الخميس، 27 أغسطس 2020

10 - قصة نجدة الرسول عليه السلام لقافلة من العرب هدها الظمأ .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

10 - قصة نجدة الرسول عليه السلام لقافلة من العرب هدها الظمأ .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

قصة نجدة الرسول عليه السلام لقافلة من العرب هدها الظمأ .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الثالث ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

قصة نجدة الرسول عليه السلام لقافلة من العرب هدها الظمأ وقلة الماء
واستسلمت للموت وقد تدلت ألسنة الخلق والإبِل من أفواههم
- كانت قافلة من العرب في ذلك الوادي ، قد جفت قربها من انحباس المطر .

 “ 271 “
  
- وقد بقيت وسط تلك الصحراء تنادي موتها .
- وفجأة ظهر علي الطريق مغيث الكونين ، أي المصطفى عليه السلام من أجل عون “ تلك القافلة “ .
 
3135 - فأبصر في ذلك المكان قافلة كبيرة العدد ، “ متساقطة “ علي هجير الرمال في طريق صعب ووعر .
- وقد أخرجت إبلهم ألسنتها ، وتساقط القوم علي الرمال في كل صوب .
- فأشفق عليهم : هيا قوموا سريعا ، وليسرع عدد من الصحاب ، نحو تلك الكثبان .
- فإن عبدا أسود سائر بقربة علي بعير يحملها إلي سيده متعجلا .
- فهاتوا هذا الجمّال الأسود بما يحمله إلي كرها “ إن لم يأت طوعا “ .
 
3140 - وأسرع أولئك الطلاب نحو الكثبان ، وبعد برهة رأوا الأمر تماما كما قال عليه السلام .
- كان هناك عبد أسود يمضي علي جمل عليه قربة مليئة بالماء كأنها الهدْيَة تحمل الهدية .
- فقالوا له : يستدعيك في هذه الناحية فخر البشر وخير الوري ، 
- قال لا أعرف من تقصدون . . فقال اخر : إنه قمري الوجه حلو الطباع “ 1 “ .
- وأخذوا يمدحونه عليه السلام بما فيه ، فقال : يبدو أنكم تقصدون ذلك الشاعر ،
 
3145 - الذي جعل جماعة من الناس عاجزة أمامه بسحره ؟ ولن أتقدم إليه ولو نصف شبر .
- فأتوا به جارين إياه نحو ذلك المكان ، فرفع عقيرته يا لشتم وأخذ يبصق بغضب .
- وعندما أتوا به أمام ذلك العزيز ، قال : اشربوا الماء وخذوا منه حاجتكم .
..............................................................
( 1 ) ج / 8 - 296 : السيد والزعيم محمد نور الروح ، الأعظم والأقيم شفيع المجرمين .
 
“ 272 “
 
- فارتوي الجميع من تلك القربة ، وشربت منها الإبل ، كما ارتوي كل إنسان .
- كما ملأ الروايات “ 1 “ من قربته تلك ، فنظر سحاب السماء مشدوها حسدا له .
 
3150 - ورأي ذلك الشخص أنه من قربة واحدة ، قد بردت حرارة العديد من أمثال هاوية “ الجحيم “ .
- ورأي هذا الشخص أنه من قربة واحدة من الماء ، امتلأت قرب عديدة دون “ أدني “ اضطراب .
- كانت قربته في حد ذاتها مجرد حجاب ، أما أمواج الفضل فقد كانت تصل بأمره من البحر الأصلي .
- فالماء من الغليان يتحول إلي بخار ، ثم يتحول البخار من البرودة إلي ماء .
- بل إنه بلا علة وخارج عن هذا الترتيب ، كان يجري الماء مكونا إياه من العدم .
 
3155 - وأنت من طفولتك عندما رأيت الأسباب ، قد تعلقت بها وهذا من جهلك بالسبب الأصلي .
- ولأنك غافل بالأسباب عن المسبب ، فإنك تميل إلي تلك الحجب .
- وعندما تنتفي الأسباب فإنك تقوم بالضرب علي رأسك “ ندما “ قائلا :
ربنا ربنا .
- فيجيبك الإله : أمض نحو السبب ما دمت قد ذكرتني من صنعي ويا للعجب .
- قال : من الآن فصاعدا سوف أراك في كل شيء ، ولن أنظر إلي السبب أو إلي مظاهره الخادعة .
 
3160 - فيقول له “ الإله “ : “ ولو ردوا لعادوا “ إن هذا هو ديدنك ، يا من أنت واهن في التوبة والميثاق .
- لكني لا ألقي بالا إلي الأمر وأرحمك ، فرحمتي واسعة ، وأن مداري هو الرحمة .
..............................................................
( 1 ) الروايات : القرب الكبيرة .
 
“ 273 “
  
- ولا أنظر إلي نكوصك عن العهد ، وأعطيك عطاء الكرم ما دمت تدعوني في هذه اللحظة “ 1 “ .
- صارت القافلة حائرة من عمله هذا ، قائلة ، يا محمد إن طبعك من طبع البحر
- وقد جعلت من قربة صغيرة مجرد وسيلة ، فأغرقت بها العرب والكرد “ فضلا “ .
 
ملء قربة ذلك الغلام من الغيب بالماء معجزة منه عليه السلام
وتحويل هذا الغلام الأسود إلى أبيض بإذن اللّه تعالى
 
3165 - أنظر أيها الغلام الآن إلي قربتك مليئة بالماء ، حتى لا تتحدث شاكيا بخير أو شر .
- فتحير ذلك الأسود من برهانه عليه السلام ، وأخذ إيمانه يتفتح من اللامكان .
- لقد رأي عين ماء سيالة من الهواء ، ورأي قربته دريئة لفيضها .
- ومن تلك النظرة ، مزق الوسائل أيضا ، حتى رأي عين الغيب عيانا .
- فامتلأت عينا الغلام بالدموع لتلك اللحظة ، ونسي سيده ومقامه .
 
3170 - وعجزت قدماه عن السير في الطريق ويداه عن الحركة ، وأحدث الإله في روحه زلزالا .
- ثم فك إساره من أجل المصلحة ، قائلا له : عد إلي وعيك ، وعد في طريقك أيها المستفيد .
- ليس هذا بأوان الحيرة فالحيرة أمامك ، فامض في الطريق سريعا جلدا من فورك .
..............................................................
( 1 ) ج / 8 - 297 : والحاصل أنك تعلقت بالسبب ، لكنك معذور فلم ترَ سواه .
 
“ 274 “
 
- ووضع المصطفى يده علي وجهه ، فقبلها بوجد ، وأمطرها بالقبلات .
- ومسح المصطفى آنذاك وجهه بيده المباركة ، وجعله من السعداء .
 
3175 - صار أبيض “ البشرة “ ذلك الزنجي وليد الحبش ، صار كالبدر وصار ليله كالنهار المضيء .
- صار كيوسف الصديق في جماله وفي رقته ، فقال له المصطفى : امض الآن إلي قريتك وارو عن الأحوال .
- فأخذ يسير دون رأس أو قدم ثملا ، لم يكن ليعرف له رأسا من قدم عند السير .
- ثم أتي بقربتين مليئتين بالماء الجاري ، نحو سيده في موضع القافلة “ 1 “ .
 
رؤية السيد لغلامه أبيض البشرة وعدم معرفته إياه وقوله له :
لقد قتلت غلامي وأخذك القصاص فرمى بك اللّه بين يدي
 
- راه السيد من علي البعد وأخذته الدهشة ، ومن دهشته نادي أهل تلك القرية .
 
3180 - قائلا لهم : هذه قربتنا وهذا بعيرنا ، فإلي أين مضي العبد الأسود ؟
- إن ذاك الذي يأتي من بعيد بدر ، يزري نور وجهه بنور النهار .
- فأين غلامنا ؟ أتراه ضل الطريق ؟ أو ظفر به أحد الذئاب وفتك به “ 2 “ ؟
- وعندما وصل إليه سأله : من أنت ؟ هل أنت تركي أو مولود في اليمن ؟
- وقل : ماذا صنعت بغلامي وانطق بالصدق ، واعترف إن كنت قد قتلته ، وإياك والاحتيال .
..............................................................
( 1 ) ج / 8 - 301 : كان سيده قد جلس منتظرا علي الطريق ، هل يأتي غلامه ذاك سريعا أو متأخرا .
( 2 ) ج / 8 - 303 : أو ربما قتله هذا المجرم ، وأتي به بعيره إلي هنا من قدره .
  
“ 275 “
 
 
3185 - قال : لو كنت قتلته كيف اتي إليك ؟ وكيف اتي بقدمي إلي موضع القصاص “ 1 “ ؟
- أين غلامي ؟ قال : هو أنا ، وقد جعلتني يد فضل اللّه ذا ضياء .
- هه ؟ ماذا تقول ؟ أين غلامي ؟ حذار لن تنجو مني إلا بالصدق .
- فقال له : إن الأسرار التي بينك وبين هذا الغلام ، أرويها لك كلها سرا سرا .
- أقول لك كل ما حدث منذ أن اشتريتني حتى الآن .
 
3190 - حتى تعلم كما أنني ما زلت حيا ، وإن كان صبح قد تفتح من دجاي .
- لقد تغير اللون ، لكن الروح الطاهرة فارغة من الألوان والأركان والتراب .
- إن العارفين بالأجساد سرعان ما ينكروننا ، لكن شاربي الماء من العين يتركون القرب والدنان .
- والعارفون بالأرواح فارغون من الأعداد ، وهم غارقون في البحر الذي لا كيفية له ولا مقدار .
- فصر روحا وعن طريق الروح اعرف الحبيب ، وكن رفيقا للرؤية لا ابنا للقياس .
 
3195 - وعندما جعل المَلَك مع العقل في سلك واحد ، جعلهما علي صورتين لحكمة يعلمها .
- فاتخذ الملَك جناحا وقوادم كالطير ، أما العقل فقد ترك الجناح واختار المجد .
- فلا جرم أن كليهما كان نصيرا للآخر ، وكلاهما حسن الوجه دائر حول الآخر .
..............................................................
( 1 ) ج / 8 - 303 : قال . . لا . . إن هذا لا يقنعني وينبغي أن تصدقني القول عن سر مكرك .
 
“ 276 “
  
- وكلاهما أي الملك والعقل مدركان للحق ، وكلاهما معين للإنسان وساجد له .
- والنفس والشيطان كانا “ مادة “ واحدة من البداية ، كانا عدوين وحاسدين لآدم .
 
3200 - فالذي رأي ادم طينا نفر منه ، لكن من راه نورا من اللّه سجد له .
- ومنه - سبحانه وتعالي - كان هذان “ أي العقل والملك “ مستنيري البصر ، بينما لم تر أبصار النفس والشيطان إلا الطين .
- لقد عجز هذا البيان الآن كحمار في ثلج ، ولا يجوز لك أن تتلو الإنجيل علي يهودي .
- وكيف يمكن الحديث مع شيعي عن عمر ؟ وكيف يمكن عزف العود أمام أصم ؟
- لكن لو كان في ركن من القرية إنسان واحد ، لكانت صيحات الوجد التي أبوح بها أكثر من هذا .
 
3205 - ولو كان هناك مستحق للشرح لنطق له الحجر والمدر وصارا شارحين ذوي رسوخ .
 
بيان أن الحق تعالى في كل ما أعطاه وخلقه من السماوات والأرضين
والأعيان والأعراض خلقه كله باستدعاء الحاجة وينبغي أن يحتاج
المرء شيئا لكي يعطيه إياه مصداقا للآية الكريمة
أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ فالاضطرار هو دليل الاستحقاق
 
- إن تضرع مريم وألمها ، هو الذي جعل طفلا مثل ذلك الطفل يشرع في الكلام .
- إن جزءاً منها قد تحدث من أجلها وذلك دون تدخل منها ، ومن ثم فأجزاؤك ذات حديث في السر جزءا جزءا .
 
“ 277 “
 
- ويشهد علي هذه الأجزاء يداك ورجلاك أيها السالك ، فحتام تجعل للمنكر يدا وقدما ؟
- وإذا لم تكن مستحقا للشرح والقول ، فإن ناطقة الناطق قد شاهدتك ثم نامت .
 
3210 - وكل ما ظهر في الوجود إنما ظهر من أجل محتاج ، وحتى يجد الطالب الشيء الذي يبحث عنه .
- وإذا كان الحق تعالي قد خلق السماوات ، فقد خلقها من أجل دفع حاجات .
- وحيثما يكون ألم يمضي إليه الدواء ، وحيثما يكون فقر يمضي إليه الزاد ،
- وحيثما يكون مشكل فالجواب متوجه إليه ، وحيثما تكون سفينة يجري الماء .
- فقلل البحث عن الماء وأحصل علي الظمأ ، حتى يتفجر الماء “ لك “ من أعلي ومن أسفل .
 
3215 - وما لم يولد الطفل رقيق الحلق ، متي يجري له اللبن من ثدي أمه ؟
- فامض إلي تلك الأعالي ، وأسرع إلي تلك الأسافل ، حتى تصير ظمان رهن الحرارة .
- وبعد ذلك ابحث عن خرير المياه مستهديا بطنين زنبور الهواء “ الرعد “ لكي تشرب أيها العظيم .
- وليست حاجتك أقل من حاجة النبات ، فهو يأخذ الماء ويجذبه نحوه .
- أو تأتي أنت وتحول جزءا من الماء ، نحو الزرع اليابس حتى يجد به النضرة .
 
3220 - فاجذب الجواهر المضمرة إلي زرع الروح فإن سحاب الرحمة ملآن بماء الكوثر .
- وكن ظامئا حتى يأتيك الخطاب ب “ سقاهم ربهم “ واللّه أعلم بالصواب .
 
“ 278 “

مجىء تلك المرأة الكافرة بطفلها الرضيع إلى المصطفى عليه السلام
ونطقه كعيسى بمعجزات الرسول صلّى اللّه عليه وسلم
 
- وكان من تلك القرية أيضا امرأة من الكفار ، أسرعت إلي الرسول من أجل الامتحان .
- قدمت إلي الرسول عليه السلام في خمارها ، وفي حضنها طفل رضيع يبلغ الشهرين من العمر .
- فقال الطفل “ سلم اللّه عليك ، يا رسول اللّه جئنا إليك “ “ 1 “ .
 
3225 - قالت له أمه غاضبة : اصمت ! ! من الذي لقنك هذه الشهادة في أذنيك ؟
- ومن الذي علمك هذا أيها الطفل الصغير ، حتى صار لسانك في طفولتك . فصيحا مفوها “ 2 “
- قال لقد علمه الحق ، ثم جبريل ، وهو يردد معي الآن هذا البيان .
- قالت : فأين هو إذن ؟ قال : فوق رأسك وأنت لا ترينه فانظري إلي أعلي .
- إن جبريل واقف فوق رأسك ، صار لي دليلا في كل أمر من الأمور .
 
3230 - قالت : فهل تراه أنت ؟ قال : بلي ، إنه متألق فوق رأسك كأنه بدر التمام .
- إنه يعلمني وصف الرسول ، ويخلصني من عليائه من الانحطاط “ الذي أنا فيه “ .
- ثم قال له الرسول : أيها الطفيل الرضيع ، ما اسمك ، قله لي وكن مطيعا ! !
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن .
( 2 ) حرفيا مثل جرير وذكر جرير هنا محال بالطبع .
 
“ 279 “ 
 
- قال : إن اسمي عند اللّه هو عبد العزيز ، لكنه عند هذه الشرذمة من المخنثين عبد العزي .
- وأنا بريء من العزي ونفور ونظيف ، بحق من أعطاك هذه النبوة .
 
3235 - وهكذا ألقي الطفل ذو الشهرين كبدر التمام ، درسا بليغا كأنه “ العلماء الجالسون “ في الصدر .
- ثم هبت رائحة حنوط في تلك اللحظة من الجنة ، شمها أنف الطفل وأنف الأم .
- فقال كلاهما : إن تسليم الروح علي رائحة تلك الحنوط أفضل من “ العيش “ مع خوف السقوط .
- وذلك الذي يعرف به الحق ، فإن الجامد والحي يجيبانه بآلاف من التصديق .
- وذلك الذي يكون اللّه له حافظا ، تكون الطيور والأسماك حارسة له .
 
اختطاف العقاب نعل المصطفى عليه السلام ،
وحمله إلى الهواء وقلبه وسقوط حية سوداء من النعل
 
3240 - بينما كانوا في هذا الأمر ، إذ سمع المصطفى أذان الصلاة قادما من العلا 
- فطلب ماء وجدد وضوءه ، وغسل يده ووجهه بهذا الماء البارد .
- وغسل قدميه واتجه إلي نعله ، لكن عقابا اختطف منه النعل .
- وحمله في الهواء وكأنه الريح ، ثم قلبه وسقطت منه حية .
- مد يده نحو النعل ذلك الحسن الخطاب ، لكن العقاب اختطف النعل من يده “ 1 “ .
 
3245 - سقطت من النعل حية سوداء ، ومن تلك العناية صار العقاب مريدا لخيره .
..............................................................
( 1 ) ج / 8 - 322 : ثم طار به في الهواء كالريح ، وقلبه فسقطت منه حية .
 
“ 280 “ 
 
- ثم هبط العقاب بالنعل ثانية قائلا له : هذا هو فهذه واتجه إلي صلاتك .
- لقد توقحت هكذا من أجل الضرورة ، وأنا الذي لا أستطيع أذي .
- واويلاه لذلك الذي يمشي اختيالا بلا ضرورة وإن أفتاه الهوي بذلك .
- فشكره الرسول عليه السلام وقال له : لقد رأيناه جفاء وهو في حد ذاته عين الوفاء .
 
3250 - لقد اختطفت نعلي وكنت في حيرة من هذا الأمر ، كنت تحمل همي بينما كنت مشغولا بشيء اخر .
- هذا وإن كان الله قد أبدي لي كل غيب ، إلا أن القلب كان مشغولا بنفسه في تلك اللحظة .
- قال “ العقاب “ : حاشاك أن تحل بك غفلة ، إن رؤيتي لذلك الغيب هي انعكاس وجودك أيضا .
- وأن أري الحية في النعل من الجو ليس مني ، بل من صورتك أيضا أيها المصطفى .
- إن الوجود النوراني نور بأجمعه ، أما الوجود الظلماني فهو بأجمعه مزبلة .
 
3255 - ويكون الوجود الصوري لعبد اللّه كله نورا ، أما الوجود الصوري للمبعد فكله عمي .
- فاعلم صورة كل إنسان وانظر إليها أيها الحبيب ، داوم علي معاشرة من تراه من جنسك . 


وجه الاعتبار من هذه الحكاية والعلم يقينا أن مع العسر يسرا
 
- إن هذه الحكاية عبرة من أجلك أيها الحبيب ، حتى تكون راضيا في حكم اللّه .
- حتى تكون فطنا وحسن الظن ، عندما تتعرض لحادثة سيئة فجأة .
 
“ 281 “ 
 
- وبينما تصفر وجوه الآخرين خوفا منها ، تكون أنت ضاحكا كالورد عند النفع والضر .
 
3260 - ذلك أنك تقوم بانتزاع الورق من الوردة ورقة ورقة ، لكنها لا تترك الضحك ولا تنثني ؟
- وتقول : كيف أهتم بالشوك وأنا الذي جعلت الضحك والسرور ينبثق من الشوك ؟
- وكل ما يجعلك شاكيا من القضاء ، أعلم يقينا أنه قد اشتراك من بلاء ( أشد ) .
- “ ما التصوف ؟ قال : وجدان الفرح في الفؤاد عن إتيان الترح “ 1 “ “ .
- فاعلم أن عقابه عقاب اختطف النعل من المصطفى الذي وصف بحسن الخلق .
 
3265 - حتى ينجي قدمه من لدغ الحية ، وما أسعد العقل الذي ينفض عن نفسه الغبار .
- قال “ لا تأسوا علي ما فاتكم “ “ أن أتي السرحان وأردي شاتكم “ 2 “ “ “ 3 “ 
- فإن هذا البلاء دفع لبلايا عظيمة ، وتلك الخسارة منع لخسارات جسيمة “ 4 “ .
 
طلب ذلك الرجل من موسى تعلم لسان الدواب والطير
 
- قال أحد الشبان لموسي : علمني لسان الحيوان .
- ربما أحصل علي عبرة في ديني من منطق الحيوانات والوحوش .
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن .
( 2 ) بالعربية في المتن .
( 3 ) ج / 8 - 326 : لكنه قال : ذاك قد فات فلا تغتم ، وإن صار قديما ، فسوف يعود جديدا .
( 4 ) ج / 8 - 326 : وفوات المال كان راحة للروح أيها الحبيب ، فالمال عندما اجتمع ، صار وبالا للروح
 
“ 282 “ 
 
3270 - فإن ألسنة بني ادم بأجمعهم ، لا تتحدث إلا عن الماء والخبز والحيلة والاحتيال .
- فلعل للحيوانات اهتمامات أخري ، تبديها عند تدبير أمورها في هذه الدنيا ! ! 
- فقال له موسي : امض ودعك من هذا الهوس ، فإن في هذا خطرا عظيما “ عليك “ من قدام ووراء .
- فاطلب العبرة واليقظة من الله العلي ، لا من الكتاب ولا من المقال ولا من الحرف والشفة .
- فصار الرجل من رده أكثر إلحاحا ، ذلك أن الإنسان أكثر حرصا علي ما منع .
 
3275 - فقال يا موسي عندما سطع نورك ، وجد كل شي شيئا من “ إنعامك وإحسانك “ .
- وإن حرماني من هذا المراد ، لا يليق بلطفك أيها الجواد .
- فأنت في زماننا نائب للحق علي الأرض ، وإن منعتني أودي بي هذا المنع إلي “ هاوية “ القنوط .
- قال موسي : يا رب ، إن هذا الرجل الساذج ، يبدو أن الشيطان الرجيم قد تسلط عليه .
- وإذا علمته ما يطلب ينقلب الأمر وبالا عليه ، وإن لم أعلمه ضاق صدره مني .
 
3280 - قال اللّه : يا موسي علمه ، فإننا لم نرد دعاء قط رفع إلينا وهذا من كرمنا .
- قال موسي : يا رب ، إنه سوف يندم ، سوف يعض علي يديه ويمزق الثياب “ عن جسده “ .
- فالقدرة ليست خليقة بكل إنسان ، والعجز أفضل ، فهو أساس التقي
- ومن هنا كان الفقر فخرا إلي الأبد ، فأولئك الذين لا تصل أيديهم يبقون متقين .
- ومن هنا فالغَنِي والغني مردودان ، لأنهما من القدرة قد ودعا الصبر
 
“ 283 “ 
 
3285 - فالعجز والفقر أمان للإنسان ، فهو من ابتلاء النفس شديد الحرص ومغتم .
- وذلك الغم يحل به من الرغبات التي لا لزوم لها ، التي اعتاد عليها ذلك الذي سقط فريسة للأوهام “ 1 “ .
- وتسيطر الرغبة في الطين علي أكل الطين ، ولا يحلو الورد بالسكر لذلك المسكين .
 
الوحي إلى موسى بأن : علمه ما يحتاجه الأمر أو بعضه “ 2 “
 
- قال الله تعالى : أعطه ما يلزمه فحسب ، وأطلق يديه في الاختيار .
- والاختيار هو ملح العبادة ، وإلا لدار الفلك بالرغم منه .
 
3290 - فإن دورانه لا طمعا في ثواب أو خوفا من عقاب ، فالاختيار فضل عند الحساب .
- وكل العالم مسبح لله سبحانه وتعالي ، وليس هذا التسبيح الجبري مقابل أجر .
- فضع السيف في يد “ المرء “ وخلصه من عجزه ، فإما يصير غازيا أو قاطع طريق .
- ومن هنا صار الاختيار للإنسان “ من كرمنا “ ، فصار نصفهم نحل عسل ونصفهم حيات .
- والكفار في حد ذاتهم منبع للسم كالحيات ، في حين أن المؤمنين منبع للعسل كنحل العسل .
 
3295 - لقد امتصوا الرحيق المختار من النبات ، حتى صاروا كالنحل ريقهم حياة .
..............................................................
( 1 ) في النص : سقط فريسة للغول .
( 2 ) ج / 8 - 336 : ثم هبط رسل الوحي من الحضرة قائلا له : استمع إلي كل ما يتحدث به من لطفك .
 
“ 284 “
  
- بينما شرب الكافر شربة من صديد ، ومن قوته هذا ظهر السم فيه .
- فأهل إلهام الله هم عين الحياة ، أهل تسويل الهوي هم سم الممات .
- وهذا المدح والتحسين والإعجاب في الدنيا ، من الاختيار والحفاظ علي الوعي بالخير .
- وكل الفسقة عندما يدخلون السجن ، يتحولون إلي تقاة زهاد داعين للحق .
 
3300 - فعندما مضت القدرة كسد العمل ، فانتبه حتى لا يأخذ الأجل رأس المال .
- وقدرتك هي رأسمال تجارتك فانتبه ، وحافظ علي أوان القدرة وانتظر .
- والإنسان يمتطي جواد “ كرمنا “ ، وعنان الاختيار في كف إدراكه .
- ثم نصحه موسي بحب وقال له : إن مرادك هذا سوف يرتد عليك وسوف يفضحك “ 1 “ .
- فأترك هذا الهوس واتق اللّه ، فقد أعطاك الشيطان درسا ليمكر بك “ 2 “
 
قناعة ذلك الطالب بتعلم لسان الدواجن والكلاب
وإجابة موسى عليه السلام
 
3305 - قال الشاب : يكفي نطق الكلاب ، فالكلب حارس الباب ، ونطق الطائر الداجن ذي الجناح .
- قال له موسي : هيا ، ها أنت ذا تعلم فامض ، لقد وصل إليك “ ما طلبت “ ويكشف لك منطق هذين .
- وفي الصباح لكي يمتحن الأمر ، وقف منتظرا علي عتبة داره .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : سوف يصيب وجهك بالشحوب .
( 2 ) ج / 8 - 336 : هيا وامض ، وادع بأن يقل صداعك ، فإن مرادك هذا سوف يلقي بك في مائة تعب .
 
“ 285 “
 
- ونفضت الخادمة السفرة فسقط منها فتات الخبز البائت من بقايا الطعام .
- فاختطفها ديك كأنها غنيمة له ، قال الكلب له : لقد ظلمتني فامض .
 
3310 - إنك تستطيع أن تلتقط حبوب القمح في حين أني عاجز عن أكل الحبوب في الدار .
- إنك تستطيع أن تأكل القمح والشعير وبقية الحبوب وأنا لا أستطيع ذلك أيها الطروب .
- إن هذه اللقمة من العيش هي كل مئونتنا من العيش، فحتي هذا القدر هل تختطفه من الكلاب؟
 
جواب الديك على الكلب
 
- فقال له الديك : اسكت ولا تغتم ، فإن الله سوف يعوضك عن هذا “ الفتات “ بخير منه .
- إن جواد هذا السيد سوف ينفق ، وكل غدا حتى تشبع ، وكفاك حزنا .
 
3315 - أليس موت الجواد عيدا عند الكلاب ، بحيث يكون رزقا وافرا دون جهد وكدح .
- وعندما سمع الرجل باع الجواد ، فصار ديكه خجلا أمام الكلب .
- وفي اليوم التالي اختطف الديك فتات الخبز أيضا ، وأطلق عليه الكلب لسان عذله .
- قائلا له : أيها الديك المخادع ، حتام هذا الباطل : إنك ظالم كاذب محتال 
- أين الجواد الذي قلت : إنه سوف ينفق ، أيها المنجم الأعمي المحروم من الصدق ؟
 
3320 - فقال له ذلك الديك العارف ، لقد نفق الجواد لكن في مكان اخر .
- لقد باع الجواد ونجا من الخسارة ، وألقي بخسارته علي “ كواهل “ الآخرين . 
“ 286 “
  
- لكن بغله سوف ينفق غدا ، وتكون هذه النعمة قاصرة علي الكلاب .
- فباع البغل سريعا ذلك الحريص ، ووجد مهربا من الحزن والخسران من فوره .
- وفي اليوم الثالث قال الكلب لذلك الديك : يا أمير الكاذبين يا من دقت الطبول والكوس “ إعلانا بكذلك “ “ 1 “ .
 
3325 - قال : لقد باع البغل سريعا ، وغدا سوف يصاب غلامه .
- وعندما يموت ذلك الغلام ، فإن أهله سوف يوزعون الخبز علي الكلاب والسائلين .
- فسمع هذا وباع غلامه ، ونجا من الخسارة وتهلل وجهه .
- وأخذ يؤدي الشكر ويبدي السرور قائلا : لقد نجوت من ثلاث كوارث في زمن وجيز .
- ومنذ أن تعلمت لغة الدجاج والكلاب ، تخطت عيني سوء القضاء .
 
3330 - وفي اليوم التالي قال ذلك الكلب المحروم : أيها الديك المخرف أين حساباتك هذه التي تحدثت عنها ؟
 
خجل الديك أمام الكلب بسبب كذبه
في المرات الثلاث
 
- حتام كذبك ومكرك اخر الأمر ، فلا يطير من كنك سوي الكذب .
- قال : حاشاني وبني جنسي أن نمتحن بالكذب .
- ونحن الديكة ما دمنا المؤذنين الصادقين ، فنحن رقباء الشمس منتبهون إلي الأوقات .
- نحن مراقبون للشمس من الباطن ، حتى ولو وضعنا تحت طست مقلوب .
..............................................................
( 1 ) ج / 8 - 343 : فحتام تتحدث بالكذب يا خالياً من الضياء ، إنك مخيض أيها الخسيس مخيض مخيض .
  
“ 287 “
  
3335 - ورقباء الشمس هم الأولياء ، وهم الواقفون من البشر علي أسرار الله .
- وأصلنا أهداه الحق إلي الإنسان من أجل أن يقوم بالأذان في سفينة “ نوح “ .
- ولو جري علينا السهو فجأة في الأذان ، لكان في ذلك مقتلنا .
- وإن قول “ حي علي الفلاح “ في غير وقت ، تجعل دمنا رخيصا مباحا .
- وذلك الذي هو معصوم وبريء من الغلط ، هو ديك روح الوحي فحسب .
 
3340 - لقد مات غلامه ذاك عند مشتريه ، وصار بأجمعه خسارة علي المشتري .
- لقد استطاع أن يهرب ماله لكنه سفك دمه فانتبه إلي ذلك جيدا .
- فخسارة واحدة تكون منعا لخسارات عديدة ، إن أجسادنا وأموالنا فداء لأرواحنا .
- إنك عند الملوك وقت توقيع العقاب ، تدفع المال لكي تشتري رأسك .
- فكيف صرت متجاهلا في أمور القضاء فطفقت تهرب أموالك من الحاكم ( الفرد ) .
 
إخبار الديك عن موت السيد
 
3345 - لكنه سوف يموت في الغد علي وجه اليقين ، وسوف يذبح وارثه في مأتمه بقرة .
- سوف يموت رب الدار ويمضى ، وغدا تحصل على قطع اللحم الضخمة .
- ولقيمات الخبز والزلة “ قطع اللحم “ والطعام ، سوف يجدها وسط الشارع الخاص والعام .
 
“ 288 “ 
 
- ولحم البقرة المذبوحة والفطائر الرقيقة ، سوف تنصب في يسر علي الكلاب والسائلين .
- إن موت الجواد والبغل وموت الغلام ، كانت فداء من القضاء لهذا الغر الساذج .
 
3350 - لقد هرب من خسارة الأموال وما تسببه من الام ، فزاد ماله لكنه سفك دمه .
- ولماذا تكون هذه الرياضات من الدراويش ، لأن هذه البلايا علي الجسد بقاء للأرواح .
- فإنما لا يجد السالك البقاء “ لروحه “ ، ما لم يسقم جسده ويهلكه .
- ومتى تتحرك اليد بالإِيثار والعمل ما لم تر العطاء لروحها في مقابله ؟
- وذلك الذي يعطي دون انتظار لمنفعة ، هو الله ، هو الله ، هو الله .
 
3355 - أو ولى الله الذي تخلق بأخلاق الله ، فصار نورا وتقبل النور المطلق .
- وأنه سبحانه وتعالي - هو الغني وغيره كلهم فقراء ، ومتي يقول فقير خذ بلا عوض ؟ ! !
- وما لم ير الطفل أن التفاح موجود ، فإنه لا يسلم البصلة المتعفنة من يده ؟ !
- وهذا السوق كله من أجل هذا الغرض كلهم جالسون في الحانوت علي أمل العوض .
- إنهم يعرضون مائة صنف من المتاع الجيد ، وتطوف امال قلوبهم حول ما يتلقونه عوضا عنها .
 
3360 - وأنت لا تسمع سلاما واحدا يا رجل الدين ، لا يمسك آخره بطرف ثوبك “ 1 “ .
..............................................................
( 1 ) أي لا يطلب منك من سلم عليك بعده شيئا .
 
“ 289 “
  
- وأنا لم أسمع سلاما واحدا من خاص أو عام دون طمع أيها الأخ والسلام .
- هذا اللهم الإسلام الحق ، فهيا ابحث عنه من منزل إلي منزل ومن موضع إلى موضع ومن شارع إلي شارع .
- لكن من لسان الإنسان حلو المشام ، سمعت رسالة الحق معها أيضا السلام .
- أما سلام الباقين فعلى على رائحة ذلك السلام لا أزال أتشربه بالقلب ، أحلى من الروح .
 
3365 - من ذلك الذي صار سلامه هو سلام الحق ، لأنه قد أضرم النيران في نسل “ نفسه “ .
- لقد مات عن “ نفسه “ وصار حيا بالرب ، ومن هنا تكون علي شفتيه دائما أسرار الحق .
- إن موت الجسد في الرياضة “ الصوفية “ هو الحياة ، وتعب هذا الجسد ثبات للروح .
- وكان ذلك الرجل الخبيث قد تنصت وأخذ يسمع من ديكه ذلك الحديث .
 
إسراع ذلك الشخص خائفا إلى موسى عندما استمع
من الديك نبوءة وفاته

- وعندما استمع هذا الحديث انطلق مسرعا قلقا مضطربا وذهب إلى باب كليم الله موسى .
 
3370 - أخذ يمرغ وجهه في ترابه من الخوف ، قائلا : أغثني يا كليم الله .
- فقال له : اذهب وبع نفسك وانج ، وما دمت قد أصبحت أستاذا فاقفز من هذه الورطة “ 1 “ .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : البئر .
  
“ 290 “


- وإنني أرى في لبنة هذا القضاء الذي ظهر لك عيانا في المرأة .
- إن العاقل يري العاقبة منذ البداية بقلبه ، ومن يراها في اخر الأمر فهو مقل في المعرفة .
 
3375 - فجأر بالصراخ ثانية قلئلا : يا حميد الخصال لا تحقرني “ 1 “ ولا تصفعني علي وجهي .
- لقد بدر هذا كله مني لأنني كنت غير مستحق ، فقابل أنت إساءتي بالإحسان .
- قال : لقد انطلق السهم يا بني من الإبهام ، وليس في العادة أن يرتد إلي مبدئه .
- لكني سأطلب من الحكم العدل ، أن تصطحب معك إيمانك عندما يجيء أجلك .
- فإنك إذا اصطحبت الإيمان تكون حيا ، وعندما تمضي بإيمانك تمضي ثابتا .
 
3380 - وفي تلك اللحظة انقلب حال السيد وهاجت بطنه وأحضروا له الطست .
- كان هياج الموت لا هيضة الطعام ، وماذا يجديك القيء أيها التعس الساذج ؟
- فحمله أربعة أشخاص إلي منزله ، وهو يلف الساق بالساق .
- إنك لم تستمع إلي نصيحة موسي واستهنت بها، فعرضت نفسك علي سيف فولاذي.
- ولا يستحيي هذا السيف من “ نزع “ روحك ، فهو لك أيها الأخ وجدير بك .

دعاء موسى لذلك الشخص حتى يمضى بإيمانه من الدنيا
 
3385 - وأخذ موسي في مناجاة ربه ذلك السحر قائلا : يا إلهي لا تقبض روحه
..............................................................
( 1 ) حرفيا : لا تضربني علي رأسي .
 
“ 291 “
  
وقد سلبته الإيمان “ 1 “ .
- وزاول معه الملوكية ، واعف عنه ، فقد وقع في السهو والتوقح والغلو .
- لقد قلت له إن هذا العلم ليس جديرا بك فظنه رداً واستهانة .
- إن الإنسان الذي تتحول العصا إلي أفعي في يده ، هو الذي “ يمكن له “ أن يضع يده علي الأفعي .
- وتعليم سر الغيب جدير بذلك الشخص الذي يستطيع إطباق شفتيه عن الكلام .
 
3390 - ولم يصبح جديرا بالبحر إلا الطائر المائي فافهم هذا والله أعلم بالصواب .
- لقد ذهب إلي البحر ولم يكن طائرا مائيا ، فغرق ، فخذ بيده أيها الودود .
 
استجابة الحق لدعاء موسى عليه السلام
“ 2 “
- قال : لقد وهبته الإيمان ، أجل ، ولو أردت أحييته في التو واللحظة .
- بل أحيي كل الموتى من القبور في هذه اللحظة من أجلك أنت .
- قال موسى : إن هذه هي دار الفناء ، فابعثه في تلك الدار حيث النور والضياء .
 
3395 - وما دام موضع الفناء هذا ليس بعالم للوجود ، فإن عودة العارية إليه عديمة الجدوي .
- فانثر رحمتك عليهم أجمعين ، في منزل سر “ لدينا محضرين “ .
- هذا حتى تعلم - “ أيها السالك “ - إن خسارة الجسم والمال تكون نفعا للروح وتخلصها من الوبال .
- ومن ثم كن شاريا للرياضة بكل ما وسعك ، فما دمت قد جعلت الجسد في الطاعة فقد ظفرت بالروح .
..............................................................
( 1 ) وزاول معه الملوكبة ، واعف عنه ، فقد وقع في السهو والتوقح والغلو .
لقد قلت له إن هذا العلم ليس جديرا بك فظنه رباً واسستهانه .
( 2 ) ج / 8 - 353 : واستجاب الله تعالى لهذا الدعاء ورحمه لعجزه وافتقاره .
 
“ 292 “
  
- وإذا وهبت الرياضة دون اختيار ، فطأطيء لها الرأس وأد حق شكرها أيها الموفق .
 
3400 - وما دام الحق قد وهبك تلك الرياضة فاشكره ، إن الأمر لم يكن بحولك بل جذبك هو بأمر “ كن “ .
 
حكاية تلك المرأة التي لم يكن يعيش لها ابن فناحت ،
فجاءها الجواب : إن هذا أجر رياضتك ولك عليه
أجر جهاد المجاهدين
“ 1 “
- كانت إحدي النساء تضع كل سنة ابنا ، فلم يكن يعمر أكثر من ستة شهور .
- كان يموت بعد ثلاثة شهور أو أربعة ، فناحت تلك المرأة قائلة : واغوثاه أيها الإله ! !
- أأحمل تسعة شهور وأفرح ثلاثة أشهر ؟ ! إن نعمتي أسرع في زوالها من قوس قزح .
- وأخذت تلك المرأة تضج بالشكوي إلي رجال الله “ باكية ضارعة “ من ألم النذير .
 
3405 - وهكذا فقد مضي لها عشرون ابنا نحو القبر ، وكأن نارا حامية قد أضرمت في أرواحهم .
- حتى أبدي لها “ الله “ ذات ليلة “ فيما يري النائم “ جنة باقية خضراء أكلها دائم .
- لقد سميت النعمة التي لا توصف بالجنة ، لكنها أصل النعم ومجموع الجنان .
..............................................................
( 1 ) ج / 8 - 355 : - استمع إلي هذه الحكاية واعتبرها غطة حتى لا تصبح متعباً من النقص والضرر .
 
“ 293 “
  
- وإلا فأي وصف بالحديقة ينطبق علي “ ما لا عين رأت “ . . “ إن هذا يشبه “ قول الله تعالى عن نور الغيب بأنه مصباح .
- وليس هذا مثلا بل هو مثال ، “ ضرب “ ، لكي يفهم ذلك الذي يكون حائرا في معانيه .
 
3410 - لقد رأت تلك المرأة الحديقة فثملت ، وخارت قوي تلك السيدة من ذلك التجلي .
- ورأت أن اسمها قد كتب علي قصر ، وعرفت أنه لها . . تلك السيدة المحبوبة المسلك .
- ثم أخبرت بأن ذلك النعيم لها ، ذلك أنها لم تقم بفداء الروح إلا بصدق .
- إذ ينبغي القيام بطاعات كثيرة ، حتى تكون جديرا بتذوق هذا الطعام .
- “ وقيل لها “ : لقد كنت تتكاسلين في الالتجاء إلي اللَّه تعالي ، فوهبك هذه المصائب عوضا “ جزاء صدقك “ .
 
3415 - قالت يا رب ، حتى مائة سنة أو يزيد ، ليكن هكذا عطاؤك لي ، اسفك دمي .
- وعندما سارت في ذلك البستان ، رأت فيه أولادها العشرين .
- وقالت : لقد ضاعوا مني ولم يضيعوا منك ، وبدون نظرة الغيب لم يصبح أحد إنسانا .
- إنك لم تفصد ، وسال من الأنف دم كثير ، حتى نجت روحك من الحمي .
- وإن لب كل ثمرة أفضل من قشرها ، فاعتبر الجسد قشرا ولبه الحبيب
 
3420 - وإن الإنسان ذو لب ذكي اخر الأمر ، فاطلبه لحظة إذ كان لديك نفس الإنسان .
 
“ 294 “
 
دخول حمزة رضى اللَّه عنه ميدان “ الحرب “
دون درع “ 1 “
 
- عندما كان حمزة - رضي الله عنه - يدخل المعركة في نهاية عمره ، كان يغزو دون درع مثخنا بالطعان .
- كان يتقدم مفتوح الصدر عاري الجسد ، ضاربا بسيفه ( شاقا ) للصفوف .
- فسأله الخلق قائلين : يا عم الرسول أيها الضيغم شاق الصفوف ملك الفحول .
- ألم تقرأوَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ في ذلك الكتاب الذي أنزله الله علي الرسول .
 
3425 - إذن لماذا لا تفتأ تلقي بنفسك إلي التهلكة ، “ وتخوض “ - علي هذا المنوال - المعركة ؟
- وعندما كنت شابا شديد الرمي بالقوس ، لم تكن تشق الصفوف هكذا دون درع
- ألأنك صرت شيخا ضعيفا منحنيا ، فإنك لا تفتأ تعزف ألحان اللامبالاة “ 2 “ ؟
- ومثل الذي لا يبالي تلتحم بالسيف والسنان ملقيا بنفسك في الكريهة ؟
- إن سيف “العدو” لا يحترم الشيخ، ومتي يكون عند السيف والرمح تمييز “3”؟
..............................................................
( 1 ) ج / 8 - 358 : في شبابه كان حمزة عم المصطفى ، يدخل المعركة دائما في درعه .
( 2 ) ترجمها نيكلسون تدق علي ستائر اللامبالاة .
( 3 ) ج / 8 - 358 : ومتي يجوز أن يقتل أسد مثلك علي أيدي الأعداء ؟
 
“ 295 “ 
 
3430 - وعلي هذا النسق فإن أولئك المهتمين الغافلين ، أخذوا يعظونه من محبتهم له وغيرتهم عليه .
 
جواب حمزة على الخلق
 
- قال حمزة - رضي اللّه عنه - : إنني عندما كنت شابا ، كنت أري الموت وداعا لهذه الدنيا .
- ومتي يذهب إنسان برغبته إلي الموت ؟ ومتي يذهب عاريا إلي الأفعي ؟
- لكنني الآن لست بالعاجز ، وهذا من نور محمد ، أمام هذه الدنيا الفانية .
- ومن خارج الحس أري معسكر المليك ، وأري الجيش مليئا بنور الحق .
 
3435 - خيامه قائمة وطنبها محكمة والشكر لله تعالي علي أنه أيقظني من النوم .
- وذلك الذي يكون الموت بالنسبة له تهلكه ، يتمسك بأمر “ لا تلقوا “ .
- أما ذلك الذي يكون الموت أمامه فتحا للباب ، فإنما تأتيه اية “ سارعوا “ عند الخطاب .
- الحذر يا من ترونه موتا بادروا إلي الهرب ، والعجل العجل يا من ترونه حشرا “ سارعوا “ .
- هيا تجمعوا يا من ترونه لطفا ( افرحوا ) ، وفروا من البلاء يا من ترونه قهرا و “ اترحوا “ “ 1 “ .
 
3440 - وكل من راه “ علي مثال “ يوسف الصديق فداه بروحه ، وكل من رآه ذئبا ارتد عن الهدي .
- وموت كل إنسان يكون من نفس جبلته “ 2 “ إنه عدو بالنسبة للعدو حبيب بالنسبة للحبيب .
..............................................................
( 1 ) الكلمات ما بين الأقواس بالعربية في النص .
( 2 ) حرفيا : لونه .
 
“ 296 “
  
- إن المراة في مواجهة التركي جميلة اللون ، وهي أيضا زنجية في مواجهة الزنجي .
- إن ما تخشاه من الموت في فرارك “ منه “ هو أنك قد أخَفْت نفسك أيها الحبيب فانتبه .
- إنه وجهك القبيح ليس وجه الموت ، فروحك كالشجرة والموت أوراقها .
 
3445 - لقد انبثق “ كل شيء “ منك خيرا كان أو شرا ، فالخير والشر مضمران في نفسك .
- فإن أدمي الشوك قدميك فقد زرعته بنفسك ، وإن كنت في حرير وديباج فقد نسجته حول نفسك .
- وأعلم كذلك أن الفعل لا يكون في لون الجزاء ، وليست هناك خدمة في لون العطاء نفسه .
- والأجر الذي يأخذه الفعلة لا يشبه العمل “ الذي يقومون به “ ، فالأجر عرض أما العمل فهو جوهر وثابت .
- والعمل كله شقاء وجهد وعرق ، والأجر كله فضة وذهب وزاد حاضر .
 
3450 - وإن وجهت إليك تهمة من مكان ما ، ودعا عليك مظلوم فوقعت في محنة .
- فأنت لا تفتأ تقول : إنني بريء ، ولم أوجه تهمة إلي أحد ما . . .
- لقد أذنبت أنت لكن بشكل اخر ، لقد زرعت البذرة ومتي تكون البذرة كثمرتها ؟
- لقد ارتكب أحدهم جرم الزنا وكان عقابه مائة جلدة . . فلا يزال يقول : متي ضربت أحدا بعود ؟
- وليس ذلك جزاء الزنا بل هو بلاء ، ومتي يشبه الجلد علي الملأ الزنا في الخلاء ؟
 
“ 297 “
  
3455 - ومتي تشبه العصا الحية أيها الكليم ومتي يشبه الألم الدواء أيها الحكيم .
- إنك عندما تقذف بمنيك بدلا من هذه العصا “ حيث يجب أن يقذف “ فإن نتاجه يكون إنسانا سويا .
- وسواء صار منيك هذا صديقا أو حية ، كيف تدهش إذن من تلك العصا ؟
- وهل يشبه ماؤك هذا ابنك علي أي وجه ؟ وهل يشبه قصب السكر السكر علي أي وجه ؟
- وإذا كان ذلك الرجل الزارع ذا ركوع أو سجود ، فإن سجوده في الدار الآخرة ينقلب إلي جنة .
 
3460 - وعندما انطلق من لسانه حمد الحق ، جعله له طائرا في الجنة رب الفلق
- وحمدك وتسبيحك لا يشبهان الطائر ، بالرغم من أن نطفة الطائر الريح والهواء .
- وعندما نبت في يدك إيثار الزكاة ، صارت هذه اليد في تلك الناحية نخلا ونباتا .
- وصار ماء صبرك نهرا في الخلد من الماء ، وصار ودك وحنانك في الخلد نهرا من اللبن .
- وصارت لذة الطاعة نهرا من العسل ، وسكرك “ الإلهي “ وشوقك “ إلي الملأ الأعلي “ هما نهر الخمر ، فتأمل .
 
3465 - إن هذه الأسباب لا تشبه الآثار ، ولا يعرف أحد كيف غرست في مواضعها .
- لما كانت هذه الأسباب طوع أمرك ، فإن الأنهار الأربعة قد “ انقادت لك “ وأبدت لك طاعتها .
 
“ 298 “
  
- وحيثما تريد تقوم بتسييرها ، وكيفما تكون صفاتها فإنك أنت الذي تقوم بها هنا .
- مثل منيك الذي هو طوع إرادتك ، وسريعا ما يكون نسلك الناتج عنه طوع أمرك .
- يسرع ذلك الابن الفتي وفق أمرك ، قائلا : أنا جزء منك ، إذ جعلته أنت في قراره .
 
3470 - وتلك الصفة تكون طوع أمرك في هذه الدنيا ، فتجري منك الأنهار هناك طوع أمرك .
- وتكون تلك الأشجار “ هناك “ منفذة لأوامرك ، ذلك لأن تلك الأشجار مثمرة من صفاتك .
- وما دامت هذه الصفات طوع أمرك هنا ، فإن ذلك الجزاء طوع أمرك هناك .
- وعندما يصاب مظلوم بجرح من يدك ، فقد صار “ هذا الجرح “ غرسا نبتت منه شجرة الزقوم .
- وعندما أضرمت بغضبك نارا في القلوب ، فقد وضعت أساسا لنار جهنم .
 
3475 - وما دامت نارك هنا محرقة للبشر ، فإن جزاء ذلك أنها تحرقك أنت نفسك هناك “ في الجحيم “ .
- وإن نارك التي تهاجم الناس هنا ، يضرم نتاجها “ هناك “ فتجتاح الخلق “ هناك “ 
- وكلماتك هذه التي تشبه الحيات والعقارب، قد صارت “ هناك “ حيات وعقارب تمسك بذيلك.
- وقد جعلت أولياء الله هنا منتظرين ، ومن “ ثم “ يكون الانتظار رفيقا لك يوم الحشر .
 
“ 299 “
  
- وتسويفك بالغد وما بعد الغد ، يكون جزاؤه انتظارا منك يوم الحشر فويل لك .
 
3480 - فتبقي منتظرا الحساب في ذلك اليوم الطويل تحت الشمس التي تذيب الروح .
- ذلك أنك كنت تجعل السماء تنتظر ، وكنت تزرع بذور “ التسويف “ قائلا غدا سأسير .
- وإن غضبك هو بذور الجحيم ، فهيا اقض علي جحيمك هنا فهو فخ .
- ولا يكون إطفاء هذه النار إلا بالنور ، “ فأقرأ “ ( نورك أطفأ نارنا أيها الشكور ) . “ 1 “
- وإن كنت بلا نور وتتظاهر بالحلم فهذا أمر سييء ، فإن نارك تظل حية لكن تحت الرماد .
 
3485 - وهذا يكون تكلفا وليس اقتناعا فانتبه ، فالنار لا يطفئها إلا نور الدين
- فما لم تر نور الدين فلن تكون امنا ، فالنار الكامنة تظهر في يوم ما .
- فاعلم أن النور بمثابة الماء فاستمسك بالماء ، ولا تخش النار ما دام الماء لديك .
- فالماء يقتل النار لأن النار بطبعها تحرق نسله وأبناءه .
- وسر نحو تلك الطيور المائية بضعة أيام ، حتى تجذبك نحو ماء الحيوان .
 
3490 - فطير البحر وطير اليابسة متشابهان في الجسد ، لكنهما ضدان “ لا يمتزجان “ “ كالماء والزيت “ .
- وكل منهما يكون عابدا لأصله ، فحذار من هذا التشابه “ الظاهري “ بينهما .
..............................................................
( 1 ) بالعربية في المتن .
 
“ 300 “
 
- وكذلك تكون وسوسة “ الشيطان “ ووحي “ يوم ألست “ ، كلاهما من عالم العقل ، وبينهما بون شاسع .
- وكلاهما دلال في سوق الضمير ، وكل منهما يقوم بمدح متاعه أيها الأمير .
- فإذا كنت صرافا للقلب فاعرف الفكرة ، وفرق - ما بين - سر الفكرتين كما يفعل النخاس
 
3495 - وإن كنت لا تعرف هاتين الفكرتين من “ سقوطك في “ الظن ، فأفضل لك أن تقول “ لا خلابة “ ولا تسرع ولا تنطلق “ 1 “ .
 
حيلة دفع الغبن في البيع والشراء
 
- قال أحد الصحابة للرسول عليه السلام : إنني دائما أغبن في البيوع .
- وإن مكر كل إنسان يبيعني شيئا أو يشريه مني ، يكون كأنه السحر يضلني .
- فقال عليه السلام : في كل بيع تخشي فيه الغبن ، اشترط ثلاثة أيام “ من المهلة “ اختبارا لنفسك .
- فالتأني هو من الرحمن علي وجه اليقين ، أما العجلة فهي من الشيطان اللعين .
 
3500 - وعندما تلقى بلقمة إلي كلب يشمها ثم يأكلها أيها المعتنى .
- وهو يشم بالأنف ، بينما “ نشم “ نحن بالعقل ، إذ نشمها نحن والعقل ينتقد .
- وبالتأني خلقت هذه الأراضي والأفلاك من لدن الرحمن في ستة أيام .
- وإلا فإنه كان قادرا علي خلق مائة أرض وفلك بكن فيكون .
..............................................................
( 1 ) ج / 8 - 362 : حتى لا تبقي روحك في تفكر ، وحتى لا تصاب روحك بغبن أو متاعك .
 
“ 301 “
  
- وذلك العظيم - يجعل من الإنسان رجلا - كاملا . . علي مراحل وقليلا قليلا حتى سن الأربعين .
 
3505 - هذا بالرغم من أنه كان قادرا علي أن يجعل خمسين رجلا يتخلقون من العدم في نفس واحد .
- وعيسى كان قادرا بدعاء علي أن يجعل الميت يبعث حيا من فوره .
- وخالق عيسى يستطيع في التو واللحظة أن يأتي بالناس إلي الوجود زرافات وجماعات .
- هذا التأني من أجل تعليمك ، ومعناه أنه ينبغي الطلب رويدا رويدا ودون توقف .
- والجدول الصغير الذي هو دائم الجريان ، لا يصير ( ماؤه ) نجسا ولا يأسن .
 
3510 - ومن هذا التأني تولد الإقبال والسرور ، وهذا التأني كالبيضة والدولة كالطيور .
- ومتي تشبه البيضة الطائر أيها العنيد ، بالرغم من أنه ينطلق منها إلي الوجود .
- فانتظر حتى تصبح أعضاؤك بيضا يخرج لك طيورا في النهاية .
- وبالرغم من أن بيضة الحية تشبه بيضة العصفور ، إلا أن البون بينهما شاسع .
- وبذرة السفرجل أيضا تشبه بذرة التفاح ، لكن أعلم أيها العزيز أن بينهما فروقا .
 
3515 - والأوراق تبدو للنظر متشابهة في ألوانها، لكن لكل واحدة منها من الثمار نوعا اخر.
 
“ 302 “
  
- وأوراق الأجسام متشابهة فيما بينها لكن كل واحدة منها حية بربيع معين “ 1 “ .
- والخلق يمضون في الأسواق وكلهم متشابهون ، لكن أحدهم في سعادة والآخر في ألم “ مقيم “ .
- أيضا نمضي كلنا في الموت متساوين ، لكن نصفنا في خسران ، ونصفنا الآخر من السادة .
 
وفاة بلال رضي الله عنه بسرور
 
- عندما صار بلال “ رضي الله عنه “ من الضعف كأنه الهلال ، ووقع لون الموت علي وجهه .
 
3520 - أبصرته زوجته فقالت : واحرياه ، فقال لها بلال : لا . . لا . . بل واطرباه .
- إنني حتى الآن كنت في حرب من الحياة ، فما علمك بأن الموت كالسرور وما أدراك به ؟
- هكذا كان يقول ووجهه عند هذا القول يتفتح بالنرجس والورد وأزهار الشقائق .
- وكانت نضرة وجهه وعيناه المليئتان بالأنوار ، تدل علي “ صدقه “ في قوله .
- كان كل أسود قلب يراه “ مجرد “ أسود، فلماذا كان إنسان العين إذن ذا لون أسود؟
 
3525 - وفاقدو البصيرة إنما يكونون من المفتضحين ، أما الذي في منزله إنسان العين فيكون مرأة للقمر .
- ومن الذي يري إنسان عينك في هذه الحياة الدنيا اللهم إلا ذوي البصائر النافذة ؟
..............................................................
( 1 ) أي بقوة معينة .
 
“ 303 “
  
- ولم يره “ حقيقة “ سوي إنسان عين المؤمنين “ عليه السلام “ ، فمن الذي أدرك سواه لونه “ الحقيقي “ ؟
- ومن ثم فكل من كانوا سواه عليه السلام قد تحدثوا علي التقليد ، عندما ذكروا صفات إنسان العين الرفيع السامي ذاك ! !
- قالت زوجته : إنه الفراق يا حميد الخصال ، قال : لا - لا بل هو الوصال الوصال .
 
3530 - قالت : الليلة تمضي “ وتصير “ غريبا ، وتغيب عن أهلك وولدك .
- قال : لا ، لا ، بل تعود الليلة روحي من الغربة إلي الوطن .
- قالت : فأين يا تري نري وجهك ، قال : في حلقة خاصة الله .
- وحلقته الخاصة متصلة به ، لو تنظرين إلي أعلي لا إلي أسفل .
- وفي تلك الحلقة يتألق النور من رب العالمين، كما يتألق الفص من الخاتم “الثمين”
 
3535 - قالت : وا أسفاه . . لقد خرب هذا المنزل ، قال : انظري إلي القمر ، ولا تنظري إلي السحاب .
- لقد خربه حتى يجعله أكثر عمرانا ، فقومي كُثر لكن الدار ضيقة .
 
حكمة خراب الجسد بالموت
 
- كنت مثل ادم من البداية في حبس وكرب ، وامتلأ الشرق والغرب الآن بنسل روحي .
- كنت شحاذا في هذا المنزل الشبيه بالجب ، وصرت ملكا ، والملك في حاجة إلي قصر .
- ذلك أن الملوك يأنسون إلي القصور ، أما الموتى فيكفيهم القبر منزلا ومكانا .
 
3540 - لقد ضاقت هذه الدنيا علي الأنبياء ، فمضوا كالملوك إلي اللامكان .
- لكنها أبدت عظمتها للموتي ، فهي شديدة الفخامة في ظاهرها ، لكنها ضيقة المجال في معناها .
 
“ 304 “
  
- وإن لم تكن ضيقة فلماذا هذا الصراخ ؟ وكيف انحني كل من عاش فيها طويلا ؟
- وكيف تحررت الروح عند النوم من ذلك المكان ؟ وكيف صارت من نومها هذا بادية السعادة .
- لقد تخلص الظالم ثانية من ظلم الطبع ، وانقلب السجين “ خارجا “ من تفكيره في السجن .
 
3545 - وهذه الدنيا شديدة الاتساع بأرضها وسمائها ، تبدو لك شديدة الضيق عندما تهم بالنوم .
- فهي كغمامة علي العين شديدة الاتساع وشديدة الضيق ، ضحكها كله بكاء وفخرها بأجمعه عار .
 
تشبيه الدنيا واتساعها الظاهر وضيقها الحقيقي وتشبيه النوم
بأنه خلاص من هذا الضيق
 
- إنها كالحمام الذي تشعل داخله النار ، يشتد ضيقك منه وتذبل روحك .
- حتى وإن كان الحمام متسعا ، فإن روحك تَكِلُّ وتضيق من هذه الحرارة .
- وما لم تغادره فإن قلبك لا يحس بالراحة ، إذن فبماذا يجديك اتساع منزلك ؟
 
3550 - وأنت تلبس نعلا ضيقا أيها الغوي ، وتسير في صحراء شديدة الاتساع .
- فتضيق بك هذه الصحراء بما رحبت ، وتنقلب هذه الصحراء وهذا الوادي إلي سجن “ بغيض “ بالنسبة لك .
- وكل من يراك عن بعد يقول : لقد تفتح في هذه الصحراء كزهرة الشقائق النضرة .
- وهو لا يعلم أنك كالظالمين ، تبدو في الظاهر كأنك في روضة في حين
  
“ 305 “
  
أن روحك في صراخ “ وعويل “ .
- إن النوم بالنسبة لك بمثابة خلع لذلك النعل ، وتصير روحك حرة من جسدك برهة من الزمن .
 
3555 - فالنوم هو ملك الأولياء يا هذا ، إنهم وهم في الدنيا يشبهون أهل الكهف - إنهم يرون الأحلام حيث لا نوم ، ويدخلون إلي عالم الغيب ولا باب .
- فالمنزل ضيق ، وداخله الروح في اختلاج ، ولا بد أن تخربه حتى تجعل منه قصرا للملوك .
- وأنا مصلوب ومختلج مثل الجنين داخل الرحم ، أتممت تسعة شهور وصار هذا الانتقال واجبا .
- ولو لم تحل الام المخاض بأمي ، لبقيت رهين هذا السجين بين النيران .
 
3560 - ومن ثم فإن أم طبعي تشق طريقا خوف موتها حتى تخلص الحمل من “ رحم “ الشاة .
- حتى يرعي ذلك الحمل في صحراء خضراء ، هيا فشق الرحم ، فقد صار ذلك الحمل متضخما .
- وألم المخاض وإن كان مشقة بالنسبة للحامل ، إلا أنه بالنسبة للجنين تحطيم للسجن .
- فالحامل باكية في المخاض قائلة : أين المناص ؟ والجنين ضاحك إذ اقترب الخلاص .
- وكل من تحت هذا الفلك أمهات سواء من الجماد أو من الحيوان أو من النبات .
 
3565 - وكل واحدة منهن غافلة عن ألم الأخري ، اللهم إلا من اتصفت بالكمال والذكاء
- وذلك الذي لا يعلم “ أحوال “ الأجرد من بيوت الآخرين ، فمتي يعلم “ أحوال “ كث اللحية في منزله ؟
 
“ 306 “ 
 
- لكن صاحب القلب يعلم أحوالك ، بينما لا تعلم أنت شيئا من أحوال نفسك أيها العم ! “ 1 “ .

.
* * * 
شرح قصة نجدة الرسول عليه السلام لقافلة من العرب هدها الظمأ وقلة الماء
واستسلمت للموت وقد تدلت ألسنة الخلق والإبِل من أفواههم

( 3132 ) وردت هذه الحكاية التي تبدأ بهذا البيت قبل المثنوى في دلائل النبوة وصحيح البخاري وصحيح مسلم ( ماخذ 118 - 119 ) .
 
( 3152 - 3154 ) كانت قربة الماء مجرد دريئة - مجرد حجة ظاهرية ، أما الذي روى الظامئين وملأ القرب فهو الفضل الإلهى ، “ وأمره “ أي الإلهى والبحر الأصلي هو عالم الغيب ثم يقول : إن الحرارة تجعل من الماء بخارا وتجعل البرودة من البخار ماء ، لكن الحديث ليس عن العلل والمعلولات فإنه خارج علم هذا العالم فإن قدرة التكوين من العدم الموجودة عن الحق هي التي أوجدت الماء .
 
( 3155 - 3164 ) إن الأسباب هي العلل الظاهرية للأمور والأحداث ، والتعلق بها من الطفولية وعدم النضج فالنضج يتأتى من الطريق ، فالأسباب تشغل عن المسبب ، وتعلق المرء بالدريئات ، أي بالأمور الظاهرية التي يأتي بها
  
“ 550 “ 
 
الله لإخفاء أمور باطنية ، وأنت بسبب هذه الأسباب تجأر بالصياح إلى الله سبحانه وتعالى ، ويسأل الله تعالى : ماذا حدث حتى تذكرت قدرة الله ؟ ! ما دمت تذكرتنى من صنعي ولم تتذكرنى لذاتي إمض إذن إلى هذه الأسباب .
فيقول العبد : إنني لن أخدع ثانية بالأسباب ، فيجيب الله : إنك مثل الكافرين “ ولو رُدوا لعادوا لما نُهُوا عنه وإنَّهم لَكَاذِبُون “ لكني مع ذلك أرحم - وأعطيك كلما دعوت وفي البيت 3163 عودة إلى الحكاية : وفي البيت 3164 : أغرقت العرب والكرد : أي أغرقت من عرفوك ومن لم يعرفوك “ .
 
( 3191 - 3205 ) يعرج مولانا من حديث العبد الأسود مع صاحبه إلى الحديث عن مسألة عرفانية ، فاللون هنا يرمز إلى قيود الحياة الدنيوية وأماراتها وهو من الأمور العارضة في عالم اليقين ، وفارغة من اللون : أي الروح التي لا تجعلها المطالب المادية والحياة الصورية غافلة عن الله ، والأركان هي العناصر الأربعة في عالم المادة ، والعارفون بالجسد هم الذين لا يعرفون عن الأشياء إلا تعينها المادي ، وبدلا من أن ينظروا إلى الماء ينظرون إلى القربة ، وأولئك الذين يشربون الماء هم أولئك الذين يدركون حقيقة الوجود ، والعالمون بالروح هم أولئك الذين على علمهم بشاربى الماء ، والعدد من سمات عالم الصورة والتعين الذي يستمد أيضا “ عالم الكثرة “ وفارغون من الأعداد كفار غين من الألوان تماما ، فمن عنده علم بحقيقة الوجود هو وجود واحد بلا كيفية ولا عديدة وهو غريق البحر 
وفي البيت 3194 صِرْ روحا أي خلص نفسك من العلائق المادية واعلم الروح أي اعلم حقيقة الوجود أو ذات الحق ، وهذا ممكن عن طريق الله تعالى . هذا عن طريق الرؤية وليس عن طريق القياس ، وفي البيت 3195
  
“ 551 “ 
 
يصعد مولانا إلى أفق أعلى من عالم المادة فمنشأ العقل ومنشأ الملائكة واحد ولكن مشيئة الحق شاءت أن يخرج من منشأ واحد تجليان مختلفان 3196 ، فالملك يطير من الناسوت والملوت أما العقل فقد أخذ المجد الباطني 3198 ادم هنا إشارة إلى سيدنا آدم عليه السلام وإشارة إلى كل إنسان 3199 ، وكما أن العقل والملك من منشأ واحد فالنفس ( عند الإنسان ) والشيطان من منشأ واحد أيضا ، 3200 ومن هنا لم ير الشيطان من آدم إلا الطين بينما رأى فيه الملائكة الآخرون نور الحق ، وفي الأبيات التالية يتحدث مولانا عن عجزه عن هذا الحديث لعمقه ولعدم وجود من يمكن أن يفهمه ، إذ لو استطاع أحد أن يفهمه لنطق له الحجر والمدر ولشرحا له أسرار الوجود .
 
( 3206 - 3221 ) يواصل مولانا نفس الفكرة : أن الجماد ليتحدث مع الخبير بأسرار الغيب ، إنه يعتبر الجدارة نوعا من الضراعة وإن الخليقة هي مجموعة من الاحتياجات والضراعات والضرورات والآية المذكورة 62 من سورة النمل ، ولب الكلام إنه عندما يبدي العبد الاضطرار والضراعة فإن الله سبحانه وتعالى ينجده ويغيثه فلولا موقف مريم عليها السلام لما نطق عيسى في المهد مبرئا إياها : والمعنى أنه نتيجة للحاجة والاضطرار فإن أجزاءنا تتحدث عنا ، وهذا الحديث حديث خفى لا هو باللسان ولا هو بالحنجرة ، 


وفي البيت رقم 3208 تشير الشطرة الأولى إلى شهادة الأيدي والأرجل علينا ( يس 62 ) “ انظر تعليقات 247 “ ، ومن ثم يسأل في الشطرة الثانية : إذن لماذا تستخدم يديك وقدميك في طريق الكفر والإنكار وليس الأمر هكذا فحسب بل إن وجود كل شئ هو نتيجة الحاجة إليه ، فإذا كنت تريد الماء أي جواب الحق فأظهر الظمأ أي الاضطرار
 
“ 552 “ 
 
والحاجة ، والمضي إلى الأعلى والأسافل هي مصاعب الحياة أو مشكلات المجاهدة عند السالكين ، ورهينا للحرارة : أي مأخوذا بعقبات هذا الطريق والمقصود زنبور الهواء الرعد ، وهو علامة المطر يقول مولانا : إن هذه الآلام تعرفك بأثار الحق وأمارات عناية الحق ، ونفس هذه الآلام تجعل الصعب عليك سهلا كما أن صوت الرعد يجعل تحمل الظمأ سهلا على أمل الماء ، وكما يحتاج الزرع إلى الماء ، ينبغي حقيقة أن تكون محتاجا حتى تدرك الحقائق ، وفي مزارع أرواحنا يختفى جوهر المعرفة بدلا من حبوب الزرع والمطر الذي ينبغي أن يمطر على هذه المزرعة هو سحاب الرحمة الملىء بماء الكوثر ( المعرفة )
 وفي البيت 3221 إشارة إلى الآية 21 من سورة الدهر ( الإنسان )وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراًوفي تعليق للأفلاكى أن عطاء الشيخ بقدر ضرورات المريد وضراعاته واحتياجاته . . معانينا على قدر همم الطالبين . . الاضطرار يوجب الاستحقاق 1 / 200 “ .
 
( 3222 - 3239 ) الرواية الواردة في هذه الأبيات لم ترد بنصها في سيرة الرسول ، لكن الاسم الوارد فيها يذكر برواية وردت في مسند أحمد بن حنبل رضي الله عنه ، وفحواها أن خيثمة بن عبد الرحمن روى أن أباه عندما كان طفلا صحبه أبوه إلى رسول الله فسأله عن اسمه فقال : عزيز فقال رسول الله : بل سمه عبد الرحمن ( استعلامى 3 / 361 ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
 
جاءت امرأة بصبي ولم يتكلم قط فقال النبي : من أنا يا غلام قال : أنت رسول الله . فقال عليه السلام : صدقت بارك الله فيك ( منهج 3 / 427 ) . وواضح أن الحكاية كلها تأكيد لما ورد من أن الله يعطى العبد قدر حاجته حتى لو أنطق
 
“ 553 “
  
الطفل “ عيسى “ تبرئة لأمه ، وأنطق الطفل هنا لكي يبرئ نفسه من الكفر ، ولكي يعرف بالرسول ، لأن الأنبياء معروفون من الله سبحانه وتعالى ، وقد يدفع الحجر والمدر إلى الحديث تصديقا بهذا التعريف .
 
( انظر تعليق الأبيات 3195 - 3200 ) ( 3240 - 3256 ) وردت الرواية المذكورة هنا قبل المثنوى في دلائل النبوة ، وأحياء علوم الدين ، والدعوات الكبيرة ، وقد نقلها يوسف بن أحمد : روى عن ابن عباس رضي الله عنه : كان رسول الله أراد الحاجة يوما وذهب فقعد تحت شجرة فنزع خفيه ثم لبس أحدهما فجاء طائر فأخذ الخف الآخر وطار به إلى السماء وقلبه فسقط منه أسود سالخ فقال النبي ) : هذه كرامة أكرمني الله بها :
اللهم إني أعوذ بك من شر من يمشى على رجليه وأعوذ بك من شر من يمشى على بطنه ( مولوى 3 / 427 ) ، 
والعقاب يتحدث هنا في الحكاية اعتذار للرسول ) وإظهار استبعاد ألا يكون الرسول - عليه السلام - لم يدرك أن في نعله حية ، بل إن العقاب يذكر أنه ما رأى الحية في النعل إلا في الانعكاس النوراني لوجهه الكريم .
 
( 3257 - 3267 ) هذه الأبيات تعليق على الحكاية السابقةفَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً( الشرح / 5 ) إذ لا ينبغي أن يشكو المرء من البلايا والمصائب فالمؤمن حقا هو الضاحك عند البلاء ذلك أن يعلم أن هذا البلاء ربما حول عنه بلايا عديدة ، إنه يعلم أنه ما يسميه الآخرون “ عقابا “ من الله تعالى إنما هو “ عقاب “ اختطف الحية
  
“ 554 “ 
 
من النعل . والعبارة المذكورة لأحد الصوفية ولم أجد لها أصلا وإن كان يوسف ابن أحمد قد ربط بينها وبين عبارتين إحداهما للجنيد ( التصوف الكون مع الله بلا علامة ) والأخرى للشبلى “ : “ التصوف الجلوس مع الله بلا هم “ ( مولوى 3 / 430 ) ، ثم مضمون الآية الكريمةلِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ( الحديد / 23 ) .
 
( 3268 ) الحكاية التي تبدأ بهذا البيت جديرة بالسياق الذي مر : أي الفرج عند البلاء والنزول على حكم القضاء ، فإن القضاء وإن بدا سيئا هو الذي يحول بلايا كثيرة عن المرء هي أفدح وأعظم ، وبينما يجاهد العبد في أن يحول عن نفسه القضاء “ بدعاء نبي “ أو “ بتدبيره “ فإنما يساعد في أن يغرس في صدره سهم البلاء ، إنه يدعو البلاء إلى نفسه بينما هو فرح مختال فخور بأنه حول القضاء ، أو مغتم لنزول القضاء بساحته ، وهذا من نقص معرفته وظلمه وجهله إذ يرى الخسارة الحاضرة ولا يرى النفع الآجل ، ويحاول أن يشارك الله في علمه . 
وبالرغم من أن الحكاية لم ترد في مصدر قبل المثنوى بكل تفصيلاتها ، لكنها تشترك في معناها مع حكاية وردت في الكتاب الثاني عن شخص أصر على عيسى - عليه السلام - أن يعلمه اسم الله الأعظم لذي به يحيى الموتى ، فلما تعلمه مر على عظام رميمة فقرأ عليها الاسم ، فانقلبت إلى أسد هصور افترسه ، كما أنها شبيهة من حيث المعنى بقصة ذلك الذي نظر إليه عزرائيل في السوق نظرة لم تعجبه ، فتوسل إلى سليمان عليه السلام ، أن يأمر الريح بحمله إلى الهند فأمرها فحملته ، وفي اليوم التالي سأل سليمان - عليه السلام - عزرائيل لم نظر إلى الرجل هذه النظرة ؟ فقال : لقد كنت مأمورا
 
“ 555 “
  
بقبض روحه في نفس ذلك اليوم في الهند ولما رأيته حيث هو تعجبت وقلت بيني وبين نفسي : ترى بأية وسيلة سوف يكون في نفس اليوم في الهند ، لقد أسلم نفسه للقضاء بفراره من القضاء تماما كبطل حكايتنا هذه ( انظر الكتاب الأول الأبيات 956 - 970 ) .
 
( 3274 ) الإنسان حريص على ما منع وهو مثل معروف وروى أيضاً كحديث نبوي ( استعلامى 3 / 363 ) .
 
( 3282 - 3287 ) إن أحد فوائد انعدام القدرة ألا يستطيع الإنسان فعل الشر ، ومن هنا يفتخر الأنبياء بالفقر وبه فخر خير المرسلين “ الفقر فخرى “ ومن عيوب القدرة أنها تقضى على خير الإنسان وحلمه ، وإن الشهوات التي لا لزوم لها هي التي توقع الإنسان في هوى النفس ويظل دائما وراء أهوائه وشهواته ما دام قادرا عليها وعابدا للدنيا ، أي أن أكل الطين لا يستطيع أن يعتاد على شرب المسكر أو أكل الحلوى ( أي لا يجد وقتا أو لزوما لتعلم الحقائق الإلهية ) .
 
( 3288 - 3301 ) يأمر الله سبحانه وتعالى موسى بأن يعلمه قليلا من لسان الطير ، وأن يعطيه فرصة الاختيار ( بين لسان الطير ) ويجدها مولانا فرصة للحديث عن الاختيار ، فالاختيار هو ملح العبادة . إن العمل في حد ذاته ليس هو معيار الأجر ، لأن العمل قائم على المشيئة الإلهية لكن عند الحساب فإن الخير والشر منوطان باختيارنا ونيتنا ، هل رجحنا الخير على الشر ؟ أم الشر على الخير ؟ فإذا كنا قد اخترنا الخير فهو من “ فضلنا “ فالعالم كله يسبح طوعا
  
“ 556 “
  
أو كرها ، فإذا أعطى الاختيار فيمكن له أن يقول إن كان في طريق الحق أم لا ، والاختيار هو سر التكريم فيوَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ( الإسراء / 70 ) فالملاك خير بطبعه والشيطان شرير بطبعه ، والذي يستطيع أن يكون ملاكا أو شيطانا باختياره هو الإنسان . لكن المؤمن مثل نحل العسل يمتص عصارة النباتات كلها لكن لا يخرج منه إلا العسل والشهد ، فالمؤمنون يشربون من عين الحياة التي لا يموت من شربها ، وما يشربه أهل النفس هو “ سم الموت “ فهو موت في عالم المعنى - ولنترك عالم المعنى إلى عالم الصورة : إن مدحنا للمحسن وذمنا للمسىء هو دليل على أن لدينا اختيارا وأننا مسؤولون عن أعمالنا ، وفي السجن إن لم يسئ المسىء فلا فضل له ، بل تظهر شخصية الإنسان على حقيقتها عندما تكون له حرية الاختيار ، فاشتغل وقت القدرة في عبادة الله - ومن هنا فالإنسان بعناية الله وكرمه مختار إذا أدرك كيف يستغل هذا الاختيار .
 
( 3315 ) موت الحمار عرس الكلاب مثل في الفارسية والعربية والتركية ( جلبنارلى 3 / 350 ) .
 
( 3334 ) يقول الديك : لو وُضِعْنا تحت طست نستطيع في الظلمة أن نعرف مشرق الشمس ، لأن هذه الشمس تشرق من باطننا ، وهنا يشير مولانا أنه يتحدث عن أمور أخرى فوق إدراك الديك وبعض البشر ، فيتحدث في البيت التالي .
 
( 3335 ) عن شمس الحقيقة التي يعرف الأولياء طلوعها .
 
( 3336 - 3339 ) إن الله قد خلقنا معشر الديكة من أجل إخبار الناس
  
“ 557 “ 
 
بوقت الصلاة ، وهناك حديث في هذا المعنى : لا تسبوا إليك فإنه يوقظ للصلاة ، وفي الروايات الدينية أن الديك يسمع أصوات الملائكة فيصاحبها في التسبيح ومن هنا يقال للديك أبو يقظان ، فإن أذن بلا وقت حل دمه ( في اللغة الفارسية خروس بي هنگام وخروس بي محل تطلق على الشخص الذي يبدي الفضول في أمور لا شأن له بها ) . والديكة قد يؤذن بلا وقت اللهم إلا ذلك الديك الذي هو روح أولياء الحق فهو على علاقة بالوحي ( استعلامى 3 / 366 ) .
 
( 3351 - 3363 ) يخرج مولانا من سياق الحكاية لكي يتحدث مع المريدين فالرياضة الصوفية التي وإن كانت مشقة على الجسد إلا أن الروح الباحثة عن الله تجد البقاء والخلود بها ، ومن هنا فإن السالك يتحمل الرياضة لأنه يرى فيها بقاءه بعد الفناء ، وكذلك التضحية بالمال والروح في سبيل الله ذات مقابل ، ومن يضحى يرى العوض كما أن ولى الحق يتخلق بخلق الله ، وتفرغ روحه من هذه الدنيا وتعلقاتها ،وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ )( محمد / 38 ) والفقير هو كل إنسان يعطى على أمل العوض ، والدنيا كلها قائمة على الأعواض : كما يسلم الطفل البصلة المتعفنة ( الآدمي والدنيا ) على أمل التفاح ( في الجنان ) ، إن الكل يفكرون في الأعواض والدنيا كلها بمثابة سوق ، في المثل العامي الفارسي “ فلا أحد يلقى سلاما على أحد دون أن يكون في هذا السلام رائحة طلب نفع أو فائدة ، هذا اللهم إلا “ سلام الحق “ أي عناية الحق لنا واهتمامه بنا ، فهو لا يطلب لها جزاء ولا شكورا ، وهذا السلام تستطيع أن تسمعه من إنسان تكون رائحة الحق قد عطرت مشامه وإنني “ مولانا “ لأسمع سلام الناس أي لأعاشر الناس على أمل أن أسمع من أحد سلام الحق ، ولا يتأتى
 
“ 558 “
 
هذا السلام إلا من إنسان يكون قد أفنى نفسه في الحق، وبعدها يبقى لأنه يتصل بوجود الحق .
 
( 3374 ) إن من لديه عقلا مدركا للمعارف يرى عن طريق القلب عاقبة كل أمر ، أما الذي يراها في نهايتها فهو قليل المعرفة ، ومضمون البيت الأخير من كلام - الإمام على - رضي الله عنه - ( انظر تعليقات 2198 - 2199 ) ( 3389 ) إشارة إلى ما روى عن الشبلي أنه رأى في النوم بعد مصرع الحلاج ما يشبه القيامة وسمع خطاب الحق ، “ فعلت به ذلك إذ أفشى أسرارنا أمام غيرنا “ ( استعلامى 3 / 368 ) .
 
( 3396 ) منزل سر “ لدينا محضرون “ أي الحضرة الإلهية ، والمعنى مقتبس من الآية الكريمة ( وإن كل لما جميع لدينا محضرون ) .
 
( 3397 - 3400 ) يتحدث مولانا عن عدم الأسى على ما فات ( انظر 3267 و 3342 ) ويستنتج منها نتيجة معنوية هي لزوم الرياضة ، ومهما كان فيها من مشاق وصعاب على السالك فينبغي أن يسلم ، فإنه لم يقم بالرياضة باختياره ، لكنها كتبت عليه بأمر الله .
 
( 3401 - 3420 ) الحكاية المذكورة هنا ذات أصول من أحاديث نبوية ورد في الجامع الصغير عن أبي موسى : إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته قبضتم ولد عبدي فيقولون نعم فيقول : قبضتم ثمرة فؤاده فيقولون : نعم ، فيقول : ما ذا قال عبدي ؟ فيقولون : حمدك واسترجع فيقول الله تعالى ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد ( منهج 3 / 444 ) . وفي البيت 3408
  
“ 559 “
 
إشارة إلى الحديث القدسي “ قال الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر “ والشطرة الثانية إشارة إلى الآية 35 من سورة النورمَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وللشاعر العربي أبى تمام :لا تنكروا ضربي له من دونه * مثلا شرودا في الندى والباس
فا قد ضرب الأقل لنوره * مثلا من المشكاة والنبراسوهذا هو ما قصده مولانا : أي تشبيه هذا ؟ إننا نشبه الجنة “ التي ليس كمثلها شئ “ بهذا المثل كما شبه الله سبحانه وتعالى لنوره من المشكاة وأين المثل من الممثول ؟ لقد كان لطف الحق فوق تحمل هذه المرأة ، والنص المذكور في البيت 3411 هو بيت الحمد المذكور في الحديث النبوي الشريف ، إن المرأة عندما ترى في نومها هذا النعيم تخاطب الحق : افعل بي ما شئت وصب البلاء فوق رأسي واسفك منى الدم ، وفي البيت التالي إشارة إلى الآية الكريمةوَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ( الطور / 21 ) وفي البيت التالي مضمون الشطرة الأولىما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ( النحل 96 ) ، وعينا الغيب : بصيرة العارف بعالم الغيب ووعيه ، فالله تعالى لا يفعل إلا الخير بعبده ، فإن سال من أنفه دم كثير فقد كفاه مئونة الفصد ونجاه من الحمى ، فحتى البلايا تنجى
 
“ 560 “
 
الإنسان من الشر الكثير . وكل ما يملكه الإنسان إنما يملكه من سيره إلى الحق ومن تسامى روحه وتعاليها .
 
( 3421 - 3446 ) إن أولياء الله تعالى يرون الموت ( نقلا ) من دار إلى دار أرحب وأفضل ، ويرون الحياة قشرا والموت هو اللب والدليل هذه الحكاية عن سيدنا حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه - ، لقد كان في أخريات حياته يدخل الحرب دون ترس أو مجن ، وقد اعتبر بعضهم هذا الأمر من قبيل إلقاء النفس في التهلكة وذكروه بالآية الكريمةوَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ( البقرة / 195 ) وها هو ذا حمزة رضي الله عنه يرد على أولئك المتهمين الغافلين الذين لا يدركون أفكار حمزة - رضي الله عنه - عن الموت : إنني عندما كنت شابا أهتم بأن أظل حيا لأنى كنت أعتبر الموت وداعاً لهذه الحياة لكني الآن وببركة الإسلام ومن فيض محمد - لم أعد أخاف فخارج هذه الدنيا الفانية أنظر إلى “ معسكر “ الحق وأرى الجند الذين هم نور الحق ، فأين الخطر هنا وأين الموت ؟ إنني بعون الله وفي حماه أمن من التفكير في الموت ، إنما ينبغي أن يأخذ الآية الكريمة على ظاهرها ذلك الذي يرى في الموت “ هلاكا “ ( في الكتاب الأول البيت 3437 تفسير اخر على لسان الإمام على - رضي الله عنه - لنفس الآية الكريمة ) ، لكن الذي يرى الموت فتحا للباب ، فتحا لباب الحياة الأبدية الخالدة فهو يعمل بالآية الكريمةوَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ( آل عمران / 133 ) إن كل من رأى الموت في جمال يوسف قد فداه بروحه ، لكن من راه ذئبا قد ارتد عن الهدى وظن أن الموت هو نهاية المطاف ، فالموت يبدو في “ لون “ كل إنسان هو يبدو حبيبا لأحباء
 
“ 561 “
 
الله وأوليائه ويبدو عدوا لأعداء الله ، إنه كالمراة لا تبدى إلا ما ينعكس فيها ( انظر الكتاب الأول بيت 3981 - 3982 ) . في ديوان شمس تبريز “ إعلم أنك تساوى ما ترتعد من أجله “ ومن هنا فقلب العاشق أعلى من العرش . ص 262 . وفي حديقة سنائى :
الموت لهذا هلاك ولذاك مئونة * والسم لذاك غذاء ولذا موت ( ترجمة حديقة سنائى البيت 460 ) .
إنه مرتبط أيضا بخلفية الروح عندنا ، فمن هو في شوك إنما هو في شوك من أحواله الباطنة ومن هو في خزى فقد نسج هو الخزي حول نفسه ، إنما مصيرك مراة لنفسك .
 
( 3447 - 3476 ) لكن جزاء أعمال الإنسان لا يتشابه مع هذه الأعمال مثلما تكون الصورة في المرأة ، فعملنا عرض من أعراض وجودنا لكن الجزاء ثابت لأنه من لدن الحق ، كما لا تتشابه الخدمة مع المكافأة ، فالخدمة التي يقدمها الفعلة كلها عنت وعرق ، لكن الأجر عليها طعام لذيذ . فإذا اتهمت بشئ ما فلابد أنك ظلمت أحدا ودعا عليك ، ليس المهم أن تكون اتهمته بما ليس فيه فاتهمت بما ليس فيك ، المهم أنك وضعت بذرة الظلم ، ومتى كانت البذرة متشابهة مع غرسها ؟ انظر إلى جزاء الأعمال متى كان يشبهها ؟ متى كان الجلد كالزنا ؟ إنك لم تضرب أحدا فلماذا تجلد وإنه ليس جزاء الزنا إنه بلاء لا يتشابه الذنب والعقاب ، فأي تشابه للعصا مع الحية ؟ وأي تشابه لقطرة المنى مع الوليد الذي يتحول إلى شخص سنى وإن الجزاء من جنس العمل لكنه لا يشبهه ؟ متى
  
“ 562 “
 
يشبه حمدك وثناؤك على الخالق الطير ؟ ( إشارة إلى حديث نبوي : من قال لا إله إلا الله خلق الله من كل كلمة منها طيرا منقاره من ذهب وريشه من مرجان ) إن التشابه هنا غير موجود في الظاهر فإن نطفه الطائر من الهواء ( في اعتقاد القدماء أن أنفاس الطيور تؤثر في سفادها ) فحمدك وتسبيحك هما أنفاسك تلد هذه الطيور الفردوسية . ومتى تشبه الزكاة الأشجار المورقة في الجنة ؟ وأي شبه لحبك وحنانك وحدبك على الناس بأنهار اللبن في الجنة ؟ فهي جزاء من الحب والحدب ؟ ومتى يشبه شوقك وهيامك بالله أنهار الخمر التي هي جزاء هذا الشوق والحب ؟ إنها أسباب : الصبر والحنان والود ولذة الطاعة والسكر والشوق كلها أسباب للأنهار الأربعة في الفردوس ، فإذا كنت متصفا بها في الدنيا دانت لك الأنهار الأربعة في الآخرة ، إنها أبناؤك كما يسير ابنك خلفك قائلا لك : أنا جزء منك ، وهكذا أيضاً أعمالك الشريرة فإنها ( تترجم ) في الحياة الأخرى إلى الجحيم وحيات وعقارب وأشجار زقوم ، إنها الترجمة الفعلية لطبعك النارى .
 
( 3478 - 3495 ) يوجه مولانا الحديث إلى المريدين الذين لا يقبلون الهداية ويجعلون الأولياء منتظرين ، إن هذا سوف يترجم يوم القيامة إلى انتظار للعقاب الإلهى تحت شمس القيامة المحرقة ، أن هذه هي نتيجة التسويف ، إن غضبك هنا ( من النار ) هو بذور السعير فأطفئه هنا في الدنيا قبل أن يستعر جحيما في الآخرة ، ولا يطفأ إلا بأنوار الأولياء طبقا لما روى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم - : “ تقول النار للمؤمن يوم القيامة ، جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبى “ ( مولوى 2 / 295 - 3 / 453 ) . “ وانظر الأبيات 1250 فما بعده من الكتاب الثاني “ ، ولا فائدة للتغلب على الغضب بدون عون من أولياء الحق فهذا يكون من قبيل
 
“ 563 “
 
التكلف ، فإن نارك تكون موجودة لكنها تحت الرماد . سر إذن نحو هذه الطيور المائية : أي الأولياء الغارقين في بحر الجلال حتى يهدوك إلى عين ماء الحياة الحقيقية ، وإياك أن تخطىء فإن الأولياء والبشر العاديين متشابهون في الظاهر والشكل لكنهم لا يمتزجون كالماء والزيت : كما أن الوسواس الشيطانية والوحي كلاهما في عداد المعقولات لكنهما ليسا سيين . ورد في الجامع الصغير عن ابن مسعود - رضي الله عنه - “ إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة ، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق ، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله ومن وجد الأخرى فليعذ بالله من الشيطان “ ( مولوى 3 / 455 ) ثم يقول مولانا : كلاهما يعمل من أجل ترويج بضاعته ، فينبغي على “ صراف القلب “ الذي يعلم الغث من الثمين أن يقيم بين البضاعتين ليختار الأمثل والأثمن ، وإن لم تعلم التفريق بينهما فتمهل ، وامنح نفسك فرصة التفكير وقل “ لا خلابة “ .
 
( 3496 - 3499 ) الحكاية القصيرة الواردة هنا لها أصل في أصول الحديث شكا أحد الصحابة إلى الرسول أنه يغبن في البيع والشراء ، فقال له رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلم - : إذا بايعت فقل لا خلابة ولي الخيار ثلاثة أيام . ماخذ 118 ، أي على شرط ألا يكون هناك غبن ولى حق الفسخ إلى ثلاثة أيام . والبيت 3499 إشارة إلى الحديث النبوي : التأنى من الرحمن والتعجل من الشيطان “ وبقية الأبيات حتى البيت 3518 عن أهمية أن يلزم المريد التأنى لكيلا يصير من المنبتين فشرط المداومة على الطلب في الطريق هو أن يطلبه المريد بتأن وصبر وعدم تسرع .
 
“ 564 “
 
( 3519 - 3528 ) لا يزال مولانا يتحدث مبينا أن موت الأولياء هو من قبيل الانتقال والرواية التي وردت هنا بشأن بلال رضي الله عنه وردت قبل مولانا في معظم مصادر الصوفية ومن بينها الرسالة القشيرية وحلية الأولياء ، ففي الرسالة القشيرية ، “ ولما حضر بلالا الوفاة قالت امرأته : واحرباه “ أي وامصيبتاه “ فقال بل وطرباه غدا نلقى الأحبة محمدا وحزبه “ ولكن الرواية في حلية الأولياء وردت بشأن الربيع بن خيثم ( ماخذ / 119 ) . إن كل من لم ينور قلبه بالإيمان ونور الحق كان يرى بلالا مجرد عبد أسود “ كما كان إبليس يرى آدم مجرد مخلوق من طين “ ، لكن إنسان العين أسود وهو مركز الرؤية والبصيرة ، وفي البيت 3525 فما بعده والإنسان الذي لا بصيرة له أي إنسان العين الذي لا يرى الظاهر فحسب هو أعمى ، أما الإنسان العين أو من في منزلة إنسان العين ، أو المبصر بنور الله هو مراة لنور الله سبحانه وتعالى ، وإنه لا يرى الباطن في الدنيا إلا ذوو العيون البصيرة أصحاب الكمال ، إنه لم ير بلالا حقيقة إلا “ إنسان عين المؤمنين “ محمد ، ومن سواه عندما ذكروا بلالا إنما ذكروا صفاته السامية على سبيل التقليد لا التحقيق .
 
( 3529 - 3536 ) ليس الموت فراقا بل هو وصال ، ليس غربة بل هو عودة إلى الوطن ، عودة من الدنيا القصيرة إلى خاصة أهل اللهفِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ( القمر / 55 ) هي في أعلى في السمو ، لا في الأدنى أو الأحقر ( الحياة الدنيا ) إنك تنظرين إلى خراب المنزل ، لكن انظرى إلى ما وراء السحاب تجدين القمر ، وانظرى إلى ما وراء الخراب تجدين العمران ، فالقوم “ الروح “ عظيمة ومتسعة ورحبة ، لا بد أن نخرب منزل الجسد لكي نجد عالمها الذي تحن
  
“ 565 “
 
إليه مثلما يحن الناى إلى منبته . ( انظر الكتاب الأول - الأبيات الأولى ) . وهذه الفكرة عبر عنها مولانا تعبيرا رائعا في ديوانه شمس الدين التبريزي :
موتنا هو عرس الأبد * وسر ذلك في قل هو الله أحد إن الشمس لتفرق بين النوافذ * وانغلقت النوافذ وذهب العدد وتلك الكثرة التي كانت في حبات العنب ليست في العصارة التي تنقطر من العنب .
وكل من هو حي بنور الله * يكون من الموت المدد لروحه ( غزلية 833 ص 338 ) ويوضح هذه الفكرة أكثر :
عندما يحملونى في نعشى يوم وفاتي * لا تظن أنني أهتم بهذه الدنيا فلا تبك من أجلى ولا تنح قائلا واسفاه واسفاه * إن سقوطك في حبال الشيطان هو مدعاة الأسف وعندما ترى جنازتى لا تقل الفراق الفراق * فذاك زمان الوصل واللقاء بالنسبة لي وعندما أودع في قبرى لا تقل وداعا وداعا * فإن القبر هو الحجاب على مجمع الجنان
 
“ 566 “
 
لقد رأيت الأفول فانظر إلى الشروق * فمتى كان أفول الشمس أو غياب القمر خسارة لهما إنه يبدو لك غروبا لكنه شروق * ويبدو اللحد كالسجن لكنه خلاص للروح فأي حبة غرست في الأرض ولم تنبت * فكيف يكون ظنك هذا بحبة الإنسان ؟
( غزلية 911 ص 367 ) .
 
( 3537 - 3553 ) فيما يبدو يجرى الكلام على لسان بلال لكنه حديث مولانا على لسانه يقول : لقد كنت محزونا في هذه الدنيا كادم عليه السلام .
كانت منفى لي كما كانت منفى له لكن روحي الآن تشرف على العالم بأكمله ، كنت في هذا الجب “ كيوسف “ ثم أصبحت الآن ملكا ، والملك في حاجة إلى قصر ، إن الدنيا لم تكن أنس الأنبياء لأن أنسهم لا يتم إلا بالله سبحانه وتعالى ، وإن لم تكن الدنيا ضيقة فلماذا هذا الكدح والعناء والمشقة فيها ولماذا ينحنى من يعمرون فيها وما هذا النواح للروح في قفص الجسد ؟ ولماذا تتحرر الروح عند النوم من علائق الجسد ؟ ولماذا يتحرر الظالم من ظلمه ، ولماذا لا يحس السجين عند نومه بوطأة السجن عليه ؟ كيف يصير هذا العلم الواسع الرحب ( عالم المعنى ) ضيقا بحيث تجوب الروح فيه ؟ وانظر البيت 3552 أليس يورد تشبيها شاع في العالم كله الآن على أنه مثل غربى : ما ذا يجدينى اتساع العالم
 
“ 567 “
 
إذا كان حذائى ضيقا ؟ وهو يشير في البيت 3553 إلى مفارقة ظاهر الجبار الظالم مع باطنه إنه في موكبه وفي زينته يبدو متهللا سعيدا لكنه في باطنه في عذاب من جراء ظلمه للخلق .
 
( 3555 - 3567 ) إن النوم هو ملك الأولياء ( نوم العالم عبادة ) لأنهم في النوم يتخذون طريقهم إلى عالم المعنى ، والنوم هنا مجاز وإلا فإنهم يرون في اليقظة ما يراه غيرهم في النوم ويدلفون إلى عالم المعنى بغير باب “ من النوم أو الموت “ وإنه إنما يخرب جسده “ بالرياضة “ عامدا لكي يترك المجال لروحه للطيران سواء في النوم أو اليقظة ، وعندما يتم للروح كمالها مثلما يتم للجنين كماله ، يترك تعلقه بالرحم الضيق “ الدنيا “ ( ما شبهت خروج المؤمن من الدنيا إلا مثل خروج الصبى من ذلك الغمر والظلمة إلى روح الدنيا ) “ حديث نبوي - استعلامى 3 / 374 ) ولولا هذا المخاض ( هذه الرياضة ) لبقيت رهين المحبس بين الظلمات الثلاثة . 
وكما تشق الطبيعة المادية طريقا للوليد ( حتى في الحيوانات ) وربما تموت الأم لتخرج الروح مثل الحمل من الشاة ، فإن الطبيعة الروحية تساعد الروح لكي تخرج من سجن الجسد ، مهما كان العناء ، فالعناء على الوالدة في المخاض ، لكن الجنين مستبشر ، هذه هي سنة الحياة ، ليست في الأحياء فحسب بل في الأمهات ( العناصر : التراب والماء والهواء والنار ) وإن لم يكن لها علم بهذا ( هي مجبرة على هذا ) إلا إذا كان لها سير إلى الله ( السير إلى الله من تكريم الله للإنسان فحسب ) . 
وأولئك الذين لا ينظرون إلى الظاهر “ شكل الجنة “ يظلون تواقين إلى الأسرار .
 
.
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: