الأربعاء، 12 أغسطس 2020

14 - هوامش وشروح 506 - 845 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

14 - هوامش وشروح 506 - 845 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

14 - هوامش وشروح 506 - 845 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا 

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

( 506 ) : هذه الحكاية تشبه من بعض جوانبها حكاية وردت قبل مولانا في سندبادنامه عن لص سطا على حظيرة مواشي بقافلة ، وركض ليسرق دابة في
  
« 356 »
 
الظلام ويتسلل بها من خلف ظهور الحراس اليقظين ، كان ثمة أسد ينتظر غفلة من الحارس ليسطو على دابة ، فكان أن التقى اللص بالأسد في الظلام ، وامتطاه على أنه دابة ، فلما أشرق الصباح ، علم ما ذا يركب ، وساق الأسد حثيثا حتى شجرة تعلق بفروعها ونجا منه ( فروزانفر 49 - 51 ) والرمز في القصة واضح .
لو عمل أولئك الذين يستخدمون اسم الله من أجل الحصول على مال الدنيا بما ذا يتوسلون لتمزقت قلوبهم رعبا وهلعاً .
 
( 511 - 517 ) : إن الجبل قد عرف قيمة اسم الله لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ( الحشر / 21 )
وألم يحدث هذا عندما تجلى الله للجبلفَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً، وفي رواية عن الأفلاكى ( 1 / 409 ) أن صاين الدين المقرى من مريدى مولانا قال له ذات يوم متكلفا : لقد ختمت القرآن اليوم على عشق مولانا ، فقال له : فكيف لم تنفجر ؟ ! ،
أتراك لم تقرأه هذه الآيات من قبل ؟ قرأتها بالتأكيد ، لكنك قرأتها قراءة المقلد ، ونقلتها عن أبيك وأمك ، فغفلت عن معانيها ، فما أشبهك بهذا المقلد الذي يباع حماره ، ومع ذلك أخذ يغنى ويرقص مع من باعوه مقلدا ، ولا يدرى بالضرر الذي حاق به .
 
( 517 ) : ذكر فروزانفر حكايتين عن شرح نهج البلاغة وعن المستطرف عمن أكل حماره ( حقيقة لا مجازاً ) على أساس أنهما قد تعتبران أساساً للحكاية التي تبدأ بهذا البيت ( مآخذ / 51 ) والواقع أن الحكاية التي رواها مولانا هنا تختلف إلى حد ما ، كما أنها تتميز بالطرافة ، وبفنية شديدة في توالى الأحداث والسخرية وتصوير جو الزاوية والدراويش الفقراء وهي حافلة بالحياة والحركة .
 
( 518 ) : إشارة إلى حكاية الصوفي الذي أسلم حماره لخادم الحظيرة الواردة في الكتاب الذي بين أيدينا من البيت 157 حتى البيت 250
 
 
« 357 »
 
( 519 ) : " إن الله إذا أراد إنفاذ أمر سلب كل ذي لب لبه " ( حديث نبوي ) وانظر أيضا شروح البيت 1202 من الكتاب الأول .
 
( 520 ) : " كاد الفقر أن يكون كفرا " حديث نبوي ، الجامع الصغير 2 / 89 .
وقال الجنيد : أقرب الناس إلى الكفر ذو حاجة لا صبر له ( انقروى 2 / 88 ) .
 
( 522 ) : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ ، الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ، الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ، فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( المائدة / 3 ) .
 
( 526 - 529 ) : يقدم الصوفية الأدلة الشرعية التي تتيح لهم الاستيلاء على حمار الضيف وبيعه ناسين أن الأمر كله أمر جسد ولا علاقة للروح به ! !
 
( 533 - 537 ) : يشير مولانا هنا إلى واقع شهده ، فالصوفى يسلم نفسه لمشيئة الحق ، إن وجد أكل وإن لم يجد صبر ، ومن ثم يكون شرها إن أدرك رزقاً كافيا ، وهناك نوع آخر من الصوفية مشبعون بأنوار الله ، ويعتبرون الدق على الأبواب والكدية عارا ( أنظر حكاية الصوفي محمد سرزرى الغزنوي من الكتاب الخامس ) ويعتبرون الوقوع في الكدية ترديا وابتلاءً من الله واختبارا قاسياً وحطا للقدر .
وهذا النوع من الصوفية - باعتراف مولانا - قليلون جداً ، والباقون يعيشون في ظل إقبالهم ( الشيخ هو الأسد الذي يصيد وبقية من في الغابة يأكلون من صيده ، أنظر الكتاب الخامس ، الأبيات 2341 - 2345 وشروحها ) .
 
( 539 - 540 ) : يغنى الصوفية بضياع الحمار ، ليس حمار المسافر ، بل
 
« 358 »
 
حمار النفس والجسد ، وشبع الجسد وانطلاق الروح ( استعلامى 2 / 205 ) هذا هو التحقيق ، أما التقليد فهو ما فهمه الضيف وفهمه خادم الحظيرة .
 
( 555 ) : " على اليد ما أخذت حتى تؤدى " حكم فقهى ( جعفري 3 / 300 ) والمناقشة شرعية ، ناظرة إلى حديث نبوي آخر " الآخذ ضامن والزعيم غارم " ( مولوى 2 / 149 ) ولكن بماذا تفيد المناقشات الشرعية إذا كان الأمر قد انتهى وحل واقع آخر ؟ ! ! ( 575 - 576 ) : أنظر في نفس المعنى الكتاب الأول ، الأبيات 3560 - 3565 وشروحها .
 
( 577 - 580 ) :قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ *إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ( الأنعام ) وتكرر المعنى في أكثر من آية ، أنظر هود / 49 - 51 والفرقان / 57 والشعراء / 109 و 127 و 145 و 180 وص / 86 والشورى 23 .
وإن ما ينفقه المؤمنون في سبيل الله ليس أجرا للرسول ، فالله هو الذياشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ( هود / 111 ) وما دفعه أبو بكر رضي الله عنه في سبيل الإسلام ليس أجرا للنبي صلى الله عليه وسلم وليس ثمنا للإسلام ( عن تفصيلات ، أنظر الترجمة العربية لحديقة الحقيقة ، الأبيات 2979 - 2982 وشروحها ) .
 
( 588 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت باختصار قبل مولانا في محاضرات الراغب الأصفهاني وأخبار الظرفاء والمتماجنين لابن الجوزي ( فروزانفر ، مآخذ ص 52 ) .
 
( 593 - 596 ) : يترك مولانا هنا خاطف اللقم ذاك ، ويتحدث هو نفسه مع رفاقه ومستمعيه ، فإن وجود من يؤذى السجناء ويخطف الطعام من أفواههم داخل السجن نفسه ، جعل سجنا آخر يتوارد على ذهن مولانا . . . الدنيا التي هي
 
« 359 »
 
 
" سجن المؤمن وجنة الكافر " ( أنظر البيت 986 من الكتاب الأول ) لكنها لا تخلو من فائدة " دق الحصير وحق القدم " أي الضيافة فيها ، لكنه المؤمن فيها معرض للأذى مهما اعتزل وانطوى على نفسه ، مصداقا للحديث النبوي " لو كان المؤمن في جحر ضب لقيض الله له من يؤذيه " ( حديث نبوي ) ( أنظر أحاديث مثنوى ص 46 ) .
 
( 579 - 600 ) : لكن الإنسان خلق ضعيفاً ، يتعيش من الخيال ، ويقتات عليه ، يسمن به ، وينحل من جرائه ، هلع ، قلق ، فلذ بخيالات الطيبين وأفكارهم وإن وجدت بين الثعابين والعقارب ، خيالك هذا - المقصود به الفكر والباطن - هو مؤنس لك ، يكون كالكيمياء التي تحول كل مظاهر السوء من حولك إلى حسن وجمال .
 
( 601 - 604 ) : الأبيات ناظرة إلى الحديث النبوي الشريف " من لا صبر له لا إيمان له " ( أحاديث مثنوى / 46 ) والحديث الشريف " الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد " ( الجامع الصغير / 2 - 49 ) والقول المأثور " الصبر مفتاح الفرج " ( أنظر الأبيات 95 و 1076 و 1612 من الكتاب الأول ) .
 
( 605 - 616 ) : لب هذه الفكرة عند مولانا - وهي تتكرر دائما - أن أفكارنا وحالاتنا النفسية هي التي تؤثر عند الحكم على الآخرين . فالأمور متصلة بنمط الرؤية التي ننظر بها ونحكم على أساسها ويمكن أن توجد في كل إنسان تجليات للإيمان والكفر على السواء ( أنظر 1328 - 1333 و 2376 من الكتاب الأول وشروحها ) ، والأمور نسبية فمن يكون في نظرك كالحية قد يكون في نظر آخر شديد الحسن ، والأمر مرده إلى أنك كافر به ، بينما قد يكون سواك مؤمنا به ، وكلا كما قد يكون على حق ، فالإنسان جامع المتناقضات نصفه مؤمن ( الروح )

 
« 360 »
 
ونصفه مجوسي ( الجسد ) نصفه حرص ونصفه صبر ، والله تعالى خلق المؤمن وخلق الكافرهُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ( التغابن / 2 ) .
وفسرها الزجاج : معناه فمنكم كافر في السر مؤمن في العلانية كالمنافقين ومنكم مؤمن في السر كافر في العلانية كعمار قبل إظهار الإيمان ، وعن الضحاك : فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب ومنكم مؤمن بالله كافر بالأصنام ( أنقروى 2 / 100 ) . وهل خلق الله أحدا في حسن يوسف عليه السلام ، ومع ذلك فما رآه يعقوب من الحور ، رآه إخوته من الدواب ، والنظر هنا من عين الفرع ( عين الجسد ) وهي تعكس ما تلقيه عليها عين الفكر ( عين الباطن ) وأنت نفسك ( باطنك وروحك ووجودك الحقيقي ) من اللامكان ، فأغلق هذا الحانوت ( أي عين الظاهر ) وافتح ذاك الحانوت أي عين الباطن المتصلة بعالمك الأصلي والفعلي ، ودعك من الجهات الستة ( الدنيا ) فهي أشبه بخانات النرد الستة عندما تكون ( محبوسا ) فيها ، وتكون النتيجة هي الهزيمة المحققة .
 
( 623 ) : وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً ( المائدة / 88 ) .
 
( 632 ) : " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر " مر ذكره .
 
( 633 - 637 ) : من كلام السجين الشره للقاضي يتذكر مولانا يوم أن قال إبليس لله تعالى رب أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * ( الأعراف / 14 )
وفي البيت إشارة إلى الآية الكريمة لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ أجمعين وفي البيت 636 الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ ( البقرة / 268 ) .
 
( 638 - 645 ) : ينتقل مولانا من الحديث عن السجن الخاص إلى الحديث عن السجن العام سجن الدنيا : والقوت فيه الإيمان ، ولا يزال الشيطان يسلب إيمان ابن آدم ، وهو " يجرى من ابن آدم مجرى الدم " ، وكل من يجعلك باردا محبطا في طريق الله وعن الشوق إلى المعرفة ، اعلم أن الشيطان متمثل فيه ، وعندما
  
 
« 361 »
 
لا يستطيع الظهور لك ، يتمثل لك في شخص ، فإن لم يتمثل لك في شخص تمثل لك في فكرة وفي خيال وفي هوس : المال والعمل والأهل والجاه والأبناء ، ولن تستطيع أن تبعد هذا الشيطان عنك إلا بأن تستعيذ بحول الله وطوله ، ليس ب « لا حول ولا قوة إلا بالله " جارية على اللسان بل قلها من صميم القلب ولب الروح .
 
( 656 ) : الإنسان في هذا العالم حبيس حتى يثبت إفلاسه ، وإن كان غنيا لا يشبع فإن هذا يؤدى إلى إفلاسه الروحي ، ويمضى مفلسا ، ثم إن الروح أحست قبل أن تركب في الجسد ببعض الكبرياء ، فأسكنت الجسد ليقل كبرياؤها ، وتجاهد في عالمها ، وما لم تحس بالإفلاس التام فلا نجاة لها .
 
( 657 - 659 ) : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ، وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ، وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً ، وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ ( النور ) ، إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً .
 
( 669 ) نبه المولوي ( 2 / 176 ) والأنقروى ( 2 / 106 ) إلى أن في البيت إشارة إلى حكاية عامية عن لصين تباحثا عن مهارتهما في السرقة فنصبا سارقا ماهرا حكما بينهما ، فقال لهما : أيكم يقدر أن يبيع بقرة ثم يسرقها اليوم ؟ فأبى أحدهما وأجاب الثاني وذهب وباع بقرة لحراث ، فأخذها الحراث وجعلها مع بقرة له زوجاً وذهب ليحرث ، فأخذ السارق رفيقه إلى طريق الحراث واختفى أحدهما وقعد الآخر على الطريق يقول : العجب ، العجب فقال الحراث أي شئ يتعجب منه هنا ، وترك بقره وذهب ينظر ، فخرج المختفى وسرق البقرة وذهب بها ، ورجع الحراث يقول للمتعجب : أنت تقول العجب العجب من الصباح ، ولم أر شيئاً فأجابه وهل أعجب من هذا أنك تحرث على بقرة واحدة ؟ ! !
 
( 677 ) : في جواب المفلس على الكردي : ليس في الدار ديار تعنى أليس عندك
  
 
« 362 »
 
عقل ؟ ! ! وفي الأسلوب المعاصر وهل أجرت الدور العلوي في منزلك ( هل أعرت عقلك ) ؟ ! ! ( استعلامى 2 / 211 ) .
 
( 682 - 688 ) : يجر غباء الكردي الذي لم يفهم فيم كان طوال النهار مولانا إلى الحديث عن غباء البشر عموما وتوقف حواسهم عن العمل ما لم يفتح الله عليهم أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً ؟ ! فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ ؟ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ ( الجاثية / 22 ) .
فما بال الناس مرضى لا يعرفون " إن الله تعالى خلق لكل داء دواء " و " ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء " و " لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله " و " إن الله تعالى أنزل الداء والداء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام " و " لكل داء دواء ودواء الذنوب الاستغفار " ( الأحاديث مذكورة عند فروزانفر : أحاديث مثنوى ص 47 ) ، المهم : أن يبصر الله تعالى عبده بالدواء .
 
( 689 - 693 ) : مرة ثانية يقارن مولانا بين عالمين : عالم الوجود الذي هو في الحقيقة عدم ، وعالم العدم الذي هو الحقيقة وجود ( وهو مصنع الوجود ومخزنه ) ، فليكن اهتمامك كله منصبا نحو العدم ، مثلما يتبع روح القتيل ضياع بصره ، وهنا إشارة إلى حديث نبوي : " عن أم سلمة : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبى سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال : إن الروح إذا قبض تبعه البصر فضج ناس من أهله فقال : لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألم تروا الإنسان إذا مات شخص بصره ، قالوا : بلى ، قال فذلك حين يتبع بصره نفسه " وفي حديث آخر : إن الروح إذا قبض تتبعه البصر " ( أحاديث بأسانيدها ، فروزانفر : أحاديث مثنوى ص 48 ) .
فكن طالبا المدد من العدم ( عن الوجود انظر 522 - 524 من الكتاب الأول
 
« 363 »
 
وعن العدم أنظر 2489 - 2491 م الكتاب الأول ) والمعطل ( الذي يرفض القدرة الإلهية ) هو فحسب الذي يعكف على عالم الوجود ولا يعرف له عالما سواه ويعتبر أن عالم العدم عدم مطلق .
 
( 694 - 704 ) : يناجى مولانا ربه سبحانه وتعالى فمنه الهداية ومنه الإصلاح ، ومنه التبديل ، يستطيع أن يجعل النيل على قوم فرعون دما وعلى آل موسى ماء ، وهو صاحب الأسرار وواهب الأسرار ، والإنسان هو سر الأسرار ، مزجة من ماء وطين « وجعل منه نسبا وصهرا » ، واصطفيت من البشر من جعلته لك ، فصار كل قبيح في عينه حسنا لأنه منك ، ونتجته من إسار الحس وغلبة الطبع ، وفضلته بموهبة العشق ، عشق منلا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ، فعشقه ظاهر ، ومعشوقه خفى ، وعشقه سار في الأكوان ، به تتحرك الأفلاك ، ويتعاقب الليل والنهار .
 
( 705 - 712 ) : دعك من هذا ، تقول أنك أيضا عاشق ، فأنظر لمن توجه عشقك ؟ للصورة ! ! للجسد ! ! والجسد عندما تغادره الروح يظل في مكانه ، فلما ذا تنفر منه ؟ ! تقول أنت لا تعشق إلا المحسوس ، وكل الموجودات ذات حس ، فلماذا يكون عشقك موجها إلى بعضها دون الآخر ؟ ! إنه ضوء شمس الجمال الأزلي سطع على المدر ، على الجدار ، وأحببته ، فانظر إلى الجدار عندما تغادره شمس الأزل ؟ !
أصم ، أخرس ، مظلما لا نور عليه ( أنظر لتفصيل هذه الفكرة ، الأبيات 552 و 553 و 559 من الكتاب الثالث والأبيات 372 - 379 من الكتاب الخامس وشروحها ) .
 
( 713 - 721 ) : هناك غير العشاق بالصورة عشاق العقل الذين يجعلون العقل تكئة وسندا على عشقهم ، ويقومون بعشق العقل أيضا ، والعقل هنا مجرد طلاء
  
 
« 364 »
 
ذهبي على نحاس لا ينفى عنه صفة النحاسية ، وأي عقل هذا الذي إذا زاد عمره خرف وجدف ، وإن لم تكن تصدق فاقرأوَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَ فَلا يَعْقِلُونَ( يس / 68 ) فلا يبقى إلا جمال القلب ، الذي يرتوى دائما من ماء المعرفة ، أو بقول أبى يزيد البسطامي " رأيت العاشق والمعشوق والعشق واحدا " ( استعلامى 2 / 213 ) ، وإن هذا يحدث إذا انتفت الذاتية والأنية ، وبقي الواحد الأحد ، الذي لا يعرف عن طريق العقل أو القياس ، بل عن طريق العبودية ، ولا شئ سواها .
 
( 722 - 726 ) : وإنك لتدعى أنك تملك عالما من المعنى ، وهذا هو الخطأ ، إنها صور جمعتها إلى جوار بعضها وتظن أنها معنى تماما كالذي يجمع الحروف إلى جوار بعضها ، ويكون منها ألفاظاً ، ويظن أن هذا هو المعنى ، وهو خيال ، تماما كما يكون في ذهن الأعمى خيال عن كل شئ قد يكون بينه وبين حقيقته بعد المشرقين ، والعين التي تنظر إلى الظاهر مثلها كمثل الأعمى تماما .
 
( 727 - 731 ) : إمض في أثر الحمار ( فهو الأساس والضرورة ) فما تعلقك بالسرج ( الإضافات والأمور الثانوية ) : فإن كان ثمة معنى في ذهنك سوف تجد اللفظ المناسب له ، المهم أن تصل إلى المعنى ، هذا هو الروح ، طهرها الكسب والنفع ، والقلب إن امتلأ بدر المعنى صار أساسا لمائة جسد ومائة قالب ، وإذا كان السرج هو الأساس وليس الحمار ، فقد رأيت النبي عليه الصلاة والسلام يركب دون سرج ، ( عن جابر ابن سمرة : أتى النبي صلى الله عليه وسلم بفرس معرورى فركبه حين انصرف من جنازة ابن الدحداح ونحن نمشى حوله ) و ( كان صلى الله عليه وسلم يركب الحمار عريانا ليس عليه شئ ) ( الأحاديث بأسانيدها من فروزانفر ، أحاديث مثنوى 48 - 49 ) . وعند الأفلاكى
 
« 365 »
 
 
( 1 / 115 - 116 ) أن مولانا ركب حمارا ذات يوم وقال : هذا مركب الصالحين ، ركبه عدد من الرسل كشيث وعزير والمسيح وحضرة المصطفى عليهم جميعا الصلاة والسلام .
 
( 732 - 741 ) : وحتى لا تتعلق بلفظ الحمار . هناك حمار آخر أخبرك به حتى لا تلتبس عليك الحمر ، هذا الحمار هو حمار النفس العاكف على وتده ( نزوات النفس ومهاوسها ) لا يريم ، وأولى به أن يعتاد أحمال الشكر وأحمال الصبر ، وأن تروضه على احتمالها حتى في عشرين أو في ثلاثين عاما ، فلن يحمل عنها وزرها أحدإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ ، وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ، وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى( الزمر / 7 ) ،
قال نجم الدين : والنفس مؤاخذة بوزرها معاقبة بما هي عليه ولا يتألم القلب لعذابها ، وإن كان القلب منقلب الحال وأزاغه الحق تعالى بإصبع القهر إلى مؤاخاة النفس ، فتتطبع مرآة القلب بصفات النفس وأخلاقها فيتتبع النفس وهواها ، فيزين بطبع الشهوات ولذتها ويكسب الاثم والوزر بترك ما هو مأسور به من الطهارة والصفاء والسلامة والذكر والفكر والتوحيد لله تعالى والإيمان به والتوكل عليه والصدق والإخلاص في القلب والعبودية وغير ذلك ، فيكون مأخوذا بوزره لا بوزر غيره ) ( مولوى 2 / 192 ) .
فما بالك تقعد عن العمل ؟ ! أتراك واجد كنزاً ؟ ! وما قعودك في انتظار الحظ والصدفة لأنها حدثت لأحدهم ؟ ! ألا تخشى من فوات الوقت والوقوع في الندم ، وقولك " لو كنت قلت كذا لكان كذا ، ولو كنت فعلت كذا لكان كذا " وألم تسمع قول الرسول صلى الله عليه وسلم " إياكم واللو فإن اللو تفتح عمل الشيطان " وألم تسمع قوله عليه السلام " المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ، إحرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز ، وإن أصابك شئ فلا تقل لو أنى فعلت كذا كان كذا ولكن قل قدر الله

 
« 366 »
 
وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان ( الحديثان واردان بأسانيدهما عند فروزانفر ، أحاديث مثنوى / 49 ) وهناك حديث آخر ينطبق أكثر على أبيات المثنوى هو " إياكم وكلمة لو فإنها من كلام المنافقين " ( مولوى 2 / 193 ) .
 
( 742 - 745 ) : من الواضح أن الفكاهة الواردة في هذه الأبيات من المأثور الشعبي الذي كان منتشرا في زمن مولانا .
 
( 746 - 757 ) : الناس كلهم طلاب للذة ، لكنها لذة عادية مؤقتة وسيئة العاقبة ( سواء في الدنيا فمصير كل الحضارات عابدة اللذة معلوم ) وسواء في الآخرة ، وثمة شعاع من التحسين والتزيين قد نفذ إلى هذا الزيف ، فزينه وحسنه ، ولا بد من محك لتعلم أن هذه الزينة حقيقة منه ، أو شراك لجرك ، والمحك إما أن يكون داخلك : " استفت قلبك وإن أفتاك المفتون " أو خارجك : من أنيرت بواطنهم بنور الله ، والغيلان في انتظارك إن سلكت الطريق وحيدا ( الغول مخلوق خرافي في المأثور الفارسي يشبه النداهة في المأثور الشعبي المصري يناديك بصوت تألفه ثم يأخذك إلى المتاهة ، إلى حيث توجد الوحوش والذئاب ) . لكنك قد تمارى وتقول : أنا لا أسمع أصواتا ولا يهتف بي الهاتفون ،
فأقول لك : لا : إنها تناديك من داخلك ، غيلان المال وغيلان الجاه والحيثية والنفوذ ، وذكر الحق فقط هو الذي يجعلها لا تنفذ إلى داخلك ( هناك مثل فارسي : يهرب الجنى من بسم الله ) ( استعلامى 2 / 215 ) فأغمض عين النرجس عن هذا النسر : وعين النرجس هي عين العجب والاختيال وعبادة الذات ، نارسيس ابن كينيتس عاشق صورته في الماء حتى ليمتنع عن الري منه ، حتى يغرق ، وتنبت من جسده زهرة النرجس ( شرح جلبنارلى ، الترجمة الفارسية 1 / 115 )
والنسر : النفس الحيوانية ، عاشقة جيفة الدنيا والتي لا تزال تحوم حولها ولا تشبع منها .
 
( 758 - 761 ) : كم من الزيف يغطى وجه الحقيقة ، ومعرفة الحقيقة بمنزلة
 
« 367 »
 
الصبح الصادق ، ومعارف الدنيا بمنزلة الصبح الكاذب ، المعارف الحقيقة هي الخمر ولونها الحقيقي ، ومعارف الدنيا هي لون الكأس ، ولا طريق لك إلا بالصبر والتأمل ، فتختفى عين الحس ، وتظهر عين الباطن التي ترى الأشياء على حقيقتها والألوان على حقيقتها وتميز بين الحجر والدر ، حجر الدنيا وحصاها الذي نملأ به حجورنا تماما كالأطفال وتظنها كنوزاً ، ودر بحر الحقيقة وأسرار الغيب ، بل تصير أنت نفسك بحرا فيستخرج منه الدرر ، وتفيض عنه الأسرار ، ولا تصبح بعد قابلا للنور ، بل تصبح أنت نفسك مصدرا للنور .
 
( 762 - 766 ) : العامل يكون مختفيا في عمله ، العمل يدل على العامل ، وكل عامل يقول : هذا عملي ولا يقول هذا أنا ، وإنك لا ترى سوى العمل ، فإذا كنت تريد أن ترى العامل فاذهب إذن إلى محل عمله ، وأنت تعلم موضع عمل الصانع الأول ومادة عمله ، إنه العدم ، فكن فانيا ، وكن عدما ، تصل إلى موضع العدم وموضع الصانع ( أنظر 3241 من الكتاب الأول و 693 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحها ) .
 
( 767 - 778 ) : مهما بحثت في الوجود فلن تجد شيئا ، دبر وفكر وامكر وانسج الحيل ودبج الأكاذيب ، ورتب المقدمات ثم انظر إلى نفسك لم تصل إلى النتائج التي كنت ترجوها ، تماما مثل فرعون ، فعل الأفاعيل لكي يمنع ميلاد موسى ، وولد ، وقتل الأطفال لينجو من نبوة الشؤم على ملكه ، وموسى المستهدف المقصود ربيبه الذي يصنع على عينه ( أنظر التفصيلات الكتاب الثالث ، الأبيات 840 - 969 وشروحها ، وعن الفلسفة الكامنة وراء قصة موسى وفرعون المفسرة في كتب المثنوى الستة أنظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب السادس ) ،
وما أشبه فرعون هذا بمن يهتم بالنفس فتتسلط عليه ويكون خسرانه كله منها ، لكنه لا يزال يتهم هذا ويتهم ذاك ، وعدوه كامن بين جنبيه
 

« 368 »
 
يكيد له ولا يدفع كيدا ، وينزلق به فلا يرى مواطىء قدميه ، ذلك لأنه دائم النظر إلى الخارج ، ولا يهتم بالنظر إلى الداخل لحظة .
 
( 779 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت ، لم يقترب الشراح المعاصرون من البحث في أصولها على أساس أنها من الحكايات الشعبية التي كانت رائجة في القرن السابع الهجري ، والواقع أنها ذات أصول إما يونانية وإما لاتينية ، وقد أوردها مولانا نفسه في كتاب فيه ما فيه " . . . قال : لم قتلت أمك ؟ ! قال : رأيت منها ما لا يليق . قال : كان ينبغي عليك قتل ذلك الغريب ، قال : أأقتل شخصا كل يوم ؟ ! والآن ، مهما يحدث لك ، أدب نفسك ، حتى لا يلزمك قتل أحد من الناس كل يوم ( عن استعلامى 2 / 216 ) .
 
( 785 - 788 ) : المستفاد من الحكاية ، الأم هي النفس التي بين جنبي الإنسان ( في مقابل العقل وهو الأب وقد تكرر هذا التشبيه كثيرا في المثنوى ) وهي التي إن تدخلت في كل شؤون الحياة أفسدتها ، فأنت إن فعلت ذلك فلن ترتكب عملا يلزمك من بعده بالاعتذار .
 
( 792 - 813 ) : أولئك الذين يطعنون الأنبياء إنما هم في الحقيقة يطعنون أنفسهم ، ويسددون أمام أنفسهم طرق الهداية ( أنظر لتفصيلات هذه الفكرة الكتاب الرابع ، الأبيات 2120 - 2109 و 2123 - 2135 وشروحها ) والخفاش لا يمكن أن يكون عدوا للشمس ، بل هو عدو لنفسه ، والغلام الذي يثور على سيده ويحاول قتله ، يقتل نفسه في النهاية ، وهل يعادى المريض طبيا أو الطفل أستاذا أو القصار شمسا أو السمكة ماءاً ؟
وإذا كان الله قد أصابك بنقص ما بحيث تعادى من عنده فائدتك ونفعك ، أليس من سوء الطالع أن تجمع إلى سوء الخلقة سوء الخلق ، وإنك إن عاديت من هم أفضل منك لنقص فيك ، فقد ابتليت بداء الحسد وانظر إلى مشاهير الحاسدين : إبليس وحسده لآدم ، وأبى جهل الذي حسد
 
« 369 »
 
محمدا صلى الله عليه وسلم ، كلاهما كان يريد بهذا الحسد أن يرفع من نفسه ، فهوى بها إلى أسفل سافلين ، وإلى حضيض الكفر وذل العداء مع الله نفسه ، والاشتهار بسوء الخلق ، في حين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " خير ما أعطى الناس خلق حسن " و " خير الناس أحسنهم خلقاً " و " خير ما أعطى الرجل المؤمن خلق حسن وشر ما أعطى الرجل قلب سوء في صورة حسنة " ( الأحاديث بأسانيدها ، أحاديث مثنوى 49 - 50 ) .
 
( 814 - 818 ) : يشير مولانا هنا إلى حكمة أخرى من حكم إرسال الأنبياء وبعث الرسل في البشر ، فهذا هو مقياس الإيمان بالغيب ، ولأن أحداً لا يستطيع أن يعادى الله جلا وعلا ، وأن ارسال الأنبياء من البشر ، يجعل الحاسد يبدي حسده والحاقد يبدي حقده ، نتيجة للقلق الذي يعتريهم والاضطراب الذي ينتابهم :
لما ذا فلان هذا من بين البشر ؟ ألا يأكل الطعام ؟ ! ألا يمشى في الأسواق ؟ ! !وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ ؟ !وإنما يعترف بالرسول من يحس بعظمته .
 
( 819 - 829 ) : يتحدث مولانا هنا عن التنظيم الصوفي القائم بعد انقضاء دور النبوة ويصفه بأنه " الإمام الحي القائم " وهو " قطب الزمان " ويرد على الشيعة الذين يشترطون أن يكون الإمام من نسل علي رضي الله عنه ، فإنه لا يهم أن يكون من نسل من : من نسل على أو من نسل عمر رضي الله عنهما ، فليست القضية قضية الأصل ، بل القابلية ، وعندما ذكر مولانا ألفاظ المهدى والهادي ينطلق شراح المثنوى من الشيعة على أساس أنه يقصد " مهديهم " ( جلبنارلى مثلا في شرحه - الترجمة الفارسية 2 / 124 - 125 ، جعفري 3 / 407 - 419 )
في حين أن الاستخدام هنا - كما انتبه إليه استعلامى - للصفة لا للشخص
 
 
« 370 »
 
 
( 2 / 217 ) والولاية درجات ( وفكرة درجات النور أقرب إلى فكر الإسماعيلية ، أنظر مقدمة الترجمة العربية لكتاب ناصر خسرو جامع الحكمتين لكاتب هذه السطور ) فهناك نور وهو متصل اتصالا مباشرا والعقل له بمثابة جبريل ، وهناك قنديل ، وهناك مشكاة ، ويحتاج مولانا على طبقات النور ودرجاته بالحديث النبوي الشريف " الله دون العرش سبعون حجابا لو دنونا من أحدها لاحرقتنا سبحات وجه ربنا " والحديث " إن لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره " و " إن بين الله وبين خلقه سبعين الف حجاب "
 
( الأحاديث وأسانيدها في أحاديث مثنوى 50 - 51 ) ومن هذه الحجب توجد مقامات القوم ، وكل قوم صف ، والقمة هي الإمام ، وقيمة كل قوم بقدر قابليتهم للنور ( التأييد عند الإسماعيلية ) وهكذا يرقى السالك درجة بعد درجة ، وترتفع من أمامه الحجب ، حجاب بعد حجاب ، وينتفى عنه الحول الذي يغشى بصره ، فإن كل سالك يتقبل من النور ما يوافق درجته ، ويكون ما فوقه ضارا به ، يقول أبو سعيد الخراز : " إذا أراد الله أن يوصل عبدا لمرتبة ولايته فتح عليه باب الذكر ، فإذا تلذذ به ، فتح عليه باب القرب بأن رفعه وقربه وأزال عنه الحجب الظلمانية وفتح له أستار العظمة والجلال فإذا شاهدها فنى وبقي محفوظاً " ( مولوى 2 / 212 - 213 ) .
 
( 830 - 845 ) : الحديث هنا عن أهلية المتلقى لهذا النور ، وهو يعبر هنا عنه بالنار ( موسى عليه السلام آنس نارا فوجد عندها نورا ) ، هذه النار تصلح للتعامل مع الحديد أو مع الذهب لا مع الفواكه الغضة الهشة ، فالطريق شاق ، إنما يتحمله الفقير ( الدرويش ن السالك ) الكادح ويتهلل في مشاقه مثلما يتهلل الحديد من النار ويحمر ، يمضى إليها مباشرة ، ويدخل فيها ، ولا يكون بينه وبينها حجاب أو
 
 
« 371 »
 
واسطة ، لا يحتاج للنضج إلى قدر أو إلى مقلاة ، هذا هو الفقير الدرويش وهذا هو أبسط تعريف له الذي يدرك نور الحق مباشرة ، مثل هذا الدرويش هو قلب العالم ، به تنظم أمور العالم ، مثلما ينتظم الجسد بالقلب ، وليست كل القلوب صالحة لتلقى هذا النور ، فالقلوب المشغولة بأمور الدنيا لا قابلية عندها لهذا النور ، فمتى ينظر الله إلى قلب لا يجد لنفسه فيه موضعاً ؟ إن القلوب هي موضع تجل الله فنقها من أجله ، وصفها لنظره ، وقلوب أصحاب القلوب مناجم معرفته ، ومخازن أنواره ، في حين أن هذه القلوب المشغولة بأمور الدنيا وهمومها هي مجرد أجساد . تراني وضحت ما أود قوله ؟ ! لا . . .
إنه لا يزال يتطلب شرحا وتفسيراً ، لكن أخشى ما أخشاه أن تنزلق أوهام العوام ، ويكون كل حسن تتحدث عنه قبحاً ، لقد قلت ما قلت وأنا في مقام " غيبة " ، وهؤلاء المتسولون أمام مائدة الإنعامات الإلهية ، أولى بهم أن يظلوا على باب الدار .
.

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: