الأربعاء، 12 أغسطس 2020

15 - هوامش وشروح 846 - 1230 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

15 - هوامش وشروح 846 - 1230 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

15 - هوامش وشروح 846 - 1230 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثاني ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

شرح اختبار الملك لذلكما الغلامين اللذين اشتراهما حديثا
( 846 ) : لم يورد فروزانفر أصلا للحكاية التي تبدأ بهذا البيت ، كما لم يورد زرين‌كوب ( بحر در كوزه ) لها أصلًا ، وقال استعلامى ( 2 / 219 ) إنها من الممكن أن تكون اقتباسا من حكايات عديدة .
 
( 848 ) : « تكلموا تعرفوا ، فإن المرء مخبوء تحت لسانه » قول أسنده فروزانفر ( أحاديث مثنوى / 51 ) إلى الإمام علي رضي الله عنه ، وفي الحديث النبوي الشريف : " المرء بأصغريه لسانه وقلبه " وفي الأقوال المأثورة : اللسان ترجمان القلب .
 
( 854 - 859 ) :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ ، يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً( الأنفال / 29 ) ، وهذا الفرقان هو النور الإلهى لو نورت به أعيننا ، لكان السؤال منا ولكان الجواب منا أيضا ، أي لظهرت الأمور ووضحت بحيث يبدو أن عين


 
« 372 »
 
السؤال منها هو عين الجواب ( جعفري / 3 - 448 ) ، والمثال المذكور عن الأحول الذي رأى القمر فوق كبد السماء قمرين ، مأخوذ من حديقة سنائى ( أنظر الترجمة العربية لكاتب هذه السطور ، الأبيات 412 - 414 وشروحها ) .
 
( 860 - 865 ) : يفرق مولانا هنا بين نوعين من المعرفة : معرفة أهل الظاهر ومعرفة أهل المعنى ، أي ما يراه الإنسان بعين الباطن ، بين ما يتعلمه المرء عن طريق السماع من المعلم والمرشد والكتاب وبين النور الذي يستقر في القلب ، بين أهل المقال وأهل الحال ( عن الحال والمقال أنظر البيتين 555 و 2223 من الكتاب الأول وشروحهما ) ، إن معرفة السمع قد تغير الصفات ، ولكن معرفة القلب تغير كل الوجود ، إنك من الممكن أن تسمع عن النار ولا تعرفها ، إنما يعرفها من " رأى " إحراقها وإنضاجها ، ومن ذاق عرف ، وهناك ثلاثة مراتب للمعرفة ، يصل السالك في البداية إلى علم اليقين ثم يصل إلى عين اليقين أو حق اليقين ( أنظر 3507 من الكتاب الأول ) وإلا بقي مجرد أذن وصاحب أذن أسيرا للفظ فحسب . ( استعلامى 2 / 220 ) : و " علم اليقين ما يحصل عن الفكر والنظر ، وعين اليقين ما يحصل عن العيان ، وحق التيقن ما يحصل عن اجتماعهما معا " ( مولوى / 2 - 221 ) .
 
( 872 ) : إن هذا الإبعاد ليس حطا من شأنك ، فهكذا درجتك ومنزلتك أن ترسل إليك الأوامر والتوقيعات كتابة ، لا أن تكون جليسا ونديماً .
 
( 875 ) : إحراق الكليم من أجل برغوث مثل دارج فارسي يضرب للتضحية بالشئ الثمين من أجل نقص تافه فيه ( جلبنارلى 2 / 152 : تستخدم أيضا في التركية ) .
 
( 882 ) :وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي ، إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ
 
 
« 373 »
 
( 884 - 885 ) : " طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله ووسعته السنة ولم يعد منها إلى البدعة " ( حديث نبوي ، الجامع الصغير 2 / 55 ) .
 
( 886 - 888 ) : أصدق حالاتك هي ما يراك الآخرون عليها لا ما ترى أنت نفسك عليه ، فانتظر ما يقوله الناس عنك ، لا ما تقوله أنت عن نفسك ، فإنك لن تبصر نفسك إلا بنور من الخالق ، وهو ليس نوراً حسيا و " المؤمن ينظر بنور اللّه " أنظر 1340 و 2646 و 2792 و 3534 من الكتاب الأول وشروحها .
 
( 895 - 903 ) : إن الله سبحانه وتعالى وهب البشر أرواحا عديدة ، ومن أدرك هذا كان بذل روح واحدة امرا هينا عنده ، ولما ذا يبخل الإنسان والحسنة تعود عليه بعشرة أمثالها ،مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ( الأنعام / 161 ) وهناك حديث نبوي هو " من أيقن بالخلف جاد بالعطية " وأنكر فروزانفر كونه حديثا نبويا ( أحاديث / 51 ) وأرجعه إلى أقوال الإمام علي رضي الله عنه ، وورد عند الأنقروى " من تيقن بالخلف جاد في السلف " ( عن جلبنارلى 2 / 152 ) ، والسخاء من رؤية جود الخالق وعوضه لا من اليد ، ومن ثم فالجواد بصير والبخيل أعمى .
 
( 923 ) : السماء الرابعة هي موطن عيسى عليه السلام ، حبس عن بقية السماوات فيما يروى المأثور الصوفي لأنه وجد في خرقته من متاع الدنيا إبرة يرتق بها هذه الخرقة .
 
( 929 ) : الجنيد هو أبو القاسم الجنيد الزجاج أو القواريري ، نسبة إلى صنعة أبيه ، نهاوندى ولد في العراق ، يسمى عند المولوية بسيد الطريقة لأنه نسبة الخرقة المولوية ترجع إليه . توفى سنة 297 ه ( 909 - 910 م ) ودفن في بغداد
 
 
« 374 »
 
( جلبنارلى ، الترجمة الفارسية 2 / 154 ) ، ( أنظر 128 و 129 و 412 و 413 من الكتاب الأول ) .
 
( 930 ) : بايزيد هو أبو اليزيد طيفور بن عيسى البسطامي مؤسس مدرسة " السكر " في التصوف الإسلامي والمتوفى سنة 261 ه . ( أنظر الأبيات 128 و 129 و 412 و 413 من الكتاب الأول وأنظر تعليقات جلبنارلى على البيت 2284 من الكتاب الأول ) .
 
( 931 ) : معروف بن فيروز الكرخي من متصوفى القرن الثاني ، توفى سنة 200 ه .
 
( 932 ) : إبراهيم بن أدهم ، توفى سنة 161 ه ، يضرب به المثل لترك ملك الدنيا لسلوك طريق العرفان ، ورويت عنه أكثر من حكاية في المثنوى .
( 933 ) : شقيق البلخي من طبقة إبراهيم بن أدهم - استشهد في المولتان سنة 174 ه ، ( جلبنارلى 2 / 154 ) .
 
( 934 - 938 ) : الكلام من البيت 908 يجرى على لسان الغلام وفيض النور الإلهى الذي غمر الأنبياء وانتقل منهم إلى الخلفاء ثم الأولياء والصوفية ثم يضيف : وهم أكثر من هذا بكثير لكنهم أخفياء وذلك مصداقا للحديث القدسي :
أوليائي تحت قبابى - أو تحت قبائى - لا يعرفهم غيري ، والإخفاء هنا من غيرة الحق عليهم ، فليس كل إنسان جديرا بمعرفتهم ( أنظر عن الغيرة الأبيات 1722 و 1755 و 3910 من الكتاب الأول )
ويعتقد العرفاء أيضا أنه من الممكن لرجال الحق ألا يعرف كل منهم الآخر ، وأحياناً يكونون من المحو في الحق في درجة لا يعرفون معها مرتبتهم ( استعلامى 2 / 223 ) فكأنهم أسماك في ذلك البحر ، بحر الروح أو روح البحر ( عند احمد الغزالي الرحلة تتم في بحر الحقيقة ) وليست كل هذه التعبيرات إلا قشور إلى جوار هذا اللباب .
 
« 375 »
 
( 947 ) : لجزاء الحسنة بعشرة أمثالها ينبغي أن تكون الحسنة خالصة لله تعالى .
 
( 948 - 951 ) : ينبغي أن تكون حسنات الإنسان صادرة من جوهره ( حقيقته وذاته وقلبه وروحه ) لا من عرضه ( جسده وكيانه الجسدي ) ثم يدخل مولانا في بحث عن الجوهر والعرض ، فجوهر الإنسان هو قيمته المعنوية والباطنية ، وأعراضه هي آثار وجوده المادية ، وحتى الصلاة والصوم والعبادات أعراض لأنها محدودة بزمان خاص وينتفى وجودها ، وهي تنفع في هذا العالم للتزكية ، لكن قيمتها الحقيقة ونتيجتها المادية تظهر في العالم الآخر ، كما أنها ذات هدف في هذا العالم هو جوهرها ، جاء في نهج البلاغة " فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك ، والصلاة تنزيها عن الكبر ، والزكاة تسبيبا للرزق ، والصيام ابتلاء لإخلاص الخلق ، والحج تقربة للدين ، والجهاد عزاً للإسلام ، والأمر بالمعروف مصلحة للعوام ، والنهى عن المنكر ردعا للسفهاء ، وصلة الرحم منماة للعدد ، والقصاص حقنا للدماء ، وإقامة الحدود اعظاما للمحارم ، وترك شرب الخمر تحصينا للعقل ، ومجانبة السرقة إيجابا للعفة ، وترك الزنا تحصينا للنسب ، وترك اللواط تكثيرا للنسل ، والشهادات استظهارا على المجاهدات ، وترك الكذب تشريفا للصدق ، والسلام أمانا من المخاوف " ( نهج البلاغة - ترجمة سيد جعفر شهيدى ، ص 402 ) . وكما أن الحمية تزيل المرض ، فإن جوهر الآدمي يتبدل ويتغير من أعراض العبادة .
 
( 952 - 960 ) : العرض يصير بالجهاد جوهراً ، فالزرع عرض يتحول إلى سنابل ، والنكاح عرض يتحول إلى ولد ، واستخدام كيمياء تحويل المعادن عرض ، لكن كن منتبهاً إلى النتيجة ، وصقل النفس عرض مثلما يصقل الحديد فيصير سيفا باترا ، لا تقل إذا لقد قمت بكذا بل قدم نتيجة عملك ، وقال الملك
 
 
« 376 »
 
ردا على الغلام : إذن فهذه الأوصاف كلها عرض ، فدعك منها ، وحدثني عن جوهر الغلام ، ما دمت تقول أن الأعراض لا تنقل .
 
( 961 - 964 ) : يقول الغلام : إن لم تنقل الأعراض لكان هذا موجبا لقنوط الخلق ، فإن السائرين في طريق الحق يعتبرون هذه الأعراض وسيلة لوصال الحق ، وينبغي ان تنقل هذه الأعمال العرضية إلى العالم الآخر وتقيم وإلا كان كل عمل نقوم به باطلا ، وكل قول هذيانا ، فلهذه الأعمال والأعراض حشر يوم القيامة لك ليس بصورها الحالية لكن بصورة أخرى .
 
( 966 - 977 ) : تماما مثلما تكون الأعمال هنا صورا ثم تكون أفعالًا ، أنت نفسك كنت مجرد غرض " من النكاح " والمنزل كان صورة في ضمير المهندس ، كل حرفة وكل مهنة تكون خيالا وفكرة في ذهن صاحبها ، والعالم كله كان مجرد فكرة ثم أصبح عملا ، والثمار غرض ، ثم يأتي الشجر ، وتكون الثمرة أيضا نهاية الشجرة ، والفكرة هنا ترجمة لعبارة ذكرها ناصر خسرو في خوان الإخوان منسوبة إلى ابن قتيبة " أول الفكر آخر العمل " .
وهناك غرض من خلق كل هذا العالم هو محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وذلك تطبيقا لحديث قدسي يرويه الصوفية " لولاك لما خلقت الأفلاك " ،
والحديث لم يرد بهذه الصورة إلا في كتاب متأخر نسبياً هو كتاب شرح التعرف على مذهب أهل التصوف لإبراهيم بن المستملى البخاري " لولا محمد ما خلقت الدنيا والآخرة ولا السماوات والأرض ولا العرش ولا الكرسي ولا اللوح ولا القلم ولا الجنة ولا النار ولولا محمد ما خلقتك يا آدم " ، وقال مؤلف اللؤلؤ المرصوع : لم يرد بهذا اللفظ بل ورد : لولاك ما خلقت الجنة ولولاك ما خلقت النار وعند ابن عساكر : لولاك ما خلقت الدنيا ( عن أحاديث مثنوى : 172 ) .
 
 
« 377 »
 
( 978 - 985 ) : يوافق مولانا رأى الغلام " بطل الحكاية " من أن الأعراض تقبل النقل ، فكل هذه الأقوال من قبيل النقل ، مثل نقل حكاية ابن آوى والأسد في كليلة ودمنة ، والآية الكريمة هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ( الإنسان / 1 )
في حد ذاتها دليل على أن العالم بأجمعه ليس إلا عرضاً ، لكنه ينتقل بعدها إلى عالم آخر . هذه الأعراض تتولد كلها من الصور ( بقول استعلامى 2 / 226 ) إن الصور هنا بمعنى الوجود المادي والظاهري أو بوجودها المثالي في الفكر الأفلاطونى ، هذه الصور بدورها تتبع من الفكر الذي هو منبع كل شئ . ثم يتحدث مولانا عن فكرة أقرب إلى فكرة الفيض الأفلوطينى ( وقد سبقه إليها سنائى ، أنظر حديقة الحقيقة ، الفصول الخاصة بالعقل الكلى والنفس الكلية ) .
والعقل الكلى وهو أول فيض هنا متمثل صورا في الرسل والأنبياء ، ثم يعود مولانا إلى سورة الإنسانإِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِفالمجىء إلى العالم هو امتحان وابتلاء ، ثم ينتقل الإنسان ( وهو عرض ) إلى العالم الثاني ، فينال جزاءه من خير أو شر . فكل عمل له وقوع عرضى ونتيجة ، والجواهر والأعراض تتولد من بعضها كالطائر وبيضة الطائر .
 
( 986 - 992 ) : يسأل الملك : لنفرض أن الأمر هكذا ، فأي جوهر إذن وأية نتيجة وصلنا إليها من كل كلامك عن رفيقك ؟ ! ويجيب الغلام : إن العقل الكلى لا يظهرها في عالم الوجود ، فلو كانت الحقائق ظاهرة ، لكان الكافر ذاكراً لله قبل المؤمن ، ويظهر إيمان المؤمن وكفر الكافر على جبينه ، ولما كان هناك غيب ، ولا أصنام ، ولا عباد أصنام ، ولما كانت الدنيا دنيا ، بل كانت قيامة ولا تنفى الخطأ ولصار الناس جميعا بأجا واحداً .
 
( 993 - 1005 ) : قال الملك : لقد أخفى الله جزاء السوء على العوام لا على
 
« 378 »
 
خاصته ، فأنا إن أخذت أحد الأمراء بجرم أخفى الأمر عن بقية الأمراء لا عن الوزير كاتم السر . فأنا أعلم جزاء الأعمال ، كما أعلم كثيراً من صور الأعمال التي تستوجب هذا الجزاء ، فأظهر لي أنت أيضاً - وأنت تعلم جزاء الأعمال - بعضها لي . ويجيب الغلام : إذا كنت تعلم فما الفائدة التي ستجنيها من قولي ؟ !
ويجيب الملك : من أجل الإظهار ، من أجل أن يخرج كل ما عمله عياناً ، ولولا ذلك لما كانت الدنيا دائما في مخاض ، وعالم الأعراض في الحقيقة هو إظهار العلم الإلهى ، والمخاض دلالة على الميلاد المستمر في الدنيا ، وأنت مطالب بالعمل لكي يظهر سرك على الملأ ، فالأعمال بيان للأفكار ، والأسباب أساس لميلاد الآثار ، والآثار بدورها تتحول إلى أسباب وهلم جرا . وأين العين البصيرة التي تكون مقترنة بالنور بحيث تدرك كل هذه الأمور ؟ ! !
( 1020 ) : " نعمة الجاهل كروضة في مزبلة " من الأقوال المنسوبة إلى الإمام علي رضي الله عنه ( استعلامى 2 / 227 ) .
 
( 1030 - 1031 ) : العين برغم أنها عضو صغير جداً في الجسم إلا أنها تفضل كل الأعضاء ، " الإنسان رؤية " هذا ما يقوله مولانا جلال الدين .
 
( 1032 - 1034 ) : هذا عن العين فما بالك بعالم الفكر ومركزه ، المخ ، إن فكرة واحدة قد تقلب العالم رأسا على عقب ، وعالم الباطن هذا بمثابة السلطان :
يبدو في الصورة جسدا واحداً ، لكن مئات الآلاف من العسكر والجند وعمال الدولة يدورون في فلكه ، والمثل وارد في معارف بهاء ولد ، ص 236 ، ومع ذلك فإن هذا السلطان قد يحكم بفكرة واحدة تسيطر عليه سيطرة تامة رغم سيطرته هو على دولة بأكملها .
 
( 1035 - 1036 ) : وهذه المخلوقات كلها منبعها فكرة واحدة ، هذه الفكرة تبدو
 
 
« 379 »
 
امام الناس هينة ، لكنها ابتلعت العالم كله واجتاحته ، وقد سكت الشراح عن هذه الفكرة تماماً ، العالم كله فكرة عند الخالق سبحانه وتعالى ، ثم قال له : كن فكان ، الفكرة كلها هينة عند الخالق ، وإن بدى أمره هذا مجتاحا العالم كله جارفا إياه كالسيل .
 
( 1037 - 1045 ) : إذن ما دام قد ثبت لك أن أصل كل ما في العالم هو الفكر ، لما ذا يبدون لك الجسد في عظمة سليمان والفكر في حجم النملة ؟ ! يبدو لك الجسد كالذئب والفكر كالحمل ؟ ! ذلك لأنك جاهل محض ، مجرد صورة خالية من الفكر ولا نصيب لها من العقل والمعرفة ، إنما يلتبس عليك الشخص وظله ، فتظن أنه من السهل معرفة هذا الشخص .
 
( 1046 - 1049 ) : وإن كنت لا تصدق أن العالم كله مخلوق بفكرة منه ، وأن أصله الفكر ، فانتظر زوال العالم والخليقة بأمر منه لتعرف أنكُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ( القصص / 88 ) وهذه القصة التي قصصتها قد تكون صادقة وقد تكون كاذبة ، لكن ذلك من ظاهرها ، فإنها يمكن أن تكون مظهرة لك بعض الحقائق ، معلمة إياك بعض المعارف .
 
( 1050 ) : القصة التي تبدأ بهذا البيت فيما يقوله استعلامى ( 2 / 228 ) لم ترد بعينها في كتاب قبل المثنوى ، والظن الأغلب أن مولانا وفق بين بعض جوانب ما روى عن إياز غلام السلطان محمود الغزنوي المقرب ، والحكيم وقصة لقمان ثم قدم هذه القصة ، والواقع أن مولانا ترك القصة بعد أبيات أربعة ولم يعد إليها إلا من البيت 1566
 
( 1053 - 1067 ) : وجودنا قبل أن يظهر في عالم التعين ويتمثل في القالب الترابى ، موجود في العلم الإلهى ( أنظر 169 من الكتاب الذي بين أيدينا
و
 
« 380 »
 
2954 من الكتاب الأول ) وهذا الوجود الترابى حادث ولذا فهو غير ثابت ، ولكن وجود تلك الأعيان الثابتة متصل بوجود الحق ومن هنا فهو خالد ، ومتصف بالوحدة ، وما خلق في الأزل واحد ، ويتجلى في صور عديدة في هذا الكون .
 
والعارف ( الذي نجا من الحول ) هو الذي حين ينظر يبصر هذه الوحدة عياناً ، والكون كله وحدة في عدد من التجليات ، ومن ثم فهو أقدر على التفرقة بين الغث ( الشعير ) والثمين ( القمح ) حتى عند غراسه ، إنه ناظر إلى ما استتر في عالم ليل الأسرار الأزلية ، لا يأبه بكل ما يتوسل به الناس من حيل ومكر ، يعرف أن الليل لا يلد إلا ما هو حامل به ( مثل مستخدم في اللغات الإسلامية الثلاثة ، الفارسية والتركية والعربية ) ،
وللشاعر العربي :أحسن ما صفة الليل وجد * الليلة حبلى ليس يدرى ما تلد .إن هذه الحيل نوع من الشراك والفخاخ ، تزين الحياة الدنيا ، وهو أصلا لا يأبه بزينة الحياة الدنيا ، يعلم أنها فانية ، وإن الثابت فيها ما غرسه الله في الغراس الأول ( التدبير الإلهى ) وكل تدابيرنا هي من قبيل الغراس الثاني ، والذي ينفع هو ما غرسه الله تعالى ، وغراس البشر لا نفع فيه ، ولا طائل من ورائه ، وحتى إن كان من المسلم به أن تدابيرنا أيضا من فعل الله ، إلا أنه من الواجب عليك أن تلقى بكل تدابيرك أمام تدابيره ، " فالتصوف هو ترك التدبير " ، وليكن غراسك كله من أجله ، ما دمت أسيرا لعشقه ، وانظر في فعلك أنه فعل الحق .
 
( 1066 - 1068 ) : إن النفس لصة ( أنظر الأبيات 378 - 380 من الكتاب الأول وشروحها ) وهي تسرق بليل ، إلا أن سرقتها تفتضح أماممالِكِ يَوْمِ الدِّينِيوم القيامة ، وتأتى إلى الملك وما سرقته معلق في عنقها وهو متاع الدنيا ولذتها التي يسرع اللص خلفها ، إلا أن مولانا يرى في موضع آخر أن
 
 
« 381 »
 
متاع هذه الدنيا إن كرس لخدمة الدين ، فلا عيب في امتلاكه ( أنظر 584 و 989 من الكتاب الأول ) ( استعلامى 2 / 229 ) .
 
( 1069 - 1087 ) : كلنا تحت سيطرة الإرادة الإلهية ، ولا يتأتى من تدابيرنا شئ ، فالتدبير الإلهى بالمرصاد ، ( أنظر لتفصيلات الكتاب الثالث ، الأبيات 969 و 1094 - 1098 وشروحها ) . وكل ما في الكون خلق لحكمة . فإن لم تكن ثم فائدة للوجود فما قيمة سؤالك عن حكمة وجوده ؟ ! !
وإذا كان حتى سؤالك المنكر ذا فائدة ، فكيف تكون الدنيا بلا فائدة ؟ !
وإذا كانت الدنيا من وجهة نظرنا بلا فائدة ، أي بالنسبة لنا ( والتعبير وارد في معارف بهاء ولد ، ص 119 )
بالنسبة لي أو بالنسبة لك والأمثلة كثيرة : حسن يوسف بين أبيه وإخوته ، لحن داود بالنسبة للمؤمن وبالنسبة للمحروم ، ماء النيل بالنسبة لآل موسى وآل فرعون ، الشهادة بالنسبة للمؤمن وبالنسبة للكافر ، السكر بالنسبة للبشر وبالنسبة للدواب ، وعند ابن الفارض :
فلا عبث والخلق لم يخلقوا سدى * وإن لم تكن أفعالهم بالسديدة
( انقروى 2 / 175 )
ولكل امرئ قوته ، وما يكون عارضا على قوته غريب عنه ، ينبغي نصحه فيه ، كآكل الطين ، يظن أن الطين قوته ، فيبغى نصحه ، ففي الحديث الشريف " من أكل الطين فكأنما أعان على قتل نفسه " ( جلبنارلى 2 / 157 والحديث وارد في الجامع الصغير ) ، والطين هو شهوات الدنيا .
 
( 1088 - 1104 ) : من سار في أثر الطين نال جزاءه ، ومن سار في أثر الغذاء الحقيقي للإنسان وهو نور السماء ذات الحبك ، صار خفيفا حاذا حكيما حاذقا ، فهو طعام الخواص ، وهو بلا حلق ولا آلة ( عن الحلوق والطعام ، أنظر
 
 
« 382 »
 
الكتاب الثالث ، الأبيات 17 - 68 وشروحها ) والشمس ( الرسول ) يتغذى مباشرة من نور الله ، بينما تتغذى شياطين الإنس والجن من دخان هذا العالم ونجسه ، هذا الغذاء الروحي والمعنوي له طرق عديدة ، فالعشق يغنى القلب ، والمحبة بين البشر غذاء ، والعلاقات الروحية الطيبة القائمة على الود غذاء ، وصورة كل إنسان كالوعاء تشرب منه ما يفيض عنه : إن حباً فحب وإن بغضاً فبغض ( خمر قيس كانت موجودة في وعاء وجه ليلى : أنظر الكتاب الخامس ، الأبيات 3288 - 3308 وشروحها ) ، وكل نوع من الاقتران له نتيجة : الشرر نتيجة اقتران الحديد بالحجر ، البشر من قران الزوج والزوجة ، الثمار والخضر من قران المطر مع التراب ، السرور من قران الخضرة والإنسان ( ثلاثة يذهبن الحزن ، الماء والخضرة والوجه الحسن ) وقران الشمس ( الأنبياء والأولياء ) بما تحت الجلد يولد الحمرة ، قران الأرض مع زحل ( كوكب النحس ) يولد البوار ، انتقال القوة إلى الفعل إن كان ثم اتفاق ، كقران الشيطان تماما مع أهل النفاق .
 
( 1105 - 1112 ) : وهذه المعاني التي أنقلها إليك تتقاطر مظاهرها من الفلك التاسع ، وكل مظاهر وكوكبة ودبدبه تراها في الخلق كلها عارية ، بل يظهر فيها التناقض الحاد ، فالناس على أمل عز الدنيا يتردون إلى هاوية الذل ، ومن خوف الفقر في فقر ومن خوف الموت في موت ، فلما ذا لا يأتون إلىّ ، إلى هذا الموضع الذي أنا فيه ؟ ! وأنا في عز الاستغناء ، وبهاء التجرد كالشمس المشرقة ، ولم لا ؟ ! أليست شمسنا
 
( شمس الدين التبريزي ) خارجة عن المشارق ، علاقتها مع أجزاء العالم مستمرة لا مغيب فيها ولا أفول ، ونحن أقل ذراتها ، ومع ذلك فنحن شمس مشرقة على الدوام ، لا يلقى شئ بظله علينا .
 
« 383 »
 
( 1113 - 1117 ) : ثانية ذكرى شمس ؟ ! ! مع كل ما نلته من صحبة شمس ؟ ! ! وأنا ذرة لا قيمة لها أمام هذه الشمس ، ومع ذلك ، أطوف حولها ، وهذا من عطيتها ، حينا توصل الأسباب وحينا تقطع الأسباب ، فهل تصدقون أنني قطعت الأمل مرات ثم لحقتني عناية الحق ؟ !
وأنا إن قلت لك : لقد سلوت شمساً فلا تصدقني ، أو تصبر السمكة عن الماء ؟ !
إن هذا القنوط عطية أيضا من الله ، ولا فراق بعده ولا انفصال ، فهل يستطع الصنع أن ينفصل عن الصانع ، وهل ثمة موجود يكون خارج الوجود ؟ ! !
 
( 1119 - 1125 ) : كل موجود في ظل الحق ، وفي حمى وجوده ، مهما كان إحساسه بهذا الوجود وبهذا الموجد ، لكن ثمة موجودات عمياء تخطىء الأصل والأساس ، ولا تزال تنتقل من سيد إلى سيد ، ومن محراب إلى محراب ( ومن تيار فكرى إلى تيار فكرى ) تتردد بين المياه المالحة ولا ترتوى من بحر الحقيقة العذب ، فتزداد عمى ، ويناديه البحر العذب : اغرف بيمينك من مائي ( خذ كتابك بيمينك ) ويمينك هو ظنك الحسن بخالقك ( أنا عند حسن ظن عبدي بي ) وأنت كالحربة وهو كاللاعب بالحراب .
 
( 1126 - 1134 ) : ولو كان عشق شمس الدين قد ترك لي قدرة ، لحولت كل تلك الحيوانات التي ترعى على العمياء إلى مبصرين ، فهيا أنت يا حسام الدين عالج أولئك المرضى ، فأنت حلال المشكلات ( أنظر الأبيات 3 - 9 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحها )
عالجهم يا حسام الدين بذلك الدواء الذي يمحو الظلمات المتراكمة ، والعميان كلهم قابلون لعلاجك ، اللهم إلا الحسود الذي ينكر قدرتك وينكر علاجك ، ولا تهب هذا الدواء حتى لي إن كنت حاسدا :
فكل العداوة قد ترجى مودتها * إلا عداوة من عاداك عن حسد
 
 
« 384 »
 
ودعني أعانى نزع الروح ، وأي علاج لذلك الذي سقط في قاع الهاوية ، وقطع ما بينه وبين شمس الأزل ، وأنكرها فلا مراده يتأتى ولا هو ينجو :
مت حتى تنجو أيها الحسود فهذا ألم * لا تخلص من مشقته إلا بالموت ( عن جعفري 3 / 569 ) ( 1135 ) : المثل الموجود هنا من الواضح أنه من إبداع مولانا جلال الدين ( وشبيه به المثل المذكور في الكتاب الخامس ، ابتداء من البيت 834 عن حبس غزال في حظيرة الحمير ) ويريد مولانا أن يقول أن في كل إنسان استعدادا للهداية وإدراك الحقيقة لكن الانشغال بهذه الدنيا يعمى العين الناظرة إلى الحقيقة ويصبح كالبازى الأعمى ( الروح ) الذي يفر من ساعد المليك ( الله ) ليقع في خرابة ( دنيا ) البوم ( أهل الدنيا ) .
 
( 1137 ) : ما حدث للبازى إنما حدث له أيضاً في القضاء ، وإذا جاء القضا ضاق الفضا - من الأفكار التي ترددت كثيرا عند مولانا جلال الدين ، وهو بأجمعه نور من نور الرضا ، أي أن الجانب الروحي غالب عليه .
 
( 1157 - 1161 ) : الأنبياء والأولياء دائما في حمى الله ، وإنما يرسل الله على من يؤذونهم عذابه ونكاله انتقاما لهم وبيانا لأقدارهم عند الله تعالى ، وهي فكرة تكررت كثيرا في المثنوى ( أنظر قصة صالح عليه السلام في الكتاب الأول 2521 - 2581 وشروحها على سبيل المثال لا الحصر ) .
 
( 1162 - 1165 ) : من الواضح أن الحديث هنا عن الولي الكامل ( البازي الملكي ) الناظر بنور الله التابع في فعله لمشيئة الله ، فهو ناظر إلى ما وراء الحجب ، مضىء للعقول الباحثة عن الحق بنوره ، وإن خلقة رجال الحق موجبة لشق أستار السماوات وكشف أسرارها ، فالإنسان هو الجدير فحسب بحمل الأمانة
 
 
« 385 »
 
( الأحزاب / 72 ، وأنظر البيت 1021 من الكتاب الأول ) ، وهو وإن كان بازيا إلا أنه أقوى في تأثيره من طائر البُلح ( ترجمة هُما الفارسية ، كما ترجمها الزمخشري وهو طائر مبارك كل من أظله صار ملكا ويلتبس على المترجمين مع طائر السيمرغ أو العنقاء ) .
 
( 1166 - 1173 ) : ولطف الله سبحانه وتعالى من جراء هؤلاء الأولياء ينصب على سجناء التراب فيخلصهم من سجن الدنيا ، ومن هنا يسمح للبازى بأن يكون سجينا مع البوم ، ففي ذلك عز البوم ومجدهم ، وهو مع البوم ليس غريبا ، فمتى يحس من أعزه الله بالغربة ، إنه كالناى ينفخ الله فيه أنغامه وألحانه ، وعشق الحق زاده ، وأذنه دائما على طبول العودة يدقها له المليك ، وفي ديوان شمس :
لما ذا لا يعود البازي قافلا نحو السلطان ، عندما يسمع نداءارْجِعِيمن الطبل وما يقرعه ( غزل 1353 / ص 525 ) هذا النداء هويا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً( الفجر / 28 ) ( أنظر 572 و 2668 وشرحيهما ) .
 
( 1174 - 1180 ) : في البيت 1165 يسأل البوم : أي تجانس بين الملك والبازي ؟ ! وهنا يرد البازي على السؤال : إنني لم أدع أنني والمليك واحد ، جل شأنه عن ذلك وعلا ، لكن مع ذلك ففىّ قبس منه يتجلى على ( أنظر 1086 و 1111 من الكتاب الذي بين أيدينا )
والتجانس أي الخاصية المشتركة بين المتجانسين ( أنظر الأبيات 623 - 625 من الكتاب الأول ) ليست مرتبطة بالشكل أو حتى بالذات ، وإلا أي تجانس بين النبات والتراب ؟ !
وأي تجانس - من هذه الوجهة - بيننا وبين المليك ونحن فانون وهو الباقي ؟ !
وأي تجانس في الأصل ما بين النار والهواء وهما عنصران مختلفان ؟ !
إن التراب الذي يبقى بعد
 
« 386 »
 
فنائنا دليلٌ على بقاء مليكنا ، وعلى ترابنا آثار فعله ، وهذا التراب ، وإن كان ترابا إلا أنه أولى بأن يكون تاجا على رؤوس جبارى الدنيا ، ليعملوا أنهم إلى فناء ويخففوا من غلوائهم ، ويقللوا من طغيانهم .
 
( 1181 - 1195 ) : كما أن العلاقة بين التراب والنبات علاقة تجانس غير ظاهر ولا يتم ظهور النبات إلا بفناء التراب ، فإن العلاقة بين الإنسان والله لا صلة لها بالشكل أو بالصورة والظاهر ، فلا تغرنكم صورتي ، واستمعوا إلى قولي ( المرء مخبوء تحت لسانه ) ، ورب إنسان قطعت عليه الصورة طريق الحقيقة ، وجادل الرب ( بإهانة أوليائه ) ، وانظروا إلى أنفسكم لتبصروا شواهد عديدة على قولي : الروح المتصلة بالبدن : فهل ثم تجانس بينهما ، والنور الصادر من شحمة هي العين ( من أقوال الإمام علي رضي الله عنه : ينظر بشحمة ويسمع بعظمة ) والقلب قطرة من دم ، والكلية مصدر السرور ، والكبد مصدر الغم ( في الطب القديم لارتباطهما - في رأى جلبنارلى 2 / 158 بجريان الدم )
والعقل كشمعة داخل مخ الرأس ، والفكر وما يتصل به : الوهم والإلهام والإرادة ، واتصال الروح الجزئية بالروح الكلية والنتائج التي حصلتها الروح الجزئية من هذا الارتباط ، مثلما حملت مريم من اتصال الروح بها ( عن طريق جيب ثوبها - فيما تقول بعض التفاسير - في حين أن النص الإسلامي يقول أنه تمثل لها بشرا سوياً ) ،
ومن هذا الاتصال كان المسيح ، ليس مسيح الجسد الذي شهدتم معجزاته ، بل المسيح الذي كانت روحه أكثر عظمة من أن يستوعبها هذا الكون ، والتي ينصرف تأثيرها إلى الدنيا بأكملها ( تصبح الدنيا حاملًا ) ،
فعندما تحمل الروح الإنسانية بالمعرفة الإلهية تستطيع أن تجعل الدنيا حاملا وتشع أنوار المعرفة على العالم كله ، ومن هذا الحمل تنتج دنيا أخرى وعلى هذا العالم
 
 
« 387 »
 
الترابى تولد دنيا أخرى من المعرفة ، وتقوم قيامته ، وهذا الحمل والميلاد دائمان ، والناس يرون قيامة بعد قيامة ، قيامة لا يمكن وصفها ولا يمكن بيانها ، إن ما أقوله مجرد ذكر لتلك الحسناء مقدسة الجمال ، ووسيلة تجعلنا نناجيها ، فلما ذا الصمت والدعاء هو عين الإجابة
( لتفصيلات الفكرة ، أنظر الكتاب الثالث ، الأبيات 189 - 198 وشروحها )
حتى ولو تسمع الإجابة بلبيك فإنك تستطيع أن تحس بها . كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا قال العبد يا رب يقول الله تعالى لبيك عبدي سل تعط .
وفي الخبر الصحيح أن موسى عليه السلام قال في بعض مناجاته : قال الله تعالى لبيك يا موسى ، فقال موسى عليه السلام : أنت أنت يا ربي ، فمن أنا حتى أجبت بالتلبية ؟
فقال الله تعالى : يا موسى إني كتبت على نفسي إذا دعاني عبد من عبادي بالربوبية أجبته بالتلبية ، فقال موسى عليه السلام : يا رب هذا لكل عبد طائع ، فقال تعالى : بل لكل عبد مذنب ، فقال موسى عليه السلام ، أما الطائع فبطاعته ، فما بال المذنب ؟ !
فقال الله تعالى :
يا موسى إني إذا جازيت المحسن بإحسانه ومنعت المسىء بإساءته فأين جودي وكرمى ؟ ! ( أنقروى 2 / 193 ) .
 
( 1196 - 1203 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت لم يبحث لها فروزانفر عن أصل ، فهي مجرد مثل " إلباس المعاني لباس الحكاية " وقد تكررت بتغير طفيف في الكتاب الرابع ( أنظر الأبيات 745 - 759 وشروحها ) ويرى استعلامى ( 2 / 236 )
 
أن الحكاية تمثيل لعلاقة الإنسان بالله ، فالإنسان ظمآن إلى رؤية الحق والحياة المادية جدار ، والماء هو الحقيقة وعالم الغيب ، والخطاب المذكور في البيت 1198
هو الخطاب الإلهى الذي يدرك بالذوق ولا يسمع بالأذن :
وصوت الماء بالنسبة للظمآن كصوت الرباب ، واختيار الرباب هنا ليس لمجرد
 
 
« 388 »
 
حبك القافية ، فلقد فصل مولانا في إحدى غزليات ديوان شمس ما يثيره في نفسه صوت الرباب من معان ( غزل 304 / ص 159 ) ، وانظر ترجمته في أخبار الأدب العدد 87 ، 11 مارس 1995 ص 16 ) :-
ألست تدرى ما ذا يقول الرباب * عن دمع العين والأكباد الحرى ؟
 
- كنت جلدا وفصلت عن اللحم * فكيف لا أئن من الفراق والعذاب ؟
- وتقول خشبة الأوتار : كنت غضنا أخضر وتحطمت عقدي وتمزق ذلك الركاب
- نحن غرباء في فراق أيها الملوك * فاستمعوا إلينا ، إذ إلى الله المآب
- لقد نبتنا في البداية في الدنيا من الحق ونمضى إليه أيضا منقلبين
- وأصواتنا كالأجراس في القافلة * أو كالرعد عندما يزجى السحاب
فكأن أنين الرباب هنا من قبيل أنين الناى المذكور في افتتاحية المثنوى .
 
( 1204 - 1209 ) : يذكر مولانا أمثلة على الأصوات المبشرة بقرب الوصول إلى الحقيقة : صور إسرافيل الذي يحيى الموتى ، هزيم الرعد الذي يبشر بقرب سقوط المطر ، موسم الزكاة بالنسبة للفقير ، رسالة النجاة بالنسبة للسجين ، أو كأنه نفس الرحمن القادم إلى أنف الرسول من اليمن " ألا إن الإيمان يمان والحكمة يمانية وأجد نفس ربكم من قبل اليمن " و " إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن " .
( مع أسانيدها ، أحاديث مثنوى / 73 ) والمقصود أويس القرني ومما يروى أنه لم ير الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنه كان يدرك كل أحواله عن بعد ، ( استعلامى 2 / 237 ) .
وهو عند الصوفية رمز للذي يصل دون أن يحضر على الشيخ بجسده ، وما أشبه صوت الماء هنا برائحة قميص يوسف التي هبت على يعقوبإِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ( يوسف / 94 ) .
 
( 1210 - 1218 ) : الفائدة الثانية من نزع طوب الجدار ( نزع شهوات الدنيا
 
« 389 »
 
شهوة بعد شهوة ) إنها تقرب من زوال هذا الجدار من أجل الوصول إلى الماء ، ومن هنا تكون القربى ، وما أشبهه بالسجود ، السجود تجرد عن الطين ، والجسد ، ومقرون بالقربوَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ( العلق / 19 ) ، كما قال عليه الصلاة والسلام : أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد ، وكما روى عن ثوبان رضي الله عنه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : عليك بكثرة السجود فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها الله درجة وحط عنك بها خطئيه .
 
( أنقروى 2 / 195 ) . والجسد الترابى هو المانع لماء الحياة ( العشق والمعرفة ) ، والعاشق إنما يسرع في التجرد ، والطوب الذي ينتزعه من الجدار أضخم ، لكن من لم يثمل بالعشق لا يدرك من هذا الاقتلاع إلا الصوت .
 
( 1219 - 1230 ) : يترجم مولانا هنا الحديث النبوي " اغتنم خمسا قبل خمس ، حياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك ، وغناك قبل فقرك " . ( الجامع الصغير 1 / 48 ) : فاقتلاع الجدار يريد قوة وفتوة وجلدا ومن ثم ينبغي أن تبدأ به في أوان شبابك ، حيث تكون شهوات الدنيا في فورانها ، وإلا فما قيمة أن تقاوم الدنيا بعد أن تكون قد أدبرت عنك وأعطتك ظهرها وخمد أوارها ؟ ! فضلا عن أن العادات السيئة إن تركتها تأصلت فيك وكان اقتلاعها صعبا عليك ( النفس كالطفل ) .
.

* * *
.

هوامش وشروح 846 - 1230 على منتدى إتقوا الله ويعلمكم الله  

واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: