الأربعاء، 12 أغسطس 2020

10 - حكاية الهندي الذي كان يتشاجر مع رفيقه المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

10 - حكاية الهندي الذي كان يتشاجر مع رفيقه المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

10 - حكاية الهندي الذي كان يتشاجر مع رفيقه المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

حكاية الهندي الذي كان يتشاجر مع رفيقه على أمر ما
دون أن يحس أنه مبتلى بنفس الأمر

- ذهب أربعة من الهنود إلى مسجد من المساجد، وصاروا في ركوع وسجود طائعين.
- وكبر كل منهم على نية ما ، ودخل في الصلاة بمسكنة وألم

3040 - وجاء المؤذن ، فانفلت من أحدهم كلام ما ، وتساءل : أيها المؤذن ، هل أذنت ، وهل حان الوقت ؟
- فقال ذلك الهندي الآخر من ضراعته : انتبه ، لقد تحدثت ، وبطلت صلاتك .
- فقال الثالث له : يا عمي ، لما ذا تلومه ؟ لم نفسك .
- فقال الرابع : حمدا لله ، إنني لم أقع في البئر مثل أولئك الثلاثة .
- ومن ثم فسدت صلاة الأربعة ، وأغلب العائبين ، ضلوا الطريق .


3045 - وما أسعدها تلك الروح التي رأت عيبها ، وكل من تحدث عن عيب ، فقد شراه لنفسه .
- ذلك أن نصفه كان من موطن العيب ، بينما كان نصفه الآخر من موطن الغيب .


« 256 »


- وإذا كان هناك فوق رأسك عشرة من الجراح ، فإنما ينبغي أن توكل إلى نفسك دهانها .
- والعيب على نفسك دواء لها ، وإن كان ثم كسير ، وجبت له الرحمة .
- وإن لم يكن فيك نفس ذلك العيب، لا تكن آمنا ، ربما يشيع عنك أيضا ذلك العيب.


3050 - إنك لم تسمع " لا تخافوا " من الله ، إذن لما ذا رأيت نفسك آمنا سعيدا ؟
- ولقد عاش إبليس لسنوات " طويلة " حسن السمعة ، ثم صار مفتضحا ، فانظر إلام صارت سمعته .
- لقد كانت علياؤه معروفة في الدنيا ، وصار معروفا بعكسها ، فويل له .
- فما لم تكن آمنا ، لا تبحث عن الشهرة ، واغسل الوجه بالخوف ، ثم أبد وجهك .
- وما لم تثبت لحيتك يا جميلي ، لا تسخر من أجرد آخر .


3055 - وانظر إلى أن روحه قد صارت مبتلاة ، وسقط في بئر ليكون عبرة لك .
- وأنت لم تسقط لتكون عبرة له ، وهو إحتسى السم ، فاشرب أنت سكره .

قصد الغز قتل رجل حتى يخاف آخر

- لقد جاء أولئك الأتراك الغز السفاحون ، وهجموا على قرية فجأة لسلبها .
- فوجدا اثنين من أعيان تلك القرية ، فأسرعوا من أجل إهلاك أحديهما .


« 257 »


- وأوثقوا يديه من أجل ذبحه ، فقال : أيها الملوك ، أيها الأركان العظام

3060 - لما ذا تلقون بي في بئر الموت ؟ ولأي سبب أنتم ظامئون إلى دمي ؟
- وما الحكمة ، وما الغرض من قتلي ؟ ما دمت فقيرا إلى هذا الحد وعاري الجسد ؟
- قال أحدهم : حتى يهاب رفيقك هذا ، ويحل به الخوف ، فيبدي " ما يخفيه " من ذهب .
- قال : إنه أفقر مني آخرا ، فأجاب : لقد تظاهر بهذا ، لكن لديه ذهبا .
- قال : ما دام الأمر وهما ، فكلانا سواء ، كلانا في مقام الاحتمال والشك .



3065 - فاقتلوه أولا أيها الملوك ، حتى أخاف أنا ، وأدل على الذهب .
- فانظر إلى الإكرامات الإلهية بنا ، أننا جئنا في آخر الزمان وفي منتهاه .
- وآخر القرون مقدم على القرون ، وفي الحديث : نحن الآخرون السابقون 
- حتى يبدي لنا هلاك قوم نوح وقوم هود ، يبديه لنا عارض الرحمة .
- فقد قتلهم حتى نخاف منه ، ولو كان قد فعل العكس ، فالويل لك .
 

بيان حال المغرورين والجحودين لنعمة وجود
الأنبياء والأولياء عليهم السلام

3070 - كل منهم تحدث عن العيب وعن الذنب ، من قلب كأنه الحجر ومن روح سوداء .
- ومن استخفافهم بالأمور ، وفراغهم من التفكير في الغد .
- ومن الهوس ، ومن عشق هذه الدنيا الدنية ، فهم كالنساء ، ضعاف العقول أمام النفس .


« 258 »


- وذلك الفرار من نكات الناصحين ، وذلك الجفول من لقاء الصالحين .
- والغربة عن القلوب وأهل القلوب ، والتزوير والرياء مع الملوك .


3075 - واعتبار شباع العيون من المتسولين ، وعدائهم خفية ، حسدا منهم .
- فإن قبل شيئا ، يقول : شحاذ ، وإن لم يقبل ، يقول : حيلة ومكر وتظاهر .
- وإن اختلط بك ، تقول طامع ، وإن لم " يختلط " ، تقول : مولع بالتكبر . « 1 »
- أو اعتذرت كالمنافق قائلا : شغلت بنفقة العيال وأهل الدار .
- فليس عندي اهتمام حتى بحك رأسي ، وليس عندي اهتمام بأمور الدين .


3080 - فاذكرنا بهمتك يا فلان ، حتى نصبح من الأولياء آخر الأمر .
- وقد قال هذا الكلام أيضا ليس من الألم أو الحرقة ، مثل نعسان تحدث هراء ثم نام .
- فلا محيص قط من قوت العيال ، إنني أقوم مرغما بالكسب الحلال .
- أي حلال ، يا من صرت من أهل الضلال ، إنني لا أرى حلالا سوى دمك
- فهو ذو وسيلة " للبعد " عن الله ، ولا وسيلة له عن القوت ، وحيلته عن الدين ، لا عن الطاغوت .



3085 - فيا من لا صبر لك عن الدنيا الدنية، أي صبر لديك عن "نعم الماهدون"؟
- ويا من لا صبر لك عن العز والنعيم ، كيف صبرك عن الله الكريم ؟
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 390 : - وإن تحملك، قلت : عاجز ، وإذا تحركت فيه الغيرة ، قلت : مندفع .


« 259 »

- ويا من لا صير لك عن الطاهر والدنس ، كيف صبرك عن الذي خلقهما ؟ « 1 »
- فأين مثل الخليل الذي خرج من الغار ، وقال : أهذا رب ؟ أين الخالق ؟ حذار
- وأنا لن أنظر إلى العالمين ، ما لم أر لمن هذان المجلسان .

 

3090 - وبدون مشاهدة صفات الله ، إن أكلت الخبز ، لغص به حلقي .
- فكيف أهنأ بلقمة دون مشاهدته ؟ ودون مشاهدة وروده وروضته . ؟
- ومن الذي يأكل من هذا الماء والطعام لحظة واحدة إلا على رجاء الله ؟
اللهم إلا إذا كان من البقر والحمر ؟
- وذلك الذي هو كالأنعام بل هم أضل ، وإن كان شديد المكر ، إلا أنه نتن الإبط .
- فمكره منقلب ، كما صار هو منقلبا ، وعمره القصير قد إنتهى ، وقد دنا أجله .


3095 - وموضع فكره قد إنثلم ، وخرف عقله ، وانتهى عمره ، وليس معه شيء ، كحرف الألف .
- وكل من يقول : إنني أفكر في هذا الأمر ، يكون هذا كله من حيل النفس أيضا .
- وكل من يقول : إنه غفور رحيم ، ليس ذلك إلا من حيلة النفس اللئيمة .
- ويا من مت غما قائلا : اليد خالية من الخبز ، إذا كان غفورا رحيما ، فلم هذا الخوف ؟
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 390 : - ويا من لا صبر لك عن العيال وللزوجة ، كيف تصبر عن الحي ذي المنن ؟ . 
- ويا من لا صبر لك عن الماء الكدر ، كيف تصبر على غضب الله ؟ 
- ويا من تقول أن الله سوف يغفر لك ، إعلم أن هذا هو خداع الغول لك .

« 260 »

شكوى رجل شيخ لطبيب من أمراضه وجواب الطبيب عليه

- قال شيخ لطبيب : إنني في عذاب من وجع في رأسي .


3100 - قال : إن ضعف الدماغ هذا من الشيخوخة ، قال له : وعلى عيني وسم من الظلمة .
- قال : من الشيخوخة أيها الشيخ المعمر ، قال : إن ظهري يؤلمني ألما شديدا .
- قال : من الشيخوخة ، أيها الشيخ الضعيف ، قال : وأنا لا أهضم ما أكلت 
- قال : ضعف المعدة أيضا من الشيخوخة ، قال : أشعر بضيق عندما أتنفس .
- قال : أجل ، إحتباس في النفس ، عندما تحل الشيخوخة ، تحل معها مائتا علة. «1»


3105 - قال : أيها الأحمق ، هل سمرت على هذه العبارة ؟ ! وهل هذا هو كل ما تعلمته من الطب فحسب ؟
- أيها الأحمق ، ألم يعلمك عقلك هذه المعلومة ، أن الله خلق لكل داء دواء ؟ .
- وبقيت أيها الحمار الأحمق على الأرض من قلة بضاعتك، كالحمار من قصر قدميه؟
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 402 : - قال : لقد قلت شهوتي دفعة واحدة ، قال : من الشيخوخة هذا العجز . 
- قال : لقد وهنت قدمي وعجزت عن السير ، قال : من الشيخوخة ، هي التي أقعدتك في عقر دارك . 
- قال : صار ظهري كالقوس محنيا ، قال : من الشيخوخة هذا الألم والعناء . 
- قال : لقد أظلمت عيني أيها الحكيم ، قال : من الشيخوخة ، أيها الرجل الحليم .

« 261 »

 

- فقال له الطبيب : يا من بلغت الستين من العمر ، هذا الغضب وهذه الحدة أيضا من الشيخوخة .
- ما دامت كل أوصالك وأعضائك قد ضعفت ، صار صبرك وضبطك لنفسك ضعيفين .


3110 - فهو لا يتحمل كلمتين ، ويصرخ منهما ، ولا طاقة عنده لجرعة واحدة ، فيتقيأها .
- هذا ، اللهم إلا الشيخ الثمل من الحق ، فإن في باطنه حياة طيبة .
- فهو في ظاهره شيخ ، وفي باطنه صبي ، فما بالك بذلك النبي ، وذلك الولي ؟
- وإن لم يكونا ظاهرين أمام كل طيب وشرير ، فما هذا الحسد من الأخساء لهم ؟
- وإن لم يكونوا يعرفونهم علم اليقين ، فما هذا البغض والكيد والحقد ؟


3115 - وإن كانوا يعلمون الجزاء يوم القيامة ، كيف كانوا يضربونهم بالسيف البتار .
- إنه يضحك في وجهك ، فلا تنظر إليه هكذا ، فإن مائة قيامة مختفية داخله .
- والجحيم والجنة هي كل أعضائه ، وكل ما تفكر فيه ، هو فوقه .
- فكل ما تفكر فيه قابل للفناء ، وما لا يتأتى في فكر ، هو الله .
- فمن أي شيء التوقح على باب هذه الدار ، ما دام من المعلوم من هو داخل الدار .


« 262 »

 
3120 - إن البلهاء يقومون بتعظيم المسجد ، لكنهم يجدون في جفاء أهل القلوب .
- وذلك مجاز ، وهذه حقيقة أيها الحمر ، فلا مسجد إلا بواطن الرؤساء .
- والمسجد الذي هو بواطن الأولياء ، موضع سجود الجميع ، ففيه الله .
- وما لم يتألم قلب رجل الله ، لما فضح الله قرنا قط .
- كانوا يقصدون قتال الأنبياء ، لقد رأوهم جسما ، وظنوهم من البشر .

 
3125 - وفيك أخلاق أولئك السابقين، فكيف لا تخاف أن يحيق بك ما حاق بهم؟! «1»
- وما دامت هذه الأمارات فيك ، وما دمت فيهم ، أنى لك النجاة ؟


قصة جحا وذلك الصبي الذي كان ينوح أمام جنازة والده

- كان أحد الصبيان أمام نعش أبيه ، ينوح بحرقة ، ويلطم رأسه .
- صائحا : يا أبي ، إلى أين يحملونك آخرا ؟ ألكي يدسوك تحت التراب ؟
- يحملونك إلى منزل ضيق وعذاب ، ولا فيه سجاد ، ولا فيه حصير .


3130 - ولا مصباح في الليل ، ولا خبز في النهار ، ولا فيه رائحة طعام ، ولا أثر له .
- ولا بابه معمور ، ولا طريق إلى سقفه ، ولا جار له ، يكون ملجأ وظهيرا
- وعينك التي كانت موضع قبل الخلق ، كيف تصير في منزل ما عمياء مظلمة ؟ !
..............................................................
( 1 ) ج / 5 - 403 : - إن عادة هؤلاء الجحودين فيك ، فلا يأتينك الدلو مرة واحدة من البئر سليما .


« 263 »


- منزل لا أمان فيه ، ومكان ضيق ، إذ لا وجه يبقى فيه ولا لون .
- وعلى هذا النسق ، أخذ يعدد أوصاف الدار ، وهو يسوق الدمع الدامي من عينيه .


3135 - فقال جحا لأبيه : يا عظيم القدر ، والله إنهم ليحملون هذا إلى منزلنا .
- فقال الأب لجحا : لا تكن أبله ، فقال : يا أبي ، إسمع الأمارات .
- إن هذه الأمارات التي قالها واحدة بعد الأخرى ، هي أوصاف منزلنا ، دون شك ولا ريب .
- فلا حصير فيه ، ولا مصباح ، ولا طعام ، ولا بابها معمور ، ولا صحن لها ، ولا سقف .
- وعلى هذا النمط ، فإن لديهم على أنفسهم مائة علامة ، لكن متى يرونها ، أولئك الطغاة .

3140 - ودار ذلك القلب الذي يبقى بلا ضياء من شعاع شمس الكبرياء ،
- ضيقة مظلمة كأنها روح اليهودي ، ولا زاد " فيها " من مذاق السلطان الودود .
- فلا في ذلك القلب سطع نور الشمس ، ولا اتساع ساحته ، فتح باب .
- والقبر أفضل لك من مثل هذا القلب ، فاصعد من قبر قلبك آخرا .
- إنك حي وابن حي ، أيها المرح المهذار ، ألا تضيق أنفاسك إذن من هذا القبر الضيق ؟


3145 - وأنت يوسف، أو أنك شمس السماء، فاصعد من هذا البئر، وأبد وجهك.

« 264 »

 
- ويونس قد نضج في بطن الحوت ، ولخلاصه لا بد من التسبيح .
- ، فلو لم يكن من المسبحين ، لظل بطن الحوت سجنا له إلى يوم يبعثون 
- إنه بالتسبيح قد نجا من بطن الحوت ، وما هو التسبيح ؟ إنه آية يوم " ألست " .
- وإن كنت قد نسيت تسبيح الروح ، فاستمع إلى تسبيح الأسماك .



3150 - وكل من رأى الله ، فهو إلهي ، وكل من رأى ذلك البحر ، فهو حوته .
- وهذه الدنيا بحر ، والجسد حوت ، والروح هي يونس ، المحجوب عن نور الصبوح .
- فإن كان ثم مسبح ، فقد نجا من الحوت ، وإلا هضمه ، واختفى تماما .
- وأسماك الروح كثار في هذا البحر ، وأنت لا تراها ، لأنك أعمى ، أيها المسكين .
- إنها تحف بك ، تلك الأسماك بعينها ، فافتح عينيك حتى تراها عيانا .


3155 - وإن لم تكن ترى هذه الأسماك ببصرك ، فإن أذنك قد سمعت تسبيحها آخر الأمر .
- والصبر هو روح تسابيحك ، فاصبر ، فالصبر هو التسبيح الحق .
- ولا تسبيح آخر قط له هذه الدرجة ، فاصبر ، والصبر مفتاح الفرج .
- والصبر كأنه جسر الصراط ، وفي نهايته توجد الجنة ، وكل حسناء ، معها حارس قبيح .
- وما دمت تهرب من الحارس ، فلا وصال ، ذلك إن الحارس لا ينفصل عن الحسناء .


« 265 »
 

3160 - وأي علم لك بلذة الصبر يا هش القلب ، خاصة الصبر من أجل هذه الحسناء المنسوبة إلى مدينة شكل .
- ولذة الرجل تكون من الغزو والكر والفر ، أما المخنث فلذته من الذّكر .
- فلا دين عنده ولا ذكر إلا الذّكر ، وفكره دائما ما يحمله إلى أسفل .
- فإن تسامق حتى الفلك ، لا تخف منه ، فقد تعلم درس عشق السّفل .
- إنه يسوق نحو السّفل الفرس ، مهما يحرك نحو العلو الجرس .

3165 - فأي خوف يكون هناك من رايات الشحاذين ، إن هذه الرايات وسيلة إلى لقمة الخبز . « 1 »

خوف الصبي من ذلك الشخص ضخم الجثة وقول ذلك الشخص للصبي :
أيها الصبي لا تخف فلست برجل

- وجد مارد قبيح صبيا وحده ، فشحب وجه الصبي خوفا من أن يهاجمه .
- فقال له : اطمئن يا جميلي ، فإنك أنت الذي ستكون فوقي .
- وأنا وإن كنت مهول " المنظر " ، اعلم أني مخنث ، فاركبني كما يركب البعير ، وداوم على السوق .
- فالصورة صورة رجال ، وهذا هو المعنى ، في ظاهره آدم ، وفي باطنه الشيطان اللعين .


3170 - وأنت تشبه الطبل أيها الضخم كقوم عاد ، التي كانت الريح تدق عليه بذلك الغصن .
..............................................................
( 1 ) ج / 5 - 417 : - فافهم هذه الكلمات جيدا ، وإن لم تعرفها ، استمع إليها بما يليق بطبعك .


« 266 »


- فأضاع ثعلب صيده أدراج الرياح ، من أجل طبل كقربة مليئة بالريح .
- وعندما لم ير في الطبل سمنة ، قال : إن خنزيرا أفضل من هذه القربة الفارغة .
- والثعالب تخاف من أصوات الطبول، لكن العاقل يظل يقرعها، حتى تلزم الصمت.

قصة رام بالسهام وخوفه من الفارس الذي كان يسير في الغابة

- كان أحد الفرسان مسلحا وذا مهابة ، يتجول في الغابة على جواد أصيل .


3175 - فرآه رام بالقوس ماهر ، ومن الخوف ، شد القوس ،
- حتى يرميه بسهم ، فصاح به الفارس : إنني ضعيف ، وإن كنت ضخم الجسد .
- حذار ، حذار ، ولا تنظر إلى ضخامتي ، فإنني أقل عند الحروب من امرأة عجوز .
- قال له : إمض ، فقد أحسنت القول ، وإلا أصميتك بسهم خوفا على نفسي .
- وكثير من الأشخاص قتلتهم آلة الحرب، والسيوف في قبضاتهم، لانعدام رجولتهم.


3180 - وإن لبست أنت سلاح أمثال رستم ، فقد ضاعت روحك ، عندما لا تكون روح رجل .
- فاجعل الروح درعا ، ودعك من السيف يا بني ، وكل من يكون بلا رأس ، يأخذ رأسا من هذا المليك .


« 267 »


- فسلاحك ذاك حيلتك ومكرك ، تولد منك ، وآذى روحك .
- وما دمت لم تنتفع أدنى نفع بهذه الحيل ، فاترك الحيلة ، حتى تأتيك الدول .
- وما دمت لم تأكل ثمرة في أي لحظة من فنك ، فاترك الفن ، وداوم على الطلب من رب المنن .

3185 - وما دامت هذه العلوم ليست مباركة عليك ، اجعل من نفسك أحمق ، وتجاوز الشؤم .
- ومثل الملائكة قل : لا علم لنا - يا إلهي - إلا ما علمتنا 
 
قصة الأعرابي ووضعه الرمل في جوال وملامة ذلك الحكيم له

« 1 »
- حمّل أعرابي بعيرا جوالين ضخمين مليئين بالحب .
- وتربع هو فوق هذين الجوالين ، فجاذبه الحديث رجل مغرم بالمسامرة .
- حدثه عن الموطن ، وجره في الحديث ، ومن ذلك الحديث ، والسؤال " عن الأحوال " ثقب كثيرا من الدرر .

3190 - ثم قال له : بم ملأت هذين الجوالين ؟ حدثني بصدق عن الأحوال .
- قال : إن في أحد جواليّ قمحا ، وفي الآخر رمل لا يقتات به الناس .
- قال : فكيف حملت إذن هذه الرمال ؟ قال : حتى لا يبقى هذا الجوال وحده .
- قال : ضع نصف القمح الموجود في ذلك العدل الآخر ، وهذا أفضل .
- حتى يخف سواء الجوال والبعير ، قال : ألا فلتهنا ، أيها الحكيم المحترم الحر .
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 446 : - إستمع إلى حكاية يا صاحب القول ، بين العقل وجهل الفضولي . 
- وليس للحيلة والمكر نفع في هذا الطريق، وكل من صار مغرورا بالعقل فهو أحمق.


« 268 »
 

3195 - مثل هذا الفكر الدقيق والرأي الصائب ، وأنت هكذا عريان ، ماش على قدميك في نصب ؟
- وأشفق على الحكيم ، وعزم على أن يركبه البعير ، هذا الرجل الطيب .
- ثم قال له : أيها الحكيم حلو الحديث ، أذكر لي أيضا نبذة عن أحوالك ،
- بمثل هذا العقل والكفاية التي لديك ، أأنت وزير أو ملك ؟ أخبرني بالصدق .
- قال : لست أيهما ، إنني من العامة ، فانظر إلى هيئتي ، وإلى ثوبي .


3200 - قال : كم لديك من الإبل والبقر ؟ قال : لا هذا ولا ذاك ، فلا تفتش عن " أمورنا " .
- قال : لعل إذن لديك بضاعة في الحانوت ، فكم تبلغ؟ قال : من أين لنا دكان أو مكان؟
- قال : لأسأل إذن عن المال السائل ، كم لديك منه ؟ فأنت تسير وحدك ، ونصيحتك محبوبة .
- وكيمياء تبديل النحاس إلى ذهب معك، ولك من العقل والمعرفة طبقة فوق طبقة. «1»
- فقال : والله يا وجه العرب ، لا يوجد في كل ما أملك ما يكفي قوت ليلتي
 

3205 - إني أسعى حافي القدمين عارى الجسد ، وحيثما يعطيني أحد رغيف ، أمضي إليه .
- وليس لي من هذه الحكمة والفضل والفن ، إلا الخيال ووجع الرأس .
- فقال له الأعرابي : ألا فلتمض بعيدا عني ، حتى لا يمطر شؤمك فوق رأسي .
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 446 : ولعلك وضعت الكنوز في كل مكان ، وليس مثلك عاقل في الدنيا .


« 269 »


- واحمل عني هذه الحكمة المشئومة بعيدا ، إن نطقك شؤم على أهل الزمن
- أو فامض إلى تلك الناحية ، ولأمض أنا إلى هذه الناحية ، أو تقدم في طريقك ، ولأتقهقر أنا .
 

3210 - فأن يكون أحد جواليّ قمحا والآخر رملا ، أفضل عندي من هذه الحيل البالية . « 1 »
- فحمقي إذن حمق مبارك ، فإن قلبي ذو زاد ، وروحي ذات وقاء .
- وإذا أردت أنت أن يقل شقاؤك هذا ، فجاهد لكي تقل عنك الحكمة .
- والحكمة التي تتولد عن الطبع وعن الخيال ، هي مجرد حكمة ، وليست فيضا من نور ذي الجلال .
- وحكمة الدنيا تزيد في الظن والشك ، وحكمة الدين تحمل إلى ما فوق الفلك .


3215 - والطالحون الخبثاء في آخر الزمان ، يرون أنفسهم أعلى من السابقين .
- ومعلمو الحيل محترقو الأكباد ، في تعلم أمثال هذه الأفعال والحيل .
- وذروا الصبر والإيثار وسخاء النفس والجود أدراج الرياح ، وهي الأكسير الواهب للنفع .
- والفكر هو ذلك الذي يفتح طريقا ، والطريق هو الذي يتقدم فيه ملك .
- والملك هو ذلك الذي يكون ملكا من ذاته ، ولا يكون ملكا بالخزائن والجند .
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 447 : - وإن وضعي الرمل في جوال والقمح في جوال ، أفضل من حكمتك أيها المهين .


« 270 »


3220 - حتى تبقى ملوكيته سرمدية ، كعز ملك الدين الأحمدي . « 1 »

كرامات إبراهيم بن أدهم على شاطيء البحر

- مثلما ورد عن إبراهيم بن أدهم، أنه جلس على شاطيء البحر، بعد أن قطع طريقا.
- كان يخيط خرقته ذلك السلطان للروح ، فجاء أحد الأمراء إلى ذلك المكان فجأة .
- وكان ذلك الأمير من أتباع الشيخ ، وعرف الشيخ ، فسجد لتوه .
- وتحير في أمر الشيخ وفي أمر خرقته ، وتغيرت سحنته ، وتبدل خلقه .


3225 - أنه قد ترك مثل ذلك الملك الواسع ، واختار ذلك الفقر الذي يثير القيل والقال .
- لقد ترك ملك الأقاليم السبعة ، ويخيط الخرقة بالإبرة ، كأنه الشحاذ .
- وأدرك الشيخ ما يفكر فيه ، فالشيخ كالأسد ، والقلوب أجمته .
- إنه سيار في القلوب كأنه الخوف والرجاء ، ولا تخفى عليه أسرار الدنيا .
- فاحفظوا قلوبكم يا من لا حاصل من ورائكم، في حضور حضرات أصحاب القلوب.

3230 - والأدب عند أهل الجسد يكون على الظاهر ، لأن الله ساتر عليهم الباطن .
- وعند أهل القلوب الأدب في الباطن ، لأن قلوبهم مطلعة على السرائر .
...............................................................

( 1 ) ج / 5 - 447 : - وليس لشرعه زوال حتى القيامة ، وصار - فيما عدا ملكه تعالى - عينا للكمال .

« 271 »

- وأنت على العكس ، تأتي إلى العميان منتبها من أجل الجاه ، وتجلس في موضع الأقدام .
- وأمام المبصرين تترك الأدب ، فصرت من ذلك لنار الشهوة الحطب .
- فما دمت لا تملك الفطنة ونور الهدى ، فهيا داوم على صقل وجهك من أجل العميان .


3235 - وأمام المبصرين ، لوث وجهك بالحدث ، وداوم على الدلال مع مثل هذا الحال النتن .
- وألقى الشيخ بالإبرة سريعا في البحر ، ثم طلب الإبرة بصوت عال .
- فأطلت مئات الآلاف من الأسماك الإلهية ، وفي فم كل سمكة إبرة ذهبية .
- أطلت برؤوسها من بحر الحق ، قائلة خذ أيها الأمير إبر الحق . « 1 »
- فالتفت إليه وقال " أيها الأمير ، أملك القلب أفضل أو الملك الحقير ؟

3240 - وهذا هو الأثر الظاهر ، وهذا لا يعد شيئا قط ، فانتظر حتى تمضي إلى الباطن وترى .
- إنهم إنما يحضرون إلى المدينة غصنا من البستان ، فمتى يحملون الحديقة والبستان كلها إليها 
- وبخاصة تلك الحديقة التي يعد الفلك ورقة واحدة منها ، بل هي اللب والعالم كله بمثابة القشر .
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 457 : - قال : يا إلهي ، بل أريد إبرتي ، فاعطني من فنك علامة صادقة .


« 272 »


- وألا تخطو خطوة واحدة نحو ذلك البستان ، فابحث عن قوة الشامة ، ودعك من الزكام .
- حتى تصبح هذه الرائحة جاذبة لروحك ، حتى تصبح تلك الرائحة نورا لعينيك


3245 - لقد قال يوسف بن يعقوب النبي ، من أجل الرائحة : ألقوه على وجه أبي .
- ومن أجل هذه الرائحة قال أحمد دائما في العظات ، جعلت قرة عيني في الصلاة .
- والحواس الخمسة كلها متصلة ببعضها ، ذلك أنها كلها إنبعثت من أصل واحد .
- وقوة الحاسة الواحدة تكون قوة للحواس الباقية ، وتكون كل واحدة لما تبقى ساقية .
- ورؤية العين تزيد في العشق ، والعشق يزيد في البصر الصدق .


3250 - والصدق يصبح يقظة لكل حاسة ، والذوق يصبح مؤنسا للحواس .


بداية إستنارة العارف بالنور الناظر للغيب

- عندما تفك حاسة في السلوك قيودها ، تتبدل كل الحواس الباقية .
- وعندما أدركت إحدى الحواس ما هو غير المحسوسات ، صار الغيب ظاهرا لكل الحواس .
- وما دام خروف من القطيع قد قفز الجدول ، فإن القطيع كله يقفز في أثره ، من تلك الناحية .
- فسق خراف حواسك إلى المرعى ، وارعها من " أخرج المرعى " .


« 273 »

3255 - حتى ترعى هناك من السنبل والريحان ، حتى تجد الطريق إلى روضة الحقيقة .
- وكل حاسة منك تصبح نبيا للحواس ، حتى تذهب واحدة بعد الأخرى إلى تلك الجنة .
- وتتحدث الحواس إلى حسك بالأسرار ، بلا حقيقة ولا مجاز ولا لسان .
- فإن هذه الحقائق قابلة للتأويلات ، وهذا التوهم أساس للتخيلات .
- وتلك الحقيقة التي تكون من العيان ، لا يستوعبها تأويل موجود .

3260 - وما دام كل حس قد صار عبدا لحسك ، لا يكون للأفلاك بد منك .
- وإذا قامت دعوى حول ملكية قشر ما ، فلمن يكون اللب ؟ لمن يكون له القشر 
- وعندما يقوم نزاع حول عدل من القش ، لمن يكون الحب ؟ أنظر إلى ذلك .
- إذن فالفلك قشر ، ونور الروح لب ، وهذا واضح ، وذاك خفي ، فلا تنزلق لهذا السبب .
- والجسم ظاهر والروح خلقت خفية ، والجسم كالكم ، والروح كاليد .


3265 - ثم إن العقل أكثر خفاء من الروح ، فالحس يتخذ طريقه إلى الروح بشكل أسرع .
- ترى حركته ، فتعلم أنه حي ، لكنك لا تعلم أنه ممتليء بالعقل .
- حتى تبدر منه تصرفات متزنة ، وبالمعرفة تجعل حركة ما ، النحاس ذهبا .
- ومن ذلك تناسب أفعال اليد ، يجعلك تفهم أن هناك عقلا .
- وروح الوحي أكثر خفاء من العقل ، ذلك أنها غيبية ، ومن ذلك الصوب .

« 274 »

3270 - وعقل أحمد لم يصبح خافيا على أحد ، لكن روح وحيه ، لم تصبح مدركة لكل روح .
- ولروح الوحي حركات مناسبة له ، ولا يدركها العقل ، فهي عزيزة نادرة 
- حينا يراها جنونا ، وحينا يتحير ، ذلك أنه متوقف على ما هو عليه .
- مثل تلك التصرفات التي كانت مناسبة للخضر عليه السّلام ، وكان عقل موسى عليه السّلام عن رؤيتها قاصرا .
- كانت تبدو غير معقولة أمام موسى عليه السّلام ، لأنه لم يكن له حاله .


3275 - وعقل موسى عليه السّلام عندما يصبح مقيدا في الغيب ، فما بالك بعقل فأر أيها المبجل .
- والعلم التقليدي يكون من أجل البيع ، وعندما يجد المشترى ، يتهلل بالفرحة .
- ومشتري العلم التحقيقي هو الحق ، وسوقه دائما في رواج .
- لقد أغلق شفتيه ، وهو ثمل بالبيع والشراء ، فالمشترون بلا حد ، لأناللَّهَ اشْتَرى.
- ومشترى درس آدم هو الملاك ، فهو المأذون له بدرسه ، لا الشيطان ، ولا الجني .



3280 - وآدم بـ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ ملق للدرس، وهو شارح لأسرار الحق شعرة بشعرة .
- وذلك الشخص الذي يكون قصير النظر ، هو غريق في التلون ، ولا تمكين عنده .
- ولقد سميته فأرا ، ذلك أن موضعه في التراب ، والتراب يكون للفأر مكانا للمعاش

« 275 »

- إنه يعرف الطرق ، ولكن تحت التراب ، وفي كل ناحية ، قام بشق التراب .
- والنفس الفأرية ، ليس لها من قناعة إلا اللقمة ، والفأر يعطى عقلا بقدر حاجته .


3285 - وذلك أن الإله العزيز لا يهب أحدا قط شيئا قط ، إلا عن حاجة 
- فلو لم تكن بالعالم حاجة إلى الأرض ، لما خلقها رب العالمين قط .
- وهذه الأرض المضطربة في حاجة إلى الجبل ، ولو لم تكن الحاجة موجودة ، لما خلقه شديد العظمة .
- وإن لم تكن ثم حاجة إلى الأفلاك أيضا ، لما خلق الأفلاك السبعة من العدم .
- والشمس والقمر وهذه الكواكب ، متى كانت تبدو عيانا إلا لحاجة ؟


3290 - إذن ، فإن وهق الموجودات هو الحاجة ، وبقدر الحاجة ، يوهب المرء الأداة والآلة . « 1 »
- ومن ثم ، فلتزد في حاجتك أيها المحتاج سريعا ، حتى يمور بحر العطاء بالكرم .
- وهؤلاء المتسولون على الطريق ، كما أن كل المبتلين ، يبدون حاجتهم للحق .
- من عمى وشلل ومرض ووجع ، حتى تتحرك من هذه الحاجة شفقة البشر .
- فهل يقول أحدهم أبدا: أيها الناس، أعطوني خبزا، لأن عندي مالا ومخزنا ومائدة ؟!!


3295 - والحق لم يخلق للفأر الأعمى عينين ، ذلك لأنه لا حاجة به للعينين ليرتزق .
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 465 : - ومن ثم عندما صارت الحاجة وهق الموجودات ، بقدر الحاجة يصل العطاء من الحق .

« 276 »


- وهو يستطيع الحياة بلا عين وبصر ، وهو فارغ من العين ، في التراب الرطب .
- ولا يخرج من التراب إلا للسرقة ، وإلى أن يطهره الله من تلك السرقة .
- ثم يجد من بعدها جناحا ، ويصبح طائرا ، ويمضي كالملائكة صوب الفلك .
- وفي روضة شكر الخالق ، يطلق كل لحظة مائة لحن ، مثل البلبل .
 
3300 - قائلا : يا من خلصتني من الصفات القبيحة ، ويا من جعلت جحيما جنة .
- وفي شحمة ، وضعت أنت النور ، ووهبت السمع لعظمة ، أيها الغني .
- وأية علاقة لهذه المعاني بالجسم ؟ وأية علاقة لفهم الأشياء بأسمائها ؟
- واللفظ كالوكر ، والمعنى كالطائر ، والجسم جدول ، والروح ماء سيار .
- إنه سيار ، وأنت تقول إنه متوقف ، وهو مسرع ، وأنت تقول إنه عاكف .
 
3305 - فإن لم تكن ترى سير الماء من الشقوق ، فما هذا القذى الذي يتوالى عليه أولا بأول ؟
- وقذاك هو صور الفكر ، وأولا بأول ، تصل الأشكال البكر .
- وفوق ماء الفكر وجدوله ، عند مسيره ، لا يكون بلا قذى ، مستحسن ومستهجن .
- والقشور الطافية على هذا الماء ، مسرعة من ثمار حديقة الغيب .
- فابحث عن لباب القشور في البستان ، ذلك أن الماء يأتي من البستان إلى الجدول .
 
3310 - وإن لم تكن ترى سير ماء الحياة ، فانظر إلى الجدول ، وإلى هذا السير للنبات .
 
« 277 »
 
- وعندما يأتي الماء في العمر بشكل أغزر، فإن قشور الصور، تمضي عليه بسرعة أكثر.
- وعندما يصبح هذا الجدول في أقصى سرعة له ، فإن الحزن لا يستقر في ضمائر العارفين .
- وعندما يكون في غاية الامتلاء والسرعة ، فإنما لا يستوعب فيه إلا الماء
 
طعن غريب في شيخ وجواب مريد الشيخ عليه
 
- لقد أخذ أحدهم يكيل التهم لأحد المشايخ ، قائلا : إنه سئ وليس على طريق الرشاد .
 
3315 - وهو شارب للخمر مزور خبيث ، فكيف له أن يكون مرشدا للمريدين ؟
- فقال له أحد المريدين " انتبه إلى الأدب ، فليس بالأمر اليسير مثل هذا الظن بشأن الكبار .
- وليكن " ما تقول " بعيدا عنه وعن أوصافه ، وإن صافيه لا يكدره سيل .
- فلا تختلق مثل هذا البهتان على أهل الحق ، فهذا هو خيالك ، فخض في موضوع آخر .
- فهذا لا يكون ، وإن كان يا طائر التراب ، فأي بأس لبحر القلزم من ميتة ؟
 
3320 - فهو ليس " دون القلتين " ، وليس بالحوض الصغير ، حتى يمكن لقطرة " نجسة " أن تجعله غير طاهر .
- فلم يكن ثم ضرر من النار على إبراهيم عليه السّلام ، وكل من كان " تابعا " للنمرود ، قل له : خف منها .
 
« 278 »
 
- والنفس كالنمرود ، والخليل العقل والروح ، والروح في عين " المشاهدة " ، والنفس " باحثة " عن الدليل .
- ودليل الطريق هذا يكون من أجل السالك ، الذي يضل كل لحظة في الصحراء .
- وليس للواصلين سوى عين ومصباح ، فهم فارغون من الدليل والطريق .
 
3325 - وإن تحدث عن الدليل ذلك الرجل الواصل ، فقد تحدث من أجل فهم أصحاب الجدال .
- ومن أجل الطفل الصغير ، يقوم الأب بالمناغاة ، وإن كان عقله محتويا على هندسة الكون .
- ولا يقل فضل الأستاذ ، ولا ينال من علوه ، حتى إن درس " الألف لا شيء عليها " .
- فإنه من أجل تعليم ذلك المعقود الفم ، ينبغي عليه الخروج عن لغته هو .
- وينبغي عليه الدخول في لسانه ، حتى يتعلم منه العلم والفن .
 
3330 - ومن ثم فإن كل الخلق بمثابة أطفاله ، وهذا لازم للشيخ عند إسداء النصح .
- ومريد الشيخ ذاك قال لذلك الملئ بالكفر والضلال :
- لا تعرض نفسك على السيف البتار ، وحذار ، لا تدخل في خصومة مع الملك والسلطان .
- والحوض إن طامن البحر ، فإنه إنما يقتلع نفسه من أصل وجوده .
- وليس ثم بحر لا شاطيء له ، ثم يتكدر من جيفتك .
 
3335 - وللكفر حد وقياس ، لكن فاعلم ، أنه لا حد للشيخ ، ولا لنور الشيخ .
 
« 279 »
 
- والمحدود فان أمام ما لا حد له ، وكل شيء غير وجه الله إلى فناء .
- ولا كفر ولا إيمان حيثما يكون ، ذلك أنه لب ، وهذان الاثنان لون وقشر .
- وهذه الأنواع من الفناء صارت حجابا على ذلك الوجه ، مثل مصباح أخفي تحت طست .
- ومن ثم فالرأس الموجودة على ذلك الجسد حجاب على تلك الناحية ، وفيها تكون رأس الجسد كافرة .
 
3340 - فمن هو الكافر ؟ إنه الغافل عن إيمان الشيخ ، ومن هو الميت ؟ إنه الجاهل بروح الشيخ .
- والروح لا اختبار لها إلا بالوعي ، وكل من زاد وعيه ، زادت روحه .
- وأرواحنا أسمى من أرواح الحيوان ، مم ؟ لأنها ذات وعي أكثر .
- ومن ثم فأرواح الملائكة أسمى من أرواحنا ، ذلك أنها منزهة عن الحس المشترك .
- وأرباب القلوب أرواحهم أسمى من أرواح الملائكة ، فدعك من التحير .
 
3345 - ومن هنا صار آدم موضعا لسجودهم ، فإن روحه أسمى من وجودهم .
- وإلا فإن الأمر للأفضل بالسجود لمن هو دونه ، لا يكون أمرا مناسبا .
- وكيف يقبل عدل الخالق ولطفه ، أن تسجد وردة أمام شوكة ؟
- والروح عندما صارت سامية، قد جاوزت المنتهى، وصارت مطيعة لها أرواح كل الأشياء.
 
« 280 »
 
- من طير وأسماك وجن وبشر ، ذلك أنها في ازدياد ، وهم في نقصان .
 
3350 - وتصير الأسماك صانعة لإبر خرقته ، والخيوط تابعة للإبر .
 
بقية قصة إبراهيم بن أدهم على ساحل البحر
 
- وعندما رأى الأمير نفاذ أمر الشيخ ، حل به من مجيء الأسماك وجد .
- وقال : آه ، الأسماك على علم بالمشايخ ، ألا شاه ذلك العقل الملعون من العتبة
- الأسماك عارفة بالشيخ ، ونحن مبعدون ، ونحن " محرومون " من هذه الدولة أشقياء ، وهم بها سعداء .
- وسجد ، ومضى باكيا مهدما ، وصار مجنونا بعشق فتح ذلك الباب .
 
3355 - إذن ففيم أنت أيها المتوقح ، ومع من نزاعك وحسدك ؟
- إنك لتداعب ذيل أسد ، وتقوم بحملة تركية على الملائكة .
- فأي سوء تتحدث به عن الخير المحض ؟ حذار ، وإياك أن تعد خفض " جناحه " ترفعا .
- فمن هو الشرير ؟ إنه النحاس المحتاج المهان ، ومن هو الشيخ ؟ إنه كيمياء " التبديل " التي لا حدود لها .
- والنحاس إن لم يكن قابلا للكيمياء ، فإن الكيمياء لم تصبح قط من النحاس نحاسا .
 
3360 - ومن هو الشرير ؟ عاص فعله كالنار ، ومن هو الشيخ ؟ إنه عين بحر الأزل .
- ودائما ما تخوف النار بالماء ، ومتى خاف الماء قط من اللهيب ؟
- فهل تبحث عن العيوب في وجه القمر ؟ وفي جنة ، أتقوم بجمع الشوك ؟
- وإن دخلت الجنة يا طالب الشوك ، فلن تجد شوكة واحدة فيها سواك .
 
« 281 »
 
- وهل تغطي الشمس بقطعة من الطين ؟ وهل تبحث عن شق في بدر كامل ؟
 
3365 - والشمس التي تشرق " بطلعتها " على الدنيا ، أنى لها أن تختفي من أجل خفاش ؟
- والعيوب إنما صارت عيوبا لأن المشايخ رفضوها ، والغيوب إنما صارت غيوبا ، غيرة منهم .
- وأنت ، وإن كنت بعيدا عن خدمة الشيخ فكن رفيقا ، وجد في الندم ، وكن إليه مسرعا .
- حتى يصل إليك نسيم من ذلك الطريق ، فكيف تسد " طريق " ماء الرحمة حسدا ؟
- وإن كنت شديد البعد ، فداوم على تحريك ذلك ، " حيثما كنتم فولوا وجهكم "
 
3370 - وعندما يسقط حمار في وحل من إسراعه الخطو ، يتحرك لحظة بعد أخرى عازما القيام .
- ولا يسوى المكان من أجل الإقامة ، فإنه يعلم أن هذا ليس موضع المعاش 
- فهل كان إحساسك أقل من إحساس الحمار ؟ بحيث لم يقفز قلبك من هذه الأوحال .
- وتقوم بالتأويل " والأخذ " بالرخصة و " أنت " في الوحل ، ذلك أنك لا تريد أن تصرف عنه قلبك .
- قائلا : هذا يجوز لي ، فأنا مضطر ، والحق من كرمه ، لا يؤاخذ عاجزا
 
3375 - وهذا عينه هو ما أخذك مثل الضبع الأعمى ، وأنت من الغرور لا ترى هذا الأخذ .
- فإنهم يقولون : هذا ليس موضع الضبع ، ابحثوا في الخارج ، فهو ليس في الغار .
 
« 282 »
 
- وهم يقولون هذا وهم يضعون عليه القيد ويحصرونه ، وهو لا يفتأ يقول :
إنهم غير منتبهين إليّ .
- فإذا كان هذا العدو عالما بأمري ، فمتى كان يصيح : أين هذا الضبع ؟ « 1 »
 
ادعاء ذلك الشخص قائلا : إن الله لا يأخذني بذنب
وجواب شعيب عليه السّلام عليه
 
- كان أحدهم يقول في عهد شعيب عليه السّلام : إن الله قد رأى مني كثيرا من العيوب
 
3380 - وكم رأى مني من ذنوب وجرائم ، ومن كرمه لا يأخذني بها
- فأجابه الحق في أذن شعيب عليه السّلام جوابا فصيحا عن طريق الغيب .
- قلت : لقد إرتكبت كثيرا من الذنوب ، ومن الكرم ، لم يأخذني الإله بجرمي .
- إنك تتحدث حديثا معكوسا ومقلوبا أيها السفيه ، يا من تركت الطريق ، وسلكت التيه .
- إنني أخذك كثيرا وأنت غافل ، وبقيت في الأغلال من الرأس إلى القدم .
 
3385 - وصدأك عليك أيها القدر الأسود ، قد جعل ملامح باطنك فاسدة .
- وتجمع الصدأ على قلبك فوق كثير من الصدأ ، حتى صار أعمى عن الأسرار
- وإن حط " كل " هذا الدخان على قدر جديد ، فإن أثره يبدو ، ولو كان مثقال ذرة .
- ذلك أن كل شيء يبدو بضده ، ويصبح ذلك الأسود مفتضحا على " شئ " أبيض .
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 503 : - حتى يقيدوه ويخرجوه ، وذلك الضبع غافل عن هذه السخرية .
 
« 283 »
 
- وما دامت القدر قد إسودت ، فمن يرى تأثير الدخان عليها سريعا ؟
 
3390 - والحداد الذي يكون زنجيا ، يكون لون الصدأ والدخان من نفس لون وجهه .
- لكن الرومي إن اشتغل بالحدادة ، فإن وجهه يتلطخ ، إن تراكم عليه الدخان .
- فيعلم سريعا تأثير الذنب ، وسرعان ما يئن قائلا : أيها الإله .
- وعندما يصر ، ويحترف السوء ، فإنه يحثو عين الفكر بالتراب .
- ولا يفكر في التوبة ثانية ، فيصبح ذلك الجرم حلوا على قلبه حتى يصبح بلا دين .
 
3395 - ويروح عنه هذا الندم والتضرع ، وقد حطت على مرآة " القلب " خمس طيات من الصدأ .
- وأخذ الصدأ يأكل في حديد " مرآته " ، وأخذ الصدأ في نحت جوهرها .
- وعندما تكتب في ورقة أكثر بياضا ، فإن ما كتبت يبدو مقروءا للنظر .
- وعندما تكتب فوق ورقة مكتوبة ، لا تفهم ، وتكون قراؤتها خطأ .
- فإن سوادا قد وقع على سواد ، وكل من الخطين صار غامضا ، ولم يعط معنى .
 
3400 - وإن كتبت فوقه مرة ثالثة ، فقد سودت " الورقة " كالروح المليئة بالشر .
- إذن فما الحيلة إلا ملاذ صاحب الوسيلة ؟ فالقنوط نحاس ، اكسيره نظرة " منه " .
- فضعوا أمامه أنواع يأسكم وقنوطكم ، حتى تتم لكم النجاة من الداء الذي بلا دواء .
 
« 284 »
 
- وعندما تحدث إليه شعيب عليه السّلام بهذه النكات ، تفتح الورد في قلبه من ذلك النفس الحبيب .
- وسمعت روحه وحي السماء ، فقال : إذا كان قد أخذنا ، فأين الدليل ؟
 
3405 - قال : يا رب ، إنه يعترض عليّ ، ويبحث عن دليل لهذا الأخذ .
- قال : إنني ستار ، ولا أفشي أسراره ، اللهم إلا سر واحد من أجل ابتلائه
- والدليل أنني آخذه " بذنبه " ، أنه يقوم بالطاعات والصوم والدعاء ،
- ومن صلاة وزكاة وغيرهما ، لكن لا ذرة عنده من لذة الروح .
- إنه يقوم بالطاعات والأفعال السنية ، لكن ليس عنده ذرة من الإلتذاذ بها .
 
3410 - إن طاعته لطيفة ، لكن معناها ليس لطيفا ، كالجوز الكثير ، لكن ليس فيه لب . . .
- وينبغي الذوق حتى تعطي الطاعات ثمارها ، وينبغي اللب ، حتى تعطي البذرة شجرة .
- فمتى تصير بذرة بلا لب غصنا ؟ وصورة بلا روح ، لا تكون إلا خيال .
 
بقية قصة طعن ذلك الرجل الغريب في الشيخ
 
- أخذ ذلك الخبيث يجدف في حق الشيخ، ومعوج العقل دائما ما هو معوج النظر. «1»
- قائلا : لقد رأيته وسط مجلس ، عاريا من التقوى مفلسا منها .
 
3415 - وإن لم تكن تصدقني فانهض الليلة ، حتى ترى فسق شيخك عيانا بيانا .
- واصطحبه ليلا إلى إحدى الكوات ، وقال : انظر إلى الفسق واللهو .
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 518 : - قائلا : إنني على علم بأحواله القبيحة، فهو سكير شرير فاسد الفعل.

« 285 »
- انظر إلى ذلك التزوير نهارا والفسق ليلا ، إنه نهارا كالمصطفى ، وليلا كأبي لهب .
- وفي النهار صار اسمه عبد الله ، وفي الليل نعوذ بالله ، وفي يده الكأس .
- ورأى زجاجة ممتلئة في يد الشيخ ، فقال : أيها الشيخ ، أثم خداع عندك أيضا ؟
 
3420 - ألم تقل أنه في كأس الشراب ، يبول الشيطان عند الصباح ؟
- قال : لقد ملأوا كأسي بحيث لا يسع مثقال حبة من خردل .
- فانظر هنا ، هل يتسع لذرة ؟ لقد سمعت هذا الكلام معوجا وخدعت .
- فالكأس ظاهرة ، والخمر فيها ليست ظاهرة ، واستبعد هذا " الظن " عن الشيخ الناظر إلى الغيب .
- وكأس الخمر هي وجود الشيخ أيها الأحمق ، وفيها لا يستوعب بول الشيطان
 
3425 - فإنها مليئة مترعة بنور الحق ، ولقد حطم كأس الجسد ، فهو نور مطلق 
- وضوء الشمس إن سقط على حدث ، فهو نفس النور ولا يقبل الخبث .
- وقال الشيخ : إن هذا في حد ذاته لا هو بالكأس ولا هو بالخمر ، هيا ، إنزل أيها المنكر ، وانظر إليها .
- فنزل ، ورأى أنها عسل صراح ، فعمي ذلك العدو الشقي الكدر .
- فقال الشيخ في تلك اللحظة لمريده ، إذهب واطلب لي خمرا أيها المبجل .
 
3430 - فإنني أعاني مرضا ما ، وصرت مضطرا ، ومن المرض جاوزت حد القدرة .
- والميتة عند الضرورة تكون طاهرة ، وليكن تراب اللعنة على رأس المنكر .


« 286 »
 
- فطاف ذلك المريد بألحان ، ومن أجل الشيخ ، أخذ يذوق الخمر من كل دن .
- ولم ير في أي من الدنان خمرا ، فقد تحولت دنان النبيذ كلها إلى عسل .
- قال " أيها اللاهون ، ما هذا الحال ؟ ! ما هذا الأمر ؟ إنني لا أرى في الدنان خمرا
 
3435 - وأقبل كل اللاهين إلى الشيخ ، باكيي الأعين ، يلطمون رؤوسهم .
- قائلين : لقد جئت إلى الحان أيها الشيخ الأجل ، وكل الخمور من قدومك صارت عسلا .
- ولقد بدلت الخمر من الدنس ، فبدل أيضا أرواحنا من الخبث .
- وإن كان العالم مليئا بالدم حتى حافته ، فمتى يأكل عبد الله إلا الحلال ؟
 
قول عائشة رضي الله عنها للمصطفى عليه السّلام :
إنك تصلي في كل مكان دون مصلّى فكيف هذا ؟
- قالت عائشة رضي الله عنها ذات يوم للرسول عليه السّلام : يا رسول الله ، إنك في السر والعلن ،
 
3440 - حيثما تجد مكانا تقوم بالصلاة ، بينما يمشي في الدار كل نجس ودني .
- وبالرغم من أنك تعلم أن كل طفل ملوث ، يجعل كل مكان يصل إليه نجسا .
- قال الرسول عليه السّلام ، اعلمي أن الحق يجعل كل نجس طاهرا ، من أجل العظام .
- ومن هنا فإن لطف الحق ، قد طهر موضع سجودي حتى السماء السابعة .
- فحذار ، حذار ، أقلع عن حسد الملوك ، وإلا أصبحت في الدنيا إبليس .
 
3445 - فإنه - أي الشيخ - إن تجرع سما يصبح شهدا ، وأنت إن أكلت شهدا يتحول إلى سم .
- إذ أنه قد تبدل ، وتبدل فعله ، وصار لطفا ، وصارت ناره نورا .
 
« 287 »
 
- ولقد حلت قوة الحق في الطير الأبابيل ، وإلا فكيف يقتل طائر " ضئيل " الفيل ؟
- ولقد قتلت بضع طويئرات جيشا ، حتى تعلم أن تلك الصلابة من الحق .
- وإن حل بك وسواس من هذا المثال ، فاذهب واقرأ سورة الفيل .
 
3450 - وإن قمت معه بالمراء والجدل ، أكون كافرا إن نجوت منه برأسك .
 
سحب الفأر لزمام الجمل وإحساس الفأر بالعجب في نفسه
 
- اختطف فأر حقير بكفه زمام جمل ، وسار به مراء وجدلا .
- وسار الجمل معه من خفة حمله ، فاغتر الفأر ، وقال : أنا بطل ! !
- وسطع شعاع فكره على الجمل ، فقال : سأبدي لك ، فانتظر سعيدا .
- حتى أتيا إلى حافة قناة واسعة ، يصبح الفيل الضحم ضعيفا أمامها .
 
3455 - فوقف الفأر هناك وتيبس في مكانه ، فقال الجمل : يا رفيق الصحراء والجبل ، 
- ما هذا التوقف ؟ ولماذا الحيرة ؟ أخط ، وانزل إلى القناة كالرجال .
- إنك الدليل والحادي لي ، فلا تقف وسط الطريق ، ولا تستسلم .
- قال : هذا الماء مهول وعميق ، وأنا أخاف من الموضع الغريق ، أيها الرفيق
- قال الجمل : فلأر أنا إذن هذا الماء ، ووضع الجمل قدمه فيه سريعا .
 
3460 - وقال : إنه حتى الركبة أيها الفأر الأعمى ، فمن أين أسقط في يدك هكذا وغبت عن الوعي ؟
- قال : إنه بالنسبة لك نملة وبالنسبة لنا أفعى ، فإن ثمة فرقا بين ركبة وركبة .
- فإن كان بالنسبة لك حتى الركبة يا كثير الفضل ، فقد جاوز مني مفرق رأسي بمائة ذراع .
 
« 288 »
 
- قال : لا تتوقع مرة أخرى ، حتى لا يحترق جسمك وروحك من هذا الشرر .
- وقم بالمراء مع أمثالك من الفئران ، ومع الجمل لا يكون للفأر كلام .
 
3465 - قال : لقد تبت ، فمن أجل الله ، أعبر بي هذا الماء المهلك .
- وأحس الجمل بالشفقة ، فقال : هيا ، إقفز ، واجلس على سنامي .
- لقد صار هذا العبور مسلما لي ، وإني لأعبر بمئات الآلاف من لأمثالك .
- وما دمت لست بالنبي ، انطلق في الطريق ، فمتى تمضي من بئر الدنيا صوب الجاه .
- وكن من الرعية ، ما لم تكن بسلطان ، ولا تسق بنفسك ، ما دمت لست ملاحا .
 
3470 - وما دمت لست بالكامل ، لا تفتح حانوتا وحدك ، وما دمت لم تصر لسانا للحق ، فكن أذنا .
- وإن تحدثت ، فكن مستفسرا ، وتحدث مع الملوك كالمسكين . « 1 »
- وبداية الكبر والحقد من الشهوة ، ورسوخ الشهوة من العادة .
- وعندما صارت الخصلة السيئة ثابتة من العادة ، فإنك تغضب على ذلك الذي يمنعك عنها .
 
3475 - وعندما صرت آكلا للطين ، فكل من يحول بينك وبين الطين ، يكون عدوا .
- وعبدة الأوثان عندما يطوفون حول الصنم ، يكونون أعداء لمن يقفون في طريقهم .
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 528 : - وما دمت لم تظفر بالحرية ، فكن عبدا ، وحذار لا تلبس الأطلس ، وكن في الخرق . 
- واستمع إلى أنصتوا وكن صامتا ، وما دمت لم تصبح لسانا للحق ، فكن أذنا .
 
« 289 »
 
- وعندما اعتاد إبليس على الرئاسة ، رأى من حماريته آدم حقيرا .
- وقال : أثم رئيس آخر أفضل مني ؟ ! حتى يسجد له شخص مثلي ؟
- فالرئاسة سم ، اللهم إلا لتلك الروح ، التي تكون موضعا للترياق من البداية .
 
3480 - فالجبل وإن امتلأ بالحيات ، لا تخش شيئا ، فإن في داخل الجبل مواضع مليئة بالترياق .
- وما دامت الرئاسة قد صارت نديمة لرأسك ، فكل من حط من شأنك ، يصبح خصما قديما لك .
- وعندما يتحدث أحد خلافا لطبعك ، تنهض في داخلك أحقاد كثيرة عليه
- وتقول : إنه يصرفني عن طبعي ، وكيف يجعل من نفسه رئيسا عليّ ؟ !
- وما لم تكن الخصلة السيئة متمردة داخله ، كيف تشتعل نار الخلاف داخله
 
 3485 - وذلك الذي يقوم بمداراة من يخالفه ، ويجعل لنفسه مكانا في قلبه ،
- تكون الخصلة السيئة لم تثبت فيه بعد ، ومن العادة صارت نملة الشهوة كالحية .
- فاقتل حية الشهوة في الابتلاء ، وإلا صارت حيتك الآن تنينا .
- لكن كل إنسان يرى حيته مجرد نملة ، فاستفسر عن أمرك من صاحب قلب .
- فالنحاس لا يعلم أنه نحاس ، ما لم يتحول إلى ذهب ، والقلب لا يعلم أنه مفلس ، ما لم يتحول إلى ملك .
 
3490 - فاعرض نفسك على الأكسير كأنك النحاس ، وتحمل - أيها القلب - الجور من محبوبك .
 
« 290 »
 
- ومن هو المحبوب ؟ إنهم أصحاب القلوب، فاعلم جيدا أنهم هاربون من الدنيا كالليل والنهار.
- وقلل العيب في ذات عبد الله ، وقلل اتهام الملك باللصوصية . « 1 »
 
كرامات ذلك الدرويش الذي أتهم في السفينة بالسرقة
 
- كان أحد الدراويش راكبا في سفينة ، وقد جعل له تكئة من بضاعة رجل .
- وفقد هميان " مليء " بالذهب ، وكان نائما ، وفتش الجميع ، وبدى له أيضا
 
3495 - أن يفتش ذلك الفقير النائم ، وأيقظه صاحب المال ، لما به من حزن
- وقال له : لقد فقد هميان في هذه السفينة ، وفتشنا الجميع ، ولن تستطيع الخلاص .
- فاخلع خرقتك ، وتعر منها ، حتى تطمئن منك أوهام الخلق .
- فدعا قائلا : يا رب ، إن الأخساء قد إتهموا غلامك ، فأنفذ الأمر .
- وعندما تألم قلب الدرويش من ذلك ، أطلت برؤوسها في لحظة من كل صوب ،
 
3500 - مئات الآلاف من الأسماك من البحر العميق ، وفي فم كل منها درة ثمينة .
- مئات الآلاف من الأسماك من البحر العباب ، وفي فم كل منها درة ، وأي درة ! !
- وكل درة منها تساوي خراج مملكة ، فهي من الإله ، ولا شريك له في ذلك .
- فألقى حفنة من الدرر في السفينة وقفز ، وجعل من الهواء كرسيا وجلس .
...............................................................
( 1 ) ج / 5 - 529 : - وإن لم تكن هباء منثورا بين من هم هباء ، إذهب إذن وكن مهانا من كل شيطان .
 
« 291 »
 
- جلس متربعا كالملوك فوق عرشه ، هو فوق الأوج ، والسفينة في مواجهته .
 
3505 - وقال : امضوا ، لتكن السفينة لكم ، فالحق لي ، وحتى لا يصحبنكم لص شحاذ .
- ولنر من الخاسر بهذا الفراق ، فأنا سعيد قرين للحق منفصل عن الخلق .
- فلا هو يتهمني بالسرقة ، ولا هو يعطي زمامي لنمام .
- فصاح ركاب السفينة : أيها الهمام ، من أجل ما ذا أعطيت هذا المقام العالي ؟
- قال : من الافتراء على الفقير ، ومن إيذاء الخلق لي من أجل شيء حقير .
 
3510 - حاشا لله ، بل من تعظيم الملوك ، فلم أكن سئ الظن في الفقراء .
- أولئك الفقراء اللطاف حسني الأنفاس ، الذين نزلت من أجل تعظيمهم سورة عبس .
- ذلك الفقر الذي لا يكون من العروج " على كل مكان " ، بل قائم على ألا يكون ثم شيء سوى الله .
- وكيف أتهمهم والحق قد جعلهم أمناء على خزانة السماء السابعة .
- فالمتهم هو النفس ، لا العقل الشريف ، والمتهم هو الحس ، لا النور اللطيف
 
3515 - والنفس سوفسطائية مجادلة ، فداوم على قمعها ، فإنها تستكين بالقمع ، لا بالحجة .
- أنها لترى المعجزة ، وتتهلل في تلك اللحظة ، ثم تقول بعدها : لقد كانت خيالا
- وإن كانت حقيقة تلك الرؤية العجيبة ، فلما ذا لم تدم أمام العين ليل نهار ؟
- إنها تكون دائمة أمام عيون الأطهار ، لكنها لا تكون قرينة لعين الحيوان
 
« 292 »


- فإن ذلك الشيء العجيب يشعر بالضيق والعار من هذا الحس ، فمتى يكون الطاووس في بئر ضيق ؟
 
3520 - وحتى لا تقول عني أنني ثرثار ، لقد قلت واحدا في المائة " مما لدي " وهو " في دقة " الشعرة .
.
* * *
شرح حكاية الهندي الذي كان يتشاجر مع رفيقه على أمر ما
دون أن يحس أنه مبتلى بنفس الأمر
 ( 3022 - 3026 ) : يخاطب مولانا المريدين : إن كنت فاترا في الطريق غثا مقلدا ، ومتكلفا ، فلا أقل من أن تكون متحمسا ، وبذلك تصل ، تنزل عليك جذبات الحق ، وجذبة من جذبات الحق تعادل الثقلين ، ففاقد الناقة على الحقيقة ، وفاقد الناقة تكلفاً ، كلاهما يصل إلى ناقته ، وكلاهما حقيقة واحدة . ويتوقف مولانا أمام إحدى مشكلاته المتكررة : التعبير الذي لا يساوى المعنى : ( من كثرة القول صمت ، الكتاب الأول : بيت 1770 )

ومن ثم فأنا أقول لك : من عرف الله كل لسانه ( ذكره استعلامى 2 / 310 على أنه حديث نبوي بناء على نص مولانا وعند صاحب كشف المحجوب ، قول مسند إلى الصوفي الجنيد البغدادي ، ترجمة كاتب هذه السطور ص 429 ، وللواسطي : من عرف الله انقطع بل خرس وانقمع ، كشف ص 329 ، ولمحمد بن واسع : من عرف الله قل كلامه ودام تحيره ، كشف ص 328 )

واللسان ما هو إلى اصطرلاب يرصد حركة الأنجم ، لكنه لا يدرى شيئا عما يجرى في أقطار سماوات الروح ، وفلك الأرواح ، وشمس الحقيقة العليا التي تعتبر الشمس بمثابة الذرة منها .

( 3027 - 3037 ) : عودة إلى قصة مسجد الضرار ( أنظر شرح البيت 3826 )

لقد جرى على مسجد الضرار كل ما ينبغي أن يجرى على أي مكان ظاهر الزينة لكنه فاسدٌ من أساسه ، والمقصود بصاحب المسجد " أبو عامر الراهب ورفاقه من المنافقين " ، ووعظه فخ ، واللحم الذي يقدمه إنما يكون مثل اللحم الذي يوضع في الشص يأخذ بحلوق الأسماك ، لقد كان المسجد المقصود بالمنافسة هو مسجد قباء ( مسجد أسس على التقوى ) ، ولم يجز أمير العدل محمد
 
« 460 »

صلى الله عليه وسلم أن يجرى هذا الحيف والظلم على جماد ، فأضرم النار في مسجد الضرار ، وانظر إلى المعنى هنا : المسجد حقيقة إسلامية ، هو بيت المؤمنين ، ودار العبادة والفتوى والحكم ، ومع ذلك فقد أضرم الرسول صلى الله عليه وسلم النار في مسجد ، لأنه كان مجرد بناء قصد به الفرقة والتآمر والدس ، ومن ذلك فاعلم أن الحقائق متفاوتة ، وعالم المعنى يختلف عن عالم المجاز ، فالحياة فيه غير الحياة ، والقبر فيه غير القبور ، والموت فيه غير الموت ، والتفرقة صعبة إلا بهمة المرشد ، فخذ مرشداً ، فهو المحك ، واعرض عليه فعلك ، وإلا بنيت مسجداً يكون مسجد ضرار وكفر وتفريق وصد عن سبيل الله ، وتكون ساخراً من المنافقين لكنك في الحقيقة منهم .

( 3038 ) : الحكاية إلى تبدأ بهذا البيت فيما يقول فروزانفر ( مآخذ / 76 - 77 ) وردت في مقالات شمس ، كما وردت نظائر لها في عيون الأخبار وفي أخبار الزمان للمسعودي ومجمع الأمثال للميدانى وفي عجايب نامه من مؤلفات القرن السادس الهجري ، ولها نظائر في كل الآداب الشعبية الإسلامية .

( 3044 - 3056 ) : المستفاد من الحكاية أن العائب على غيره غالبا ما يقع في العيب الذي وقع فيه ، ومن عاب على أخيه عيبا لم يمت حتى يبتلى به ، [ من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله ] حديث مثنوى ( أنقروى 2 / 464 ) ،

وقد يغفر الله له بعيبك عليه ، بينما تقع أنت في الذنب ، فيثاب وتعاقب ، وما أكثر العيوب التي فيك لكنها خافية عليك ولا بد لها أن تكشف في يوم من الأيام ، وقال حاتم الأصم " لا تغتر بموضع صالح ، فلا موضع أصلح من الجنة وقد لقى فيها آدم ما لقى ، ولا تغتر بكثرة العبادة ، فإن إبليس بعد كثرة عبادته لقى ما لقى ، ولا تغتر بكثرة العلم فإن بلعام كان يعرف اسم الله الأعظم ولقى ما لقى ، ولا تغتر

« 461 »
 
بمخالطة الصالحين فلا رجل أعظم قدرا من النبي صلى الله عليه وسلم لم ينتفع أقاربه بمخالطته " ( مولوى 3 / 583 ) فأي أمن تقول أنك في مقامه ، وأنت لم تسمع من الله تعالى « لا تخافوا » فما أمنك هذا ؟ ! ألم تتعظ بما حدث لإبليس ؟

وأية شهرة تبحث عنها ؟ ! ألم تسمع قوله صلى الله عليه وسلم

[ بحسب امرئ من الشر أن يشار إليه بالأصابع في دين أو دنيا إلا من عصمة الله]،

ولهذا قيل " اذهب واغسل وجهك من الخوف ، ثم ادع واشتهر أي أغسل وجه باطنك بماء الخوف الإلهى ، لتكون من أولياء الله ، ثم أظهر وجهك في الشريعة والطريقة لا تضرك بعد الشهرة ، واحمد الله أن غيرك قد صار عبرة لك ، وأنك لم تصر عبرة لأحد ، وإن رأيت مبتلى فقل :
( الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيرا من خلقه ) ( مولوى 2 / 584 ) .


( 3057 - 3069 ) : القصة هنا قد تكون مما يروى عن فظائع المغول وقد عاصر مولانا غزوتهم ( في الكتاب الثالث قصة الذي أوقفه المغولي لقتله وادعى أنه لا يجد من يطلبه ، حتى جمع المصريين جمعا فقتلهم - أنظر الكتاب الثالث ، الأبيات 857 - 861 ) ،

وللإيهام استخدم مولانا هنا خلفية تاريخية ترجع إلى غزوة الغز لخراسان سنة 548 وأسرههم للسلطان سنجر السلجوقى ، وارتكابهم للكثير من المذابح والتخريب المذكور في كتب التاريخ ( استعلامى 2 / 312 )

والمقصود بآخر الزمان العصر المحمدي وعهد الإسلام ، والقرون أي الأمم ، ونحن الآخرون السابقون إشارة إلى الحديث النبوي الشريف

[ نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا واوتيناه من بعدهم ، وهذا يومهم الذي فرض عليهم ، فاختلفوا فيه فهدانا الله له ، فهم لنا فيه تبع ، واليهود غدا ، والنصارى بعد غد ]


( أحاديث مثنوى 1 / 67 - 68 - ولتفسير الحديث تفسيرا آخر ، انظر الكتاب الثالث ، الأبيات 1117 - 1120 وشروحها ) .

« 462 »

( 3070 - 3074 ) : الضمير عائد على المذكورين في العنوان ، والفراغ من الاهتمام بالغد عدم التفكير في اليوم الموعود ، ووصفهم بالنساء ليس دلالة جنسية ، لكنهم مفتقدون لرجولة الطريق وتحمل مشاقه ، ولاتباعهم هوى أنفسهم ، والنفس والنساء سيان ، والملوك هم ملوك الطريق .


( 3078 - 3087 ) :سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا ، يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْقال نجم الدين كبرى " الآية تشير أن القلوب الغافلة عن الله يقول أهلها بألسنتهم ما ليس حقيقة شعورهم ولا شعور قلوبهم "


( مولوى 2 / 587 ) ، كل ما يقوله هؤلاء إذا رأوا وليا : اذكرنا بهمتك في الدعاء ، وهو قول من طرف اللسان ، ويقول : شغلنا بالكسب الحلال ، وهو أمر مردود عليه ، فالكسب الذي يبعد عن الله وعن طلب الحقيقة ليس كسبا حلالا ، إنه يتوسل في البعد عن الله ، فيقيم على طاغوته ، وإذا كان لم يصبر عن الدنيا على فنائها فكيف صبره عن دار البقاء والخلود والنعم ؟ ومن لا صبر له عن البشر ، كيف صبره عن خالق البشر ؟ ! ( نعم الماهد ) والآية في سورة الذاريات / 48 
 

( 3088 - 3098 ) : يشير إلى جهد إبراهيم عليه السلام في البحث عن الحقيقة وعدم الوقوف على الظواهر المتغيرة والآفلة مهما بدت عظيمة ، ويتحدث مولانا عن نفسه : إنني لا أنظر إلى العالمين نظرة حقيقية ما لم أعلم خالق هذين العالمين ؟ ! والذي يتمتع بنعم هذه الدنيا لا على رجاء الله ، يكون كالأنعام بل أضل ( إشارة إلى الآية 179 من سورة الأنعام ) ، وأن المنغمس في الإثم وعدم الذكر اعتمادا على غفرانه ورحمته يكون متجرئاً ، قد خدعته حيلة النفس اللئيمة ، فإنك إن قل رزقك ، لا تكون هذه ثقتك بالله .

« 463 »

 
( 3099 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت يبدو أنها من المأثور الشعبي الذي كان متداولا أيام مولانا ، ولا يزال متداولا إلى يومنا هذا ( استعلامى 2 / 314 ) ولم يذكر زرين كوب ( بحر در كوزه / 329 ) لها مصدرا ، وإن كان قد التفت إلى المفارقة في حالة الشيخ الذي يتبع أمراضه الجسدية مرضا مرضا دون انتباه إلى حالته العصبية والأخلاقية الظاهرة ( ضيق العطن وسرعة الغضب وحدة اللسان ) .
 

( 3111 - 3117 ) : يتوارد دائما إلى ذهن مولانا عند ذكر الشيخ جسدا ذكر مشايخ وشيوخ الروح ، المرشدون الأولياء ، أولئك الذين قال الله في شأنهم فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً ( النحل / 97 )

وهذه الحياة الطيبة تنجيهم وتخلصهم من مظاهر الشيخوخة ( إذا كان جسمك قد شاخ ، فلم الحزن ، ما دامت روحك شابة - ديوان شمس تبريزى ) وعباد الدنيا يعرفونهم ، وإلا فلماذا الحسد الذي يصبونه عليهم ؟ !

( يعرفون الأبناء أضدادهم ، مثلما لا يشتبه أولادهم - البيت 3665 من الكتاب الثالث - وانظر أيضا 3075 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ،

هم سيوف الله البتارة ، ولو كان هؤلاء المنكرون يعرفون الجزاء الذي يحيق بهم من أساء منهم إليهم ، ولو كانوا يعرفون أنهم في حمى الحق

( تحت قباء الحق أو تحت قبابه ) ، لما صبوا عليهم الإساءات ووجهوا إليهم الإهانات ، في حين أن غضب رجل الحق يستطيع أن يجعلهم يعانون ( مائة قيامة ) ( انظر الكتاب الأول ، الأبيات 1940 - 1946 وشروحها ) .


( 3118 - 3126 ) : إن الولي يحتوى في داخله على ذات الحق ، ومن ثم لا يقيم بموازين الدنيا ، فما وقوفك على باب هذه الدار دون أن تدرى ما بداخلها ؟ ! ! وما وقوفك بالمسجد غافلا عن رب المسجد ؟ ! والله سبحانه وتعالى فضح القرون الأولى والأمم السابقة بسوء معاملتها لأوليائها وأنبيائها ، فهم في غيرة

« 464 »

الله ، وفي حفظه ( انظر قصة صالح وثمود في الكتاب الأول ) ، إذن فاعلم أنك بموقفك المنكر للمشايخ والأولياء تشبه تماما أولئك الذين عذبهم الله لمواقفهم من الأنبياء ، ( ما للأنبياء للأولياء ) فأي طمع لك في النجاة . وفي مناقب العارفين للأفلاكى ذكر البيتين مستشهداً برواية لجلال الدين إن ما حاق بخوارزمشاه على أيدي المغول كان جزاءا على سوء معاملته لوالده 1 / 16 .


( 3127 ) : " جوحى " هو جحا في الأدب العربي ( انظر حديقة الحقيقة ، الأبيات 5698 - 5700 وشروحها ) والحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت قبل مولانا في الأغانى لأبى الفرج الأصفهاني ومحاضرات الراغب الأصفهاني والمحاسن والمساوىء لإبراهيم بن محمد البيهقي ، ولم يكن جحا بطلها بل ابن أبي رواح ، الذي قال لأبيه : أتراهم يحملون الميت إلى دارنا ؟ ! ( مآخذ / 77 - 78 ) .

( 3139 - 3149 ) : هكذا يعرف ابن جحا أمارات منزله الذي يشبه القبر ، لكن الطغاة لا يعرفون ولا يحسون أن قلوبهم تشبه القبور ، وذلك القلب الذي لا يشع عليه النور الإلهى هو في الحقيقة أشبه بالقبر ، بل أشبه بروح اليهودي ، بينما تستضاء قلوب العارفين بالنور الإلهى ، فلا فتوح فيها ، ولا روح ، ولا زاد من الوهاب الودود ، ولا نور شمس الحقيقة يسطع عليها ، وهذا القلب الذي يشبه القبر ، يكون القبر أفضل لك منه ، فأنت الحي ابن الحي فكيف تليق بك سكنى القبور ، وأنت يوسف الحسن فما مقامك في البئر ، والروح فيك بمثابة يونس عليه السلام ، فكيف تكون في بطن الحوت ولا تنجو من بطن هذا الحوت بالتسبيح : فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ( الصافات / 145 ) ،


وما هذا التسبيح الذي ينجيك ؟ ! إنه ذكر يوم العهد ويوم الميثاق ، يوم « ألست » ويوم الإقرار بالعبودية ( انظر 1672 من الكتاب الذي

« 465 »

بين أيدينا ) وتسبيح الروح هو ترديدك ل « بلى » على « ألست بربكم » ، ونحن الأسماك سجناء حوت بحر الحياة .

( 3150 - 3155 ) : إن سمكة هذا البحر هي من رأت الله بعينها ، وسبحت في بحر الحقيقة ، والدنيا بحر ، والجسد هو الحوت ، والروح هي يونس ، والروح عليها أن تتجه إلى الحق بالتسبيح وإلا ماتت ، وهذه الأسماك كثيرة في هذا البحر ، رجال الحق كثيرون ، لكنك لا تراهم لأنك تنظر إليهم بعين الجسد .


( 3156 - 3165 ) : الصبر هو تحمل المشاق في طريق الحق ، وهو أيضا نسيان كل شئ ما عدا الحق ، (انظر 3085 - 3087 من الكتاب الذي بين أيدينا)

وهو روح التسبيح ، أي نسيان كل شئ عند ذكر الحق ، وكما يكون عبور جسر الصراط صعباً لكنه يفضى إلى الجنة ، فإن الصبر مر ، لكن عاقبته حلوة ، مرارته مع حلاوته ، مثلما يحرس الحسناء مارد أسود قبيح ، فإذا كنت تريد الجمال الإلهى ، ينبغي أن تتحمل الصبر ، ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر ، وإذا كنت تريد حسناء من " شكل " ( مدينة في ما وراء النهر مشهورة بجمال نسائها ) فعليك بالصبر والتحمل . [ فالصبر ضياء والصلاة نور ] " ( حديث نبوي رواه الأنقروى 2 / 480 ) ،


ولذة الرجل في الكر والفر ، ولذة المخنث في شئ آخر ، فإن لذته تجعله دائما في الحضيض ، وهو في الحضيض حتى وإن كان مظهره يدل على غير ذلك ، والشحاذ وإن حمل علما فهو شحاذ ، ليس غازيا حتى تخاف منه ، فهو يحمل علما من أجل التسول ومن أجل الكدية .


( 3166 ) : المفارقة هنا لإلباس المعاني سالفة الذكر شخوصاً ، ليس المهمة الهيئة ولا المنظر المهيب المرعب ، فالرجولة معنى ، والبطولة معنى ( بحر در كوزه / 402 ) . 

« 466 »

( 3170 - 3174 ) : إشارة إلى قصة الثعلب والطبلة المعلقة الواردة في كليلة ودمنة ( مآخذ / 78 ) .

( 3175 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت ، وتدور حول نفس معنى التناقض بين المظهر والمخبر وردت قبل مولانا في مقالات شمس الدين التبريزي ( مآخذ / 78 - 79 ) .

( 3179 - 3186 ) : في طريق الحق لا يؤدى التظاهر وادعاء الكمال إلى الوصول إلى نتيجة ، وهذا التظاهر يزيد العبد بعداً عن الحق ، تماما كمن يدخل الحرب بسلاح وعدة كاملة ، لكنه يفتقد شجاعة القلب وإقدام الباطن ، وأفضل عدة للمرء في الحرب روح مقدامة وشجاعة . . . شجاعة حقيقية ، فسلاح المكر والحيلة إنما يؤدى إلى الوبال ، وما دمت لم تستفد منه ، فأولى بك أن تتركه ، وأن تقول مثلما قالت الملائكة :لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا( البقرة / 32 ) .

وفي رواية عن الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه « إن كان العرض على حقا فالمكر لما ذا ؟ ! » وللإمام علي رضي الله عنه « إياك والخديعة ، فإن الخديعة من خلق اللئيم » ،

وله أيضا « من مكر بالناس رد الله سبحانه وتعالى مكره في عنقه » وقال رضي الله عنه : ليس منا من ماكر مسلماً .

( عن جعفري 5 / 443 - 444 ) .

 وأن تدعو بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم [ اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها ] ،

والكامل هو كلما ازداد علما عرف ما هو مجهول فيه ، لأن ما يجهله الإنسان دائما فوق ما يعلمه ، والعلم الحقيقي - كما يقول يونس امره - هو عمل معرفة النفس ، فما لم يعرف المرء نفسه بم يفيده قراءة العلوم ؟ ! ! ) ( جلبنارلى 2 / 386 - 387 ) .

« 467 »

( 3187 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت قبل مولانا في عيون الأخبار للدينوري وفي ذيل زهر الآداب ( مآخذ / 79 ) والذي ورد هو الجزء الأول منها الخاص بصب التراب ( أو الرمل ) وقسمة القمح بين عدلين وبقيتها من إضافات مولانا جلال الدين ، ومضمونها في رأى زرين كوب ( بحر در كوزه / 495 ) ناظر إلى بيت ابن الراوندي :كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه * وجاهل جاهل تلقاه مرزوقاكما ذكر أن الإضافات ورد نظيرها في كلستان سعدى ( الباب الأول حكاية 39 ) كما تذكر بشعر مشهور لشهيدى البلخي .

( 3208 - 3212 ) : الحكمة هنا بمعنى المعرفة عموماً ، وليس الفلسفة والحكمة الإلهية .

قال نجم الدين كبرى : فظن قوم أن الحكمة مما يحصل بمجرد التكرار أو هي من نتائج الأفكار ، وما فرقوا بين المعقولات والحكميات والإلهيات ، فالمعقولات مشتركة بين أهل الدين وأهل الكفر وبين المقبول والمردود ،

فالمعقول ما يحكم العقل عليه ببرهان عقلي ، وهذا متيسر لكل عاقل بالدراية وبالقوة ، فحين صفى عقله عن شوب الوهم والخيال فيدرك عقله المعقول بالبرهان دراية عقلية ، والذي لم يصف العقل من هذه الآفات فهو يدرك المعقول قراءة بتفهيم أستاذ مرشد ، أما الحكمة فليست من هذا القبيل ،

فإن العقول عن دركها بذواتها محتبسة والبراهين العقلية والنقلية عنها مختبئة فإنها مواهب ترد على قلوب الأنبياء والأولياء عند تجلي صفات الجمال والجلال وفناء أوصاف الخليقة لشواهد الخالقية ( مولوى 2 / 605 ) .

والمقصود بالحيل البالية العلوم المتوارثة التي ليست إلا مكرا أو حيلة ، ويضيف الأعرابي : إنني لأفضل أن أكون جاهلا أحمق لكني قلبي حافظ لمئونة إيمانه وروحي حافظة لإيمانها ، والشقاء المقصود هنا الشك في الرزق والرازق والتي تؤدى إلى الكفر والضلال .

« 468 »


( 3213 - 3220 ) : هناك في رأى العارفين نوعان من المعرفة : نوع يحصله المرء عن الطريق الدنيوي المدرسة والبحث والاستدلال والاستناد على موازين العقل ، ويسمى مولانا هذه العلوم بعلوم أهل الحس ( انظر البيت 1020 من الكتاب الأول ) وفي المقابل هناك العلم اللدني وهو نور يقذفه الله في القلب ، ومثاله علم الخضر عليه السلاموَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً( الكهف / 65 )

يقول مولانا :
هناك حكمة من الطبع والخيال ومن الوجود المادي ونتيجتها الظن والشك ، وفي مقابلها الحكمة الإلهية وهي الفيض المباشر لنور الحق وتحمل الإنسان إلى مقام أعلى من هذه الدنيا المادية ( أنظر البيت 1676 ) ،

ويقول مولانا : أن علماء هذا الزمان - حتى في العلوم الظاهرية - أكثر حيلة ومكرا من علماء العصور السابقة ، ويضيف : وأسوأ أخلاقا ، ثم يحدد وظيفة الفكر : الفكر هو الذي يفتح طريقا ، ويقول المفسرون أنه الطريق إلى عالم الغيب والحقيقة ( استعلامى 2 / 318 ) .

والواضح أنه الطريق الذي يخلص البشرية من العبودية للثالوث المسيطر : الدين المزور ، والمال والقوة ، والذي يعلى من شأنه القيم الإنسانية ، وقيمة الإنسان ، وإذا نظرنا إلى علماء الظاهر في زماننا ، لهالنا التردى الذي وصل إليه هدف العلم ، العلم من أجل العلم ، وتقديس العلموية هذا بالنسبة للعلماء ، أما بالنسبة للمتأجرين بالعلم وخدام السادة الجدد وسدنة المال ، وأنصار التبعية والانسلاخ فحدث ولا تسل

( انظر المفكر ومسئوليته في المجتمع ، لعلى شريعتي - ضمن كتاب الثورة الإيرانية الجذور والأيدلوجية - ط 2 )

الطريق الذي يفتحه العلم الحقيقي طريق صالح لأن يسير فيه ملك ، بل قد يضحى الملك بملكه لكي يصل في طريق هذا العلم ، لأنه به يصل إلى الملك السرمدي والعز الحقيقي .

( 3221 ) : الكرامة المذكورة هنا منسوبة إلى إبراهيم بن أدهم ، وتتكرر أخباره


« 469 »

وكراماته في المثنوى ، تروى كتب الصوفية ، أنه كان أميرا على بلخ ، وترك الإمارة وأنخرط في سلك الصوفية وصار عارفاً عظيماً ، استشهد في غزوة على آسيا الصغرى سنة 160 أو 161 هـ ( استعلامى 2 / 318 )

والكرامة المذكورة هنا وردت في تذكرة الأولياء للعطار وإن كان مولانا جلال الدين قد أضاف إليها الكثير .

( مآخذ / 80 ) وردها صاحب نفحات الأنس كرامة شبيهة بها عن أبي الحارث الأولاسى ( جلبنارلى 2 / 387 ) .

( 3227 - 3235 ) : يعود مولانا في هذه الأبيات إلى الحديث في أن الأولياء مشرفون على القلوب ( أحذروهم هم جواسيس القلوب ) لأحمد بن عاصم الأنطاكي ( انظر البيت 1482 وما بعده من الكتاب الذي بين أيدينا )

وهو يشبههم في هذا بالخوف والرجاء ، فلا يوجد قلب لا يتواتر عليه هذان للحالان ومع ذلك فلان المرء العادي لا يضرهم ولا يعرفهم على حقيقتهم يسئ الأدب في حضورهم ، وتتزين في مواجهة العميان الذين لا يملكون بصيرة عن سادة الدنيا ، ومن ثم فأنت أسير للشهوات ، لأنهم لا يبصرون إلا ظاهرك ، ولا يعلمون شيئاً عن باطنك ، مع أن زينتك هذه أمام أهل الباطن تبدو وكأنك وضعت غائطا على وجهك ، ومع ذلك فأنت تفخر .


( 3240 - 3250 ) : يترك مولانا الحكاية معلقاً : إنك إذا نظرت إلى ما قام به إبراهيم بن أدهم على أنه أمر خارق للعادة ، فذلك لأنك لا تعرف أن قدراتهم الروحية تفوق هذا الأمر بكثير ، وما أمورهم هذه إلا رائحة من البستان الذي في بواطنهم ، فإن تتبعت هذه الرائحة فقد وصلت إلى هذا البستان ، وألم تكن رائحة قميص يوسف سبباً في رد البصر إلى يعقوب ، وبشرى اللقاء بيوسف نفسه ؟ ! !

وألم يكن أحمد المصطفى صلى الله عليه وسلم يجدها في الصلاة . ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ جعلت قرة

« 470 »

عيني في الصلاة ] ، وأنت تقول لماذا حاسة الشم ؟ ! أقول لك لست أقصد حاسة الشم بعينها ، فالحواس متصلة ببعضها ، وأنت إن طهرت إحداها طهرت بقيتها ، فهي كلها من نبع واحد ، ومن هنا يحدث العشق ، فالعشق أصله الرؤية ، وبالعشق يكون البصر صادقا ، فستستيقظ كل حاسة ، ويكون ثم ذوق لها ، ومن ذاق عرف .
 

( 3251 - 3260 ) : يعود مولانا جلال الدين إلى الحديث عن " حواس السلوك " أو " حواس الباطن " التي يكون العارف مجهزا بها للوصول إلى عالم الغيب ، عالم غير المحسوسات أي ما لا تدركه الحواس غير العادية ، وهذه الحواس الباطنة معطلة لا تعمل طالما نحن أسارى للحياة المادية منغمسين في شهواتها ، وهي " تفك " ويفك أسارها أثناء السلوك ، ويشبه مولانا هذه الحواس بأنها قطيع من الخراف تسير متحدة ، وإن عبر أحدها الجدول عبر بقية القطيع خلفه منطلقين إلى المرعى الإلهى الوارد في الآية الكريمةوَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى( الأعلى / 4 )


حواسك كالخراف ينبغي أن ترعى في مرعى الله ، حتى تصل إلى النور الناظر إلى الغيب ، فكل حتى يرسل النور إلى بقية الحواس في رياض الحقائق ، هذه الحواس تتحدث فيما بينها بلا لغة أو لسان ، وذلك لأن هذه الحقائق لا يستوعبها لسان ، وبأي شكل تقولها ، تحتمل التأويل ( انظر البيت 1088 من الكتاب الأول ) ،


وتؤدى إلى إعمال الخيال ، فيتخيلها كل إنسان بشكل ما ، هذه الحقيقة التي هي كالعيان ترى عن طريق عين الباطن ، بلا كتاب أو مدرسة ، وهذا الاتحاد للحواس الباطنة هو الذي يجعل حواس بواطن رجال الطريق متحدة تتعاون فيما بينها ، وتجعلهم يسيطرون على العوالم والأفلاك ، لأن قدراتهم تتحد مع قدرة الحق ، ( استعلامى 320 - 321 ) .

« 471 »

( 3261 - 3268 ) : يريد مولانا أن يعبر عن حواس الباطن وقدرة " نور الروح " بتعبير آخر ، يقول أن الوجود الحقيقي يختفى داخل الوجود الظاهري والمادي وإنما يحس به من يملكون حسا باطناً ، ويضرب مثالا : إن كانت ثمة دعوى حول ملكية قشر ، فإن اللب الذي يحتوى على هذا القشر يكون من نصيب من تثبت له ملكية القشر ، وكذلك إن قام نزاع حول ملكية عدل من القش ، تثبت ملكية الحب لمن تثبت له ملكية القش ، والعالم تماما على هذا النسق ، الفلك الذي تراه بهذه العظمة هو مجرد قش لنور الروح ، ولا يغرنك أن الفلك واضح والروح خفية ، فالجسد واضح والروح خفية ، ومع ذلك فإن هذه الروح الخفية هي التي تحرك كل قوى الجسد ، والعقل ، العقل الباحث عن الحق أكثر خفاءً من الروح ، فالحس ( الباطني ) من الممكن أن ينعكس في الأحاسيس الظاهرة ، دليلها الحركة ، لكن الحركات لا تدل على العقل بل لا بد من حركات متزنة ولكي تتناسب والشاق في الحركة حتى تدرك أن هناك عقلًا 
 

( 3269 - 3275 ) : وهناك ما هو أكثر خفاء من الروح ومن العقل : روح الوحي ، أي الروح المتصلة اتصالا مباشرا بالحق بحيث يصل إليها الوحي ، وهي من عالم الغيب ( انظر البيت 111 من الكتاب الأول )

لقد رأى كل مشاهد الرسل آثار عقله ، لكن كل روح لا تستطيع أن تدرك آثار الوحي ، فلا بد من أن تكون ثم مناسبة وتجانس من الناظر حتى يستطيع أن يدرك آثار الوحي ، آثار الوحي هذه رآها بعضهم جنونا وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ( القلم / 51 )

وبعضهم لا يجد من رد فعل إلا الحيرة ، وروح الوحي ذات درجات ، لقد كان للخضر عليه السلام ما لم يكن لموسى عليه السلام ، ومن ثم اعترض على أفعال الخضر ، فإذا كان عقل موسى قد يعجز عن ادراكه ، فما بالك بعقولنا .

 
( 3276 - 3280 ) : العلوم التقليدية أي علوم هذه الدنيا أو علوم أهل الحس هي


« 472 »


علوم للتجارة ، تجد المشترى فتتألق وتزدهر وتنتشر ، هي علوم أصلا من أجل البيع ولذلك فهي تنتشر ، لكن العلم التحقيقى غالباً ما يكون مكتوما خفيا غير منتشر ،  لأن مشتريه الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى ، ذلك إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ( التوبة 111 ، وأنظر البيت 2721 من الكتاب الأول والبيتين : 2437 و 2448 من الكتاب الذي بين أيدينا ، وأنظر لتعبيرات أخرى عن الفكرة : الكتاب الخامس ، الأبيات 1463 - 1465 ، 1472 - 1474 وشروحها ) .

ولكل بضاعة مشتريها بحسب قيمتها ، فالدرس الذي علمه الله سبحانه وتعالى لآدم عليه السلام ، اشترته الملائكة ولم يقدره الشيطان حق قدره ، ولقد تلقى آدم الأمر بأن ينقل الدرس وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ( البقرة / 31 )

وآدم هو كل إنسان وصل إلى الحق ، وبلغ مقام « علم الأسماء » يطلب منه مولانا أن ينقل ما تعلمه .


( 3281 - 3290 ) : وقصير النظر كالشيطان ، لا اهتمام له بالعالم الأسمى ، متغير ، يغير لونه ، ليس ثابتاً في طريق الحق ، كل ما يعرفه محدود بعالم الأرض والمادة ، ( أنظر البيتين 2440 - 2441 من الكتاب الذي بين أيدينا ) هذا القصير النظر أشبه بالفأر ، عالمه ضيق ، وأفقه محدود ، وأهتماماته محدودة ، وعقله بقدر حاجته ، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى يهب كل إنسان عقلا بقدر حاجته ، وهذه سنته في خلقه ، فالسماء في حاجة إلى الأرض ، والأرض في حاجة إلى الجبال ، والكون في حاجة إلى الأفلاك ، فالحاجة هي الجاذبة وهي الوهق الذي يجذب كل الكائنات من العدم إلى الوجود .
 

( 3291 - 3298 ) : إذا كانت الحاجة إذن هي الوهق الجاذب ، فلما ذا تخفى حاجتك ؟ ! لماذا تكتم احتياجك وهو سبحانه وتعالى يحب أن يسمعه منك ، وذلك

« 473 »

حتى يجيش بحر الكرم ، فهو الذي يضع الدعاء على لسانك لكي يستجيب لك ، والمتسولون المعوقون يعرضون عاهاتهم ليحركوا شفقة البشر ؟ ! وهل سمعت عن متسول يقول أعطونى لأن عندي كذا وكذا ؟ ! ومن هنا لم يخلق الله تعالى للخلد عينين ، فما حاجته إليهما ، لكنه إن خرج من حجره لا يخرج إلا للسرقة وإن خرج ربما طهره الله من هذه السرقة، وربما خلق جناحا ( كان من المعتقد أن الخفاش في الأصل فأر وخلق له جناحان )، فيحلق ذلك الفأر المسكين حبيس التراب إلى الأعالي .


( 3299 - 3313 ) : الشكر كالروضة ، تجعل المغفور له سعيداً متهللا كأنه الروضة فتبدو سيماء الشكر على سيمائه ، ( أنظر الكتاب الرابع ، الأبيات 1742 - 1747 وشروحها )

والبيت 3301 ناظر إلى قول الإمام علي رضي الله عنه " عجبت لابن آدم ينظر بشحمة ويسمع بعظمة " ، وهذه المعاني لا علاقة لها بالجسم ، فهل تبصر كل شحمة ؟ ! وهل تسمع كل عظمة ؟ !

ومن ثم أيضا متى تدل الأسماء على المعاني ؟ ! وهل هناك علاقة بين الطائر ( الروح ) وبين الوكر ( الجسد ) وهل هناك علاقة بين الجدول ( الجسد ) والماء الجاري ( الروح ) ؟ !

إن ماء الجدول سيار متدفق لكنه تراه متوقفا ، وإذا لم يكن سيارا ، فمن أين له هذا القذى فوقه ؟

أتعرف ما هو هذا القذى ؟ إنه صور الفكر ، هذه القشور الموجودة هي جيشان ماء الروح المتدفق من حديقة الغيب التي تتوالى عليه ، فابحث عن فكرك من منبعه ، أي من حديقة الغيب ، فالماء يتدفق منها ، وإن كنت لا تملك إدراكا للغيب ، فانظر على الأقل إلى آثاره ، وإذا كان الماء يتدفق سرعة فإن القشور سرعان ما تختفي . . . على هذا النسق تماما يكون التكامل الروحي للإنسان، من شدة تيار الحياة الباطنية تختفي إهتمامات الحياة المادية سريعا .

« 474 »

وهناك مراتب لا يتجلى فيها سير الحياة المادية لكنها ملحوظة : تسامق النبات ونموه ، سرعة قشور الصور بنمو تيار الروح وتناميه ، ازدياد الرضا الروحي والقناعة الروحية يجعل الحزن لا يستقر في قلب العارف ، بل يمر سريعا ( انظر الكتاب الثالث الأبيات : 1820 - 1835 وشروحها ) وعندما يبلغ الماء مداه في السرعة ، لا تظل في الوجود الإنساني إلا الروح المتحركة .


( 3314 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت ، لم ترد بنصها في مصدر سابق على مولانا ، وإن وجدت حكايات مشابهة لها في سيرة الصوفي الرازي المعروف يوسف بن الحسين " من صوفية القرن الثالث الهجري " ( استعلامي 2 / 323 عن تذكرة الأولياء للعطار ) .

وجو الحكاية عموما جو تقليدي عن اعتراض بعض الجهال على بعض أفعال المشايخ ، وأخذها على ظاهرها والطعن فيها جهلا .

( 3320 ) : يشير هنا إلى قاعدة فقهية فحواها : إذا بلغ الماء القلتين لم يحمل الخبث " ( أحاديث مثنوي / 68 ) والمصطلح من الفقه الشافعي ، والقلة عند ابن دريد خمس قرب من الماء ( جعفري / 5 - 489 ) ونقل ابن منظور في لسان العرب مقادير مختلفة للقلة .

( 3321 ) عن إبراهيم الخليل عليه السلام والنمرود انظر البيتين 551 و 1616 من الكتاب الأول والآيات 67 - 70 من سورة الأنبياء .


( 3325 - 3330 ) : الشيخ إن تصرف تصرفات لا يفهمها الجاهل لا يقلل هذا من قدره ، وإن تحدث حديثا دون المستوى فمن أجل أن يفهمه العامة والمريدون ، كالأب ينزل إلى مستوى ابنه ، حتى وإن كان هذا الأب عالم العلماء .


( 3336 ) :كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ، لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( القصص / 88 ) .

( 3343 ) : الحس المشترك أحد الحواس الباطنة ( انظر البيت 3590 من الكتاب

« 475 »

الأول والبيت 67 من الكتاب الذي بين أيدينا ) وهو في اعتقاد العلماء محل ارتسام صور المحسوسات في باطن الإنسان ، وليس للملائكة شأن بالحس المشترك ، إذ لا علاقة لهم بعالم المحسوسات .

( 3350 ) : عودة إلى قصة إبراهيم بن أدهم التي بدأت بالبيت 3321 .

( 3354 ) : فتح ذلك الباب أي بداية الطريق المعنوي والسلوك .

( 3355 ) : عودة إلى قصة العائب على الشيخ .

( 3369 ) :وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ *( البقرة / 144 ) .

( 3379 ) : الحكاية التب تبدأ بهذا البيت - فيما يقول فروزانفر ( مآخذ / 80 ) وردت قبل مولانا في محاضرات الأدباء وفي حلية الأولياء منسوبة إلى حبر من بني إسرائيل .

( 3431 ) : إشارة إلى الآية الكريمة فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ، فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ( النحل / 115 )


( 3437 - 3438 ) : إشارة إلى الحديث النبوي الشريف [ لو كانت الدنيا دما عبيطا لا يكون قوت المؤمن فيها إلا حلالا ] ( أحاديث مثنوي / 69 ) .

( 3439 ) الرواية التي تبدأ بهدا البيت لم ترد في مصدر قبل المثنوي ، وربما كانت مستوحاة من الحديث النبوي الشريف [ جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ] . ( أحاديث مثنوي / 69 ) .

( 3451 ) : القصة التي تبدأ بهذا البيت وردت قبل مولانا في مقالات شمس الدين البريزي ( مآخذ / 80 - 81 ) .

والقصة ترمز إلى وقاحة المريد في محضر الشيخ وتجرؤه عليه لخفض جناحه له ، حتى يتعرض للامتحان الصعب ، ويرى الأنقروي أنها مستوحاة من الحديث النبوي [ المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف ، إن قيد انقاد ، وإن أنيخ على صخرة استناخ ] ( أنقروي 2 / 524 ) .

« 476 »
 
( 3468 ) : المعنى من سنائي الغزنوي : إذا لم تكن نبيا ، فكن من الأمة ( انظر حديقة الحقيقة الأبيات : 3908 - 3911 وشروحها ) ( 3480 ) البيت منقول من البيت 428 من حديقة سنائي .

( 3493 ) الحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت قبل مولانا في حلية الأولياء والرسالة القشيرية عن ذي النون المصري ، وفي تذكرة الأولياء مرة عن مالك ابن دينار ومرة عن ذي النون المصري بشكل أكثر تفصيلا .
( مآخذ / 81 - 82 ) .

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: