الثلاثاء، 11 أغسطس 2020

29 - الهوامش والشروح الأبيات من 3026 - 3409 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

29 - الهوامش والشروح الأبيات من 3026 - 3409 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

29 - الهوامش والشروح الأبيات من 3026 - 3409 المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

الهوامش والشروح الأبيات من 3026 - 3409 فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا



شرح ذهاب الذئب والثعلب مع الأسد إلى الصيد
( 3026 ) القصة التي تبدأ بهذا البيت وردت فيما يرى فروزانفر في نثر الدر لأبي سعد الآبي " طبعة دار الكتب الباب الرابع عشر أمثال ونوادر على ألسنة البهائم " كما وردت في كتاب الأذكياء لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ، كما وردت في محاضرات الأدباء ودفى فرائد السلوك بالفارسية ( مآخذ / 28 - 30 ) والأسد . هنا رمز للولي والمرشد ( هناك استخدام آخر لهذا الرمز بالتفصيل أنظر الكتاب الخامس الأبيات : 2341 - 2349 وشروحها ) . فالمرشد رحمة ، والله ينزل رحمته على خلقه بواسطة حججه وأوليائه ( سيد جعفر شهيدى : شرح مثنوي - الجزء

 
« 545 »
 
الرابع من الدفتر الأول - تكملة العمل الذي لم يسعف الأجل المرحوم فروزانفر لإتمامه - ص 2 - تهران 1373 ه . ش . يذكر فيما بعد تحت عنوان شرح شهيدى ) .
 
( 3030 - 3034 ) : كون القطب مع مريديه ، كما يكون الملك بين حاشيته ، تواضع منه وخفض جناح ، وإعمالٌ للحديث النبوي الشريف " الجماعة رحمة والفرقة عذاب " ( بأسانيده أحاديث مثنوي ص 31 ) ، كما أن الرسول عليه السلام الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، أمر باستشارة أصحابه (فَاعْفُ عَنْهُمْ ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ، وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) ( آل عمران / 159 ) ، والذهب يوزن بحبات الشعير ، وأحيانا تضاف حباب الشعير إلى كفة الذهب ( حبة الشعير تعادل واحدا من ثمانية وأربعين جزءا من المثقال ) ، والجسد الترابي بحواسه الخمسة حارس للروح ، وأين مقامه من مقام الروح ؟ ! ( 3039 - 3054 ) : الذئب والثعلب كلاهما رمز لطلاب الدنيا ومتاعها ، وعندما يكون الصيد والزاد سمينا يزداد الطمع . . وها هما بعد الصيد ينتظران من الأسد عدل الملوك وقسمة الملوك ، وينتقل مولانا من أسد الغابة إلى أسد الرجال ، فقد فهم الأسد طمعهما ، وأنظار الرجال مشرفة على قلوب المريدين ، ولهذا قال أبو يعقوب السوسي في شرح حديث اتقوا فراسة العبد المؤمن فإنه ينظر بنور الله : إنهم جواسيس القلوب ، يدخلون في قلوبكم ، ويطلعون على أسراركم ، فإن جالستموهم فجالسوهم بالصدق . ( أنقروي 1 / 565 ) ( أنظر أيضا حكاية الدرويش والحطاب في الكتاب الخامس ) ولذا فقد علم الأسد ما يدور في خلد الذئب والثعلب لكنه تجاهل الأمر ، فمن سمات الأولياء التغاضي عن زلل المريدين وعدم مواجهتهم به ، لم يكن غضب الأسد لأن الذئب والثعلب أرادا القسمة ، لكن غضبه لأنهما أسماءا الظن به وبعطائه ، ويسوق مولانا بيتين يشير بهما إلى سوء ظن العباد بالخالق الذي قال في حديثه القدسي " أنا عند حسن ظن عبدي بي " ، لكن النقش لا يزال يطامن النقاش ويكيد له وهو صورة في يد النقاش ، وهذا المعنى تكرر كثيرا
 
 
« 546 »
 
عند مولانا ( أنظر على سبيل المثال لا الحصر الكتاب الثالث البيت 937 وشروحه ) وأولئك هم (الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ، عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) ( الفتح / 6 ) ، وينوي الأسد بينه وبين نفسه أن يجعل منهم مثلة للزمان ، كل ذلك دون أن يبدي لهم شيئا فهو يبتسم مما يذكر ببيت المتنبي :إذا رأيت نيوب الليث بارزة * فلا تظنن أن الليث يبتسم. وهذا المال الموجود في الدنيا وهذه الزينة هي بسمات الحق ، إنها مجرد فخاخ منصوبة للخلق ، والافتقار إلى الله تعالى ، وبذل المشقة أفضل في هذا الطريق ، هي التي تفوت تأثير هذه الفخاخ والبسمات وتجلب رحمة الله وعطاءه .
 
( 3063 - 3068 ) : ذنب الذئب أنه رأى الأسد ، وسمح له الأسد بصحبته ، ثم أثبت أنية ووجودا لنفسه ، ولا ذنب هناك أبشع من تجاهل بعد علم ، ووقاحة عن معرفة وعن رؤية ، وانسلاخ عن آيات الله بعد أن يؤتاها المرء ، فلا يكون مرتكب ذلك جديرا من المليك إلا بإنزال أشد أنواع العقاب ، ومن ادعى أنية أمام وجوده فهو هالك لا محالة ، مصداقا لقوله تعالى (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) ( القصص / 88 ) وانظر إلى الشهادة : لا إله إلا الله ، فمن وقف عند لا فقد أنكر ، ومن وقف عند إلا فقد أثبت التوحيد ، وظفر بالبقاء والخلود ، أما ذلك الذي يقول أنا وأنت فهو واقف على الباب مردود عن الدخول ، محروم من العطاء .
 
( 3069 ) الحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت قبل المثنوي في حياة الحيوان للجاحظ وربيع الأبرار للزمخشري ورسالة العشق والعقل لعبد الله الأنصاري ومصيبت نامه للعطار ، وأقرب الروايات إلى رواية مولانا هي رواية العطار ( مآخذ / 30 - 31 ) .
 
( 3070 - 3071 ) إن الذي يكون على باب الحبيب ، ويقول : أنا ، ليس إلا فج ساذج لم تتضجه نار الفراق ، وروى الأنقروي : قال جابر رضي الله عنه : أتيت باب الرسول صلى اللّه عليه وسلّم ، فدققت الباب ، فقال : من ذا ، فقلت أنا فقال : أنا أنا كأنه كرهها ( أنقروي 1 / 569 ) ، ونار
 
 
« 547 »
 
الفراق كما ورد في مقالات شمس ( ص 162 ) هي التي تنضج وتهذب ، ومن علامات النفاق ادعاء المحبة وإثبات الذات ، فالمحب الحقيقي فان في محبوبه منكر لذاته وحظه .
 
( 3076 ) ليس في الدار غيره ديار .
 
( 3077 - 3082 ) الخيط المفرد : الإفراد ، والخيط المزدوج : الثنوية ، والإبرة الطريق الدقيق ، طريق الذهاب إلى الحق ولقاء المحبوب ، والصورة ناظرة إلى ما ورد في إنجيل متى " إن مرور جمل من ثقب إبرة أبسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله " ( عن شرح شهيدى / 17 ) والآية القرآنية الكريمة (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها ، لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) ( الأعراف / 40 ) لكن الجمل ( في مصطلح مولانا المتطامن المتكبر والنفس الأمارة والشهوة المستعرة ورؤية الذات ) بأمر " كن فيكون " يستطيع بالرياضة والمثابرة وصحبة الشيخ أن يتحول ، ويصور الرياضة بالمقراض الذي يأخذ من الوجود المادي ويقلل منه لصالح الروح ، فلا محال أمام الله ، ولا مرض غير قابل للشفاء ، ومن أقل عطاياه لنبيه عيسى عليه السّلام إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ، وذلك العزيز في البيت 3082 قد يكون المقصود به عيسى عليه السّلام وقد يكون المقصود الحق جل وعلا .
 
( 3083 - 3088 ) : وما الميت أمام قدرة الله والميت وجود بلا حركة ينتظر أن تبث فيه الحركة وما أيسرها على الله تعالى ، أما العدم وهو لا وجود له ، فمنه تنبع كل الموجودات بأمره تعالى وبقدرته جل شأنه ، فهو لم يخلق الخلق عبثا ، ولن يتركهم سدى ، بل (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) ( الرحمن / 29 ) وللإمام علي رضي الله عنه " الحمد لله الذي لا يموت ولا تنقضي عجائبه ، لأنه كل يوم هو في شأن من إحداث بديع لم يكن " ( عن شرح شهيدي / 19 ) ، وحركة البشر نفسها في رواح وغدو ، والصورة منقولة من قول الإمام رضي الله عنه " لله تعالى في كل لحظة ثلاثة عساكر ، فعسكر
 
 
 
« 548 »
 
ينزل من الأصلاب إلى الأرحام ، وعسكر ينزل من الأرحام إلى الأرض ، وعسكر يرتحل من الدنيا إلى الآخرة " ( عن أحاديث مثنوي / 32 ) 
 
( 3091 - 3099 ) ليس ثم إلا الواحد ، وليس ثم إلا الوحدة ، والمتعددات والكثرة ما هي إلا مظهر من مظاهر الوحدة " كن " على حرفين لكنها تؤدي فعلا واحدا ، هي كالوهق مزدوج ذو طرفين ويقوم بفعل واحد هو الجذب ، كالقدمين يسيران معا في طريق واحد ، كالمقراض مكون من طرفين ويقوم بقص واحد ، كعمل قصارين " غاسلي ثياب " ( أنظر إلى تدرج مولانا في تقديم الصور ) ، وأصدق مثال على تعدد الصور ووحدة الأثر : الأنبياء والأولياء ، أليسوا جميعا معهما تعددت صور الدعوة وأساليبها ومعجزاتا وكراماتها ينادون بالاتجاه إلى الواحد وعبادة الواحد ؟
( أنظر أيضا لهذه الفكرة : الكتاب الثالث الأبيات : 2124 - 2126 وشروحها ) 
 
( 3100 - 3106 ) وقفة من مولانا جلال الدين عن الفيض " الماء " لأن الماء قد جرف حجارة الطاحون " جاوز الكلام قدرة مولانا على الإفضاء " ، وثمة سبب آخر وهو الغفلة التي انتابت المستمعين ، وما لم يكن مستمع لا يفيض الحديث ، وما دام المرء لا يحتاج إلى الطاحون فإن الماء لا يدخل الطاحون ، وإنما يكون الحديث من أجل مستفيد متعلم ، وإن لم يكن مستفيد أو متعلم فما جدواه ؟ ، إنه يعود إلى أصله أي إلى الجنان " تحت العرش كنوز مفاتيحها ألسنة الشعراء " ، وإياكم أن تظنوا أنه ينبع من الحلق والحبال الصوتية ، وليت الكلام يكون بلا صوت ولا حرف ولا قيل ولا قال ، ينبعث من القلب " مجراه الأصلي " إلى القلب " أذن القلب " ( أنظر البيت 1740 من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، لكن محال ، لا بد من النزول إلى مستوى الحرف والصوت ، وليته يصادف فهما صحيحا سليما ( لمولانا : مت حسرة بحثا عن الفهم الصحيح - البيت 2100 من الكتاب الثالث - وليت الكلام يكون بلا حروف : أنظر الكتاب الثالث الأبيات : 1307 - 1309 وشروحها والكتاب الخامس الأبيات 2240 - 2243 وشروحها ) .
 
 
« 549 »
 
( 3107 - 3113 ) : هناك عوالم عديدة يدعو مولانا الله إلى تمكينه من تجاوزها إلى عالم العدم الأكثر رحابة وإتساعا ، فالخيال : هو عالم المثال وعالم النفوس المنطبعة ، والوجود : هو عالم الوجود الخارجي ، عالم الحس واللون ، عالم الشهود ، وتتراوح سعة كل عالم عن العالم الآخر وهي في سعتها متدرجة من أعلى إلى أسفل : " عالم العدم وعالم الخيال وهو أكثر ضيقا ومن ثم مسبب للحزن ، وعالم الوجود الأكثر ضيقا ، ثم عالم الحس عالم الكثرة الذي هو أدنى درجة من درجات العوالم في مقابل عالم التوحيد الذي هو أعلاها ، وقطع هذه العوالم ليس بالأمر الصعب إن كان ثم رعاية إلهية وقبول رباني ، إذ يمكن طيها كلها بأمره سبحانه وتعالى الذي لا يزيد عن حرفين " كن " ( 3116 ) : الآية الكريمة "فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ *" ( الأعراف / 136 - الحجر / 79 - الزخرف / 52 و 55 ) .
 
( 3123 - 3125 ) : " من كان لله ، كان الله له " ( أنظر الأبيات : 1947 - 1950 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحها ) .
 
( 3126 - 3136 ) : الحديث عن الاعتبار ، والعاقل هو من اعتبر من مصير غيره ، ومن أقوال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه " واعتبروا ممن أضاعها ، ولا يعتبرن بكم من أطاعها " ( عن شرح شهيدي : ص 33 ) والسابقون المذكورون هم الأمم السابقة التي لولا اتعاظ المسلمين بمصائرها لما هُدوا " وليتهم يتعظون الآن " ومن هنا قال عليه السلام " أمتي أمة مرحومة ليس عليها في الآخرة عذاب ، إنما عذابها في الدنيا القتل والبلاء والزلازل " ( بأسانيده في أحاديث مثنوي ص 32 ) فاعتبروا إذن بمن قبلكم وإلا اعتبر بكم من بعدكم . و : خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد .
 
 
« 550 »
 
( 3137 - 3149 ) : يتحدث مولانا كثيرا عن نوح عليه السّلام كمثال للثبات على الدعوة والأمر مع طول مدة الدعوة وقسوة قلوب العصاة وعدم استجابتهم ، ومع ذلك إلا لأنهم رأوا نوحا عليه السَّلام مجرد إنسان مثلهم " وربما في بعض الأحيان أقل منهم " ويسوق نوح عليه السّلام الحديث هنا إلى الكفار : إياكم أن تظنوا أني مجرد إنسان مثلكم ، إن حديثي منه (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) ( النجم / 3 - 4 ) ، أنا رسوله ، وقيمة الرسول من قيمة مرسله ، لا تنظروا إلى الجسد وانظروا إلى الروح ، ولا تستهينوا بما تيسره لكم عيون ظواهركم ، إنكم تنظرون ولا تبصرون ، وإذا لم يكن نوح عليه السّلام أسدا ، فلماذا دمر الحق عالما كاملا من أجله ؟ ولما ذا مزقهم كما مُزق الذئب في الحكاية السالفة الذكر ؟ أتبدي إذن جرأتك أمام أسد الله وأوليائه وأصفيائه ؟ ألا ليتك تعلم بما حاق بمن قبلك وتتعظ به ! ! وليت العقاب كان قد حاق بالأجساد فحسب ، فكل عقاب يحيق بالأجساد نفع إذا كان الإيمان باقيا ، وتطهير وغفران إذا بقيت الأرواح سليمة ، 
لكن لعلكم تتساءلون :
كيف يكون كفر بالأجساد ومع ذلك يظل الإيمان سليما ؟ هذا هو السر الذي لا أستطيع أن أفشيه . والواقع أن مولانا لا يريد أن يخوض في قضيتين : الأولى : هل مرتكب الكبيرة كافر ، وفيها خلاف بين كل الفرق ، والثانية : قضيته الأساسية ؛ قضية الجبر والاختيار ، فإذا كان فعل الكفر عند العبد من الله ، فإن الله قدر على الاستتابة وعلى التطهير ، ومن الممكن أن يقبض عبده المذنب والمتجرى على ملكوته تائبا آئبا ليس عليه شاهد بذنب . ( أنظر الكتاب الثالث الأبيات : 3385 - 3395 وشروحها ) .
 
( 3150 - 3162 ) : يعود مولانا إلى الثعلب الذي ترك الأنية وذاب في " الأنا العليا " المرموز لها بالأسد ، ففاز بكل الصيد ، لقد قلل الاهتمام ببطنه ، واعتبر نفسه غير مالك لشيء ، وأن الملك كله له يقسمه كيف يشاء ، وأن المخلوق دائما في افتقار إلى الله تعالى ، الذي يضع كل شيء في موضعه وبقدره ، وقد خلق كل الخليقة من أجل الإنسان ، فليعلم الإنسان أنها له ، وليحسن
 
 
« 551 »
 
طلبها ، وطلبها بمعرفته (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) أي ليعرفون ، وإياك والشك في عطاء الحق ، فإن هذا الشك مجلبة لسخطه ، وهو يعرف سرك وجهرك وسعيك واحتيالك ، وأولئك الذين صفوا قلوبهم ، وأبعدوا عنها ما سوى الله تعالى ، أصبحوا في الصدر من حضرته ، وكل من أخلى صدره من كل شغل ، تجلى الحق في مرآته ، والمؤمن مرآة المؤمن " ( أنظر البيت : 1337 من الكتاب الذي بين أيدينا ) والقلوب هي المحك والمعيار لكي تفرق بين الزائف والصحيح . 
 
( 3166 - 3169 ) : على ذكر القلب من الجسد " السلطان من الأمة في المأثور السياسي " يتوارد إلى ذهن مولانا أهمية الموضع الذي يتبوأه الصوفية العارفون من مجالس الملوك ، فإذا كان الأبطال والعسكر يجلسون على ميسرة الملك " القلب " والكتاب وأرباب القلم على يمينه " اليد اليمنى التي تكتب " ، فإن الصوفية يجلسون في مواجهتم ، لأنهم مرايا الروح ، وفيها ينعكس ما يدور في قلب الملك ، فيراقب نفسه ، ويرعى حرمة الجالس أمامه " للصوفية مواقف في مواجهة الطغاة وكف طغيانهم عن عوام الناس - أنظر أسرار التوحيد في مقامات أبي سعيد ترجمة إسعاد قنديل وسيرة الشيخ الكبير ترجمة كاتب هذه السطور " ، ويستدرك مولانا قائلا بأن صاحب الوجه الحسن هو الذي يديم النظر في المرآة ويكون عاشقا لها ، فكثير من السلاطين يعرفون دخائل قلوبهم وقبحها ، فلا يطيقون أرباب القلوب ولا يأنسون إليهم ، فهم المرايا التي تظهر الحقائق ، وهم جواسيس القلوب . وفي تعليقات نيكلسون " السلطان هو الروح ، والأبطال هم القوى النفسانية والمشرفون ، وأهل القلم هم العقل ، والصوفية هم قلب الولي الكامل .
ويضيف شهيدي أنه من أجل فهم المعنى الظاهري يجب الانتباه إلى أن الصوفية وشيوخهم تمتعوا بمقام ملحوظ في بلاطات آسيه الصغرى في العهد الذي عاش فيه مولانا ، مما يمكن ملاحظته في ثنايا كتاب مناقب العارفين للأفلاكي " ( شرح شهيدي / ص 52 ) .

 
« 552 »
 
( 3170 ) الحكاية التي تبدأ بهذا البيت فيما يقول فروزانفر ( مآخذ / ص 31 ) وردت قبل مولانا في كتاب " المستجاد من فعلات الأجواد " كما وردت في " جوامع الحكايات " لمحمد عوفي ، وأضاف زرين كوب ( عبد الحسين زرين كوب : بحر در كوزه ، نقد وتفسير قصها وتمثيلات مثنوي صص 57 و 58 - ط 2 - تهران 1376 ه . ش . - يذكر فيما بعد تحت عنوان بحر در كوزه ) مصدرين هما إلهي نامه للعطار وفيه ما فيه لمولانا جلال الدين ، ويضيف زرين كوب هنا أن يوسف عليه السّلام هنا رمز للجمال الإلهي الذي يتجلى في مرآة أو مرايا عديدة .
 
( 3172 - 3181 ) : الأبيات تشير إلى أن يوسف عليه السّلام حتى في أوان محنته كان صابرا موقنا في عناية الله به ، شاعرا بقدره عنده ( في موضع آخر كان ذلك اعتمادا على الرؤية الصادقة التي رآها بسجود الشمس والقمر والكواكب له أنظر : الكتاب الثالث الأبيات : 2335 - 2342 وشروحها والكتاب الرابع الأبيات : 3395 - 3399 وشروحها والكتاب الخامس الأبيات : 4060 - 4062 وشروحها ) كان عارفا بأن كل هذا الخراب الذي يحيق به من أجل عمران آت لا محالة ، ولولا هذا الخراب ما جاء هذا العمران . ويضرب يوسف في الحكاية التي بين أيدينا الأمثال التي طالما يضربها مولانا في أكثر من موضع ليدلل على أن العمارة في الخراب والجمع في التفرقة ( أنظر : الكتاب الذي بين أيدينا الأبيات : 306 - 312 وشروحها حيث إشارات إلى نفس الفكرة في مواضع أخرى من المثنوي ) وفي البيت 3177 إشارة إلى علاج في الطب التقليدي الإيراني يسمى كحل الجواهر حيث كان الدر يدق ويكتحل به على اعتقاد بأن له خاصية في تقوية البصر ( إستعلامي 1 / 387 ) أو في إعادة البصر إلى الأعمى ( شهيدي / 49 ) ، والمعنى كله وارد في معارف بهاء ولد " أي دق رأيت قلت به قيمة المدقوق ؟ " ( معارف / ص 103 وص 250 ) .
ويعجب الزراع الواردة بالعربية في البيت 3182 إشارة إلى الآية الكريمة (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ ، يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ، لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) ( الفتح / 29 ) ( وعن فكرة أن زرع الجسد في القبر بعد الموت لا بد وأن ينتج عنه نبات أنظر : الكتاب الثالث الأبيات : 3529 - 3536 وشروحها ) .
 
 
« 553 »
 
( 3183 - 3192 ) : يخلص مولانا من فكرة أن كل إنسان يعود من السفر إنما يحمل هدية لحبيبه إلى فكرة أكثر عمقا وهي : إذا كانت مرحلة الحياة الدنيا مرحلة سفر عن الوطن ، والموت عودة ولقيا للحبيب فما ذا تحمل إلى الحبيب عند عودتك من السفر ؟ ويشير إلى الآية الكريمة (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) ( الأنعام / 94 ) وفرادى تعني : خاوين من كل ما أنعم الله عليكم به في الدنيا ، وإنما ينبغي لك أن تحمل إليه ما أديته من أعمال في مقابل هذه النعم من صالح الأعمال ، هذا إذا كنتم في الأصل لم تقطعوا الأمل في العودة ، وأنكرتم البعث ، واعتبرتم الأمر باطلا ، وإن إنكار مثل هذه الضيافة من قبيل الحمارية ، فلن يكون لك من نصيب من هذه الضيافة العامة إلا جهنم ونارها وترابها ، أتريد أن أقول لك طرفا من هذه الهدية التي ينبغي أن تحملها إليه ؟ اقرأ الآية الكريمة (كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ ، وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ( الذاريات / 17 - 18 ) ( لتعبير آخر عن هذه الفكرة أنظر : الكتاب الرابع الأبيات :
1564 - 1577 وشروحها ) .
 
( 3193 - 3197 ) : لتفصيلات عن فكرة أن الإنسان في الدنيا مثل الجنين في الرحم ثم ينتقل إلى الأرض الواسعة ، أنظر الكتاب الثالث الأبيات 50 - 68 وشروحها . والأرض الواسعة اقتباس من الآية الكريمة رقم 97 من سورة النساء ، وهي هنا أرض عالم الغيب وعالم الوجود الحقيقي ( لتفصيلات عنها أنظر الكتاب الرابع الأبيات : 2381 - 2383 وشروحها ) ( 3198 - 3204 ) : لشرح هذه الأبيات أنظر الكتاب الذي بين أيدينا الأبيات 390 - 399 والأبيات 406 - 409 وشروحها ، وعن الجبل والصدى وعلاقته بالفكرة الموجودة في الأبيات أنظر الكتاب الثالث الأبيات 283 - 284 و 1345 - 1353 وشروحها - وعن أهل الكهف وتشبيه الأولياء بهم أنظر البيت 407 من الكتاب الذي بين أيدينا وشرحه ) .
( 3208 ) حامل الكمون إلى كرمان مثل فارسي يقابله في العربية حامل التمر إلى هجر .
( 3210 ) تشبيه المرآة بصدور الرجال ورد كثيرا في المثنوي أنظر على سبيل المثال لا الحصر الأبيات 3159 و 3166 و 3167 من الكتاب الذي بين أيدينا .
 
( 3214 - 3223 ) : كما أن الحسان عندما يرون وجوههن في المرآة ينشغلن بها ويغبن عن أنفسهن

 
« 554 »
 
فإن العبد إذا أراد أن يرى نفسه في مرايا الحق عليه أن يصبح فانيا ، وعندما يرى الإنسان نفسه عدما ، يفيض عليه الحق وهو الغني المطلق ، وعندما يفيض عليه يتجلى الحق . يقول عبد الوهاب الشعراني " واجهد نفسك عندما ترى الصورة في المرآة ، أن ترى جرم المرآة ، فإنك لا تراه أبدا ، لكن إن قلت أن المتطبع في المرآة صورتك صدقت ، لأنها نشأت من مقابلتك ، وإن قلت غير صورتك صدقت ، لأن صورتك لم تنتقل ، فافهم " ( مولوي 1 / 585 ) ثم ينزل مولانا جلال الدين بمستوى التعبير قليلا ويقدم صورا من الواقع المعاش : ما لم تبدُ الحاجة لا يكون العطاء " لا يفور اللبن من الثدي إلا إن كان ثم رضيع باك " وحيث ثم جائع يكون الخبز ، وإن كان ثم عود حرق لا بد أن يكون هناك زند ، والحائك الماهر لا يخيط ثوبا جاهزا ، والنجار لا يسوى خشبا مشكلا بل يأخذ فرعا لم يسو بعد ، ومجبر الكسور يقصد مكسور القدم ، والطبيب يقصد المريض . النقص هو سبيل الكمال وهو مرآته ، فإذا كنت تريد الكمال فأبد النقص " أنا عند المنكسرة قلوبهم " والأمور تعرف بأضدادها ، وجاء في الحديث النبوي " من عرف نفسه فقد عرف ربه " أي : من عرف نفسه بالتذلل عرف ربه بالتفضل ، ومن عرف نفسه بالحقارة ، عرف ربه بالجلالة ، ومن عرف نفسه بالفناء ، عرف ربه بالبقاء " ( مولوي 1 / 586 ) 
( 3225 - 3233 ) : المهم أن تدرك أنواع النقص فيك ، فإنك إن عرفتها أسرعت في إصلاحها بسرعة عشرة جياد ، فإذا كنت تظن في نفسك الكمال . . كيف تسرع إلى ذي الجلال ، وويلك من هذا العُجب وهو أكبر آفات النفس ، ويجر عليك الويلات ، وأفظعها قاطبة غضب الله سبحانه وتعالى " الكبرياء ردائي والعظمة إزاري ، فمن نازعني ردائي وإزاري ، قصمته ولا أبالي " ، وألا فلتعلم أن الكبرياء كان الداء الأكبر عند إبليس اللعين ، وهو الذي دفعه إلى عدم السجود لآدم (قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ *) ( الأعراف / 12 ) 
والكبرياء في الإنسان أخفى من البعر في الجدول الصافي " أو أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء " و " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر " ولا سبيل إلى علاج الكبرياء إلا من وجهين : أحدهما أن ينظر المرء إلى النفس بعين الحقارة ، فيرى خسة طبعها وركاكة نظرها ودناءة قيمتها وأنواع عيوبها وتمردها على الحق وتعلقها بالباطل وخباثة ذاتها ودمامة صفاتها وتعديها وظلمها لنفسها ، ومع ذلك يرى عجزها وفقرها وذلها وضعفها ومسكنتها .

« 555 »
 
والوجه الثاني : أن ينظر إلى عظمة الله وعزته وكبريائه وجلاله وجبروته وشدة عذابه وألم عقابه فيها ، ويتحقق أن بطشه بالمجرمين شديد وعقوبته للمتمردين عظيمة ، فيصغر نفسه باللوم لمعرفة قدرها ، ويتواضع لله بالعجز لمعرفة قدره ، خائفا من عذابه ، راجيا ثوابه ، كما قال تعالى ( يدعون ربهم خوفا وطمعا ) فيبدل الله سيئة كبرها بخسة تواضعها " ( منارات السائرين / 307 - 308 ) .
 
( 3234 - 3240 ) : إنه هو الشيخ الذي يستطيع أن يتتبع أدق أمارات الكبر داخل نفسك ، وهو الذي يشق الجداول الصافية " الخالية من بعر الكبرياء المختفي " داخل رياض النفس الكلية التي يحمل السالك إليها ( عن صلة الشيخ بالنفس الكلية أنظر : الترجمة العربية لحديقة سنائي الأبيات 4973 - 5070 وشروحها صص 308 - 309 من نفس المجلد الأول ) وهو الذي يستطيع أن يعالج جراح النفس التي حط عليها ذباب الأفكار والهموم وأموال الدنيا وشهواتها ( عن علاج الشيخ للكبرياء بوسائل لا تقل علمية عن العلاج النفسي المعاصر ، أنظر : أسرار التوحيد في مقامات أبي سعيد ، وانظر أيضا : ديداري با أهل قلم ، لغلام حسين يوسفي ، مقال : عارفي از خراسان صص 191 - 196 - انتشارات دانشكاه تهران - 1355 ه . ش . ) ، والمرشد عالم بالله ، جاء في قوت القلوب العلماء ثلاثة : عالم بالله وبأمر الله فذلك العالم الكامل ، وعالم بالله غير عالم بأمر الله فذلك العالم التقي الخائف ، وعالم بأمر الله غير عالم بالله فذلك العالم الفاجر ، 
وقال ابن عربي :ما حرمة الشيخ إلا حرمة الله * فقم بها أدبا بالله بالله
هم الأدلاء والقربى تؤيدهم * على الدلالة تأييدا على الله
الوارثون همو للرسل أجمعهم * فما حديثهمو إلا عن الله
كالأنبياء تراهم في محاربهم * لا يسألون من الله سوى الله
( مولوي 5881 ) فإياك أن تظن أن هذا العلاج من نفسك أنت ومن مجاهداتك أنت . . . وإلا كانت جرأة
 
 
« 556 »
 
كجرأة كاتب الوحي الذي سطع عليه شعاع من نور الرسول صلى اللّه عليه وسلّم فظن أن الوحي ينزل عليه ( ومثل حكايات تأمير الشاب الهذلي الواردة في الكتاب الرابع الترجمة العربية الجزء الخاص بشعاع السكر ، الأبيات 2154 - 2158 وشروحها ) .
( 3241 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت فيما رواه فروزانفر ( مآخذ / 32 - 33 ) نقلا عن أسباب النزول للواقدي وتفسير أبى الفتوح الرازي عن كاتب الوحي عبد الله بن سعد بن أبي سرح الذي كان يملى عليه الرسول صلى اللّه عليه وسلّم الآية الكريمة (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) ثم انتهى إلى قوله ( ثم أنشأنه خلقاً آخر ) فبادر ابن سرح بقوله (فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) فقال الرسول صلى اللّه عليه وسلّم « اكتبها فهكذا نزلت على » وقد ناقش الأستاذ شهيدى هذه الرواية ( شرح المثنوى / 66 ، ص 72 ) ورفضها لأنها لا تتفق مع روح الإسلام من ناحية ، ومن ناحية أخرى هناك روايات أخرى عن أسباب ردة ابن سرح أكثر إقناعاً منها ، وبمناقشة ترتيب نزول الآيات المختلفة التي قيل أن المقصود بها ابن سرح تبين أنه ارتد والتحق بأهل مكة بعد صلح الحديبية ، وذلك بعد سبع سنوات من نزول الآيات المذكورة . . . فضلا عن أن أبى سرح لم يكن صادق الإسلام ، وكان أبوه أيضاً من كبار المنافقين فضلًا عن بعض الخلافات القبلية . . . ويرجع الأستاذ شهيدى اختلاف هذه القصة إلى عهد ولاية عبد الله بن أبي سرح لمصر في عهد عثمان رضي الله عنه عنه وإتقاله الناس بالضرائب والمكوس وسيره فيهم سيرا بعيداً عن العدل .
 
( 3253 - 3267 ) : عن القيود الخفية غير الظاهرة وبها يتعذب صاحبها دون أن يرى الناس فيه سبباً ظاهراً يستدعى هذا العذاب أنظر الكتاب الثالث الأبيات 1652 - 1669 وشروحها . وأنظر إلى قوله تعالى (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ ، وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) ( يس / 8 - 9 ) هذه الأغلال الخفية لا يبصرها إلا هو سبحانه وتعالى ، ولا يستطيع المرء أن يبصرها ، حتى صاحبها ذلك الذي يستطيع أن يتتبع الآلام الظاهرة ويعالجها يقف دونها مكتوف الأيدي . . . فهذه السدود تبدو أمامه طبيعية لأنها جزء من النفس . . . ولأنها محببة إلى النفس . . . كشهوات الدنيا تكون محببة لديك لكنها تمنعك عن المحبوب الحقيقي ، حسناؤك التي تسلبك لبك سد أمام ميلك إلى الجمال المطلق ، وأقوال مرشدك

 
« 557 »
 
الكذاب تقنعك وتشبعك وتمنعك عن البحث عن المرشد الحقيقي ، وكبرك يمنعك عن الاعتراف بالحق ، ومئات من السدود والموانع داخل نفسك ، لو فصلتها لأصبت بالاحباط واليأس . . . لكن لا تقنط فآلاف آلاف الضالين هداهم الحق إليه ، فاهرع إلى الله ، وأطلب منه الغوث ، وإياك والعجب فإنه هو الذي أضل ذلك الشقي . . . الذي انعكس على النور من الرسول الكريم صلى اللّه عليه وسلّم فظن أنه نوره هو ينبعث من باطنه فكان أن كفر .
 
( 3268 - 3274 ) : وأنت أيضاً أيها الأخ ، لا تقبس قولًا من هنا وقولًا من هناك من أقوال المرشد وتظن أنها من نفسك ، فهي فيه طبع وفيك عارية ، وهذا النور الذي وجدته في نفسك إنما هو انعكاس لأنوار من وصلوا ، وبدلًا من العجب والكبر ، أشكر الله الذي منحك هذا النور ، وكن أذنا صاغية لمن وصل إليك النور عن طريقهم . . . وكثيرون هم الذين اغتروا ببعض النور فأضلهم الله على علم ، وانسلخوا عن آياتنا ، وأتبعهم الشيطان وكانوا من الغاوين ، فمهما وصلت إليه من علم . . . إعلم أنك لا تزال في الطريق ولم تصل إلى السماط ( الحضرة الإلهية ) فهناك آلاف من المنازل والأربطة عليك أن تمر بها حتى تصل إلى المنزل الأخير .
 
( 3275 - 3284 ) : الكون كله أصول وعاريات ، فلا تظنن أن العارية أصل بل انتظر ، فإن بقي في الشئ ما يتبجح به فهو أصل . . . أنظر إلى الجدران تتبجح بأنها منيرة مضيئة ، فترد عليها الشمس : إنتظرى حتى أغرب ، ( أنظر الكتاب الثالث الأبيات 552 - 553 - 559 وشروحها ، وأنظر الكتاب الرابع ، الأبيات 451 - 461 وشروحها ) ويدل الجسد بحسنه وجماله فتقول له الروح : إنتظر حتى أغادرك . . . وأنظر إلى ما يتبقى منك بعد ذلك وكيف لا يستطيع تحمله من كان يموت هياماً فيك ( كل كون حسى يحمل في داخله الفساد ، أنظر الكتاب الرابع 1594 - 1613 وشروحها ) .
 
( 3285 - 3294 ) : إن النطق والبصر والسمع كلها شعاع من الروح على الجسد ، والغليان في الماء ( تدفق الحكمة ) هو تأثير النار في الماء ، ومثلها تماماً تجلى أشعة العارفين والكمل من الرجال على روحي ، هؤلاء هم روح الأرواح ، إن سحبت منك فأنت ميت ، تماماً جسدٌ بلا روح ، ومن هنا : فأنا دائماً ما أطاطىء رأسي ساجداً إلى الأرض تواضعاً لله تعالى متبرئاً من كل
 
« 558 »
 
حول وقوة مقراً ومعترفاً بأن كل ما يراه الناس فىّ ليس منى بل منه ، وأن فيض الحكمة من فعل شيوخى وليس من فعل نفسي ، أسجد على الأرض لأن هذه الأرض سوف تشهد يوم القيامة واقرأ قولها تعالى «إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها ، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها» ( الزلزلة / 1 - 4 ) .
 
( 3295 - 3299 ) : يناقش مولانا قضية طالما ناقشها بتفصيلات أكثر في أجزاء أخرى من المثنوى وهي قضية نطق الجمادات وتسبيحها وحركتها ووجود الحياة فيها ( أنظر الكتاب الثالث الأبيات 1012 - 1027 وشروحها حيث يناقش رأى المعتزلة ) وهنا يخاطب مولانا المتفلسف أو المعتمد على الاستدلال والحس الذي ينكر أنين الجذع الحنان ، والفكرة هنا منقولة عن مقالات شمس ، ص 111 ، 118 . 
( أنظر الأبيات 2124 وشروحها من الكتاب الذي بين أيدينا ) ، وما إنكاره هذا إلا لأن شعاع الأولياء لم ينعكس عليه ، بل انعكس عليه فساده وكفره فكان إنكاره نتيجة لهذا الكفر وهذا الفساد ، إن المتفلسف ينكر كل أمر غيبى ومن ضمن الأمور الغيبية التي ينكرها وجود الشيطان ، في حين أنه هو في حد ذاته أبلغ دليل على وجود الشيطان ، وهو لو نظر إلى نفسه لوجد الشيطان حاضرا ، ولرأى وسم الجنون الأزرق ( عادة قديمة ) موجوداً على جبهته ، وشكله والتواء قلبه ينعكسان عليه سواداً في الوجه ( لون وجوه الكفار يوم القيامة ) مهما أبدى من إيمان .
 
( 3300 - 3310 ) : كل إنسان مهما بلغ إيمانه في داخله عرق شرك وكفر ، فاحذروا منه أيها المؤمنون ، فإن في داخلكم كثيرا من العوالم ( انظر مقدمة الترجمة العربية للكتاب الرابع ) وقد يكون هذا العرق مختفيا داخلها . . . وكل مؤمن يرتعد فرقا منه ( إني لأنظر في المرآة سبعين مرة في اليوم مخافة أن يسود وجهي : أبو يزيد البسطامي ) . . . ودعك من السخرية من الضالين ( إبليس والشيطان ) فإنك لست تدرى إلام ينتهى أمرك ، فعند ما تقلب الروح الفراء ( أي تظهر لك خبايا نفسك على أبشع صورة وقلب الفراء تعبير مأخوذ من الإمام علي رضي الله عنه كناية على انقلاب الظاهر شديد الحسن وظهور الباطن شديد القبح فوجه الفراء أشد جمالًا من كل أنواع الملابس وباطنه أيضا أشد قبحا ) . . . وأنتظر الامتحان والمحك ، فأي زيف مطلى بالذهب يطا من الذهب

 
« 559 »
 
النضار في دكان الصائغ ، والذهب ينتظر طلوع النهار ( يوم العرض . . . يوم كشف الغطاء ، يوم لا أنساب ) . . . فليس على إنسان أن يأمن بعد أن رأى مصير إبليس . . . ألم يكن عابداً متهجدا مجاهداً في العبادة لآلاف السنين حتى سمى طاووس الملائكة ؟ ! ! فما ذا كانت نهايته ؟ ! ! أسفر عن مجرد كونه بعراً عندما سطعت عليه شمس الحقيقة ، فإذا بعبادته مجرد كبر ورياء ، وإذا به ينقلب إلى رأس الفسقة والكفار وإلى المضل الأكبر والموسوس وقاطع الطريق القاعد لعباد الله كل مرصد .
 
( 3311 ) : الحديث عن بلعم أو بلعام بن باعوراء ( بالعربية : سيد الناس في معجم الكتاب المقدس وعابد البطن في دائرة المعارف الفارسية ) ، قيل أن ملك كنعان دفع له أجرا ليلعن بني إسرائيل ، وعندما كان يمضى إلى العبرانيين توقف حماره ولم يسر ، وجاءه ملك سأله أن يدعو لعبرانينن بدلًا من أن يلعنهم . . . وفي الروايات الإسلامية أنه كان حبراً من بني إسرائيل أنفسهم ، مشهوراً بالعلم والتقوى ، وكان ينتظر أن تنزل الرسالة عليه ، فلما نزلت على موسى عليه السّلام حسده ونفسه ولم يؤمن به ، وأن الآية الكريمة «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ» ( الأعراف / 175 ) قد نزلت في شأنه ، وبلعم عند الصوفية مثل إبليس ، كلاهما كان عابداً في البداية عالماً حبراً ، وكلاهما مني بكبيرة من الكبائر التي تردى ، ( إبليس الكبر وبلعام الحسد ) ، وصار كلاهما مثلا عن مطمئن إلى عبادته ويأمن مكر الله ( انظر حديقة الحقيقة لسنائى :
البيتين 1273 - 1274 وشروحها ) .
 
( 3317 ) : هناك تفسيران في البيت . . . يرى استعلامى أن المقصود بالعلم هنا جمة بقر جبلى كان الصيادون والشجعان يعلقونها على أسنة رماحهم أو أعلامهم كناية عن النصر . . . وحمل الراية إلى المدينة كناية عن الغلبة والإنتصار ( 1 / 395 ) ويرى شهيدى أن معناها الجر من الناصية أو الأخذ بالناصية وأن فيها تلميحا إلى الآية الكريمة «يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ» ( الرحمن / 41 ) ( شرح شهيدى / 95 ) .
 
( 3318 - 3321 ) : إنك مدلل مرفه مكرم على كل الأحياء محمول في البر والبحر ، لكنك لست إليها ، فأعرف حدودك أولًا ، فربما تجاوزت واعتديت على من هو أحب إلى الله منك ( أعتداء  

« 560 »
 
إبليس على آدم وبلعام على موسى ) ، ولقد دمر الله سبحانه وتعالى مدنا بأكملها لاعتدائها على أنبيائها ( عاد وثمود ) وإن كل هذه البلايا تنزل على المنكرين بياناً لعزة الأنبياء والأولياء عند الله تعالى . . . وأنهم محتوون على النفس الناطقة التي تميز بها الإنسان على الحيوان .
 
( 3322 - 3333 ) : اللب في مصطلح مولانا أي الروح القادرة على معرفة الحق ( أنظر في الكتاب الذي ين أيدينا ، الأبيات 14 و 407 و 589 و 2077 وشروحها ) ( استعلامى 1 / 395 ) فالحيوان أدنى مرتبة من الإنسان ، ومن ثم فالإنسان مسلط عليها ، وكذلك فهذا اللب مسلط على البشر ، ومن الممكن التضحية بالبشر في سبيله ، وفرق بينه وبين العقل الجزئي ، والحيوان المستأنس هنا قد يكون بمعناه الحرفي أي الحيوان الذي في خدمة الإنسان ، وقد يكون بمعنى الإنسان نفسه كما قال استعلامى ، ومن ثم فللإنسان الحق في سفك دم الحيوان البرى لأنه مفتقر إلى العقل نزاع إلى الدم خطر على الإنسان . . . ولا فرق هناك يذكر بين الإنسان المفتقر إلى العقل الدارك للحقيقة وبين الحمر المستنفرة فإذا توحش الإنسان . . . وكفر بخالقه . . . أبيح دمه . . . تماما كما يباح دم الوحش ودم البهيمة . . . مهما كان عاقلا . . . فإن العقل هو المدرك لعقل العقل ، وإلا كان وجوده كعدمه ، وانتقل بصاحبه من رتبة الإنسانية إلى رتبة الحيوانية ، والوحشية .
 
( 3334 - 3351 ) : نموذج آخر من نماذج الضلال على علم ، والعجب الذي يردى صاحبه ، وامتحان الديان الفرد الذي يأتي فيضع الأمور في نصابها ويتم الاستدراج . . . ويرى المفسرون أن الإسميين سريانيان ، كما يرى بعض الباحثين أن في القصة سمات بابلية وإيرانية قديمه ( أسطورة هورنات وامرتات ) ( بحر در كوزه / 304 سرني / 142 ) وقد قص مولانا القصة في أكثر من موضع من المثنوى ، وروى في كل مرة جزءاً منها لبيان معنى من المعاني العديدة التي تثيرها القصة في نفس مولانا وفي نفوس الصوفية عموماً ( أشار إليها إشارة عابرة في البيتين 539 و 540 من الكتاب الذي بين أيدينا ، ثم عاد إليها في الكتاب الثاني عن تفضيلهما العذاب في بئر بابل عن عذاب الآخرة الأبيات 2468 - 2470 ثم في الكتاب الثالث الأبيات 796 - 801 في معرض الحديث عن الإستدراج والامتحان وفي بيت واحد في الكتاب الرابع وهو البيت 2673 وفي الكتاب الخامس عند سقوطها في بئر بابل سقوط الروح في الجسد ، البيت 621 وفي الكتاب
 


 
« 561 »
 
السادس في تغير طبعهما من طبع الملائكة إلى طبع البشر في البيتين 3012 و 3013 ) ( التفصيلات القصة في المأثور الإسلامي ، أنظر قصص الأنبياء للثعلبي 50 - 52 ) والأبيات تتناول آفة الأمن والعجب والاعتماد على القدسية . . . ومن المرء أنه محصن ضد الخطيئة وضد الزلل . . . وأنه إن وجد في نفس ظروف الخاطىء فلن يقع في نفس الخطأ . . . ويشير مولانا إلى أن السهام دائما ما توجه ضد القوى أو الذي يتظاهر بالقوة أمام القوى ، فالأسد مسلط على الحيوانات مهما كانت ضخمة ، والرياح لا تقتلع إلا الأشجار القوية وتمر هونا على الأعشاب الضعيفة . . .
البلطة لا تخشى الأشجار المتكاثفة . . . إن الكون كله صور . . . وما الصورة إلى جوار المعنى ؟ ! ! إن كل هذه الصور المحيطة بك والتي كلما نظرت إليها تزداد دهشة : الفلك ، الرياح ، كلها ذات عقل يسيرها وإلا فإنها بدونه بلا حول ولا قوة ، تماما كالنفس الإنسانية معجزة المعجزات . . .
بدون روح لا يكون . . . وهي التي تجعله ينطق بالألفاظ جيم أو حاء أو دال ، ( لابن العربى تفسيرات عن الحروف وعن الجيم والدال أنظر شرح الأنقروى 1 / 607 ) كلمات متضادة . . .
روضة أو أجمة شوك ، سلام أو حرب . . . مثل تصريف الرياح حينا يجعلها رخاءً وحينا يجعلها عذاب وفكر وأذى ( عن الرياح واختلافها ، أنظر الكتاب الرابع ، الأبيات 125 - 155 وشروحها ) .
 
( 3352 - 3354 ) : اختلف المفسرون في المعنى بشيخ الدين . . . قال الأنقروى ذكر سروري وشمعى أن المراد صدر الدين القونوى لكن المعنى لا يدل على التخصيص ، وقال آخرون بل المعنى محيي الدين بن العربى أو أبو الحسن الخرقانى ( أنظر سرني 481 - 482 ) وقال نيكلسون أنه صدر الدين القونوى لأنه كتب كتابا اسمه إعجاز البيان في كشف أسرار القرآن شرح فيه سورة الحمد لكنه يرى أنه من المستبعد أن يعنى مولانا به الرسول صلى اللّه عليه وسلّم أو ابن عباس . . . وقال شهيدى ان العبارة المعنى هو الله وردت في مقالات شمس الدين التبريزي ( مقالات شمس 1 / 120 وانظر مناقشة المحقق لها ص 906 ) 
( المناقشة كلها من شهيدى 107 ) وقال استعلامى أنه الرسول صلى اللّه عليه وسلّم ( 1 / 397 ) فالوجود الحقيقي والدائم هو لله سبحانه وتعالى ، فهو بحر الحقيقة جل وعلا والوجود ،


 
 
« 562 »
 
كله كالزبد والقذى تقلبه أمواج القدرة حيث تشاء . . . أحيانا يصده . . . وأحيانا يذيبه فيه كما تفعل النار بالهشيم .
( 3358 - 3365 ) : لقد انشغل الملكان وهما في المساء بعيوب أهل الأرض ولم تشغلهما عيوبهما ( الكبر والعجب والغرور ) ( طوبى لمن شغلته عيوبه عن عيوب الناس ) ويسوق مولانا في البيت 3360 صورة مأخوذة من حكاية لسنائى الغزنوي في الحديقة ( انظر الترجمة العربية ص 161 كما عاد إليها مولانا في الكتاب الثاني البيت 2698 ) ان المتكبر المعجب بنفسه المغرور يستشيط غضبا عندما يرى أحدا يذنب ويسمى هذا الغضب غضبا للدين وحمية للدين ، وما هي إلا كبر منه وإعجاب بنفسه ، يقول الإمام علي رضي الله عنه « وإنما ينبغي لأهل العصمة والمصنوع إليهم في السلامة أن يرحموا أهل الذنوب والمعصية ، ويكون الشكر هو الغالب عليهم والحاجز لهم عنهم ، فكيف بالعائب الذي عاب أخا وعيره ببلواه ، أما ذكر موضع ستر الله عليه من ذنوبه مما هو أعظم من الذنب الذي عابه به ، وكيف يذمه بذنب قد ركب مثله ، فإن لم يكن ركب ذلك الذنب بعينه فقد عصى الله فيما سواه مما هو أعظم منه . . . وأيم الله ، لئن لم يكن عصاه في الكبير وعصاه في الصغير ، لجرأته على عيب الناس أكبر . . . يا عبد الله لا تعجل في عيب أحد بذنبه فلعله مغفور له ، ولا تأمن على نفسك صغير معصية فلعلك معذب عليه . . . فليكفف من علم لكم عيب غيره لما يعلم من عيب نفسه ، ولكن الشكر شاغلا له على معافاته ما ابتلى به غيره . ( نهج البلاغة ، ترجمة سيد جعفر شهيدى ص 136 - 137 ) إن حمية الدين ليست عيب الناس وإنما هي مجاهدة في الخير ، وقصر للنفس عن الشر ، واستغفار بجلب الخير للدنيا ( ويجعل لون الدنيا أخضر ) .
 
( 3366 - 3373 ) : لو أنني ركبت فيكم الشهوة والميل إلى الجنس لما وسعتكم السماوات ، ولما شغلتم أوقاتكم بالتسبيح . . . فالعصمة التي أنتم فيها هي من عصمتي أنا ، وإياكم أن تظنوا أنها منكم أنتم ، وإلا وجد الشيطان الفرجة ، وتسلل إليكم مثلما حدث لكاتب الوحي ذاك الذي ظن أنه ينطق بالحكمة وينطق بالوحي ، وما هو إلا شعاع ضئيل من نور الرسول صلى اللّه عليه وسلّم . . . فظن نفسه طيرا من طيور الحكمة الإلهية وشيخا من شيوخها ، وما تغريده إلا صفير ، وما علمه إلا لفظ ، وما إيمانه
 
 
« 563 »
 
إلا تقليد . مثل ذلك الأصم الذي كان يفهم من تحريك شفتى المتحدث ما تنبأ بأنه سيقوله سلفا ( إشارة إلى الحكاية الثالثة ) .
( 3374 ) : لم يذكر فروزانفر أصلا لهذه الحكاية . . . وذكر نيكلسون انه لم يعثر لها على أصل . . .
وأرجع كريستنسن الحكاية إلى كتاب محبوب القلوب وروى محمد بن هلال الصابى في الهفوات النادرة حكاية شبيهة بها « مرض محمد بن عبد الملك فذهب أحمد بن خالد وكان أصم لعيادته فسأله : - كيف أنت ؟
- في حال سيئة - الحمد لله . . . من عادك من الأطباء ؟
- إبليس - نعم من رفيق . . . وبما ذا أوصاك ؟ ! - بالطوب المدقوق - خفيف طيب ، خذه ولا تفرط فيه ( عن شرح شهيدى / 114 ) كما وردت أيضا حكاية شبيهة لها في مقالات شمس ( ص 666 - 667 ) عن أصم كان عائدا من الطاحونة والأصم هو الذي قاس ونسي أن الآخر سوف سيبدأه بالسلام . . . 
فكانت النتيجة أنه أخطأ في البداية فكان كل ما فعله خطأ في خطأ . ولها مثيلات عديدة في الآداب العالمية الشعبية . ومن ثنايا الحكاية يبدو أن الغرض منها هو ذم القياس والتوصية بعدم الاعتماد عليه كوسيلة من وسائل المعرفة ، خاصة إذا كان قائما على حواس مريضة ، وهذا في الأمور العادية فما بالك بمن يريد أن يقيس الوحي الإلهى والإدراك الغيبي بنفسه ، أتراه يعتمد على أذنه الظاهرة وبخاصة إذا كانت أذن الظاهر هذه معلولة ، فضلا عن الأصم قام بعبادة ناقصة ( عيادة المريض ) لقد آذى المريض ، وخرج راضيا عن نفسه ، وما أكثر العبادات الناقصة التي يؤديها القوم . . . فيحمل من فوق المنير إلى النار . . لا من قبر المجوس وهذه هي المفارقة التي ذكرها سنائى الغزنوي ( انظر ديوان 156 ) .

« 564 »
 
( 3403 - 3409 ) : في البيت إشارة إلى الآية الكريمة «فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ» ( البقرة / 24 ) وفي البيت الثاني إشارة إلى ما ورد عن أبي هريرة أن الرسول صلى اللّه عليه وسلّم دخل المسجد فدخل رجلٌ فصلى ثم جاء فسلم على رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم فرد الرسول صلى اللّه عليه وسلّم ، ثم قال ارجع فصل فإنك لم تصل ، فرجع الرجل فصلى كما كان صلى ، ثم جاء إلى النبي صلى اللّه عليه وسلّم فسلم عليه ، فقال رسول الله صلى اللّه عليه وسلّم وعليك السلام ثم قال : ارجع فصل فإنك لم تصل ، حتى فعل ذلك ثلاث مرات . . .
( رواه البخاري ومسلم وأحمد في مسنده . . . أحاديث مثنوى / 33 ) . . . ومن أجل هذا فإننا نطلب الهداية في كل صلاة ونقول : إهدنا الصراط المستقيم . . . أي اجعل صلاتنا خالصة لك مقبولة لديك لا رياء فيها ولا سمعة ولا ضلال . . . لقد قاس الأصم المسكين في أمر هين فوقع في هذه الضلالة ، فما بالك بمن يأتي في القضايا الشائكة فيقيس مع وجود النص ، ويستخدم عقله فيما يكون فيه نص صريح ، وهو لا يدرى حتى إن كانت أذن حسه غير معيوبة ، فإنما تلزم أذن أخرى من أجل إدراك الحقائق الباطنة .
.

الهوامش والشروح المجمعة فى المثنوي المعنوي الجزء الأول د. أبراهيم الدسوقي شتا


واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: