الثلاثاء، 11 أغسطس 2020

30 - الهوامش والشروح الأبيات من 3410 - 3734 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

30 - الهوامش والشروح الأبيات من 3410 - 3734 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

30 - الهوامش والشروح الأبيات من 3410 - 3734 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

الهوامش والشروح الأبيات من 3410 - 3734 فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا

أول من قاس النص بالقياس إبليس

( 3410 - 3417 ) : يسوق مولانا مثالا على القياس الخاطىء ، وهو أول قياس أيضا في تاريخ الخلق ، فإبليس لم يقبل النص الصريح بالسجود لآدم . . . بل قاس . . . وقال : أأسجد لمن خلقت طينا ؟ ! ! وذلك على أساس أنه من النار " والطين لا يسمو سمو النار " لقد قاس الفرع على الأصل ( الأرض ظلمة والنار نور ) . . . وجعل الرفعة وراثة والتقى وراثة ، وكلها أمور لا علاقة لها بأصل القضية ، وهي تكريم الطين بالعلم والتقى ( الحقيقي ) والتواضع ، انه ليس ميزان دنيا حتى يكون بالنسب ، بل هو ميراث العقبى «فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ» ( المؤمنون / 101 ) . . . والتقى والعلم ميراث الأنبياء . . . وإلا فهل ترى ورث عكرمة التقى عن أبي جهل ؟ أو ورث كنعان المعصية عن نوح عليه السّلام ؟ ! ! ! وانظر إلى المفارقة : ابن التراب نور بنور العلم والتقى والطاعة ( المقصود آدم وكم من أبناء التراب يرفعهم العلم ) وابن النور ( إبليس ) ران على وجهه سواد الكفر ، استخدم مولانا في هذا المجال القياس بنوعيه ، القياس المنطقي الذي يستخدم في الاستدلال والقياس الأصولي أي القياس في مواجهة النص ( شرح شهيدى / 126 ) .

( 3418 - 3421 ) : إن استخدام القياس في مواجهة النص بمثابة التحري عن القبلة أي البحث

« 565 » 

عن جهتها الصحيحة والكعبة في مواجهتك ، والحبر كناية عن المتفلسف المنطقي الذي يستخدم المنطق في إثبات البديهيات ، فيخطىء من حيث يظن الصواب ، ويبتعد من حيث يظن القرب .

( 3422 - 3428 ) : وها أنت تقوم بها يقوم به المتحرى عن القبلة في وضح النهار : إنك تستمع إلى بعض أقاويل أهل الحق ، فلا تدرك سوى ظواهرها ، ثم تحرف فيها وتبدل وتقيس من نفسك ، وتصل إلى بعض الأفكار من نفسك دون أن تدرك أعماق مصطلحاتهم ، ولا تدري خبرا حقيقيا عن حقيقة أقوالهم ، وتسرع خلف خيالاتك وأوهامك ، ألا فلتعلم أن كل ما تعلمته من منطق الطير هو مجرد تقليد أصواتهم فهل تراك - مثل سليمان عليه السّلام - علمت بالفعل منطق الطير ؟ ! ! ما أشبهك بكاتب الوحي إياه ، لقد سمع مجرد التغريد ، فظن أنه قد وصل إلى المعنى ، فكان في هذا ضياعه .

( 3429 - 3439 ) : الخطاب من الحق - جل وعلا - لهاروت وماروت : حذار . . . حذار . . .

إنكما في مقام سماوي رفيع ، مقام «وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ، وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ» ( الصافات / 165 / 166 ) وانجوا من الأنية والعجب ، وأشفقا على إساءات المسيئين ( انظر شرح الأبيات : 3358 - 3362 ) . . . واحذرا الغيرة الإلهية ( تقييم البشر من خصائص الخالق فحسب . . .

والغيرة هي التي تؤدى إلى الامتحان - ( أنظر 1722 و 1775 و 1773 ) من الكتاب الذي بين أيدينا ) . . . لقد كان الله يحذرهما ، وهما يردان : هل يتأتى منا السوء ؟ كيف ذلك ؟ ! ! محال ؟ ! ! وويل لعبد يرى نفسه أعلى من فعل السوء ومن الخطيئة ، فإن الغيرة الإلهية تمتحنه امتحانا مرا . . . لقد وخز شوك النفس الملكية ! ! ! فانبت فيها غرس خطيئة من أكبر الخطايا وهي العجب . . .

وبلا من مراجعة النفس والخوف من الله . . . ازدادا عجبا . . . فإذا بهما يزمعان على النزول إلى الأرض ليمحوا كل ما فيها من خطايا . . . وكأن الأمر كان صعبا على الله جل وعلا لو أنه شاء . . . لقد إدعيا لنفسيهما ما لا يوجد في قدرة مخلوق . . . لقد وقعا في القياس مثل إبليس ، قاسا أحوال الفلك بأحوال الأرض . . . ناسين أن الأرض أرض الامتحان ، وأن الله في سابق علمه خلقها هكذا . . . ولا تكون إلا هكذا . . . لكن تمتع الملكين بقبس من الأنوار جرهما إلى هذا الانبساط وإلى هذه الجرأة . . . وليتك إن أصبت بشئ من هذا السكر بقيت في مكانك حتى تفيق .

( 3440 - 3451 ) : الحكيم المذكور في العنوان هو سنائى الغزنوي ، والمعنى المستعار هنا من
 
« 566 »
 
قول سنائى :

لا تذهب خطوة عن مقام السكر * وضع رأسك في نفس المكان الذي شربت فيه الخمر ( البيت 951 - من الترجمة العربية للحديقة ص 95 ) والسكر في مصطلح الصوفية دهشة تصيب المحب من رؤية جمال المحبوب ، فيفقد حواسه وقد يفوه بما لا يقصد ، ويظن به الجنون ( شرح شهيدى / 133 ) يأخذ مولانا هذه الصورة ويفصل فيها : الثمل الذي يخرج من الحانة يترنح والأطفال في إثره . . . وهكذا الثمل بالجمال الإلهى أمام أهل الدنيا ( وهم أطفال غير راشدين ولا يكون راشدا إلا من خلص من الهوى وتشبيه المتشبث بالدنيا بالأطفال ورد أيضا في ديوان شمس :

هيا إلام نحن كالأطفال في عالم * نملأ جحورنا بالتراب والحصى وقطع الفخار فلترفع أيدينا عن التراب ولتحلق * ولنفر من عالم الطفولة إلى محفل الرجال ( غ 1353 / 525 ) " وجماع الأطفال " كناية عن اللذة المتخيلة المقلدة وليست الحقيقية ، إنهم يقلدون بها الكبار ، وهكذا أيضا خلافا الخلق وحروبهم كلها حول أمور طائرة وعرضية ولا قيمة لها ، هي أيضا كحروب الأطفال ( الصورة أيضا من حديقة سنائى ، أنظر الترجمة العربية ، الأبيات 6957 - 6966 وشروحها ) والدلدل المذكور في البيت 3451 اسم بغل كان للإمام علي رضي الله عنه .

( 3452 - 3455 ) : إنهم مجرد " حملة " للعمل الظاهري ، لكن كم يتيهون عجبا بهذا العلم الظاهري ويظنون أنهم به أصبحوا محمولين على الطريق من الحق ( انظر عن الحامل والمحمول البيتين 940 - 1020 من الكتاب الذي بين أيدينا ) . . . فانتظر يوما ترى فيه قيمة علمك عندما ترى العلماء الحقيقيين يسوقون خيولهم عابرين الطباق السبع إشارة إلى حديث " إن يدخلك الله في الجنة فلا تشاء أن تركب فرسا من ياقوته حمراء تطير بك في الجنة حيث تشاء إلا ركبت " ( عن

« 567 »

كنز العمال ومسند أحمد / شرح شهيدى 137 ) وهذا هو المقصود بالآية الكريمة «تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ» ( المعارج / 4 ) فقارن إذن بين هذا العروج والسير المعنوي ، وبين مجرد أطفال يجعلون من ذيول أثوابهم مطايا . . . تراهم لا يسيرون على أقدامهم . . . ومتى توصلهم أقدامهم الواهية إلى شئ ؟ ! ! ( 3456 - 3462 ) : " وما أشبه هؤلاء الذين يعتمدون على الظن بأولئك الأطفال «وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً» ( النجم / 28 ) فكيف تريد أن تتوخى الظن وتستخدم الظن وتتجاوز أقطار السماوات ، حتى ولو رجحت أغلب الظنين ، فأي ظن وأي ظنين والشمس واضحة ولائحة أمامك والحق لا ينكر ؟ ! . . . ويوم أن يظهر لك الحق ، سوف تعلم أنك كنت مثل أولئك الأطفال تركب قدميك ، وإنك ما قطعت منزلا واحدا من الطريق ، بل كانت همتك نفسك ، ووسيلتك وهمك وحسك وإدراكك ، وأنك كنت قد وقرت ظهرك بحمل من العلم ، حملته ولم يحملك ، ووقر ظهرك ، وقعد بك ، إنه لم يكن كعلم الروح معينا حاملا ، وإذا كنت لا تصدق فاقرأ «مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً» ( الجمعة / 5 ) وهو كل علم لا يوصل إلى الله ويشتغل به البشر ، فهو كمصباح في يد لص وشتان بين هذا العلم والعلم الذي يكون من لدنه « وآتيناه من لدنا علما » هو نور يقذف في القلب فتنشرح به الصدور .

( 3463 - 3466 ) : وفرق كبير بين هذين العلمين : علم الديان وعلم الأبدان ، العلم تؤتاه من لدنه ، والعلم الذي تضرب فيه بالأهواء والظنون والحس والحدس ، سرعان ما يزول ، كأنه أصباغ تضعها الماشطة ، تحس من بعد تحصيله ، وبعد ضياع العمر ، أنك ضيعت عمرك في " قيل وقالوا " ولم تسال قلبك مرة واحدة : ماذا يقول هو ، ولم تطلب منه سبحانه وتعالى أن يوفقك إلى خير العلم وصالح العمل . . . لكن هناك طريقا آخر أدلك عليه : إذا قمت حتى للعمل الظاهر بواجبه حق أدائه ، مراعيا فيه حق الله وحق الناس ، عالما عاملا بكل ما تعنيه الكلمة ، فإنك تستطيع أن

« 568 »

تعبر هذه المرحلة - بعون من اله تعالى وكثواب لك . . . إلى أن توهب السعادة ، وتعبر هذه العلوم الظاهرة إلى علوم الروح الممنوحة من الله تعالى . . . تجرد من الهوى ومن الغرض ومن استخدام العلم وسيلة للجاه وللشهرة لإضلال الخلق وممالاة السلاطين ، ترى في باطنك كنزا لا يفنى من العلم قد انبثق ونهرا من الفيض لا ينضب .

( 3467 - 3471 ) : لكن لا سبيل لك إلا أن تشرب كأسا من محبة " هو " الحرفان اللذان أضغم فيها العارفون كل أسماء الله الحسنى فهو فوقها وهي دونه . . . وأي اسم يستطيع أن يعبر عما لا يحده اسم أو رسم ؟ ! ! " وهو مركب من حرفين : الهاء التي مخرجها من أول الحلق وهو مبدأ المخارج ، والواو التي مخرجها من الشفة وهي منتهى المخارج ، إشارة إلى أن كل حادث من الله ابتداؤه وإليه إنتهاؤه ( كذا في شرح الأسماء الحسنى للقشيرى ) والهاء حارة يابسة ، وعلى نسبة التفصيل جامعة للدرجة الأولى والثانية بين حرارتين من حيث الجمع والتفصيل سر للصدر ، وهو في عالم الآخرة سر الكرسي وسر مجمع مياه الرحمة ، وهو الحوض والهاء لوح محفوظ مستدير نوري ، فالعارف إذا تأمل يه يشاهد عجائب الملكوت وأسرار النفوس ، وهو إشارة إلى أنه منزه عن العقول والأفكار والوجوه والأبعاد ، راجع إلى الغيب المطلق ، منفرد بصفات الجلال والجمال عبارة عن الوجود الأزلي بلا اشتراط النسب والإضافات ، وهو أول كلمة دعا الله عباده إليها بقوله قل هو وختم بها الكلام ثم قال : الله أحد ( كذا في شرح الأسماء الحسنى لصدر الدين القونوى ) وبالجملة هو الاسم الأعظم قال على رضى اللّه عنه رأيت الخضر في المنام مثل بدر فقلت له علمني شيئا أنتصر به على الأعداء فقال : قل يا هو يا من لا إله إلا هو ، فلما أصبحت قصصتها على رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم فقال : يا علي علمت الاسم الأعظم ، ولكن المحجوب إذا تلاه الف مرة لا يفيده حتى يلاحظ الصفات الجلالية والجمالية ليهتدى إلى المسمى ( مولوى 1 / 628 وهناك رواية أيضا في الأنقروى 1 / 626 ) . وهذا هو المقصود من أنه لا يتولد من الاسم إلا الخيال ، فإنك إن ذكرت اسما أمام مجموعة من الناس لا يعرفون مسماه ، فإن كل واحد منهم يتخيل مسمى لهذا الاسم . . . والخيال دلال . . . وما فائدة الدلالة بعد حضور المحبوب ، وطلب الدليل بعد حصول المدلول محال . . .

على كل حال : الاسم يدل على حقيقة ما . . . فهل وجد اسم دون مسمى ؟ ! وهل قطفت ورد
 

« 569 »

لمجرد ذكر اسم الوردة ؟ ! ! ( المثل الفارسي : بقول لفظ حلو لا تحس الشفة بالحلاوة ) . . . وما دمت قد عرفت الاسم فانهض في طلب المسمى . . . المهم أن تعرف الطريق . . . تعرف أن القمر في السماء وإن ما هو موجود في ماء الجدول انعكاس له . . . ولتبحث عن الصانع لا عن الصنع وعن المدلول لا عن الدلائل .

( 3472 - 3480 ) ك أقول لك الوسيلة في كلمتين : طهر نفسك ، وفي ثلاث كلمات : أجلُ مرآة صدرك ( أنظر شرح البيت 34 ، من الكتاب الذي بين أيدينا ) فالحديد يصقل فيفقد طبيعة الحديد ويصبح مرآة ، والرياضة هي الصقل بالنسبة للبشر ( أنظر البيتين 939 و 3464 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، وصف نفسك من أوصاف وتبعات الهوى وتعينات البدن وإضافات المشاغل ، تطل ذاتك الحقيقية ذات النفخة الإلهية ، وحينذاك تحل في النفس الأنوار " العلم اللدني : نور يقذفه الله في القلب " ولا تقل أن هذا الأمر خاص بالرسول صلى اللَّه عليه وسلم والأنبياء صلوات الله عليهم ، فالرسول نفسه إعتبر الذين آمنوا به دون أن يروه إخوانه : " وددت لو لقيت إخواني ، فقال أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلّم :

أوليس نحن إخوانك ؟ قال : أنتم أصحابي ولكن إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني " ( بأسانيده أحاديث / 34 ) ومن بين العارفين العظام أويس القرني رضي الله عنه روي أنه لم ير الرسول صلى اللّه عليه وسلّم وآمن به دون أن يراه . يقول صلى اللّه عليه وسلّم : إن من بين أمتي من يكون في همتي . ويقول يوسف بن أحمد : روي عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم قال : واشوقاه إلى إخواني يكونون من بعدي ، شأنهم شأن الأنبياء ، وهم عند الله بمنزلة الشهداء ، ينظر الله إليهم سبعين مرة ، يا أبا ذر ، وإني إليهم لمشتاق " ( مولوي 1 / 630 ) وهذا دون علم من الكتب ، بل من تفهيم لكلام الرسول صلى اللّه عليه وسلّم يوضع في قلب الولي ، وهذا هو المقصود بمشرب ماء الحياة ، مثلما وجد النبي صلى اللّه عليه وسلّم العلم في شربة لبن ليلة الإسراء ( مولوي 1 / 630 ) هذا العلم هو الذي عبر عنه أحد الصوفية بقوله " أمسيت كرديا ، وأصبحت عربيا " كناية عن التحول المفاجيء الذي يطرأ على حياة المرء واتجاهه ( أنظر تفسير القول في شرح مقدمة الكتاب الذي بين أيدينا ) ومعظم سير الصوفية تقص لنا نماذج من هذا التحول المفاجيء ( جلال الدين نفسه - أنظر مقدمة الترجمة ) ، ثم يسوق مولانا حكاية فحواها أن الأمر كليه متوقف على جلاء الصدر حتى يحل فيه هذا العلم الخفي .
 
« 570 »
 

( 3481 ) أصل الحكاية التي تبدأ بهذا البيت فيما رواه فروزانفر ( مآخذ / 33 - 35 ) فيما رواه صاحب إحياء علوم الدين ( 3 / 17 ) كما نظمها الأنورى ( من شعراء القرن الخامس ) ونظامى الكنجوى في إسكندر نامه ، ورواية نظامى مطابقة لرواية الاحياء عن رواية مولانا . . . فقد جعل مولانا أهل الصين ينقشون وأهل الروم يجلوون ويصقلون . . . فجعل الغلبة لأهل الروم مما يناقض الروايات السابقة عليه .

( 3490 - 3491 ) : تعدد الألوان والأضواء والأنوار مصدرها القمر وليس مصدرها السحاب . . .

مصدرها الواحد وليس مصدرها التعينات ( أنظر أيضا شرح البيتين 2478 - 2479 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .

( 3497 - 3513 ) : ينقل مولانا إلى الخلاصة من قصته : أنه يقصد بنقاشى الروم الصوفية .

وعلومهم ليس موجودة في الكتب ( امح الأوراق لو كنت رفيقا لنا . . . فعلم العشق لا يكون في دفتر ) ولا دراسة ولا تظاهر بالفضل . . . وسيلتهم هي صقل الصدور وتطهيرها من الحرص والطمع والبخل حينئذ يكون القلب كالمرآة . . . يستطيع أن تعكس الصور غير المحدودة صور المعاني العليا والفيض الذي يتواتر على القلب ، هو النور الذي انعكس على يد موسى فجعلها بيضاء ( الأعراف / 108 - طه / 22 - النمل / 12 - الشعراء / 33 - القصص / 32 ) هذه الصورة التي لم تسعها السماء ولم تسعها الأرض يسعها هذا القلب المصقول الخالي من الحقد والحسد وأمراض النفس ( يسعني قلب عبدي المؤمن ) صور الجمال التي تبقى ولا تنتفى ، تبدو واضحة جلية لا حجاب عليها ولا غطاء تستمر ثابتة ولا تمضى ، وإن الذي يمضى ويتغير هو قشور العلم أما علم مرحلة عين اليقين ( العلم العيانى ) فثابت ، وهم يهزأون من الموت . . . فالموت هو عرس الأبد في رأيهم وهو الميلاد الثاني ( أنظر الكتاب الثالث ( 3529 - 3536 وشروحها ) لأنهم يعلمون أن الضرر يجرى على الجسد ( الصدف ) لا على الدر ( الروح ) لقد تركوا العلوم الظاهرية وانمحوا في الحق وفنوا فيه فسطعت على قلوبهم صور الجنان الثمانية . . . إن قدرهم أعلى من العرش والكرسي والجلاء فهم ساكنون في مقعد صدق عن مليك مقتدر «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ» ( القمر / 54 / 55 ) ولما سئل أبو يزيد عن الغرباء

« 571 »

قال : الغريب إذا طلبه جبريل في الدنيا لم يجده ولو طلبه رضوان في الجنة لم يجده فقيل فأين يكون يا أبا يزيد فقال : في مقعد صدق عند مليك مقتدر . وقال الواسطي : هم أهل الصفة المتحققون بأنوار المعارف الذين لا يحجبهم الجنة ولا النعيم ولا أي شئ في مقعد صدق . . . الخ وقال صلى اللّه عليه وسلّم : الفقراء جلساء الله ( مولوى 1 / 635 ) .

( 3514 ) : القصة التي تبدأ بهذا البيت فيما أورده فروزانفر وردت في أسد الغابة كما ذكرها صاحب اللمع والغزالي في الإحياء عن حارثة بن سراقة بن حارث الأنصاري " بينما رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم يمشى إذا استقبله شاب من الأنصار فقال له النبي : كيف أصبحت يا حارثة ؟ قال : أصبحت مؤمناً بالله حقا يا رسول الله . . . فقال النبي صلى اللّه عليه وسلّم : أنظر ما ذا تقول فان لكل قول حقيقة : قال يا رسول الله عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلى وأظمأت نهارى فكأني بعرش ربى بارزا وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها وكأني أنظر إلى أهل النار يتعاوون فيها ، فقال : الزم عبد نور الإيمان قلبه ( مآخذ / 35 - 36 ) ورواها الكافي عن شاب من الأنصار أما الشوشتري فقال إنه حارثة بن مالك بن النعمان الأنصاري ( شرح شهيدى / 154 ) .

( 3516 - 3519 ) : يقول حارثة ( زيد عند مولانا ) : لقد جاوزت تعينات الزمان ( والمكان ) وما يحدد هذه الدنيا ، ورأيت الأمة كلها فيما وراء منافع هذا العالم المادي ، فالعالم كله وحدة واحدة تستوى فيه آلاف السنين مع لحظة واحدة . . . كل شئ مرتبط بالأزل وبالابد ، فالعقل ليس متوجها إلى هذه الدنيا ، بل مرتبط بعالم لا زمان فيه ولا اختلاف " ليس عند ربكم صباح ولا مساء " ( شرح شهيدى / 156 وانظر الكتاب السادس ، العنوان السابق على البيت 2723 وشروحه ) ويقصد المتحدث أن " وقته " موقوف على الحبيب " وبصره " ناظرٌ إلى الواحد ، الأحد وانتفت عنه كل التعينات ، وأصبح كل ما يدركه العق لغير ذي موضوع عنده ، فليس له سبيل إلى " تلك الناحية " التي يسير فيها .

( 3520 - 3527 ) : حدثنا يا حارثة عن إمارات هذا العالم الذي تسيح فيه بما يُفهم أنك تدركه بالفعل . قال : إنني أعاين العرش مثلما يعاين الناس السماء ، أرى الجنان الثمانية ، ودركات النار السبعة " سقر والسعير واللظى والحطمة والجحيم وجهنم والهاوية " ( شرح شهيدى / 157 ) كلها
 

« 572 »

أراها رأى العين " كما يرى الوثني الصنم " ، وأهل النار وأهل الجنة ، وعاقبة الخلق في يوم الميلاد الثاني ويوم ظهور الحقيقة " في "يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ" ( آل عمران / 106 ) . . لقد كانوا جميعا غائبين في رحم الخليقة ، وإن كان مصير كل منهم معلوما ، " فالسعيد سعيد في بطن أمه ، والشقي شقي في بطن أمه " إن الله خلق السعادة والشقاوة قبل أن يخلق خلقه ، فمن خلقه سعيدا لم ينغصه أبدا ، وإن عمل شرا أبغض عمله ولم يبغضه ، إن كان شقيا لم يحبه أيدا ، وإن عمل صالحا أحب عمله وأبغضه " عن أصول الكافي - شرح شهيدي / 157 - 158 ) .

( 3528 - 3534 ) الحديث لمولانا جلال الدين : يشبه الروح بالجنين الذي يحمله رحم الجسد ، والموت هو المخاض ، وما لم تمت لا يكون شئ عن مصيرها معلوما ، يتنازعها الصالحون " الروم " والطالحون " الزنج " فإن ولدت صارت معلومة اللون " إيمانا أو كفرا " ، وحملها من تنتسب إليهم . . وهناك من يدرك سر الروح من قبل أن تولد في العالم الثاني ، وإبان وجودها في الجسد ، فاتقوا فراسة العبد المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله . ( أنظر الأبيات : 1340 و 1342 و 2646 و 2792 من الكتاب الذي بين أيدينا ) .

 

( 3535 - 3540 ) : والأصل في الروح أنها طاهرة ، والمني أبيض ، وإنما يبيض ويسود في رحم الأم " الدنيا ، الجسد " ، وانظر إلى قوله تعالى "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ، ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ" ( التين / 4 - 5 ) فاللون يأتيها حين تتحول من الوحدة إلى الكثرة ، ومن المعنى إلى المادة ، ومتى يظهر الهندي " الأسود - الطالح " من التركي " الأبيض - الصالح " وهما في الرحم " الدنيا " ؟ إنما يظهران بالميلاد وبالحشر عيانا بيانا "لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ" ( الكهف / 48 ) .

 

( 3546 - 3556 ) : "وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ ، فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ ، وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ" ( الواقعة / 41 - 43 ) كما فسر بعض المفسرين "فَتَأْتُونَ أَفْواجاً" ( النبأ / 18 ) : بأن بعض أهل جهنم يأتون يوم القيامة وقد قطعت أيديهم وأرجلهم ( تفسير أبي الفتوح وكشف الأسرار وتفسير البيضاوي ومجمع البيان - عن شرح الشهيدي / ص 162 ) ولون الكفر السواد " وتسود وجوه " ،
 

« 573 »
 

ولون الختم الملكي الأحمر هو لون أهل الجنة ، واختلف المفسرون حول المقصود بفتحات النفاق السبعة : قال بعضهم هي أبواب جهنم ودركاتها السبعة ، وقال نيكلسون إنها الغرور والحرص والشهوة والحسد والغضب والطمع والحقد ، وقال شهيدي إن صفة واحدة من هذه الصفات لا تنطبق على النفاق ( شهيدي / 163 ) ، وكلها إن شئنا الدقة خفية . وأضاف شهيدي أنه من الممكن أن يكون المقصود بفتحات النفاق السبعة العينين والأذنين وفتحتي الأنف والفم ، وكلها تؤدي عند المنافق عكس ما يحس به قلبه . . . وقال المولوي ( 1 / 640 ) إنها المنهي عنها في قوله عليه السّلام " اجتنبوا السبع الموبقات : الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات " وفي رأى المولوي أن القمر الذي لا يعتريه المحاق هو نور النبوة ، وهو في رأى إستعلامي ( 1 / 408 ) أنه نور الإيمان ، وفي رأى شهيدي أنه نور اليقين . ويواصل حارثة : إن كل ما قلته عن أهل الجنة وأهل النار هو مجرد إشارات ، ومن الممكن أن يستفيض لولا خوفه من رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم .

 
( 3557 - 3566 ) : لقد انهمك زيد " أو حارثة أو مولانا جلال الدين إن شئت الدقة " في الحديث ، بحيث أو شك أن يتجاوز المسموح به ، هذا وإن كان يقول الحق ، و " " الله لا يستحيى من الحق " ، ومن ثم انمحى الحياء عن المتحدث ، فأوغل في حديثه ، بحيث كاد يبوح بأسرار لا ينبغي البوح بها ، ولا تتحملها الأسماع ، لقد قفزت المرآة من غلافها " قفز قلبك من جسدك " وآخذ يطوف بمظاهر القيامة ويفشي أسرارها ، والقلب والميزان كلاهما لا يخفي الحقيقة ، ولو قمت بخدمتهما طوال عمرك ، ومرآتك تظهرك على حقيقتك ، وميزانك يزن أعمالك خيرها وشرها ولا يحيد قيد أنملة عن الحق ، والتعبير مأخوذ عن مقالات شمس ( 1 / 69 و 71 ) " المرآة لا تميل ، فلو سجدت لها مائة سجدة قائلا لها : هذا العيب الوحيد الموجود في أخفه عني ، لقالت لك بلسان الحال : هذا غير ممكن " و " إن المرآة هي عين الحق ، وهو يظن أن المرآة غيره ، ومع كل هذا فما دام عنده ميل إلى المرآة ، فالمرآة تميل إليه ، ومن ميل المرآة إليه يكون ميله إلى المرآة والعكس صحيح ، فإن كسرت المرآة كسرتني ، والنتيجة أن تميل المرآة أو تتكلف ، وكذلك المحك والميزان ميله إلى الحق ، فلو قلت ألف مرة : أيها الميزان ، أظهر هذا القليل كثيرا ، فإنه لا يميل إلا إلى الحق . . لو

« 574 »

خدمته ألف عام وسجدت له . " ويواصل : إن لم يكن هذان موجودين ، ما قيمة الإنسان أصلا ؟

هل يخلق عبثا ويترك هملا ؟ . كلامك أيها الشاب ووصفك مفيدان جدا ، لكن . . لتخف مرآتك في اللباد إذا كان التجلي قد حدث على طور سيناء الصدر ، فإن موسى عليه السّلام حرم من هذا التجلي ، فخر صعقا ، واندك الجبل دكا ، فهل تراك تتحمل أنت هذا التجلي ؟

( 3567 - 3575 ) : يرد زيد : أجل ، من الممكن لمرآة أن تختفي تحت اللباد ، لكن هل من الممكن إخفاء شمس الحقيقة ؟ أخفها إذن إن استطعت ! ! ( وهل تخفى النار وهي بين صوف وقطن ؟ . . أنظر عن تفصيل الفكرة : الكتاب الثالث ، الأبيات : 4735 - 4738 وشروحها . ) ويرد الرسول صلى اللّه عليه وسلّم : قدرة الحق تيسر إخفاء أسرره " غيرته في الحقيقة " ، ومن ستر الله أن يجعل إصبعا واحدا قادرا على إخفاء الشمس في كبد السماء ، طن وضعته على عينيك . . هذا هو العالم الذي تخفيه نقطة فاصمت ، وانظر إلى سعة البحر وعمقه ، ومع ذلك سخر الله هذا البحر للبشر " كيف لا يستطيع الإنسان كتم أسراره عن التدفق ، وهو الذي أقام السدود أمام البحر ؟ ! " ، والبحر مسخر للإنسان مثلما سخرت أنهار الجنة الأربعة لساكن الجنة ، لا بحوله ولا بطوله ، بل ترجمة لفعله ومقامه في الدنيا ، وهي موجودة في ذواتنا " فنهر الماء هو في هذا العالم نهر ماء العلم والمعرفة ، ونهر اللبن هو نهر العمل ، ونهر الخمر هو نهر العشق ، ونهر العسل هو نهر حلاوة القربة " مولوي 1 / 644 ) ( عن وجود هذه الأنهار على الأرض أنظر الكتاب الثالث الأبيات 3460 - 3464 والكتاب الخامس الأبيات : 1631 - 1640 وشروحها ) .

( 3576 - 3587 ) : وتأثير الله سبحانه وتعالى فسريان هذه الأنهار له مثال في داخلك أنت واضح من تأثير الروح ، فهذان العينان كنهرين جاريين ، يسيرهما القلب حيث يشاء ، حينا إلى الشهوة ، وحينا إلى العبرة ، حينا نحو المحسوسات ، وحينا نحو الملبوسات ، حينا نحو المسائل الكلية وحينا نحو المسائل الجزئية ، ليس العين فحسب ، بل وسائر الحواس كالأنابيب المتصلة بالقلب ، تجري وفق هواه ومراده ، وكذلك الأعضاء كاليد والقدم مطيعة للقلب ، يجعل منها تقوم بالفعل الذي يطلبه ويرتضيه .

( 3588 - 3597 ) : يتساءل مولانا : ما ذا يقول القلب للأعضاء والحواس ؟ وما هي طبيعة

« 575 »

 
العلاقة بينهما ؟ وبم وجد عليها هذه السيطرة ؟ تراه يملك خاتم سليمان الذي نقش عليه الاسم الأعظم ، وبه وجد السيطرة على الجن والإنس والطير ؟ بم سيطر على كل هذا الجيش ؟ :

الحواس الظاهرة الخمسة والخمسة الباطنة : الحس المشترك والخيال والوهم والذاكرة والعقل " المتصرفة " ( الفكرة منقولة عن ثالث إحياء الغزالي - عن شهيدي / 171 - 172 ) ، فأنت أيها القلب في عظمة سليمان عليه السّلام ولك سيطرته ، فإن سرت بالعدل والإخلاص ، وبرئت من الرياء ، فلن تستطيع الشياطين الثلاثة : وهي في رأى المكر والشهوة وطلب الجاه ( إستعلامي 1 / 410 ) ، وفي رأي : النفس والهوى والهوس ( نيكلسون - عن شهيدي 176 ) وفي رأى : النفس والشيطان وحب الهوى ( مولوي 1 / 647 ) ويفسرها شهيدي بالنساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة اعتمادا على الآية 14 من آل عمران ( شرح شهيدي ص 177 ) والتعبير مأخوذ من سنائي وقد فسر الشياطين الثلاثة بالمكر والشهوة والزور ( أنظر الترجمة العربية للحديقة البيتين 5468 و 5470 وشروحهما ) ولكن إذا سلبك الشيطان الخاتم فقد خسرت كل شيء ( أنظر لتفصيلات المعنى الكتاب الرابع الأبيات : 1150 - 1155 وشروحها والأبيات :

1265 - 1282 وشروحها ) وبذلك يتحقق فيك منطوق الآية الكريمة "يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ، ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ" ( يس / 30 ) ويوم التناد هو يوم القيامة ، وأنت إن أنكرت فضحتك مرآتك وفضحك قلبك ، مثلما إفتضح العبيد الذين سرقوا الفاكهة وأكلوها ، واتهموا لقمان بأكلها .

( 3598 ) : القصة التي تبدأ بهذا البيت فيما يرى فروزانفر ( مآخذ / 36 ) وردت قبل مولانا في قصص الأنبياء للثعلبي وتفسير أبي الفتوح الرازي ، وذكر زرين كوب مصدرا أقدم وهو حكايات إيسوب ( بحر در كوزه / 162 - 163 ) .

( 3613 - 3621 ) : إذا كانت هذه حكمة لقمان وهو عبد من عباد الله ، فما بالك بالحكمة الإلهية ؟

اقرأ قوله تعالى "يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ" ( الطارق / 9 ) ، واعلم أنه أيضا سوف يخرج المخبوء منك ، واقرأ أيضا "وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ( محمد / 15 ) ، ولأن قلوب الكافرين كالحجارة أو أشد قسوة ، فقد جعل النار عذابا لها ، فالحجر لا يختبر إلا بالنار ، وعلاج الجرح


« 576 »
 
السئ الكي ، والكي علاج فظيع قاس ، والحمار عاقبته الموت ، وتعمل الكلاب في رأسه بأنيابها ، وكل يأخذ ألفه من جنسه ، " والْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ. . .وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ" ( النور / 26 ) و " المرء على دين خليله فلينظر أيكم من يخالل " ، وأنت وما تريد ، فإن أردت إمض إلى قرين سوء ، واندمج معه وخذ من صفاته ، أما إذا كنت تريد نور المعرفة ونور الإيمان فكن مستعدا له بتصفية مرآة التلقي ، وإذا كنت تريد البعد فأنت ونفسك ، إلزمها وابتعد ، وأنت في هذه الدنيا كأنك في سجن خرب ، فإن كنت تريد الخلاص منه ، فمل إلى الحبيب "وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ" ( العلق / 19 ) .

( 3622 - 3638 ) : يعود مولانا إلى إفاضاته التي يسوقها على لسان زيد ، فيعود إلى نصيحة الرسول صلى اللّه عليه وسلّم له بأن يعقل براق الناطقة ، فإنها لا تفتأ تمزق أستار الغيب ، وهي كاشفة لعيوب الناس فاضحة إياها ، وما الكلام إلا طبل أجوف إلا إذا قرن بالفعال ، فلا تتسرع ، ولا تنبت ، فإن كل إنسان مسرور بظنه و "كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ" ( الروم / 32 ) و " الغفلة أساس الدنيا وعمادها " ، فلا تؤيس الناس من رحمة الله ، فربما تركوا عبادتهم ، بل أولى أن يعبدو الله على الرجاء فيما عنده وانتظار فضله وأجره ، فيأمن الخائف من قهره ورده ، ويأمل في هذه الرحمة العامة ، " ورحمتي وسعت كل شيء " وليرين الله الخلائق يوم القيامة من سعة رحمته ، حتى أن إبليس يتطاول في النار يتوقع الرحمة " ( مولوي 1 / 653 ) . والحق تعالى يريد الخلق هكذا :

بين الرجاء والخوف ، وذلك ليمحصهم ، وليجعل قلوبهم بين إصبعي اللطف والقهر ، وهذا التأرجح بين الخوف والرجاء قائم ما دام المرء في حجاب الدنيا ، فإن كشف الحجاب ، فقد صار الغيب كله على الملأ ، فالغيب بمثابة الخاتم الموجود في إصبع سليمان عليه السّلام ، إنك قد ترى سيماء السليمانية والعظمة في وجهه وهو مجرد صياد سمك بعد أن سرق منه الخاتم ، لكنه مجرد صياد سمك فقير ، لكن عندما يعود الخاتم إليه ، ويتربع على عرشه ، ويحشر له الجن والإنس ، يتيقن الناس أنه سليمان ( أنظر تفصيلات أكثر لقصة سليمان والخاتم في الكتاب الرابع الأبيات :

1150 - 1155 و 1265 - 1282 وشروحها ) ، والمعنى المراد أن الشاب ظل على شكه في صياد السمك " الذي عليه سيماء الملك والعظمة " حتى تأكد يوم استوى على عرشه والخاتم في يده .


« 577 »


( 3639 - 3644 ) : وهكذا يظل المرء أسير الوهم ، يظل الوهم متضخما في صدوره وفكره وخياله ، حتى يرى الحقيقة ، هذا في حالة وجود الدلائل ، فإن لم يكن ثم قطر في هذه السماء ، فمن أين يكون للأرض النبات والثمر ؟ وإن لم تكن سماء الغيب " سماء النور " بلا فيض أو رحمة ، فكيف تكون الحياة ممكنة ؟ ومن هنا يكون الإيمان بالغيب مطلوبا ، فهو مصداق الطاعة الحقيقة ، فإن آمنت فحسب بما ترى وتعاين وتشاهد ، فأين دليل طاعتك هنا ؟ ( والمعنى وارد في معارف بهاء ولد س 305 ) وعندما يشق الله أقطار السماء فكيف يقول هل ترى فيها من فطور ؟ "الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ، ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ ، فَارْجِعِ الْبَصَرَ ، هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ؟

" - ( الملك / 3 ) ، إنما يكون التساؤل عن الفطور والانشقاق عندما تكون السماوات مخفية عنه ، وهو يريد من العبد التصديق على الغيب ، وإلا فما قيمة التصديق على المشاهدة والعيان ؟ والناس إنما يضربون على العمياء ، ويتحرون في ظلام الحجب ، ومن ثم تمضي كل فئة إلى جهة من الجهات وإلى طريق من الطرق .

( 3645 - 3654 ) : هذا المشي على العمياء كثيرا ما يوقع في الدنيا الكثير من المتناقضات ، فيُعدم الأولياء والأبرياء ، ويجلس المجرمون والخونة واللصوص على كراسي السلطة ، وينقلب السلطان إلى عبد رقيق ، ويجلس العبيد على كراسي الحكم ، ما دامت الأمور ليست ظاهرة وكلنا نعيش في حجب الغيب ، وهذا السيد على الإطلاق ، والذي لا شك في سيادته ، تراك تريد أن تعبده يوم تتأكد من سيادته ؟ وألست ترى في هذه الدنيا أن هناك فرقا شاسعا بين من يؤدي فروض الطاعة للملك في محضره وبين من يؤديها له وهو بعيد عنه ؟ يكون كمحافظ القلعة على الحدود ، هو أقرب إلى العدو بجسده ، لكنه لا يخون ولا يفرط في القلعة ولاءً للملك البعيد عنه . .

ومحافظ القلعة هذا يكون عند الملك أفضل بكثير من أولئك الذين يضحون بأنفسهم من أجله في حضوره وإن " دعوة في السر تعدل سبعين دعوة في العلانية " ( أحاديث مثنوي / 35 ) ، والعبادة في الدنيا ذات قيمة ، وفي الآخرة مرفوضة ولا قيمة لها " فالدنيا عمل ولا حساب ، والآخرة حساب ولا عمل " و "يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً" ( الأنعام / 158 ) . قال نجم الدين : " فيكشف الغطاء يوم اللقاء ،
 

« 578 »


وبعد كشف الغطاء ، لا ينفع نفسا إيمانها " ( مولوي / 1 - 658 ) وقال عليه السلام " والذي لا إله غيره ما آمن أحد إيمانا أفضل من إيمان الغيب " ( أنقروي / 1 - 655 ) .

( 3655 - 3696 ) : الغيب والغائب إذن يجملان بالحجاب ، فالسكوت أولى إذن - يا زيد - ، وانتظر رحمة الله تعالى أن يبدي من الغيوب ما يطمئن القلوب ، وأي شاهد تريده على الشمس ، يكفي الشمس دليلا على الشمس ( أنظر البيتين : 116 - 117 من الكتاب الذي بين أيدينا وشرحيهما ) . . لا . . ولأعترف ، لقد قرن الله تعالى بينه وبين غيره في الآية الكريمة "شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" ( آل عمران / 18 ) ، فإذا كنت أضرب المثل بالشمس " معادل شمس الدين التبريزي " فالله تعالى أشرك معه الملائكة وأولي العلم في الشهادة ، وما دام الله قد شهد ، فما قيمة شهادة الملائكة وأولي العلم ؟

أقول لك : لكي يجعل لأحبابه نصيبا من غيوبه ، ولكيلا يؤيس البشر ، وإلا فإن وجود الملائكة وأولي العلم حيث تسطع شمسه يكون كوجود الخفاش ، لا طاقة لهم على تحمل الضياء ، فالملائكة ذكروا لمجرد إسداء العون لنا ، إنهم مجرد وسيلة ، نواب في الضياء ، قبسة من نور الشمس لتوصيلها ، كل على درجته "جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ" ( فاطر / 1 ) والملائكة والعقل خلقوا من مادة واحدة ، وتشكلوا في صورتين ( أنظر الكتاب الثالث الأبيات :

1195 - 1198 وشروحها ) ، ولذلك كان لكل إنسان قرين من الملائكة يمده بالنور ، ولأن كل إنسان ليس قابلا لهذا النور ، ولا يتحمل هذا النور ، فقد جعل له من النجوم شموعا على قدر طاقته حتى يجد الطريق .

( 3670 - 3681 ) : " أصحابي كالنجوم ، بأيهم اقتديتم اهتديتم " ( أحاديث مثنوي / 19 ) ، هؤلاء النجوم يكونون على قدر من يستهدي بهم ممن لا طاقة لهم على تحمل أنوار الشمس " الحقيقة العليا " أو القمر " الحقيقة المحمدية . وها هو القمر يخاطب من حوله : لقد كنت بشرا مثلكم ، لكن الفرق أنه يوحى إلي "قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ *" ( الكهف / 110 ) ، بالنسبة لله أنا بشر ، وبالنسبة لمظلمي النفوس أنا قمر يهدي إلى النور ، وإنما خلقني الله هكذا حتى يتحمل الخلق نوري ، وامتزاج النور بالجسد ، يشبه تماما امتزاج الخل بالعسل " علاج كان القدماء
 

« 579 »
 

يستخدمونه لعلاج الصفراء " ، أما وقد آمنت ونجوت من مرض الكفر ، فاقتبس النور وخذ الشهد الصراح ، ثم ترتفع مرتبة أخرى ، فيحل الحق في قلبك دون واسطة " يسعني قلب عبدي المؤمن " ، ما دمت قد وجدت الصلة به - جل وعلا - مباشرة .

( 3682 - 3691 ) : يتحدث مولانا : لقد مضى زيد ، أبلى نعله في الطريق ، ومضى عن صف النعال " الدنيا " ، وليس من المهم أن تجد أنت زيدا أو لا تجده ، ما دام النور الذي سطع على زيد وجعل منه على تلك الدرجة من المعرفة لا يزال موجودا ، لقد كان زيد مجرد نجم من النجوم ، وسطع عليه ضوء الشمس فأخفاه ، مثل كل آبائنا ، أضمروا في علم سلطاننا " نبينا " ولم يبق سوى علمه ، كلهم موجودون لم يُعدموا ، أضمروا في الصفات ، وإن كنت تظن أنهم معدومون فاقرأ "وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ" ( يس / 32 ) والمحضرون لا يكونون معدومين ( أنظر لتفصيل الفكرة الكتاب الثالث الأبيات : 442 - 445 وشروحها ) . وعندما يشرق صبح القيامة ( هكذا في نسخة قونية ص 85 وعند شهيدي ونيكلسون : عندما يحل الليل وبهذا لا يستقيم المعنى ) ، يكون الاستقبال في الملأ الأعلى ، وكل هذه النجوم الغارية في ليل الحياة الدنيا تكون راقصة مهللة صائحة "رَبَّناأَحْيَيْتَنَا" ( غافر / 11 ) ينشر الله الموتى ، فتهجم من العدم صوب الوجود .

( 3692 - 3704 ) : وما لك تنكر هذا ؟ ألم تكن من قبل في العدم فأتى بك إلى الوجود ؟ ، ألم تكن تظن أنك ليست بخارج من بطن أمك ؟ وألم تكن منكرا لوجود عالم رحب خارجها ؟ ( أنظر الكتاب الثالث الأبيات : 53 - 61 وشروحها ) ألم تر من قبل صنع الله بك ، وأنه جرك من عالم عدم سابق إلى عالم الوجود ؟ إن سلطانه على عالم العدم الذي انتقلت من الدنيا إليه لا يقل عن سلطانه على عالم الذي خرجت إليه من الدنيا " وضرب لنا مثلا ونسي خلقه ، قال :مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ، وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ" ( يس / 79 - 80 ) ( أنظر أيضا الكتاب الرابع الأبيات : 889 - 893 وشروحها ) . فانتبه ، واعمل ليوم بعثك ، فلا يزال سليمان على عرشه ، والشياطين تصنع له جفانا كالجواب ، والأشياء ثابتة في علمه ، وإنك لتخشى الموت والعدم ، والعدم في سلطة الله جل وعلا . . . لكنك متشبث بالدنيا ، هلوع على مراتبها ومناصبها وجاهها وسلطانها وهيلمانها ، ولهذا تحس أن نزع الروح صعب ، لأنك واقف
 

« 580 »

على هذه المرتبة ، غير مؤمن بما يليها من مراتب أعمق وأغنى وأكثر ثراءً وحياة وخلودا . . .
فجاهد ، وأسر في ليل الدنيا ، حتى تحمد السرى عند سطوع شمس القيامة ، وإلا مضى إليك هدرا ، وكابدت السفر والسير في غير أو ان السفر والسير .

( 3705 - 3720 ) : وإن بحثك عن النهار يكون في هذا الليل المظلم " الدنيا مزرعة الآخرة " ، وليكن العقل هاديك ومرشدك ، ليس ذلك العقل الذي تدبر به أمور المعاش ، بل عقل المعاد الذي يحرق ظلمات شهوات الدنيا المقعدات عن طلب المعاد والمنتهى ، ذلك أن الدنيا قنطرة الآخرة مثلما يكون المجاز قنطرة الحقيقة . . . وفي الليل " الدنيا " كثير من الخيرات ، وهي دار الاختبار ودار الامتحان ، ومن لا معاش له لا معاد له . واحذر الغفلة ، وإلا سطا اللص على المتاع ، ولا تغفل عن خصومك ، فالشيطان خصمك ، يقعد لك كل مرصد ، وقد أقسم على الانتقام منك . . .

ونحن نعيش في دار خصومة : النار خصم للماء ، والماء خصم للنار ، فأطفىء نار الشهوة بماء التوبة والمعرفة ونور الدين واليقين " تقول النار للمؤمن : جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لتهيبى " ( أحاديث مثنوي / 52 ) ولك في إبراهيم عليه السلام أسوة حسنة ، فإن نار النمرود كانت عليه برحمة الله وبركة إخلاصه وردا وسوسن . وإنك إن حاولت طرد الشهود تزداد أوارا ، فاتركها ، لكن لا تمدها بالغذاء فتقوى عليك ، بل قاومها بالتقوى وتعظيم شعائر الله "ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ ، فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ" ( الحج / 32 ) .

( 3721 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت قبل مولانا جلال الدين في نوادر الأصول لمحمد ابن علي الترمذي ، كما وردت في دلائل النبوة لأبي نعيم الأصفهاني ( مآخذ / 36 - 37 ) وأضاف شهيدي أنها وردت في تاريخ الطبري وفي الكامل لابن الأثير . ( شرح شهيدي / 216 ) .

( 3732 ) : "وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ" ( النساء / 5 ) .


( 3734 ) : كثيرون هم الذين ينفقون أموالهم على أقاربهم ويظنون أنهم ينفقون في سبيل الله ، وهذا من قبيل الكسل في العبادة " لا يبحثون عن محتاج بعيد . . هذا بالطبع في حالة ما إذا كان القريب غير محتاج ، وإلا فإنه إن كان محتاجا فهو أولى بالصدقة " .

.
* * *

الهوامش والشروح الأبيات من 3410 - 3734 على منتدى إتقوا الله ويعلمكم الله 


واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: