الاثنين، 31 أغسطس 2020

10 - حكاية في إثبات الاختيار وبيان أن القضاء والقدر لا ينفيان الاختيار .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

10 - حكاية في إثبات الاختيار وبيان أن القضاء والقدر لا ينفيان الاختيار .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

حكاية في إثبات الاختيار وبيان أن القضاء والقدر لا ينفيان الاختيار .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الخامس ترجمة وشرح د. إبراهيم الدسوقي شتا

مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)

حكاية في إثبات الاختيار أيضا
 وبيان أن القضاء والقدر لا ينفيان الاختيار
“ 322 “
- قال لص للشرطي : أيها العظيم “ 1 “ ، إن ما ارتكبته كان من حكم الإله .
 
3060 - قال الشرطي : وما أفعله أنا أيضا " من عقاب " ، هو حكم الله أيضا يا نور عيني .
- فإن سلب أحدهم فجلة من حانوت ، على أن هذا هو حكم الحق عليه أيها العاقل ،
- فإنك تقوم بلكمه على رأسه مرتين أو ثلاثة قائلا له : أيها الكريه ، هذا هو حكم الحق ، أعد ما سرقت .
- فإذا كان عذرك هذا لا يكون لدى البقال مقبولا في شأن فجلة أيها الفضولي ،
- فكيف تعتمد على هذا الغدر ، وتحوم حول مواضع الأفاعي ؟
 
3065 - ومن مثل هذا العذر أيها الساذج الوقح ، كيف تحل دماء الناس وأموالهم وأعراضهم ؟
- فإن كل إنسان إذن يقوم بنزع شعر شاربك ، ويعتذر لك بأنه مجبر على هذا الأمر .
- فإذا كان يجوز لك بأن تعتذر بأن الأمر هو حكم الحق ، علمني إذن إياه وافتني .
- فإن عندي مائة نزوة وشهوة ، لكن يدي معقودتان خوفا وهيبة " من الله " .
- فتكرم علينا إذن وعلمنا العذر ، وفك القيود عن أيدينا وأقدامنا .
 
3070 - لقد قمت بحرفة ما طوعا واختيارا ، قائلا : إن لي اختياري وفكرى
..............................................................
( 1 ) حرفيا : أيها الملك .
“ 323 “


- وإلا ، كيف اخترت تلك الحرفة من بين الحرف يا عينا من الأعيان .
- وعندما تأتي نوبة النفس والهوى ، يكون عندك اختيار بقدر ما يكون عند عشرين رجل .
- وعندما يبخسك رفيقك مثقال حبة ، فإن اختيار العراك قد تفتح في روحك .
- وعندما تحل نوبة شكر النعم ، فلا اختيار لك ، وتكون أقل من حجر .
 
3075 - ويقينا أن الجحيم سوف يعتذر لك قائلا : أعذرني في حرقي " إياك " هكذا .
- إن أحدا لن يعذرك بهذه الحجة ، ولن تبعدك هذه الحجة عن كف الجلاد .
- ومن ثم فإن الدنيا قد انتظم سلكها بهذا الحاكم ، ومنها صار حال الآخرة معلوما برمته لك .
 
حكاية جوابا على الجبري أيضا وصحة الأمر والنهي ،
وبيان أن عذر الجبري ليس مقبولا في أية ملة وأي دين ، وليس موجبا للخلاص مما تم اقترافه من ذنوب ، مثلما لم ينج إبليس الجبري بقوله رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي والقليل يدل على الكثير
 
- أخذ أحدهم يتسلق شجرة ، وأخذ خلسة يلقي بثمارها بشدة .
- فجاء صاحب الحديقة وقال : أيها الدنيء ، أين حياؤك من الله ؟ ماذا تفعل ؟
 
3080 - قال : إذا أكل عبد الله الثمر “ 1 “ من حديقة الله ، فإن هذا هو عطاء الحق ، قد أعطاه إياه .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : البلح .
 
“ 324 “
 
- فكيف تقوم بلومي هكذا بشكل عامي ؟ أثم بخل على مائدة الله الغنى ؟
- فنادى : يا أيبك ، هات ذلك الحبل ، حتى أجيب على حاوي المحاسن هذا .
- فأحكم شد وثاقه إلى الشجرة ، وأخذ يضربه بالعصا على ساقه وظهره ضربا شديدا .
- فقال له : إستحي آخرا من الله سبحانه وتعالى ، إنك تقتل هذا البرىء صبرا .
 
3085 - فقال : إن عبد الله يضرب عبده الآخر بعصا الله ، " يضربه " على ظهره سعيدا .
- إنها عصا الحق ، كما أن الظهر له ، والجنب له ، وأنا مجرد غلام له ، وأداة لتنفيذ أمره .
- قال : لقد تبت عن الجبر أيها الماكر ، هناك اختيار ، هناك اختيار ، هناك اختيار .
- واختياره هو الذي اختار كل أنواع الاختيار ، واختياره كالفارس " مخفي " في الغبار .
- واختياره هو الذي يقوم باختيارنا ، ومن ثم صار الأمر مستندا على الاختيار .
 
3090 - والتسلط على صورة بلا اختيار ، موجود عند كل مخلوق عند قدرته عليها .
- حتى ليجر الصيد دون اختيار من هذا الصيد ، وحتى يسحب زيدا جارا إياه من أذنيه .
- لكن صنع الصمد يستطيع بلا آلة قط ، أن يجعل اختياره وهقا له .
- فإن اختياره يقيد زيدا هذا ، يصيده الحق دن كلب دن فخ .
 
“ 325 “
 
- النجار يكون مسلطا على الخشب، وذلك المصور يكن حاكما على الجمال "الذي صوره".
 
3095 - كما أن الحداد قيم على الحديد ، والبناء مسيطر على آلة عمله .
- العجيب أن كل هذه الاختيارات ، تسجد أمام اختياره كالعبيد .
- قدرتك على الجمادات في صراعك " مع الحياة " ، متى نفت الجمادية عن أي منها ؟
- ومن ثم فإن قدرته على المخلوقات المميزة ، لا تقم بنفي الاختيار عنها .
- فدام على القل بأنها مشيئة الله على وجه الكمال ، فليس فيها نسبة الجبر أو الضلال .
 
3100 - ما دمت قد قلت إن كفرى هو مشيئته ، اعلم أن مشيئتك أيضا موجودة .
- ذلك أن كفرك لا يكون دون مشيئة منك ، إن الكفر بلا مشيئة منك قول متناقض .
- فالأمر للعاجز قبيح وذميم، والغضب "عليه" أقبح ، خاصة عندما يكون من الرب الرحيم .
- والثور الذي لا يقبل النير يتعرض للضرب ، لكن ثورا لم يحقر قط لأنه لم يطر .
- وإذا لم يكن الثور معذورا في فضول الفعل والقول ، فمن أي شيء يكون صاحب الثور الوقح معذورا ؟
 
3105 - وما لم تكن مريضا ، لا تربط رأسك ، فالإختيار لك ، ولا تسخر من شاربك .
 
“ 326 “
 
- وجاهد حتى تجد جرعة من كأس الحق ، فتصير آنذاك متجردا عن ذاتك بلا اختيار .
- وعندما تصبح تلك الخمر هي اختيارك الكلي ، تصير كالثمل معذورا على الإطلاق .
- وكل ما تدقه ، يكون مدقوقا بتلك الخمر ، وكل ما تكنسه يكون مكنوسا بها .
- ومتى يفعل ذلك الثمل إلا العدل والصواب ، فلقد شرب من كأس الحق الشراب .
 
3110 - ولقد قال السحرة لفرعون : قف ، ليس عند الثمل اهتمامٌ باليد والقدم .
- إن أيدينا وأقدامنا هي خمر ذلك الواحد ، واليد الظاهرة مجرد ظل لا قيمة له . “ 1 “
 
معنى ما شاء الله كان أي أن المشيئة مشيئته والرضا له ، فاطلبوا رضاه ،
ولا تضيقوا برد الآخرين وغضب الآخرين ، وبالغم من أن كان فعل ماض
إلا أنه لا ماض ولا مستقبل في فعل الله مصداقا لـ ( ليس عند الله صباح ولا مساء )
 
- إن قول العبد : ما شاء الله كان ، ليس من أجل أن تتكاسل على أساسه .
- لكنه تحريض على الإخلاص والجد ، أي زد في تلك العبادة وكن مستعدا .
- فإذا قيل لك : إن الأمر أمرك أيها العظيم ، والفعل فعلك ، " فقم به " حسب هواك .
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 405 : - وما دامت كأسه مليئة من خمره على الدوام ، فإنه يستولي على منزل القلب بأجمعه
 
“ 327 “
 
3115 - يجوز لك حينذاك أن تتكاسل ، فإن كل ما تريده وكل ما تقوله هو الذي يصير .
- وعندما يقال لك : ما شاء الله كان ، يعني أن الحكم حكمه تعالى وإلى الأبد .
- وإلا فلماذا أنت في ورده وذكره كمائة رجل ، وكيف لا تطوف بعبودية حول بابه ؟
- فإذا قيل : إن كل ما يريده الوزير يكون له ، سواء في الأخذ أو في الرد ،  
- فهل تحوم حوله سريعا وبقوة مائة رجل ، حتى ينثر فوق رأسك الإحسان والجود .
 
3120 - أو تهرب من الوزير ومن قصره ؟ إن هذا لا يكون بحثا عن " عطائه " وعن نصره .
- لقد قلبت هذا الكلام وصرت كسولا ، وصرت معكوس الخاطر والإدراك
- " فالأمر أمر السيد فلان " ماذا تعني ؟ ، تعني : قلل الجلوس مع غيره .
- وطف حول السيد ما دام الأمر له ، إنه يقتل العدو ، وينجي روح الصديق
- وكل ما تريده سوف تجده على سبيل اليقين ، وقلل السير عبثا ، واختر محضره وخدمته .
 
3125 - أو . . لا . . ما دام حاكما لا تطف حوله ، حتى تصير أسود الكتاب مصفر الوجه . “1“
- إن التفسير الصحيح هو الذي يجعلك متحمسا ، ويجعلك مليئا بالنشاط والرجاء وذا حياء .
- أما إذا جعلك واهنا ، فاعلم حقيقة أنه تبديل ، ليس بتأويل " أو تفسير " .
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 412 : - فما دام هو الحاكم ، إلزمه فحسب، فليس لغيره حكم ولا منه عون.
 
“ 328 “
 
- ولقد جاء هذا القول من أجل التشجيع ، وجعل المرء متحمسا ، وذلك حتى يأخذ بأيدي القانطين .
- فاسأل عن معنى القرآن من القرآن فحسب ، ومن ذلك الذي أضرم النار في هوسه ونزوته .
 
3130 - وصار للقرآن فداءً وأمامه ذليلا ، حتى صارت عين روحه قرآنا .
- والزيت الذي صار بأجمعه فداءً للورد ، سواءٌ عليك أن تشمه زيتا أو تشمه وردا . “ 1 “
 
وأيضا [ قد جف القلم ] يعنى جف القلم وكتب لا تستوى الطاعة والمعصية
لا تستوى الأمانة والسرقة ، جف القلم ألا يستوى الشكر والكفران ،
جف القلم أن الله لا يضيع أجر المحسنين
 
- وهكذا أيضا تأويل قد جف القلم ، إنها من أجل التحريض على الشغل الأهم .
- إذن فقد كتب القلم أن لكل فعل ما يليق به من تأثير وجزاء .
- تسير معوجا ، يأتيك الاعوجاج ، جف بهذا القلم ، وإن أتيت بالصدق والاستقامة ، تتولد لك السعادة .
 
3135 - وإذا ارتكبت الظلم ، فأنت مدبر سئ الحظ ، جف القلم بهذا ، وإن عدلت ، فأنت ذو نصيب من الرحمة ، بهذا جف القلم .
- وعندما يسرق أحد ، فقد ضاعت يده ، جف القلم ، ومن يشرب الخمر يصير ثملا ، جف القلم .
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 413 : - وإن كنت لا تعلم فابحث عن تأويله ، حتى تشرق " الحقيقة " على قلبك عيانا .
 
“ 329 “
 
- فهل تجيز ، وهل يكون في الأصل جائزا أن يكون الحق معزولا عن حكمه الذي سبق ؟
- أو أن يقول لك : لقد خرج الأمر من يدي ، فلا تلجأ إليّ كثيرا وكفاك تضرعا لي ؟
- لكن معنى جف القلم أنهما ليسا عندي سيان : العدل والظلم .
 
3140 - ولقد فرقت ما بين الخير والشر ، كما فرقت أيضا بين السيء وما هو أسوأ .
- فإن كانت عندك ذرة من الأدب ، أكثر مما لدى رفيقك ، فإنما يعلمها فضل الرب .
- فيعطيك الزيادة بقدر هذه الذرة ، وتظهر هذه الذرة وكأنها جبل .
- والملك الذي لا يكون هناك فرق أمام عرشه بين الأمين وبين الظلوم " الخئون " ،
- ولا يكون هناك فرق بين من يرتعد خوفا من أن يرد لديه ، وبين ذلك الذي يسخر حتى من جده " وإقباله "
 
3145 - وكلاهما يكونان عنده سواء . لا يكون ملكا ، بل احث التراب الكدر على رأسه .
- فلو أن مثقال ذرة تزيد في جهدك ، فإنها تكون موزونة في ميزان الله .
- وأنت أمام هؤلاء الملوك تقتلع الروح خدمة دائما ، وهم غافلون عن الغدر وعن الصفاء .
- وقول واحد من نمام واش يُدس لك ، يضيع ما قمت به من خدمة وطاعة لسنوات .
 
“ 330 “
 
- وعند الملك الذي هو سميع وبصير ، لا يكون هناك موضع لقول الوشاة .
 
3150 - وكل الوشاة عندما ييأسون منه ، يأتون نحونا ، ويزيدون لنا في القيود .
- إنهم يتحدثون بالسوء عن المليك أمامنا ، قائلين : إمضوا ، لقد جف القلم ، كفاكم وفاءً .
- فهل معنى جف القلم لأن يكون الأمر هكذا ؟ أن تكون أنواع الطاعة وأنواع المعصية سواءٌ بسواء ؟
- بل إن الجفاء جزاءٌ على الجفاء ، جف القلم ، والوفاء ثواب على الوفاء ، جف القلم .
- ويكون العفو ، لكن أين بهاء الرجاء ؟ وأن يكون العبد أبيض الوجه من التقوى .
 
3155 - وإن اللص إن عُفى عنه ينجو بروحه ، لكن متى يصير وزيرا أو خازنا ؟
- فيا أمين الدين الرباني " أيها الإنسان " أقبل ، فمن الأمانة نبع كل تاج ولواء .
- وإن ابن السلطان إن ارتكب الخيانة في حقه ، تفصل من جرائها رأسه عن جسده .
- وإن أبدى غلامٌ هندى الوفاء ، فإن إقباله يعزف له لحن : طال البقاء .
- أي غلام وأي مملوك ؟ وإن كان على الباب كلب وفي ، يكون في قلب سيده عليه مائة رضاء .
 
“ 331 “
 
3160 - فإذا كان يقبل فم الكلب من هذا " الوفاء " ، فما بالك إن كان أسدا ، أي نصر يهبه إياه ؟
- اللهم إلا ذلك اللص الذي يقوم بكثير من الطاعات ، فيبتلع صدقه أساس القسوة والجفاء .
- مثل الفضيل قاطع الطريق ، الذي قامر بطهر ، ذلك أنه أسرع بقوة عشرة رجال نحو التوبة .
- ومثل سحرة فرعون ، أولئك الذين سودوا وجهه من الصبر والوفاء .
- وضحوا بأيديهم وأرجلهم قودا لجرمهم ، ومتى يصير " لا مريء " ذلك بعبادة مائة عام ؟
 
3165 - وأنت الذي قمت بالخدمة والطاعة لمدة خمسين سنة، متى حصلت على مثل هذا الصدق؟
 
حكاية ذلك الدرويش الذي رأى في هراة غلمان عميد خراسان المزدانين
على جياد عربية وفي أقبية مطرزة بالذهب وقلانس معرقة وغيرها
فسأل : من هؤلاء الأمراء والملوك ؟ فقيل له : ليسوا أمراء لكنهم غلمان عميد خراسان ،
فاتجه إلى السماء قائلا : يا الله ، تعلم إكرام العبيد من العميد ، وهناك يسمون المستوفي عميدا
 
- كان أحدهم يمضي متسكعا في هراة ، فرأى غلاما لعظيم ،
- يرتدى ثوبا من الأطلس ويسير متمنطقا بحزام ذهبي ، فاتجه إلى قبلة السماء ،
- قائلا : يا الله ، كيف لا تتعلم معاملة العبيد من هذا السيد ذي العطايا والمنن ؟
 
“ 332 “
 
- تعلم إكرام العبيد يا الله من ذلك الرئيس الذي اختاره مليكنا ! !
 
3170 - كان محتاجا عاريا بلا زاد ، شديد الإرتعاد في الشتاء من " برودة " الجو .
- فأبدى بعض الانبساط ذلك الغائب عن نفسه ، وأبدى جرأة " على الله " من فجاجته .
- كان اعتماده على آلاف من المواهب التي وهبها الله له ، وعلى أنه صار نديما للحق وأهلا للمعرفة .
- فإذا أبدى نديم الملك يعض التوقح عليه ، لا تبدها أنت ، يا من ليس لك سند .
- لقد وهب الله الخاصرة ، والخاصرة أفضل من الحزام ، وإذا كان أحدهم قد وهب تاجا ، فقد وهب هو جل شأنه الرأس .
 
3175 - حتى حدث أن اتهم الملك ذلك السيد " العميد " ، ووضع يديه وقدميه في الأغلال .
- وأخذ في تعذيب أولئك الغلمان قائلا : هيا ، دلوني على دفائن سيدكم سريعا .
- هيا أيها الأخساء ، قوموا بإفشاء سره لي ، وإلا قطعت حلوقكم وألسنتكم .
- وعذبهم الملك لمدة شهر كامل ، كان التعذيب والعصر والألم يستمر ليل نهار .
- ومزقهم إربا ، لكن غلاما واحدا لم يفش سر السيد " العميد " من رعايته له وحبه له .
 
“ 333 “
 
3180 - فقال هاتف للدرويش في النوم : تعال أيها العظيم وتعلم العبودية بدورك .
- وأنت يا من مزقت جلود أمثال يوسف عليه السّلام وقمت باغتيابهم ، إذا مزقك الذئب ، فاعلم أن هذا من نفسك 
- فالبس إذن مما تنسجه طوال العام ، وتغذ مما تزرعه طوال العام .
- إن هذه الأحزان هي فعلك لحظة بلحظة ، وهذا هو معنى قد جف القلم 
- فلن تجد لسنتنا تبديلا من الرشد ، فالخير يجازى بالخير ، والشر بالشر .
 
3185 - فهيا ، إعمل ، فإن سليمان عليه السّلام لا يزال حيا ، وما دمت شيطانا ، فإن سيفه بتار .
- ولما كان الملاك قد صار آمنا من السيف ، فإنه لا يشعر من سليمان عليه السّلام بأدنى خوف .
- فإن حكمه ماض على الشيطان لا على الملَك ، والكدح فوق التراب ، وليس فوق الفلك .
- فاترك هذا الجبر ، فهو فارغ تماما ، حتى تعلم ما هو سر سر الجبر .
- واترك جبر جماعة الكسالى حتى تجد خبرا عن ذلك الجبر الذي هو كالروح .
 
3190 - واترك كونك معشوقا ، وكن أنت عاشقا ، يا من تخيلت أنك طيب وخير وفائق .
- ويا من أنت أكثر صمتا في " معرفة " المعنى من الليل ، حتام تبحث عن مشتر وطالب لكلامك .
- إنهم يحركون رؤوسهم " إعجابا " أمامك من أجلك ، وذهب عمرك هدرا هوسا بهم .
 
“ 334 “
 
- وإنك تقول لي : لا تضمر الحسد لي ، وأي حسد يحس به المرء إن فاته الهباء والعبث .
- وإن تعليم الأخساء أيها الوقح ، مثل نقش المنمنمات والصور على المدر .
 
3195 - فعلم نفسك العشق والنظر ، فإنه يكون كالنقش في جرم الحجر .
- وإن نفسك معك ، تلميذ وفي لك ، وقد فنى كل ما سواها ، فأين تبحث عنه ؟
أين ؟
- وما دمت تجعل من الغير حبرا وفاضلا ، فإنك تجعل من نفسك سئ الطبع وخاليا وفارغا .
- لكن إذا اتصل قلبك " ببحر " عدن ، هيا تحدث ، ولا تخش أن تصبح فارغا
- فالأمر يأتيه قائلا : أيها الصادق ، هيا قل ، لن يقل " علمك " فهذا هو البحر .
 
3200 - وأنصتوا تعنى أن هذا بلاغ لماء " علمك " ، انتبه ، قلل الإسراف ، فالبستان جاف الشفة ظمآن .
- وهذا الكلام لا نهاية له أيها الأب ، فاترك هذا الكلام ، وتدبر العاقبة .
- وإن غيرتي لا تسمح لي بأن " أراهم " يقفون أمامك ويسخرون منك ، فهم ليسوا بعشاق .
- وعشاقك من خلف حجاب الكرم ، أنظر إليهم صائحين " وجدا " من أجلك لحظة بلحظة .
- فكن عاشقا لعشاق الغيب أولاء ، وقلل من اكتساب العشاق الذين يدوم عشقهم خمسة أيام .
 
3205 - فقد أكلوك من خداعهم وجذبهم لك ، ولم تر منهم مثقال حبة لعدة سنوات .
 
“ 335 “
 
- وحتام تقيم محفلا على الطريق العام ، وقد أهلكت الخطو ، ولم تحصل على رغبة واحدة .
- وفي وقت الصحة ، الكل رفاق وأحباء ، وعند الحزن والألم ، أين الأليف سوى الحق ؟
- وعند وجع العين والأسنان ، لا أحد قط يأخذ بيدك ، إلا المغيث الفرد .
- فتذكر إذن نفس هذا الوجع والمرض ، واعتبر بالسترة الجلدية مثل إياز .
 
3210 - فالسترة الجلدية هي حالة مرضك هذه ، وهي التي استمسك بها إياز بكلتا يديه .
 
جواب ذلك الكافر الجبري ثانية على ذلك السني الذي كان يدعوه إلى الإسلام ،
وترك الاعتقاد بالجبر ، وامتداد المناظرة بين الطرفين ، إذ لا يقطع مادة الجدل
والجواب إلا العشق الحقيقي الذي لا يهتم بذلك وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
 
- وبدأ الكافر الجبري في الجواب ، بحيث تحير ذلك الرجل المنطيق .
- لكني إذا ذكرت كل الأسئلة والأجوبة ، فإنني أحيد عن هذا المقال .
- وعندنا أقوال أهم ، ذلك أن فهمك يجد بها الدليل .
- لقد ذكرنا قليلا من ذلك النقاش أيها العتل ، ومن القليل يكون موجودا القانون الكل .
 
3215 - وهكذا يجرى النقاش حتى حشر البشر ، بين أهل الجبر وأهل القدر .
- فإن عجز كل منهم عن دفع خصمه ، لاختفى مذهبه من الوجود .
 
“ 336 “
 
- ولو لم يكن لهم من الجواب مخرج ، لفروا من ذلك الطريق ذي الخسران والتباب .
- ولما كان دوام ذلك المسلك مقضيا ، فإنه يعطيهم بعض الانتشار عن طريق الدلائل .
- حتى لا يصير الخصم ملزما من الإشكال ، وحتى يكون الخصم محجوبا عن الإقبال .
 
3220 - وحتى تبقى هذه الإثنتان وسبعون فرقة في الدنيا على الدوام وحتى يوم الحشر .
- ولما كانت هذه هي أرض الظلمة والغيب ، فإنه يجب أن تكون هناك أرض من أجل الظل .
- فتبقى هذه الإثنتان وسبعون فرقة حتى القيامة ، ومن ثم لا تعوز المبتدع الدلائل .
- وعزة المخزن وقيمته ، إنما تتجلى عندما يكون عليه أقفال كثيرة .
- وعزة المقصد أيها الممتحن ، تكون في وعورة الطريق ووجود العقبات وقطاع الطرق فيه .
 
3225 - وعزة الكعبة وتلك البادية ، من قطع الأعراب للطريق ، واتساع المهمة .
- وكل سلوك في طريق يكون محمودا ، لابد أن يصادف عقبات وموانع وقطاع طرق .
- وهذا السلوك - أي الجبر - صار خصما لذلك السلوك - أي الاختيار - ، حتى يصبح المقلد حائرا بين طريقين .
 
“ 337 “
 
- فيرى صدق كل مذهب في سلوكه الطريق ، ويرى كل حزب ، فرحا بما لديه .
- فإن لم يكن ثم جواب على كل مذهب يقطع الجدل ، لبقي الأمر على هذا الحال حتى يوم القيامة .
 
3230 - وإن عظماءنا يعلمون هذا الجواب " المفحم " ، وإن اختفى عنا نحن وجه الصواب .
- والعشق هو الذي يضع كمامة على فم الوسوسة ، وإلا فمتى سد أحد " طريق " الوسواس " الخناس " ؟
- فهيا ، صر عاشقا ، وابحث عن حسناء جميلة ، وداوم على صيد طيور الماء من جدول إلى جدول .
- ومتى تأخذ رواءً من ذلك الذي يريق ماء وجهك ؟ ومتى تفهم من ذلك الذي يسلب فهمك ؟
- وإنك لتجد معقولات غير هذه المعقولات في العشق ذي البهاء والصولة .
 
3235 - وهناك عقول للحق غير عقلك هذا ، تقوم بتدبير أسباب السماء .
- وإنك بهذا العقل تحصل على الأرزاق ، وبذلك العقل الآخر تجعل طباق السماء أرضا .
- وعندما تخسر العقل في عشق الصمد ، فإنه يعطيك عشرة أمثاله أو سبعمائة مثل .
- وأولئك النسوة عندما قامرن بالعقل ، حملن على رواق عشق يوسف عليه السّلام .
- فسلب عقولهن لحظة واحدة ساقي العمر ، فمللن من العقل باقي العمر .
 
“ 338 “
 
3240 - وجمال ذي الجلال أصل لجمال مائة من أمثال يوسف عليه السّلام ، فيا أقل من امرأة ، كن فداءً لذلك الجمال .
- إن العشق هو الذي يقطع هذا الجدل فحسب ، إذ يكون مغيثا من القيل والقال .
- فالعشق يصيب ذلك النطق بالحيرة ، فلا تكون لديه جرأة على الجدل .
- إذ يخاف إن فتح فاه ليعطي الجواب ، أن تسقط جوهرة من بين شدقيه خارجا 
- فيطبق شفتيه تماما عن الخير والشر ، حتى لا يسقط الجوهر من هذا الفم
 
3245 - مثلما قال ذلك الصحابي : عندما كان الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ علينا الفصول ، 
- كان ذلك الرسول المجتبى يطلب منا وقت العطاء الحضور والوقار الشديد .
- وكأن على رأسك الطير ، فمن فوات ذلك العطاء ، تكون مرتعد الروح .
- فلا تستطيع أن تتحرك من مكانك ، حتى لا يطير طائرك الجميل في الهواء .
- ولا تستطيع أن تتنفس ، وتحبس السعال ، حتى لا يطير ذلك الطائر الهمايوني الميمون .
 
3250 - وإن تحدث إليك " أحدهم " بخير أو شر ، فإنك تضع إصبعك على شفتيك بما يعني : أصمت .
- والحيرة هي ذلك الطائر الذي يسكتك ، يغلق عليك الإناء ، ويغليك جيدا .
 
سؤال الملك إيازا عامدا : حتام تتحدث بفرحك وحزنك إلى الحذاء والسترة وهما جمادان ؟
حتى يدفع إيازا إلى الكلام
 
- يا إياز ، ما هذا الحب لحذاء قديم ؟ وما نتيجته ؟ كأنك عاشق لصنم .
 
“ 339 “
 
- لقد جعلت من حذاء قديم دينا لك ومذهبا ، كما جعل المجنون من وجه ليلى " دينه ومذهبه " .
- ولقد مزجت حب روحك بشيئين قديمين ، وعلقتهما كليهما في حجرتك .
 
3255 - فحتام تتحدث مع قديمين بالكلام الجديد ، وحتام تنفث السر القديم في جماد ؟
- ومثل " الشاعر " العربي تطيل حديثك عن العشق مع الربع والأطلال يا إياز .
- فربع أي وزير عظيم كآصف حذاؤك هذا ؟ وكأن سترتك الجلدية هي قميص يوسف عليه السّلام .
- مثل المسيحي الذي يعترف للقسيس بجرائم عام كامل من الزنا والغل والغش .
- حتى يتجاوز له القسيس عن تلك الذنوب ، فإنه يعتبر عفوه من عفو الإله
 
3260 - ولا خبر لذلك القسيس عن الظلم أو العدل ، لكن العشق والاعتقاد أمران شديدا السحر .
- إن الحب والوهم ينسجان مائة في جمال يوسف عليه السّلام ، وهما أشد سحرا من هاروت وماروت .
- وإنك لتخلق صورة ما على ذكراه ، وانجذابك بالصورة يدفعك إلى الحديث والكلام .
- وتتحدث إلى الصورة بأسرارك آلاف المرات ، مثلما يتحدث الحبيب إلى حبيبه .
 
“ 340 “
 
- وفي حين أنه لا صورة هناك ولا هيكل ، قد انبعث منها مائة سؤال ومائة جواب . “ 1 “
 
3265 - مثل امرأة مسلوبة الفؤاد ، ثكلى أمام قبر ولدها الذي مات حديثا .
- إنها تتحدث إليه بالأسرار بجد واهتمام ، وذلك الجماد يبدو لها حيا .
- إنها تعتبر ذلك التراب حيا وحاضرا ، وترى للغثاء عينا وأذنا
- وعندها أن كل ذرة من تراب ذلك القبر، لديها وعي ولديها أذن، عند الوجد الذي يبدر منها.
- إنها تعتبر ذلك القبر مستمعا ، وذلك بشكل جاد ، فانظر إلى هذا العشق الساحر .
 
3270 - وهي تتجه جادة إلى تراب قبره الحديث لحظة بلحظة ، وتضع وجهها الدامع عليه .
- بالرغم من أنها لم تتجه قط بهذا الشكل إلى ابنها الحبيب كأنه الروح ، عندما كان حيا .
- وعندما تمر عدة أيام على الحداد والسواد ، تسكن نيران وجدها وعشقها .
- فإن العشق للميت لا يبقى ثابتا ، فاعشق الحي الذي يطيل في العمر ويزيد في الروح .
- فإنها من بعد ذلك من نفس ذلك القبر يأتيها النوم ، ويتولد لها جماد من جماد .
 
3275 - ذلك أن العشق اختطف تعويذته ومضى إلى حال سبيله ، وعندما انطفأت النار المتأججة ، بقي التراب .
- وذلك الذي يراه الشاب في المرآة ، إنما يراه الشيخ في قطعة من المدر .
..............................................................
( 1 ) حرفيا : ماىء ، ألست وبلى .
 
“ 341 “
 
- والشيخ هو عشقك ، لا صاحب اللحية البيضاء ، فهو الآخذ بأيدي مئات الآلاف من القانطين .
- والعشق يخلق الصور في الفراق ، وعند اللقاء يبدو ما لم يدر في خلد وما لم يُتصور ،
- قائلا : إنني أصل أصل الصحو والسكر ، والذي كان على الصور هو انعكاس حسننا .
 
3280 - ولقد رفعت الحجب في هذه اللحظة ، ونشرت الحسن بلا واسطة
- ذلك أنك من كثرة ما اندمجت مع صورتي ، وجدت القوة على تجريد ذاتي .
- وعندما سيرت جذبتي من هذه الناحية ، لا يرى أن هناك جذبا بيننا .
- فيطلب المغفرة من الجرم والخطأ ، من وراء هذا الحجاب ، من لطف الله .
- وعندما ينفجر نبع من صخرة ، فإن الصخرة تتوارى في هذا النبع .
 
3285 - ولا يسميها أحدٌ من بعد ذلك حجرا ، ذلك أنه قد فاض منها ذلك الجوهر .
- فاعلم أن هذه الصور مجرد أوعية ، وتأخذ قيمتها مما يصبه الحق فيها .
 
قول أهل المجنون له : إن حسن ليلى محدود وليس فائقا وأجمل منها كثيرات في مدينتنا ، فلنعرض عليك واحدة واثنتين وعشرة منهن ،
وخلصنا وخلص نفسك وجواب المجنون عليهن
 
- قال البلهاء للمجنون جهلا ، إن حسن ليلى ليس طاغيا ، إنه أمر سهل يسير .
 
“ 342 “
 
- فأجمل منها مئات الآلاف من الفاتتات ، كأنهن الأقمار في مدينتنا . “ 1 “
- قال : إن الصورة كالوعاء والحسن خمر ، والله تعالى يسقيني الخمر من صورتها هي .
 
3290 - وربما أعطاكم الله الخل من وعائها ، حتى لا يكون عشقها جارا لكم من الآذان .
- فمن وعاء واحد ، يعطي الله تعالى السم والعسل لكل إنسان .
- وإنك لترى الوعاء ، لكن الشراب ، لا يبدي وجهه لعين من ليس على الصواب .
- وقاصرات الطرف يكن لذة للروح ، لا يبدين أمارتهن إلا لمن خاصم نفسه " التي بين جنبيه " .
- وهذه المدام بمثابة قاصرات الطرف ، وحجب الأوعية بالنسبة لهن كالخيام .
 
3295 - فالبحر خيمة ، فيها الحياة للبط ، لكنه ممات للغربان .
- والسم يكون للحية قوت وزاد ، ولغيرها يكون سمها آلاما وموتا .
- وصورة كل نعمة ، وصورة كل محنة ، هي لهذا جحيم ، ولذاك جنة
- إذن فكل الأشياء والأجسام التي تبصرونها ، فيها قوت أو سم لا تبصرونهما .
- وكل جسد كأنه الوعاء أو كأنه الإناء ، فيه قوت وفيه أيضا تعب وحرقة للقلب .
 
3300 - فالوعاء ظاهر والرغد مختف فيه ، ويعلم طاعمه ما الذي يأكله منه .
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 448 : - هناك الآلاف أكثر رقة منها وكأنهن الحور ، فاختر من بينهن - رفيقة جميلة . 
- وخلص نفسك وخلصنا نحن أيضا من هذا الهوس القبيح المريب .
 
“ 343 “
 
- وكانت صورة يوسف عليه السّلام مثل كأس طيبة ، منها يشرب أبوه الخمر الطروب .
- وكان لإخوته منها السم الزعاف ، الذي كان يزيد من غضبهم وحقدهم الدفين .
- ثم كان لزليخا منها الشهد والسكر ، فكانت تجذب منها أفيونا آخر للعشق .
- وغير ما كان ليعقوب من يوسف عليهما السلام ، كان منه الغذاء من نوع آخر لتلك الحسناء .
 
3305 - إن الشراب متنوع والوعاء واحد ، حتى لا يبقى هناك شك في خمر الغيب .
- والخمر من الغيب ، والوعاء من هذه الدنيا ، والوعاء ظاهر والخمر شديدة الاستتار فيه .
- إنها شديدة الخفاء عن أبصار من لم يؤذن لهم ، لكنها ظاهرة للعيان لمن أذن لهم .
-" يا إلهي سكرت أبصارنا * فاعف عنا أثقلت أوزارنا
-يا خفيا قد ملأت الخافقين * قد علوت فوق نور المشرقين .
 
3310 -أنت سر كاشف أسرارنا * أنت فجر مفجرٌ أنهارنا-
يا خفي الذات محسوس العطا * أنت كالماء ونحن كالرحى-
أنت كالريح ونحن كالغبار * تختفي الريح وغبراهاجهار . “ 1 “
..............................................................
( 1 ) ما بين القوسين بالعربية في المتن الفارسي .
 
“ 344 “
 
- فأنت ربيع ونحن كالبساتين النضرة ، وذلك أن الربيع مستتر وعطاياه ظاهرة .
- وأنت كالروح ، ونحن بمثابة اليد والقدم ، فالقبض والبسط يتأتيان لليد من تأثير الروح .
 
3315 - وأنت كالعقل ، ونحن بمثابة هذا اللسان ، وهذا اللسان له من العقل البيان .
- وأنت كالسرو ونحن الضاحكون ، فنحن نتيجة للسرور متهللون .
- وإن حركتنا في كل لحظة ناطقة بالشهادة ، هي شهادة على " وجود " ذي الجلال السرمدي .
- ودوران حجر الطاحون اضطرابا ، هو شهادة ناطقة بوجود الماء .
- فيا من أنت خارج أوهامنا وقالنا وقيلنا ، ليكن التراب على مفرقي ، وعلى الأمثلة التي أقدمها .
 
3320 - فإن العبد لا يصبر عن صورتك الطيبة ، وكل لحظة يقول : لتكن روحي وطاءً لك .
- مثل ذلك الراعي الذي كان يناجيك قائلا : يا الله ، تعال إلى راعيك ومحبك .
- حتى أخلى من القمل قميصك ، وأخصف نعلك ، وأقبل طرف ثوبك .
- لم يكن له قرين في الهوى والعشق ، لكنه كان عييا عن التسبيح والمقال .
- لقد نصب عشقه خيمة على الفلك ، وصار الروح كلبا أمام خيمة ذلك الراعي .
 
“ 345 “
 
3325 - وعندما جاش بحر عشق الإله ، أثر في قلبه ، بينما أثر على أذنيك ،
حكاية جحا الذي تنقب وجلس بين النساء أثناء الوعظ ، ثم قام بتصرف
ما عرفت منه امرأة أنه رجل وصرخت
- كان هناك أحد الوعاظ ، وكان مفوها جدا في بيانه ، يجتمع الرجال والنساء أسفل منبره .
- وذهب جحا وتحجب وتنقب ، وتسلل خفية وجلس بين النساء .
- وسأل أحد الحاضرين الواعظ هامسا " على استحياء " : هل يكون شعر العانة منقصا " لأركان " الصلاة ؟
- وأجاب الواعظ : عندما يطول شعر العانة ، تكون منه كراهة عند الصلاة .
 
3330 - فأزله بالنورة أو بالموسي ، حتى تتم أركان صلاتك ، وتكون كاملة طيبة .
- قال السائل : إلى أي حد ترى يكون طولها ، بحيث يكون فيه " خطر " نقص أركان الصلاة ؟
- قال : عندما يكون بقدر حبة شعير في الطول ، تكون الإزالة واجبة أيها السئول .
- فقال جحا " لجارته " : أنظرى أيتها الأخت ، هل صار شعر عانتي بنفس ذلك الطول ؟
- ومن أجل رضا الله مدى يديك وتحسسي ، أترينه قد وصل إلى حد الكراهة ؟
 
“ 346 “
 
3335 - فمدت المرأة يدها في سروال الرجل ، فاصطدمت يدها بذكر الرجل .
- فصرخت على الفور صرخة عالية ، فقال الواعظ : لقد بلغ قولي منها سويداء القلب . “ 1 “
- قالت : لا ، لم يطرق القلب ، بل طرق اليد ، والويل كل الويل ، إن كان قد طرق القلب ، يا عظيم العقل .
- لقد طرق قلوب أولئك السحرة قليلا ، فصارت أيديهم والعصا شيئا واحدا .
- فإنك إن أخذت العصا من شيخ أيها المليك ، لتألم أكثر مما تألم أولئك السحرة عند فقدانهم الأيدي والأقدام .
 
3340 - ولقد وصلت صيحاتهم بلا ضَيْرَإلى الفلك ، قائلين : هياخذها ، فقد خلصت الروح من آلام النزع 
- ولقد علمنا أننا لسنا هذا الجسد ، وأننا من وراء الجسد ، نحيا بالله " الواحد الأحد " .
- وما أسعده ذلك الذي عرف نفسه ، وبنى قصرا في الأمن السرمدي .
- والطفل يبكي من أجل الجوز والزبيب ، بينما يكون هذا أمرا هينا بالنسبة للعاقل .
- فالجوز والزبيب هما بمثابة الجسد بالنسبة للقلب ، ومتى يصل الطفل في المعرفة إلى مرتبة الرجال .
 
3345 - وكل من هو محجوب ، هو طفل في حد ذاته ، والرجل هو من يكون بعيدا عن الشك .
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 453 : - هيا تعلموا الصدق من هذه المرأة ، فعندما أثر قولي في قلبها صرخت هكذا .
 
“ 347 “
 
- ولو كان الرجل رجلا بلحيته وخصيتيه ، فإن لكل تيس لحية وشعرا كثا .
- وذلك التيس يكون قائدا خائبا من عجلته ، فيأخذ رفاقه حتى " حانوت " القصاب .
- لقد مشط لحيته قائلا " بفخر " : إنني سابق " متفوق " ، أجل إنه سابق ، لكن إلى الألم والحزن .
- فهيا اختر السلوك ، ودعك من اللحية ، واترك قولك " أنا ونحن " وهذه الجلبة . “ 1 “
 
3350 - حتى تصبح مثل عبير الورود مع العاشقين ، قائدا ومرشدا إلى رياض " الجنان " .
- وما هو عبير الورود ، إنها أنفاس العقل والنهى ، فهو مرشد طيب إلى طريق ملك الأبد .
 
أمر الملك لأياز مرة أخرى أن : إشرح سر الحذاء والسترة بوضوح حتى يجد

أترابك الموعظة من تلك الإشارة ، فالدين النصيحة
 
- بين سر الحذاء يا إياز ، وما هذه الضراعة الشديدة أمام حذاء ؟
- حتى يشرب " سنقر " و " بركيارق ، سر سر سترتك ونعلك .
- ويا إياز ، لقد وجدت العبودية منك النور ، وأسرع نورك منطلقا من الحضيض إلى أوج الأفلاك
 
3355 - فصارت العبودية حسرة للأحرار ، عندما وهبت أنت العبودية الحياة .
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 454 : - لقد جعلت من لحيتك مزرعة للضحك ، فكفاك دلالا أنك أنبت لحية .
 
“ 348 “
 
- والمؤمن هو ذلك الذي في جزر " الحياة " ومدها ، يكون الكافر في حسرة من إيمانه .
 
حكاية الكافر الذي قيل له في زمن أبي يزيد :

أدخل في الإسلام وجوابه
 
- كان هناك مجوسي في زمن أبي يزيد ، فقال له أحد المسلمين ، وكان بشوشا ميالا إلى المزاح :
- ماذا يكون لو دخلت في الإسلام ، حتى تظفر بالرئاسة وترتقي كثيرا ؟
- فقال : إذا كان الإيمان أيها المريد ، هو ذلك الذي عند شيخ العالم أبي اليزيد ،
 
3360 - فلا طاقة لي عليه ، ولا قدرة لي على احتماله ، فهو فوق ما تقوم به مساعي الروح .
- وبالرغم من أنني غير مؤمن أو موقن بدين الإسلام ، لكنني معتقد جدا في إيمانه .
- وعندي إيمان هو أعلى من كل هذا ، هو إيمان لطيف ذو ضياء وذو بهاء .
- إنني مؤمن بإيمانه في سرى وباطني ، بالرغم من أن هناك قفلا محكما على فمي .
- وإذا كان الإيمان في حد ذاته هو ذلك الذي لديكم ، فليس عندي ميل إليه أو اشتهاء .
 
3365 - وذلك الذي يكون لديه إلى الإيمان " بالإسلام " ، عندما يرى إيمانكم ، يفتر ميله .
 
“ 349 “
 
- ذلك أنه يرى اسما ولا معنى ، كما يطلق على الصحراء اسم المفازة .
- فيتجمد عشقه لإبداء الإيمان عندما يرى إيمانكم .
 
حكاية ذلك المؤذن قبيح الصوت الذي أذن في دار الكفر

وأهداه رجل كافر هدية
 
- كان أحد المؤذنين ذا صوت شديد القبح ، وقام بالأذان في دار الكفر . “ 1 “
- فقالوا له وكرروا القول : لا تؤذن ، فقد تنشب الحرب ويطول العداء .
 
3370 - لكنه عاند ، وبلا أدنى احتراز ، قام بأداء الأذان في دار الكفر .
- وخاف الخلق من فتنة عامة ، لكن أحد الكفار جاء بنفسه يحمل ثوبا " كهدية " .
- وأحضر كهدية الشمع والحلوى وذلك الثوب الفاخر ، وأقبل كأنه " الرفيق " الأليف .
- وأخذ يتساءل : أين ذلك المؤذن ؟ إن نداءه وأذانه ليزيدان في الراحة " والسرور " .
..............................................................
( 1 ) النص هنا عند نيكلسون ومن تبعوه شديد الغموض ، فلطالما فكرت : كيف يؤذن المؤذن في دار الكفر؟! وعند جعفري " 12
- 460 " تبدأ الحكاية بأحد عشر بيت توضح النص إلى حد كبير على النحو التالي : -
- أستمع إلى هذه الحكاية يا شديد الذكاء ، دعك من صورتها واستمع إلى معناها .
- كان أحد المؤذنين ذا صوت شديد القبح ، كان طوال الليل يمزق حلقه بهذا الصوت .
- وجعل النوم العميق حراما على الناس ، وأصيب بالصداع منه الخواص والعوام .
- فالأطفال في خوف منه وهم في ثياب النوم ، والرجال والنساء في عذاب من صوته .
- فاجتمعوا على الخلاص منه ، من أجل دفع إزعاجه وأذاه .
- فاستدعوه في التو واللحظة ، وبذلوا له الأموال ، وقالوا : يا فلان :
- إننا جميعا معجبون بأذانك ، لقد أكرمتنا كثيرا ليل نهار أيها العظيم .
- ولقد وصل لكل منا دولة وإقبال منك ، لكن النوم فارقنا منذ فترة .
- فمن أجل راحتنا إعقد لسانك قليلا ، وفي المقابل فإن لدينا رحلة حج ، إصحبها .
- وأخذت القافلة تسير نحو الكعبة بشوق ، فأخذ الأموال ، وسار مع القافلة .
- وفي الليل نزل أهل القافلة للراحة في موضع ما بدار الكفر .
- وذلك المؤذن الذي كان عاشقا لصوته ، أذن في ذلك الموضع بدار الكفر .
 
“ 350 “
 
- ماذا ؟ ! أية راحة في هذا الصوت القبيح ؟ ! قال : إن صوته بلغ مسامعنا حتى الكنيسة .
 
3375 - ولي ابنة لطيفة وذات بهاء شديد ، وكانت تشتهي الدخول في الإسلام .
- ولم تكن هذه الرغبة العارمة تفارق رأسها قط ، وكم كان ينصحها كثير من الكفار .
- لقد كان حب الإيمان قد نبت في قلبها ، وكان الحزن في قلبي كالمجمر وأنا عليه كالعود .
- كنت في آلام وعذاب ونصب وتعذيب ، فقد كانت تحرك السلسلة " نحو الإيمان " لحظة بلحظة .
- ولم أكن أعرف حيلة لهذا الأمر ، حتى " تفضل " ذلك المؤذن بذلك الأذان .
 
3380 - فقالت البنت : ما هذا الصوت الكريه الذي صك مسمعي صكا شديدا ؟ !
- إنني لم أسمع قط طوال عمرى مثل هذا الصوت القبيح ، سواء في الدير أو في الكنيسة .
- فقالت لها أختها : هذا هو صوت الأذان ، إنه إعلان المؤمنين بالإسلام وشعارهم .
- ولم تصدق ، فسألت أخرى ، فقالت لها الأخرى : أجل ، " هو هذا " ، يا " روح " أبيك .
- وعندما تأكدت من الأمر اصفر وجهها ، وفتر الحماس للإسلام في قلبها .
 
3385 - ونجوت أنا ثانية من القلق والعذاب ، ونمت ليلة الأمس نوما عميقا ، لا خوف فيه ولا قلق .
 
“ 351 “
 
- لقد كانت راحتى هذه من صوته ، وأتيت له بهدية على سبيل الشكر ، فأين هذا الرجل ؟
- وعندما رآه ، قال له : تقبل مني هذه الهداية ، فلقد صرت لي مجيرا ومعينا .
- وما قدمته لي من إحسان وبر ، جعلني عبد " إحسانك " على الدوام .
- ولو كنت غنيا بالمال والثروة ، لملأت فاك هذا بالذهب .
 
3390 - " قال المجوسي " : وإيمانكم هذا هو احتيال وزيف ومجاز ، وهو قاطع للطريق مثل ذلك الأذان .
- لكن من إيمان أبي اليزيد وصدقه ، أصيب قلبي وأصيبت روحي بالحسرات .
- مثل تلك المرأة التي رأت جماع الحمار ، فقالت : واحسرتاه ، ما هذا الفحل الفريد ؟
- إذا كان هذا هو الجماع فقد فازت هذه الحمير ، أما هؤلاء الرجال فيغوطون على فروجنا .
- ولقد أعطى بايزيد جملة الإيمان حقه ، وليكن الثناء الجم على مثل هذا الأسد الفريد .
 
3395 - فلو أن قطرة من إيمانه قد مضت إلى البحر ، لغرق البحر في قطرته هذه .
- وكالنار ، لو أن شررا واحدا منها سقط في غابة ، لكان الفناء من هذا الشرر لتلك الغابة .
- مثل ظن واحد يطرق قلب الملك أو الجنود ، وقد جعل الخصوم بددا في القتال .
 
“ 352 “
 
- ألم يبدُ نجم واحد هو نجم محمد صلّى اللّه عليه وسلّم ، ففنى منه أصل اليهود والمجوس؟ “ “
- وذلك الذي وجد الإيمان ، مضى في أمان ، أما كفر الباقين ، فقد بقي قائما على الظن .
 
3400 - وربما لم يبق ذلك الكفر المحض الذي كان عند الأولين ، فقد حل محله إما الإسلام وإما الخوف .
- إن هذا الإيمان هو مزج للزيت بالماء إحتيالا ، وهذه الأمثال تشبه الذرة ، ليست نورا .
- ولا أقصد بالذرة تلك التي تكون هباء متجسدا ، أو ذلك الشيء الذي لا يتفتت ولا ينقسم .
- فاعلم أن لدى مرادا خفيا من ذكرى للذرة ، لكن ليس مأذونا لك بالبحر ، فأنت زبدٌ الآن .
- وإن الشمس النيرة لإيمان الشيخ ، لو أشرقت بوجهها من مشرق روح الشيخ .
 
3405 - فإن كل الوهاد تحتوى على الكنوز حتى " قاع " الثرى ، وكل النجاد تظفر بالخلد الأخضر .
- فإن له روحا من النور المنير ، كما أن له جسدا من التراب الحقير .
- فواعجبا ! ! أهو هذا أو ذاك ، لقد عجزت عن " حل " هذه المشكلة يا عماه
- فإذا كان هو الجسد يا أخي ، فما تكون تلك التي منها امتلأت السماوات السبع بالنور ؟ !
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 461 : - ولقد بزغت نجمة واحدة في محمد صلّى اللّه عليه وسلّم ففنى بها كل الكفر في الشرق والغرب .


“ 353 “
 
- وإذا كان هو تلك " الروح " فما هذا البدن أيها الصديق؟ واعجباه !! من هو؟ وأيهما يكون ؟!
 
حكاية تلك المرأة التي قالت لزوجها : إن القطة أكلت اللحم ،

فوضع الزوج القطة على الميزان فوجد وزنها نصف من ، فقال : يا امرأة ،

كان اللحم نصف من وأكثر فإذا كان هذا هو اللحم ، فأين القطة ؟ !

وإذا كانت هذه هي القطة ، فأين اللحم ؟
 
3410 - كان هناك رجل رب بيت ، وكانت له زوجة عيابة سليطة وقذرة وطويلة اليد .
- وكل ما كان الرجل يحضره ، كانت المرأة تبدده ، وكان الرجل مضطرا إلى الاستسلام والسكوت .
- وأحضر ذلك المعيل لحما " ذات مرة " من أجل ضيف ، وحمله إلى المنزل بعد جهد جهيد .
- فأكلته المرأة شواءً مع الشراب ، وجاء الرجل ، فقدمت إليه عذرا واهيا .
- وسأل الرجل : أين اللحم ؟ فقد وصل الضيف ، وينبغي أن يقدم الطعام الدسم للضيف .
 
3415 - فقالت المرأة : لقد أكلت هذه القطة ذلك اللحم ، فاشتر لحما آخر إن وجد ، هيا .
- فصاح : يا " أيبك " ، هات الميزان ، وسوف أقوم بوزن القطة .
- ووزنها ، وكان وزن القطة نصف " من " ، فقال ذلك الرجل : أيتها المرأة المحتالة :
- لقد كان اللحم يزن نصف " من " ويزيد رطلا ، والقطة نصف من يا سيدتي .
- فإذا كانت هذه هي القطة فأين ذلك اللحم؟ وإذا كان هذا هو اللحم ، فأين القطة، إبحثي عنها.
 
“ 354 “
 
3420 - فإذا كان هذا هو بايزيد ، فما تلك الروح ؟ وإذا كان هو تلك الروح ، فما هذه الصورة ؟
- إنها حيرة في حيرة أيها الصديق ، وليس هذا شأنك ، كما أنه ليس من شأني .
- إنه كلاهما معا ، لكن من محصول الزرع ، تكون البذور أصلا ، أما هذا التبن والقش ففرع .
- وإن الحكمة قد جمعت هذه الأضداد معا ، وهذا القصاب يجمع معا ما حول الفخذ وما حول الرقبة .
- والروح بلا جسد لا تستطيع العمل ، وجسدك بلا روح يكون باردا متجمدا . “ 1 “
 
3425 - وجسدك ظاهر ، أما روحك فخفية ، وبهذين كليهما صحت أسباب الدنيا .
- وإنك لتقذف الرأس بالتراب فلا تشج ، وتصب الماء على تلك الرأس ، فلا تشج أيضا .
- وإذا كنت تريد أن تشج الرأس ، فعليك أن تخلط الماء بالتراب .
- وعندما تشج الرأس يذهب ماؤها نحو أصله ، ويأتي التراب صوب التراب يوم الفصل .
- والحكمة التي صارت للحق من هذا الازدواج ، قد حصلت من الحاجة ومن الفراق واللجاج .
 
3430 - وتكون حينذاك ازدواجات أخرى ، لا سمعت بها أذن ولا أبصرتها عين .
..............................................................
( 1 ) ج / 12 - 470 : -
- والجسد بلا روح أقل من التراب أيها الحبيب ، والروح كاللب والجسد كالقشر .
- والجسد بلا روح لا يتأتى منع عمل ، فجاهد حتى تحصل على روح أيها المحتال .
 
“ 355 “
 
- وإذا كانت أذن قد سمعتها ، فمتى كانت تبقى أذنا ، أو من أين كان يتأتى لها ثانية ضبط الكلام ؟
- وإذا كان الثلج والبَرَد قد أبصرا الشمس ، لقطعا من بعدها الأمل في طبيعة الثلج .
- ولصارا ماءً خاليين من العروق والعقد ، ولصنع داود الهواء والنسيم مجنا من ذلك الماء .
- ولصارا من بعدها دواءً لكل شجرة ، ولسعد جد كل شجرة من قدومهما .
 
3435 - وذلك الثلج المتجمد قد بقي " منطويا " على نفسه ، وقد قرأ على كل شجرةلا مِساسَ.
-" ليس يألف ، ليس يؤلف جسمه * ليس إلا شح نفس قسمه" . “ 1 “
- إنه لا يذهب هدرا ، ومنه يستفيق الكبد ، لكنه لا يكون رسولا وسلطانا للنبات .
- يا إياز ، إن نجمك سامق الارتفاع ، وليس كل برج قابلا لعبوره .
- ومتى تقبل كل وفاء همتك ؟ ومتى تصطفي كل صفاء صفوتك ؟ .
.
* * * 

 شرح حكاية في إثبات الاختيار وبيان أن القضاء والقدر لا ينفيان الاختيار 


( 3039 - 3057 ) : يواصل مولانا أدلته على أن الإنسان مختارا ، فإذا لم يكن الإنسان مختاراً وكان الاختيار للحق دون سواه ، فكيف تغضب على من يسئ إليك ، إنك تغضب على من يسئ إليك إن كان عاقلا ، لكنك لا تغضب إن كان غير عاقل ، ومن ثم فالاختيار مقارن للعقل ، وحتى الحيوانات تفعل هذا ، فهل رأيت حيوانا هاجم عصا ضربته دون أن يهاجم الضارب ؟ ! هل رأيت كلبا تقذفه بحجر فيصب غضبه على الحجر " إنه يفعل ذلك فحسب عندما لا يطولك وللوهلة الأولى ثم سرعان ما يدرك انك الضارب لا الحجر " .
 
( 3085 - 3076 ) : يواصل مولانا تقديم أدلته على الاختيار ، والحكاية الواردة في البيتين الأوليين وردت في ربيع البرار للزمخشري والمستطرف للأبشيهى منسوبة إلى الإسكندر ( مآخذ / 182 ) .
 
أمر الإسكندر بصلب سارق : فقال : أيها الملك فعلت ما فعلت وأنا كاره ، فقال وتصلب أيضا وأنت كاره .
إن الجبر يقلب العالم إلى فوضى ، فالسارق والمعتدى والقاتل كلهم يقومون بما يقومون به اعتمادا على هذا المبدأ ، عجيب ومع ذلك فأنت تتلاعب بالجبر والاختيار ، تختار الحرفة ، وخلف نفسك العاصية تكون مختار تماما ، لكنك عند شكر النعمة صامت أو قائل بأن الله لم يهبك شكر هذه النعمة ، تراك تقبل أن يقول لك الجحيم : اعذرنى علي حرقى إياك ؟ !
أنه لولا الاختيار لما انتظمت الدنيا .
 
“ 573 “ 
 
( 3077 ) : يواصل مولانا ويقدم قصة أخرى ساخرة وهي كما هو واضح على نسق القصة السابقة وتجرى في سياقها وهي فيما يبدو من تأليف مولانا ووردت في كتابه " فيه ما فيه " ، قبل أن ترد في المثنوى .
 
( 3087 - 3097 ) : من هذا البيت يبدأ مولانا في مبحث آخر دفعه إليه خشيته من أن يفهم القارئ أن الاختيار للعبد مطلق وأنه من الممكن أن يختار على اختيار الله سبحانه وتعالى ، أو يفهم آخر أن مولانا ينفى الاختيار عن الله سبحانه وتعالى كلية ، فاختيار العبد كالغبار ، واختيار الرب فوقه كالفارس الذي يثير هذا الغبار دون أن يكون ظاهرا
( هذا المثال موجود في الكتاب الثالث ، البيتين 383 - 384 ) ،
إننا نختار ما اختاره الله لنا ، فاختيار الله هو الاختيار الكلى واختيارنا هو الاختيار الجزئي ، ولو لم يكن لنا اختيار لما خيرنا الله بين أمرين ، وتسلط الله سبحانه وتعالى على صورة بلا اختيار أمر لا عظمة فيه ، فلا عظمة في أن تحكم من لا يتأتى منه فعل ، سواء كان هذا الفعل خيرا أو شرا ، لا عظمة في أن تسيطر على عبد بل العظمة الحقيقية في أن يكون حكمك على حر ، إن السيطرة على من لا اختيار له تتأتى من كل إنسان ،
لكن أية عظمة في أن تجر صيدا من أذنه أو تجر إنسان من أذنه أيضاً ، فالله حينئذ بدون آية آلة يقيد باختياره ذلك الإنسان المجبر ويجره إلى حيث يشاء ،
هذا الأمر يكون كسيطرة النجار على الخشب والمصور على الصورة والحداد على الحديد والبناء على الآلات التي يستخدمها ، فهل قدرتك على هذه الجمادات ، نفت عنها صفة الجمادية ، كيف تجيز إذن أن يكون اختياره جل وعلا نافيا لاختيارك أنت . !
 
( 3089 - 3104 ) : مشيئة الله سارية في الكون بشكل كلى وبلا زمان أو مكان ، وليس في الأمر جبر أو ضلال ، إنك " أيها المجوسي " تقول أن كفرى هو مشيئته ، لكنها مشيئتك أنت أيضاً ، فكيف ثم كفر دون مشيئة من الكافر ؟ !
وكيف يغضب علينا سبحانه وتعالى إن كفرنا دون أن يكون لنا دخلٌ في هذا الكفر ، أيغضب علينا لعجزنا ، إن هذا السلوك لا يليق حتى مع ثور ، فالثور أن لم يقبل السير ضرب ، لكنه لا يضرب أن قلت له طر ولم يطر ، ومن ثم فإن لم تكن مريضا لا تربط رأسك ( مثل فارسي ) ، ولا تسخر من نفسك كل هذه السخرية فتكون أقل من ثور .
 
( 3105 - 3110 ) : والحل لكل هذا النقاش أن تكون عاشقا فيذوب اختيارك في اختياره ولا ترى لنفسك اختيار دون اختياره ، فيكون كل ما تفعله هو فعل الحق ، يكون العشق هو
 
“ 574 “
  
اختيارك ، والسكران بهذه الخمر معذور ، وهو حتى لا يكون في حاجة إلى أن يعذره أحد ، فهو لا يفعل في سكره إلا الحق وإلا الصواب ، والمثل التالي عن سحرة فرعون وارد بتفصيلات أكثر في الكتاب الثالث ( انظر الأبيات 1723 - 1730 وشروحها ) .
 
( 3111 - 3130 ) : [ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ] ، حديث نبوي يكرره مولانا كثيرا في المثنوى ( انظر على سبيل المثال ، الكتاب الأول : 1888 - 1898 والكتاب الذي بين أيدينا الأبيات 2929 - 2937 ) . 
عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم علمه دعاءً وأمره أن يتعاهد به أهله كل يوم [ قال : قل كل يوم حين تصبح اللهم لبيك وسعديك والخير في يديك ومنك وبك وإليك ، اللهم ما قلت من قول أو نذرت من نذر أو حلفت من حلف فمشيئتك بين يديه ما شئت كان وما لم تشأ لم يكن ]
( مسند أحمد 5 / 191 ، أحاديث مثنوى 174 ) . وليس عند الله صباح ولا مساء : أي ليس في عالم اللاهوت زمان ، لأن الزمان مرتبط بالأفلاك وهو فوق الأفلاك ، فليس حديث " ما شاء الله كان " دعوة إلى الكسل وإلى الاستسلام لما تأتى به المقادير ، بالعكس انه دعوة للعمل والجد والاستعداد في كل لحظة .
يقول يوسف بن أحمد :
وهذا الحديث معناه قريب لقوله تعالى :كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ، قال في الجلاليين معناه أمر يظهره على وفق ما قدره في الأزل من إحياء وإماته واعزاز واذلال وغناء وإعدام وإجابة داع وإعطاء سائل وغير ذلك ، ( مولوى 5 / 453 ) ،
فإذا كان الأمر أمرك أنت جاز لك أن تتكاسل ، فإذا قيل لك أن الأمر أمر الله ، معناه أن تسعى في رضا اللّه دون رضا سواه ، إذا قيل لك أن الأمر في يد الوزير فلان ، يكون رد فعلك أن تبتعد عنه أو يكون رد فعلك أن تقترب منه ؟ !
أترى الأن أنك قلبت تفسير : ما شاء الله كان وجعلته على هواك لأن هواك في الكسل ، وتكفى نتيجة تفسيرك هذه لكي تثبت لك أن تفسيرك هذا سىء ، فهناك علامة للتفسير الصحيح هو أن يدفعك إلى العمل وبذل الجهد ، والجهاد في رضا لله ويملأك حماسا وحركة وأملا ، لأن الله سبحانه وتعالى لا يريد من عبده الكسل والتواكل ، والرسول صلّى اللّه عليه وسلّم لا يقول ما يؤدى إلى القنوط واليأس ،
والقعود عن العمل والعبادة ، ولماذا تسرع في التفسير حسب هواك ، ما أحراك أن تفسر القرآن بالقرآن لأن القرآن يفسر بعضه بعضا ، فإن لم تكن قادرا على هذا ، فابحث عن الولي الكامل غير المغرض الذي أضرم نار العشق في هواه وهوسه ، وصار كله لله وللقرآن حتى ذاب في القرآن وصار قرآنا ، كما يذوب الزيت في الورود
( عند تقطير العطور ) ، فسواء إن شممت ذلك الزيت الذي ذاب في الورود أو شممت الورود نفسها ،
 
“ 575 “
  
سواء سألت القرآن عن معنى القرآن ، أو سألت الولي الذي ذاب في القرآن وفنى في الله فناء تاما ، هذا هو الراسخ في العلم الذي نص سبحانه وتعالى على أنه هو الذي يستطيع أن يعلم تأويله .
 
( 3131 - 3134 ) : يتعرض مولانا جلال الدين لحديث آخر يحتج به الجبريون لأنهم يفهمونه على غير معناه والحديث هو " جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة " ، ويحتج الجبريون بهذا الحديث بأن كل ما يجرى على البشر قدر منذ الأزل وبالتالي فلا فائدة من العبادة أو الدعاء لأن الله سبحانه وتعالى لن يغير شيئا ما دامت الأقلام قد جفت والصحف قد طويت . هل يعقل أن يقول لعبده : يا عبدي لا تدعني لقد جف القلم ولن يجديك هذا الدعاء نفعاً ؟ ! ! . وهناك حديث آخر في هذا المعنى " فرغ ربكم من أمر العباد فريق في الجنة وفريق في السعير " ( انقروى 5 / 677 ) .
قال أحد الصحابة : أو لا نعمل يا رسول الله : قال صلّى اللّه عليه وسلّم اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، ويقدم مولانا تفسيرا آخر لحديث " جف القلم " ، فجف القلم تحريض على العمل لا على الكسل ، وعلى " الشغل الأهم " ، أي على العبادة لأن القلم جف وفرغ من أمر جعل الجزاء من جنس الفعل ، ولا تبديل لسنة الله ولا تغير لها ، إنك مرتبط بأفعالك ،فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ
إذا ظلمت فأنت مدبر ، وإن رحمت تُرحم ، وإن سرقت تقطع ، وإن سكرت تثمل ، بهذا جف القلم ، جف القلم وكتب أن الله سبحانه وتعالى عدل وحق يجزى بالحسن حسنا وبالسوء سوءً ، وليس بفعلك لأن الله سبحانه وتعالى يمحو ما يشاء ويثبت ويغير ويبدل " والدعاء يمنع القضاء " ، وإلا فهل من المعقول أن يقدر الله أفعال عبادة ثم ينعزل عنها انعزالا كليا ،
ويتركهم هملا ضياعا ، جاهدوا أو لم يجاهدوا أطاعوا أو لم يطيعوا ، أخلصوا له أو لم يخلصوا له وخانوه ، وهل يعقل هذا حتى على ملك من ملوك الأرض ، هل هناك ملك من ملوك الأرض لا يفرق أمام عرشه بين الوفي والخائن وبين من يخافه ومن يسخر منه ؟ !
اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، إن ميزان الله سبحانه وتعالى لا يضيع شيئا مهما كان ضئيلا ، فلو زدت مثقال ذرة في عبادتك ظهرت في هذا الميزان ، إنه هو السميع البصير ، لا يسمع لواش أو نمام ، بل إن الوشاة والنمامين ( الشياطين ) ، عندما ييأسون ويحبطون أمام بلاطه يعودون إلينا ويوسوسون لنا قائلين : ما جدوى العمل ؟ ! لقد جف القلم وكتب من كتب سعيدا وكتب من كتب شقيا والسعيد
  
“ 576 “


سعيد في بطن أمه والشقي شقى في بطن أمه ، إن هذا دس للمليك وحديث بالسوء عنه ، لا بل الوفاء جزاء على الوفاء ، والجفاء جزاء على الجفاء بهذا جف القلم .
 
( 3135 - 3159 ) : وهناك أيضاً العفو الإلهى ، وهناك الرجاء في هذا العفو وعدم القنوط منه فلا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ، وأجمل من هذا الرجاء رجاء المتقى الذي ابيض وجهه من التقوى ، ذلك أن وجه العاصي المعفو عنه لا تصل بحال من الأحوال إلى درجة المتقى أصلا ، تماما كما يعفو الملك عن اللص لكنه لا يصير وزيرا أو خازنا ، وأنت أيها الإنسان المؤمن أمين في الأرض على هذا الدين فكن أمينا على أسرار الحق فإنك أصبحت صاحب تاج ولواء ( ابن الخليفة ) من قبولك لهذه الأمانة ، ولا تغتر بهذا ، فإنك إن خنت هذه الأمانة سوف تكون جديرا بقطع رأسك ، في حين انه قد يهب " غلاما هنديا " ، عناية الربانية وينيله المعرفة " الدولة السرمدية " ( انظر حديقة سنائى ، البيت 718 : لتركى جلف حدث رقيق قلب مئات الآلاف من الأعلام ) ، ليس هذا فحسب ، بل القلب نفسه ببركة إخلاصه يصاحب الرجال ، فانظر أي إنعام نزل على الكلب ، فما بالك إذا كان هذا الكلب أسدا " رجلا من رجال الله " ؟ !
 
( 3160 - 3164 ) : إن إنعامه لا نهاية له ، بشرط أن تتوب وتعود ، فان الانغماس في الذنب يغلق باب الرحمة ، حتى هذا اللص قاطع الطريق ينبغي عليه ألا يقنط من رحمة الله ، وانظر إلى قصة الفضيل بن عياض ( 105 - 187 هـ )
كان قبل توبته قاطع طريق ، وذات يوم كان مع عصبته يقطع الطريق على قافلة فسمع قارئا للقرآن: يقرأأَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِفتاب وصار فقيها محدثا ثم عارفا من كبار العارفين ،
وقامر بطهر :
أي ضحى بنفسه في سبيل الله ، وتضحيته بنفسه إسراعة إلى التوبة بقوة عشرة رجال ، ثم هل يمكن أن يكون هناك عاص أكثر عصيانا من سحرة فرعون ، أولئك الذين قالوا " بعزة فرعون " ، وقعدوا في طريق التوبة ، ثم عندما تاب الله عليهم ، اعترفوا بنوبة موسى عليه السّلام وبألوهية رب العالمين ، وضحوا في سبيل هذا بأيديهم وأقدامهم ( انظر البيت 3109 من الكتاب الذي بين أيدينا وشروحه ) ، فكانت جذبة تساوى عمل الثقلين ، فهل رأيت طاعة خمسين عاما نالت مثل هذا الصدق ؟ !
 
( 3165 ) : الحكاية التي تبدأ بهذا البيت وردت قبل المثنوى في منطق الطير للعطار حيث جرى الحديث عن مجنون أو واحد من عقلاء المجانين رأى غلمان أمير المدينة في زينتهم
 
“ 577 “ 
 
فرفع رأسه إلى السماء داعياً : " تعلم إكرام العبيد من العميد " ، وفي الحكاية التي بين أيدينا المقصود بعميد خراسان فيما يبدو هو محمد بن منصور النسوي حاكم هرات ومن رجال العصر السلجوقى في القرن السادس ، وتوفى سنة 594 ه ، ( عن مآخذ ، ص 183 ) .
 
( 3169 - 3173 ) : كان الرجل معوزا عاريا جائعا فأبدى بعض الجرأة على الله تعالى ، والانبساط في مصطلح الصوفية الحديث دون رعاية للآداب ، ويجد له مولانا العذر ليس في جوعه أو عوزه أو عريه ، بل لأنه كان غائبا عن نفسه فلم تسيطر عليها ، كما أنه أيضاً كان نديما لله سبحانه وتعالى فتجرأ عليه كما يتجرأ النديم على الملك ، فإن جاز له هذا فلا يجوز لك ، إن النديم يتوقح على الملك لأنه " يعرفه " ، أما أنت وأنت لم تعرفه بعد فلا يجوز لك هذا ، وإن كنت لا تعرف فلك أن تعرف أن عطايا الله سبحانه وتعالى تفوق كل العطايا حتى لو وهبك أحدهم تاجا ، أكان هذا التاج يكون ذا نفع دون أن تكون هناك الرأس وهي هبة من الله تعالى .
 
( 3174 - 3179 ) : هذا الجزء من الحكاية إضافة عليها لم ترد في الحكاية الأصلية ، كان مولانا يريد أن يرد على الدرويش فآثر أن يرد عليه في صورة الحكاية أيضاً : لقد تعرض الغلمان للتعذيب ولم يفش أحدهم سر العميد بعد أن مزق أربا ، ويرى استعلامى ( 5 / 365 ) ، في تفسير البيت 3179 أن الهاتف كان للعميد الذي يعذب غلمانه وأن البيت يقصد : أن عبيدك هكذا عبيد طيبون لأنك كنت سيدا طيبا ، ولا أدرى من أين جاء بهذا التفسير لأن السياق يحتم أن يكون الهاتف للدرويش ، تعال وتعلم العبودية ، لقد كان العميد يغدق على الغلمان لأنه كان يعلم أنهم أوفياء حفظة لأسراره .
 
( 3180 - 3186 ) : يترك مولانا قصة عميد خراسان ويقوم بإرشاد المريدين : ومزقت جلود أمثال يوسف أي تصرفت بجفاء مع الطيبين وأسأت إلى المحسنين ( مر نفس التعبير في الكتاب الرابع ، الأبيات 3662 ) وفكرة أن الأحزان تحيق بالإنسان من فعله ، مرت في الكتاب الثالث ، ببيان أكثر روعة ( انظر الأبيات 348 - 359 وشروحها )وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها( الشورى / 40 ) .
 إن رجال الحق موجودون في كل عصر ، وإن سليمان هذا لماثل أمام الجميع ، ( الكتاب الثاني 3782 ) ، فدعك من الأفعال الشيطانية وإلا قطعتك سيوفهم ، وكل من ترك صفاته الشيطانية لا خوف عنده من رجال الحق ، ذلك أن الشياطين فحسب هم الذين
 
“ 578 “
 
يخشونهم ، وحين يصل المرء إلى مرتبة الملائكة يكون عيشه فوق الأفلاك ، يكون آمنا من الكدح على الأرض ، لقد جاوز مرحلة الكدح ووصل إلى مرتبة الملائكة .
 
( 3187 - 3194 ) : يعود مولانا هنا إلى مناقشة المجوسي الجبري الذي بدأت القضية به ويخاطبه قائلا : دعك من هذا الجبر فهو جبر العوام ينفى عنهم مسئوليته كل خير وكل شر ، وأدخل في جبر الخواص الذي فنى وجودهم الفردى في الحق فصار فعلهم هو فعل الحق ، ودعك من جبر الكسالى ، حتى يأتيك ذلك الجبر الذي يهبك روحا جديدة ، جبر الخواص والفانين في الله ، ودعك من عشقك لنفسك وكن عاشقا للحقيقة واقلع عن تخيل أنك طيب وخير وفائق على الآخرين ، انصرف قليلا عن أنيتك ، ولا يكن طوافك كله حول نفسك ، دعك من عبادة ذاتك ، فإن أولئك الذين يطوفون دائما حول ذواتهم لا شئ عندهم يقولونه ، فأي عالم هذا الذي يتحدثون عنه ، إنسان محدود بنفسه ، ماذا لديه لكي يقال ،
 إنه صامت كالليل حتى وإن تكلم ، إن عمرك كله قد ضاع هدرا ، والناس تحرك رؤوسها إعجابا ، وإن قال لك أحدهم أقلع عن هذا ، إن هؤلاء الذين يجتمعون حولك يظنونك ماء عذبا لأنهم لم يذوقوا الماء العذب ، تقول له : كفاك حسدا ، أي حسد ؟ ! هل يحسد الإنسان الغثاء والهباء والغثاثة والتفاهة ؟ !
إن تعليم هؤلاء مثل الرسم على المدر " الطوب " ، أما النقش على الحجر ، والذي يظل دائما فهو " العشق " و " النظر " ، لكي تصير أستاذا وشيخا وتجد لك مريدين علم نفسك العشق وعلم نفسك النظر أي الإدراك الباطني للشيوخ الكاملين .
 
( 3195 - 3199 ) : ونفسك تلميذ وفي ، كما تعلمها تتعلم ، وكما تدربها تكون وما سواها من التلاميذ غير موجود ما دامت هي لم تتعلم ، وهؤلاء الأدنياء الأخساء لا يتعلمون منك شيئا ، وطالما تدعوهم فاضلين وعلماء ، فإنك تدل على أنك خلاء وخواء ، أنت فارغ وهم فارغون فمن أين يأتيك العشق ومن أين يأتيك النظر ، لكن إذا كان قلبك متصلا ببحر العلم اللدني والعلم المطلق الإلهى ، فمن حقك آنذاك أن تتحدث لأنك " تغرف من البحر الذي لا ينتهى " ، والذي يأتي إلى قلبك منه المدد باستمرار ، إنما يخشى من يأخذ من الجداول جفاف هذه الجداول ، وأمر " قل " ، إشارة إلى المواضع الموجودة في القرآن التي أمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم بالقول ، والآيات التي تبدأ ب " قل " ، أما الأمر ب " أنصتوا " ، فهو لأولئك الذين لم يبلغوا درجة من العلم ومع ذلك يتحدثون ويفيضون فسرعان ما تجف بساتينهم بعد إنفاق ما بها من ماء ، لكن المتصل بالبحر لا يجف علمه ولا ينفد
 
“ 579 “
  
( 3200 - 3209 ) : ويا أيها المتحدث وأنت معتمد على هذا العلم الدنيوي ، دعك من هذا الكلام فلا طائل من ورائه ولا نتيجة منه ، وانظر إلى عاقبتك هنا ، وغيرتى لا تسمح لي بأن أرى الأخساء الذين جمعتهم حولك يستمعون إليك وهم يسخرون منك ، إنهم ليسوا بعشاق ، الذين جمعهم هذا الخطيب الدنيوي يستمعون إليه ، إنهم سخرية حقيقية من العشاق ،
 العشاق الحقيقيون مختفون " خلف حجاب الكرم " لا يتشدقون ولا يتظاهرون ، لكن وجدهم وصياح وجدهم تصل إليك أنت ، والعشق الحقيقي يكون لعشاق الغيب هؤلاء ،
أما عشاق الدنيا فإن عشقهم يدوم عدة أيام لا أكثر ، إنهم يستغلونك أيها الشيخ و " يأكلون " منك ، دون أن تنال منهم مثقال ذرة من فائدة ، وما قيامك بهذا المحفل في الطريق العام من أجل هؤلاء العوام ، كيف تبسط لهم بساط الإرشاد في الطريق العام ،
 لقد أهلكت نفسك دون أن تصل إلى هدفك من إرشادهم ، وعندما تسقط مريضا فلن يقف أحدهم إلى جوارك ، ففي الحزن والألم لا مواسى إلا الله سبحانه وتعالى ، فهو الذي يكشف السوء ، ويأخذ باليد ، ويغيث المستغيث ، فتذكر أيام مرضك عندما ينفض هؤلاء المريدون العوام من حولك ، كن مثل إياز اعتبر أن أيام المرض هي السترة الجلدية ، وتذكرها مثلما كان إياز يقبض على سترته الجلدية بكلتا يديه .
 
( 3210 - 3218 ) : عودة إلى مناقشة المجوسي الجبري ، لقد رد المجوسي الجبري ، بأجوبة لم يوردها مولانا واكتفى بقوله أنه حيرت " الرجل المنطيق " أي المشتغل بالمنطق ولعله يقصد أبا عمرو بن العلاء ( انظر شرح 2912 ) ثم يعود مولانا فيقول أن هدفه كله ليس القضية في حد ذاتها ومن ثم فهو لا يطيل فيها ، وهناك أقوال عنده أهم من هذا المقال ومن قبل في الكتاب الثالث
 
( الأبيات 1361 - 1375 ) عند التوفيق بين حديثي الرضا بالكفر كفر ومن لم يرض بقضائي فليطلب ربا سواي ، ذكر مولانا صراحة أنه لو واصل المناقشة جدلًا ، فإن نقاط العشق سوف تمضى لذتها عنده ، وسوف ينقلب " دوره " إلى دور آخر أي سينقلب من مرشد صوفي عاشق إلى متكلم يجادل ، ثم إن مولانا يبين سعة أفق ، وموضوعية أنه إن


 
“ 580 “
  
ذكر أدلة كلها فعليه أن يذكر أدلة الآخر كلها ، ومن ثم فمن الأفضل أن يترك الموضوع برمته ، لأن الخلاف - في هذه القضية وفي غيرها - قائم إلى يوم القيامة ، والله سبحانه وتعالى يمد كل فريق بأدلته ، وذلك حتى لا ينتصر أحد ، والنقاش في حد ذاته لن يؤدى إلى نتيجة ما دام الحل كما رأى مولانا كامناً في العشق ، والعشق ليس بالنقاش وليس بالجدل بل هو ذوق وموهبة وعطية .
 
( 3219 - 3221 ) : إن وجود الاثنين وسبعين فرقة أمر ضروري " إشارة بالطبع إلى الحديث الشهير : افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة الناجية منها واحدة " لكن الإمام الغزالي في فصل التفرقة بين الإسلام والزندقة نقل الحديث بصورة توحى بأن الفرق كلها ناجية إلا واحدة هي فرقة الزنادقة ويتفق هذا التفسير مع منطق مولانا فتبعه ( سر نى ، جلد 1 ، ص 414 )
فلا يمكن أن يكون وجود الفرق الهالكة ضرورة من الضرورات ، إن هذه المذاهب والفرق هي ظلال النور ، لأن هذه الأرض هي أرض الظلال ، وأرض المذهب الواحد واللون الواحد أرض أخرى ، الاختلاف إذن هو طبيعة هذه الأرض ، وينبغي أن تكون قابلًا له ، الله نفسه يقبله ، أليس هو الذي يهب - حتى المبتدع - هذه القدرة على النقاش ؟ إذن فكيف يميز المؤمن ، إن لم يكن ثم مبتدع ( ديدن مولانا جلال الدين إن المتضادات لازمة ، انظر الكتاب الذي بين أيدينا الأبيات 575 - 581 وشروحها ) .
 
( 3222 - 3229 ) : وحتى إن كان للمحقق التعب والمشقة من كل هذه الفرق التي عليه أن يتغلب عليها حتى يحصل على الحقيقة فما الضرر في هذا ؟ إن عزة أي طريق في وجود المشقة والتعب منه ، حينذاك يكون اجتيازه نجاحاً حقيقياً ، ما قيمة أن تفتح مخزناً واهى الأبواب ؟ وما قيمة هدف يكون طريقه سهلًا ميسراً لا عقبات فيه ولا وعورة ولا قطاع الطريق ؟ وهل تكون زيارة الكعبة عزيزة إلا بقطع البوادي والتعرض لهجمات الأعراب ؟
 
“ 581 “ 
 
وبقدر ما تعاني من ألم الغربة تكون العودة إلى الموطن عذبة لذيذة ، أنظر إلى هذه الفرق والمذاهب من هذا المنطق ، كل سلوك في طريق محمود يستلزم العقبات ، والمقلد هو الذي يحار بين الطرق ، عندما يرى أن ( كلحِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) ( المؤمنون 53 ) ولأن الجواب الذي يقطع الجدل غير موجود ، فهو مستمر إلى يوم القيامة ويتدارك مولانا : لا إن عظماءنا يعلمون هذا الجواب المفحم ، وإن كان هذا الجواب المفحم مخفياً عنا فهو ليس مخفياً عنهم والواجب علينا اتباعهم وأخذ هذا الجواب عنهم .
 
( 3230 - 3239 ) : إن العشق هو الذي ينهى هذه الوسوسة وهذا الجدال والعناد ، ولا يستطيع شخص ما مهما أوتى من عقل أن ينتصر على هذا الوسواس الخناس ، فصر عاشقاً ، وابحث عن الحقيقة ، فلا جمال هناك سوى جمال الحقيقة ، وابحث عن طيور الماء " الأرواح التي تستطيع السباحة في بحار الغيب وتدرك هذه الأسرار "
( وعن طيور الماء وطيور المنزل انظر الكتاب الثاني 3781 - 3791 ) ،
ابحث عن الرجال الذين وجدوا حتى تجد ، إن هذه الوسوسات تريق ماء وجهك ، وتسلب فهمك ، وهناك فرق بين معقولات أهل الدرس والكتاب والمدرسة ومعقولات أخرى يهبها لك العشق ، وهناك غير عقلك هذا الذي يدبر أمور معاشك عقول أخرى عند أهل الحق تدبر لك معادك وتدبر أمور السماوات ،
وماذا إن وجدت أن عقلك الجزئي هذا لم يسع عشق الرحمن ولم يتحمله فانفرط بدداً ، إن عقل العشق وعقل الإيمان الذي يهبه الحق لك هو أضعاف أضعاف هذا العقل الذي خسرته ، وقارن ولا تكن أقل من نسوة مصر اللائي قامرن بعقولهن عندما رأين جمال يوسف ،
وسلب العشق عقولهم لحظة واحدة فمللن هذه العقول إلى الأبد ، وإذا كان جمال ذي الجلال أصل لمائة جمال من أمثال يوسف " كل الجمال الموجود في الأرض جزء من عشرة أجزاء من الجمال والتسعة الباقية لله سبحانه وتعالى " ،
فهل تكون أنت يا رجل الطريق أقل من امرأة ، ولا تقامر بعقلك في سبيل هذا الجمال ؟
 
( 3240 - 3250 ) : فالعشق إذن هو الذي يقضى على هذا الجدال بين الجبر والاختيار ، وهو الذي يغيثنا من القيل والقال ، وما يدركه العاشق لا يمكن التعبير عنه ولا يستوعبه المقال ، قلتها كثيراً ولن أمل من تكرارها ، إن العشق يفقد المرء النطق ، يصيبه بالحيرة
( انظر الكتاب الثالث 1115 - 1116 وشروحها ) إنه يخشى أن يفتح فاه مثلًا تسقط جوهرة الإدراك من بواطنهم ويستشهد مولانا بما رواه أسامة بن شريك عن أن صحابة رسول الله 
 
“ 582 “ 
 
صلّى اللّه عليه وسلّم كانوا يجلسون في مجلسه " وكأن على رؤوسهم الطير " عن أسامة بن شريك قال : أتيت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وإذا أصحابه كأنما على رؤوسهم الطير . مسند أحمد ج 4 ، ص 278 عن أحاديث مثنوى ( أنظر أحاديث مثنوى ص 178 )
وما هذا كله إلا خوفاً من فوات العطاء ، وأنت أيضاً إذا جلست في محضر الرجال العظماء فاجلس بحضور ووقار ولتكن كل سمعا وإصغاء وانتباهاً ، فالطائر المذكور في الرواية هو طائر المجد الميمون ، إذا وقع ظله على شحاذ قلبه ملكاً ، وهل تفعل الإفاضات الإلهية من أفواه الكاملين غير هذا الفعل ؟ إن هذا الطائر الذي يسلبك أنت هو " الحيرة " من هذا الذي يكشف لك ولم تكن تظن أنك جدير به ، تكون صامتاً لكنه يغليك ( كحبة الحمص في الكتاب الثالث انظر الأبيات 4162 - 4169 )
ليحولك من حالة الإنسانية إلى حالة الملائكية ، ومن جسد إلى روح ، مثلما تنضج حبة الحمص لتتحول من حالة النباتية إلى دم وفكر وروح في بدن الإنسان .
 
( 3251 - 3263 ) : عودة إلى قصة اياز التي بدأها مولانا في البيت 1857 وأشار إليها في البيت 3208 وفي العنوان تعنى كلمة عامدا أن السلطان كان يعلم الجواب لكنه كان يريد أن يسمعه من إياز ، وإياز هنا هو العبد الصالح الذي يدرك حقارته أمام الخالق . كيف تجعل يا إياز شيئا دنيويا هو في الحقيقة مانع في الطريق قبلة لك كما جعل المجنون من شئ دنيوي هو وجه ليلى ديناً له ومذهباً ، وكيف تتحدث بالجديد " الكلام " عن هيامك مع شيئين قديمين هما الحذاء والسترة ؟ وكيف يكون عشقك هكذا للجماد مثلما كان الشاعر العربي القديم يتحدث إلى الأطلال والربع والدمن بعشقه ( قدم مولانا جواباً على هذا السؤال بالذات في الكتاب الثالث الأبيات : 1345 - 1355 وشروحها )
ولب القضية هنا أنه لا حديث بدون قديم بل ينبغي أن يقوم الحديث على القديم ، تراك يا إياز تعتبر حذاءك بديلًا عن ربع آصف " وزير سليمان الذي عنده علم من الكتاب " أو ترى سترتك الجلدية هي قميص يوسف الذي ألقى على وجه يعقوب فارتد بصيرا " والذي هو عند الصوفية رمز لبشارة الإفاضات الإلهية " ؟
أو تراك تقوم بالاعتراف الكنسي كما يقوم النصارى أمام القسيس بالاعتراف بذنوبهم ويؤمنون أشد الإيمان أن القسيس يغفر لهم هذه الذنوب وإن غفران القسيس من غفران الله ، في حين أن القسيس غافل هو الآخر عن الظلم وعن العدل ، لكنه الاعتقاد قد ينصب على إنسان وقد ينصب على جماد ، وينسج الحب والوهم صوراً جميلة كجمال يوسف ، لأن سحر الحب وسحر الوهم أشد سحراً من سحر هاروت وماروت
( انظر الكتاب الثالث 800 - 809 وشروحها ) ، إن هذا
 
“ 583 “
  
السحر يخلق صورة على ذكراه ، وهذا الانجذاب إلى الصورة يجعلك تظنها كائناً حياً فتعاملها كما لو كانت كائناً حياً بالفعل ، في حين أنه لا صورة هناك ولا تمثال ومع ذلك فبينك وبينها مائة سؤال وجواب ، تخاطبها قائلًا : ألست محبوباً لك وتتخيل أنها تجيب عليك قائلة لك :
بلى ، وكل هذا من الوهم ومن الخيال الذي صور لك وجوداً ليس موجوداً بالفعل .
 
( 3264 - 3274 ) : إن أولئك الذين يبحثون عن الله سبحانه وتعالى في آثار خلقه في هذا العالم أشبه بتلك الأم الثكلى التي تبكى وليدها الذي مات ، وتجلس إلى قبره وتحدثه كأنه حي في حين أنه مجرد تراب ، إن خياله أمامها جسد لها هذا الوهم ، إنها تعتبر القبر ذا عين وأدن ، لكن عشقها لهذا الوليد هو الذي صور لها هذا الوهم ، وقد تكون أكثر حباً لهذا القبر ( الوهم ) من حبها لوليدها عندما كان حياً ( الحقيقة ) لكن عشق الميت لا يستمر ، ومن ثم أوصى دائماً بأن تعشق الحي الذي لا يموت ، ومن هنا فلا تمر بضعة أيام حتى يهدها البكاء أمام قبر ذلك الطفل المحبوب فتنام ، وهل ينام المحب في حضرة محبوبه ؟
لا ، العشق الذي كان موجوداً مضى إلى حال سبيله ، " أخذ تعويذته ومضى " ، وعندما تنطفىء النيران لا يبقى إلا التراب .
 
( 3275 - 3285 ) : والشيخ هو الذي يدرك هذا للوهلة الأولى ، كأنه يراه في المرآة ، حتى وإن كان ينظر في قطعة من اللبن ، إنه يستطيع أن يفرق بين العشق وعاقبته وبين الوهم الذي يبدو عشقاً ، والمثال مأخوذ من سنائى ( انظر تفسيرات أخرى على شرح الأبيات 2193 - 2209 من الكتاب الثالث وشرح البيت 3374 من نفس الكتاب والبيت 168 من الكتاب الثاني )
وعن نفس هذه الفكرة عبر القشيري عن الصوفية " مذاهبهم أقوى من قواعد كل مذهب فالذي للناس غيب فهو لهم ظهور ، والذي للخلق من المعارف مقصود فلهم من الحق سبحانه موجود ،فهم من أهل الوصال والناس من أهل الاستدلال (عن شروح كفافى الكتاب الثاني ص 404)
 
إنني أقصد بالشيخ الذي يأخذ بيدك هو عشقك أنت لا الشيخ صاحب اللحية البيضاء فجناح العشق يعبر بك الأفلاك مهما كنت قانطا ، إن الصور تتخلق وينشط الخيال ويسيطر الوهم عندما يكون فراق ، لكن شتان ما بين ما تدركه عند اللقاء وبين هذا الوهم والخيال الذي كان مسيطراً عليك ، عامل نفسه آنذاك قائلًا لك : أنا الأصل في الصحو السكر الذي ينعكس على تلك الصور ( انظر الكتاب الثالث 3252 )
إن الذي انعكس على تلك الصور فجعلها تجلت لك بهذا الشكل هو حسننا ، وعند اللقاء رفعت الحجب ، وهذا هو الحسن بلا واسطة
  
“ 584 “
  
( انظر الكتاب الذي بين أيدينا عن جرعة الحسن الصافية دون تراب الأبيات 372 - 379 ) وأنت من كثرة ما امتزجت بالصور ( آثار وجود الحق ) وفكرت فيها وتمعنت وتحيرت واندهشت وسبحت وكبرت وحمدت صرت جديراً بإدراك الذات مجردة من الصور ، فأجذبك برش لطفى وأنت لا ترى هذا الجذب لكنك لا تلبث أن تحس بآثاره ، فينبثق منك ماء المعرفة كما ينبثق النبع من الصخرة ويتوارى وجودك خلف هذا الماء كما يتوارى وجود الصخرة خلف الماء فلا تبقى صفاتها الصخرية ، واعلم أن الوجود الظاهري للكائنات هي مجرد أوعية قيمتها بما فيها من معان ومدركات أودعها الحق إياها .
 
( 3286 - 3311 ) : الحكاية الواردة هنا من الحكايات الشهيرة في الأدب الفارسي قصها سعدى في الكلستان وضمنها أبياتاً عربية من شعر المجنون ( كلستان سعدى بتحقيق فروغي ص 169 ، تهران ب . د . وانظر إحدى ترجماته العربية " جبرائيل بن يوسف المخلع أو محمد موسى هنداوى أو الترجمة الأخيرة لأمين عبد المجيد بدوي ) وأشار إليها مولانا في بيتين من الكتاب الأول ( 407 - 408 ) وهي موجودة في هوامش الديوان المنسوب لمجنون بنى عامر ، 
ويجيب المجنون هنا بما يؤيد الفكرة الموجودة في البيت 3285 ، وهو أنه ليس المهم الوعاء
( الصورة ) لكن المهم هو ما يناله الإنسان من الوعاء ( المعنى ) وأن المعاني ليست متاحة لكل إنسان ، بل ينبغي أن يكون جديراً بها ، فالعشق أيضاً ليس جديراً بكل إنسان ويتراوح عطاء الأوعية بقدر تراوح واختلاف استحقاق الناس فيها فقد يكون " سما "
( لذة دنيوية ) لإنسان وعسلا " معرفة لعالم الغيب " لإنسان آخر والصورة مأخوذة من سنائى البيت 461 من الحديقة ) وقاصرات الطرف أي حور الجنان موجودات في الخيام " الأوعية " ولا يكون تجليهم إلا لمن وعدهم الله سبحانه وتعالى ، وكل شئ في هذه الحياة نسبى وقائم على النسبة وإليك هذه الأدلة ، يوسف عليه السّلام بالنسبة لأبيه وبالنسبة لأخوته وبالنسبة لزليخا
 
( امرأة العزيز ) بل أن هناك فرقاً بين حب يعقوب وحب زليخا ، انظر إلى الوعاء واحد ، ونصيب كل إنسان فيه مختلف بحسب درجة واستحقاقه وطبيعته ، الإناء واحد والخمور مختلفة ، الإناء ظاهر ، والخمور مستترة ، وفي الأبيات العربية معاني تكررت في أبيات فارسية سابقة والمقصود بها أن وجودك أيها الإله موجود في داخلنا وإن كان مستتراً ونحن دليل على هذا الوجود .
 
( 3312 - 3324 ) : لا يزال مولانا في مناجاته : إن الله سبحانه وتعالى كالريح غير ظاهرة لكن آثاره ظاهرة في البساتين ، وكالروح غير ظاهرة في الجسد لكنها هي التي تحرك قوى 
 
“ 585 “
 
الجسد كله وكالسرور ، لا يبدو لكنه يظهر في الضحك وتهلل الوجه ، وكالماء الذي يسير حجر الطاحون دون أن يكون ظاهرا ، ويتوقف مولانا طالما قال أن آفة الحال هو المقال ، فما هذا الذي يقوله ، وما هذه الأمثلة التي يقدمها ، كيف يصف ما هو خارج الأوهام بهذه الصفات ، وكيف يتحدث عنه بهذه السطحية ؟ 
ما أشبهه بذلك الراعي الجاهل الذي كان يناجى ربه بقوله : إني راعيك ومحبك فتعال أخلى قميصك من القمل واخصف نعلك وأرعى حمارك ؟ 
( القصة برمتها واردة في الكتاب الثاني ابتداء من البيت 1724 ) لكنه العشق أثر في قلبه فانطلق وهو الراعي الجاهل الغبي بهذا الحديث ، كان محباً ولم يكن خطيباً مفوهاً ، وأنت لا يتجاوز منك كل هذا الحديث الأذن .
 
( 3325 ) : حكاية أخرى من حكايات الهزل عن مولانا ، ومن حوالي 800 بيت سبقت ، والإفاضات العميقة تنساب من مولانا ولابد أن تحضر لطيفة فيقولها دون أن تكون خارجة عن السياق ، للتخفيف عن سامعه ، ولجحا في الأدب الفارسي شأن ورويت عنه حكايات عديدة في الحديقة ( انظر حديقة الحقيقة الأبيات 5708 - 5714 وشروحها ) كما روى عنه مولانا حكاية في الكتاب الثاني ( انظر 3128 وشروحه ) .
والقصة هنا لم ترد في مصدر قبل المثنوى ، وربما كانت من التراث الشعبي وسقطت إلى عبيد الزاكانى شاعر القرن الثامن في لطائفه ربما نقلا عن مولانا .
 
( 3337 - 3339 ) : ينتقل مولانا من الفكاهة التي ألقاها ليتحدث عن تأثير الدعوة الإلهية عندما تجد لها مكاناً في سويداء القلب وتؤثر فيه ويتجاوز تأثيرها الأذن ، والدليل سحرة فرعون الذين أدركوا أن موسى عليه السّلام على حق وكانوا يعلمون أنهم لن ينتصروا عليه .
وفي البيت 3338 إشارة إلى تهديد فرعون بتقطيع أيدي السحرة وأرجلهم ( انظر الأعراف الآيات 105 - 120 وانظر الكتاب الثالث من البيت 1723 فما يليه ) وفي البيت 3339 إشارة إلى الآية الكريمةلا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ( الشعراء . 5 ) .
 
( 3341 ) : ذات الإنسان هنا هي الروح التي تربطه بعالم المعنى وهي في اتصالها بالوجود المطلق تعيش في قصر موجود في الأمن السرمدي ذلك أن من عرف نفسه فقد عرف ربه ومن عرف ربه كان في حمى وأمن من هذه المعرفة ، والجسد هو بمثابة الشئ التافه الذي يرضى الأطفال ، لأن الطفل لا هم له في المعرفة أما الرجال فهمهم القلب ، ذلك القلب الخالي من الشكوك والريب والمطمئن إلى معرفة الله سبحانه وتعالى ، وأنا أقصد بالرجل ذلك الرجل
.
* * *
* * *
واتساب

مدونة لعلوم التصوف وكبار العارفين بالله والأولياء وعرض لعلوم الإحسان

ليست هناك تعليقات: