع طبعه في حيرته إلى الحنطة .
- والناطور عندما وجد شوكة في قدمه ، وجد اللص الفرصة ، وأسرع في سرقة المتاع .
- وعندما نجا من الحيرة وآب إلى الطريق ، وجد اللص قد أسرع في سرقة المتاع من بستانه .
- فقال : " ربنا إنا ظلمنا " وتأوه ، أي أن الظلمة قد خيمت وضاع الطريق .
- إذن فقد كان القضاء سحابا يغطي الشمس ، ومنه يصير الأسد والأفعى كالفأر .
 
1265 - وأنا إن كنت لا أرى الشبكة حين الحكم الإلهي ، فلست بالجاهل الوحيد أمام الحكم .
- وما أسعده ذلك الذي عكف على الإحسان ، وترك القوة وعكف على الضراعة .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 554 : - وعندما رأى الملائكة نور الحق " يشع " منه ، وقعوا له ساجدين .



« 139 »
 
- فإذا كان القضاء يحط عليك بالظلمة كالليل ، ففي النهاية ، هو القضاء الذي يأخذ بيدك .
- وإذا قصد القضاء هلاكك مائة مرة ، فالقضاء نفسه هو الذي يهبك الروح ويهبك الدواء .
- وهذا القضاء إن قطع عليك الطريق مائة مرة ، فإنه هو الذي يضرب مخيمك على قمة الفلك .
 
1270 - واعلم أن تخويفه إياك من قبيل الكرم وذلك حتى يقعدك على ملك الأمن .
- وهذا الكلام لا نهاية له ، وقد تأخر بنا " الوقت " ، فاستمع إذن إلى قصة الأرنب والأسد
 
تقهقر الأرنب عن الأسد عندما وصلا قرب البئر
« 1 »
- وعندما اقترب من البئر ، رأى الأسد أن ذلك الأرنب قد توقف في الطريق ثم انسحب .
- فقال له : لقد تراجعت فلماذا ؟ لا تتراجع . . هيا . . تقدم .
- قال : أين قدمي ؟ لقد ضاعت يدي وقدمي ، وارتعدت روحي ، وانخلع قلبي من مكانه .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 568 : عندما رافق الأسد الأرنب ، صار شديد الغضب والحدة وسئ النية . - وكان الأرنب الشجاع يتقدمه ، وفجأة تراجع من أمام الأسد .
 
« 140 »
 
1275 - ألست ترى وجهي " أصفر " كالذهب ؟ إن لوني ينبي عما هو موجود داخلي .
- والحق عندما جعل السيماء منبئة " عما وراءها " ، بقيت عن العارف مركزة على السيماء .
- وما يحطم كل ما يحل به ، وما يقتلع كل شجرة من جذورها .
- واللون والرائحة منبئان كالجرس كما ينبيء صهيل الخيل عن الخيل .
- وصوت كل شيء ينبيك عن خبره ، حتى تميز بين نهيق الحمار وقرع الأبواب .
- وقد قال الرسول عند التمييز بين الأشخاص : المرء مخبوء لدى طي اللسان . «1»
 
1280 - ولون الوجه فيه أمارة عن حال القلب ، فارحمني واغرس محبتي في قلبك .
- واللون الأحمر في الوجه يحتوي على صوت الشكر ، ولون الوجه الأصفر يحتوى على الصبر والفكر .
- لقد حدث لي ما أفقدني يدي وقدمي ، وما يسلب مني لون الوجه والقوة والسيماء .
- وما يحطم كل ما يحل به ، وما يقتلع كل شجرة من جذروها .
- لقد حل بي ما صار مبهوتا منه الإنسان والحيوان والجماد والنبات .
 
1285 - وهذه كلها أجزاء وفروع والكليات منه ، جعلت اللون شاحبا والرائحة نتنة .
- وهذا لكي تصبح الدنيا حينا شاكرة وحينا صبورة ، ويرتدي البستان الحلل حينا .
وحينا يصير عاريا .
- والشمس التي تطلع كأنها النار ، تصبح منقلبة في لحظة تالية .
- والنجوم المتألقة في قبة السماء الرابعة ، تبتلى بعد لحظة أخرى بالاحتراق .
...............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن .


« 141 »
 
- والقمر الذي يزيد في جماله عن النجوم ، يصبح من مرض السل والنحول كأنه الخيال .
 
1290 - وهذه الأرض الساكنة بأدب ، يصيبها الزلزال بالارتعاد والحمى .
- وما أكثر الجبال التي صارت في الدنيا دكا - من هذا البلاء المتوارث - وحفنة من الرمال .
- وهذا الهواء الذي اقترن بالروح ، عندما حم القضاء صار وبيئا عفنا .
- والماء العذب الذي صار توأما للروح ، صار في غدير آسنا مرا أصفر .
- والنار المتأججة برياح الكبرياء ، آخرها ريح تقرأ عليها آية موتها . « 1 »
 
1295 - وافهم حال البحر من اضطرابه وجيشانه والتبديلات التي تطرأ علي لبه 
- والفلك الدوار الذي هو في بحث ودوران ، حاله كحال أبنائه .
- حينا في الحضيض وحينا في الوسط ، وحينا في الأوج ، يتوالى عليه السعد والنحس فوجا بعد فوج . « 2 » 
- ومن ذاتك ، يا جزءا ممتزجا من الكليات ، إفهم دائما حال كل موجود . « 3 » 
- فما دامت الكليات في ألم وعناء ، كيف لا يكون الجزء منها شاحب الوجه ؟
 
1300 - خاصة ذلك الجزء المجموع من كل الأضداد ، فهو مجموع من الماء والتراب والنار والهواء .
- وليس عجيبا أن تفر الشاة من الذئب ، العجيب أن تتعلق تلك الشاة بقلبها بالذئب
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 569 : والتراب الذي يكون مادة الورود في الربيع ، تذروه ريح فجأة .
( 2 ) ج / 1 - 569 : - حينا في شرف وصعود وسعد ، وحينا في وبال وهبوط ونحس .
( 3 ) ج / 1 - 570 : - وإذا كان نصيب العظماء الألم والتعب ، كيف يمكن أن يكون الكنز للصغار ؟



« 142 »
 
- والحياة هي المصالحة بين الأضداد ، والموت هو الذي يؤجج الحرب بينها . « 1 » .
- ولطف الحق هو الذي وضع الألفة بين الأسد وحمار الوحش ، بين هذين الضدين المتباعدين .
- وما دامت الدنيا مريضة وسجينة ، فأي عجب أن يكون المريض فانيا .
 
1305 - لقد ظل يعظ الأسد على هذا النسق ، وقال : لقد تقهقرت من هذه القيود
 
سؤال الأسد الأرنب عن سبب تراجعه
 
- قال له الأسد : لقد تحدثت عن أسباب المرض ، لكن حدثني عن سبب ما أسألك عنه « 2 » .
- قال : إن ذلك الأسد يسكن في هذا البئر ، وهو آمن في هذه القلعة من الآفات .
- فقد اختار قاع البئر كل من هو عاقل ، ذلك أن في الخلوة أنواع من الصفاء للقلب .
- وظلمة البئر أفضل من ظلم الخلق ، ولا يرفع رأسه ذلك الذي يتشبث بأقدام الخلق .
 
1310 - قال له : تقدم ، فإن ضربتي قاهرة له ، فانظر . . هل يوجد ذلك الأسد في البئر ؟
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 570 : - وعمر الدنيا هو صلح هذه الأضداد ، وحرب الأضداد هو العمر الخالد 
- وسلام من له عدو على سبيل العارية ، فهز يتجه إلى الحرب في النهاية متحمسا . 
- فالحياة هي الصلح بين الأعداء، واعلم إذن أن الموت هو عودة كل شيء إلى أصله. 
- ولبضعة أيام من أجل المصلحة ، تكون معا في وفاء وتراحم . 
- وفي النهاية يعود كل جوهر إلى أصله ، ويشترك كل واحد منها مع من هو من جنسه . 
- ولطف الباري هو الذي ألف بين هذا النمر ومن هم من ديدنه ، ورفع القتال من بينهم .
( 2 ) ج / 1 - 584 : - لماذا تراجعت ؟ وهل تقوم معي بألاعيب واهية ؟

« 143 »
 
- قال : لقد احترقت من تلك النار ، فهل تعانقني وأنا محترق بها ؟
- وما دمت وراءك فأنا أفتح عيني يا منبع الكرم ، وأنظر في البئر . « 1 »
 
نظر الأسد في البئر ورؤيته لصورته وصورة ذلك الأرنب
 
- عندما أخذه الأسد إلى جواره ، أخذ في حمى الأسد يسرع نحو البئر 
- وعندما نظرا إلى الماء في البئر ، انعكست صورة الأسد وصورته في البئر واضحة جلية .
 
1315 - ورأى الأسد صورته في الماء الرائق ، رأى صورة أسد وإلى جواره أرنب سمين .
- وعندما رأى خصمه في الماء ، ترك الأرنب وألقى بنفسه في البئر .
- وسقط في البئر الذي كان قد حفره ، لقد كان ظلمه وارتد إليه .
- ولقد صار ظلم الظالمين عليهم بئرا مظلما ، وهكذا قال كل العلماء .
- وكل من هو أكثر ظلما يكون بئره أكثر هولا ، وقد قال العدل أن للأسوأ مصيرا أسوأ .
 
1320 - فيا من تقوم بظلم الخلق من جاهك ، أعلم أنك تحفر بئرا لنفسك .
- فلا تنسج حول نفسك كما تفعل دودة القز ، وإن كنت تحفر بئرا لنفسك ، فاحفره في حدود .
- ولا تعتبر الضعفاء بلا معين ، واقرأ من القرآن : إذا جاء نصر الله .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 584 : - إنني أستطيع أن آتي بعونك ، فإحفظني من هذا البئر الذي لا حبل فيه .
 
« 144 »
 
- وإذا كنت فيلا وهلع خصمك منك ، فإليك الجزاء ؛ لقد جاءك الطير الأبابيل .
- وإذا طلب ضعيف في الأرض الأمان ، لوقعت ضجة بين جند السماوات .
 
1325 - فإن أنشبت فيه أسنانك وجعلته داميا ، فإنما يجتاحك ألم الأسنان ، فماذا تفعل ؟
- لقد رأى الأسد نفسه في البئر ومن الغلو ، لم يستطع التمييز بين نفسه آنذاك وبين العدو .
- لقد رأى صورته عدوا لنفسه ، فلا جرم أنه سل السيف على نفسه .
- وما أكثر الظلم الذي تراه " صادرا " من الآخرين ، وهو نيتك أنت تكون فيهم . .  يا فلان .
- لقد انعكس وجودك فيهم ، من نفاقك وظلمك وسوء سكرك .
 
1330 - إنه أنت ، وإنك توجه هذه الطعنة إلى نفسك ، وفي هذه اللحظة تنسج حول نفسك خيوط اللعنة .
- وإنك لا ترى هذا السوء في نفسك عيانا ، وإلا كنت عدوا شديد العداوة لنفسك .
- وإنك تهاجم نفسك أيها الرجل الساذج ، مثل ذلك الأسد الذي هاجم نفسه .
- وعندما تصل إلى قعر " بئر " طبعك ، تعلم أن كل هذه الخسة كانت فيك أنت .
- فمن الذي ظهر للأسد في قاع البئر ؟ إنها صورته ، تلك التي كانت تبدو له شخصا آخر .
 
1335 - وكل من يقتلع من ضعيف أسنانه ، فإنما يقوم بعمل ذلك الأسد المتخبط في رؤيته .

« 145 »
 
- ويا من ترى صورة سيئة في وجه عمك ، السيء ليس العم ، إنه أنت ، فلا تنفر من نفسك .
- والمؤمنون كل منهم مرآة للآخر ، ولقد روى هذا الخبر عن الرسول عليه السلام .
- لقد وضعت أمام عينك زجاجة زرقاء كدرة ، ولهذا السبب يبدو لك أزرق كدرا .
- فإن لم تكن أعمى ، إعلم أن هذا الكدر من نفسك ، وسب نفسك ، وكفاك سبا في الخلق .
 
1340 - وإذا لم يكن المؤمن ينظر بنور الله ، فكيف ظهر الغيب للمؤمن عيانا ؟
- وعندما تكون أنت أيضا ناظرا بنور الله ، تكون من الخير غافلا عن السوء الذي حاق بك 
- فصب الماء على النار رويدا رويدا ، حتى تصبح نارك نورا يا غريقا في الحزن 
- وصب - يا ربنا - الماء الطهور ، حتى تصبح هذه النار الموجودة في العالم بأجمعها نورا .
- فماء البحر برمته طوع أمرك ، والماء والنار كلاهما يا إلهي ملكك .
 
1345 - وإن شئت تصبح النار ماء زلالا ، وإن لم تشأ ، يصبح الماء نارا .
- وهذا الطلب منبثق في بواطننا منك أيضا ، والنجاة من الظلم عطية منك يا الله .
- وبلا طلب منا أعطيتنا أنت كل ما طلبنا ، وفتحت كنز الإحسان في وجوه الجميع . « 1 »
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 586 : - وبلا طلب تمنح أيضا الكنز الخفي ، وقد وهبت للدنيا الروح بالمجان . - " هكذا أنعم إلى دار السلام ، بالنبي المصطفى خير الأنام "

 
« 146 »

حمل الأرنب البشرى للحيوان قائلا :
لقد سقط الأسد في البئر
 
- عندما صار الأرنب فرحا لنجاته ، انطلق مسرعا إلى الحيوان في الوادي . « 1 » 
- وعندما رأى الأسد في البئر قد قتل صبرا ، أخذ يدور " راقصا " سعيدا حتى المرج .
 
1350 - وطفق يصفق عندما نجا من يد الموت ، متهللا راقصا في الهواء كأنه الأغصان والأوراق .
- فلقد نجت الأوراق والأغصان من سجن التراب ، وأطلت برؤوسها وصارت صنوا للنسيم .
- وعندما شقت الأوراق الأغصان ، انطلقت مسرعة إلى أعالي الأشجار .
- فهي تتغنى بلسان " أخرج شطأه " بشكر الله ، كل ورقة وثمرة على حدة .
- قائلة : لقد ربى أصولنا ذو العطاء ، حتى صدق علي الشجرة قوله تعالى " استغلظ " و " استوى " .
 
1355 - والأرواح الحبيسة في الماء والطين ، عندما تنجو من الأجساد سعيدة القلب .
- تصبح راقصة في هواء عشق الحق ، وتصبح كبدر التمام بلا نقصان .
- فأجسادك راقصة ، ولا تسل عن أرواحها ، ولا تسل أيضا عما تحول إلى أرواح منها .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 597 : - عندما رأى الأسد ممحوا بظلمه ، عاد إلى قومه مسرعا . 
- عندما رأى الأسد قتيلا بظلمه ، أخذ يسرع سعيدا متهللا .

« 147 »
 
- لقد ألقى الأرنب بالأسد في السجن ، والعار على أسد عجز من أرنب .
- وهو في مثل هذا العار - وهذا موضع العجب - يطلب من الناس أن يلقبوه ب " فخر الدين " « 1 » 
 
1360 - ويا من أنت أسد في قاع هذا البئر الفريد ، إن النفس قد فعلت بك ما فعله الأرينب ، سفكت دمك وأكلتك .
- ونفسك التي كالأرنب ترعى في الخلاء ، وأنت في هذا البئر للجدل والمراء .
- لقد أسرع نحو الحيوان ذلك الأخذ للأسود قائلا : " أبشروا يا قوم ، إذ جاء البشير .
- البشرى ، البشرى أيتها الجماعة اللاهية ، فإن كلب الجحيم ذاك قد عاد إلى الجحيم .
- البشرى البشرى ، فذلك العدو للأرواح ، خلع قهر الخالق أسنانه . « 2 » 
 
1365 - وذلك الذي دق بقبضته كثيرا من الرؤوس ، كنسته أيضا مكنسة الموت وكأنه القذى . « 3 »
 
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 597 : - فيا من أنت أسد في قاع بئر الدهر ، إن نفسك التي كالأرنب قتلتك ظلما .
( 2 ) ج / 1 - 597 : - البشرى البشرى فقد شاء القضاء أن يكون الظالم في البئر ، وقد سقط بعدل المليك ولطفه .
( 3 ) ج / 1 - 598 : ذلك الذي لم يكن له من عمل سوى الظلم ، أخذته آهة المظلوم وحطمته سريعا - قصمت عنقه ومزقت لبه ، وحررت أرواحنا من قيد المحنة - وهلك وانمحى من فضل الحق ، وحزتم السبق على عدوكم اللدود .


« 148 »

تجمع الحيوان حول الأرنب وثناؤهم عليه
 
- تجمع الحيوان كله حول الأرنب في تلك اللحظة ، مسرورين ضاحكين ، من الفرح في لذة وصخب .
- تحلقوا حوله ، وهو كالشمعة في وسطهم ، وسجدوا له قائلين : أخبرنا ؛ 
- أأنت ملاك من السماء أو تراك جني ؟ ! لا . . إنك ملاك الموت بالنسبة للأسود الهصور .
- ومهما تكن ، لتكن أرواحنا فداء لك ، ولك اليد الطولى ، ألا سلمت يداك وساعداك ! ! 
 
1370 - لقد ساق الله الماء في جدولك ، فالثناء على يدك وساعدك .
- فلتقص عليما كيف مكرت هذا المكر ، وكيف حطمت هذا الظلوم بمكرك ؟ ! 
- قص علينا ، حتى تصبح قصتك دواءً لنا ، قص علينا لتصبح قصتك مرهما للأرواح .
- قص علينا ، فمن ظلم هذا الظلوم ، وقعت على أرواحنا مئات الآلاف من الطعنات . « 1 » 
- قال : لقد كان تأييدا إلهيا أيها العظماء ، وإلا فماذا يكون أرنب في هذا العالم . ؟


1375 - لقد وهبني القوة ، وغمر قلبي بالنور ، وإن نور القلب ليهب اليد والقدم القوة " والعزم " .
- وأنواع التفضيل لا تزال تصل من جانب الحق ، كما تنهمر أيضا من الحق أنواع التبديل .
...............................................................
( 1 ) ج / 1 - 603 : قص علينا القصة فهي تزيد في سرورنا ، وهي قفزة لأرواحنا ودواء لقلوبنا .

« 149 »
 
- والحق يبدي هذا التأييد لأهل الظن والرؤية " الطاهرة " كل في دوره ونوبته .
 
نصيحة الأرنب للحيوان قائلا : لا تفرحوا بهذا
 
- حذار ، لا تفرح بالملك الذي هو مجرد نوبة ، ولا تمارس الكبرياء يا أسيرا للنوبة .
- وذلك الذي ينسج ملكه أعلى من النوبة والدور ، تدق له طبول " العظمة " فيما فوق الكواكب السبعة .
 
1380 - والملوك الباقون أعلى من الدور والنوبة ، فالساقي يدور على أرواحهم دورانا دائما . « 1 » 
- وإنك إن تركت هذا الشراب يوما أو يومين ، فإنك تغمس فمك في شراب الخلد.«2»
 .
شرح بيان التوكل ومطالبة الحيوانات للأسد بترك الجهد

( 904 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت من الحكايات الشهيرة في كليله ودمنه ( طبعة دار الشعب .
41 - 42 ) ، لكن من الواضح ان مولانا يتخذ من الحكاية منطلقا نحو معاني صوفية وأخلاقية وتربوية عديدة . . . ومن خلالها يناقش مولانا قضية التوكل والجهد لأول مرة ( نوقشت أكثر من مرة خلال المثنوى أهمها من خلال حكاية الحمار والأسد في المجلد الخامس ) .
 
( 910 ) : إشارة إلى الحديث النبوي " اعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك وللإمام على رضى اللَّه عنه لا عدو أعدى على المرء من نفسه ، وقوله الله الله في الجهاد للأنفس فهي أعدى العدو لكم ( أحاديث مثنوى ص 9 ) .
 
( 911 ) : إشارة إلى الحديث النبوي : لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين ( أحاديث مثنوى / 10 ) .
 
( 912 ) : إشارة إلى الحديث النبوي : لن ينفع حذر من قدر ، ولكن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل ، فعليكم بالدعاء عباد الله » كما يشير إلى قول الإمام على رضى اللَّه عنه " تذكر قبل الورود الصدر والحذر لا يغنى من القدر ( أحاديث مثنوى / 10 - 11 ) .
 
« 427 »
 

( 916 - 918 ) : التوكل مطلوب لكن إلى جوار السعي ، فالرسول صلى اللَّه عليه وسلم قال للأعرابى الذي ترك ناقته طليقة على باب المسجد « اعقلها وتوكل » واستمع أيضاً إلى قوله صلى اللّه عليه وسلّم « الكاسب حبيب الله » ( يقول بعضهم ليست حديثا بل مثل - وتكتب على أبواب الأسواق في البلاد الإسلامية غير العربية ) وتستخدم الكاسب في اللغة الفارسية أيضاً بمعنى الحرفي .
 
( 919 - 920 ) : تقول الحيوانات للأسد التي تريد في الحقيقة أن تحفر له بئرا من القعود عن الكسب - إن الكسب من ضعف إيمان البشر ، ذلك أنهم لا يعتمدون على الرزاق بقدر اعتمادهم على حولهم وطولهم وكسبهم ، فكأن اللقمة التي تدخل إلى الحلق من ضعف الإيمان لقمة رياء ، والله تعالى قال «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ» ( الطلاق / 2 - 3 ) والرسول صلى اللّه عليه وسلّم قال « إذا توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا » ( عن قضية التوكل والجهد أنظر أيضاً الترجمة العربية لحديقة الحقيقة ، الأبيات : 995 - 1042 وشروحها ) .
 
( 921 - 924 ) : الجوع بلاء ، لكن أكل الحرام بلاء أشد ، ورب حيلة أوردت صاحبها موارد الهلاك ، وسعى كان فيه حتفه ، وعدو في ثياب صديق ، وبحث عن عدوه وجد في البحث عنه وهو قابع داخل داره ، وهاك فرعون ، وانظر إلى جهد بلا توفيق ، كان يقتل أطفال الخلق ، والمقصود في داره ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 840 - 975 وشروحها ) .
 
( 925 - 932 ) : تعتمد إذن على عينك وعلى رؤيتك وبصيرتك ؟ ! ! لقد اعتمدت على وسيلة واهية ، فما قيمة عينك وما قيمة بصيرتك ان لم تقترن ببصيرة الحبيب ؟ ! إنك طفل القدرة ، فاعتمد عليه ، وإلا حدث لك ما يحدث للأطفال عندما يظنون أنهم أصبحوا رجالا ويستقلون بحياتهم لتلقى بهم الحياة في كل أودية أشرارها ، وانظر إلى الروح ، عندما كانت في كنف خالقها ، كانت تسبح
 
 
« 428 »
 
في بحر الصفاء . . . وعند السبزواري ( ص 41 ) كانت في عالم الأمر والتجرد ، وخلقت الأرواح قبل الأجساد بألف عام ، والمراد الألف الجبروتي والألف الملكوتي . لكنها عندما افترقت وهبطت في الأجساد بدا العناء والألم ، و « الخلق عيال الله ، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله " ، ( أحاديث مثنوى / 10 ) . إن القادر على إنزال المطر بلا جهد منك قادرٌ أيضا على رزقك بالخبز دون جهد منك .
 
( 933 - 941 ) : يقول الأسد المدافع عن الجهد : حتى في العبادة ، العمل هو السبيل ، تراك تستطيع ان تصل إلى الأعالي وإلى الحقيقة دون سلم ؟ ! إن هذا يكون من قبيل الحمق ومن قبيل القول بالجبر ! ! ألست ترى أن الله أعطاك قدما لتسعى بها ؟ ! وأعطاك يدا لتعمل بها ، وهل يعطى السيد الفأس لعبده ليلهو به ؟ ! أم إشارة إلى أنه يريد منه عملا بعينه ؟ ! وإن من قبل التفكر في العواقب التقاط هذه الإشارات ، فان فعلت وتلقفت إشاراته وعملت بها ، فأنت عبد مطيع ، وجزاء الطاعة أن يزيدك فتنزل عليك أسرار الروح ، ويضع الإصر عن كاهلك ، أي تستطيع آنذاك ان تتوكل ، وبدلا من أن تكون حاملا للأمانة تكون محمولا ، كما قال تعالى أنه حملك في البر والبحر ، ان عملك دليل على عبادتك وحسن طاعتك ربك ، تجعلك من حاملي أوامره وناقليها والواعظين بها ، وإن أردت الوصل تصل .
 
( 942 - 947 ) : إن من قبيل شكر النعمة ان تستعمل ما منحك الله إياه في موضعه ، ومن ثم فالسعى يكون من قبيل شكر النعمة ، وقعودك إنكار لهذه النعمة وجحد لها ، ولأن الله سبحانه وتعالى قال «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ» ( إبراهيم / 7 ) والجحود جبر ، وما هذا الجبر إلا النوم في الطريق ، وطريقنا كله سعى وعمل فلا تتم أيها الكسول ولا تأمن إلا في موضع الأمن ، وإذا نمت واسترحت فليكن لك تكئة على رجل من رجال الطريق ( شجرة مثمرة ) ينثر من ثمار معرفته عليك ، أنومٌ في معمعة هذه الحياة المليئة بقطاع الطريق ؟ ! ! أنومٌ في هذا الطريق الذي توجد في
 
« 429 »
 
كل خطوة فيه غول يترصدك ليضلك ؟ ! ! أنومٌ والأمم تتداعى عليك تداعى الأكلة إلى القصعة ؟ ! ! ما أشبهك بهذا الديك الذي يؤذن في غير أوانه جديرٌ بقطع رأسه فهو يضل إذ يخبر بفجر ولا فجر ! ! ( خروس بي هنكام ) في الفارسية هو الديك الذي يؤذن في غير أوانه والمتطفل والخارج على قومه بالبدع والشؤم : انظر البيت 1167 من الكتاب الذي بين أيدينا وانظر الكتاب الثالث ، الأبيات 3336 - 3339 وشروحها ) .
 
( 948 - 951 ) : إشارات الحق أن تعمل ، فإن تجاهلت هذه الإشارات قعدت عن الطريق ولم تكن رجله ، بل امرأة ( ليست دلالة جنسية ) ، وان كان لديك قدر من العقل فنمه وربه بالعمل وإلا ضاع منك ، وان لم تصبح رأسا أصبحت ذيلا : ( لسنائى في الحديقة : خلقت من أجل العمل ، انظر الترجمة العربية للحديقة ، الأبيات 221 - 234 وشروحها ) ان الجحود شؤم يذهب بك إلى قاع الجحيم ، كن متوكلا لكن مع قيامك بالعمل .
 
( 952 - 959 ) : تقول الحيوانات مدافعة عن التوكل وترك الجهد : إذا كانت الأمور بالعمل ، فما بال كثيرين قد جاهدوا واحتالوا وطرقوا جميع السبل ، ومع ذلك عادوا محرومين وانقلبوا خواة الوفاض صاغرين وقد مكرت هذه الجماعة بحيث أن الله تعالى وصف مكرهم بقوله «وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ» ( إبراهيم / 46 ) ، وما نالوا في النهاية إلا ما قسم لهم في الأزل ، ألا تعلم أن الرزق يطلب المرء كما يطلبه أجله " انك ان سعيت إليه ، أو سعيت موليا عنه ، تكون قد صرت مثل ذلك الرجل الذي كان يسعى للهرب من أجله وهو في الحقيقة يسعى اليه .
 
( 960 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت فيما يقول فروزانفر ( مآخذ / 14 - 12 ) وردت في حلية الأولياء 4 / 118 وإحياء علوم الدين 4 / 337 وجوامع الحكايات لمحمد عوفي وفي كتاب عجائب
 
 
« 430 »
 
نامه من مؤلفات القرن السادس وفي كتاب للغزالي يذكر فيه حكاية أهل الإباحة كما نظمها العطار في الهى نامه مما يظن أنه مصدر مولانا جلال الدين المباشر . كما أن الحكاية واردة في معنى البيت العربي :إذا ما حمام المرء كان ببلدة * دعته إليها حاجة فيطيروهي ترجمة للحديث النبوي الشريف « إذا قضى الله لعبد أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة » وما نسب إلى الإمام على رضى اللَّه عنه " رب مرتاح إلى بلد وهو لا يدرى أن مماته في ذلك البلد " ( أحاديث مثنوى / 11 )
 
( 965 - 966 ) : عن تفصيلات لهذا المعنى ( انظر الكتاب السادس الأبيات 1406 - 1412 وشروحها ) .
 
( 974 ) : إشارة إلى البيت العربي :وكيف يفر المرء من أمر ربه * أيخرج من ارض له وسماء( 975 - 995 ) : قال الأسد في ترجيح الجهد : لكن انظروا أيضا إلى جهود الأنبياء والمجاهدين والمرسلين ، ألم يكونوا أيضا من المتوكلين ؟ ! فلماذا لم يقعدوا أذن عن الجهاد ؟ ! ! وألم يجازهم الخالق على جهادهم وقد صدقوا عهده ؟ ! ، ألم يجعل الأحوال الطيبة تترى عليهم ولم لا تكون طيبة ، ولا يأتي من الخير إلا الخير ! ! لقد صاروا صيادين للمعاني والأسرار الإلهية من السماوات ، وجبر الله كسرهم ، وأتمم عليهم نعمة الإيمان ، والجهاد ليس وقوفا في وجة القضاء ، فالجهاد أيضا قضاء وان توسلنا بالجهاد ، فكأننا " نفر من القضاء إلى القضاء " وان قلت بغير هذا أكون كافرا ، كما أنه من الكفر أيضا ان أقول إن سعى كل من كان مؤمنا سائرا في طريق الطاعة فيه الضرر لنفسه أو لإخوانه ، والرأس التي لم تشج كيف تربطها ، والبدن الصحيح كيف تقعده عن العمل ؟ فجاهد حتى تتعب ومن بعدها استرح ، ومن قال أن الجهد كله في طلب الدنيا ؟ ! ! ان الجهد في سبيل الدنيا هو الجهد المكروه ، ليكن الجهد في سبيل الآخرة ( غاية الدنيا في المنظور
 
 
« 431 »
 
الإسلامي الحقيقي هي الآخرة ، الدنيا مزرعة الآخرة ، والمال ان كثر ، ينبغي الخروج عن معظمه في سبيل كسب الآخرة ، وباب التطوع في الإنفاق باب واسع ، وهذا كلام يطول فعد إلى كتابي الثورة الإيرانية ، الجذور والأيدلوجية لمعلومات أوسع في هذا المجال ) و « الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر » وان يكون الجهد في حفر فجوة للخروج من هذا السجن لا في سدها - وليس المقصود بغنى الدنيا التملك بل الغفلة ، ورب غنى عارف بالله ، ورب فقير غافل عنه ، ألم يقل الرسول « نعم المال الصالح للرجل الصالح » ( أحاديث مثنوى / ! ! ) انه كالماء تحت السفينة وسيلة لها ولسيرها ، لا في السفينة وفي سويداء روحك وقلبك يكون هلاكا لك
( المعنى لسنائى ) ، المهم إلا يتعلق القلب بالمال عندما يكون متاحا ، ومن هنا قيل عن سليمان عليه السلام " كان خاشعا متواضعا يخالط المساكين ويجالسهم ويقول : مسكين يجالس مسكينا " ( استعلامى 1 / 259 ) ، الست ترى الجرة عندما تخلو تطفو على البحر العباب ؟ هكذا الفقير الدرويش عندما يخلى باطنه من حب الدنيا يطفو على سطحها ولا تفرقه بلاياها أو مصائبها ، والقلب كالجرة ، فاغلق فوهتها بعد ان تملأه بهواه الكبرياء الإلهى ، واعلم أن الجهد حق مثلما يكون المرض حقا ويكون الدواء حقا مثلما يكون الألم حقا ويكون العلاج حقا ، وان جاهدت في ان تنفى الجهد فأنت منكر لهذا ( انظر أيضا تفسير جف القلم ، الكتاب الخامس ، الأبيات 21333 - 3134 وشروحها ) .
 
( 999 ) : مع أن الأسد دافع عن الجهد كل هذا الدفاع إلا أنه رضخ في النهاية - برغم انه الغالب نظريا - لمطالب الوحوش أن يقعد عن الجهد ، وهذا نمط شهير جدا عند مولانا ، في الكتاب الخمس كان الحمار المدافع عن التوكل هو أول من سقط ، وكأن مولانا يريد ان يقول لنا ، ليس المهم هو ان تنتصر في المقال : المهم ان تثبت مقالك هذا في حيز الفعال .
 
( 1006 - 1008 ) : يقول الأرنب ( الذي جعل من نفسه نبيا للحيوانات ومخلصا لها ، ولم لا ، أليس معظم الأنبياء خرجوا من بين المستضعفين الجياع الخاضعين لسيطرة المستكبرين والملأ ، ألم يكن موسى من قوم أرقاء ؟ ! ! وألم يكن محمد بن عبد الله مجرد يتيم بني هاشم درس كرر الله سبحانه وتعالى وما من مجيب ! ! ) ويصور الأرنب ضآلته على أنها تشبه إنسان العين لا يكاد يظهر لكنه سر الرؤية ( تكرر التعبير في الكتاب الثالث ، الأبيات 3524 - 3528 وشروحها ) .
 
 
« 432 »
 
( 1009 - 1011 ) : الأرنب في نظر الوحوش مجرد أرنب عليه ان يتصرف في حدود قدراته والرسول قال : رحم الله امرئ عرف قدره ولم يتعد طوره ( انقروى 1 / 28 ) والوحوش كلها ذات أظفار وأنياب وبطش شديد ومع ذلك لا يتأتى الادعاء إلا من هذا الأرنب أصغر الوحوش جرما وأكثرها جبنا ، فعلى أي شئ يعتمد هذا الأرنب الضئيل ؟ ! ! وكيف يصل به العجب بنفسه إلى مثل هذا الادعاء الخطير ؟ ! ! ان كثيرين من أمثاله قد أرداهم العجب بأنفسهم وقضى عليهم وقضى على من تبعوه ، درس مكرر كثيرا في التاريخ ، يكون قضاؤهم في اتباع هذا المعجب بنفسه غير المقدر لقواه وإمكاناته .
 
( 1012 - 1039 ) : يرد الأرنب بان خلف هذا الجرم الصغير عالم أكبر ، رأى وسداد - وعقل من قبيل عقول المعاد - مؤيد بالإلهام الرباني وإليك هذا الدليل : فهل هو أضعف من النحل الذي يخرج هذا الشهد الصافي بإلهام الهى ؟ ! ! إلا فلتقرأ «وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» ( النحل 68 / 69 ) وما هو أقل من النحل دودة القز ، أليست على ضعفها تقوم بما لا يستطيع الفيل ان يقوم به فتفرز الحرير ، الرأي قبل شجاعة الشجعان ، وهذا الإنسان الذي سيطر على البر والبحر ، وقيدت له كل المخلوقات ، أكان هذا بحوله وقوته ؟ ! بل برأيه وعلمه الذي علمه الحق إياه ، بهذا العلم فاق الملائكة فأمروا بالسجود له ، وإذا كنت تريد ان تعرف الفرق بين العلم والزهد ، فإليك هذا المثال : لقد أمر إبليس بالسجود مع أن إبليس مارس الزهد ستمائة الف عام ، إلا أنه حرم من هذا العلم ، كانت كمامة على فمه ليحرم من هذه اللبانة وهذا الشراب السائغ .
 
( 1020 - 1030 ) : وإن علوم أهل الحس التي يتيهون بها فخرا على الناس ولا يعملون بها ويجعلون منها مجرد وسيلة إلى المال والجاه والمنصب ورضا الخلق ، هي تماما مثل هذه الكمامة التي وضعها الله على فم إبليس ( عقله ) ليحرم من حلاوة هذا العلم الإلهى ، وخص بهذا العلم الإلهى قلب الإنسان الذي لا يزيد على قطرة من بحر خلقه ، خصها بالعلم اللدني ، وخصها بأنها
 
 
« 433 »
 
هي التي تسعه - جل شأنه - وان لم تسعه ارضه وسماؤه ، وخصها بالأمانة . . . وبالعشق ، وبالإشراف على الأكوان ، وباللطائف الغيبية والعلوم اللدنية - وهذا المعنى لخصه حافظ في قوله :
ان الملاك يعرف العشق ، فلا تزد في القول واطلب الكأس واسكب الشراب على تراب آدم ( عن استعلامى 1 / 262 ) ولكنك غافلٌ عن هذه اللطيفة الإلهية عاكف على الصورة ، والصورة خادعة تبعد عن الحقيقة ، فلو كان الأمر بالصورة لكان احمد المصطفى صلى اللّه عليه وسلّم وأبو جهل لعنه الله واحدا فهما متماثلان في الصورة - هذا بالطبع في ناظريك وفي عينيك - وإلا فحتى بالنسبة للصورة بينهما بون شاسع ، وصورة الإنسان المرسومة على الجدار مثل الإنسان تماما ، فهل تراها مثله في الحقيقة ؟ ! ! ( في مواقع أخرى من المثنوى حديث مستفيض عن الفرق بين صورة أي شئ وبين معناه ، انظر على سبيل المثال لا الحصر الكتاب الثالث الأبيات 526 - 530 والكتاب الرابع الأبيات 3726 - 3729 والكتاب الخامس 3298 - 3305 والكتاب السادس 3735 - 3740 وشروحها )
وما قيمة الأسد إذا قيس بكلب أهل الكهف ذلك الذي صار وليا من صحبة الأولياء ، فما عادت صورته الكلبية بعد ان غرق في بحر النور الإلهى ، والمعاني الطيبة والمنفرة هي التي تكتبها الأقلام ، أقلام الحق وأقلام الخلق ، فهل رأيت ثم صورة للعدل أو العمل ؟ كلها مجرد أوصاف تكتب في الكتب دون أن تكون لها صورة محسوسة ومحددة ، وهي طارئة على هذا الواقع المحسوس المسمى - بالشخص - هي هويته ، ( تحط ) عليه من العالم الذي لا حدود له ولا محسوسات فيه ، فان العالم المحسوس لا يستوعبها ، ومن هنا لا يمكن أن تجسد الفضائل في عالم المادة ( استعلامى 1 / 261 ) .
 
( 1031 - 1037 ) : الحديث عن علم الأرنب لكنه في الحقيقة عن علم الإنسان أضعف المخلوقات جسدا وأقواها روحا وعقلا ، فهو الذي يجعله يحتال حيل الثعالب مع من هو أقوى منه جسدا ، فيستطيع أرنب بعقله ان يجندل أسدا ( كما سيأتي في القصة ) ، وبهذا العلم سخر للإنسان ما في الأرض جميعا ، وحمل في البر والبحر ، فكأنه بعلمه هذا يملك خاتم سليمان الذي كان يسيطر بقوته على كافة المخلوقات وما قوته في رأى يوسف بن أحمد إلا العلم المنقوش داخله ( 1 / 230 ) ،
 
« 434 »
 
وخاتم كل إنسان علمه وعقله وقلبه ، بها سيطر على كل وحوش البر والبحر وألجأ الجان والشياطين إلى سكنى السواحل هربا من مواجهته ( لسنائى في الحديقة قصة في هذا المعنى ، انظر الترجمة العربية ، الأبيات 5625 - 5645 وشروحها ) .
 
( 1038 - 1044 ) : ومن قوة الإنسان وسيطرته واحتياله وعقله ، يكثر أعداؤه ، ومن ثم فعلى الإنسان العاقل أن يكون حذرا ، فإنه قد يجد شوكة مختفية في ماء وضوئه ، أي قد يجد الأذى من آخر من يتوقع منهم الأذى ، وأكثر خطرا تلك الإيحاءات والوسوسة التي قد تتأتى للمرء من داخله وقد تأتى له من خارجه ، وأسوؤها وأكثرها خطرا ، فتمهل وتأمل ، حتى تتبدل فيك الأحاسيس ، وتصبح ، رجلا نورانيا تنظر بعين الله وتسمع بأذنه ، آنذاك تنكشف لك ما وراء هذه الوساوس والألقاءات والإيحاءات ، وتكشف أولئك الذين رددت أحاديثهم وجعلت منهم أئمة لك ، ويتبدى لك زيف كل ذلك وأنك كنت بعيدا عن طريق الحقيقة .
 
( 1047 - 1048 ) : إشارة إلى الحديث النبوي الشريف " المستشير معان والمستشار مؤتمن فإذا أستشير فليشر بما هو صانع نفسه ، جامع 2 / 186 " وقال كفافى ( 1 / 493 ) أنه من بيت منسوب إلى الإمام على : كل علم ليس في القرطاس ضاع كل سر جاوز الاثنين شاع ، ( أحاديث مثنوى / 12 ) ونقل جعفري ( 1 / 478 ) قولا مأثورا هو : " من شاور الرجال شاركهم عقولهم " .
 
( 1049 - 1058 ) : ( عن كتمان السر انظر شرح الأبيات 174 - 178 من الكتاب الذي بين أيدينا ) وان المرء ليتحدث بالسر مع من يظنه صديقا له ( مرآة ) . . لكن سرعان ما يتكدر وجه قلبه بهذا السر ( حسدا وقلقا ) ( استعلامى 1 / 262 ) ، وكل سر جاوز الاثنين شاع مثل ورد في المثنوى أكثر من مرة ، وفسر فروزانفر الاثنين بأنهما الشفتان أي ان كل سر صدر عن فم صاحبه فقد شاع ( عن استعلامى 1 / 262 ) وفي البيت السابق على مضمون حديث مروى عن جعفر الصادق " استر ذهبك وذهابك ومذهبك " ويرى الشيعة انه أصل مبدأ التقية الوجود عندهم وقال جعفري ( 1 / 479 ) انه حديث نبوي ( ! ! ) ، وما أشبهك عند الاستثارة في مثل هذه الأمور بربطك بطيور ثلاثة إلى بعضها ، إنها لن تستطيع ان تنجو ( فالطيور الثلاثة هنا هي الذهب والذهاب والمذهب ) ، وانك تستطيع ان تشاور في حالة إذا ما شاورت وأنت تكتم سرك ، أي تشاور من طرف خفى ،
 
« 435 »
 
وعن طريق الإشارة وضرب المثل والكناية ، وهكذا كان ديدن الرسول عليه السلام ، كان يجيب على الرأي بالقدر الذي يفهم به الأصدقاء ، ويضلل الخصوم فلا يدرون عنه شيئاً فقد ذكر الأنقروى ( 1 / 237 ) مثالا على ذلك الحديث النبوي ( خمروا الآنية واوكئو الأسفية واجيفوا الأبواب واكتفوا صبيانكم عند المساء فان للجن انتشارا وخطفة واطفئوا المصابيح عند الرقاد فان الفويسقة ربما اجتزت الفتيلة فأحرقت أهل البيت " فان الرسول كان يقصد معاني أخرى غير تلك التي يفهمها الخصوم .
 
( 1064 ) : عن الأمير المتسيب قال مولانا في موضع آخر من المثنوى ان ذلك يؤدى به إلى تحول النساء إلى بغايا والرجال إلى مخنثين ! ! ( 1065 - 1075 ) : من خلال شكوى الأسد من تعرضه للخداع نتيجة الألفاظ الحيوانات المعسولة الخالية من المعنى ينتقل مولانا إلى الحديث عن قضية عامة هي ان الألفاظ ان كانت منمقة ظاهرة الإقناع فإنها توضع من يصدقونها في الخطأ ، فهي كالشباك ، تضيع أعمارنا ، فكأنها رمل يتشرب ماء أعمارنا ، لكن هناك من يتصف كلامهم بحلاوة اللفظ وعمق المعنى هم رجال الله المتصلون بالحق المنفصلون عن ذواتهم ، فهو رجل لأنك تراه جافا متيبا ، أفنى جسده لينمى روحه ، ومع ذلك فماء المعرفة فوار منه ، فعليك به ، وانصرف عن الرمل الجاف الذي يتشرب ماء عمرك دون ان تظفر منه بشئ ،
 
وإذا طلبت الحكمة فاطلبها من أهلها ، تتحول بعدها من طالب للحكمة ( لوح حافظ ) إلى منبع للحكمة ( لوح محفوظ ) ومن متوسل بالعقل ، إلى معلم للعقل ، لقد كان جبريل هو الذي ينزل بالوحي على سيد الأنبياء ، كان مصدرا للوحي ، فانظر إلى ما ناله سيد الأنبياء من تكريم عندما فهم الرسالة وادى لها حقها ورعاها حق رعايتها ، لقد فاق جبريل نفسه في المرتبة بحيث انه في ليلة المعراج انفصل عنه عند موضع ما وقال : لو تقدمت أنملة لاحترقت ، وهكذا عندما تتجاوز مرحلة التعلم بالعقل إلى مرحلة التلقي من الله ، بحيث يحار العقل نفسه فما وصلت إليه ، وبحيث يقول ابن الفارضولا فلك إلا ومن نور باطني * به ملك يهدى الهدى بمشيئتى
وبدري لم يأفل شمسي لم تغب * وبي تهتدى كل الدراري المنيرة
 
 
« 436 »
 
( عن انقروى 1 / 243 ) والعقل الكلى عند الصوفية هو الذي يعرف الله ويشبه هذا بجبرئيل .
جولبنارلى 1 / 158 . ( ينسب فروزانفر أحاديث حديث لو تقدمت خطوة إلى صاحب بحار الأنوار وهو متأخر والرواية موجودة في كل كتب الصوفية تقريبا ، انظر على سبيل المثال لا الحصر حديقة الحقيقة الترجمة العربية الأبيات 2884 - 2894 وشروحها ) .
: إن القاعد عن الشكر والصبر من كسله ، يفسر الأمر بأن الله كتب عليه ذلك ، وهذا هو الجبر المكروه ( أنظر لتفصيلات الأبيات : 621 - 645 و 947 - 959 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، وهو من قبيل المرض ، ومن ادعى المرض مرض مصداقا للحديث الشريف " لا تمارضوا فتمرضوا ، ولا تحفروا قبور فتموتوا " ، والجبر لغة عكس المرض ، إنه جبر الكسير ، وقدمك لم تكسر في الطريق حتى تكون في حاجة إلى جبرها ، إنك في حاجة إلى العمل ما دمت قادرا .
 
( 1081 - 1089 ) : إن إبداء الجهد في الطريق ثمرته الوصول إلى حضرة الحق ، فالله لا يضيع أجر المحسنين ، يكون له عروج حقيقي إلى الحق ، ويصله البراق مطية العروج مثل محمد المصطفى صلى اللّه عليه وسلّم ليلة الإسراء والمعراج ، يكون حاملا للتكاليف ، فيصبح محمولا بالعناية الإلهية ( أنظرا البيت 940 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، وهكذا كل من يتقبل أوامر الله تعالى ، يصل إلى مرتبة أن يكون نافذ الأمر على الدنيا بأجمعها ، بل على الأفلاك ، وإن كنت ترى في كلامي هذا مبالغة ، أفلم تتوقف الشمس ليوشع بن نون ؟ وألم ينشق القمر لمحمد صلى اللّه عليه وسلّم ؟ والإيمان دائما في حاجة إلى تجديد ، وتجديد الإيمان لا يكون باللسان ، بل بالعمل ، فالإيمان عمل كما أن الهوى عمل ، وما دمت تجدد الهوى لا يتجدد الإيمان ، فالهوى بمثابة القفل على بوابة الإيمان والفتوح ، وأنت تؤول القرآن بما يتوافق مع طبيعة نفسك ومقتضى هواك ، ألا فلترجع إلى نفسك وتؤولها وتتبع ما في باطنها حتى تتضح لك حقيقة باطنك الميال إلى الهوى، وآنذاك لا تقوم بتأويل آيات القرآن ومنها " انشق القمر " بما يوافق هواك.
 
( 1090 ) : المثال المذكور هنا في رأي لفروزانفر ( مآخذ / 14 ) مأخوذ عن شطرة من بيت قاله أبو نواس في هجاء يحيى بن خالد البرمكي :
 
 
« 437 »
 
وأعظم زهوا من ذباب على خرء ، وأبخل من كلب عقور على عرق ، ( 1095 - 1099 ) : عالم كل إنسان بقدر رؤيته وبقدر نظره ، وبقدر عمق ذاته وهمته ، والبحر يبدو لكل إنسان بقدر نظره ، والذبابة تكون قطرة البول بحراً لها ، والإنسانبحره بقدر همته وتصوره وأفقه ، فاسم بنظرك ، لأن الذبابة لو سمت بنظرها ، لصارت مثل طائر البُلج المبارك ( الذي لو وقع ظله على إنسان لصار ملكا ، واسمه بالفارسية هُما ، ومن ثم كان من ألقاب ملوك إيران - حتى آخرهم - همايون أي المظلل بطائر الهما ) ، ولكانت مثل ذلك الأرنب الذي جندل الأسد ، فمتى كانت روحه بمقياس حجمه ؟ ويرى مولانا أن المعطيات في هذا الوجود واحدة ، لكنها تتلون بقدر الرؤية وبقدر عمق روح الناظر إليها وغناها ، والإنسان - في رأى مولانا - رؤية .
 
( 1100 - 1113 ) : أغمض عيني عن طريق أذني : أي خدعني بمعسول الكلام ، والجبريون هم الوحوش الذين أقنعوه بالقعود عن الكسب ، والسيف الخشبي هو حججهم الواهية ، وهم ليسوا إلا قشور دون لباب ، والقشر هو زخرف القلب ، وما أشبهه بمجن على ماء يغوص فيه ولا دوام له عليه . فالكلام قشر وجلد ، ولبابه المعنى ، والكلام كالصورة ، ومعناه هو روحه ، واللب المعيوب في حاجة إلى تتميق الكلام ، أما اللب الحسن ، فإن الغيرة الإلهية تهبه الغطاء المناسب له ، وأقلام الريح هي هوى النفس ، وأوراق الماء هي مطالب الدنيا ، وكلاهما لا دوام له ، وإن طلبت منهما وفاءٌ أو ثباتا ، فلن يكون حاصلك إلا أن تعض بنان الندم ، وإن تحررة من هوى النفس ومطالب الدنيا ، تسمع رسائل الحق المتصفة بالدوام والثبات . وأمور الدنيا لا دوام لها ، ألست ترى الخطب باسم الملوك تتغير ، وأن خطب الأنبياء هي الباقية ؟ ألست ترى أسماء الملوك تتغير من فوق السكة ، وأن اسم محمد صلى اللّه عليه وسلّم هو الباقي ، وأحمد هو كل الأنبياء " أنا أول الأنبياء خلقا آخرهم بعثا " و " كنت نبيا وآدم بين الماء والطين " فالأنبياء كلهم قبس من النور المحمدي ( لتفصيلات عن هذه الفكرة - أنظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة ج 1 صص 103 - 124 وشروحها صص 270 - 279 ) .
 
 
« 438 »
 
( 1117 - 1122 ) : العقل في التعبيرات الصوفية يطلق على مرتبة الوحدة وتجلى الحق في مرتبة العلم وهو التعين الأول كما يطلق أيضا على الحقيقة الإنسانية ، ويمكن أن يكون الحديث هنا عن العقل الكلي أو العقل الأول وهو أول الخلق في رأى الصوفية ( استعلامى 1 / 266 ) وقد يكون المقصود أيضاً هو عقل المعاد ( عن العقل عند الصوفية بما يلتقى مع أفكار مولانا جلال الدين وقد يكون مصدرا لها أنظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة ج 1 ، ص 164 - 171 وشروحها ص 298 - 305 ) وإدراك عوالم العقل أو بحاره بتعبير مولانا لا يتأتى إلا بإنمحاء الصور والأجساد ( الموت المعنوي ) فالعقل مع كل عظمته قوة خفية أيضا ( مثل الروح ) وإن تجلت اشراقاته على وجودنا الظاهري الذي هو كالموج أو كقطرة الطل بالنسبة له ، لكن تعلقنا بأسباب الحياة يجعل هذا البحر يلقى بنا بعيدا عنه ، فلا يكشف لنا عن أسراره ، ولا يبصر القلب من يلقى فيه بالأسرار ، ولا يرى العبد أنه بمثابة السهم تلقى به يد المشيئة إلى نقاط بعيدة دون أن يرى الرامي ، إنه مستغرق في أنيته بحيث لا تسأل هذه الأنا : أي شئ يحملني إلى هنا وإلى هناك ( استعلامى / 1 / 266 - 267 ) إن الأسباب هنا تقوم بحجب المسبب .
 
( 1123 - 1127 ) : والإنسان الموجود في يد المشيئة والمتصل بالعقل الكلى بمثابة الفارس الذي يركب جواداً والذي لا يعلم أن جواده مجرد وسيلة توصله إلى أهدافه . . وعندما يحرن الجواد ( العقل ) يسوقه في الطرق الوعرة ، وهو يعلم أن جواده حرون عاص يسوقه في كل مكان ويلقى به في مهالك الطرق ومهاويها ، ومع ذلك يتساءل : أين جوادى ؟ ! ترى أين ذهب ذلك الجواد ؟ ! الجواد تحتك أيها الفارس ( تكرر المثل بشكل مختصر في الكتاب الثالث ، الأبيات 383 - 384 ) .
 
( 1128 - 1137 ) : إن الحق قريب من الروح قرب الماء من الدن ، لكن الرؤية قاصرة ، مثلما يكون الدن متيبس الشفة والماء فيه ، آثار الروح سارية في كل البدن وأنت غافلٌ عن هذه الآثار ،
 
« 439 »
 
وإنما تستطيع أن تميز آثارها إذا كنت على علم بالآثار الأخرى ، مثلما يكون تمييزك بين الألوان إن كنت تعرف هذه الألوان ، ولن تعرف الألوان إلا إذا أوتيت نور معرفتها ، ولا بد أنك تدرك هذا إذا اختفت عنك الألوان في ظلمة الليل ، إذن فالأصل هو النور وفي حديث أبي ذر قال ، سألت رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم هل رأيت نور ربك ؟ فقال : نور انى أراه ( انقروى 1 / 251 ) .
فابحث عن النور أولا ولا تقف عند الألوان فبلا نور لن تستطيع معرفتها أو التمييز بينها ، وهناك غير هذا النور نور آخر يشع من باطنك ، من قلبك ، ونور العين إشعاع لهذا النور الموجود في القلب ، وهو لا يدرك بالحس ، بل يكون الحس حجابا عليه ، رؤية هذا النور تكون بالنور ، وإدراكه يكون بالذوق وليس بمعرفتك ضده .
 
( 1138 - 1143 ) : يدق مولانا دائما على فكرة أنه بضدها تتميز الأشياء وتعرف ، ومن هنا خلق الله الألم والحزن ، وإذا لم يخلقا من أين تعرف السعادة والسرور ؟ ! ! ومن أجل هذا ، يظل الحق خفيا علينا ( والفكرة نفسها وردت عند محمود الشبسترى في كلشن راز ( " عن جعفري 1 / 526 ) فمتى كان له ضد جل وعلا عن الأشباه والأضداد ؟ ! الرومي يعرف بالزنجي ، والنور بالظلمة ، والله تعالى لا ضد له لكي تدركه بضده إذا «لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ» ( الأنعام / 103 ) ، لكنه يتجلى في صنعه وفي فعله وهنا يشير الأنقروي ( 1 / 153 ) إلى بيت ابن الفارض :وما هي إلا أن بدت بمظاهر * فظنوا سواها وهي فيهم تجلت. . . مثلما تجلى على الجبل فاندك ، ( انظر تفسير البيت 26 من الكتاب الذي بين أيدينا ) والفكرة برمتها يرجعها فروزانفر إلى الغزالي ( شرح صص 435 - 436 والنص منقول عن إحياء علوم الدين 4 / 293 ) .

 
« 440 »
 
( 1144 - 1150 ) تجلى الله ووضوحه في صنعه مثل تجلى الفكر في الصوت وفي الكلام ، كلامك وصوتك نبعا من الفكر . فهل تستطيع أن تقدم شيئا محسوسا وملموسا وتقول إن هذا هو الفكر ؟ ! والكلام الطيب من بحر فكر طيب ، وعندما يريد الفكر أن يتجلى ، يجعل من الصوت والكلام صورة لتجليه ، وهذه الأصوات والكلمات تظهر ثم تعود ثانية إلى بحر الفكر ، وهذا ما يعنيه ب « إنا إليه راجعون » . الموجودات كلها تصدر منه ، ورجعتها إليه ، فالوجود الإنسانى في كل لحظة مظهر للتجلى الرباني ، يظهر تجل ويمضى ويموت ويفسح مكانه لتجل آخر ، ومن ثم ففيك كل لحظة موت ورجعة في كل لحظة قيامه وبعث ، فالدنيا ساعة ( اى برهة من الوقت ) ، فلتكن كما قال الرسول صلى اللّه عليه وسلّم طاعة ، ويشير جعفري ( 1 - 522 * ) إلى قول هيراقليطس : أنا لم أنزل النهر الواحد مرتين ، فأصل العالم الحركة لا السكون ، وفي القرآن الكريم : وترى الجبال تحسبها هامدة وهي تمر مر السحاب .
 
( 1151 - 1152 ) : يقدم مولانا صورة جديدة : أفكارك كالسهام المنطلقة في الفضاء ، أتراها تستقر في الفضاء ؟ ! ! إنها تعود إلى الله ، وفي كل لحظة تتجدد الدنيا والعالم بتجل من التجليات الإلهية ، وهي مستمرة ودائمة ، ومتصلة بحيث لا تستوعبها عين الحس ، فالأشاعرة يرون جوهر الوجود ثابتا لكن أعراضه في تغير ( والعرض لا يبقى زمانين ) والدوام عند الصوفية صفة لذات الحق . لكن صور الخليقة مراتب للظهور والتجلي ( فروزانفر شرح مثنوى ج - 2 ، ص 440 ) ويرى بعض الصوفية ان الجوهر أيضاً في حالة حركة وتبدل ، ويشير بيان مولانا إلى مفهوم الآية الكريمة «بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ» ( ق / 15 ) .
 
( 1153 - 1157 ) : وكما تتواصل قطرات الماء فتكون جدولا ، فالحياة أو العمر مجموعة من التجليات الدقيقة والصغيرة للوجود التي تتواصل وتستمر ، وحدة هذا التغير وسرعته تظهر انه
 
« 441 »
 
متمردا مثل شرر في عود مشتعل ، إن حركته تبدو لك خطا من النار وهو ليس كذلك ، فالخليقة تتكرر وتستمر بسرعة بحيث تبدو لك تجليا واحدا ليس أكثر يدوم فترة طويلة . وان كنت تريد شرحا لهذا السر ، فاطبه من حسن حسام الدين فهو في هذا الأمر مرجع عظيم . و " خذ العلم من أفواه الرجال بقلب لا بعقل ذي عقال " ( انقروى / 257 )
 
( 1169 ) : معنى الصورة تنتج من اللاصورة اى من لا صورة له ينتج من صورة له ، والمعنى سابق على الصورة وقد ورد في معارف بهاء ولد ، ص 11 .
 
( 1171 ) : إشارة إلى الحديث النبوي ( زكاة الجاه إغاثة الملهوف ) ( أحاديث / 210 ) .
( 1197 ) : إشارة إلى مصرع النمرود بوسيلة بعوضة ( انظر قصص الأنبياء المسمى بالعرائس للثعلبي ص 81 ) .
 
( 1198 ) : العدو النفس الأمارة بالسوء .
 
( 1199 ) : لتفصيلات عن بعض مشاورة فرعون لهامان أنظر الكتاب الرابع الأبيات 2723 - 2737 وشروحها .
 
( 1200 - 1209 ) : إلى جواز فكرة الأضداد التي يهتم بها مولانا أشد الاهتمام ، هناك فكرة أخرى تتبع منها وهي آفة عدم التمييز بين الأضداد ، بحيث تظن أن العدو صديق وتتعامل معه على هذا الأساس ( في الكتاب الذي بين أيدينا الأبيات 316 - 320 تعبير آخر عن الفكرة ) في حين أنه عدو يرديك بكلامه المعسول ، سكره سم ، ولطفه قهر ، وعندئذ يحم بك القضاء من جراء فعله وإضلاله ، والنفس والشيطان كلاهما لك عدو فاتخذهما عدوا ، وتسلطهما أيضا من قضاء الله ، فاهرع إلى الله وتضرع إليه ، وسبح ، وتعبد وصم ، فلا نجاة لك من هذا الابتلاء ، إلا بحسن القضاء ، وادع الله سبحانه وتعالى بدعاء الحبيب المصطفى صلى اللّه عليه وسلّم : اللهم أرنا الأشياء كما
 
 
« 442 »
 
هي ( أحاديث مثنوى / 45 ) ( لتفسيره تفصيلا : أنظر الكتاب الخامس ، الأبيات 1976 وشروحها ) وعن العدم الذي يبدو وجودا والوجود الذي يبدو عدما أنظر الكتاب الخامس الأبيات 1027 - 1053 وشروحها ) والقهر الإلهى هو الذي يبدو لك العدم وجودا والوجود عدما ، وشراب القهر الإلهى يصيب بالسكر « إن الله إذا أراد إنفاذ أمر سلب كل ذي لب لبه » ( أحاديث / 13 ) ، فتعمى الأبصار عن طبيعة الأشياء ( ترى الحجر جوهرا والصوف يشما ( لمناسبة الكلمتين بالفارسية بشم بمعنى صوف ويشم بمعنى حجر اليشم ) .
 
( 1210 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت فيما يرى فروزانفر ( مآخذ / 14 - 16 ) وردت باختصار في قصص الأنبياء للثعلبي ووردت بصورة مفصلة في كتاب نثر الدر للآبى " " كان نافع بن الأزرق يسأل ابن عباس عن العلم أو غيره ويطلب منه الاحتجاج باللغة وشعر العرب فيجيبه عن مسائله ، وروى أبو عبيده انه سأله فقال : أرأيت نبي الله سليمان عليه السلام مع ما خوله الله عز وجل وأعطاه ، كيف عنى بالهدهد على قلته وضآلته ؟ فقال له ابن عباس : إنه احتاج إلى الماء والهدهد على قماء ، الأرض له كالزجاجة يرى باطنها من ظاهرها فسأل عنه لذلك . فقال له ابن الأزرق :
قف يا وقاف كيف يبصر ما تحت الأرض والفخ يغطى له مقدار إصبع من تراب فلا يبصره حتى يقع فيه ؟ فقال ابن عباس : ويحك يا بن الأزرق : أما علمت أنه إذا جاء القدر عمى البصر " كما وردت أيضا في تفسير أبى الفتوح الرازي وعند قانعى الطوسي من شعراء القرن السابع الهجري وفي بوستان سعدى الشيرازي وفي رأى استعلامى ان حكاية مولانا أقرب إلى رواية مرزبان نامه للوراوينى .
 

( 1212 - 1217 ) : تعنى المشاركة في اللسان التآلف الذهني والمشاركة الفكرية والتقارب الروحي والمعنوي ، والمعاشرة مع من يفتقرون إلى هذه الخاصية بمثابة السجن ، إذ يظل المرء 

« 443 »

سجينا مع أفكاره ومشاعره وأحاسيسه التي لا يستطيع إبداءها لأنه لا يجد من يفهمها ، ورب مشتركين في لسان ولغة ما لكنهما غريبان ، ورب غريبين في اللغة لكن الألفة والإحساس المشترك والتآلف القلبي يجعل كل منهما أليفا للآخر يستريح إليه ويركن إليه ، وهذه هي العلاقة الباقية والآصرة القوية والتفاهم الحقيقي القائم على أسس متينة « الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف » ، وهي أمتن من الكلام والعهود والمواثيق ، وهناك وسائل التعبير القلبي " فمن القلب إلى القلب كوة " تسمح بانتقال المعاني ، بحيث لا تكون هناك ضرورة للسان أو اللغة التي قد تكون حجابا على الفهم الحقيقي .
 
( 1230 ) : الزاغ طائر أسود من فصيلة الغربان ( استعلامى / 1 - 272 ) عرب وقيل في المثل أسود من جناح الزاغ .
 
( 1234 ) : إشارة إلى مثل عربى أول الدن دردى ، والدردى ثمالة الكأس وهي من المفروض أن تكون في قاعه وآخره ، ولأحد الصوفية : " إذا كان أول الدن درديا فما يكون آخره ؟ " 
( 1241 ) : انظر تفسير البيت 1202 ( 1244 - 1256 ) : الدليل البين والظاهر على صدق الفكرة القائلة انه إذا جاء القدر عمى البصر وإن جاء القضا ضاق الفضا تتمثل في قصة آدم عليه السلام الذي علم الأسماء لا بصورها بل بتحقيقها ، اسم كل شئ وحقيقته وفعله وخواصه ومصيره على ما هو عليه بالفعل لا كما يبدو لنا ، فاسم اى شئ بالنسبة لنا هو ما يدل عليه ظاهره ، لكن اسمه عند الله تعالى حقيقته ومنتهاه ، فموسى عليه السَّلام يتوكأ أمامنا على عصا ، لكنها عند الله تعالى أفعى ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه لفترة أمام الناس الكافر الغضوب ، لكن منتهى اسمه ومبتداه مثال العدل والإيمان ، وذلك في يوم العهد يوم ألست يوم أن أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم
 
« 444 »
 
بالربوبية له وبالعبودية على أنفسهم ، والولد عموما قطرة من المنى ، لكن الله تعالى يعلم في أية صورة سوف تكون ، والصورة موجودة في علمه تعالى دون زيادة أو نقصان ، أسماؤنا أمام الله تعالى هو ما سوف تؤول إليه خاتماتنا لا ما نحن عليه بالفعل من أمور كلها عارية وعارضة لا تستمر . كان من جراء هذا العلم الإلهى الذي علم لآدم أن عكف آدم على العبودية والسجود اعترافا وشكرا ، أي أنه كان يعلمه قيمة ما منح له وما فضل به على كل المخلوقات ، ولم يكن بغير المقدر لقيمة العطية التي أُعطيت له ، وسجد الملائكة للنور الإلهى الذي خص به آدم وليس لآدم في حد ذاته ، هذا النور الموجود في الأنبياء والأولياء والذي لو أخذت في وصفه وفي مدحه حتى القيامة فلن أوفيه حقه .
 
( 1257 - 1262 ) : لقد علم آدم كل هذا ، كان مدركا لما خص به من علم شاكرا له غير مغتر به ، لكن عندما قضى عليه بالعصيان صعب عليه أن يفهم النهى ، مجرد نهى واحد . وأخذ يتساءل :
أهو تحريم لشجرة المنهى عنها أو هو مجرد نهى تنزيهي لا تترتب عليه حرمة ؟ ! هل هو حرام أو مندوب ؟ ! ومجرد التساؤل في أمر إلهي صريح الدلالة يفتح الباب للمزالق ، ويفتح الباب للتأويل ، والتأويل عادة يفضى إلى إختيار ما عليه الهوى ، فأسرع آدم إلى القمح ، تماما كأن تدخل شوكة في قدم الناطور ( التساؤل والجدل ) ويقعد عن الحراسة فيأتيه اللص ( الشيطان ) ويسرق المتاع ( الإيمان ) . ( انظر من 1490 - 1503 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .
 
( 1263 - 1270 ) : لكن آدم لم ينغمس في إثمه ، وسرعان ما أفاق وقال « ربنا ظلمنا أنفسنا » أي ان الفعل منا والذنب منا وما حاق بنا من ظلمة فمن فعلنا . لكن مولانا يصر على موقفه من رفض الجبر ، فهذا القضاء هو مجرد سحابة تغطي شمس الرؤية ونور البصيرة ، فيصبح القوى ضعيفا ومتين الإيمان معرضا للمعصية ، ولا حيلة مع القضاء إلا بالضراعة إلى الله سبحانه
 
« 445 »
 
وتعالى فهو محول الأحوال . فإذا كانت شكواك من القضاء ففرارك يكون في القضاء " نفر من قضاء الله إلى قضاء الله " ، وما هذا القضاء إلا ابتلاءٌ لك وكلما نجحت في امتحان رقيت درجتك ، وهو يبتليك لكي يجتبيك ويصطفيك ، وهو مع ما أعطاه لفرعون لم يصبه مرة واحدة بصداع لأنه لم يكن يريد الاستماع إليه ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 200 - 204 وشروحها ) إنه سبحانه وتعالى يخوفك ، حتى لا تصاب بالغرور بقوتك وحولك وطولك وفي خوفك هذا الأمن من مكر الله .
 
( 1275 - 1281 ) : إمارات أحوال المرء وفكره وشخصيته تبدو على قسمات وجهه ، هذه هي السيماء التي تحدث الله عنها في كتابه الكريم فقال « سيماهم في وجوههم » ومن ثم يطلب العارف الخبر اليقين من السيماء ، فالله تعالى هو الذي جعل الوجوه تنطق بما في القلوب ، فلون المرء ورائحته ينبئان عنه كما ينبئ صليل الجرس عن القافلة وصهيل الخيل عن الخيل ، ومن الصوت تستطيع ان تميز بين نهيق الحمار وقرع الأبواب ، فتحدث حتى تُعرف وتبدو من صوتك فالمرء مخبوء تحت لسانه ( حديث نبوي وان أسنده فروزانفر واستعلامى 1 / 274 إلى الإمام علي رضي الله عنه ) ، ولون الوجه منبيء عن شخصية صاحبه ، فإن كان المرء متهلل الوجه فهذا دليل على الشكر ، وان كان شاحب الوجه فهذا دليل على الصبر مع وجود الهم وقلة الرضا . وفي الحديث الشريف « أطلبو الخير عند حسان الوجوه » ( كولبنارى 1 / 162 ) .
 
( 1285 - 1304 ) : سنة الله في خلقه : تبنى وتهدم وتعمر وتخرب وتؤلف وتشتت وتجمع وتفرق . لطفه الكلى وقهره الكلى سبحانه وتعالى مسيطران على الكون ، بادية آثارهما فيه ، وآثارهما يبدوان في الشكر والصبر ، البستان حينا أخضر وحيناً عرته رياح الخريف من الأوراق ، والشمس تطلع كأنها النار ثم لا تلبث أن تغيب ، والنجوم تطلع ثم تحترق ، والقمر يصبح بدرا ثم
 
« 446 »
 
يأخذ في النقصان ، والأرض تزلزل والجبال تندك وتصير كالعهن المنفوش ، والهواء الذي نتنفسه حين يحم القضاء يصبح نتنا فاسدا عفنا مليئا بالأوبئة ، والماء يأسن ، والنار تخمد ، والبحر يهيج ، والفلك يتبدل فيكون حضيضا ووسطا وأوجا ، ويصير سعدا ويصير نحسا ، ( كل ظواهر الكون الدنيوي عند مولانا كون في بذرته الفساد . ولتفصيل الفكرة على مستويات أخرى أنظر الكتاب الرابع ، الأبيات 1592 - 1615 وشروحها ) وإذا كان الفلك نفسه بلا استقرار فكيف تطمع أنت تحت هذا الفلك بالاستقرار ( الفكرة للشاعر الفارسي ناصر خسرو المتوفى سنة 481 ه :
أي استقرار تتوقع تحت هذا الفلك * ما دام الفلك الدوار نفسه لا قرار له ( ديوان ناصر خسرو ص 9 تهران 1348 ه . ش ) فإذا كانت هذه الدنيا بمثابة الذئب ، فكيف تتعلق بها وأنت مجرد شاة لا حول لها ولا قوة ؟ والله تعالى هو الذي يصالح بين الأضداد في هذه الحياة الدنيا ، جسدك نفسه مكون من بضعة من الأضداد والحياة هي التي تحفظ التألف بينها ، والمرض يعنى أنها بدأت الحرب فيما بينها ( لتفصيلات هذه الفكرة بشكل أكثر وضوحا ، أنظر الكتاب الثالث الأبيات 4424 - 4437 وشروحها ، كما وردت الفكرة عند سعدي الشيرازي ( عن شرح فروزانفر ص 465 ) .
 
( 1308 - 1309 ) : الحديث عن الخلوة وعن نجاة المتمسك بها من الخلق ومن ظلم الخلق وظلماتهم ، والواقع ان مولانا لم يكن يحبذ الخلوة كثيرا ، ونادرا ما ذكرت في المثنوى في معرض التحبيذ ، فهي أحيانا عند مولانا دليل على التنطع والزهد الريائى ( مثل ما ورد في حكاية الدرويش الذي إختلى في الحبل ونذر ألا يأكل الكمثرى المذكورة في الكتاب الثالث ) وعند مولانا الخلوة تكون عن الأغيار لا عن الحبيب ، فالحبيب موجود مع المرء إختلى أو لم يختل ( الكتاب الثاني : بيت 25 ) وللجنيد البغدادي " العزلة أيسر من مداراة الخلطة " ( عن شرح فروزانفر ص 466 ) .

« 447 »
 
( 1317 - 1326 ) : الحديث عن الظلم ، وعن أنه " ظلمات يوم القيامة " ( أحاديث / 13 ) وعن أن حفرة الظلم عميقة ، وكلما زاد الظالم في ظلمه ازداد عمقها لكي تطبق عليه في النهاية ، ومن حفر حفرة لأخيه وقع فيها " قال فروزانفر أحاديث 14 ، انها حديث نبوي " ، وكل ما يحيق بالظالم أن تكون صورته هو ارتدت عليه فالظالم والطاغية في عين قهره مقهور وفي عين نصره مأسور ( انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 4564 - 4569 وشروحها ) . 
لقد رأى الأسد صورته هو في المرآة وهجم عليها ، وهكذا الطاغية الظالم يدمر في الخلق الله وهو لا يدرى أنه يدمر في نفسه ، وفي النهاية يدمر نفسه حقيقة لا مجازا ، أنت كما تكون ، وما تنسجه حول نفسك كما تكون دودة القز ، فلا تداوم الظلم ، وتذكر العاقبة ، ولا تعتبر الضعفاء بلا معين ، فالنصر من الله ، ولقد حبا به الفئة المستضعفة من أوائل المسلمين على كل ما جمع الكفار من خيل ومن رجل ، وأقرأ « إذا جاء نصر الله والفتح » فالنصر الحقيقي من الله ، ولا تظن أنك وأنت الفيل بمنأى عن الهزيمة ، فالفيل مزقه الطير الأبابيل وهي طيور صغيرة ( والنمرود مزقته بعوضه ) وإن العرش ليهتز من دعاء المظلومين ، ورب دعوة مظلوم كانت أكثر وقعا على الظالمين من الطعان والسنان ، والمصباح الصغير التي تشعله أرملة كثيرا ما احرق قرية بأكملها ( انظر باب سير الملوك من بوستان سعدى وانظر الباب الثامن من حديقة الحقيقة ومعظم الأفكار السياسية في التراث الإسلامي ترد على شكل حكايات ونصائح ) إن كل ما يحيق بالظالم انعكاس لصورته هو ، وهو يظن أن الجميع أعداؤه وهو أعدى أعداء نفسه .
 
( 1328 - 1334 ) : ليس هذا خاصا بالطغاة والملوك المتكبرين ففرعون موجود في كل جبلة ( انظر الكتاب الثالث الأبيات 971 - 973 وشروحها والأبيات 1252 - 1255 وشروحها ) ولذا فأنت ترى الآخرين ظلمة بينما أنت في الحقيقة لا تنظر إلا إلى نفسك نفسك أنت انعكست عليهم ،

« 448 »
 
ونيتك السيئة ( وردت الفكرة أيضا في الكتاب الرابع البيتين : 772 - 773 والكتاب الخامس البيتين - 1981 - 1982 ) ، فكيف يكون الخلق كلهم على هذه الدرجة من السوء التي تراهم عليها ، ولو رأيت سوء نفسك لانشغلت بها ، ولعاتبتها ، لكنك لا تفعل وتشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسك ، وفي خلال هذا ، يزداد بئر الطبع عمقا فيك ويستعد لابتلاعك فتتردى من سيىء إلى أسوء ، وتبدو لك عيوبك عيانا وتكون مثل ذلك الأسد الذي أردته صورته هو وسحبته إلى قاع الجب .
 
( 1335 - 1339 ) : صورتك أنت بالفعل هي التي تراها في وجوه الآخرين ، وعيوبك أنت هي التي تراها عيوبا فيهم ، والظلم من نفسك أنت لكنك تراه في الآخرين ، والعيب فيك وان رأيته في أقرب الناس إليك ، فكن جميلا ترى الوجود جميلا ، فالمؤمن مرآة المؤمن ( حديث نبوي ، أحاديث مثنوى / 41 وانظر الكتاب الثاني البيت 30 ) ، إنك تلبس منظارا أسود فترى العالم كله أسود ، فلتترك العمى ، ولتخلع هذا المنظار لترى العالم على ما هو عليه بالفعل .
 
( 1340 - 1347 ) : وإذا لم يكن المؤمن ينظر بنور الله مصداقا لقول نبيه « اتقوا فراسة العبد المؤمن فإنه ينظر بنور الله » ( أحاديث / 14 ) فكيف يرى أنواع الغيوب ؟ ! لكنك لا تنظر بنور الله بل تنظر بنار الله من اللعنات التي حاقت بك ، وماء التوبة جدير بأن يطفئ نار الغضب والشهوة والأخلاق الذميمة ، وماء الأخلاق الطيبة الطهور يبدل سيئاتك إلى حسنات ، وهذا التبديل في يده سبحانه وتعالى هو الذي يستطيع ان يبدل النار نورا ( آنس موسى عليه السلام على الطور نارا لكنه وجدها نورا ) والماء نارا ( جحيما مغرقا للطغاة على وجه الأرض وفي هذه الدنيا ) ودعاؤنا إياك يا الله منبثق منك أيضا تجريه أنت على ألسنتنا وأنت أعلم بحاجاتنا منا ( الدعاء عين الاستجابة وإذا أراد الله قضاء حاجة لعبده أجراها على لسانه . انظر الكتاب الثالث الأبيات :
 
« 449 »
 
361 - 370 وشروحها ) وإن شئت أيضا منحتنا ما نريد دون ان نطلبه منك ، فكنوز إحسانك لا تنفد ، ولو أعطيت كل الخلق ما يطلبون ما نفدت خزائن رحمتك وما نقصت .
( 1348 - 1354 ) : عندما يكون ثمة بسط ، يصبح العالم كله راقصا ، وانظر في الربيع إلى الأغصان والأوراق تصفق وتهتز وترقص ، لقد نجت من سجن التراب الذي حبست فيه في الشتاء فكأنها تتغنى بالآية الكريمة «كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى» ( الفتح / 29 ) ، وكما تنمو الزروع من قاع التراب ، يصبح كل غصن منها وكل ثمرة فيها مسبحة لله تعالى على عطاياه .
 
( 1355 - 1357 ) : وهكذا تكون الأرواح عندما تنجو من سجن الأجساد وتترك علائقها المادية والترابية ، تسعد لخلاصها من سجنها ، وتصبح راقصة في فضاء عشق الأحد ، فالأجساد عندما تكون راقصة منهمكة في وجد السماع تنال نصيبا من رقص الأرواح ، ولا تسل عما يحدث لها ، تفقد سيطرتها ، تضحك ، تبكى ، تمزق الخرقة والعمامة ، كل هذه الأمور من فعل الأرواح لا الأجساد فالأرواح هي التي تحرك الأجساد ، وتحرك أولئك الذين نجوا من سجن الجسد وأصبح دورانهم ( الأصل في الرقص المولوي الدوران ) مع الولي الكامل حول روح الأرواح ( إستعلامي 1 / 279 ) وفي نص استعلامى وانكه كرد جان : وترجمته ما حول الروح ، أما عند المولوي ( 1 / 265 ) وانكه كردد جان : وما يتحول إلى روح .
 
( 1358 - 1361 ) : الحديث عن أولئك الكبراء العظماء الذين لم يتعظوا بقصة أرنب يجندل أسدا بحيث صار عارا على الأسود ، وأخذوا يتفاخرون بالألقاب المطنطنة من أمثال فخر الدين ( ليست إشارة إلى فخر الدين الرازي العدو اللدود لبهاء الدين ولد والد جلال الدين ، بل هي إشارة إلى كل من يلقب نفسه بهذه الألقاب الطنانة الرنانة ) ، وهم أسارى ملقون في جب النفس الأمارة بالسوء
 
« 450 »
 
يشغلون أيامهم بالجدل والمراء والاستدلال والقياس وكل أدوات علماء الظاهر ، في حين أن نفوسهم في خواء بلقع لا تجد من يمد يده إليها ليأخذ بيدها من هذا الخواء ومن هذا الجب .
 
( 1326 ) : أبشروا يا قوم إذ جاء البشير : قال فروزانفر أنها مأخوذة من مطلع للشاعر الأنورى :
أبشروا يا أهل نيسابور إذ جاء البشير إذ دخل الموكب الميمون للمنصور الوزير ( شرح فروزانفر ص 480 ) 


( 1377 - 1381 ) : يفرق مولانا بين مصطلحين : أهل الظن وهم أصحاب علوم الظاهر ، وأهل الرؤية أو الصوفية العارفين ، ولا تزال الحرب سجالا بينهم ، وكل منهم له أدواته وله حججه ، وكل منهم ينتصر فترة من الفترات ( لمولانا رأى في موضع آخر هو ان الله تعالى يهب كل جماعة حججها وأسانيدها لكي تستمر هذه الحرب فيما بينهما ولو شاء تعالى لحسمها ) ، كما أن مولانا يقول هنا : حذار ولا تلق بنفسك في مهاوى التهلكة ، فليس كل أرنب يستطيع ان يجندل كل أسد ، وأنا هي نوبة لك يكون لك فيها التأييد الإلهى ، والتأييد الإلهى يكون للبشر العاديين مرحلة بمرحلة ، وللملوك الصوريين في أدوارهم ونوباتهم ، لكن عظماء الدين وأولياء اليقين من أصحاب الملك الدائم ، فلا تزل كئوس العلم الإلهى والفيض الرحماني تدور عليهم كرة بعد كرة ولا تنقطع عنهم .

* * *
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: